الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

وهم للبخاريّ في «التاريخ الكبير»: قلب اسم مسلم بن الوليد بن ر باح! وخلط في ثقات ابن حبان! وترجمة أبي البداح بن عاصم.

وهم للبخاريّ في "التاريخ الكبير": قلب اسم مسلم بن الوليد بن ر باح! وخلطٌ في ثقات ابن حبان! وترجمة أبي البداح بن عاصم.

 

بقلم: أبي صهيب الحايك.

 

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (8/153): "الوليد بن مسلم بن أبي رباح مولى لآل أبي ذباب. عن المطلب بن عبدالله بن حنطب: سمعت عمر بن عبدالعزيز: سأل أبا بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام عن الكبائر؟ فقال: سمعت عبدالله بن عمرو يقول: الإشراك بالله".

قلت: هذا وهم من البخاري، والصواب: مسلم بن الوليد، قلب اسمه. وقد نبه على هذا الوهم أبو حاتم الرازي وأبو زرعة.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (9/16): "الوليد بن مسلم بن أبي رباح مولى آل رباب. روى عن المطلب بن عبدالله بن حنطب. روى عنه... سمعت أبي يقول ذلك. قال أبي وأبو زرعة: إنما هو مسلم بن الوليد بن رباح. وقد حولته إلى موضعه".

وقال في ((الجرح والتعديل)) (8/197): "مسلم بن الوليد بن رباح مولى آل أبي ذباب. روى عن المطلب بن عبدالله بن حنطب. سمعت أبي يقول ذلك. وكان البخاري أخرج هذا الاسم في باب الوليد بن مسلم بن أبي رباح، فقال أبو زرعة: إنما هو مسلم بن الوليد، وكذا قاله أبي".

وقال في ((بيان خطأ البخاري)) (ص130): "الوليد بن مسلم بن أبي رباح مولى آل أبي ذباب. وإنما هو مسلم بن الوليد بن رباح".

ولا أدري كيف وقع البخاري في هذا الوهم وقد ترجم لأخيه محمد! فقال في ((التاريخ الكبير)) (1/255): "محمد بن الوليد بن رباح مولى ابن أبي ذباب الدوسي. قال دحيم: حدثنا ابن أبي فديك قال: حدثنا موسى بن يعقوب، عن محمد بن الوليد بن رباح مولى ابن أبي ذباب: أن أباه أخبره: أنه سمع أبا هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أحب أن أحداً في بيتي ذهباً يمضي في ثلاث، وفي بيتي منه دينار إلا في مغرم أو أنفقه في سبيل الله))".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/112): "محمد بن الوليد بن رباح مولى ابن أبي ذباب. قرشي. روى عن أبيه. روى عنه موسى بن يعقوب الزمعي. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (7/424): "محمد بن الوليد بن رباح. يروي عن أبيه عن أبي هريرة. روى عنه موسى بن يعقوب الزمعي".

ولم يترجم البخاري للوليد بن رباح مع أنه يعرفه وقد حسّن حديثه.

قال الترمذي في ((العلل الكبير)) (ص261): "حدثنا يحيى بن أكثم: حدثنا ابن أبي حازم، عن كثير بن زيد، عن الوليد بن رباح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن المرأة لتأخذ للقوم -يعني تجير على المسلمين)).

سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: "هو حديثٌ صحيحٌ. وكثير بن زيد سمع من الوليد بن رباح. والوليد بن رباح سمع من أبي هريرة. والوليد بن رباح مقارب الحديث".

وقال أيضاً في ((العلل الكبير)) (ص389): قال محمد –يعني البخاري-: "الوليد بن رباح: حسنُ الحديث".

وقد ترجم ابن أبي حاتم للوليد فقال في ((الجرح والتعديل)) (9/4): "الوليد بن رباح مولى ابن أبي ذباب. روى عن أبي هريرة. روى عنه كثير بن زيد الأسلمي. سمعت أبي يقول ذلك. وسُئِل عنه؟ فقال: صالح".

وذكره ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (القسم المتمم) (ص156): "الوليد بن رباح مولى الدوسيين. روى عن أبي هريرة. وروى عنه كثير بن زيد وغيره".

· خلطٌ في ثقات ابن حبان، ووهم لابن حجر!

قال ابن حبان في ((الثقات)) (5/493): "الوليد بن رباح بن عاصم بن عدي، كنيته أبو البداح. يروي عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس. عِداده في أهل المدينة. روى عنه أهلها. وُلد في سنة ثلاث وثلاثين، ومات سنة سبع عشرة ومئة".

وقال في ((مشاهير علماء الأمصار)) (ص74): "الوليد بن رباح بن عاصم، أبو البداح. كان مولده سنة ثلاث وثلاثين، ومات سنة سبع عشرة ومئة".

قلت: عدّ ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (11/117) هذا الوليد بن رباح مولى أبي ذباب، فإنه قال: "الوليد بن رباح الدوسي المدني مولى بن أبي ذباب. روى عن أبي هريرة وسهل بن حنيف وسلمان الأغر. وعنه أبناه محمد ومسلم وكثير بن زيد الأسلمي. قال أبو حاتم: صالح. وقال البخاري: حسن الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات. قلت: وأرخ وفاته سنة سبع عشرة ومئة".

وقد علّق المعلمي اليماني على ترجمة ابن حبان في الثقات، فقال: "إن يكن غير أبي البداح بن عاصم بن عدي الذي يأتي في الكنى فلم ندر من هو؟".

وقد ترجم ابن حبان في ((الثقات)) (5/592) من الكنى: "أبو البداح بن عاصم بن عدي الأنصاري. يروي عن أبيه. روى عنه أهل المدينة. مات سنة سبع عشرة ومئة، وهو ابن أربع وثمانين سنة. كنيته أبو عمرو".

قلت: فهذه الترجمة تدل على أنه غير الوليد بن رباح مولى أبي ذباب. وقد تنبّه لهذا المعلمي اليماني في تعليقه على التاريخ الكبير (8/153) فقال: "هذه الترجمة التي في الثقات ((الوليد بن رباح بن عاصم...)) تخليطٌ محضٌ لا يصح أن يُعتمد عليه، وإنما يستفد إليه في أن ابن حبان ذكر الوليد بن رباح في الثقات، ولهذا والله أعلم لم يحك المزي وفاة الوليد سنة 117، فإن الظاهر أن الولادة والوفاة إنما ألصقت بهذه الترجمة من ترجمة أبي البداح".

قلت: نعم، الظاهر أنه حصل خلط في هاتين الترجمتين، فوهم ابن حجر في نقل وفاة الوليد بن رباح سنة 117هـ! لأن هذه الوفاة تخص أبا البداح، وهو شخص آخر.

· ترجمة أبي البدّاح ابن عاصم والاختلاف في سنة وفاته وفي صحبته!

وقد ترجم له البخاريّ في ((الكنى)) (ص16) فقال: "أبو البداح بن عاصم بن عدي الأنصاريّ الأوسي عن أبيه. روى عنه أبو بكر بن حزم".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (9/348): "أبو البداح ابن عاصم بن عدي. روى عن أبيه. روى عنه أبو بكر بن حزم. سمعت أبي يقول ذلك".

وأبو البداح ابن عاصم بن عدي لا يوقف على اسمه، وقيل كنيته اسمه، وقيل كنيته أبو عمرو. قال الحاكم في ((المستدرك)) (1/652): "أبو البداح هو: ابن عاصم بن عدي، وهو مشهور في التابعين، وعاصم بن عدي مشهور في الصحابة، وهو صاحب اللعان".

وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (5/261): "أبو البداح بن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان من بلي قضاعة حلفاء لبني عمرو بن عوف من الأوس. قال محمد بن عمر: أبو البداح لقبٌ غلب عليه، ويكنى أبا عمرو، وتوفي سنة سبع عشرة ومئة في خلافة هشام بن عبدالملك وهو ابن أربع وثمانين سنة. وكان ثقة قليل الحديث".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص621): "أبو البداح، بفتح الموحدة وتشديد المهملة وآخره مهملة، ابن عاصم بن عدي بن الجد، بفتح الجيم، البلوي حليف الأنصار. يقال: اسمه عدي، ويقال كنيته أبو عمرو، وأبو البداح لقب. ثقة من الثالثة. مات سنة عشر ومئة، وقيل بعد ذلك. ووهم من قال له صحبة".

قلت: اختلف في وفاته، فقال الواقدي ومن تبعه توفي سنة (117هـ)، وقال ابن حجر سنة (110هـ)!

وقد روى ابن زَبْر الربعي في ((مولد العلماء ووفياتهم)) (1/102) من طريق سعيد بن أسد قال: "مات أبو البداح عاصم بن عدي سنة سبع عشرة. ومات وهو ابن أربع وثمانين". ثُم نقل في (1/263) عن عمرو بن علي بن بحر قوله: "مات أبو البداح ابن عاصم بن عدي سنة عشر ومئة، وهو ابن أربع وثمانين".

قلت: الراجح عندي أنه توفي سنة سبع عشرة ومئة، وكأن من قال أنه توفي سنة عشر ومئة سقط من كتابه لفظ: "سبع"، فصارت: "عشر ومئة"، والله أعلم.

وقد ذكر بعضهم أن لأبي البداح صحبة، ولا يصح ذلك، فهو تابعيّ باتفاق. وقد وقع في إسناد حديثه اختلاف فجاء في إسناد أن اسمه "البداح" فذكره بعضهم في الصحابة!

قال ابن حبان في ((الثقات)) (3/37): "البداح بن عدي الأنصاري. يقال: إن له صحبة، وفي القلب منه لكثرة الاختلاف في إسناده".

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (1/355): "البداح بن عدي الأنصاري. قال ابن حبان: يقال له صحبة وفي القلب من كثرة الاختلاف في إسناده. وذكره الباوردي، وهو وهم نشأ عن تصحيف؛ فإنه أخرج من طريق روح بن القاسم عن محمد بن أبي بكر بن حزم عن البداح بن عدي عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء الحديث. وهذا قد رواه مالك وغيره عن عبدالله بن أبي بكر بن حزم عن أبي البداح بن عاصم بن عدي، وهو الصواب. وكذلك أخرجه أبو داود من رواية ابن عيينة عن محمد بن أبي بكر بن حزم على الصواب. ورأيت في حواشي السنن لابن القيم الحنبلي الجزم بأن زوج جميلة بنت يسار أخت معقل بن يسار اسمه البداح التابعي، والله أعلم".

· تناقض ابن عبدالبر!

وقال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (4/1608): "أبو البداح ابن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي من قضاعة ثم الأنصاري حليف لبني عمرو بن عوف. اختلف فيه، فقيل: الصحبة لأبيه، وهو من التابعين. وقيل أبو البداح: له صحبة، وهو الذي توفي عن سبيعة الأسلمية إذ خطبها أبو السنابل بن بعكك. ذكره ابن جريج وغيره، وهو الصحيح في أن له صحبة، والأكثر يذكرونه في الصحابة، وقيل أبو البداح لقب وكنيته أبو عمرو".

قلت: قد خالف ابن عبدالبر قوله هذا في صحبة أبي البداح! فقال في ((التمهيد)) (17/251): "وقد قال بعض الناس: إن لأبي البداح صحبة، ولا يصح ما قال، وإنما دخل عليه ذلك لقول ابن جريج: إن أخت معقل بن يسار كانت تحت أبي البداح فطلقها".

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/48): "أبو البداح بن عاصم بن عدي بن الجد بن العجلان البلوي، حليف الأنصار. قال أبو عمر: اختلف فيه، فقيل الصحبة لأبيه، وهو من التابعين، وقيل له صحبة، وهو الذي توفي عن سبعية الأسلمية وخطبها أبو السنابل بن بعكك، ذكره ابن جريج وغيره وهو الصحيح في أن له صحبة والأكثر يذكرونه في الصحابة انتهى. وعليه مؤاخذات: الأولى: أن مالكاً أخرج في ((الموطأ)) عن عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن جزم عن أبيه عن أبي البداح حديثاً، وهذا يدل على تأخر أبي البداح عن عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يدرك العصر النبوي، وقد روى أيضاً عن أبي البداح أبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام وابنه عبدالملك وغير واحد. وأرخ جماعة وفاته سنة سبع عشرة ومئة، وقال الواقدي: مات سنة عشر ومئة، وله أربع وثمانون سنة، فعلى هذا يكون مولده سنة ست وعشرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بخمس عشرة سنة، وهذا كله يدفع أن يكون له صحبة، ويدفع قول ابن منده: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم. وقد روى ابن عاصم هذا عن أبيه، وحديثه عنه في السنن، روى عنه ابنه عاصم وغيره. وقال ابن سعد عن الواقدي: أبو البداح لقب وكنيته أبو عمرو. قال: وكان ثقة قليل الحديث. قال ابن فتحون: قول أبي عمر توفي عن سبيعة وهم إنما كان أبو البداح زوجاً لجمل بنت يسار أخت معقل بن يسار. قلت: فذكر القصة المتقدمة لأبي البداح في القسم الأول وهو غير هذا قطعاً، فالتبس عليه كما التبس على غيره، والذي يظهر من قول من ذكر أن له صحبة ينطبق على أبي البداح الذي قيل له إنه كان زوج أخت معقل بن يسار، فلعله الذي قيل له إنه مات في العصر النبوي وخلف زوجته حاملاً، لكن المعروف أن اسم زوج سبيعة إنما هو سعد بن خولة وهو الذي ثبت في الصحيح أنه كان زوج سبيعة فتوفي عنها وهي حامل، والله سبحانه وتعالى أعلم".

قلت: نقل ابن حجر عن الواقدي أن وفاته كانت سنة عشر ومئة، وهو وهم؛ لأن ابن سعد نقل عن الواقدي أنه توفي سنة سبع عشرة ومئة كما سبق.

شاركنا تعليقك