الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«ابنُ المَرْزُبَانِ وتَدلِيس الشّيوخ»!

«ابنُ المَرْزُبَانِ وتدليس الشّيوخ»

العَلاَّمَةُ الأَخْبَارِي أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ خَلَفِ بنِ المَرْزُبَانِ بنِ بَسَّامٍ المُحَوَّلِيُّ البَغْدَادِيُّ الآجُرِّيّ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ.

حَدَّثَ عَنْ: الزُّبَيْرِ بنِ بكَّار، وَأَحْمَدَ بنِ مَنْصُوْرٍ الرَّمَادِيّ، وَمُحَمَّدِ بنِ أَبِي السَّرِيّ الأَزْدِيّ لاَ العَسْقلاَنِي، وَأَبِي بَكْرٍ بنِ أَبِي الدُّنْيَا، وأحمد بن أبي خيثمةَ، وَعِدَّة.

حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ بنُ الأَنْبَارِيُّ النحويُّ، وَأَبُو الفَضْلِ بنُ المُتَوَكِّل، وَأَبُو عُمَرَ ابْن حَيُّويَه، وَآخَرُوْنَ.

له عدّة تصانيف، منها: كِتَاب «المروءة»، وكتاب «ذمّ الثقلاء»، وكتاب «الحَاوِي فِي عُلُوْم القُرْآن»، وَكِتَاب فِي «الحمَاسَة»، وَكِتَاب «المتيَّمِين»، وَكِتَاب «أَخْبَار الشُّعَرَاء»، وَكِتَاب «تَفضيل الكِلاب على كَثيرٍ ممن لَبِسَ الثِّياب»، وَغَيْرُ ذَلِكَ.

وَكَانَ صَدُوْقاً، واسع الرواية، حسن التأليف.

مَاتَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ وَثَلاَثِ مائَةٍ، فِي عَشْرِ الثَّمَانِيْنَ، أَوْ جَاوزهَا.

كان كغيره من البغداديين المصنّفين يحبّ تدليس شيوخه، وكان هذا النّوع من التدليس شهوة عندهم، فيتفنّنون في ذلك.

وكان أحياناً يُدلّس لروايته عن أقرانه، وأحياناً لضعف الشيخ أو اتهّامه!

وهذا النوع من التدليس أوقع بعض أهل العلم في تجهيل بعض هؤلاء الشيوخ؛ لعدم معرفتهم.

وأوقع كذلك بعض المشتغلين بالتحقيق في زماننا بتجهيلهم كذلك، أو ذكر بعض هؤلاء على الاحتمال: إما فلان أو فلان دون جزم!

بل إن مُحقق كتاب «ذم الثقلاء» أورد أسماء شيوخه كما في الأسانيد، وقال: "وكثير منهم لا نعرف - اليوم - عنه شيئاً".

ومن خلال الاطلاع على ما توفّر من كتب ابن المرزبان وجدته يُدلّس شيوخه، بل وشيوخ شيوخه.

·       تدليسه لإسحاق الأحمر!

فهو يُحدِّث عن «أبي يعقوبَ النَّخعي» ولا يُسميه! وهو: إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان الأحمر، وهو كذّابٌ مَارِقٌ من الغُلاة.

·       تدليسه للحسن بن عرفة!

ويُحدّث عن «أَبي عَلِيٍّ العَبْدِيّ»، وهو: الحسن بن عرفة العبدي البغدادي (257هـ).

·       تدليسه لعُمر بن شبّة!

ويُحدّث عن «أَبي زَيْدٍ النُّمَيْرِيّ»، وهو: عُمَرُ بنُ شَبَّةَ الأخباري المشهور.

·       تدليسه لابن أبي خَيثمةَ!

ويُحدِّث عن «أبي بكرٍ العَامري»، فيقول: أَخْبرنِي أَبُو بكر العامري قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الحسن المَدَائِنِي عَليّ بن مُحَمَّد.

ويقول: أنبأنا أبو بكر العامري، قال: حدّثنا سليمان بن أبي شيخ.

وأحياناً يقول: حدثنا أبو بكر ابن زهير: حدثنا أبو الحسن علي بن محمد القرشي.

وأبو بكر العامري هو: أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ أَبِي خَيْثَمَةَ زُهَيْرُ بنُ حَرْبِ بنِ شَدَّادٍ الحَرَشِيُّ مَوْلَى بَنِي الحَرِيْشِ بنِ كَعْبِ بنِ عَامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ.

وَقد أَخَذَ أَيَّامَ النَّاسِ عَنْ أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ المَدَائِنِيِّ. وَالأَدَبَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سَلاَّمٍ الجُمَحِيِّ.

·       تدليسه للحارث بن أبي أُسامة!

ويروي أيضاً عن «أبي محمدٍ التميميّ» فيقول: "حدثنا أبو محمد التميمي"، وأحياناً يقول: "حدثنا أبو محمد: حدثنا أبو الحسن المدائني".

وهو: الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي أُسَامَةَ التَّمِيْمِيُّ مَوْلاَهُمْ البَغْدَادِيّ، صَاحِبُ «المُسْنَدِ» المَشْهُوْرِ.

وروى ابن المرزبان عن «أبي محمدٍ الطوسي عن علي بن محمد القرشي»، وعن «أبي محمدٍ الطوسي عن أحمد بن يحيى»، وأكبر ظنّي أن أبا محمد الطوسي هذا هو: الحارث بن أبي أسامة، نزل طوس بلدة بخراسان فنسبه ابن المرزبان إليها، والله أعلم.

وروى أيضاً عن أَبي مُحَمَّدٍ المَرْوَزِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ بِشْرٍ الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ أَيُّوْبَ صَاحِبِ البَصْرِيِّ، قَالَ: قُلْتُ لِغُنْدَرٍ: إِنَّهُم يُعَظِّمُوْنَ مَا فِيْكَ مِنَ السَّلاَمَةِ.

قَالَ: يَكْذِبُوْنَ عَلَيَّ.

قُلْتُ: فَحَدِّثْنِي بِشَيْءٍ يَصِحُّ مِنْهَا.

قَالَ: صُمْتُ يَوْماً، فَأَكَلتُ فِيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ نَاسِياً، ثُمَّ أَتْمَمْتُ صَوْمِي. [سير أعلام النبلاء: (9/101)].

وروى عن أبي محمد المروزي، قال: أخبرني أحمد بن عثمان، قال: دخل المأمون على أم جعفر بعد قتل محمد، فرأى على رأسها جارية من أحسن الناس وجهاً وقدَّاً وشمائل، فأعجب بها المأمون. [تاريخ دمشق: (33/329)].

وأبو محمد المروزي هذا قد دلّسه ابن المرزبان، وغالب ظنّي أنه الحارث بن أبي أسامة كذلك، والله أعلم.

·       تدليسه لعَبْداللَّه بن شبيب الرَّبعيّ!

وروى ابن عساكر في «تاريخه» (70/22) من طريق محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثنا أبو سعيد المدني، قال: حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي وذؤيب بن عمامة...

قلت: أَبُو سعَيِد المدني هو: عَبْداللَّه بن شبيب الرَّبعيّ مولَاهُمُ، الإخباريّ، الحافظ المُكثر.

·       تدليسه لابن أبي الدُّنيا!

وتجده أحياناً يُعمّي كثيراً في تدليس بعض شيوخه!

فيقول أحياناً: حدثني عبدالله القرشي.

وأحياناً يقول: حدثنا عبدالله بن محمد.

وأحياناً يقول: حدثني أبو بكر القرشي.

وأحياناً يقول: حَدثنِي أَبُو بكر عبدالله بن مُحَمَّد.

وأحياناً يقول: حدّثنا عبدالله بن محمد بن عُبيد.

وهؤلاء كلهم واحد، وهو الحافظُ: عَبْدُاللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عُبَيْدِ بنِ سُفْيَانَ بنِ قَيْسٍ، أبو بَكرٍ ابنُ أَبِي الدُّنْيَا القُرَشِيُّ مَوْلاَهُمُ، البَغْدَادِيُّ، المُؤَدِّبُ، صَاحِبُ التَّصَانِيْفِ السَّائِرَةِ.

وقد روى ابن المرزبان في «ذم الثقلاء»، قال: حَدثنَا عبدالله بن أبي عبدالله المروزِي، عَن إِبْرَاهِيم بن عبدالرَّحْمَن، عَن يحيى بن المُغيرَة الرَّازِيّ، عَن جَريرٍ، عَن سُلَيْمَان بن أَرقم، عَن الحَسن، قَالَ: «لقد ذمّ الله عز وَجل الثّقل فِي القُرْآن فَقَالَ {فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشرُوا}».

وأكبر ظنّي أن يكون "عبدالله بن أبي عبدالله المروزي" هذا هو: ابن أبي الدنيا نفسه، فهو عبدالله بن أبي عبدالله، ونسبه مروزياً؛ لأنه نزل مرو وسمع بها.

وهو يروي عن إِبْرَاهِيم بن عَبْدِالرَّحْمَنِ كما في «فضائل القرآن» (4)، و«المحتضرين» (327)، والله أعلم.

·       تدليسه لأحمد بن الحارث الخَرّاز! وللمدائني!

وحدّث عن أبي جعفرٍ اليمامي، عن المدائني.

ولم يعرف بعض المحققين من هو أبو جعفر هذا!

فنجد ابن المرزبان أحياناً يقول: حدثنا أبو جعفر: حدثنا المدائني.

أو: حدثنا أبو جعفر اليمامي: حدثنا أبو الحسن القرشي.

أو: حدثنا أبو جعفر اليمامي: حدثنا علي بن محمد القرشي.

أو: حدثنا أبو جعفر اليمامي: حدثنا علي بن محمد السَّمُري.

أو: حدثنا أبو جعفر اليمامي: حدثنا علي بن محمد.

أو: حدثنا أحمد بن الحارث الخرّاز: حدثنا أبو الحسن المدائني.

أو: حدثنا أحمد بن الحارث: حدثنا المدائني.

والمدائني، هو: العَلاَّمَةُ الحَافِظُ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ أَبِي سَيْفٍ السَّمُري المَدَائِنِيُّ، الأَخْبَارِيُّ - مَوْلَى عَبْدالرَّحْمَنِ بنِ سَمُرَةَ بنِ حَبِيْبِ بنِ عَبْدِ شَمْسٍ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلاَبٍ - القُرَشِيّ، وهو صاحب التصانيف الكثيرة في التاريخ والأنساب (ت 225هـ).

فهكذا نجده يُدلّس شيخ شيخه المدائني! ويتفنن في ذلك.

وأما أبو جعفر اليمامي صاحب أَبِي الحَسَن المدائني، فهو: أَحْمَد بن الحارث بن المبارك الخراز البغدادي، مولى أَبِي جعفر المنصور (ت 258هـ).

وأما نسبته له باليمامي، فهذا من براعته في التدليس! فلم يذكر أحد في نسبه: اليمامي! وإنما دلّسه هكذا؛ لأن أصله من اليمامة!

فقد ذكر المرزباني نفسه في «المقتبس» قال: حدثني علي بن هارون، قال: أخبرني عبيدالله بن أحمد بن أبي طاهر، عن أبيه، عن محمد بن صالح بن النطاح مولى بني هاشم، عن أبيه، قال: «طلب المنصور رجالاً يجعلهم بوابين له، فقيل له لا يضبطهم إلا قوم لئام الأصول، أنذال النفوس، صلاب الوجوه، ولا تجدهم إلا في رقيق اليمامة، فكتب إلى السَّري بن عبدالله الهاشمي - وكان واليه على اليَمامة -، فاشترى له مائتي غلام من اليمامة، فاختار بعضهم، فصيرهم بوابين، وبقي الباقون، فكان ممن بقي: خلاد جد أبي العيناء، وحسان جد إبراهيم بن عطاء، وجد أحمد بن الحارث الخزاز راوية المدائني». [معجم الأدباء، ترجمة: «أحمد بن الحارث بن المبارك الخراز» (1/228)].

ورواه الخطيب في «تاريخه» (4/284) في ترجمة «محمد بن القاسم بن خلاد بن ياسر بن سليمان أبي عبدالله الضرير مولى أبي جعفر المنصور ويعرف بأبي العيناء أصله من اليمامة» (1482) عن علي بن أيوب القمي، قَالَ: أخبرنا محمد بن عمران المرزباني، به.

*جاء في «معجم الأدباء» عن ابن المرزبان: "حدثني علي بن هارون"، وفي «تاريخ بغداد»: "أَخْبَرَنِي علي بن يحيى" = وكأن هذا أيضاً من تدليسه، ننسبه إلى جدّه الأعلى، وهو: أبو الحسن علي بن هارون بن علي بن يحيى بن المُنَجِّم الأخباريّ البغدادي.

وقال ابن النديم في «الفهرست» (ص: 134): "«أخبار أحمد بن الحارث الخراز صاحب المدائني»: قرأت بخطِّ ابن الكوفي قال: أبو جعفر أحمد بن الحارث بن المبارك مولى المنصور، بغدادي، كبير الرأس، طويل اللحية كبيرها، حسن الوجه، كبير الفم، ألثغ، خضب قبل موته بسنة خضاباً قانياً، فسئل عن ذلك، فقال: «بلغني أنَّ مُنكراً ونَكيراً إذا حضرا ميتاً فرأياه خضيباً، قال مُنكر لنكير: تجاف عنه»! ومن غير خطّ ابن الكوفي: وكان راوية المدائني العتابي، من أسرى جده المنصور ليجعل في الموالي، وكان يقال له: حسان من سبي اليمامة، وكان أحمد شاعراً...".

وقد نبّه الخطيب على أنه هو اليمامي في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/455) (59) قال: "ذكر أَحْمَد بن الحَارِث بن المُبَارك الخراز".

ثم روى من طريق أَبي بَكْرٍ ابنِ المَرْزُبَانِ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الحَارِثِ الخَرَّازُ، قال: أَخْبَرَنَا أبو الحسن المَدَائِنِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللَّهِ القُرَشِيُّ، عَنِ المَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّ بَعْضَ المُلُوكِ أَهْدَى إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَدِيَّةً فِيهَا حُلَّةُ حَرِيرٍ، فَأَعْطَاهَا عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ، وَقَالَ: اقْسِمْهَا بَيْنَ الفَوَاطِمِ: فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ».

قال الخطيب: "وَهُوَ أَبُو جَعْفَر اليمامي الَّذِي روى عَنهُ: أَبُو بكر بن المَرْزُبَان أَيْضاً".

ثم ساق له من طريق ابنِ المَرْزُبَان، قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر اليمامي، قال: حَدَّثَنَا أَبُو الحسن المَدَائِنِي، عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة فِي قَول الله تبَارك وَتَعَالَى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان}، قَالَ: «إِذا اسْتَوَت السريرة وَالعَلَانِيَة فَذَلِك العدْل، فَإِذا كَانَت السريرة أحسن من العَلَانِيَة فَذَلِك الْإِحْسَان، وَإِذا كَانَت العَلَانِيَة أحسن من السريرة فَذَلِك العدوان».

وقال أيضاً (2/309) (354): "ذكر عَلِيّ بن مُحَمَّد مولى سَمُرَة بن حَبيبٍ".

ثم ساق من طريق ابنِ المَرْزُبَانِ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ، قال: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بن مُحَمَّد مولى سَمُرَة بن حَبيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بنِ طَلْحَةَ، عَنْ مُوسَى بنِ طَلْحَةَ، قَالَ: «كَانَ لِعُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ عَلَى طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِاللَّهِ خَمْسُونَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى المَسْجِدِ فَلَقِيَهُ طَلْحَة، فَقَالَ لَهُ: قد تَهَيَّأَ مَالُكَ فَاقْبِضْهُ، فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، مَعُونَةً لَكَ عَلَى مُرُوءَتِكَ».

قال الخطيب: "وَهُوَ عَلِيّ بن مُحَمَّد السَّمُري الَّذِي روى عَنهُ: أَبُو جَعْفَر أَحْمَد بن الحَارِث الخرّاز اليمامي".

ثم ساق من طريق ابن المَرْزُبَان، قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَر اليمامي، قال: حَدَّثَنَا عَلِيّ بن مُحَمَّد السمري، قَالَ: قَالَ مُحَمَّد بن عِمْرَان التَّيْمِيّ: «مَا شَيْء أَشد حملاً من المُرُوءَة. قيل: وَأي شَيْء المُرُوءَة؟ قَالَ: أَلا تعْمل شَيْئاً فِي السِّرّ تستحيي مِنْهُ فِي العَلَانِيَة، وَأنْشد لزهيرٍ:

السّتْر دون الفاحشات وَلَا //

يلقاك دون الخَيْر من ستر».

قال الخطيب: "وَهُوَ: أَبُو الحَسَن المَدَائِنِي صَاحب التصانيف، وَهُوَ أَبُو الحَسَن القرشِي الَّذِي روى عَنهُ: أَبُو جَعْفَر اليمامي أَيْضاً".

وكأن ابن المرزبان لما كان يُدلّسه يقول فيه: "السَّمُري"؛ لأنه مولى سمرة بن حبيب كما بيّن الخطيب، وكان أحياناً يُدلّسه فيقول: "مولى سمرة بن حبيب"، ولهذا قال بعض أهل العلم كياقوت في «معجم الأدباء» (4/220) (626): "علي بن محمد بن عبدالله بن أبي سيف المدائني أبو الحسن مولى سمرة بن حبيب".

وإنما هو مولى لعبدالرحمن بن سمرة الصحابي المعروف الأمير الذي افتتح سجستان وكابل، وهكذا كان ينسبه غير ابن المرزبان.

فقد ذكره ابن عدي في «كامله» (8/151) قال: "علي بن مُحمد بن عَبدالله بن أبي سيف، أبو الحسن المدائني، مولى عَبدالرحمن بن سمرة".

ثم روى من طريق أحمد بن زهير بن حرب، قال: قرئ على أبي الحسن علي بن مُحمد بن عَبدالله بن أبي سيف، مولى عَبدالرحمن بن سمرة القرشي المدائني.

·       تدليسه للحافظ أبي العبّاس السرّاج!

ويروي كثيراً عن «أبي العبّاس المروزي» ولم يعرفه أحد من أهل العلم فيما اطلعت عليه!

قال ابن عساكر في «تاريخه» (67/31) (8642): "أَبُو العَبَّاسِ المَرْوَزِيُّ: حدّثَ عن هشامِ بنِ عمَّار. روى عنه: مُحمَّدُ بنُ خَلفٍ.

أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي، قال: أنبأنا أبو القاسم بن مسعدة، قال: أخبرنا حمزة بن يوسف، قال: أخبرنا أبو أحمد ابن عدي، قال: حدثنا محمد بن خلف، قال: حدّثني أبو العباس المروزي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: قال لي سويد بن عبدالعزيز: قال لي شعبة: «تأخذ عن أبي الزبير وهو لا يُحسن يصلي، وتأخذ عن أبان بن أبي عياش، وإنما كان قتادة يروي عن أنس مائتي حديث، وهو يروي ألف حديث»! قال: ثم ذهب هو فأخذ منهم".

قلت: ابن عساكر ترجم له في «تاريخه» لأنه روى عن شامي، وهو: هشام بن عمار! ولم يعرف عنه شيئاً، وأورده كما جاء في الرواية التي رواها ابن عدي في «كامله» (9/67) (14592) في ترجمة «أبي الزبير المكي».

فظنّ ابن عساكر أنه دخل الشام، لكنه لا يُعرف!

وقد روى له ابن عدي أيضاً في كتابه (1/309) (748) قال: أخبرنا مُحمد بن خلف ابنُ المَرْزُبَانِ، قال: حَدَّثني أَبُو العَبَّاسِ المَرْوَزِيُّ، قال: سَمِعْتُ دَاوُدَ بنَ رُشَيْدٍ يَذْكُرُ: «أَنَّ مَعِيناً أَبا يَحْيى بنِ مَعِيْنٍ كَانَ مُشَعْبِذاً مِنْ قَرْيَةٍ نَحْوَ الأَنْبَارِ، يُقَالُ لَهَا: نِقْيَا، وَيُقَالُ: إِنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ مِنْ أَهْلِ نِقْيَا».

ومما رواه ابن المرزبان عن أبي العباس هذا في كتبه المتوفرة بين أيدينا:

- قال في «ذم الثقلاء» (ص:50): حَدثنَا أَبُو العَبَّاس المروزِي، قال: حَدثنَا ابنُ أَبِي رِزْمَةَ، قال: حَدثنَا الحسن بن سعيد، قال: حَدثنَا عبدالله بن مَعمر، عَن خَلاد بن عبدالله، عَن أَبِيه، عَن أبي سعيدٍ الخُدْرِيّ: أَنَّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: «أَلا أخْبركُم بأبغضكم إِلَى الله؟ قُلْنَا: بلَى يَا رَسُول الله، قَالَ: فَظَنَنْت أَنه سيُسمي رجلاً، فَقَالَ: إِن أبغضكم إِلَى الله: أبغضكم إِلَى النَّاس».

- وقال (ص: 60): حَدثنَا أَبُو العَبَّاس المروزِي، قال: حَدثنَا أبي، قَالَ: «كَانَ ابن عَائِشَة إِذا بَصر إِلَى ثقيلٍ قَالَ: صنجةُ المِيزَان».

- وقال (ص: 61): حَدثنِي أَبُو العَبَّاس المروزِي، قال: حَدثنِي عَليّ بن الحسن، قَالَ: «كَانَ أَبُو أسامة إِذا أبْصر إِلَى ثقيلٍ، قَالَ: قد تَغيَّمتِ السَّمَاء».

- وقال (ص: 72): أَنْشدني أَبُو العَبَّاس المروزِي، قَالَ: أَنْشدني إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق القرشِي، قَالَ: أَنْشدني العُتْبِيُّ - وهو: الأَخْبَارِيُّ الشَّاعِرُ مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِاللهِ بنِ عَمْرِو بنِ مُعَاوِيَةَ بنِ عَمْرِو بنِ عُتْبَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ الأُمَوِيُّ، البَصْرِيُّ -:

أُقطِّبُ حِين لَا ألْقى خَفِيفاً //

فَلم تَطِبْ الحَيَاةُ مَعَ الثقيلِ

وَحين أرى الخَفِيفَ قَرَرْتُ عيناً //

بِهِ، وَأخذتُ فِي ذمِّ الثقيلِ.

- وقال (ص: 76): حَدثنَا أَبُو العَبَّاس المروزِي، قَالَ: سَمِعت سَلمَة بن شَبيبٍ، قَالَ: سَمِعت أَبَا أُسَامَةَ، يَقُول: «إيتوني بِمُستملٍ خَفِيفٍ عَن اللِّسَان، خَفِيفٍ على الفُؤَاد، إيَّايَ والثقلاء؛ إيَّايَ والثقلاء».

- وقال: حَدثنَا أَبُو العَبَّاس قَالَ: سَمِعت مُشْكُدانة، يَقُول: قلت لأبي أُسَامَة: أَنْت وَالله ثَقيلٌ! قَالَ له: «زد فِيهَا: وَخِم».

- وقال (ص: 82): حَدثنِي أَبُو العَبَّاس المروزِي، قال: حَدثنَا أَبُو الفَضْلِ بنُ الحَسَنِ، قال: حَدثنِي مُوسَى بن مَحْبُوبٍ الزَّعْفَرَانِي، قَالَ: حَدثنِي أَبُو غَسَّان رَبيع بن سَلمَة، قَالَ: «كَانَ مُحَمَّد بن سِيرِين إِذا ثقل عَلَيْهِ رجلٌ لم يذكر ذَلِك إِلَيْهِ، وَيَقُول: نَعُوذ بِاللَّه من قَرينِ السُّوءِ، وجَليسِ السُّوءِ».

- وقال (ص: 89): حدّثني أبو العباس، قال: حدثني أبو حفصٍ الفلاّس، قال: حدثنا أبو داود - هو: الطيالسي -، عن سعيدِ بنِ عُبيدٍ، عن يَمان بنِ ربيعةَ: «أنَّ رجلاً قال لعليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -: ثَبَّتك اللهُ يا أمير المؤمنين. قال: على صَدرك».

- وقال (ص: 101): حَدثنَا أَبُو العَبَّاس المروزِي، قال: حَدثنَا مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم البَزَّاز، قال: حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم - هو: أبو عبدالله العَبدي -، قَالَ: سَمِعت عمَارَة بن يحيى - أبو حمزة -، يَقُول: «رَأَيْت عبدالرَّحْمَن بن مهْدي يتملقه الرَّجل لَا يجِيبه عبدالرَّحْمَن، فَيَقُول: رُبمَا ضَاقَ عَليّ مجْلِسي بِالرجلِ، فَيكون أول من أبدأ بحاجته».

- وقال (ص: 101): حَدثنَا أَبُو العَبَّاس، قال: حَدثنَا أَحْمد بن إِبْرَاهِيم - هو: الدورقي -، قال: حَدثنَا أَبُو عَامرٍ العَقدي، قال: حَدثنَا عبدالرَّحْمَن بن أبي بكرٍ، قال: حَدثنَا مُحَمَّد بن طَلْحَة بن عبدالرَّحْمَن بن أبي بكر، عَن أَبِيه: «أَن رجلاً من العَرَب يُقَال لَهُ: عُفير، كَانَ يصحب أَبَا بكر، فَقَالَ لَهُ أَبُو بكر: أَي عفير، كَيفَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: إِنّ الوُدَّ يُتوارث، وَإِن البغض يُتوارث».

- وقال (ص: 104): حَدثنَا أَبُو العَبَّاس المروزِي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الصَّائِغُ، قال: حَدثنَا أبي، قَالَ: «وَجه أَبُو سُلَيْمَان الْأَشْقَر رَسُولاً من هَؤُلَاءِ الْأَحْدَاث المنزمنين إِلَى الْأسود بن سَالم فِي حَاجَة، فَلم يُسلِّم عَلَيْهِ، وقَالَ: أَبُو سُلَيْمَان يلقِي عَلَيْك السَّلَام، فَقَالَ: اذْهَبْ، فَأَضجرَه، وانتهره الْأسود، فَرجع الشَّاب إِلَى أبي سُلَيْمَان وَأخْبرهُ، فلقي الْأسود فَعَاتَبَهُ على انتهاره الشَّاب، فَقَالَ الْأسود: من يُطيق أَن يسْقط عَلَيْهِ الجَبَل».

- وروى أيضاً في كتاب «المروءة» (24) قال: حدثنا أبو العباس المروزي، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ المُرُّوذِيُّ، قال: حدثنا علي بن ثابت - هو: الجزري نزيل بغداد -، عن طلحة بن عمرو - هو: المكيّ -، عن عطاء، قال: قال عمر: «المروءة الظاهرة: الثياب».

وفي غير هذه الرواية: عن طلحة بن عبدالله: «الثياب الطاهرة».

- وقال أيضاً (27): حدثنا أبو العباس المروزي، قال: حدثنا أحمد بن عثمان بن حكيم، قال: حدثنا محمد بن الصلت - هو: أَبُو جعفر الكوفي الأصم -، عن الحكم بن هشام، عن عبدالملك بن عمير، عن طلحة بن عبيدالله أنه قال: «مجلسُ الرجل بِبابه: مروءة».

- وقال (114): حدثنا أبو العباس المروزي، قال: حدثنا أبو همّام، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثنا عمر بن خثعم، عن عمارة بن خالد التميمي يرفعه إلى أبي ذر - رضي الله عنه - أنه كان يقول: «الممقوت عندنا المُمتلئ شحماً، برّاق الثياب، وهي المروءة فيكم اليوم».

وروى أبو الحسين المبارك بن عبدالجبار الصيرفي الطيوري في «الطيوريات - انتخاب أبي طاهر السِّلَفيّ» (1/244) من طريق محمد بن خلف بن المرزبان، قال: حدثنا أبو العباس المروزي، قال: حدثني مُحَمَّدُ بنُ يَزِيدَ العَدَوِيُّ، قال: حدثنا فُلَيح بن نوح، عن سفيان بن عيينة، قال: «دَعَانا مسلمُ بنُ قُتَيْبَةَ إلى الغَدَاءِ، فغسَلَ أيدِيَنَا بماءٍ حارٍّ وقالَ: أُخْبِرْتُ أن هذا يَهضِمُ الطّعامَ فخصَّصْتُكمْ بِهِ».

وروى الحافظ عبدالغني المقدسي في «أخبار الحسن البصري» (10) من طريق ابن المرزبان، قال: حدثنا أبو العباس المروزي، قال: حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عَنْ ابنِ شَوْذَبٍ، قال: «مزح ثابت البناني وعنده محمد بن واسع فكره ذلك محمد، فقال له ثابت: يا عميش، لقد جالسنا أقواماً ما مجالستك معهم إلا ذا القدر، ليتنا ننتظر الحسن فيخرج علينا كأنما عاين الآخرة ثم جاء فيخبرنا عنها».

قلت: فأبو العباس المروزي هذا لا يمكن أن يكون رجلاً مجهولاً، ولولا شهرته لما دلّسه! والظاهر أنه كان واسع الرواية، ولذا أكثر عنه ابن المرزبان.

ومن خلال ما سبق يتبين لنا أن من شيوخ أبي العباس المروزي هذا:

- هشام بن عمّار الدمشقيّ (ت 245هـ).

- دَاوُد بن رُشَيْدٍ الهاشمي الخُوارزميّ البغدادي (ت 239هـ).

- مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ أَبِي رِزْمَةَ أَبُو عَمْرٍو المَرْوَزِيّ (ت 241هـ).

- سَلمَة بن شَبيبٍ أبو عبدالرَّحمن النيسابوري (ت 247هـ).

- عَبْداللَّه بن عُمَرَ الأموي أَبُو عَبْدالرَّحْمَن الكُوفيُّ، مُشْكُدَانَة (ت 239هـ).

- عمرو بن عليّ الفلاّس أبو حفصٍ البصري (ت 249هـ).

- محمد بن إِبْرَاهِيم بن جنّاد، أبو بَكْر المِنْقَري البَصْرِيّ، ويقال: البَغْدَادِيّ، البزّاز (ت 276هـ).

- أَحْمَدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ أبو عبدالله الدَّوْرَقِيُّ البغدادي (ت 246هـ).

- مُحَمَّدُ بنُ هِشَامٍ أبو عبدالله المُرُّوذِيُّ القصير البغداديّ (ت 252هـ).

- أَحْمَد بن عثمان بن حكيم بن ذبيان الأَودِيّ، أَبُو عَبْداللَّهِ الكوفي (ت 261هـ).

- أَبُو هَمَّامٍ الوَلِيدُ بنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيّ الكوفيّ نزيل بغداد (ت 243هـ).

- عمرو بن عثمان الحمصي (ت 250هـ).

وابنِ أَبِي رِزْمَةَ المَرْوَزِيّ، وأَبُو هَمَّامٍ، والدَّوْرَقِيُّ، ومحمد بن إِبْرَاهِيم بن جنّاد، والفلاس، ومُشْكُدَانَة يروي عنهم الإِمَامُ الحَافِظُ مُحَدِّثُ خُرَاسَانَ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِهْرَانَ الثَّقَفِيُّ السَّرَّاجُ، وُلد سنة (210هـ)، وتوفي سنة (313هـ).

فيكون ابن المرزبان قد دلّسه، ونسبه مروزياً؛ لأنه من خُراسان ونزل مرو. والسرّاج من أقران ابن المرزبان، ولم يُصرِّح باسمه في أيّ موضع آخر!

فـ «أبو العباس المروزي» هو: «أبو العباس السرّاج» إن شاء الله.

وهو يروي عن هشام بن عمار الدمشقي، وعمرو بن عثمان الحمصي، فيكون قد دخل الشام، وسمع فيها، والله أعلم.

وقد جاء في بعض الأسانيد السابقة من شيوخ أبي العباس المروزي:

- إبراهيمُ بن إسحاقَ القُرشيّ.

كذا جاء في إسناد الرواية! وأظنه: إِبْرَاهِيم بن إِسْحَاق الحربي الإمام الحافظ المشهور (ت 285هـ).

وما جاء فيه «القرشي» إما يكون تصحيفاً عن «الحربي» أو أن نسبته لقريش ولاءً؛ لأنه أصله من مَرو، والله أعلم.

ويُحتمل أن إبراهيم بن إسحاق هذا أخوه فهو يروي عنه، و«القرشي» مصحفة من «الثقفي»، والله أعلم.

- ومُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الصَّائِغُ!

كذا في إسناد الرواية، وأشار المحقق إلى وجود فراغ قبل الصائغ! فيحتمل أن في الاسم بعض الخلل!

فيحتمل أنه: مُحَمَّدُ بنُ نَصْرٍ الصَّائِغُ أَبُو جَعْفَرٍ البغداديّ (ت 297هـ)!

ويُحتمل أنه جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ الصَّائِغُ البغدادي (ت 279هـ) وهو من شيوخ السرّاج، فيكون في الإسناد قلب وتصحيف، والله أعلم.

- وأما محمد بن يزيد العَدَويّ، وعَليّ بن الحسن، وأَبُو الفضل بن الحسن، فلم أعرفهم.

وقد روى ابن المَرْزُبَان عن جماعة من المراوزة، منهم: أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُوْرِ بنِ رَاشِدٍ، المَرْوَزِيُّ، زَاج، والقاسم بن الحسن المروزي، ومُحَمَّد بن الفضل المَرْوَزِيّ.

وروى عن أَبي العَبَّاس أَحْمَد بن يعقوب، قَالَ: «كَانَ يَحْيَى بن أَكثم القاضي يحسد حسدًا شديدًا، وكان مفتنًّا، فكان إذا نظر إلى رَجُل يحفظُ الفقه سأله عَن الحديث، فإذا رآهُ يحفظ الحديث سأله عَن النحو، فإذا رآهُ يعلم النحو سأله عَن الكلام؛ ليقطعهُ ويُخجله، فدخلَ إِلَيْهِ رجلٌ من أهل خراسان ذكي حافظ فناظره فرآهُ مفتنًّا، فقال لَهُ: نظرتَ فِي الحديث؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فما تحفظ من الأصول؟ قَالَ: أحفظُ: شريك، عَن أبي إِسْحَاق، عَن الحارث، أن عليًّا رجم لوطيًّا، فأمسك فلم يكلمه بشيء». [تاريخ بغداد: (16/282)].

وأَبو العَبَّاس أَحْمَد بن يعقوب هذا لم أعرفه! والظاهر أن ابن المرزبان يُدلّسه؛ لأنه لم ينسبه! فالله أعلم.

·       تدليسه للحافظ أَبي العَبَّاسِ الكُدَيْمِيّ!

ويروي ابن المرزبان أيضاً عن «أبي العبّاس القُرشي» عن عليّ بن المديني نسخة من بعض كتب ابن المديني في العلل.

وقد روى بعض هذه النسخة عنه ابن عدي في «كامله»، وهي:

- قال ابن عدي في «الكامل» (2/63) (1734): حَدثنا مُحمد بن خلف، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: سمعتُ علي بن عَبدالله، يقول: "إسماعيل بن مُسلمٍ: ضعيفٌ، لا يُكتَب حديثُهُ".

- وقال (3/129) (3838): حَدثنا مُحمد بن خلف، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: "أَبو العَطُوفِ: ضعيفٌ، لا يُكتَب حديثُهُ".

- وقال (3/426) (4802): حَدثنا المرزباني، قال: حَدثنا أَبو العباس القرشي، قال: سمعتُ علي بن المديني، يقول: "الحسنُ بن عُمَارةَ: ضعيفٌ، لا يُكتَب حديثُهُ".

- وقال (8/421) (13497): حَدثنا مُحمد بن خلف، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: قال علي بن المديني: "أَبُو مَرْيَمَ الحَنفيُّ، اسمه: عَبْدُالغَفَّارِ بنُ القَاسِمِ، وكانَ يَضعُ الحديثَ".

- وقال (9/98) (14724): حَدثنا مُحمد بن خلف بن المرزبان، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: "مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ: كوفيٌّ، روى عن حَبيب بن أبي ثابت أحاديث مناكير، وضعّفه".

- وقال (9/106) (14751) قال: حَدثنا مُحمد بن خلف، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: "مُحمَّدُ بن قيسٍ هو: مُحمد بن سعيد، قُتل في الزندقة وصُلب، وكان مروان بن معاوية يُدلسه، فيقول: مُحمد بن أبي قيس، حتى نهيته عنه".

- وقال (9/462) (15827): أخبرنا المرزباني، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: سمعتُ علي بن المديني، يقول: "الزَّنْجِيُّ بنُ خَالِدٍ: مُنكرُ الحديث، ما كتبت عنه، وما كتبت عن رجلٍ عنه".

- وقال (9/663) (16392): حَدثنا مُحمد بن خلف، قال: حَدثنا أَبو العباس القرشي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: "مُعَاوِيَةُ بنُ يَحْيَى الصَّدَفِيُّ: ضَعِيفٌ".

- وقال (10/259) (17388): أخبرنا مُحمد بن خلف المرزبان، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: "المُوَقَّري ضَعِيفٌ، لا يُكتَب حديثُهُ".

- وقال (10/501) (18177): أخبرني مُحمد بن خلف، قال: حَدَّثني أَبو العباس القرشي، قال: سمعت علي بن المديني، يقول: "يَحيى بنُ أبي أُنَيسةَ ضَعِيفٌ، لا يُكتَب حديثُهُ".

قلت: فالظاهر أن هذه نسخة لأبي العباس هذا عن ابن المديني = وهذا يعني أنه من أصحابه.

ومن أصحابه المعروفين الذين رووا عنه الحَافِظُ الكَبِيْرُ المُعَمَّرُ أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يُوْنُسَ بنِ مُوْسَى بنِ سُلَيْمَانَ بنِ عُبَيْدِ بنِ رَبِيْعَةَ بنِ كُدَيْمٍ القُرَشِيُّ، السَّامِيُّ، الكُدَيْمِيُّ، البَصْرِيُّ. وَهُوَ ابْنُ امْرَأَةِ رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ، فسَمِعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ مِنَ الكِبَارِ فِي حَدَاثَتِهِ.

وَلِدَ: سَنَةَ ثَلاَثٍ وَثَمَانِيْنَ وَمائَةٍ، وَقِيْلَ: سَنَةَ خَمْسٍ، وتوفي سنة (286هـ).

رَوَى ابنُ خَلاَّدٍ النَّصِيْبِيُّ، عَنِ الكُدَيْمِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: "عِنْدَك مَا لَيْسَ عِنْدِي".

وَقَالَ الكُدَيْمِيُّ: "كَتَبْتُ عَنْ أَلفِ شَيْخٍ وَمائَة وَسِتَّةٍ وَثَمَانِيْنَ، وَحَجَجْتُ سَنَةَ سِتٍّ وَمائَتَيْنِ، فَرَأَيْتُ عَبْدَالرَّزَّاقِ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْهُ".

روى الخطيب من طريق أَحْمَدَ بنِ جَعْفَرِ بنِ حَمْدَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ بنِ مُوسَى القُرَشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ أَوْسٍ أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالبُرَاقِ لِيَرْكَبَهُ اسْتَصْعَبَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى هَذَا؟ فَمَا رَكِبَكَ آدَمِيٌّ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْهُ، قَالَ: فَارْفَضَّ عَرَقًا وَأَقَرَّ».

قَالَ أَبُو العَبَّاسِ: سَأَلْتُ عَلِيَّ بنَ المَدِينِيِّ عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: "لَمْ أَسْمَعْ فِي الحَدِيثِ «فَارْفَضَّ عَرَقًا» إِلا فِي هَذَا الحَدِيثِ". [تاريخ بغداد: (4/688)].

قلت: فأبو العباس القُرَشِيُّ الذي روى عنه ابن المرزبان، ودلّسه هو: الكُديمي، وكأنه دلّسه لأنهم اتفقوا على تضعيفه، بل واتّهموه! وقد رد بعضهم هذا، ومع ذلك فإن ما يرويه عن الأئمة كابن المديني من أقوال في الجرح والعلل فهو مقبول، ولا يُرد، فالرجل كان حافظاً كبيراً.

وقد روى عنه ابن المرزبان في موضع وصرّح باسمه دون نسبته!

قال في كتاب «المروءة» (35): حدثنا محمد بن يونس، قال: حدثني أيوب بن سلمة، عن إبراهيم بن عثمان، عن الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بنِ مَروانَ، عَنْ أَبِي بَحْرِيَّةَ، قَالَ: قَالَ مُعَاوِيَةُ: «المُرُوءَةُ فِي أَرْبَعٍ: العَفَافِ فِي الْإِسْلَامِ، وَاسْتِصْلَاحِ المَالِ، وَحِفْظِ الْإِخْوَانِ، وَعَوْنِ الجَارِ».

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وكتب: د. خالد الحايك.

4 ذو القعدة 1444هـ.

شاركنا تعليقك
التعليقات :

جلال راغون :

دراسة نقدية متميزة كحال سائر بحوثكم، جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

2023-05-25