الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الماءُ الثَّجَّاج» في دفع تُهمة الاختصارِ المؤدية للوَهم عن الإمامِ «شُعبة بن الحجّاج»!

«الماءُ الثَّجَّاج»

في دفع تُهمة الاختصارِ المؤدية للوَهم عن الإمامِ

«شُعبة بن الحجّاج»!

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فكنت قد كتبت قبل يومين عن دفع اتهام لشعبة في وهمه في حديث خرّجه له الشيخان في «صحيحيهما»، ففوجئت اليوم بما كتبه الأخ الحبيب النَّبيه أبو عمر أحمد بن عوف المصري في مقال عن «نقد المتن» - ويكأنه يرد على كلامي ويذهب إلى توهيم شعبة فيه! بل حاصل كلامه أن شعبة يختصر الأحاديث فيَهِم في ذلك!

وهذه تهمة خطيرة لأمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الحجاج! فكان لا بدّ من دفع هذه التهمة مع الانشغال الشديد، والله المستعان.

بدأ الأخ مقاله في بيان أن الأئمة لم يُهملوا النظر في المتن عند كلامهم عن الأسانيد، ولا نخالفه في ذلك.

ومثّل الأخ لذلك ببعض الأمثلة من خلال بيان بعض صور هذا النقد للمتن، وكان من ضمنها:

"أن يكون النص نفسه قد وقع فيه اختلاف بين الرواة في صيغة خروجه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ كأن يكون الرواة المتقنون والحفاظ الممارسون رووه من فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيخالفهم واحد فيرويه بلفظ الأمر والنهي، أو يكون في واقعة خاصة فيرويه واحد على العموم، إلى غير ذلك، وهو ما يدخل عندهم تحت: اختصار المتن!".

ثم قال: "وأذكر مثالاً عما يقع في المتن من وهم، وهو: أن يكون الحديث واقعة عين أو حكاية حال، فيرويه بعض الرواة فيجعله عموما!

أخرج البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، وعبدالملك بن جريج، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله قال: «بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، إذ جاء رجل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: قم فاركع».

كذا رواه الجماعة: سفيان بن عيينة، وعبدالملك بن جريج، وحماد بن زيد، وأيوب السختياني، وروح بن القاسم، وورقاء بن عمر اليشكري، ومحمد بن مسلم الطائفي، وحبيب بن أبي حبيب الجرمي، وغالب بن عبيدالله الجزري.

تسعتهم رووه باللفظ السابق.

وقد صححه من هذا الوجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والأثرم، وغيرهم.

وقال الشافعي: «هذا ثابت، غاية الثبوت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وهذا اللفظ وافق فيه عمرو بن دينار جماعة؛ كأبي سفيان طلحة بن نافع -وعنده زيادة- وأبي الزبير المكي، وغيرهما!

فالحديث مشهور عن جابر في ذكر واقعة سليك الغطفاني.

وكذا وافق جابراً: أبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وغيرهما، فذكروه كمثل رواية الجماعة عن جابر.

ثم جاء الإمام شعبة، فرواه عن عمرو بن دينار بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب أو قد خرج، فليصل ركعتين».

فجعل قول النبي صلى الله عليه وسلم لسليك الغطفاني قولاً عاماً على المنبر.

وقد جاءت متابعة واهية لشعبة: رواها الدارقطني في «السنن» من طريق عبدالله بن بزيع، عن روح بن القاسم، وسفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابرا قال: «بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي ركعتين، وقال: إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين».

قال الدارقطني: «ابن بزيع ليس بقوي».

قلت: ومما يدل على وهائها: أن أصحاب ابن عيينة الثقات؛ كالحميدي، والشافعي وغيرهما، وكذا أصحاب روح بن القاسم؛ كيزيد بن زريع ومحمد بن سواء، قد رووه بلفظ الجماعة؛ فلم يذكروا: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب»".

ثم ذكر تحت عنوان: "حال شعبة في عمرو بن دينار":

"قال يحيى بن معين: «ابن عيينة أعلم بعمرو بن دينار من سفيان الثوري، وحماد بن زيد، قيل: فشعبة؟ قال: وأي شيء روى عنه شعبة، إنما روى عنه نحوا من مائة حديث».

وخطأ ابن معين شعبة في بعض الأحرف التي رواها عن عمرو بن دينار، فقال: «شعبة يخطىء أيضاً في حديث عمرو بن دينار عن أبي الثورين، يقول: عن عمرو بن دينار، عن أبي السوار».

وقد وافق ابن معين: أحمد وأبو حاتم وغيرهما.

وقد سبقهما بهذا التعليل ابن عيينة، فقال: «لم يفهم؛ كانت أسنان عمرو قد ذهبت».

وقال أحمد في رواية الأثرم: «سبحان الله، ما أعلم ابن عيينة بعمرو بن دينار! أعلم الناس به: ابن عيينة، وذكر علم شعبة، وأيوب، وابن جريج، قلت له: فأي الناس أعلم به؟ فقال: ما أعلم أحداً أعلم به من ابن عيينة، قيل له: كان ابن عيينة صغيراً؟ قال: وإن كان صغيراً، فقد يكون صغير كيس».

وسئل الدارقطني: «عن أرفع الرواة عن عمرو بن دينار؟ فقال: ابن جريج، وابن عيينة، وشعبة، وحماد بن زيد».

فالملاحظ أن شعبة متقدم في عمرو بن دينار، ولكنه دون ابن عيينة خاصة في عمرو؛ فالإجماع انعقد على تقديم ابن عيينة في عمرو بن دينار وأنه الحكم في معرفة ألفاظه وسياقاته، بل يعرف موضع السياقة على اللفظ، والرواية بالمعنى، فقال رحمه الله: «كان عمرو بن دينار يحدث بالمعاني».

ومما قدم أئمة العلل فيه أصحاب عمرو على شعبة: ما ذكره أبو زرعة الرازي قال: شعبة عن عمرو بن دينار، عن أبي هريرة؛ قال: «إذا أفلس الرجل، فوجد رجل متاعه بعينه، فهو أحق به»، قصر به شعبة، وذكر الصحيح: «سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن هشام بن يحيى المخزومي، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم».

كذلك روى شعبة، عن عمرو، عن يحيى بن جعدة، عن عبدالله بن عمرو القاري، عن أبي أيوب، وأبي هريرة: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: توضؤوا مما مست النار».

فخالفه ابن عيينة؛ فرواه عن عمرو بن دينار، عمن سمع عبدالله بن عمرو القاري، عن أبي أيوب.

وروى ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبدالله بن عمرو القاري، عن أبي هريرة: «ما أنا قلت: من أصبح جنباً فقد أفطر، ولكن محمد ورب الكعبة قاله، وما أنا نهيت عن صوم يوم الجمعة، محمد صلى الله عليه وسلم نهى عنه».

قال الدارقطني: «رواه شعبة، عن عمرو بن دينار، فلم يحفظ إسناده، وقال: عن رجلين، عن رجل، عن أبي هريرة، والصحيح ما قاله ابن عيينة».

وروى شعبة عن عمرو بن دينار، عن عبيدالله بن الخيار، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا أعجل، أو قحط فلا غسل عليه».

قال الدارقطني: «الصحيح قول ابن عيينة: عن عمرو، عن عروة بن عياض، وهو ابن عدي بن الخيار بن أخي عبيدالله بن عدي بن الخيار»".

ثم قال تحت عنوان: "شعبة والخطأ في المتن":

"المشهور عن شعبة رحمه الله أنه يخطئ في الإسناد وخاصة في أسماء الرجال، ولكن هذا لا يمنع أن يخطئ في المتن كذلك، ولذا قال الإمام أحمد: «أخاف أن شعبة لم يكن يقوم على الألفاظ، هو ذا يختلف عليه».

وقال أحمد في رواية: «كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئا قليلا، وربما وهم في الشيء».

ومن الأحاديث التي أخطأ فيها شعبة في المتن: ما رواه عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا وضوء إلا من صوت أو ريح».

قال أبو حاتم الرازي: «هذا وهم، واختصر شعبة متن هذا الحديث فقال: «لا وضوء إلا من صوت أو ريح»، ورواه أصحاب سهيل، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحا من نفسه، فلا يخرجن، حتى يسمع صوتا أو يجد ريحاً».

وكذا انتقده على شعبة: ابن خزيمة، والبيهقي، وغيرهما.

وروى جماعة عن ابن عُلية، عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل»، فرواه شعبة عن إسماعيل بلفظ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التزعفر»، أي: جعل اللفظ مطلقاً، فأنكر إسماعيل بن علية شيخ شعبة عليه ذلك، فقال: «روى عني شعبة حديثاً واحداً فأوهم فيه»، ثم ذكر الحديث.

قال الخطيب البغدادي: «أفلا ترى إنكار إسماعيل على شعبة روايته هذا الحديث عنه على لفظ العموم في النهي عن التزعفر! وإنما نهى عن ذلك للرجال خاصة، وكأن شعبة قصد المعنى، ولم يفطن لما فطن له إسماعيل».

وقال الرامهرمزي: «وكان شعبة حفظ عن إسماعيل، فأنكر إسماعيل (لفظ التزعفر)؛ لأنه لفظ العموم، وإنما المنهي عنه الرجال، وأحسب شعبة قصد المعنى، ولم يفطن لما فطن له إسماعيل، وشعبة!».

ويوجد غير ما حديث خلاف ما ذكرت عن وهم شعبة رحمه الله في سياقة بعض الأحاديث، وقد ذكرت حديثين للدلالة على غيرهما".

ثم قال تحت عنوان: "الترجيح ومن قاله به من أهل العلم":

اختلف أهل العلم في الروايتين عن عمرو بن دينار؛ أيهما يقبل؟

فظاهر صنيع الإمام البخاري ومسلم أن رواية شعبة صحيحة أيضا، ولذا أورداه في الصحيح.

ولكن يحتمل أن البخاري أراد صحة أصل الحديث لا نفس اللفظ، ولذا أورد حديث الجماعة في: «باب: إذا رأى الإمام رجلا جاء وهو يخطب، أمره أن يصلي ركعتين»، و«باب من جاء والإمام يخطب صلى ركعتين خفيفتين».

بينما أورد حديث شعبة في أواخر باب: «باب ما جاء في التطوع مثنى مثنى».

والتطوع مثنى، ثابت في رواية الجماعة عن عمرو، فلا خلاف في ذلك.

وأما مسلم فختم روايات عمرو بن دينار بحديث شعبة بعد أن ذكر رواية ابن عيينة، وابن جريج وحماد بن زيد وأيوب السختياني، فقد يكون أراد التنبيه عما في رواية شعبة من مخالفته لسياق الجماعة.

وأما غير البخاري ومسلم، فقال أبو بكر الأثرم بعد أن ذكر رواية شعبة وأتبعها رواية المخالفين له في السياق - وإن كان مقصده بيان خلاف روايات جابر للفظ حديث أبي سعيد -: «فخالف هذا الحديث تلك الأحاديث في ظاهرها؛ لأن هذا كأنه خاص وتلك الأحاديث عامة، وكلها صحاح: الخاص والعام لقوله: (إذا جاء أحدكم) فقد بين ها هنا أنه لم يرد بذلك رجلا بعينه. ومما يبين ذلك أن أبا سعيد هو الذي روى الحديث الخاص ثم كان هو يستعمل ذلك إذا جاء والإمام يخطب يمنعه الأحراس فلا يمتنع، ويحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذي رواه، فجعله عاما كسائر الأحاديث».

وقال ابن حجر: «وليست بشاذة - أي: رواية شعبة -؛ فقد تابعه على ذلك: روح بن القاسم عن عمرو بن دينار. أخرجه الدارقطني في السنن، فهذا يدل على أن عمرو بن دينار حدث به على الوجهين».

قلت: قد تقدم ضعف التابعة المذكورة من عند الدارقطني نفسه، فسقط ما يتمسك به ابن حجر.

وخالف هؤلاء جماعة:

قال الدارقطني في التتبع: «وأخرجا عنه جميعاً: حديث شعبة، عن عمرو، عن جابر: (إذا جاء أحدكم والإمام يخطب)، قال: تابعه روح بن القاسم. رواه ابن بزيع عنه. ورواه ابن جريج، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وأيوب، وحبيب بن أبي يحيى، وورقاء، عن عمرو: أن رجلاً دخل المسجد، فقال له: أصليت؟».

وليس في هذا الاستدراك سوى بيان مخالفة شعبة للجماعة في سياقة الحديث وقلب لفظه، وإلا فلا حاجة لتتبع ما هو ظاهر!

قال ابن حجر: «إنما أراد الدارقطني: أن شعبة خالف هؤلاء الجماعة في سياق المتن واختصره، وهم - أي: الجماعة - إنما أوردوه على حكاية قصة الداخل وأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بصلاة ركعتين، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، وهي قصة محتملة للخصوص، وسياق شعبة يقتضي العموم في حق كل داخل، فهي مع اختصارها أزيد من روايتهم».

وقال الأصيلي: «خالف شعبة فيه أصحاب عمرو بن دينار: ابن جريج، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة؛ فرووه عن عمرو عن جابر في قصة سليك، وكذلك روى أبو الزبير عن جابر، فانفرد شعبة بما لم يتابع عليه، لم تكن زيادة زادها الحافظ على غيره؛ بل هي قصة منقلبة عن وجهها. وقال يحيى بن معين: أحق أصحاب عمرو بن دينار بحديثه: سفيان بن عيينة».

ومما يدل على كون الصحيح في رواية الحديث كونها واقعة عين؛ قول راويها ابن جريج: «ليست الركعتان لأحد إلا لأمر قطع له الإمام خطبته وأمره بذلك».

والذي يترجح عندي وهم شعبة في سياقته للحديث؛ وذلك لمخالفته أصحاب عمرو بن دينار، وهم أجل منه فيه؛ كابن عيينة بالإجماع، وكذا لكون القصة ثابتة عن جابر من طرق بموافقة الجماعة في سياقتهم.

وليس معنى وهم شعبة فيه أن الحديث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا واقعة عين، بل أقصد في حديث عمرو بن دينار عن جابر بخصوصه، فقد أخرج مسلم العموم كزيادة في حديث أبي سفيان عن جابر - وله دراسة مستقلة -، فالله يعين ويسدد!" انتهى كلام الأخ أحمد.

أقول:

هذا كلام الأخ الحبيب الذي شبّهته بالمِلْح الأُجاج، وسنصبّ عليه الماء الثّجّاج لدفع هذه التهمة عن الإِمام شعبة بن الحجاج.

أولاً: بنى الأخ صورة نقد المتن في مخالفة واحد لجماعة من الحفاظ، فهم يروونه في واقعة خاصة، وهو يخالفهم ويرويه عامّاً نتيجة الاختصار على جزمه بوهم شعبة في هذا الحديث!

نعم، هذه الصورة قد تكون صحيحة، وكان ينبغي الإتيان بأمثلة أخرى واضحة عليها مما ذكره أهل النقد، لا أن يأتي بحديث لم يذكره أحد منهم في هذه الصورة!

ثانياً: ما ذكره الأخ في حال شعبة في عمرو بن دينار من خلال ترجيح أهل العلم لابن عيينة في عمرو مطلقاً لا علاقة له بموضوع البحث!

نعم، المقارنة بينهما موجودة بين ابن عيينة والثوري وحماد بن زيد وشعبة، فسفيان قد هضم حديث عمرو بن دينار لملازمته له سنوات.

وهذا التقديم يُنظر إليه في الترجيح إذا خالف أحد هؤلاء ابن عيينة في حديث عمرو.

لكن هل حديثنا هذا يُلجئ فيه إلى ردّ رواية شعبة لأن ابن عيينة لم يروه؟!

المسألة ليست مسألة نقول لكلام أهل العلم بقدر ما هي فهم هذه الأقوال في سياقاتها والمعرفة العميقة بكيفية رواية هؤلاء الأئمة عن جبل من أسانيد الرواية كعمرو بن دينار.

والأمر كما قال ابن معين: "وأي شيء روى عنه شعبة، إنما روى عنه نحواً من مائة حديث"!

فرواية ابن عيينة أكثر بكثير عن عمرو من شعبة؛ فهو قد لازمه أربع سنوات في مكة.

قال سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ: "كَانَ أَبِي صَيْرَفِيّاً بِالكُوْفَةِ، فَرَكِبَهُ دَيْنٌ، فَحَمَلَنَا إِلَى مَكَّةَ، فَصِرْتُ إِلَى المَسْجِدِ، فَإِذَا عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ، فَحَدَّثَنِي بِثَمَانِيَةِ أَحَادِيْثَ، فَأَمْسَكْتُ لَهُ حِمَارَهُ حَتَّى صَلَّى وَخَرَجَ، فَعَرَضْتُ الأَحَادِيْثَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ فِيْكَ".

وقَالَ سُفْيَانُ: "وَكَانَ عَمْرٌو لا يَدَعُ إِتْيَانَ المَسْجِدِ. وَكَانَ يُحْمَلُ عَلَى حِمَارٍ وَمَا أَدْرَكَتْهُ إِلا وَهُوَ مُقْعَدٌ فَكُنْتُ لا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْمِلَهُ مِنَ الصِّغَرِ. ثُمَّ قَوِيتُ عَلَى حَمْلِهِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا. وَكَانَ لا يُثْبِتُ لَنَا سِنَّهُ".

وكان مَوْلِدُ سفيان بِالكُوْفَةِ، فِي سَنَةِ سَبْعٍ وَمائَةٍ، وَطَلَبَ الحَدِيْثَ وَهُوَ غُلاَمٌ، وَلَقِيَ الكِبَارَ.

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ: "حَجَّ سُفْيَانُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَجَّةً، مَاتَ عَطَاءٌ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ، وَحَجَّ سُفْيَانُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ وَهُوَ ابنُ تِسْعِ سِنِينَ، فَلَمْ يَزَلْ يَحُجُّ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَأَقَامَ بِمَكَّةَ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى سَنَةِ سِتٍّ وَعِشْرِينَ ومائة، ثم خرج الى الكوفة". [المعرفة والتاريخ: (1/188)].

وقال علي: قال سفيان: "جالست عمرو بن دينار سنة ثنتين وعشرين، ومات سنة ست وعشرين، وجالسته وأنا ابن أربع عشرة سنة". [تاريخ بغداد: (10/244)].

وقال حماد بن زيد: "رأيت سفيان بن عيينة غلامًا له ذؤابة ومعه ألواح عند عمرو بن دينار".

وقال أَبُو مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي: قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: سَمِعْتُ مِنْ عَمْرٍو مَا لَبِثَ نُوْحٌ فِي قَوْمِهِ - يَعْنِي: تِسْعَ مائَةٍ وَخَمْسِيْنَ سَنَةً - = يعني سمع منه (950) حديثاً.

فابن عيينة سمع من عمرو سنة (122هـ) وعمره (15) سنة، وكان عُمر عمرو (76) سنة.

بخلاف شعبة الذي لقيه سنة (123هـ) لما ذهب للحج، فسمع منه، ومن غيره هناك كأبي الزبير، ولم يسمع منه كثيراً.

رَوَى الأَزْرَقُ بنُ حَسَّانٍ، عَنْ شُعَيْبِ بنِ حَرْبٍ، قال: سَمِعْتُ شُعْبَةَ يَقُوْلُ: "جَلَستُ إِلَى عَمْرِو بنِ دِيْنَارٍ خَمْسَ مائَةِ مَجْلِسٍ، فَمَا حَفِظتُ عَنْهُ سِوَى مائَةِ حَدِيْثٍ، فِي كُلِّ خَمْسَةِ مَجَالِسَ حَدِيْثاً".

وروى أَبُو دَاوُد الطيالسي عن شُعْبَة قال: "مَا رويت عَن رجل حَدِيثاً وَاحِدًا إِلَّا أَتَيْته أَكثر من مرّة، وَالَّذِي رويت عَنهُ عشرَة أَحَادِيث أَتَيْته أَكثر من عشر مرار، وَالَّذِي رويت عَنهُ خمسين حَدِيثاً أَتَيْته أَكثر من خمسين مرّة، وَالَّذِي رويت عَنهُ مائَة أَتَيْته أَكثر من مائَة مرّة، إِلَّا حَيَّان البَارِقي فَإِنِّي سَمِعت مِنْهُ هَذِه الْأَحَادِيث ثمَّ عدت إِلَيْهِ فَوَجَدته قد مَاتَ".

وكان عُمر عمرو بن دينار لما سمع منه شعبة (77) سنة؛ لأنه مات سنة (126هـ) وكان عمره (80) سنة لما مات.

فابن عيينة كان صغيراً ولازم عمرواً، وسمع منه قبل شعبة بسنة، ولازمه بعد شعبة حتى مات سنة (126هـ) وأتقن حديثه.

والمثال الذي ذكره الأخ في تخطئة ابن معين لشعبة يدلّ على ذلك فإن ابن عيينة قال بأن شعبة لم يفهم على عمرو؛ لأن أسنانه كانت قد ذهبت، فسمع قوله: «عن أبي الثَّوْرَين»: «عن أبي السوار».

على أنه كان ينبغي للأخ أيضاً مزيد كلام على هذا، فإن عبدالله بن أحمد لما سمع أباه يقول: "وَأَخْطَأ شُعْبَة فِي اسْم أبي الثورين، فَقَالَ: أَبُو السوار، وَإِنَّمَا هُوَ أَبُو الثورين"، قال: قلت لأبي من هَذَا أَبُو الثورين؟ فَقَالَ: "رجل من أهل مَكَّة مَشْهُور، اسْمه: مُحَمَّد بن عبدالرَّحْمَن من قُرَيْش"، قلت لأبي: إِن عبدالرَّحْمَن بن مهْدي زعم أَن شُعْبَة لم يُخطئ فِي كنيته! فَقَالَ: هُوَ السوار؟ قَالَ أبي: "عبدالرَّحْمَن لَا يدْرِي أَو كلمة نَحْوهَا".

بل إن شعبة قد سمّاه في رواية ولكن يُكنّه، مما يدل على حفظه.

قال يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/211): حَدَّثَنَا الحَجَّاجُ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قال: حدثَنَا عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ القُرَشِيِّ أَنَّ ابنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: «لا تَصُمْ يَوْمَ عَرَفَةَ».

قال يعقوب: "وَهُوَ أَبُو الثَّوْرَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَقَبٌ فَقَدْ أخطأ شعبة إلا أن يَكُونَ كَانَ يُكَّنَى بِكُنْيَتَيْنِ".

فهذا ابن مهدي قال بأن شعبة لم يُخطئ، ومال يعقوب إلى ذلك.

وعلى فرض أن شعبة أخطأ في كنيته فهو قد سمع عمرو بن دينار يكنيه هكذا بسبب سقوط أسنانه في أواخر عمره، ولا شك أن الذي فقد أسنانه قد لا يُفصح عن الكلام، ولهذا يُرجع إلى من سمع منه كثيراً ولازمه.

قَالَ ابنُ المَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: "أَدْرَكْنَا عَمْرَو بنَ دِينَارٍ وَقَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ مَا بقي له إلا ناب، فلولا أَنَّا أَطَلْنَا مُجَالَسَتَهُ لَمْ نَفْهَمْ كَلامَهُ".

قلت: فابن عيينة هنا يُصرّح بأن ملازمته لعمرو جعلته يفهم كلامه لأن أسنانه كانت قد سقطت = وهذا يعني أن غيره ممن لم يلازمه قد لا يفهم كلامه، وهذا ما حصل لشعبة.

على أنه كان عند شعبة مشكلة في لسانه.

قَالَ صَالِحُ بنُ سُلَيْمَانَ: "كَانَتْ فِي شُعْبَةَ تَمتَمَةٌ".

والتَّمْتَمةُ فِي الكَلَامِ أَن لَا يُبَيِّنَ اللِّسَانُ، يُخْطئ مَوْضِعَ الْحَرْفِ فيرجِع إِلى لَفْظٍ كأَنه التَّاءُ وَالمِيمُ، وإِن لَمْ يَكُنْ بَيِّناً.

وقال أحمد: "كَانَ شُعْبَةُ أَلْثَغَ".

واللُّثْغةُ: أَن تَعْدِلَ الحرْفَ إِلى حَرْفٍ غَيْرِهِ.

قال الكسائي اللغوي: "ما رأيت يروي الحروف إلَّا وهو يخطئ فيها إلَّا سفيان بن عيينة، وكان شعبة يكثر الخطأ فيها".

قلت: فشعبة كان أحياناً يُخطئ بسبب اللثغة التي في لسانه فلا تخرج الحروف من أماكنها.

ومع هذا فقد اتفق أهل العلم أن شعبة كان يغلط في أسماء الرّجال من شيوخه وغيرهم.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: "كَانَ غَلَطُ شُعْبَةَ فِي الأَسْمَاءِ".

وقد جمعت ما وقفت عليه من ذلك في بحث خاص، ولله الحمد.

وأخطاء شعبة في هذه الأسماء لا علاقة لها بموضوع بحثنا هذا.

والحاصل أن مقارنة شعبة بابن عيينة له وجه في معرفة الاختلاف على عمرو بن دينار، لكن ما المانع إن كان هناك مخالفات بين شعبة وسفيان - على قلتها - ما المانع أن تكون من عمرو نفسه بسبب تقدمه في السن! فلا شك أن رجلاً يُحدّث وعمره (77) سنة ليس كما كان يُحدّث قبل ذلك.

والأخ نقل عن سفيان أن عمرو بن دينار كان يُحدّث بالمعاني.

قال يعقوب الفسوي في «تاريخه» (2/19): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الحُمَيْدِيُّ، قال: حدثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: "كَانَ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ يُحَدِّثُ بِالحَدِيثِ عَلَى المعنى، وكان إبراهيم بن ميسرة لا يُحدّثه إِلَّا عَلَى مَا سَمِعَ".

وروى ابن عساكر في «تاريخه» (7/233) من طريق أَبي مَعْمَرٍ الهُذَلِيِّ إِسْمَاعِيلَ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ مَعْمَرٍ، عن ابن عيينة، قال: "كان عمرو بن دينار وابن أبي نَجيح يُحدّثان بالمعاني، وكان إبراهيم بن ميسرة وابن طاوس يُحدِّثان كما سمعا".

وروى ابن سعد في «الطبقات» (6/29)، وابن أبي خيثمة في «تاريخه» (1/241) قالا: حَدثنَا أَبُو مُسلم عبدالرَّحْمَن بن يُونُس - هو: مُسْتَمْلِي ابن عُيينة - قَالَ: قَالَ سُفْيَان: "كَانَ عَمْرو بن دِينَار يُحدِّث بالمعاني، وَكَانَ فَقِيها".

ورواه ابن عساكر في «تاريخه» (7/233) من طريق العباس بن محمد بن حاتم الدوري، قال: سمعت عبدالرحمن بن يونس أَبا مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي يقول: حَدَّثَنَا ابنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: "كَانَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ يُحَدِّثُ بِالمَعَانِي، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ يُحَدِّثُ كَمَا سَمِعَ، وكَانَ فَقِيْهاً".

ونقل الذهبي هذا في ترجمة إبراهيم من «السير» (6/123)، و«التاريخ» (3/611): "قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ المُسْتَمْلِي: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بنُ دِيْنَارٍ يُحَدِّثُ بِالمَعَانِي، وَكَانَ إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسَرَةَ يُحَدِّثُ كَمَا سَمِعَ، كَانَ فَقِيْهاً".

ولفظة: «كان فقيهاً» كما هو الظاهر راجعة لإبراهيم، ولهذا لما ترجم له الذهبي في «السير» قال: "إِبْرَاهِيْمُ بنُ مَيْسرَةَ الطَّائِفِيُّ الفَقِيْهُ، نَزِيْلُ مَكَّةَ".

فقال عنه: "الفقيه" مُعتمداً على هذا النص! مع أن إبراهيم هذا - وهو وإن كان ثقة - لم يُشتهر بالفقه! ولم يذكره أحد بذلك!

والذي حصل أنه وقع سقط في كتاب ابن عساكر أو في الكتاب الذي نقل منه رواية الدوري، سقط في آخره: "عمرو" فهو الفقيه المعروف.

قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/435) (2920): حَدَّثَنِي عَمْرو بن مُحَمَّد النَّاقِد، قال: حَدَّثَنَا ابن عُيَيْنَة، قال: "كان عَمْرو بن دِينَار يُحَدِّثُ بالمعاني، وإِبْرَاهِيم بن مَيْسَرَة يُحَدِّثُ كما سمع، وكان عَمْرو فقيهًا".

والتحديث بالمعاني يقتضي أن يكون الراوي فقيهاً كعمرو بن دينار.

فإن كان ثمّة اختصار في الحديث، فيكون من عمرو نفسه = حدّث بالقصة بالمعنى، والله أعلم.

وبناء على ما قدّمناه عرفنا لم قدّم أهل العلم ابن عيينة في عمرو بن دينار، فإذا خالفه شعبة نظرنا كيف خالفه؟ فلعل المشكلة من عمرو كما قدّمنا الكلام عليه.

وقول الأخ عن حديث ابن عيينة في عمرو: "وأنه الحكم في معرفة ألفاظه وسياقاته، بل يعرف موضع السياقة على اللفظ، والرواية بالمعنى" بناه على ما ذكر من مخالفة شعبة لابن عيينة في بعض الأسانيد! ولم يُسعفنا بشيء من ذلك في الألفاظ والسياقات والرواية بالمعنى!

وهذا حجة عليه لا له! فإذا كان الذي يحدّث بالمعنى هو عمرو فلم نلصق التهمة بشعبة إن كان ثمة اختصار ووهم في الحديث!

ولو أن ابن عيينة صرّح بأن شعبة أخطأ في هذا الحديث كما صرّح في أن أخطأ في اسم «أبي الثورين» لكان ذلك هو الحجة الفاصلة! لكن لم يُنقل عنه شيء من هذا! ولم نجد له اعتراضاً عليه!

وربّ قائل يقول: كيف يعترض عليه وهو لم يصله؟

فأقول: كيف وصلته رواية شعبة في تسمية «أبي الثورين»! فبيّن أن المشكلة كانت في عمرو لأن أسنانه كانت قد سقطت ولم تصله مخالفة شعبة له ولغيره في هذا الحديث، وقد عاش ابن عيينة بعد شعبة (37) سنة، وكان التلاميذ يرحلون لسماعه ويذاكرونه ويسألونه، بل كانوا يحجّون ونيتهم لقاء ابن عيينة، فلا يستبعد أن يكون هذا الحديث عن شعبة وصل ابن عيينة، لكنه لم يكن عنده فلم يتكلم بشيء عنه، والله أعلم.

·       هل قَصَّر شعبة في حديث: «إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ...»؟!

ثالثاً: احتجاج الأخ على وهم شعبة بما قاله أن أئمة العلل قدموا أصحاب عمرو على شعبة في حديث التَّفْلِيسِ غير مُحرر!

وكلامه يوهم أن أئمة العلل متفقون على ذلك! وليس كذلك! وقد نقل ذلك عن أبي زرعة أن شُعْبة قَصَّر بِهِ، فوقفه، ولم يرفعه، ورفعه ابن عيينة.

وما قاله أبو زرعة فيه نظر! فشعبة لم يُقصّر به، وإنما حدّث به كما سمعه من عمرو.

فقد رواه أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ في كِتَاب «الجَعْديَّاتِ» (963) عن أَحْمَدَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ الدَّوْرَقِيِّ، عن أَبي دَاوُدَ الطيالسي، عن شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلًا، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.

وَهَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ أَيْضًا.

حَدَّثَنَاهُ القَوَارِيرِيّ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: «إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ»، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.

وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ.

وَرَوَاهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَزَادَا بَيْنَ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ: هِشَامَ بنَ يَحْيَى المَخْزُومِيَّ.

قلت: هكذا بيّن البغوي الاختلاف فيه على عمرو بن دينار.

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (10/517) (20478) عن هُشَيْمٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ، فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِمَّنْ سِوَاهُ».

وسئل عنه الدارقطني في «العلل» (11/166) (2199)، فَقَالَ: "يَرْوِيهِ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فرواه ابنُ عُيَيْنَةَ، وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وَخَالَفَهُمَا هُشَيْمٌ، رَوَاهُ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ رَجُلٍ لم يسمه، عن أبي هريرة موقوفاً.

وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ، رَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، مَوْقُوفًا.

قَالَ شُعْبَةُ: وَحَدَّثَنِي وَرْقَاءُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ: أَظُنُّ أَنَّ هِشَامَ بنَ يَحْيَى سَمِعَ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ؛ لِأَنَّهُ ابنُ عَمِّهِ..." إلخ كلامه.

قلت: فقد تبيّن لنا أن شعبة لم يُقصّر به، وهو بريء من ذلك، وقد رواه كما سمعه من عمرو، وعمرو هو الذي كان يرويه على وجوه مختلفة.

·       هل خالف شعبة ابن عُيينة في حديث: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ»؟!

رابعاً: وذكر الأخ أن شعبة خالف ابن عيينة في حديثه عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ وأَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ».

ورواه ابن عيينة عن عمرو بن دينار، عمّن سمع عبدالله بن عمرو القاري، عن أبي أيوب!

يعني الاختلاف في ذكر شعبة لاسم شيخ عمرو بن دينار، وإبهام ابن عيينة له! وكذلك زيادة شعبة لصحابي آخر للحديث وهو أبو هريرة، وابن عيينة ذكر فقط أبا أيوب الأنصاري!

وحديث شعبة اختلف عليه فيه:

فرواه أَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ في «الجَعْديَّاتِ» (1614) عن مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو البَاهِلِيّ. والنسائي في «السنن الكبرى» (1/146) (182) عن مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ بُندار. كلاهما (محمد الباهلي، وبُندار) عن ابنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ».

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (1/146) (181) عن مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ. وفي «الصغرى» (1/106) (176) عن عَمْرِو بنِ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ. والطبراني في «المعجم الكبير» (4/140) (3929) من طريق مُحَمَّدِ بنِ المُثَنَّى. والمحاملي في «أماليه - رواية ابن يحيى البيع» (446) عن مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو البَاهِلِيّ. كلهم (ابن بشار، وعمرو الفلاس، وابن المثنى، والباهلي) عن ابنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، عن أَبي أَيُّوبَ، مثله.

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (3/19) (1429). والطبراني في «المعجم الكبير» (5/104) (4730) عن مُعَاذِ بنِ المُثَنَّى، كلاهما (أبو يعلى، ومعاذ) عن عُبَيْدِاللَّهِ بنِ مُعَاذٍ العَنْبَرِيُّ، عن أَبِيه.

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (1/146) (180) عن عُبَيْداللهِ بن سَعِيدٍ السرخسي أبي قُدامة، وفي «الصغرى» (1/106) (177) عن عُبَيْدِاللَّهِ بنِ سَعِيدٍ وَهَارُونَ بنِ عَبْدِاللَّهِ الحمّال. وأَبُو القَاسِمِ البَغَوِيُّ في «الجَعْديَّاتِ» (1613) عن هَارُونَ بنِ عَبْدِاللَّهِ. والشاشي في «مسنده» (3/29) (1078) عن مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ الوَرَّاق، عن عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ القَواريريّ. ثلاثتهم (أبو قدامة، والحمّال، والقواريري) عن حَرَمِيِّ بنِ عُمَارَةَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ أَبي رَوْحٍ.

كلاهما (معاذ العنبري، وحَرميّ) عن شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عن يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو القَارِيِّ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، مثله.

فابن أَبِي عَدِيٍّ رواه عَنْ شُعْبَةَ، وقال فيه: "عن أبي هريرة، وأبي أيوب".

وجعله مُعَاذ العَنْبَرِيّ وحرميّ: "عن أبي طلحة"!

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (4/140) (3930) عن مُعَاذِ بنِ المُثَنَّى، عن عَلِيِّ بنِ المَدِينِيِّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَاللهِ بنِ عَمْرِو بنِ عَبْدٍ القَارِيِّ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ».

ورواه البغوي في «الجَعْديَّات» (1612) قال: حَدَّثَنِي ابنُ زَنْجَوَيْهِ، حدثنَا الحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ. [ح] وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو البَاهِلِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ تَوَضَّأَ».

قلت: كذا جمع البغوي بين رواية شعبة وابن عيينة؛ وجعل المبهم في رواية ابن عيينة هو الذي سماه شعبة في روايته: "يحيى بن جعدة".

ويُلاحظ أن متن هذه الرواية: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ تَوَضَّأَ».

ومتن السابقة: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَوَضَّئُوا مِمَّا غَيَّرَتِ النَّارُ».

وهذا يُشبه الحديث الذي نحن نتكلم عليه، فالمتن الأول فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أكل مما غيرت النار توضأ، وجاء الثاني بصيغة الأمر: «تَوَضَّئُوا مِمَّا مَسَّتِ - أو: مِمَّا غَيَّرَتِ - النَّارُ»، وشعبة روى هذا الأخير كما رواه ابن عيينة.

وهذا يعني أن الذي كان يروي الحديث بالمعنى هو عمرو بن دينار.

وجاء في الروايات السابقة اختصار في اسم التابعي، فمنهم من سمّاه، ومنهم من نسبه لجده.

ففي بعضها: «عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَبْدٍ القَارِيِّ»، وفي بعضها: «عَبْداللهِ بن عَبْدٍ القَارِيِّ»، وفي بعضها: «عَبْداللهِ بن عَمْرِو بنِ عَبْدٍ القَارِيِّ».

وقد ذكر البخاري هذا الاختلاف في «التاريخ الكبير» في ترجمة «عبدالله بن عبد القاري» (5/141) (427).

وقد سئل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (6/120) (1019)، فَقَالَ: "يَرْوِيهِ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَمَّنْ سَمِعَ عَبْدَاللَّهِ بنَ عَمْرٍو القَارِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ.

وَرَوَاهُ شعبة، عن عمرو، عَنْ يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو القَارِيِّ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.

قَالَ ذَلِكَ ابنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ.

وَخَالَفَهُ حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، فَرَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو القَارِيِّ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ.

وَقَوْلُ ابنِ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ أَصَحُّ".

قلت: قد تابع حرمي عليه: مُعَاذٌ العَنْبَرِيُّ كما سبق! فإما أن يكون الاختلاف من شعبة، أو يكون سمعه من عمرو بن دينار على وجوه، فلم يضبط عمرو اسم الصحابي؛ لأن شعبة قال مرة: «عن أبي أيوب وأبي هريرة»، ومرة: «عن أبي طلحة»! فالله أعلم.

ولا يُنكر أن يكون ابن عيينة لم يحفظ اسم التابعي، وحفظه شعبة. وهذا ليس بمخالفة لشعبة كما ذكر الأخ.

·       شعبة لم يحفظ إسناده!

خامساً: وذكر الأخ ترجيح الدارقطني في «العلل» (11/41) (2114) لما سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو القَارِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَا أَنَا قُلْتُ مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَقَدْ أَفْطَرَ، وَلَكِنْ مُحَمَّدٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ قَالَهُ، وَمَا أَنَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُ»، فَقَالَ:

"يَرْوِيهِ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ جَعْدَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو القَارِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وكَذلك قال عَبدالرَّزاق، عَن ابن جُرَيج، عَن عَمرو بن دينارٍ.

وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، فَلَمْ يُحْفَظْ إِسْنَادُهُ، وَقَالَ: عَنْ رَجُلَيْنِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ".

قلت: الظاهر أن شعبة رواه عن رجلٍ، عن رجلٍ، عن أبي هريرة = يعني عن رجلين عن أبي هريرة، لم يُسمّهما.

وسماهما ابن عيينة وابن جريج، وهما ممن سمع من عمرو قبل شعبة.

فيُحتمل أن عمرو بن دينار لم سمع منه شعبة قال: عن رجلين عن أبي هريرة، ولم يسمهما، فرواه شعبة عنه كما سمع.

ويُحتمل أن شعبة لم يحفظ اسم الرجلين، فكان ماذا؟ هل هذا يعني أنه يهم في الحديث كما أراد الأخ من ذكر مثل هذه الاختلافات!

وهل نعُدّ هذه مخالفة لشعبة؟ فغاية ما في الأمر أنه لم يُسمّ الرجلين، وسماهما ابن عيينة، وابن جريج.

·       هل وهم شعبة؟

سادساً: وذكر الأخ أيضاً للدلالة على أوهام شعبة ما قاله الدارقطني لما سُئِلَ في «العلل» (11/290) (2288) عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أَعْجَلَ، أَوْ قَحَطَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ»: "يَرْوِيهِ عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

وَخَالَفَهُ زَكَرِيَّا بنُ إِسْحَاقَ، فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عِيَاضٍ.

وَقَالَ ابنِ جُرَيْجٍ: عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ أَبِي عِيَاضٍ.

وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ الخِيَارِ.

وَالصَّحِيحُ قَوْلُ ابنِ عُيَيْنَةَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عِيَاضٍ، وَهُوَ: ابنُ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ ابنِ أَخِي عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عَدِيِّ بنِ الخِيَارِ" انتهى.

قلت: العجب كيف ينتقي مخالفة شعبة فقط ويُعرِض عن المخالفات الأخرى لابن عيينة في هذا الحديث!

فالدارقطني ذكر مخالفة زكريا بن إسحاق، ومخالفة ابن جريج أيضاً.

وهذا يدلّ على أن عمرو بن دينار هو من كان يضطرب في اسمه! وشعبة لم يُخطئ فيه!

وقد عَرض البخاري لهذا الاختلاف في «التاريخ الكبير» (7/32) (140) ف ترجمة: «عُرْوَة بن عياض»، قال:

"قال لي قُتيبة: حدثنا سُفْيَان، عَنْ سَعِيد بن حسان، عَنْ عُرْوَة بن عياض، عَنْ جَابِر، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العزل.

قَالَ أَبُو نعيم: حدثنا سعيد، قال: سمعت ابن عياض بن عدي بن الخيار النوفلي، مثلَهُ.

وقد روى عُمَر بن سَعِيد، عَنْ مُحَمَّد بن عُبَيْدالله بن عياض، قَالَ: نزل علينا أَبُو سَعِيد.

وَقَالَ ابن جُرَيْج: أخبرنا عَمْرو، عَنْ عُبَيْداللَّه بن أَبِي عياض.

وَقَالَ زكريا: حدثنا عَمْرو: أخبره عُبَيْداللَّه بن الخيار. إنما هو: عَمْرو، عَنْ عُبَيْداللَّه بن عياض" انتهى.

قلت: ذكر البخاري هنا حديث زكريا: عن عمرو، عن عبيدالله بن الخيار، ثم قال بأن الصواب: عن عمرو، عن عبيدالله بن عياض.

وما ذكره البخاري هنا موافق لرواية شعبة، لكن مخالفاً لما قاله الدارقطني عن زَكَرِيَّا بن إِسْحَاقَ، قال: "فَرَوَاهُ عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عِيَاضٍ"!

فقد يكون اختلف على زكريا فيه، فذكر بعضهم: "عبيدالله بن الخيار"، وبعضهم: "عبيدالله بن عياض"، والله أعلم.

والحديث رواه البغوي في «الجعديات» (1639) عن عَبْدِاللَّهِ بنِ أَحْمَدَ، قال: حدثنَا أَبِي، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قال: حدثنَا شُعْبَةُ، قال: حدثنَا عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ الخِيَارِ قَالَ: ذَكَرُوا عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ذَاكَ، فَتَكَلَّمَ رَجُلٌ كَأَنَّهُ شَدَّدَ فِيهِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «حَتَّى لَا يَكُونَ فِي قَلْبِكَ حَرَجٌ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي قَوْلَ أَبِي سَعِيدٍ: لا غُسْلَ عَلَيْهِ».

قال البغوي: حَدَّثَ بِهَذَا الحَدِيثِ ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عِيَاضٍ النَّوْفَلِيِّ. حَدَّثَنَاهُ ابنُ عَبَّادٍ، قال: حدثنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، قال: أخبرنَا عُرْوَةُ بنُ عِيَاضٍ النَّوْفَلِيُّ.

وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ عِيَاضٍ. حَدَّثَنَا بِهِ يَعْقُوبُ، قال: حدثنَا رَوْحٌ، قال: حدثنَا زَكَرِيَّا بنُ إِسْحَاقَ.

وَقَدْ خَالَفَ ابنَ عُيَيْنَةَ، وَزَكَرِيَّا بْنَ إِسْحَاقَ شُعْبَةُ فِي لَفْظِ الحَدِيثِ!.

قلت: لم يتعرض الدارقطني للاختلاف في لفظ الحديث!

وقد رواه إِبْرَاهِيمُ بنُ بَشَّارٍ، عن سُفْيَانَ، عن عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: «قُلْتُ لِإِخْوَانِي مِنَ الْأَنْصَارِ: أَنْزِلُوا الْأَمْرَ كَمَا تَقُولُونَ: المَاءُ مِنَ المَاءِ، أَرَأَيْتُمْ إِنِ اغْتَسَلَ؟ فَقَالُوا: لا وَاللهِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِي نَفْسِكَ حَرَجٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ» [شرح معاني الآثار: (1/54) (310)].

ورواه عَبْدُالجَبَّارِ بنُ العَلاءِ، عن سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عُرْوَةَ بنِ عِيَاضٍ، قَالَ: «قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ فَنَزَلَ عَلَيْنَا، فَقُلْتُ: الأَمْرُ كَمَا تَقُولُ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّا اغْتَسَلْنَا. قَالُوا: لا، حَتَّى لا يَكُونَ فِي نَفْسِكَ حَرَجٌ مِمَّا قَضَى اللَّهُ ورسوله» [حديث السراج: (2/256) (1064)].

قلت: فالظاهر أن هناك اختلاف بين رواية شعبة وابن عيينة!

فرواية شعبة فيها أن رجلاً هو من شدد في هذه المسألة وقال بأنه لا بدّ من الغُسل، وأبو سعيد قال له بأن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا غُسل! وقال له أبو سعيد لينصاع لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: «حَتَّى لا يَكُونَ فِي نَفْسِكَ حَرَجٌ مِمَّا قَضَى اللَّهُ ورسوله».

لكن في رواية ابن عيينة: إن أبا سعيد قال لهم: أَنْزِلُوا الْأَمْرَ كَمَا تَقُولُونَ: المَاءُ مِنَ المَاءِ = يعني لا غُسل، لكن أَرَأَيْتُمْ إِنِ اغْتَسَلَ؟ فَقَالُوا: «لا وَاللهِ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِي نَفْسِكَ حَرَجٌ مِمَّا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ»!

فجعل هنا القول بالتسليم لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم قالوه لأبي سعيد؛ لأن لم يأمر بالغسل، وهو قال: ماذا لو اغتسل؟!

وحقيقة إن رواية شعبة أوضح وأبيّن من رواية ابن عيينة، والمؤدى واحد، والاختلاف في القصة من عمرو بن دينار، والله أعلم.

·       أخطاء شعبة في المتون!

سابعاً: قول الأخ بأن المشهور عن شعبة أنه يخطئ في الإسناد وخاصة في أسماء الرجال فيه نظر!

فهو هنا قد أثبت الخطأ له في الإسناد عموماً، وأكثره في أسماء الرجال! وهذا ليس بصحيح! فالمشهور والمعروف أنه يُخطئ في أسماء الرّجال فقط! وهذا لا يضرّه بحيث نسحب ذلك على أنه يُخطئ في الأسانيد والمتون.

نعم، كما قال الأخ: "هذا لا يمنع أن يُخطئ في المتن كذلك"! وكذا في الأسانيد، ومن يَسلم من ذلك! لكن ليأتنا الأخ ببعض هذه الأخطاء المتوهمة نتيجة الاخنصار!

واحتجاجه بقول أحمد: «أخاف أن شعبة لم يكن يقوم على الألفاظ، هو ذا يختلف عليه» هنا فيه نظر!

فالاختلاف هنا على شعبة = يعني اختلاف الرواة عليه، وحديثنا الذي نتكلم عليه لم يُختلف فيه على شعبة، وإنما الدعوى أنه هو من خالف غيره.

واستدلال الأخ أيضاً بقول أحمد: «كان شعبة يحفظ، لم يكتب إلا شيئا قليلاً، وربما وهم في الشيء» ليس في مكانه هنا! فقد أثبت أحمد له الحفظ، ولأنه لم يكتب إلا شيئاً قليلاً ربما وهم في الشيء، وهذا الشيء لا يكون في مخالفة في متن حديث كامل، وإنما يُحمل على ما اتفقوا عليه من أن شعبة كان يغلط في أسماء الرجال كما قال أحمد وغيره.

بل إن الدارقطني قال في «العلل» (11/314): "وَكَانَ شُعْبَةُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَغْلَطُ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لِاشْتِغَالِهِ بِحِفْظِ المَتْنِ".

فشعبة يُخطئ أحياناً في أسماء الرجال لأنه كان يحرص على حفظ المتون.

وغلط شعبة في الرجال بالنسبة للأحاديث التي رواها لا تكاد تذكر، فهي ليست كثيرة.

قال العجلي: "شُعْبَة بن الحجَّاج: ثِقَة فِي الحَدِيث نقيّ، وَكَانَ يٌخطئ فِي بعض الْأَسْمَاء". وَفِي مَوضِع آخر: "ثَبت نقي الحَدِيث، كَانَ يُخطئ فِي أَسمَاء الرِّجَال قَلِيلاً".

وقد قدّمه أحمد على الثوري.

قال محمد بن العباس النسائي: سأَلتُ أَبا عبدالله أَحمد بن حَنبل، من أثبت، شعبة، أَو سفيان؟ فقال: "كان سفيان رجلاً حافظًاً، وكان رجلاً صالحًا، وكان شعبة أثبت منه، وأنقى رجالاً، وسمع من الحكم بن عتيبة قبل سفيان بعشر سنين".

وقال الفضل بن زياد: سُئل أَحمد بن محمد بن حنبل: شعبة أَحبّ إِليك حديثًا، أَو سفيان؟ فقال: "شعبة أنبل رجالاً، وأنسق حديثًا".

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/465) (45): وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ شُعْبَة، عن منصور، عن الفَيْضِ، عن ابن أَبِي حَثْمة، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا خرجَ مِنَ الخَلاء قَالَ: الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي، وَأَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى»؟

فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "وَهِمَ شُعْبَةُ فِي هَذَا الحَدِيثِ! وَرَوَاهُ الثوريُّ، فَقَالَ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ عُبَيد بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ؛ وَهَذَا الصَّحيحُ. وَكَانَ أكثرُ وَهَمِ شُعْبَة في أسماءِ الرِّجَال".

وَقَالَ أَبِي: "كَذَا قَالَ سُفْيان! وَكَذَا قَالَ شُعْبَة! وَاللَّهُ أَعْلَمُ أيُّهما الصَّحيحُ؟ والثوريُّ أَحْفَظُ، وشُعْبَةُ رُبَّمَا أَخْطَأَ فِي أسماءِ الرِّجال، ولا نَدري هَذَا مِنه أَمْ لا؟".

قلت: جزم أبو زرعة بوهم شعبة، لكن توقف أبو حاتم ولم يعرف الخطأ ممن!

قال ابن حجر في «نتائج الأفكارفي تخريج أحاديث الأذكار» (1/216): "ورجح أبو حاتم الرازي رواية سفيان على رواية شعبة"!

وهذا وهم من ابن حجر! فإن الذي رجّح رواية سفيان على رواية شعبة هو أبو زرعة الرازي.

والحديث رواه عَبْدَةُ بنُ سُلَيْمَانَ وَوَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ: أَنَّ أَبَا ذَرٍّ كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنَ الخَلاَءِ: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي». [مصنف ابن أبي شيبة: (1/226) (10)].

ورواه أَبُو نُعَيْمٍ، عن سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ - يَعْنِي: الصَّيْقَلَ -، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. [الدعاء للطبراني: (372)].

ورواه إِسْحَاقُ الدَّبري، عَنْ عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ. [الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف لابن المنذر: (1/359) (326)].

وَعَنْ بُنْدَارٍ، عَنِ ابنِ مَهْدِيٍّ. وَعَنْ أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ بِشْرٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَوْلُهُ. [سنن النسائي الكبرى: (9/35) (9825)].

قال عبدالله بن أحمد: حَدثنِي أبي، قَالَ: حَدثنَا وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن مَنْصُور، عَن أَبِي عَليّ.

قَالَ أبي: قَالَ وَكِيع: "هُوَ: عُبَيْد بن عَليّ". [العلل ومعرفة الرجال: (2/405) (2810)].

فالحديث رواه سفيان الثوري، عن منصور بن المعتمر، عن أبي علي، عن أبي ذر، موقوفاً.

كذا جاء في بعض الروايات: «عن أبي علي»، وفي بعضها: «عن أبي علي الأزدي»، وجاء مُعرفاً به في بعض الروايات: «عَنْ أَبِي عَلِيٍّ - يَعْنِي: الصَّيْقَلَ».

وسمّاه وكيع: «عُبيد بن علي».

ومن نسبه بالأزدي فعلى اعتبارأنه هو: عُبيد بن علي1

وما جاء في مطبوع ابن المنذر: «عن أبي وائل» فهو تصحيف! والصواب: «عن أبي عليّ» أو: «عن الصيقل»، والله أعلم.

ورُوي عن شعبة، عن منصور مرفوعاً وموقوفاً!

رواه النسائي في «السنن الكبرى» (9/35) (9825) - عَنْ حُسَيْنِ بنِ مَنْصُورٍ أبي عليٍّ النيسابوريّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي بُكَيْرٍ الكرمانيّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الفَيْضِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الخَلَاءِ، قَالَ: «الحمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي». [ورواه ابن السُّنّي في «عمل اليوم والليلة» (22) عن النسائي].

ورواه بُنْدَارٌ، عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، قَوْلُهُ. [سنن النسائي الكبرى: (9/35) (9825)].

فَرَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الفَيْضِ، عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وأَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. [علل الدارقطني: (6/235)، (6/291)].

وَقد سُئِلَ الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» (6/291) (1150)؟

فَقَالَ: "يَرْوِيهِ مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.

وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ فَيْضٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. وَوَقَفَاهُ جَمِيعًا.

وَرَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ فَقَالَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الفَيْضِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَرَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والصواب موقوف" انتهى.

وَسُئِلَ أيضاً في «العلل» (6/235) (1096) عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الغَائِطِ، يَقُولُ: الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي»؟

فَقَالَ: "يَرْوِيهِ شُعْبَةُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ عَبْدُاللَّهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الفَيْضِ، عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، وأَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ هَذَا القَوْلُ بِمَحْفُوظٍ.

وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الفَيْضُ، عَنِ ابنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا، وَهُوَ أَصَحٌّ.

وَسُئِلَ عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، فَقَالَ: صُحْبَتُهُ ثَابِتَةٌ" انتهى.

قلت: حاصل الاختلاف على شعبة:

رواه يَحْيَى بن أَبِي بُكَيْرٍ الكرمانيّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الفَيْضِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - مرفوعاً.

ورواه غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عن رَجلٍ، عن أَبِي ذَرٍّ - موقوفاً.

ورواه عَبْدُاللَّهِ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي الفَيْضِ، عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، عن أَبِي ذَرٍّ - مرفوعاً.

ورواه غيره عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الفَيْضُ، عَنِ ابنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ - مَوْقُوفًا.

وقد رجّح الدارقطني الوقف على شعبة، كذا ضبطه غندر عنه، وأشار الدارقطني أنه روي عنه موقوفاً، وهو الصواب.

وقد اتفق يَحْيَى بن أَبي بُكَيْر، وَغُندر على عدم ذكر واسطة بين شيخ منصور وأبي ذر أو جمع بين أبي ذر وسهل بن أبي حَثمة، وقد ذكر الجمع عبدالله بن أبي جعفر الرازي وهو صدوق يُخطئ، ويروي أشياء لا يُتابع عليها! فزاد واسطة هنا، ورفع الحديث فوهم!

ولما رجّح الدارقطني رواية الوقف على شعبة قال في مقابلة رواية عبدالله بن أبي جعفر: "وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الفَيْضُ، عَنِ ابنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ مَوْقُوفًا".

ولم يذكر من هؤلاء! وأغلب ظني أن قوله: "عن ابن أبي حثمة" وهم! فكأنه أراد بيان رواية هؤلاء عن شعبة بالوقف، فذكر "عن ابن أبي حثمة" خطأ! وما جاء في آخر جوابه: "وَسُئِلَ عَنْ سَهْلِ بنِ أَبِي حَثْمَةَ، فَقَالَ: صُحْبَتُهُ ثَابِتَةٌ" لأن عبدالله بن جعفر جمعه مع أبي ذر، وكلاهما صحابي، ولم يُرد أنه روى عن أبي ذرّ!

ويحيى بن أبي بُكير ثقة إلا أنه ينفرد عن بعض الثقات بأشياء لا يُتابع عليها! وقد خالف أصحاب شعبة في رفع بعض الأحاديث كما بيّن الدارقطني في «العلل» في بعض المواضع، وهنا أيضاً رفع الحديث عن شعبة، فوهم!

وعلى كل الأحوال فإثبات الواسطة بين الرجل وأبي ذر ليس بمحفوظ! والصواب عن شعبة الوقف دون الواسطة كما هي رواية سفيان.

لكن تبقى المسألة في ما جاء في الإسناد من مخالفة شعبة لسفيان في اسم الرجل!

والذي أراه أن منصوراً روى هذا الحديث عن «أبي عليّ»، وقال مرة: «عن الصيقل»، فتحرفت في الرواية عن شعبة إلى «الفيض»، وفي رواية إلى «أبي فيض»، صارت «ال»: «أبي»!!

وفي رواية غُندر لم يُسمّه، وإنما قال عن شعبة: «سَمِعْتُ رَجُلًا يَرْفَعُ الحَدِيثَ إِلَى أَبِي ذَرٍّ، قَوْلُهُ»، وفي الرواية التي أشار لها الدارقطني: «عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الفَيْضُ»! والصواب: «عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: الصَّيقل» فتصحّف، وكذا في رواية يحيى بن أبي بكير، وعبدالله بن أبي جعفر الرازي!

وربّ سائل يقول: كيف يحصل التصحيف في كل هذه المصادر؟! أفلا يدلّ هذا على أن شعبة سمّاه: «الفيض» حقيقة؟!

أقول: تتابع ذكر «الفيض» في هذه الروايات لا يعني عدم وجود التحريف، ويؤيده أنه جاء في بعضها: «أبي الفيض»، وهذا الاختلاف إنما هو ناشئ من هذا التصحيف!

فهو «الصيقل» فصارت «الفيض»، وفي بعض الكتب: «أبي فيض»! والرسم قريب جداً ومشابه، والتحريف يحصل في الكتب.

ولو أن شعبة أخطأ في اسمه كما أخطأ في بعض أسماء الرّجال لكان الاسم الذي جاء به قريب من «الصيقل»! و«الفيض» بعيد عنه! ولأن الصيقل ليس مشهوراً عند هؤلاء الرواة مشى عليهم هذا التصحيف؛ لأن الفيض مشهور، ولشعبة شيخ شامي اسمه «أبو الفيض»!

فالصواب في حديثنا: عن منصور، عن أبي علي، وهو الصيقل، وقد تصحف في رواية شعبة إلى «الفيض»! فصار: «عن أبي الفيض»!

وما جاء في مطبوع كتاب ابن المنذر في حديث عَبْدِالرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ! فهو تصحيف! والصواب: «عن أبي عليّ» أو: «عن الصيقل»، والله أعلم.

وأبو علي هو الصيقل، ويروي عنه منصور، وعبيد بن علي آخر يروي عنه منصور أيضاً، والرواة عن منصور يختلفون في اسمه! فقد ذكر ابن أبي خيثمة له حديثاً في «تاريخه» (1/197):

فقال أبو عَوَانَةَ: عَنْ مَنْصُور، عَنْ عُبَيْد بن عَلِيًّ السُّلَمِيّ، عَنْ خِدَاشِ بن أَبِي سَلاَّمة، قَالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلم: «أُوصِي امْرءًا بأُمِّه - ثلاثًا - أوصِي امْرءًا بأبيه مَرَّتَيْن أَوْصِي امْرَءًا بِمَولاَهُ الَّذِي يَلِيه، وإِنْ كان عَلَيْهِ أَذَاةٌ تُؤْذْيهِ».

وقال شَرِيكٌ: عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِي سَلاَمَةَ السُّلامِيِّ.

وقال جَرِيْر: عَنْ مَنْصُور، عَنْ عُبَيْدالله بن عَلِيّ، عَنْ خِدَاش بن أَبِي سَلاَمة، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وقد خلط أهل العلم بينهما!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/455) (1481): "عُبَيْد بن علي، عن أبي ذرٍ - رضى الله عَنْهُ - قَوْله، قَالَه وكيع عَنْ سُفْيَان عَنْ منصور، وقَالَ شُعْبَة: عَنْ منصور: عَنْ أَبِي الفيض".

ثمّ قال (5/456) (1482): عُبَيْد بن علي، قَالَه سُفْيَان عَنْ منصور. وقال جرير عن منصور: عن عبيدالله بن خداش. وقَالَ وكيع: عَنْ سُفْيَان، عَنْ عبيد بن علي، عَنْ أَبِي سلامة. وقَالَ شريك: عَنْ منصور، عن عبيدالله، عن أبي سلامة".

قلت: الترجمة الثانية صحيحة، وهو الذي يُكنى بأبي عليّ.

وأما الترجمة الأولى فالظاهر أن البخاري بناها على تسمية وكيع له! وتبعه على ذلك أبو حاتم، وابن حبان!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/410) (1898): "عبيد بن علي أبو علي: روى عن أبي ذر. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (5/136) (4235): "عبيد بن عَليّ أَبُو علي، يروي عَن أَبِي ذَر. روى عَنْهُ: مَنْصُور بن المُعْتَمِر. وَاخْتلف على مَنْصُور فِيهِ".

ولم يذكر ابن أبي حاتم، وابن حبان الترجمة الأخرى!

والذي يروي عن أبي ذر هو: أبو علي الصّيقل لا عبيد بن علي! ومنصور يروي عن كليهما! فلما لم يُسمّه منصور وأطلق الكنية سماه وكيع فوهم، وتبعوه على ذلك!

قال المزي في «تهذيب الكمال»: "أبو علي الأزدي: عن أبي ذر في القول عند الخروج من الخلاء، موقوف. وعنه: منصور بن المعتمر، وقيل: عن منصور، عن أبي الفيض، عن أبي ذر - مرفوعاً".

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: "قلت: اسم أبي علي الأزدي: عبيد بن علي، ذكر ذلك البخاري، والنسائي، والحاكم أبو أحمد، وزعم أبو زرعة أن رواية من قال عن أبي علي أصح ممن قال عن أبي الفيض".

قلت: أبو علي الأزدي غير أبي علي صاحب الحديث وهو الصيقل، وقد ذكره بعض أهل العلم.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (9/52) (454): "أَبُو علي الصيقل عَنْ جَعْفَر بن تمام، روى عَنْهُ: منصور والثوري، نسبه الأشجعي عَنْ سفيان".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/409) (1975): "أبو علي الصيقل، روى عن جعفر بن تمام. روى عنه: منصور والثوري. سمعت ابى يقول ذلك".

وحديثه رواه مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الصَّيْقَل، قَالَ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بنُ تَمَّامِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ أتِيَ - فَقَالَ: «مَا لِي أَرَاكُمْ تَأْتُونِي قُلْحًا، اسْتَاكُوا، لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمُ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الوُضُوءَ».

وهو حديث مشهورٌ عن منصور، رواه عنه جماعة وقد اختلفوا عليه في إسناده!

فرواه أَبُو حَفْصٍ الأَبَّارُ عُمَرُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عنه، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ تَمَّامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ العَبَّاسِ!

ورَوَاهُ شَيْبَانُ بن عبدالرّحمن النحوي، وزائدة بن قُدامة، وَقيس بن الرّبيع، والفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ، وَجرير بن عبدالحميد، عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ، عَن جَعْفَر بن تَمام بن عَبَّاس، عَن أَبِيه. ولم يذكروا «العبّاس»!

ورواهُ سُفْيَانُ الثَّوريُّ، واختلف عنه:

رواه إِسْمَاعِيلُ بنُ عُمَرَ أَبُو المُنْذِرِ الواسطيّ، عن سُفْيَان، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الزَّرَّادِ، عن جَعْفَرِ بنِ تَمَّامِ بنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ.

ورواه الْأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الصَّيْقَلِ، عَنِ ابنِ تَمَّامٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ.

ورواه مُعَاوِيَةُ بنُ هِشَامٍ، عن سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الصَّيْقَلِ، عَنْ قُثَمِ بنِ تَمَّامٍ أَوْ تَمَّامِ بْنِ قُثَمٍ، عَنْ أَبِيهِ. [وعند الطبراني (1302) زيادة "منصور" فيه: "سفيان، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الصَّيْقَلِ، مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ عَنْ جَعْفَرِ بنِ تَمَّامِ بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ"!].

فلَمْ يَذْكُرِ «العَبَّاسَ»، وَجَعَلَهُ مِنْ «مُسْنَدِ تَمَّامِ بنِ العَبَّاسِ»!

ورواهُ قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ، عن سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الصَّيْقَلِ، عَنْ جَعْفَرٍ بَيَّاعِ الْأَنْمَاطِ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ تَمِيمِ بنِ العَبَّاسِ أَوِ ابنِ تَمَّامِ بنِ العَبَّاسِ، عَنْ أَبِيهِ. [رواه أبو نُعيم في «الصحابة» (1316) عن الطبراني، ووقع فيه زيادة: "عن منصور"! وما جاء فيه: "عن جعفر بيّاع الأنماط! خطأ! فاسم: "جعفر" زيادة، وكأنه سبق نظر من الناسخ؛ لأن الحديث عن جعفر بن تمام، ولهذا قال الضياء المقدسي في «المختارة» (8/395): "أَبُو عَلِيٍّ الصَّيْقَلُ: قِيلَ اسْمُهُ: عِيسَى بَيَّاعُ الأَنْمَاطِ الكُوفِيُّ، قِيلَ إِنَّهُ مَوْلَى بَنِي أَسَدٍ. رَوَى عَنْهُ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ". فجعل بياع الأنماط هو أبو علي الصيقل].

ورواه أبو قُتَيْبَةَ سَلْم بن قتيبة الشَّعيري، عن سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الزَّرَّادُ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ تَمَّامٍ، عَنْ أَبِيهِ.

وَالحَدِيثُ مُخْتَلَفٌ فِي إِسْنَادِهِ، وقد حكم بعض أهل العلم عليه بالاضطراب!

وقد سُئِل الدارقطني عنه في «العلل» (13/476) (3365)، فقال: "يرويه أبو علي الصيقل، واختلف عنه:

فرواه أبو حنيفة، فغَلط في اسمه، وفي إسناده، فقال: عن علي بن أبي الحسن، وقيل عنه: علي بن الحسن، عن تمام بن العباس، عن جعفر بنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.

وَخَالَفَهُ مَنْصُورُ بنُ المُعْتَمِرِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ أَبُو حفص الأبّار، عن منصور، عن أبي علي الصيقل، عن جعفر بن تمام ابن العباس، عن ابن عباس، عن العباس بن عبد المطلب.

وكذلك قيل عن عبدالعَزِيزِ بنُ أَبَانَ، عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، وأسنده عن العباس.

وقال عبدالعزيز بن أبان: عن قيس، عن أبي علي الصيقل، نحو قوله، عن الثوري" انتهى.

ومرّض الذهبي رواية الثوري عن أبي علي الصيقل، فقال في «الميزان» (4/554): "وعنه منصور. وقيل: إنّ الثوري روى عنه".

قال ابن حجر في «اللسان» (9/126): "ورواية الثوري عنه في مسند الإمام أحمد، وكأن منصوراً سقط من السند، فإنّ الحديث مشهور عن منصور، رواه عنه: فضيل بن عياض، وجرير بن عبدالحميد، وزائدة، وشيبان بن عبدالرحمن، وقيس بن الربيع، وهؤلاء الثلاثة من أقران سفيان. ثم إنّ من سمينا رووه عن منصور فلم يذكروا «العباس» في السند، بل تفرد بذكر العباس فيه: عمر بن عبدالرحمن الأبار".

وقال في «تعجيل المنفعة» في ترجمة «تمام بن العبّاس» (1/363): "اخْتلف فِي حَدِيثه على مَنْصُور بن المُعْتَمِر عَن أبي علي الزراد الصيقل، فَقَالَ الثَّوْريّ فِي المَشْهُور عَنهُ، وَوَافَقَهُ أَكثر أَصْحَاب مَنْصُور عَنهُ عَن أبي علي، عَن جَعْفَر بن تَمام بن العَبَّاس عَن أَبِيه. وشذَّ مُعَاوِيَة بن هِشَام، فَقَالَ: عَن الثَّوْريّ عَنهُ عَن أبي عَليّ الصيقل عَن قثم بن تَمام أَو تَمام بن قثم عَن أَبِيه بن العَبَّاس، عَن أَبِيه. وَقَالَ عمر بن عبدالرَّحْمَن الْأَبَّار: عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ، عَن تَمام بن العَبَّاس، عَن أَبِيه. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: عَن مَنْصُور، عَن الحسن الزراد، عَن تَمام بن جَعْفَر بن أبي طَالب، عَن أَبِيه. وَقَالَ شَيبَان بن عبدالرَّحْمَن: عَن مَنْصُور، عَن أبي عَليّ، عَن جَعْفَر بن العَبَّاس، عَن أَبِيه.

وَهَذَا اضْطِرَابٌ شَدِيدٌ، وَلَعَلَّ أرجحها مَا رَوَاهُ الْأَكْثَر عَن الثَّوْريّ فَإِنَّهُ أحفظهم، وَرِوَايَة مُعَاوِيَة بن هِشَام عَنهُ بِخِلَاف القَوْم شَاذَّة، وَهُوَ مَوْصُوف بِسوء الحِفْظ، وَالله أعلم" انتهى.

قلت: شاذة لأنه قال: "عَنْ قُثَمِ بنِ تَمَّامٍ أَوْ تَمَّامِ بْنِ قُثَمٍ، عَنْ أَبِيهِ".

وقد مال ابن حجر في كلامه الأول إلى أن "منصوراً" سقط من إسناد الثوري؛ لأن الحديث مشهور عن منصور، وهو يروي عن منصور.

ثم في الموضع الثاني مال لترجيح رواية الأكثر عن الثوري؛ لأنه أحفظهم! ورواية الثوري في رواية الأكثر لم يذكروا فيها "منصوراً"! ورجّح هذه على من رواه عن منصور! وهذا عجيب! فلعل ترجيحه لرواية الأكثر عن الثوري بعدم ذكر "منصور" في مقابل من ذكره، والله أعلم.

والميل إلى أن الثوري رواه عن منصور؛ لأن الحديث حديث منصور عن أبي علي الصيقل، وحديثنا إنما رواه الثوري عن منصور عن أبي علي، ولا أظنّ أن الثوري سمع من أبي علي هذا، والله أعلم.

والذي أراه أن أبا علي الصيقل هذا تفرد بالرواية عنه منصور، وهو غير أبي علي الأزدي السلمي عُبيد بن علي الذي يروي عنه منصور أيضاً.

وقد تصحّف لقب أبي عليّ «الصيقل» إلى «الفيض» وإلى «أبي فيض»! ولم يُترجم أهل العلم المتقدمين لأبي الفيض!!

وقد ذكره ابن حجر في «التعجيل» (2/528) (1374): "أَبُو الفَيْض عَن أَبي ذَرٍ، وَعنهُ: مَنْصُور بن المُعْتَمِر"، ثم قال: "قلت: "لم يذكرهُ الحُسَيْنِي، واستدركه العِرَاقِيّ، وَلَا يسْتَدرك؛ لِأَنَّهُ مَذْكُور فِي «التَّهْذِيب»، والحَدِيث المَذْكُور عَن أَبي ذَر، أخرجه النَّسَائِيّ من رِوَايَة شُعْبَة عَن مَنْصُور هَكَذَا، وَأخرجه أَيْضاً من رِوَايَة الثَّوْريّ عَن مَنْصُور، فَقَالَ: عَن أبي علي الْأَزْدِيّ، وَصوّب أَبُو زرْعَة قَول الثَّوْريّ، وَقد بَيّن ذَلِك المزي".

ويُلاحظ أن منصوراً روى عَن أبي عَليّ الصيقل، عَن جَعْفَر بن تَمام بن عَبَّاس، عَن أَبِيه.

فإذا قلنا بأن أبا علي الذي روى عن أبي ذرّ هو الصيقل هذا فالصيقل لا يروي عن الصحابة بخلاف أبي علي عُبيد بن علي = وهذا يعني أن الراوي عن أبي ذر هو: عبيد بن علي الذي يروي عَنْ خِدَاش أو ابن خِداش، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم!

أقول: هذا ليس بلازم! فرواية الصيقل عن تابعي عن صحابي لا يعني أنه ليس هو الراوي عن أبي ذر! فهو لم يقل: سمعت أبا ذر! وإنما قال: "عن أبي ذر"! ولا شك أنه أخذه من أحدهم عن أبي ذر! وهو لم يُدرك أبا ذر! بل إن عبيد بن علي الذي يروي عن خداش أو ابن خداش لم يُدرك أبا ذر المتوفى قديماً سنة (32هـ)، وهذا ما جعل البخاري يُفرّق بينه وبين الراوي عن أبي ذر! وإلا لجمع بينهما! والله أعلم.

والحديث على كلّ الأحوال لا يصح عن أبي ذرّ!

·       هل اختصر شعبة حديث: «لا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ»؟

ثامناً: وأما حديث: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» فقد اعتمد الأخ على توهيم أبي حاتم لشعبة!

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/564) (107): سمعتُ أَبِي - وَذَكَرَ حديثَ شُعْبَة، عَنْ سُهَيل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا وُضُوءَ إلاَّ مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» -.

قَالَ أَبِي: "هَذَا وَهَمٌ؛ اختَصَرَ شُعْبَة متنَ هَذَا الحَدِيثِ؛ فَقَالَ: «لا وُضُوءَ إِلاَّ مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ». وَرَوَاهُ أَصْحَابُ سُهَيل، عَنْ سُهَيل، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاةِ، فَوَجَدَ رِيحًا مِنْ نَفْسِهِ؛ فَلاَ يَخْرُجَنَّ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا»".

والحديث رواه أَبو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ في «مسنده» (4/171) (2544). وَعَلِيّ بن الجَعْدِ في «مسنده» (1583). وأحمد في «مسنده» (15/180) (9313) عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ غُندر، و(15/377) (9614) عن يَحْيَى القطان، و(16/108) (10093) عن وَكِيع. وابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/321) (8081) عن وَكِيعٍ. وابن الجارود في «المنتقى» (2) عن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى، وَإِبْرَاهِيمَ بنِ مَرْزُوقٍ، كلاهما عن وَهْبِ بنِ جَرِيرٍ. والترمذي في «جامعه» (1/130) (74) عن قُتَيْبَةَ، وَهَنَّادٍ، كلاهما عن وَكِيعٍ. وابن ماجه في «سننه» (1/323) (515) عن عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدٍ الطنافسي، عن وَكِيعٍ. وعن مُحَمَّدِ بن بَشَّارٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، وَعَبْدِالرَّحْمَنِ بن مهدي. وابن خزيمة في «صحيحه» (1/59) (27) عن مُحَمَّدِ بنِ بَشَّارٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ. وعن سَلْمِ بنِ جُنَادَةَ، عن وَكِيعٍ. وعن بُنْدَارٍ، وَأَبي مُوسَى، كلاهما عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بن مهدي. وعن مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالْأَعْلَى، عن خَالِدِ بنِ الحَارِثِ. وأبو عُبيدٍ القاسم بن سلام في كتاب «الطهور» (404) عن يَزِيدَ بنِ هَارُونَ. وأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى المَرْوَزِيُّ - راوي كتاب أبي عبيد - في «زياداته على كتاب الطهور» (405) عن عَاصِمِ بنِ عَلِيٍّ الواسطي. والبيهقي في «السنن الكبير» (1/188) (570) من طريق عَبْدِالكَرِيمِ بن الهَيْثَمِ، عن عَمْرِو بنِ مَرْزُوقٍ. وفي «الخلافيات» (1/374) من طريق مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ تَمْتَام، عن عَبْدِالصَّمَدِ بن عبدالوارث العنبري.

كلهم (الطيالسي، وابن الجعد، وغُندر، ويحيى القطان، ووكيع، ووهب بن جرير، وابن مهدي، وخالد بن الحارث، ويزيد بن هارون، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وعبدالصمد) عن شُعْبَة.

[تحرّف في كتاب أبي عبيد: «شعبة» إلى «سعيد»! واعتمد بعض المعاصرين على هذه الرواية فجعل سعيد بن أبي عروبة متابعاً لشعبة!!!].

قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

وقال البيهقي: "وَهُوَ صَحِيحٌ ثَابِتٌ".

وعلّقه البخاري في «صحيحه»، «بَاب مَنْ لَمْ يَرَ الوُضُوءَ إِلَّا مِنَ المَخْرَجَيْنِ: مِنَ القُبُلِ وَالدُّبُرِ» (1/46): "وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «لاَ وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ»".

قال ابن حجر في «تغليق التعليق» (2/111): "هَذَا مُخْتَصر من حَدِيث لأبي هُرَيْرَة"، ثم ساقه من عدة طرق، ثم قال: "وَاتفقَ الشَّيْخَانِ على مَعْنَاهُ من حَدِيث همام، عَن أبي هُرَيْرَة، وَالله أعلم. وَقد روينَاهُ مَوْقُوفاً كَمَا علقه المُؤلف، قَالَ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي كتاب «أَحْكَام القُرْآن» لَهُ: أَخبرنا سُلَيْمَان بن حَرْب، قال: حدثَنَا أَبُو عوَانَة، عَن عمرَان بن مُسلم القصير، عَن مُجَاهِدٍ، عَن أبي هُرَيْرَة، فَذكره".

قال البيهقي: "وَهَذَا مُخْتَصَرٌ، وَتَمَامُهُ..."، وذكر حديث جرير عن سُهيل.

وقال ابن حجر في «تغليق التعليق» (2/111): "وأصل الحَدِيث عِنْد مُسلم من حَدِيث جرير عَن سهل".

وقال ابن خزيمة في تبويبه (1/59): "بَابُ ذِكْرِ خَبَرٍ رُوِيَ مُخْتَصَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْهَمَ عَالمًا مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الخَبَرِ المُخْتَصَرِ وَالخَبَرِ المُتَقَصَّى أَنَّ الوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا مِنَ الحَدَثِ الَّذِي لَهُ صَوْتٌ أَوْ رَائِحَةٌ".

ثم ساق حديث شعبة، ثم قال في الباب الذي يليه: "بَابُ ذِكْرِ الخَبَرِ المُتَقَصِّي لِلَّفْظَةِ المُخْتَصَرَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَعْلَمَ أَنْ لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ عِنْدَ مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا فِي الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ فَيَشُكُّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ. وَكَانَتْ هَذِهِ المَقَالَةُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ»، جَوَابًا عَمَّا عَنْهُ سُئِلَ فَقَطْ، لَا ابْتِدَاءَ كَلَامٍ، مُسْقَطًا بِهَذِهِ المَسْأَلَةِ إِيجَابَ الوُضُوءِ مِنْ غَيْرِ الرِّيحِ الَّتِي لَهَا صَوْتٌ أَوْ رَائِحَةٌ. إِذْ لَوْ كَانَ هَذَا القَوْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقَدَّمَتْهُ مَسْأَلَةٌ، كَانَتْ هَذِهِ المَقَالَةُ تَنْفِي إِيجَابَ الوُضُوءِ مِنَ البَوْلِ وَالنَّوْمِ وَالمَذْيِ. إِذْ قَدْ يَكُونُ البَوْلُ لَا صَوْتٌ لَهُ وَلَا رِيحٌ، وَكَذَلِكَ النَّوْمُ وَالمَذْيُ لَا صَوْتَ لَهُمَا وَلَا رِيحَ، وَكَذَلِكَ الوَدْيُ".

ثم ساق الحديث المطوّل.

وهو ما رواه أحمد في «مسنده» (15/208) (9355) عن عَفَّانَ بن مُسلمٍ الصفّار. وأبو داود في «سننه» (1/128) (177) عن موسى بن إسماعيل. والدارمي في «سننه» (1/561) (748) عن يَحْيَى بنِ حَسَّانَ. كلهم (عفان، وموسى، ويحيى بن حسان) عن حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ البصري.

ومسلمٌ في «صحيحه» (1/276) (362) عن أَبي خَيْثَمَةَ زُهَيْرِ بنِ حَرْبٍ. والبيهقي في «السنن الكبير» (1/188) (571) من طريق أَحْمَدَ بنِ سَلَمَةَ النيسابوري، عن إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ ابن راهويه. كلاهما (أبو خيثمة، وابن راهويه) عن جَرِيرِ بنِ عبدالحميد الكوفي.

والترمذي في «جامعه» (1/130) (75) عن قُتَيْبَةَ بنِ سعيدٍ. وابن خزيمة في «صحيحه» (1/58) (24) عن أَحْمَدَ بنِ عَبْدَةَ الضَّبِّيّ. والبزار في «مسنده» (16/27) (9061) عن أحمد بن أبان القرشي. ثلاثتهم (قتيبة، وأحمد بن عبدة، وأحمد بن أبان) عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ المدني.

وأبو عوانة في «مستخرجه» (1/224) (741) عن هِلَالِ بنِ العَلَاءِ، عن حُسَيْنِ بنِ عَيَّاشٍ، عن زُهَيْرِ بن مُعاوية الكوفي.

وابن خزيمة في «صحيحه» (1/58) (24)، و(1/60) (28) عن أَبي بِشْرٍ الوَاسِطِيّ، عن خَالِدِ بنِ عَبْدِاللَّهِ الوَاسِطِيّ.

وعبدالملك بن حبيب القرطبي في «الواضحة في السنن» (168) عن مُطرِّفِ بن عبدالله، عن عبدالعزيز بن أبي حازم المدني.

والطبراني في «المعجم الأوسط» (2/157) (1565) من طريق أَبي بِلَالٍ الْأَشْعَرِيّ، عن أَبي كُدَيْنَةَ يَحْيَى بنِ المُهَلَّبِ البَجَلِيّ. [قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَبِي كُدَيْنَةَ إِلَّا أَبُو بِلَالٍ"].

والبيهقي في «السنن الكبير» (1/249) (750) من طريق خَالِدِ بنِ مَخْلَدٍ القطواني، عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَر بن أبي كثيرٍ المدني. و(2/360) (3375) من طريق الحَسَنِ بنِ مُكْرَمٍ، عن عَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ الواسطي.

كلهم (حماد بن سلمة، وجرير، والدراوردي، وزهير بن معاوية، وخالد الواسطي، وابن أبي حازم، وأَبُو كُدَيْنَةَ، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وعلي بن عاصم) عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا».

قال البزار: "وَهَذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمْهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي هريرة رضي الله عنه إلا من حديث سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة".

وقال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

قلت: هكذا روى الجماعة الحديث عن سهيل، وتفرد شعبة عنه باللفظ الآخر، ومن هنا قال أبو حاتم وغيره بأن شعبة اختصره فوهم فيه!

وهذا المثال الوحيد من حيث القوة الذي يرتكز عليه من ينسب للإمام الجبل الحافظ شعبة بن الحجاج اختصار الحديث الذي يودي إلى الوهم كونه ظاهر في المخالفة حيث خالف جماعة كبيرة في لفظه! وكون الذي نسب له هذا الوهم هو الحافظ الإمام الناقد أبو حاتم الرازي!

لكن هذا ليس بدليل! ولا توجد أية قرينة على أن شعبة هو من اختصره! والأولى أن يُقال إن سهيلاً هو من وهم في تحديثه بهذا اللفظ؛ لأنه حِفظه قد ساء في آخر عمره.

فقيل: مَرِضَ مَرضَةً غَيَّرَتْ مِنْ حِفْظِه.

وقيل: مَاتَ ابنٌ لَهُ فَحَزِنَ عَلَيْهِ، فَنَسِيَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ كَثِيرًا مِنْ حَدِيثِهِ.

وقيل: أصابه بِرْسَام في آخر عمره فذهب بعض حديثه حزناً على أخ له مات! [*البِرْسَامُ: دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وهو: وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الكَبِدِ وَالمِعَى - إلْتِهَاب فِي الغِشَاء المُحِيط بِالرِّئَة - ثُمَّ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ. وهذا المرض يصحبه الهذيان!].

قال الحاكم: "سهيل أحد أركان الحديث، وقد أكثر مسلم عنه الرواية في الشواهد والأصول إلا أن الغالب على إخراجه حديثه في الشواهد، وقد روى عنه مالك - الحكم في شيوخه من أهل من المدينة الناقد لهم، ثم قيل في حديثه بالعراق: إنه نسي الكثير منه وساء حفظه في آخر عمره، وقد يجد المتبحر في الصنعة ما ذكره ابن المديني من أنه مات له أخ فنسي كثيراً". [إكمال تهذيب الكمال: (6/152)].

فالظاهر أن شعبة سمع منه هذا الحديث في العراق، فرواه سهيل بالمعنى. وهو أولى بهذا من الإمام الحافظ شعبة بن الحجاج.

وشعبة لم يُكثر عن سهيل؛ وذلك لأنه سمع منه بأخرة، وكان قد ساء حفظه.

قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (2/572) (3706): قَرَأْتُ عَلَى أَبِي قَالَ: أَخَذْنَاهُ مِنْ كِتَابِ الْأَشْجَعِيِّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَصُومُ عَبْدٌ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ...».

قال: قَرَأت على أَبِي مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ - وَسَمِعْتُهُ مِنْهُ - قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا».

وَقد سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (10/205) (1976) عَنْ هذا الحَدِيثِ؟

فَقَالَ: "يَرْوِيهِ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، وَسَعِيدُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَهِمَا فِيهِ عَلَى سُهَيْلٍ.

وَالمَحْفُوظُ: عَنْ سُهَيْلٍ عَنِ النُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سعيد الخدري.

وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَلَمْ يَحْفَظْهُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: النُّعْمَانَ بنَ أَبِي عَيَّاشٍ.

قِيلِ: مَنْ صَفْوَانُ؟ قَالَ: يَسْأَلُ شُعْبَةَ - يَعْنِي غَلِطَ".

وقال في موضع آخر (11/313) (2305): "يَرْوِيهِ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ دِينَارٍ، وَصَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ، وَسُهَيْلُ بنُ أَبِي صَالِحٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ أَصْحَابُ سُهَيْلٍ، عَنْ سُهْيَلٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

وَخَالَفَهُمْ شُعْبَةُ، فَرَوَاهُ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَكَانَ شُعْبَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ يَغْلَطُ فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ لِاشْتِغَالِهِ بِحِفْظِ المَتْنِ".

قلت: هذا الحديث رواه ابنُ جُرَيْجٍ، وابنُ عُيَيْنَةَ، وحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وعَبْدُالعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيّ، وحُمَيْدُ بن الْأَسْوَدِ، وسليمان التيميّ، وعَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، ويَزِيدُ بن الهَادِ، وخَالِد بن عَبْداللَّه الواسطي، وعَبْدُالوَاحِدِ بنُ زِيَادِ، والقاسم بن عبدالله، وأَبُو إِسْحَاقَ الفزاري، كلهم عَنْ سُهَيْلٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

وتابع سهيلاً عليه: يَحْيَى بن سَعِيدٍ الأنصاري.

ورواه شُعْبَةُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ.

ورَوَاهُ أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، وَسَعِيدُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ الجُمَحِيُّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

فوهّم الدارقطني شعبة، وأنس بن ضمرة، وسعيد بن عبدالرحمن! وفيه نظر!

فهذا الحديث مما وهم فيه سهيل بسبب سوء حفظه، فأنس بن ضمرة ثقة، وسعيد يُخطئ أحياناً، لكن تابعه أنس، فدلّ ذلك على أن الوهم من سهيل.

ووهم فيه أيضاً لما سمع شعبة منه، فبدل أن يقول: «عن النعمان»، قال: «عن صفوان»، وكلاهما قريب من بعضهما لمن كان قد نسي وأراد تذكر الاسم.

فلا يُعقل أن يُخطئ شعبة على سهيل في متن الحديث الأول، ويُخطئ عليه في إسناد الحديث الثاني! والخطأ فيهما من سهيل نفسه!

ولو أن أبا ضمرة وسعيد بن عبدالرحمن لم يروياه عن سهيل بهذا الإسناد لقلنا بأن شعبة فعلاً يُخالف الجماعة في حديثه عن سهيل! لكن لما أنهما اتفقا على هذا الإسناد عرفنا أن الخلل من سهيل.

بل هذا يعني أن سهيلاً كان يَهم أيضاً في تحديثه في المدينة، فإن أبا ضمرة وسعيد بن عبدالرحمن كلاهما مدني، فلا شك أنهما سمعا منه في المدينة، وهذا يدفع شبهة من يقول بأنه لو أن سهيلاً أخطأ بالحديث في العراق فها هم الرواة عنه من أهل المدينة وأهل العراق، فتحديثه به سواء، ومن رواه عنه من أهل العراق ووافقوا فيه أهل المدينة يعني أنه ضبطه = وهذا يعني بأن الخطأ من شعبة!

وكذا يُقال في الحديث الآخر فإن أهل المدينة وأهل العراق رووه عنه سواءاً، وخالفهم شعبة!

فيكون شعبة وهم في الأول نتيجة الاختصار، ووهم في الثاني؛ لأنه لم يضبط الاسم، وهو معروف بأنه يُخطئ في أسماء بعض الرجال!

وهذا كله منطقي لكن كيف لشعبة أن يُخطئ في الأحاديث التي سمعها من سهيل خاصة؟!

فالذي أراه أن شعبة سمع من سهيل في العراق وكان يهم في حديثه بسبب النسيان، وما حدّث به عنه من أهل المدينة ووافقهم أهل العراق لا يعني أن هؤلاء العراقيين الذين وافقوا أهل المدينة سمعوا منه في العراق، فهم كانوا أصحاب رحلة، وكانت المدينة من أول المدن التي يرحل إليها طالب العلم لوجود كثير من الأئمة والرواة فيها.

وقد يرد هذا من ينظر إلى الأمور نظرة سطحية، لكن المسألة أعمق من ذلك لما كان يحدث لبعض الرواة، ولولا أن أبا ضمرة وسعيد بن عبدالرحمن رويا عن سهيل الحديث الأخير بإسناد آخر لسلمنا بأن شعبة هو الواهم! لكن لما رويا عنه هذا الحديث بإسناد آخر عرفنا أن الوهم من سهيل، بل إنه كان يهم وهو في المدينة، فكيف وهو قد نسي وحدّث في العراق!

وهاتان الروايتان لشعبة عن سهيل تدلان على أن شعبة سمع من سهيل بالعراق على اعتبار نسبة الوهم لسهيل! وحتى لو قلنا بأنه سمع منه بالمدينة فما المانع من أنه أخطأ فيهما هناك!

وسهيل توفي سنة (140هـ) = أي قبل وفاة شعبة بعشرين سنة، فحديث شعبة عنه كحديث الأقران القائم على المذاكرة والمناقشة، ولهذا نجد روايته عنه قليلة جداً، وهي من باب الفوائد.

وهنا مسألة أخرى متعلقة باختصار شعبة الذي أدّى إلى وهمه حيث إن رواية شعبة فيها أَنَّ الوُضُوءَ لَا يَجِبُ إِلَّا مِنَ الحَدَثِ الَّذِي لَهُ صَوْتٌ أَوْ رَائِحَةٌ، بينما في رواية الجماعة أن الجواب كان عن مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا فِي الرَّجُلِ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَتْ مِنْهُ رِيحٌ فَيَشُكُّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ، ولم يكن ذلك ابْتِدَاءَ كَلَامٍ، إِذْ لَوْ كَانَ هَذَا القَوْلُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَقَدَّمَتْهُ مَسْأَلَةٌ، كَانَتْ هَذِهِ المَقَالَةُ تَنْفِي إِيجَابَ الوُضُوءِ مِنَ البَوْلِ وَالنَّوْمِ وَالمَذْيِ. إِذْ قَدْ يَكُونُ البَوْلُ لَا صَوْتٌ لَهُ وَلَا رِيحٌ، وَكَذَلِكَ النَّوْمُ وَالمَذْيُ لَا صَوْتَ لَهُمَا وَلَا رِيحَ، وَكَذَلِكَ الوَدْيُ!

وعلى ذلك: فهل يُعقل أن شعبة يجهل هذا حتى يختصر الحديث ويجعل الأمر عامّاً هكذا؟

هل يُعقل أن شعبة - وهو وإن لم يكن في الفقه مثل أقرانه كالثوري ومالك وغيرهما - هل يُعقل أنه لا يعرف هذه الأمور البدهية حتى يختصر الحديث فينشئ حكماً عامّاً يكون الوضوء فيه فقط مما له رائحة أو صوت! = يعني أن شعبة لا يرى الوضوء من النوم ولا من البول ولا من المذي والودي، فكل هذا لا صوت له ولا رائحة؟!

هل يُظن هذا بشعبة؟! وهو الذي روى عَنِ الأَعْمَشِ، قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ، يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بنِ الحَارِثِ، قَالَ: «رَأَيْتُ جَرِيرَ بنَ عَبْدِاللَّهِ بَالَ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى. فَسُئِلَ، فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَنَعَ مِثْلَ هَذَا». قَالَ إِبْرَاهِيمُ: «فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ لِأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ».

وهو الذي روى عن سُلَيْمَان الأعمش أيضاً، قَالَ: سَمِعْتُ مُنْذِرًا، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: اسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المَذْيِ مِنْ أَجْلِ فَاطِمَةَ، فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «مِنْهُ الوُضُوءُ».

وهو الذي روى عَنِ الحَكَمِ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَجَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ»، فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُعْجِلْتَ أَوْ قُحِطْتَ فَعَلَيْكَ الوُضُوءُ»!

فحينها لو صحّ أن شعبة هو من اختصر الحديث فيجب حمل ذلك على ما يكون من المصلي في صلاته إذا شعر بشيء في بطنه فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يشم ريحاً، وحينها تستقيم الأمور.

قال ابن حجر في «الفتح» (1/282) عن حديث شعبة: "فَكَأَنَّهُ قَالَ: لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ ضُرَاطٍ أَوْ فُسَاءٍ، وَإِنَّمَا خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ دُونَ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمَا لِكَوْنِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنَ المَرْءِ غَالِبًا فِي المَسْجِدِ غَيْرِهِمَا فَالظَّاهِرُ أَنَّ السُّؤَالَ وَقَعَ عَنِ الحَدِيثِ الخَاصِّ وَهُوَ المَعْهُودُ وُقُوعُهُ غَالِبًا فِي الصَّلَاةِ".

وقال النووي في «المجموع شرح المهذب» (2/3): "وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ» فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَرِيبٍ مِنْ مَعْنَاهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إذا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أخرج منه شيء أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ المَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».

فلعل سهيلاً كان يناقش شعبة في هذه المسألة فبيّن له ذلك من خلال الحديث، أو أن شعبة سأله عن هذه المسألة فذكر له ذلك = يعني هناك شيء سابق لهذا الحديث كما بيّن ابن خزيمة في التوفيق بين الحديثين. والله أعلم.

وكذا الفقهاء الذين تكلموا على هذه المسألة صرحوا بأن الحديث مختصر إلا أنهم قالوا بأن ذاك الحديث الأتم لبيان هذا الاختصار الذي في رواية شعبة، لا أن هناك من أخذ بالعموم الذي في حديث شعبة وقيّدوا ذلك في الصلاة، فأوردوه مع الأحاديث الأخرى في أبواب الوضوء.

فقد أورده أبو عبيد في كتاب «الطهور» تحت «بَاب الِانْصِرَافِ فِي الصَّلَاةِ لِلْمُحْدِثِ وَوَقْتُ وُجُوبِهِ».

وأورده ابن أبي شيبة في «مصنفه» تحت باب «الرجل يرى إِنَّهُ أَحْدَثَ فِي الصَّلاَةِ».

وقد رد ابن التركماني الاختصار في حديث شعبة! فقال في «الجوهر النقي» (1/117) - بعد أن ذكر كلام البيهقي أنه مختصر من الحديث الآخر -: "وفي كلام البيهقى نظرٌ! إذ لو كان الحديث الأول مختصراً من الثاني لكان موجوداً في الثاني مع زيادة، وعموم الحصر المذكور في الأول ليس في الثاني بل هما حديثان مختلفان".

وتبعه على ذلك ابن المُلقن فقال في «البدر المنير» (2/420)!

قلت: الصواب أنهما حديث واحد، والاختصار لم يُخلّ بمعنى الحديث بغض النظر من اختصره: شعبة أو سهيل.

وقد روى سُلَيْمَانُ بنُ يَسَارٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ أنه قَالَ: «إِنْ وَجَدَ رِيحًا أَوْ سَمِعَ صَوْتًا فَلْيَتَوَضَّأْ، وَإِلَّا فَلَا يَتَوَضَّأُ».

وهذا صحيح إلى أبي هريرة، وهذا ليس بمختصر من حديث آخر، وإنما هذه فتوى أبي هريرة في هذه المسألة في الصلاة، ولا يبعد أن يكون أصل حديث سهيل هذا القول لأبي هريرة، والله أعلم.

وروى عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «لا يَنْصَرِف حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا».

قلت: يعني في الصلاة، وهذا مشهور عن الصحابة - رضي الله عنهم -.

*تنبيه:

الحديث رواه أحمد في «مسنده» (15/180) (9313) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ: يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ أَوْ رِيحٍ».

ورواه في موضع آخر (15/377) (9614) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ، أَوْ رِيحٍ».

هكذا جاء عند أحمد: «حَدَث» في رواية غُندر، ويحيى القطان! وباقي الرواة كما تقدّم: «صوتٍ».

قلت: احتج الأخ أحمد بن عوف بروايتي الإمام أحمد على إلحاق الوهم بشعبة في الاختصار: "باختلاف أصحابه عليه في لفظ هذا الحديث! فرواه الجماعة عنه بلفظ: «إلا من صوتٍ»، ورواه عنه غُندر والقطان بلفظ: «إلا من حدث»، وفرق بين الحدث والصوت، فالثاني داخل في عموم الأول! ولا يمكن أن يتحمل اختلاف اللفظين سهيل نفسه، لكون الاختلاف على تلميذه شعبة"!

أقول: قد تقدّم تعليق البخاري في «صحيحه»: "وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «لا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ حَدَثٍ»".

قال ابن حجر في «التغليق»: "رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي «مُسْنده» قَالَ: حَدَّثنا مُحَمَّد بن جَعْفَر: حدثَنَا شُعْبَة: سَمِعت سُهَيْل بن أبي صَالح يُحدّث عَن أَبِيه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا وضوء إِلَّا من حدث أَو ريح». وَقَالَ أَيْضاً: حَدَّثنا يحيى، عَن شُعْبَة، عَن سُهَيْل، مثله".

قلت: الظاهر أن هذا ثابت في «مسند أحمد»، ولو ثبت هذا الاختلاف على شعبة فهذا لا يقدح في مسألة وهم سهيل فيه! فحينها يكون شعبة شك في هذا اللفظ! على أنه لا يُعقل أن يشك شعبة فيه ولا يفهم معاني الألفاظ؛ لأن الحَدَث يشمل الصَوْت، والرِيح! فهل مثل هذا يخفى على شعبة؟!

والذي أراه أن ما وقع في نسخ «المسند» فيه تصحيف! تصحفت «صوت» إلى «حدث» في كلا الموضعين! ورسم اللفظين واحد، ومن عانى العمل على المخطوطات يعرف ذلك، وقد وجدت بعض الأشياء المصحفة في مسند أحمد في غالب النسخ التي اعتمدها من حققه ومن نقل عنها.

ويؤيد ذلك أن رواية غندر مثل لفظ الجماعة.

فقد رواه ابن ماجه في «سننه» (1/323) (515) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ [ح]. وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وُضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ».

فرواية غندر مثل رواية ابن مهدي ووكيع.

لكن قد يعترض المُعترِض بأن ابن ماجه جمع الأسانيد فقد يكون ساق الحديث على اللفظ الآخر وليس لفظ محمد بن جعفر غندر!

فأقول: لو كان كذلك لكان ينبغي له أن يُنبّه على أن لفظ غندر يختلف، وهو يُنبه على مثل هذا عند الجمع في كتابه!

ورواه ابن خزيمة أيضاً في «صحيحه» (1/18) (27) قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ: حدثنا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ سُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَحَدَّثَنَا سَلْمُ بنُ جُنَادَةَ: حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ.

وَحَدَّثَنَا بُنْدَارٌ، وَأَبُو مُوسَى قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ: حدثنا شُعْبَةُ.

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالْأَعْلَى: حَدَّثَنَا خَالِدٌ - يَعْنِي: ابنَ الحَارِثِ -: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ سُهَيْلِ بنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَضُوءَ إِلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ».

فها هو ابن خزيمة أيضاً جمع بين الروايات ومنها رواية بُندار عن غندر كما فعل ابن ماجه، وساقها باللفظ نفسه، ولو كان يختلف لنبّه لذلك كعادته أيضاً في ذكر لفظ من يسوق إن كان هناك اختلاف.

ورواه الطوسي في «مستخرجه على جامع الترمذي» (1/265) (63) قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالا: حدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ قَالَ: حدثنَا شُعْبَةُ.

وَحدثنا عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ وَالقَاسِمُ بنُ يَزِيدَ الوَزَّانُ، قَالا: حدثنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ - وَاللَّفْظُ لِبُنْدَارٍ - قَالَ شُعْبَةُ: سَمِعْتُ سُهَيْلَ بنَ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا وُضُوءَ إِلا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ».

فهنا نصّ الطوسي على أن هذا هو لفظ بُندار الذي يرويه عن غُندر، مع احتمال أن قوله: «لبندار» تصحف من «لغندر»؛ لأن الطوسي جمع بين رواية بُندار ومحمد بن المثنى عن محمد بن جعفر غندر.

وعلى كل الأحوال ثبت بهذا أن لفظ غندر مثل لفظ الجماعة، وعليه فما جاء في «مسند أحمد» مصحف.

وعليه فكيف يكون لفظ القطان يختلف عن لفظ هؤلاء كلهم! وإنما سمع القطان من شعبة مع غالب هؤلاء من أصحاب شعبة! وهنا يتأكد على أن ما في «مسند أحمد» مُصحّف.

والخلاصة أنه لو قلنا بأن شعبة قد اختصر الحديث فاختصاره هذا لم يؤدِ إلى الإخلال بالمعنى، والله أعلم.

·       هل اختصر شعبة حديث: «النَهي عَنِ التَّزَعْفُر»؟!

تاسعاً: وأما حديث النهي عن التزعفر فقد اتّهم ابن أبي شيبة باختصاره من بعض أهل العلم أيضاً كما اتّهم شعبة به! وكان ينبغي على الأخ تحرير ذلك!

وعموماً فقد بيّنت وهاء هذا الاتهام لشعبة في بحثي: «هَدِيَّة المُشتاق في الذبِّ عن الإِمامين ابن أَبِي شَيْبَة وعَبْدالرَّزَّاق - هل كان ابن أبي شيبة وعبدالرزاق يختصران الروايات فيخلّان بالمعنى؟!».

ومما ذكرت فيه:

مع تصريح ابن علية بأنه حدث شعبة بخلاف ما حدث به شعبة، إلا أن شعبة قد توبع عليه عن ابن علية كما رواه ابن أبي شيبة، وكذلك ابن جُريج.

رواه أبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (2/212) من طريق ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ».

فالظاهر أن ابن عُلية كان يرويه هكذا، ويقصد الرجال، وأحياناً يصرّح بذكر: «الرجل»، وكأنه كان ينسى أنه يُحدّث به هكذا.

فقد سمع منه ابن جريج (150هـ) - وقد جاز السبعين، فولادته تقريبا ما بين سنة (75 - 78هـ)-، وشعبة (160هـ)، وهما أصغر منه، وهما في مقام شيوخه = وهذا يعني أنه حدثهما بالحديث في شبابه، وكان يُحدِّث به هكذا.

وسمع منه ابن أبي شيبة (235هـ) وهو من تلاميذه، وهذا يعني أنه كان يُحدِّث به أيضاً هكذا في أواخر عمره ربما لأنه عُمّر، فهو - إسماعيل ابن علية - قد توفي (193هـ) وهو ابن ثلاث وثمانين، وولادته كانت سنة (110هـ).

بل إن عبدالعزيز بن صهيب نفسه شيخ ابن عُليّة كان يُحدث به أحياناً كما حدّث به شعبة، وغيره عن ابن عُليّة.

فقد رواه مسلم في «صحيحه» (3/1662) (2101) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَأَبُو الرَّبِيعِ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وقَالَ الْآخَرَانِ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ». قَالَ قُتَيْبَةُ: قَالَ حَمَّادٌ: «يَعْنِي لِلرِّجَالِ».

فحماد رواه عن عبدالعزيز باللفظ نفسه الذي رواه شعبة عن ابن علية، فوضح حماد بعد روايته أنه يعني: للرجال.

وشعبة من أقران ابن عُلية ولم يرو عنه إلا هذا الحديث، وقد أداه كما سمعه منه، ولم يختصره، وقول ابن حجر بأن ابن علية يحتمل أنه هو من اختصره نابع من معرفة ابن حجر لشعبة وحفظه، وأنه يُستبعد أن لا يضبط هذا الحديث القصير ويفهمه بعكس ما سمعه!

فما قاله ابن حجر هو الصواب، فلعل ابن علية نسي أنه حدّث به هكذا؛ لأنه كان يُحدّث به بعد باللفظ الآخر فاستنكر اللفظ الذي حدث به شعبة عنه، والله أعلم.

عاشراً: ما قاله الأخ: "ويوجد غير ما حديث خلاف ما ذكرت عن وهم شعبة رحمه الله في سياقة بعض الأحاديث، وقد ذكرت حديثين للدلالة على غيرهما"! ليس بمنهج علميّ! وخاصة وهو يتحدث عن إمام كبير كشعبة!

وأين هذه الأحاديث الأخرى خلاف هذين الحديثين الذي ثبت أن شعبة لم يهم فيهما!

حادي عشر: قوله: "يحتمل أن البخاري أراد صحة أصل الحديث لا نفس اللفظ..." فيه نظر! ولا دلالة على ما قال! فالبخاري يرى صحة الحديثين.

وأما ختم مسلم الباب بحديث شعبة للدلالة على أن الحديث راجع لتلك القصة، لا أنه أراد التنبيه عما في رواية شعبة من مخالفته لسياق الجماعة!

ثاني عشر: تصريح الأخ بأن الدارقطني خالف البخاري ومسلماً والأثرم وابن حجر فوهّم شعبة فيه نظر!

ذكر الدارقطني في «التتبع» (207) قال: "وأخرجا عنه جميعاً حديث شعبة عن عمرو عن جابر: «إذا جاء أحدكم والإمام يخطب». تابعه روح بن القاسم: ابنُ بَزِيعٍ عنه. رواه ابن جريج، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وأيوب، وحبيب أبو يحيى، وورقاء عن عمرو: أن رجلاً دخل المسجد فقال له: أصليت؟"

قال ابن حجر في «مقدمة الفتح» - بعد أن نقل كلام الدارقطني -: "قلت: هَذَا يُوهم أَن هَؤُلَاءِ أَرْسلُوهُ، وَلَيْسَ كَذَلِك، فقد أخرجه الشَّيْخَانِ من رِوَايَة حَمَّاد بن زيد، وسُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَمُسلم من حَدِيث أَيُّوب، وابن جريج كلهم عَن عَمْرو بن دِينَار مَوْصُولاً. وَإِنَّمَا أَرَادَ الدَّارَقُطْنِيّ أَن شُعْبَة خَالف هَؤُلَاءِ الجَمَاعَة فِي سِيَاق المَتْن وَاخْتَصَرَهُ، وهُم إِنَّمَا أوردوه على حِكَايَة قصَّة الدَّاخِل، وَأمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ بِصَلَاة رَكْعَتَيْنِ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب وَهِي قصَّة مُحْتَملَة للخصوص، وَسِيَاق شُعْبَة يَقْتَضِي العُمُوم فِي حقِّ كل دَاخل، فَهِيَ مَعَ اختصارها أَزِيد من روايتهم وَلَيْسَت بشاذة، فقد تَابعه على ذَلِك روح بن القَاسِم، عَن عَمْرو بن دِينَار، أخرجه الدَّارَقُطْنِيّ فِي «السّنَن» فَهَذَا يدل على أَن عَمْرو بن دِينَار حدّث بِهِ على الوَجْهَيْنِ، وَالله أعلم" انتهى.

قلت:

أولاً: كان ينبغي وضع علامة ترقيم في عبارة: "تابعه روح بن القاسم بن زيع عنه"! لأن المقصود أن ابن بَزيع رواه عن روح بن القاسم، بدون علامة الترقيم يصير الاسم: روح بن القاسم بن بزيع!

ثانياً: كان ينبغي الرد على ابن حجر في أن الدارقطني لم يوهم أن هؤلاء أرسلوه!

وابن حجر إنما قال ذلك لأن الدارقطني قال: "عن عمرو: أن رجلاً..."! والدارقطني إنما يقصد: "عن عمرو [عن جابر] أن رجلاً..."؛ لأنه أورد هذا الحديث في «مسند جابر» - فالأمر بيّن في أن المقصود: عن عمرو عن جابر، فلا يوجد إيهام هنا، بل وهم ابن حجر في ذلك!

ثالثاً: لم يُرد الدارقطني بيان أن شعبة خالف الجماعة في سياق المتن كما فهم ابن حجر! وإنما أراد التنبيه على أن ما رواه شعبة هو جزء من الرواية التي رواها هؤلاء، ولهذا أشار إلى متابعة روح بن القاسم له والتي فيها كلا المتنين، وهي رواية ضعيفة لا تصح.

وقد سُئِل الدارقطني في «العلل» (7/339) (3218) عَن حَديث مُحمد بن المُنكَدِر، عن جابر: «دخل رجل المسجد، والنبي صَلى الله عَليه وسَلم يخطب: فأمره أَن يصلي ركعتين»؟

فقال: "يَرويه شُعبة، واختُلِفَ عنه:

فرواه عيسى بن واقد، والحسن بن عَمرو بن سيف البصري، عن شُعبة، عن مُحمد بن المُنكَدِر، عن جابر.

وخالفهما غُندَر ومُعاذ بن مُعاذ، وغيرهما من أَصحاب شُعبة، رَوَوه عن شُعبة، عن عَمرو بن دينار، عن جابر، وهو الصَّحيح.

وكذلك رَواه ورقاء، وغيره، عن عَمرو بن دينار، عن جابر" انتهى.

رابعاً: البخاري أورد القصة من طريق حماد بن زيد، وسفيان، عن عمرو في باب، وأورد حديث شعبة في باب آخر، فأراد الدارقطني أن يشير إلى أن ما رواه شعبة هو تابع لتلك القصة التي رواها الجماعة.

ولهذا فإن مُسلماً ساق رواية حماد بن زيد، وأيوب، وسفيان، وابن جُريج، عن عمرو، ثم أتبعها برواية شعبة عن عمرو للدلالة أيضاً على أن الحديث واحد.

ويدل على ذلك أنه أورد بعده حديث أبي الزبير عن جابر مثلما روى الجماعة عن عمرو، ثم ختم بما يدل على أنهما واحد، فساق حديث الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِاللهِ، قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: «يَا سُلَيْكُ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَتَجَوَّزْ فِيهِمَا». ثُمَّ قَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا».

ورواه الدارقطني في «سننه» من طريق سَعِيدِ بنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنِ الوَلِيدِ بن مُسلمٍ العنبريّ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ نَافِعٍ أَبي سُفْيَانَ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِاللَّهِ، يَقُولُ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ يَوْمَ الجُمُعَةِ فَجَلَسَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا».

وحديث أبي سفيان عن جابر مستقيم، وما قيل إنه صحيفة وأنه سمع من جابر أربعة أحاديث فقط ليس بصحيح كما حققته في بحث خاص.

وَالحديث رَوَاهُ عَنْ جَابِرٍ أيضاً: مُجَاهِدٌ، وَالحَسَنُ البصري.

فرواه الحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا، وَقَالَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا».

والحسن لم يسمع من جابر، لكنه روى أحاديث جابر من صحيفة سليمان اليشكري، وكذا رواها مجاهد.

وروى الدارمي من طريق سُفْيَان، عَنْ الرَّبِيعِ بن صَبِيحٍ البَصْرِيّ، قَالَ: «رَأَيْتُ الحَسَنَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ».

وَقَالَ الحَسَنُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ، فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ يَتَجَوَّزُ فِيهِمَا».

قَالَ أَبُو مُحَمَّد الدارمي: «أَقُولُ بِهِ».

فلا يوجد اختصار كما زعم ابن حجر، ولم يخالف الجماعة، وإنما هو سمع هذا كذلك من عمرو دون القصة، وهم سمعوا القصة دون هذا القول، فكلّ أدّى ما سمع من عمرو.

خامساً: حديث شعبة يرويه عنه جماعة، منهم: عَلِيُّ بن الجعد، وهَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وأَبُو زَيْدٍ الهَرَوِيُّ، ووَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، والنَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ.

وفي رواية النّضر، قال شُعْبَةُ: قُلْتُ لِعَمْرٍو: أَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْ جَابِرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ".

فشعبة لما سمع هذا من عمرو - فكأنه استحضر رواية الآخرين للحكاية دون هذا اللفظ - فسأل عمرواً: هل سمعته من جابر، فقال: نعم.

وهذا يدحض ما ذهب إليه ابن حجر أن شعبة اختصر وخالف الجماعة في المتن.

بل هو أدّى كما سمع، وعمرو حدّث بالقصة دون القول، ثم حدث بالقول دون القصة.

وكان شعبة يحرص على سؤال الشيوخ عن سماعهم لبعض الأحاديث.

روى أَبُو النَّضْرِ، وأَبُو دَاوُدَ الطيالسي، عن شُعْبَة، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: «كُنَّا نَفْعَلُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَعْنِي العَزْلَ».

وَفِي حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ: "قُلْتُ: أَسَمِعْتَهُ مِنْ جَابِرٍ؟ قَالَ: لا".

وروى الطَّيَالِسِيّ في «مُسْنَدِه» (3/404) (1997) قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ عَبْدِاللهِ بنِ دِينَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ بَيْعِ الوَلَاءِ، وَعَنْ هِبَتِهِ».

قُلْتُ: أَأَنْتَ سَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ قَالَ: "نَعَمْ، سَأَلَهُ ابْنُهُ عَنْهُ".

وقال عَفَّانُ الصفّار [كما عند أحمد في «مُسْنَدِه» (10/98) (5850)]، وبَهْزُ بنُ أَسَدٍ [كما عند أَبي عَوَانَةَ في «مُسْتخرجه» (3/239)]: عن شُعْبَةَ أنّه قال: فَقُلْتُ لِعَبْدِاللَّهِ بنِ دِينَارٍ: سَمِعْتَهُ مِنَ ابنِ عُمَرَ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَسَأَلَهُ عَنْهُ ابْنُهُ حَمْزَةُ".

والخلاصة أن شعبة روى الحديث كما سمعه من عمرو، فإن كان ثمة اختصار فيه فهو من عمرو بن دينار، وقد تقدّم الكلام على ذلك.

ثالث عشر: قول الأصيلي نقله ابن الملقن في «التوضيح لشرح الجامع الصحيح» (9/160)! ولا ندري من أين نقله!

رابع عشر: استدلال الأخ بقول ابن جريج كون الحديث واقعة عين فيه نظر! فابن جريج روى الحديث، وبنى قوله على ما فهم.

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بنُ دِينَارٍ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بنَ عَبْدِاللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ يَخْطُبُ فَقَالَ لَهُ: «أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ؟» قَالَ: لَا قَالَ: «فَارْكَعْ».

قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ: "وَأَقُولُ أَنَا: لَيْسَتْ تَانِكَ الرَّكْعَتَانِ لِأَحَدٍ إِلَّا لِامْرِئٍ قَطَعَ لَهُ الْإِمَامُ خُطْبَتَهُ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ".

فابن جريج بنى هذا على ما سمعه من عمرو بن دينار، ولم يسمع منه الحديث الآخر.

وها هو ابن عيينة روى الحديث كما رواه ابن جريج، وكان يصلي الركعتين.

قَالَ ابنُ أَبِي عُمَرَ: "كَانَ ابنُ عُيَيْنَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذَا جَاءَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ، وَيَأْمُرُ بِهِ، وَكَانَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ المُقْرِئُ يَرَاهُ". [جامع الترمذي: (1/642)].

ومن باب الفائدة في هذا الباب، فقد نسب الدارقطني الاختصار لشعبة في حديث! ونحن لا نُنكر الاختصار إن كان شعبة فعله، لكن الذي نُنكره أن يكون الاختصار سبباً في وقوع شعبة في الوهم!

·       قول الدارقطني في حديث اختصره شعبة!

سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (11/104) (2150) عَنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، جَاءَتِ امْرَأَةٌ عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَزَوَّجَهَا رَجُلًا عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا عِشْرِينَ آيَةً... الحَدِيثَ؟

فقال: "يرويه عِسْلُ بن سفيان، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ الحَجَّاجُ بنُ الحَجَّاجِ، عَنْ عِسلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ، رَوَاهُ عَنْ عِسلٍ، عَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلًا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وحَدِيثُ الحَجَّاجِ غير مدفوع، لِأَنَّهُ أَتَى بِالقِصَّةِ عَلَى وَجْهِهَا، وَشُعْبَةُ اخْتَصَرَهَا" انتهى.

قلت: لم يَدفع الدارقطني رواية الحجاج المتصلة واستدل لذلك بأنه أتى بالقصة بخلاف شعبة الذي اختصرها، وكأن شعبة بهذا الاختصار قصّر في إسناده! وفي هذا نظرٌ شديدٌ!

أما حديث الحجاج:

فرواه إِبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ في «مشيخته» [رواية أَحْمَد بنِ حَفْصِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ رَاشِدٍ النَّيْسَابُورِيّ، عن أَبِيه، عنه] (50) عَنِ الحَجَّاجِ بنِ الحَجَّاجِ البَاهِلِيِّ، عَنْ عِسْلِ بنِ سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، فَقَالَ لَهَا: «اجْلِسِي» فَجَلَسَتْ سَاعَةً " فَقَالَ: «اجْلِسِي - بَارَكَ اللهُ فِيكَ - أَمَّا نَحْنُ، فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيكِ، وَلَكِنْ تُمَلِّكِينِي أَمْرَكِ»؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وُجُوهِ القَوْمِ، فَدَعَا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُزَوِّجَكَ هَذِهِ إِنْ رَضِيتَ فَقَالَ: مَا رَضِيتَ لِي يَا رَسُولَ اللهِ فَقَدْ رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: «هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ؟»، فَقَالَ: لَا وَاللهِ، قَالَ «فَقُمْ إِلَى النِّسَاءِ» فَقَامَ إِلَيْهِنَّ، فَلَمْ يَجِدْ عِنْدَهُنَّ شَيْئًا فَقَالَ: «مَا تَحْفَظُ مِنَ القُرْآنِ؟»، قَالَ: سُورَةَ البَقَرَةِ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا، قَالَ: «فَقُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرِينَ آيَةً وَهِيَ امْرَأَتُكَ».

رواه أبو داود في «سننه» (3/451) (2112). والنسائي في «السنن الكبرى» (5/217) (5480). وابن عدي في «الكامل» (8/535) (13796) في ترجمة «عسل بن سفيان» عن إِبْرَاهِيمَ بنِ يَحْيَى الرَّازِيّ. ثلاثتهم (أبو داود، والنسائي، وإبراهيم الرازي) عن أَحْمَدَ بنِ حَفْصِ بنِ عَبْدِاللهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ طَهْمَانَ، به.

وأما حديث شعبة:

فرواه ابن عدي في «الكامل» (8/535) (137956) في ترجمة «عسل بن سفيان»، قال: حَدثنا الساجي، قال: حَدثنا ابن المثنى، عن عَبْدِالصَّمَدِ بنِ عَبْدِالوَارِثِ، عن شُعْبَة، عن عِسل بن سُفيان، عن عطاء: «أن رجلاً تزوج امرأة على أن يعلمها شَيْئًا مِنَ القُرْآنِ، فَأَجَازَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

ورواه البيهقي في «السنن الكبير» (7/396) (14401) من طريق أَبي قِلَابَةَ عبدالملك بن محمد الرقاشي، عن عَبْدِالصَّمَدِ، عن شُعْبَة، عن عِسل، عَنْ عَطَاءٍ: «أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا القُرْآنَ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجَازَهُ».

قال ابن عدي: "وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن عطاء غير عسل، وقد رواه شُعبَة عن عسل مرسلاً، ولا أعلم أن أحدًا وصله، فقال: عن عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة، فأوصله غير إبراهيم بن طهمان، ولم يوصله غيره".

قلت: نعم، رواية شعبة مختصرة لكن ليس فيها إخلالٌ بالمعنى، فيحتمل أنه هو من اختصرها، والذي أراه أنه سمع الحديث هكذا من عِسل.

فهذا الحديث عن عطاء يُشبه أقوال عطاء الفقهية، فالقصة معروفة ومشهورة من حديث سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وعطاء أخذ منها هذا الحكم الفقهي فقاله، فرواه عنه عِسل، ورواه شعبة كما سمعه منه.

والمشكلة في إبراهيم بن طهمان، فهو من تفرد بهذه القصة بهذا التمام! وهو من وصل الحديث، ولهذا جعل ابن عدي العهدة في وصله عليه!

وقد ذكر الذهبي في «الميزان» (3/66) في ترجمة «عسل» هذا الحديث، فقال: "إبراهيم بن طهمان، عن عسل، عن عطاء، عن أبي هريرة: أن رجلاً تزوج امرأة على أن يعلمها شيئاً من القرآن، فأجاز ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.

ورواه إبراهيم مرة، فأرسله".

قلت: فالذهبي هنا ذكر الاختلاف على إبراهيم، وذكر أنه أرسله مرة كما أرسله شعبة. وساق المتن كما هو متن رواية شعبة، وهذا يعني أن المشكلة في إبراهيم!

ولما أورد المزي هذا الحديث في «التحفة» (10/265) ذكر في الزيادات رواية شعبة فقال: "رواه شعبة، عن عسل بن سفيان، عن عطاء: أن رجلاً تزوج امرأة على أن يعلمها القرآن، فرفع ذلك إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأجازه - ولم يذكر أبا هريرة. وكذلك رواه محمد بن فُضيل، عن حجاج بن أرطاة، عن عطاء - مرسلاً".

قلت: فذكر المزي هنا متابعة حجاج بن أرطأة لعسل في إرساله عن عطاء، وظاهر كلام المزي أن متن رواية حجاج بن أرطأة مثل رواية شعبة دون ذكر القصة، وَكَانَ حَجَّاجٌ فقيهاً كبيراً، مُفْتِي الكُوْفَةِ، وَكَانَ رَاوِيَةً عَنْ عَطَاءٍ، سَمِعَ مِنْهُ، وروى عنه فقهاً كثيراً.

وهذا كلّه يدلّ على أن رواية شعبة أدّاها كما سمعها من عِسْل عن عطاء. فشعبة لم يختصر الحديث، وهو أشبه بكلام عطاء بن أبي رباح.

والحَمل في ذكر هذه القصة لعطاء على إبراهيم بن طهمان! وحَجَّاجُ بنُ حَجَّاجٍ البَاهِلِيُّ البَصْرِيُّ كان حَافِظاً كبيراً، ولا أظنّه سمع هذه القصة هكذا من عِسل؛ لأن الأظهر أن يكون عِسل روى الحديث مرة واحدة، إما بتمام القصة، أو بالمتن المختصر، والأشبه أنه دخل ذلك على ابن طهمان لشهرة القصة من حديث سهل بن سعد، وحديث عطاء هو من القصة، فساق القصة كلها مع اختلاف لحديث سهل في بعض ألفاظه!

وابن طهمان كان أروى الناس عن حجاج، فلا يُنكر أن يُخطئ عليه، وقد تقدّم أنه رواه مرة مرسلاً، وقد يكون رواه بمثل رواية شعبة = يعني رواه موصولاً بالقصة تامة، ورواه مرسلاً بقول عطاء، والله أعلم.

وإبراهيم بن طهمان مُحدّث كبير، وقد وثقه بعض أهل العلم، وتكلم فيه بعضهم، وقد سبرت حديثه فوجدت عنده مخالفات كثيرة، ولهذا يُعلّق عنه البخاري في «صحيحه» ولا يحتج بحديثه!

وما أحسن قول ابن حبان لما أورده في «الثقات» (6/27) (6579) وقال: "أمره مشتبه لَهُ مدْخل فِي الثِّقَات، ومدخل فِي الضُّعَفَاء، وَقد روى أَحَادِيث مُسْتَقِيمَة تشبه أَحَادِيث الْأَثْبَات، وَقد تفرد عَن الثِّقَات بأَشْيَاء معضلات! سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي كتاب «الفَصْل بَين النقلَة» إِن قضى الله ذَلِك، وَكَذَلِكَ كل شيخ توقفنا فِي أمره مِمَّن لَهُ مدْخل فِي الثِّقَات والضعفاء جَمِيعًا".

والخلاصة أن قول الدارقطني في أن شعبة اختصر الحديث لا دليل عليه، والله أعلم.

·       هل اختصر شعبة حديثاً كما قال البخاري؟!

روى البخاري في «صحيحه» (8/106) (6507) قال: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ - هو: ابْنُ مِنْهَالٍ-، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ». قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكِ، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

قال البخاري: "اخْتَصَرَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَعَمْرٌو، عَنْ شُعْبَةَ. وَقَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

ورواه مسلم في «صحيحه» (4/2065) (2683) قال: حَدَّثَنَا هَدَّابُ بنُ خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قال: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ».

قال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.

قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِاللهِ الرُّزِّيُّ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ الحَارِثِ الهُجَيْمِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدِ بنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ»، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ أَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ؟ فَكُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، فَقَالَ: «لَيْسَ كَذَلِكِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ».

قال: حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

ورواه الترمذي في «جامعه» (2/370) (1066) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِقْدَامٍ أَبُو الأَشْعَثِ العِجْلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

قال الترمذي: "حَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

ثم رواه (1067) قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الحَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ. [ح].

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، كُلُّنَا نَكْرَهُ الْمَوْتَ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ وَجَنَّتِهِ، أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ، كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

ورواه أيضاً (4/131) (2309) قال: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلاَنَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا، يُحَدِّثُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

قال الترمذي: "وَفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي مُوسَى. حَدِيثُ عُبَادَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

قلت: اعتمد البخاري على رواية همام المطولة، في حين اكتفى مسلم بأصل الحديث دون قول عائشة!

وأشار البخاري إلى أن أَبا دَاوُدَ الطيالسي، وعَمْرو بن مرزوق روياه عَنْ شُعْبَةَ، عن قتادة، فاختصراه! = يعني اكتفيا بأصل الحديث دون قول عائشة وما بعده! ثم أشار إلى أن سَعِيد بن أبي عروبة خالفهم في روايته، فرواه عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! وكأنه يُعلل رواية سعيد هذه!

في حين نجد أن مسلماً رواها بتمامها، وصححها الترمذي كما صحح الرواية الأخرى! = يعني أن كلا الإسنادين صحيح عند مسلم والترمذي!

وما قاله البخاري بأن أبا داود وعمرو بن مرزوق اختصراه عن شعبة، فظاهره أنهما هما من اختصراه، ويحتمل أنه أراد أنهما روياه عنه مختصراً لا أنهما هما من اختصراه.

فقد رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (1/468) (575) قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

ورواه الشاشي في «مسنده» (3/108) (1165) عن إِبْرَاهِيم بْن عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ.

وأبو عوانة في «مستخرجه» (20/388) (11808) عن أبي قلابة عَبدالمَلِك بْن مُحَمَّد الرقاشي.

والبيهقي في «الأسماء والصفات» (2/463) (1048) من طريق يُوسُف بن يَعْقُوبَ بن إِسْمَاعِيل بن حَمَّاد بن زيد القاضي.

ثلاثتهم عن عَمْرو بن مَرْزُوقٍ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

ورواه أحمد في «مسنده» (37/370) (22696) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ».

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (6/13) (3235) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ، قال: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرُ، قال: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يُحَدِّثُ، عَنْ عُبَادَةَ بِنِ الصَّامِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

قلت: فهؤلاء كلهم رووه عن شعبة مختصراً، وشعبة رواه هكذا كما سمعه من قتادة، فهو لم يختصره، ولا كذلك أبو داود وعمرو بن مرزوق.

وأما رواية همام فقد رواها بعضهم عنه أيضاً مختصراً كما رواه مسلم عن هُدبة عنه.

رواه أحمد في «مسنده» (37/408) (22744) قال: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، وَبَهْزٌ قَالَا: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قال: أَخْبَرَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللهِ أَحَبَّ اللهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ».

وكذا رواه أبو عوانة في «مستخرجه» (20/389) (11809) عن أبي يوسف الفارسي يعقوب بن سفيان، عن عمرو بن عاصم، عن همام.

ولما رواه البزار في «مسنده» من طريق محمد بن جعفر، عن شعبة (7/126) (2679) قال: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عُبَادَةَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ".

وقد رُوي عن قتادة بإسناد آخر!

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/338) (4370) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمِصِّيصِيُّ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ بَكَّارٍ، قَالَ: حدثنا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: لَمَّا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ»، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا يَكْرَهُ الْمَوْتَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هُوَ بِكَرَاهَةِ الْمَوْتِ، وَلَكِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ، فَلَا شَيْءَ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِمَّا أَصَابَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ، وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ، فَلَا شَيْءَ أَكْرَهُ إِلَيْهِ مِمَّا أَتَاهُ، فَكَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ».

قلت: فهذا وإن خالف سعيد بن بشير في إسناده غيره إلا أن فيه تقوية لحديث سعيد بن أبي عروبة أن الحديث عن عائشة، وكذا ضبطه لمتنه.

فكأن قتادة لم يكن يضبطه، فكان يُحدّث به عن أنس، عن عبادة مختصراً، وأحياناً يُحدّث به هكذا، ثم يزيد عليه قول عائشة، وأحياناً يرويه عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، عَنْ سَعْدِ بنِ هِشَامٍ، عَنْ عَائِشَةَ، بطوله.

ولا يُستبعد أن يكون سعيد بن بشير ضبطه عن قتادة أيضاً كما رواه عنه، والله أعلم.

ونحن لا نُنكر أن يكون شعبة قد اختصر بعض الأحاديث كما يفعل غيره، لكن هذا يحتاج لدليل، فإن ثبت ذلك فلا نجعله عادة عند شعبة ثم نسحب عليه قول من يقول بأنه يَهم في الأحاديث إذا اختصرها!

وقد أجحف بعض أهل العلم في نسبة هذه الأوهام لشعبة دون تحقيق وتحرير كما فعل الطحاوي في أحاديث رواها شعبة قد يُفهم منها المخالفة أو يحتج بها من يخالف مذهب الحنفية!

·       اتّهام الطحاوي لشعبة!

روى مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، وحَجّاج الأعور، ووَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، وأَبُو دَاوُدَ الطيالسي، وَبَدَلُ بنُ المُحَبِّرِ، وعَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ زِيَادٍ، وشَبَابَةُ، وحَفْصُ بنُ عُمَرَ الحَوْضِيُّ، وهِشَامُ بنُ عَبْدِالمَلِكِ أبُو الوَلِيدِ الطيالسي، وعَفَّانُ الصفّار، وأَبُو النَّضْرِ هَاشِمُ بنُ القَاسِمِ، وخَالِدُ بنُ الحَارِثِ، وآدَمُ بنُ أَبِي إِيَاسٍ، قَالوا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ بُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الهَوْزَنِيِّ، عَنِ المِقْدَامِ الكِنْدِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَإِلَيْنَا أَوْ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ أَرِثُ مَالَهُ وَأَعْقِلُ عَنْهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَرِثُ مَالَهُ وَيَعْقِلُ عَنْهُ».

قال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (7/169): "بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: «وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ»".

ثم ساق حديث سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ بُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ العُقَيْلِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الهَوْزَنِيِّ، عَنِ المِقْدَامِ الكِنْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْ نَفْسِهِ، فَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ ضَيْعَةً فَإِلَيَّ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ أَرِثُ مَالَهُ، وَأَفُكُّ عَانِيَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عَانِيَهُ».

قَالَ: "فَكَانَ هَذَا الحَدِيثُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى تَوْرِيثِ ذَوِي الْأَرْحَامِ، وَيَقْتَدِي فِي ذَلِكَ بِمَنْ كَانَ يَذْهَبُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَعَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدُاللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، فَعَارَضَ الذَّاهِبُونَ إِلَى ذَلِكَ، المُحْتَجُّونَ فِيهِ بِهَذَا الحَدِيثِ، المُقْتَدُونَ فِيهِ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ قَالَ: «إِنَّ الخَالَ الَّذِي عَنَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ مَعَ الخُؤُولَةِ لِلْمُتَوَفَّى العَصَبَةَ لَهُ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ»، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ، وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي مُغِيرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا بَدَلُ بنُ المُحَبِّرِ قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ...".

قال: "فَقَالَ هَذَا المُعَارِضُ: إِنَّمَا ذَلِكَ الخَالُ الَّذِي قَصَدَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَصَدَ بِهِ إِلَيْهِ هُوَ الخَالُ الَّذِي يَعْقِلُ الجِنَايَاتِ، وَهُوَ مَنْ كَانَ مِنَ الخُؤُولَةِ عَصَبَةً دُونَ مَنْ سِوَاهُ مِنَ الخُؤُولَةِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ الجِنَايَاتِ؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَصَبَاتٍ. فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ الَّذِي ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ لَيْسَ كَمَا ذُكِرَ، وَأَنَّ هَذَا الحَدِيثَ حَقِيقَتُهُ عَلَى مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَلَيْهِ لَا عَلَى مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أُتِيَ شُعْبَةُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَا يَرْجِعُ إِلَى كِتَابِهِ، وَيُحَدِّثُ بِمَعَانِي مَا سَمِعَ لَا بِأَلْفَاظِهِ الَّتِي سَمِعَهَا مِمَّنْ حَدَّثَهُ؛ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يَعْجِزُ عَنْهُ، وَلَمْ يَكُنْ فَقِيهًا فَيُرَدُّ ذَلِكَ إِلَى الفِقْهِ حَتَّى تَتَمَيَّزَ مَعَانِيهِ فِي قَلْبِهِ كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ، وَالدَّلِيلُ عَلَى فَسَادِ مَا رُوِيَ هَذَا الحَدِيثُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنَّ الْأَوْلَى مِنْهُ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عَلَيْهِ أَنَّ فِي حَدِيثَيْهِمَا جَمِيعًا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ»، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ إِلَى الخَالِ الَّذِي لَا يَرِثُ مَعَ وَارِثٍ سِوَاهُ مِنْ ذَوِي الْأَنْسَابِ. وَقَدْ وَجَدْنَا أَهْلَ العِلْمِ جَمِيعًا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ كَانَ عَصَبَةً مِمَّنْ هُوَ خَالٌ وَمِمَّنْ هُوَ لَيْسَ بِخَالٍ يَرِثُ مَعَ ذَوِي الفَرَائِضِ المُسَمَّاةِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ، فَيَرِثُ مَعَ الْأُمِّ مَا يَفْضُلُ مِنَ المِيرَاثِ بَعْدَ نَصِيبِهَا وَهُوَ الثُّلُثُ أَوِ السُّدُسُ، وَيَرِثُ مَعَ البِنْتِ الوَاحِدَةِ وَمَعَ البَنَاتِ اللَّاتِي فَوْقَ الوَاحِدَةِ مَا يَفْضُلُ عَنْ أَنْصِبَائِهِنَّ وَهُوَ النِّصْفُ لِلْوَاحِدَةِ وَالثُّلُثَانِ لِمَنْ هُوَ فَوْقَ الوَاحِدَةِ مِنْهُنَّ = أَعْنِي بِذَلِكَ أَنْصِبَاءَ مَنْ يَرِثُهُ مِنَ البَنَاتِ، وَيَرِثُ مَعَ الْأُخْتِ الوَاحِدَةِ إِمَّا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَإِمَّا لِأَبٍ مَا يَفْضُلُ عَنْهَا، وَمَعَ مَنْ فَوْقَهَا مِنَ الْأَخَوَاتِ اللَّاتِي مِنْ أَشْكَالِهَا مَا يَفْضُلُ عَنْهُنَّ مِنْ مَوَارِيثِهِنَّ عَنْهُ، فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ الخَالَ الَّذِي عَنَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الخَالُ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ مَعَ تِبْيَانِهِ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَنَا بِقَوْلِهِ: «وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ»، فَأَوْضَحَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ مِنَ الخُؤُولَةِ مَنْ لَا يَرِثُ مَعَ ذَوِي الفَرَائِضِ المُسَمَّاةِ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مَنْ لَيْسَ بِعَصَبَةٍ مِنَ الْأَخْوَالِ، ثُمَّ وَجَدْنَا غَيْرَ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ وَغَيْرَ شُعْبَةَ قَدْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ بِمِثْلِ مَا رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ بِهِ لَا كَمِثْلِ مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ بِهِ".

ثم ساق الحديث من طريق مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي رَاشِدُ بنُ سَعْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ المِقْدَامَ بنَ مَعْدِي كَرِبَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عُنُوَّهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عُنُوَّهُ».

ثم قال: "وَكَانَ هَذَا الحَدِيثُ حَدَّثَ بِهِ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ وَهُوَ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ بُدَيْلُ بْنُ مَيْسَرَةَ الَّذِي أَخَذَ شُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنْهُ، فَاخْتَلَفَا عَلَيْهِ فِيهِ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَى مَذَاهِبِ أَهْلِ الحَدِيثِ أَنْ يَكُونَا لَمَّا اخْتَلَفَا عَلَيْهِ فِيهِ فَتَكَافَآ فِي ذَلِكَ يَرْتَفِعَانِ، وَيَكُونُ أَوْلَى بِالحَدِيثِ مِنْهُمَا مَنْ رَوَاهُ سِوَاهُمَا بِمَا لَمْ يُخْتَلَفْ عَنْهُ فِيهِ.

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ بنَ صَالِحٍ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الحَدِيثِ بَيْنَ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ وَبَيْنَ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ: أَبَا عَامِرٍ الهَوْزَنِيَّ!

قِيلَ لَهُ: لَيْسَ يُنْكَرُ عَلَى رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ أَنْ يَكُونَ سَمِعَ المِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِمَّنْ كَانَ فِي أَيَّامِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَمِعَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَهْلُ الحَدِيثِ قَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي أَسَانِيدِ الحَدِيثِ، فَيَزِيدُ بَعْضُهُمْ فِيهَا عَلَى بَعْضٍ الرَّجُلَ، وَمَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي العَدَدِ فَوَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ أَمْرُ مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ فِي ذَلِكَ عَلَى مِثْلِ مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ فِيهِ، وَالَّذِي نَعْقِلُهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ إِلَى خَالٍ هُوَ عَصَبَةٌ يَذْكُرُهُ بِالمِيرَاثِ بِالخُؤُولَةِ وَتَرَكَ ذِكْرَهُ بِالمِيرَاثِ بِالعَصَبَةِ؛ لِأَنَّ الْعَصَبَةَ أَقْوَى فِي المِيرَاثِ مِنَ الخَالِ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ، وَلِأَنَّ الخَالَ الَّذِي لَيْسَ بِعَصَبَةٍ إِنَّمَا يَرِثُ حَيْثُ لَا عَصَبَةَ وَحَيْثُ لَا ذَوِي فُرُوضٍ مُسَمَّاةٍ، فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْصِدُ بِذِكْرِهِ إِلَى أَضْعَفِ حَالَتِهِ، وَيَتْرُكُ ذِكْرَهُ بِأَقْوَى حَالَتِهِ". انتهى.

قلت: اتهم الطحاوي هنا أن شعبة حرّف معنى الحديث وخالف حماد بن زيد في لفظه!

والعجيب أنه ذكر حديث شعبة في كتابه «شرح معاني الآثار» (4/397) (7432) من طريق أَبي الوَلِيدِ الطيالسي، عن شُعْبَة، بلفظ: «مَنْ تَرَكَ كَلًّا فَعَلَيَّ».

وقَالَ شُعْبَةُ: "رُبَّمَا قَالَ: قَالَ: «وَمَنْ تَرَكَ مَالًا، فَلِوَرَثَتِهِ، وَأَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ»".

فهنا بيّن شعبة أن بُديل بن ميسرة كان يقتصر على اللفظ الأول، وأحياناً يزيد اللفظ الآخر، وهذا يدلّ على ضبط شعبة للحديث.

وبيّن ذلك أيضاً أَبُو النَّضْرِ في روايته عن شعبة.

ثم ساق الطحاوي حديث سُلَيْمَانَ بنِ حَرْبٍ، عن حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ بُدَيْلٍ، فَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «أَرِثُ مَالَهُ، وَأَفُكُّ عَانَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَيَفُكُّ عَانَهُ».

ثم ساق حديث مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ، عن رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، عن المِقْدَامِ بنِ مَعْدِ يَكْرِبَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اللهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَى مَنْ لَا مَوْلَى لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عَنْوَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عَنْوَهُ».

ثم قال: "فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَّصِلَةٌ قَدْ تَوَاتَرَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

فحكم عليها بالتواتر، ولم يتعرض لمتن حديث شعبة وقد قبله!

وحديث حماد بن زيد رواه عنه جماعة هكذا، منهم: لَيْثُ بنُ حَمَّادٍ الصَّفَّارُ، والقَوَارِيرِيُّ، وَإِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ.

ورواية القواريري ساقها ابن عساكر في «تاريخه» (60/185) بلفظ: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك دنيا أو ضيعة فإليّ، ومن ترك مالاً لورثته وأنا مولى من لا مولى له، أرث ماله وأفك عانه، والخال مولى من لا مولى له يرث ماله، ويعقل عنه».

ورواه ابن ماجه في «سننه» (3/652) (2634) عن يَحْيَى بنِ دُرُسْتَ، عن حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، بلفظ: «أَنَا وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ».

وهذا مثل لفظ حديث شعبة.

ورواه ابن أبي خيثمة في «تاريخه» (1/558) قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَان بنُ حَرْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنا حَمَّاد بنُ زَيْد، عَنْ بُدَيْل بنِ مَيْسَرَة، عَنْ عَلِيّ بنِ أَبِي طَلْحة، عَنْ رَاشِد بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِر الهَوْزَنِيّ، عَنِ المِقْدَام الكِنْدِيِّ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الخالُ مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ، ويَفُكُّ عَانَهُ».

قَالَ سُلَيْمَان: كَذَا قَالَ حَمَّاد!

وَفِي حَدِيثِ شُعْبَة: «وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لا وَارِثَ لَهُ».

قلت: كلّ من أخرج هذا الحديث وتكلموا عليه لم يشيروا إلى أن شعبة خالف حماد بن زيد في مسألة العَقْل! وإنما فقط في لفظة: «الخال مولى»، و«الخال وارث».

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (4/558) (1640): وَانْتَهَى أَبُو زُرْعَةَ فِيمَا كَانَ يقرأْ مِنْ كِتَابِ الفَرَائِضِ إِلَى حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد بنُ سَلَمة، عَنْ بُدَيْل بنِ مَيْسَرَة، عَنْ عَلِيِّ بنِ طَلْقٍ أَوْ غيرِهِ، عَنْ رجلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الخَالُ مَوْلَى مَنْ لا مولَى لَهُ؛ يرثُ مالَهُ، ويَفُكُّ عَانَهُ».

فَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "وَهِمَ فِيهِ حمَّاد بنُ سَلَمة! والصَّحيحُ: مَا رَوَاهُ شُعْبةُ وحمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ بُدَيْل بنِ مَيْسَرَة، عَنْ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَلْحَة، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الهَوْزَنِي، عَنِ المِقْدام الكِنْدِي، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «الخَالُ وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ»؛ هَذَا مَتْنُ حَدِيثِ شُعْبة.

ومَتْنُ حَدِيثِ حمَّاد بنِ زَيْدٍ: «الخَالُ مَوْلَى مَنْ لاَ مَوْلَى لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ، وَيَفُكُّ عَانَهُ».

وسُئِل الدارقطني عنه في «العلل» (8/63) (3422)؟ فقال: "يَرويه راشِد بن سَعد، واختُلِفَ عَنه:

فرَواه بُدَيل بن مَيسَرة، عَن عَلي بن أَبي طَلحة، عَن راشِد بن سَعد، عَن أَبي عامر الهَوزني، عَن المِقدام. حَدَّث به: شُعبة، وحَماد بن زَيد، وإِبراهيم بن طَهمان.

وخالَفهم: مُعاوية بن صالح، فرَواه عَن راشِد بن سَعد، عَن المِقدام، ولَم يَذكُر أَبا عامر.

والأَول أَشبَه بالصَّواب".

قلت: ورواه عَبْدُاللَّهِ بنُ سَالِمٍ، عَنِ الزُّبَيْدِيِّ، عن رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ، عن المِقْدَام.

ورواه معاوية بن صالح عن راشد فلم يذكر أبا عامر ولا ابن عائذ!

ورواه ثور بن يزيد عن راشد فأرسله.

وهو حديث مضطرب! وكَانَ يَحْيَى بنُ مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ، وَيَقُولُ: "لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ قَوِيٌّ".

وخلاصة الأمر أن في حديث شعبة: «أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ».

وفي حديث حَمَّاد بن زَيْد: «الخالُ مَوْلَى مَنْ لا مَوْلَى لَهُ، يَرِثُ مَالَهُ، ويَفُكُّ عَانَهُ».

وفي رواية: «وَأَفُكُّ عَانِيَهُ، وَالخَالُ مولى مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ يَرِثُ مَالَهُ وَيَفُكُّ عَانِيَهُ».

وفي رواية: «أَرِثُ مَالَهُ، وَأَفُكُّ عَانَهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَيَفُكُّ عَانَهُ».

وفي بعض الروايات: «وأفك عانه، والخال مولى من لا مولى له يرث ماله، ويعقل عنه».

وفي بعضها: «أَعْقِلُ عَنْهُ وَأَرِثُهُ، وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ».

فشعبة لم يختلف عليه في اللفظ، وفي رواية عن حماد بن زيد موافقة للفظ حديث شعبة، وفي بعضها يخالف هذا اللفظ.

والملاحظ أن الرسم في هذه اللفظة قريبٌ جداً!

«أفك عانيه... ويفك عانيه»، «أفك عانه... ويفك عانه»، «أعقل عنه... يعقل عنه»!

فهل تصحفت: «أفك» و«ويفك» إلى «أعقل» و«يعقل»! أو العكس؟!

وتصحفت: «عانيه» و«عانه» إلى «عنه»! أو العكس؟!

فكلّ ذلك قريب ومُحتمل!

وكذا ما جاء في رواية مُعَاوِيَةَ بنِ صَالِحٍ: «وَيَفُكُّ عَنْوَهُ»!

«ويفك» = «ويعقل»! «عنوة» = «عنه»!!!

قال الخطّابي في «غريب الحديث» (3/264): "قوله: «الخال وارث من لا وارث له، يفك عَنِيَّهُ، ويرث ماله»: رواه بعضهم: «يفك عينه» - الياء قبل النون-، وإنما هو: «عَنِيَّه»، والعَنِيُّ: العاني، وهو الأسير. وقد يُروى أيضاً: عُنِيَّه مصدر، عَنَا الأسير يعنو عنوًّا وعنيًّا.

وعلى كل الأحوال، ذهب بعض أهل العلم إلى أن ما جاء في رواية حماد هو نفس المعنى الذي جاء في رواية شعبة.

قال ابن الأثير الجزري في «النهاية في غريب الحديث والأثر» (3/314) في باب «عَنَا»: "العَانِي: الأسِيرُ. وكلُّ مَن ذَلَّ واسْتكان وخَضَع فَقَدَ عَنَا يَعْنُو، وَهُوَ عَانٍ... وَمِنْهُ حَدِيثُ المِقْدام: «الخالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، يَفُكُّ عَانَهُ» أَيْ عَانِيَهُ، فحذَف اليَاءَ. وَفِي رِوَايَةٍ «يَفُكُّ عُنِيَّهُ» بِضَمِّ العَيْنِ وَتَشْدِيدِ اليَاءِ، يُقَالُ: عَنَا يَعْنُو عُنُوّاً وعُنِيّاً.

وَمَعْنَى الأسْرِ فِي هَذَا الحَدِيثِ: مَا يَلزَمه ويتَعَّلق بِهِ بِسَبَبِ الجِنَايات الَّتِي سَبيلُها أَنْ تَتَحَّمَلها العاقِلَة. هَذَا عِنْد مَنْ يُوَرَّث الخالَ، ومَنْ لَا يُوَرّثه يكون معناه أنَّها طُعْمَة أُطْعِمَها الخالُ، لَا أَنْ يَكُونَ وَارِثاً." انتهى.

ومما يدلّ على أن شعبة لم يتصرف في لفظ الحديث وأن هذه اللفظة لها أصل، بل هي من رواية رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ صاحب هذا الحديث ما رواه سَعِيدُ بن منصور في «سننه» (1/99) (201) عن عِيسَى بنِ يُونُسَ، عن الْأَحْوَصِ بن حَكِيمٍ، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ فَهُوَ مَوْلَاهُ يَرِثُهُ، وَيَدِي عَنْهُ».

وما رواه (202) عن إِسْمَاعِيلَ بنِ عَيَّاشٍ، عن الْأَحْوَصِ بنِ حَكِيمٍ، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ قَالَ: «هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِهِ يَرِثُهُ وَيَعْقِلُ عَلَيْهِ».

والعَقْل: هُوَ الدِّية، وأصْلُه: أنَّ الْقَاتِلَ كَانَ إِذَا قَتَل قَتِيلًا جَمَعَ الدِّيَة مِنَ الْإِبِلِ فعَقَلَها بفِنَاء أوْلِياء المَقْتول. والعَاقِلَة: هِيَ العَصَبة وَالْأَقَارِبُ مِن قِبَلِ الْأَبِ الَّذِينَ يُعْطُون ديَةَ قَتِيلِ الخَطَأِ، وَهِيَ صفَة جَمَاعَةٍ عَاقِلَة، وَأَصْلُهَا اسْمُ، فَاعِلَةٍ مِنَ العَقْل، وَهِيَ مِن الصِّفات الغَالِبة.

وروى الدارمي في «سننه» (4/1970) (3077) من طريق مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْ رَجُلٍ قَالَ: «يَعْقِلُ عَنْهُ وَيَرِثُهُ».

قلت: فهذه اللفظة لها أصل، وهي أولى في حديث الحال من مسألة فك العاني = الأسير! حتى ذهب أهل العلم إلى أن مَعْنَى الأسْرِ فِي الحَدِيثِ: مَا يَلزَمه ويتَعَّلق بِهِ بِسَبَبِ الجِنَايات الَّتِي سَبيلُها أَنْ تَتَحَّمَلها العاقِلَة.

وقد ردّ بعض أهل العلم على ما جاء في الحديث أو أوّلوه دون اتهام شعبة كما فعل الطحاوي!

قال البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (9/165): "وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الخَالَ الَّذِي لَا يَكُونُ ابنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى لَا يَعْقِلُ بِالخُؤُولَةِ، فَخَالَفُوا الحَدِيثَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِي العَقْلِ! فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا فَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ كَانَ يَعْقِلُ بِالخُؤُولَةِ، ثُمَّ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْ أَرَادَ خَالًا يَعْقِلُ بِأَنْ يَكُونَ ابنَ عَمٍّ أَوْ مَوْلًى أَوِ اخْتَارَ وَضْعَ مَالِهِ فِيهِ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَجُلًا وَقَعَ مِنْ نَخْلَةٍ فَمَاتَ وَتَرَكَ شَيْئًا وَلَمْ يَدَعْ وَلَدًا، وَلَا حَمِيمًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  «أَعْطُوا مِيرَاثَهُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهِ». وَعَنْ عَوْسَجَةَ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ «فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَلَمْ يَتْرُكْ إِلَّا عَبْدًا لَهُ هُوَ أَعْتَقَهُ، فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِيرَاثَهُ».

فَكَأَنَّهُ لَمَّا صَارَ أَمْرُهُ إِلَى الْإِمَامِ رَأَى مِنَ المَصْلَحَةِ أَنْ يَضَعَهُ فِي رَحِمِهِ، كَمَا رَأَى فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَضْعَهُ فِيمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ المِيرَاثَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

وقال أبو عوانة في «مستخرجه» (3/446): "فِي هَذَا الحَدِيثِ نَظَرٌ! وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُ أَنَّ الخَالَ لَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِ الفَرَائِضِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرِثُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ أَهْلُ العِلْمِ أَنَّ بَيْتَ المَالِ عَصَبَةُ مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ، وَأَجْمَعُوا أَنَّ الخَالَ لَا يَرِثُ مَعَ العَصَبَةِ إِلَّا أَنَّ عَوَامَّ أَهْلِ العِلْمِ مِنْ أَئِمَّتِنَا يُوَرِّثُونَ الخَالَ عِنْدَ عَدَمِ الوَارِثِ».

وقول الطحاوي عن شعبة: "وَلَمْ يَكُنْ فَقِيهًا فَيُرَدُّ ذَلِكَ إِلَى الفِقْهِ حَتَّى تَتَمَيَّزَ مَعَانِيهِ فِي قَلْبِهِ كَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ"! فيه مبالغة شديدة!

نعم، شعبة لم يكن فقيهاً مثل مالك والثوري، لكنه لم يكن تخفى عنه معاني الألفاظ! بل كان شعبة يُفتي ويقيس وإن كان ليس مثل هؤلاء.

قال الشافعي: "وكان شعبة إذا أتاه الرجل يسأله عن المسألة، سأله عن اسمه وموضعه وصناعته، ثم يجيبه في مسألته، ويجيء أصحابه فيلقيها على أصحابه، فإن أصاب فذاك، وإن أخطأ ذهب إليه، فقال: يا هذا، الذي أفتيتك ليس كما أفتيتك، الأمر كذا وكذا".

ولهذا قال الرَّبِيعُ بن سليمان: كان الشافعي إذا قاس إنسان فأخطأ، قال: هذا قياس شعبة".

وهذا يدلّ على ورع شعبة وأنه إن أخطأ في فتواه تراجع - رحمه الله -.

·       الكلام في حفظ شعبة!

وذكر الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (8/161) قال: "بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ المُلْتَقِطَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى مَا الْتَقَطَهُ، وَفِي المُرَادِ بِذَلِكَ مَا هُوَ".

ثم ذكر ما جاء في الاختلاف بين حديث شعبة وأنه ذَكَرَ فِيهِ الْإِشْهَادَ، وحديث حمّاد بن سلمة، ثم قال: "فَاحْتَجْنَا إلَى الوُقُوفِ عَلَى حِفْظِ مَا فِي هَذَا الحَدِيثِ مِنْ «ذِي عَدْلٍ - أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ» مَا هِيَ".

ثم ساق أسانيدهما، ثم قال: "فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَقِيقَةَ مَا فِي الحَدِيثِ الْأَوَّلِ مِنْ ذِي عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ هِيَ: ذَوَا عَدْلٍ".

وقال في موضع آخر (12/143): "بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرِهِ الْمُلْتَقِطَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى مَا الْتَقَطَهُ".

ثم ساق رواية عَبْدالعَزِيزِ بن المُخْتَارِ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ يَزِيدَ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَوِي عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمْ، وَلَا يُغَيِّرْهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَمَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ».

ثم ساق حديث هُشَيْمٍ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاء، عَنْ يَزِيدَ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ المُجَاشِعِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَوِي عَدْلٍ، وَلْيَحْفَظْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، وَلَا يَكْتُمْ وَلَا يُغَيِّرْهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ».

ثم قَالَ: "هَكَذَا وَجَدْنَا هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رِوَايَتَيْ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ المُخْتَارِ، وَهُشَيْمِ بنِ بَشيرٍ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَقَدْ وَجَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ بِزِيَادَةٍ عَلَى ذَلِكَ".

ثم ساقه من طريق سَعِيدِ بنِ عَامِرٍ الضُّبَعِيّ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ يَزِيدَ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، ثُمَّ لَا يَكْتُمْ، وَلَا يُغَيِّبْ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا، فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ».

ثم قَالَ: "وَكَانَ مَا فِي هَذَا الحَدِيثِ: «فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ»، وَهُوَ عِنْدَنَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - عَلَى الشَّكِّ مِنْ شُعْبَةَ فِيمَا سَمِعَهُ مِنْ خَالِدٍ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَالحِفْظُ قَدْ يَقَعُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا، وَهُشَيْمٌ أَيْضًا، فَقَدْ كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَحِفْظُهُ مَعْهُودٌ مِنْهُ مِثْلُ هَذَا، وَعَبْدُالعَزِيزِ، فَإِنَّمَا كَانَ حَدِيثُهُ مِنْ كِتَابِهِ، فَمَا رَوَيَاهُ عِنْدَنَا مِنْ ذَلِكَ أَوْلَى مِمَّا رَوَاهُ شُعْبَةُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ أَوْلَى بِالحِفْظِ مِنَ الوَاحِدِ ثُمَّ وَجَدْنَا هَذَا الحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ مُخَالِفًا لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَهُ فِي إِسْنَادِهِ، وَمُقَصِّرًا فِي مَتْنِهِ عَنْهُمْ".

ثم تكلّم على أقوال أهل الفقه في هذه المسألة، ثم قال: "وَقَدْ تَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ مِمَّنْ وَقَعَ إِلَيْهِ هَذَا الحَدِيثُ عَلَى مَا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَلَيْهِ مِنْ ذِكْرِ ذَوَيْ عَدْلٍ أَوْ ذِي عَدْلٍ أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهِ حُجَّةٌ لِمَالِكِ اللُّقَطَةِ إِنْ دَفْعَهُ عَنْهَا المُلْتَقِطُ، أَوْ مَنْ سِوَاهُ مِمَّنْ تَصِيرُ إِلَى يَدِهِ فَلْيُشْهِدْ لَهُ عَلَيْهَا مَنْ كَانَ الْمُلْتَقِطُ أَشْهَدَهُ عَلَيْهَا مِنْ ذَوَيْ عَدْلٍ، فَيَسْتَحِقَّهَا لِذَلِكَ، أَوْ مِنْ ذِي عَدْلٍ، فَيَحْلِفُ مَعَهُ فَيَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ، وَذَكَرَ أَنَّ ذَلِكَ حُجَّةً فِي القَضَاءِ بِاليَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَتَأَمَّلْنَا مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَدْنَاهُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ، إِنْ كَانَ لِمَا ذَكَرَ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الشَّكِّ مِنْ شُعْبَةَ فِيمَا رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ، فَكَانَ فِيهِ تَقْصِيرٌ عَنْ مَالِكِ اللُّقَطَةِ بِمَا يَصِلُ بِهِ إِلَى لُقَطَتِهِ إِذَا دَفَعَ عَنْهَا، إِذْ كَانَ قَدْ يَكُونُ صَبِيًّا غَيْرَ بَالِغٍ، أَوْ مُكَاتَبًا، فَلَمْ يَعْتِقْ، فَيَكُونُ مِمَّنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَيَقْضِي لَهُ بِمَا يَطْلُبُهُ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَبْعَدُ النَّاسِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي شَيْءٍ بِقَوْلِهِ أَوْ فِي تَرْكِهِ الْأَمْرَ بِإِشْهَادِ ذَوِي عَدْلٍ فِي ذَلِكَ، فَالْأَمْرُ بِإِشْهَادهِ ذَوِي عَدْلٍ مِمَّنْ قَدْ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِي ذَلِكَ فِيمَا ذَكَرَ هَذَا المُتَوَهِّمُ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا انْتِفَاءَ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَعُودُ الحَدِيثُ عَلَى مَا رَوَاهُ عَبْدُالعَزِيزِ بنُ المُخْتَارِ، وَهُشَيْمُ بنُ بَشِيرٍ فِيهِ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ" انتهى.

قلت: جعل الطحاوي الشك في الحديث من شعبة، وتكلّم في حفظه! وهذا مردودٌ عليه لأمور:

الأول: أن أبا خيثمة روى الحديث عن سَعِيدِ بنِ عَامِرٍ عن شُعْبَة، ولم يذكر الشك فيه، وإنما ذكر فقط: «فَلْيُشْهِدْ ذَوِي عَدْلٍ» [رواه ابن حبان في «صحيحه» (11/256) (4894)].

وكذا رواه عَلِيُّ بنُ الجَعْدِ، عن شُعْبَةُ. [الجعديات: (ص: 192) (1259)].

مع العلم أن هناك من رواه عن شعبة على الشك كأَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ في «مسنده» (2/408) (1177).

الثاني: تصريح شعبة أن الذي كان يشك فيه هو شيخه خالد الحذّاء.

فقد رواه أحمد في «مسنده» (30/285) (18343) عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ غُندر، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدًا، يُحَدِّثُ عَنْ يَزِيدَ بنِ عَبْدِاللهِ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ مُطَرِّفِ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ، أَوْ ذَا عَدْلٍ - خَالِدٌ الشَّاكُّ -...».

ويؤيده أن الحديث رواه إسماعيل بن عُليَّة عن خالد بالشك أيضاً.

رواه أحمد في «مسنده» (30/281) (18336) قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي العَلَاءِ بنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَخِيهِ مُطَرِّفٍ، عَنْ عِيَاضِ بنِ حِمَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنِ الْتَقَطَ لُقَطَةً، فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، ثُمَّ لَا يَكْتُمْ...».

فالشك من خالد الحذاء، فقد رواه عنه جماعة على الشك، فقالوا: «فليشهد ذا عَدْلِ أو ذَوَي عَدْل»، ورواه جماعة بدون شك فقالوا: «ذَوَيْ عدْل».

وعليه فقد برئ شعبة من اتّهام الطحاوي!

·       اتّهام آخر لشعبة بأنه كَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا يَظُنَّ أَنَّهُ مَعْنَاهُ، فَيُحَوِّلُه عَنْ مَا عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الحَدِيثِ إِلَى ضِدِّهِ!

وذكر أيضاً في موضع آخر (12/505) قال: "بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ فِي مَا حُرِّمَ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ، هَلْ هُوَ السَّكَرُ أَوِ المُسْكِرُ".

ثم ساق حديث أَبي نُعَيْمٍ الفَضْلِ بنِ دُكَيْنٍ، عن مِسْعَرِ بنِ كِدَامٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ مُحمد بن عُبيدالله الكوفي، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ شَدَّادِ بنِ الهَادِ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِهَا، والسَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ».

ثم ساق حديث جَرِيرِ بنِ عَبْدِالحَمِيدِ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ شَدَّادٍ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، قال: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِهَا، القَلِيلُ مِنْهَا وَالكَثِيرُ، وَالسَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ».

ثم ساق حديث وَكِيعٍ، عن مِسْعَرٍ، بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ.

ثم ساقه عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وسُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ.

ثم ساقه من حديث هُشَيْمٍ، عَنِ ابنِ شُبْرُمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ.

ثم قَالَ: "وَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الثِّقَةَ الَّذِي أَرَادَهُ ابنُ شُبْرُمَةَ هَذَا فِي الحَدِيثِ هُوَ: أَبُو عَوْنٍ الثَّقَفِيُّ، فَقَدْ عَادَ هَذَا الحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَوْنٍ الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ: مِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَابنُ شُبْرُمَةَ، وَالثَّوْرِيُّ، إِلَى ذِكْرِ «السَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ»، وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، فَقَالَ فِيهِ: «وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ»".

قال حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ الحَكَمِ البصريّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ - يَعْنِي: ابنَ جَعْفَرٍ - [ح].

وَحَدَّثَنَا الحُسَيْنُ بنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِهَا، قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ».

قَالَ أَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ النسائي: "وَلَمْ يَذْكُرْ أَحْمَدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ الحَكَمِ: «قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا».

قَالَ الطحاوي: "وَكَانَ مَا رَوَى وَكِيعٌ، وَأَبُو نُعَيْمٍ، وَجَرِيرٌ، عَنْ مِسْعَرٍ مِنْ هَذَا الحَدِيثِ أَوْلَى مِمَّا رَوَاهُ شُعْبَةُ عَنْ مِسْعَرٍ مِمَّا يُخَالِفُهُ؛ لِأَنَّ ثَلَاثَةً أَحْفَظُ مَنْ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ مَنْ سِوَى مِسْعَرٍ قَدْ رَوَاهُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ كَمَا رَوَاهُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ، وَلِأَنَّ شُعْبَةَ مَعَ جَلَالَتِهِ إِنَّمَا كَانَ يُحَدِّثُ مِنْ حِفْظِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فَقِيهًا، وَكَانَ يُحَدِّثُ بِالشَّيْءِ عَلَى مَا يَظُنَّ أَنَّهُ مَعْنَاهُ، وَلَيْسَ فِي الحَقِيقَةِ مَعْنَاهُ، فَيُحَوِّلُ مَعْنَاهُ عَنْ مَا عَلَيْهِ حَقِيقَةُ الحَدِيثِ إِلَى ضِدِّهِ مِنْ ذَلِكَ: مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ بُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، مِنْ حَدِيثِ المِقْدَامِ بنِ مَعْدِي كَرِبَ فِي تَوْرِيثِ الخَالِ، فَقَالَ فِيهِ: «وَالخَالُ وَارِثُ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ: يَرِثُ مَالَهُ، وَيَعْقِلُ عَنْهُ»! وَإِنَّمَا هُوَ: «يَرِثُ مَالَهُ، وَيَفُكُّ عَانَهُ»، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ بُدَيْلِ بنِ مَيْسَرَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ رَاشِدِ بنِ سَعْدٍ الَّذِي حَدَّثَ بِهِ بُدَيْلُ بنُ مَيْسَرَةَ، وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِنَا هَذَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ ابنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ التَّزَعْفُرِ»" انتهى.

قلت: يقصد الطحاوي أن الرواة عن مِسعر يقولون: «السَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» - السَّكَر: بِفَتْحِ السِّينِ وَالكَافِ -، وَشُعْبَةُ يقول: «وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ»!

ورجّح لفظة «السَّكَرُ»، واستدل الحنفية بهذا أَنَّ لَفْظَ الخَمْرِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا عَصِيرَ العِنَبِ خَاصَّةً، وَأن مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَنْبِذَةِ فَإِنَّمَا يُحَرِّمُ مِنْهُ مَا يُسْكِرُ!

قال الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (4/214): "فَأَخْبَرَ ابنُ عَبَّاسٍ أَنَّ الحُرْمَةَ وَقَعَتْ عَلَى الخَمْرِ بِعَيْنِهَا، وَعَلَى السُّكْرِ مِنْ سَائِرِ الْأَشْرِبَةِ سِوَاهَا. فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ مَا سِوَى الخَمْرِ الَّتِي حُرِّمَتْ مِمَّا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ قَدْ أُبِيحَ شُرْبُ قَلِيلِهِ الَّذِي لَا يُسْكِرُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبَاحَةِ المُتَقَدِّمَةِ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَأَنَّ التَّحْرِيمَ الحَادِثَ إِنَّمَا هُوَ فِي عَيْنِ الخَمْرِ، وَالسكْرِ مِمَّا فِي سِوَاهَا مِنَ الْأَشْرِبَةِ. فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الخَمْرُ المُحَرَّمَةُ هِيَ عَصِيرُ الْعِنَبِ خَاصَّةً، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا خَمَرَ مِنْ عَصِيرِ العِنَبِ وَغَيْرِهِ. فَلَمَّا احْتَمَلَ ذَلِكَ، وَكَانَتِ الْأَشْيَاءُ قَدْ تَقَدَّمَ تَحْلِيلُهَا جُمْلَةً، ثُمَّ حَدَثَ تَحْرِيمٌ فِي بَعْضِهَا، لَمْ يَخْرُجْ شَيْءٌ مِمَّا قَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَحْلِيلِهِ إِلَّا بِإِجْمَاعٍ يَأْتِي عَلَى تَحْرِيمِهِ".

ثم قال: "فَدَلَّ ذَلِكَ أَنَّ التَّحْرِيمَ فِي الْأَشْرِبَةِ كَانَ عَلَى الخَمْرِ بِعَيْنِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ غَيْرِهَا".

وحجته في أنّ شعبة تفرد بلفظ: «وَالمُسْكِرُ» عن مِسعر، وغيره يرويه بلفظ: «وَالسَّكرُ»!

قال أبو نُعيم في «الحلية» (7/224): "وَتَفَرَّدَ شُعْبَةُ بِلَفْظِهِ عَنْ مِسْعَرٍ فِيهِ، فَقَالَ: «وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ»".

وقال المزي في «التحفة» (5/40): "وفي حديث شعبة: «والمسكر من كل شراب». وفي حديث شريك: «وما أسكر من كل شراب». وليس في حديث عبدالوارث - حديث ابن شبرمة -: «بعينها»، وفيه: «المسكر من كل شراب حرام»".

قلت: حديث شعبة رواه أَحْمَدُ بنُ عَبْدِاللهِ بنِ الحَكَمِ البصريّ، وأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، عن شُعْبَة.

وليس هو في «مسند أحمد» على كِبره، وهو من روايته!

ورواه عَنْ أَحْمَدَ أيضاً: ابنه عَبْدُاللَّهِ [كما في «المعجم الكبير» (10/338) (10837)، و«السنن الكبير» للبيهقي: (8/517) (17405)]، وعَبْدُاللهِ بنُ مُحَمَّدٍ البَغَوِيُّ [كما في «السنن الكبير» للبيهقي: (8/517) (17406)، و«مشيخة ابن البخاري»: (1/437)]. ومُوسَى بنُ هَارُونَ الحَافِظُ، [كما في «سنن الدارقطني» (5/461)، و«السنن الكبير» (8/517)، و«السنن الصغير» للبيهقي: (3/335)].

وَرَوَاهُ البَزَّارُ فِي «مُسْنَدِهِ» [كما في «نصب الراية» (4/307)]. وأَبو طاهرٍ المُخَلِّصِ في «المُخَلِّصيَّات» (2/323) (68) عن أَبي حَامِدٍ مُحَمَّدِ بنِ هَارُوْنَ بنِ عَبْدِاللهِ الحَضْرَمِيّ البَغْدَادِيّ. والبيهقي في «الخلافيات» (7/173) (5114) من طريق مُحَمَّدِ بنِ مُوسَى الحُلْوَانِيّ.

ثلاثتهم (البزار، وأبو حامد، والحلواني) عن زَيْدِ بنِ أَخْزَمَ أَبي طَالِبٍ، عن أَبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عن شُعْبَةُ، به، بلفظ: «وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» كما رواه غُندر عن شعبة.

فالثابت عن شعبة أنه قال: «والمُسكر» بخلاف الجماعة الذين رووه عن مِسعر بلفظ: «والسَّكر»!

[*تنبيه: وقع في مطبوع «المخلصيات»: "«عن عبداللهِ بن داودَ: حدثنا شعبةُ»! وهو خطأ! والصواب: «سليمان بن داود» وهو الطيالسي. ووقع فيه: «والسّكرُ»! وهو خطأ! والصواب: «والمسكر»"].

قَالَ البَزَّارُ: "وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عَوْنٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ شَدَّادٍ، وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي عَوْنٍ: مِسْعَرٌ، وَالثَّوْرِيُّ، وَشَرِيكٌ... وَشُعْبَةُ يَقُولُ: «وَالمُسْكِرُ»، وَقَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي عَوْنٍ، فَاقْتَصَرْنَا عَلَى رِوَايَةِ مِسْعَرٍ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ مِسْعَرٍ حَدِيثًا مُسْنَدًا إلَّا هَذَا الحَدِيثَ".

قلت: فالمحفوظ من رواية مسعر: «والسّكر». ورُوي عن ابن عباس من طرق أخرى بمثله.

روى الطبراني في «المعجم الكبير» (12/34) (12389)، والعقيلي في «الضعفاء» (4/191) كلاهما عن الحَسَنِ بنِ سَهْلِ بنِ المُجَوِّزِ البَصْرِيّ، عن أَبي عَاصِمٍ النَّبيل، عن مَنْصُورِ بن دِينَارٍ الضَّبِّيّ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ».

ومَنْصُور بن دِيْنَار هذا ضعيفٌ جداً.

وقد أورد العقيلي حديثه هذا في ترجمته بعد أن نقل تضعيف أهل العلم له، ثم قال: "وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ هَذَا الوَجْهِ بِإِسْنَادٍ أَصْلَحَ مِنْ هَذَا".

وروى الطبراني في «المعجم الكبير» (12/113) (12633) عن الحُسَيْنِ بنِ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيّ، عن أَحْمَدَ بنِ جَوَّاسٍ الحَنَفِيِّ، عن عَبْثَرَ بنِ القَاسِمِ الْأَسَدِيّ أَبي زُبَيْدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ يَحْيَى بن عُبَيْدٍ أَبِي عُمَرَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِهَا، قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسُّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ».

قلت: لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ الأعمش إِلَّا عَبْثَرُ بنُ القَاسِمِ! تفرد به: أحمد بن جوّاس أَبُو عَاصِمٍ وهو ثقة!

وكان شَريك لما يُحدّث به، يقول أحياناً: «وَالمُسْكِرُ»، وأحياناً: «وَالسَّكرُ»!

قال الإمام أحمد: "حدَّث به شريك عن أبي عون، فقال مرة: «المُسْكِر»، وقال مرة: «السَّكرُ»".

وقال أبو القاسم عبدالله بن محمد البغوي: سمعت أبا عبدالله يقول: "شَرِيكٌ ربما حدّث «المُسْكِرُ»، وربما حدّث «السكرُ»" [تاريخ دمشق: (29/141)].

قلت: شريك كان قاضياً وفقيهاً، فكأنه حمل معنى «السكرُ» على «المسكر» كما فعل شعبة، وإلى هذا ذهب بعض أهل العلم.

قال البيهقي في «السنن الصغير» (3/335): "السَّكَرُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالكَافِ، وَالمُرَادُ بِالسَّكَرِ: المُسْكِرُ".

وقال في «السنن الكبير» (8/517): "وَالمُرَادُ بِالسَّكَرِ المَذْكُورُ فِيهِ المُسْكِرُ".

ثم قال: "وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَيَّاشٍ العَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ: «وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ»، وَعَلَى هَذَا يَدُلُّ سَائِرُ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ" -وهو ما رواه عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «قَلِيلُ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرَامٌ».

وقال في «معرفة السنن والآثار» (13/30): "وَأَمَّا الَّذِي رُوِيَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ بِعَيْنِهَا، القَلِيلُ مِنْهَا وَالكَثِيرُ، وَالسَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ»، فَالمُرَادُ بِهِ: وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ".

وقال في «الخلافيات» (7/172): "نَحْنُ نَقُولُ بِظَاهِرِ الخَبَرِ، وَهُوَ السُّكُوتُ فِيهِ - وَهُوَ القَلِيلُ - مَأْخُوذٌ حُكْمُهُ مِمَّا رَوَيْنَاهُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ يَرْوُونَ هَذَا الحَدِيثَ عَلَى نَحْوِ مَا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ؛ مِنْ تَحْرِيمِ السَّكَرِ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ سِوَى الْأَعْنَابِ، وَالحَدِيثُ عِنْدَ الحُفَّاظِ: «السَّكَرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ» - بِفَتْحِ السِّينِ وَالكَافِ، وَالمُرَادُ بِهِ: المُسْكِرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ.

قَالَ صَاحِبُ «الغَرِيبَيْنِ»: السَّكَرُ: خَمْرُ الْأَعَاجِمِ، وَيُقَالُ لِمَا يُسْكِرُ: السَّكَرُ.

وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّ المُرَادَ بِالسَّكَرِ فِي هَذَا الخَبَرِ: الْمُسْكِرُ؛ رِوَايَةُ إِمَامِ أَهْلِ الحَدِيثِ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِ" - يعني روايته لحديث شعبة.

ولما ساق الدارقطني في «السنن» (5/461) رواية مُوسَى بنِ هَارُونَ، عن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، عن شُعْبَةَ - قَالَ مُوسَى: وَحدثنا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ بِنْتِ السُّدِّيِّ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَيَّاشٍ العَامِرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ سَوَاءً: «وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ».

قَالَ مُوسَى: "وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَرَوَى عَنْهُ طَاوُسٌ، وَعَطَاءٌ، وَمُجَاهِدٌ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»، وَرَوَاهُ عَنْهُ: قَيْسُ بنُ حَبِتَر، وَكَذَلِكَ فُتْيَا ابنِ عَبَّاسٍ فِي المُسْكِرِ".

ولما نقل البيهقي في «الخلافيات» (7/173) حديث أحمد من رواية ابنه عبدالله، قال: "كَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِهِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُوسَى بنُ هَارُونَ، عَنْ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: «وَالمُسْكِرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ». قَالَ - يعني: موسى -: وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ». وَرَوَى عَنْهُ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ: «مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ؛ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»".

وقد جاء في مطبوع الكتاب بتحقيق فريق البحث العلمي بشركة الروضة، بإشراف أبي شذا النحال: "قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رحمه الله -: كَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِهِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ مُوسَى بْنُ هَارُونَ..." إلخ.

وقولهم: "قال الإمام أحمد - رحمه الله -" فيه إيهام أنه الإمام أحمد بن حنبل! وإنما هو البيهقي نفسه واسمه: أحمد، والراوي عنه يقول ذلك: "قال أحمد".

وقال أبو بكرٍ الأثرم في «ناسخ الحديث ومنسوخه» (ص: 212): "وهذا حديث رووه عن مِسعر، عن أبي عون، عن عبدالله بن شداد، عن ابن عباس. فافهم بيان الحجة عليهم في هذا من وجوه منها: أن شعبة كان أعلم بأبي عون وأروى عنه من مِسعر، ولم يسمع شعبة هذا الحديث من أبي عون، فرواه عن مِسعر، فشعبة كان أحرى أن يؤدي ما سمع من مسعر.

قال شعبة فيه عن مسعر بهذا الإسناد: «حرمت الخمر بعينها، والمسكر من كل شراب».

وهم يتأولون أن قوله: «والسكر من كل شراب» تحليل لما دون السكر من الشراب، وقد جاء ما بيّن هذا حين تركوا ما بان تفسيره وأخذوا بما قد تشابه ذكره؛ لأن ابن عباس قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن كل مسكر حرام»".

قلت: نعم، شعبة لم يسمع هذا الحديث من أبي عون مع أن أبا عون من شيوخه، وإنما سمعه من مِسعر وهو من أقرانه، لكن هذا لا دخل له بأن شعبة كان أعلم بأبي عون وأروى عنه من مسعر!

وإسناد الحديث غريبٌ جداً! فلم يروه أحد من أصحاب ابن عباس الملازمين له! وعَبْدُاللَّهِ بنُ شَدَّادِ بنِ الهَادِ اللَّيْثِيُّ المَدَنِيُّ وُلد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ويروي عن بعض كبار الصحابة كعَلِيٍّ، وَابنِ مَسْعُودٍ، وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ سَلَمَةَ، وَكَانَ ثِقَةً قَلِيلَ الحَدِيثِ فقيهاً، مات سنة (82هـ)!

ومحمد بن عبيدالله بن سعيد، أَبُو عَوْن الثقفيُّ الكوفيُّ الأعور، رَوَى عَنْ: جابر بن سمرة (ت 66هـ)، وابن الزبير (ت 73هـ)، والقاضي شُرَيْح (ت 78هـ)، ومات سنة (120هـ)، فهو في طبقة من يروي الحديث عن ابن عباس مباشرة لا بواسطة!

وعموماً، لا يُستنكر أن يكون شعبة سمعه هكذا من مِسعر، فأدّاه كما سمعه، والله أعلم.

وذكر ابن حجر في «الفتح» (10/43) أحاديث: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»، و«أَنْهَاكُمْ عَنْ قَلِيلِ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ»، ثم قال: "وَقَدِ اعْتَرَفَ الطَّحَاوِيُّ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ قَالَ: اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ الحَدِيثِ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ بِهِ جِنْسَ مَا يُسْكِرُ، وَقَالَ بَعْضُهُمُ: أَرَادَ بِهِ مَا يَقَعُ السّكْرُ عِنْدَهُ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ القَاتِلَ لَا يُسَمَّى قَاتِلًا حَتَّى يَقْتُلَ. قَالَ: وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيث ابن عَبَّاسٍ رَفَعَهُ: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا، وَالسّكْرُ مِنْ كُلِّ شَرَابٍ». قُلْتُ: وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ، وَفِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فَقَدْ رَجَّحَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ أَنَّ الرِّوَايَةَ فِيهِ بِلَفْظِ: «وَالمُسْكِرِ» - بِضَمِّ المِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ - لَا «السُّكْرُ» - بِضَمٍّ ثُمَّ سُكُونٍ أَوْ بِفَتْحَتَيْنِ -، وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَهُوَ حَدِيثُ فَرْدٍ، وَلَفْظُهُ مُحْتَمَلٌ فَكَيْفَ يُعَارِضُ عُمُومَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ مَعَ صِحَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا" انتهى.

قلت: أشار ابن حجر للاختلاف الواقع في الحديث في وَصْلِهِ وَانْقِطَاعِهِ، وَفِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ! والصواب أنه موقوف على ابن عباس، والوصل والانقطاع ليس في رواية مِسعر، وإنما في رواية هُشيم؛ لأنه كان يُدلِّس!

لكن ابن حجر دفع الحديث بما ثبت عن ابن عباس مما يُعارضه من أحاديث صحيحة وكثيرة عنه.

والخلاصة أن شعبة ربما وهم في لفظة «والمسكر» أو أنه رواها بالمعنى، والمعنى صحيح، والله أعلم.

وأما الحديث الآخر الذي ذكره الطحاوي: «ويعقل عنه»، فقد تقدّم الكلام عنه، وكذا حديث «التزعفر».

·       هل يُخطئ شعبة في بعض المتون؟

ولا نُنكر أيضاً أن يُخطئ شعبة في متن حديث ما، لكن موضوعنا مسألة الاختصار المؤدية للوهم! فهذا لا يثبت عن شعبة ألبتة!

وأوهام شعبة في المتون قليلة جداً، وهي تكون في إبدال كلمة بأخرى ونحو ذلك.

ومما وهم فيه شعبة في متنه:

ما رواه مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، وحَجَّاجٌ وغيرهما، عن شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بنِ أَبِي الجَعْدِ، عَنْ مَعْدَانَ بنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ قَرَأَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ آخِرِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ».

كَذَا قَالَ شُعْبَةُ «مِنْ آخِرِ الكَهْفِ».

ورواه هِشَامٌ الدستوائي، وهَمَّامُ بنُ يَحْيَى العَوذي، وسَعِيدِ بنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وشَيْبَانُ، جَمِيعًا عَنْ قَتَادَةَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ الكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ».

فخالفوا شعبة وقالوا: «مِنْ أَوَّلِ الكَهْفِ».

وقد أشار لمسلم لهذا لمّا خرّج الحديث في «صحيحه» (1/556): "قَالَ شُعْبَةُ: «مِنْ آخِرِ الكَهْفِ»، وقَالَ هَمَّامٌ: «مِنْ أَوَّلِ الكَهْفِ»، كَمَا قَالَ هِشَامٌ".

والخلاصة أنه لم يثبت أن شعبة كان يختصر الأحاديث، ولو ثبت أنه اختصر بعضها فلم يثبت أنه أحال معانيها ووهم فيها نتيجة ذلك الاختصار!

وثبت أنه أخطأ في بعض أسماء الرّجال، وله بعض الأخطاء القليلة في بعض المتون، والله أعلم.

والحمد لله أولاً وآخراً.

وكتب: د. خالد الحايك.

23 صفر 1445هـ.

شاركنا تعليقك