الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«نَفحاتُ النَّسائِم» فِي بَيَان حُكم حديث: «الأَكل والشّرب ناسياً للصائِم»!

«نَفحاتُ النَّسائِم»

فِي بَيَان حُكم حديث: «الأَكل والشّرب ناسياً للصائِم»!

الحمد لله الذي فضّل هذه الأُمة على كثيرٍ من الأُمم، والصلاة والسلام على خير الورى صاحب الجود والكرم، وعلى آله وصحبه أولي الحكمة والهِمم، أما بعد:

فقد أرسل لي أحد الإخوة كلاماً لبعضهم يُضعّف فيه الحديث المتفق عليه في «الصحيحين» فيمن شرب أو أكل ناسياً وهو صائم!

وضعّف الحديث بتضعيفه لهشام بن حسان، وعوف الأعرابي اللذين يرويانه عن محمد بن سيرين!

فاسترجعت وحوقلت على هذه الفوضى العلمية التي نعيشها!

فهل هناك عاقل يفهم في الحديث يُضعّف هشام بن حسان وعوفاً الأعرابي؟!!

ثم أليس للحديث غير هاتين الطريقين؟!

فهذا قصور في الفهم والبحث!

والحديث لم يروه عن ابن سيرين هشام وعوف فقط، بل رواه عنه جماعة، وقد رُوي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أيضاً من طُرقٍ أخرى.

فقد رواه مُحَمَّدُ بن سِيرِينَ، وخِلَاسُ بنُ عَمْرٍو الهَجَرِيُّ، وأَبو رَافِعٍ نُفيعُ الصَّائغُ، وأَبو سَلَمَةَ بن عبدالرَّحمن بن عوف، وأَبو سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، والوَلِيدِ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وعَطَاءُ بن يَسَارٍ، والحَسنُ البصري.

وهذه الطرق ليست كلها صحيحة كما سنفصل في ذلك - إن شاء الله - في الآتي:

·       حديث ابنِ سيرينَ، عن أبي هُريرةَ:

أما حديث ابن سِيرين: فرواه عنه جماعة: هِشَامُ بنُ حَسَّانَ القُرْدُوسِيِّ، وعَوفٌ الأَعْرَابِيُّ، ويَزِيدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيّ، وقَتَادَةُ، وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَحَبِيبُ بنُ الشَّهِيدِ، ومُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وعِمْرَانُ بنُ خَالِدٍ، وسَلَمَةُ بن عَلْقَمَةَ، وعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ.

·       رواية هِشامٍ القُرْدوسيِّ، عن ابنِ سيرين:

أما رواية هشام بن حسّان:

فأخرجها أحمد في «مسنده» (15/296) (9489). ومسلم في «صحيحه» (2/809) (1155) عن عَمْرو بن مُحَمَّدٍ النَّاقِد. والدارقطني في «سننه» (3/141) (2242) من طريق مُحَمَّدِ بن عِيسَى بنِ الطَّبَّاعِ. وأبو نُعيم في «مستخرجه على مسلم» (3/231) (2619) من طريق سُرَيْجِ بنِ يُونُسَ. أربعتهم (أحمد، وعمرو الناقد، وابن الطباع، وسُريج) عن إِسْمَاعِيلَ بنِ إِبْرَاهِيمَ ابنِ عُلَيَّةَ.

وأحمد في «مسنده» (16/240) (10369) عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ غُندرٍ. و(16/389) (10665) عن رَوْحِ بنِ عُبادةَ.

وأحمد في «مسنده» (15/296) (9489)، والحَارِثُ بن أَبِي أُسَامَةَ في «مسنده» [كما عند أبي نُعيم في «الحلية» (2/279)، (6/273)، وفي «مستخرجه على مسلم» (3/231) (2619)]، كلاهما (أحمد، والحارث) عن يَزِيدَ بنِ هَارُونَ.

والبخاري في «صحيحه» (3/31) (1933)، وفي «التاريخ الكبير» (1/91) عن عَبْدَانَ، عن يَزِيدَ بنِ زُرَيْعٍ.

والدارمي في «سننه» (2/1077) (1767) عن عُثْمَانَ بنِ مُحَمَّدٍ، عن جَرِيرِ بنِ عبدالحميد.

وابن خزيمة في «صحيحه» (2/955) (1989) عن إِسْمَاعِيلَ بنِ بِشْرِ بنِ مَنْصُورٍ السُّلَمِيّ، عن عَبْدِالْأَعْلَى بنِ عبدِالأعلى.

وأبو داود في «سننه» (4/71) (2398) عن مُوسى بنِ إسماعيلَ التَّبوذكيّ. وأبو يعلى في «مسنده» (10/447) (6058) عن عَبْدِالْأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ. والبزار في «مسنده» (17/216) (9874) من طريق إبراهيم بن الفضل. وابن حبان في «صحيحه» (8/288) (3522) من طريق عَبْدالوَاحِدِ بن غِيَاثٍ. أربعتهم (موسى، وعبدالأعلى، وإبراهيم، وعبدالواحد) عن حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (3/357) (3263). وابن حبان في «صحيحه» (8/286) (3519) عن عَبْدِاللَّهِ بنِ مُحَمَّدٍ الْأَزْدِيّ. كلاهما (النسائي، وعبدالله الأزدي) عن إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيمَ ابن رَاهويه، عن عِيسَى بن يُونُسَ.

وابن حبان في «صحيحه» (8/287) (3520) من طريق حِبَّانَ بنِ مُوسَى، عن عَبْدِاللَّهِ بنِ المُبارك.

والبيهقي في «السنن الكبير» (4/386) (8071) من طريق إِبْرَاهِيمَ بنِ عَبْدِاللهِ، عن عَبْدِاللهِ بنِ بَكْرٍ السَّهْمِيّ.

كلهم (ابن عُلَيَّةَ، وغُندرٌ، ورَوحٌ، ويزيد بن هارون، ويَزِيد بن زُرَيْعٍ، وجريرٌ، وعبدُالأَعلى، وحمّاد بن سلمة، وعيسى بن يونس، وابن المبارك، وعبدالله بن بكر السهمي) عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ القُرْدُوسِيِّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».

ولفظ ابنِ الطَّبَّاعِ، عن ابن عُلَيَّةَ: «إِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ».

وقد قال الدارقطني في حديث ابن الطباع: "إِسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكُلُّهُمْ ثِقَاتٌ".

قلت: كذا زاد فيه ابن الطباع: «وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»! وهو ثقة، وقد تفرد بهذه الزيادة! وهي منكرة! ولم يذكرها أصحاب ابن علية: أحمد، وعمرو الناقد، وسُريج!

وهذا الحديث مشهور عن هشام بن حسّان، وقد رواه عنه جماعة، وهشام من أثبت الناس في ابن سيرين، وقد لازمه كثيراً حتى قال ابن سِيْرِيْنَ: "هِشَامٌ مِنَّا أَهْلَ البَيْتِ" [طبقات ابن سعد: (7/200)].

وقد قدّموه في ابن سيرين.

قَالَ حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: "وَكَانَ أَيُّوْبُ يَقُوْلُ: سَلْ لِي هِشَاماً عَنْ حَدِيْثِ كَذَا".

وقَالَ سَعِيْدُ بنُ أَبِي عَرُوْبَةَ: "مَا رَأَيْتُ - أَوْ مَا كَانَ أَحَدٌ - أَحْفَظَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سيرين مِنْ هِشَامٍ". [تاريخ ابن معين - رواية الدوري: (4/219) (4050)، الجرح والتعديل: (9/54)].

وكان حَمَّاد بن زَيْدٍ يَقُوْلُ: "أَنْبَأَنَا أَيُّوْبُ، وَهِشَامٌ، وَحَسبُكَ بِهِشَامٍ".

وكان حمّاد بن سَلمةَ لا يَخْتَارُ عَلَى هشامٍ أَحَدًا فِي حَدِيثِ ابنِ سِيرِينَ. [الجرح والتعديل: (9/55)].

قَالَ عَلِيّ بن المديني: "وَهُوَ عِنْدِي فِي ابنِ سِيرِينَ ثَبْتٌ، كَانَ أَصْحَابُنَا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِي ابنِ سِيرِينَ" [المعرفة والتاريخ: (2/53)].

والنّاظر في بعض الأحاديث وكتب العلل يجد أحياناً اختلاف هشام بن حسان مع بعض أصحاب ابن سيرين في بعض الأحاديث في الرفع والوقف!

وهذا يرجع إلى ابن سيرين، فقد أشار الدارقطني في مواضع من كتاب «العلل» إلى "أَنَّ ابنَ سِيرِينَ مِنْ تَوَقِّيهِ وَتَوَرُّعِهِ، تَارَةً يُصرِّحُ بالرَّفع، وتارةً يؤمئ، وَتَارَةً يَتَوَقَّفُ؛ عَلَى حَسْبِ نَشَاطِهِ فِي الحَالِ" [العلل: 10/25]، وصحح الرفع في كثير من الأسانيد المختلف فيها بين الرفع والوقف على أصحاب ابن سيرين.

فكان يذكر بعض الأحاديث التي اختلف في رفعها ووقفها، ثم يقول: "ورَفْعُهُ صَحيحٌ، وقد عرفت عادة ابن سيرين: أنه ربَّما توقَّف عن رفعِ الحديث توقِّيًا" [العلل: (10/28)].

ويقول عن بعضها: "وَرَفْعُهُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ ابْنَ سِيرِينَ كَانَ شَدِيدَ التوقِّي فِي رَفْعِ الحَدِيثِ". [العلل: (10/27)].

ويقول في بعضها: "فَرَفْعُهُ صَحِيحٌ، وَمَنْ وَقَفَهُ فَقَدْ أَصَابَ؛ لِأَنَّ ابنَ سِيرِينَ كَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ هَذَا، يَرْفَعُ مَرَّةً وَيُوقِفُ أَخْرَى". [العلل: (10/29)].

وقال ابن رجب في حديث اختلف فيه ابن علية وحماد بن زيد على أيوب عن ابن سيرين، فوقفه ابن علية، ورفعه حماد: "وليس وَقْفُ هذا الحديثِ مما يَضُرُّ؛ فإنَّ ابن سِيرِينَ كان يقفُ الأحاديثَ كثيرًا ولا يَرْفَعها، والناسُ كلُّهم يخالفونه ويرفعونها" [شرح علل الترمذي: (2/700)].

وقد قال خَالِدٌ الحذّاءُ: قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ: "كُلُّ شَيْءٍ حَدَّثْتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ مَرْفُوعٌ" [المعرفة والتاريخ: (3/22)].

وكان أيضاً من عادة بعض أصحاب ابن سيرين أنهم يقفون الحديث، ولا يرفعونه كأيوب وغيره.

قال المروذي: سَأَلته - يعني: أحمد - عَن هِشَام بن حسان؟ فَقَالَ: "أَيُّوب، وَابن عون أحبّ إِلَيّ، وَحسَّن أَمر هِشَام"، وَقَالَ: "قد روى أَحَادِيث رَفعهَا أوقفوها، وَقد كَانَ مَذْهَبهم أَن يقصروا بِالحَدِيثِ ويُوقفوه" [العلل ومعرفة الرجال - رواية المروذي: (78)].

وقال حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ: "كَانَ هِشَامٌ يَرْفَعُ حَدِيْثَ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، يَقُوْل فِيْهَا: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَذَكَرتُ ذَلِكَ لأَيُّوْبَ، فَقَالَ: قُلْ لَهُ: إِنَّ مُحَمَّداً لَمْ يَكُنْ يَرْفَعُهَا، فَلاَ تَرفَعْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَنْحُو بِهَا بِالرَّفعِ. فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِهِشَامٍ، فَتَرَكَ الرَّفعَ". [ضعفاء العقيلي: (4/336)].

وقال علي بن المديني: "أَتَانِي رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ بِكِتَابِ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فكانت هذه الأحاديث يُحدِّث بِهَا هِشَامٌ مَرْفُوعَةً، كَانَتْ عِنْدَهُ مَرْفُوعَةً، كَانَ أَوَّلُهَا: هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ كَذَا، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ كَذَا، وَكَانَ فِيهِ" [المعرفة والتاريخ: (2/54)].

قَالَ أَبُو حَاتِمٍ عن هشام: "كَانَ صَدُوقاً، وَكَانَ يَتثبَّتُ فِي رَفعِ الأَحَادِيْثِ عَنِ ابنِ سِيْرِيْنَ" [الجرح والتعديل: (9/56)].

·       رواية عَوْفِ بنِ أَبِي جَمِيلَةَ الأَعْرَابِيّ، عن ابن سيرين:

وأما رواية عوفٍ الأَعْرَابِيّ:

فأخرجها أحمد في «مسنده» (15/69) (9136). وأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ حَذْلَمٍ القَاضِي في «حديثه» (12) عن أَبي زُرْعَةَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِوٍ الدِّمَشْقِيّ. وأبو نُعيم الأصبهاني في «الحلية» (2/279) من طريق بِشْرِ بنِ مُوسَى. والبيهقي في «السنن الكبير» (4/386) (8072) من طريق الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ البَجَلِيّ. أربعتهم (أحمد، وأبو زرعة الدمشقي، وبشر بن موسى، والحسين بن الفضل) عن هَوْذَةَ بن خَلِيفَةَ.

وأحمد في «مسنده» (16/389) عن رَوحِ بنِ عُبادةَ.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/170) (117) – وعنه: النسائي في «السنن الكبرى» (3/356) (3262) – عن عِيسَى بنِ يُونُسَ.

والبخاري في «صحيحه» (8/136) (6669) عن يُوسُفَ بن مُوسَى. والترمذي في «جامعه» (2/92) (722)، والدارقطني في «سننه» (3/145) (2253) عن أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُولٍ، كلاهما (الترمذي، وابن بُهلول) عن أَبي سَعِيدٍ الْأَشَجّ. وابن ماجه في «سننه» (2/579) (1673) عن أَبي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ. ثلاثتهم (يوسف، والأشج، وابن أبي شيبة) عن أَبي أُسَامَةَ حَمّادِ بنِ أُسامةَ.

كلهم (هَوذةُ، ورَوحٌ، وعيسى بن يونس، وأَبُو أُسَامَةَ) عَنْ عَوْفٍ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، به، بنحوه.

قلت: كان عَوْفٌ يجمع بين روايتي خِلَاسٍ، وَابنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وكان عوف أحياناً يُخطئ عندما يجمع بين روايات خلاس، وابن سيرين، والحسن، فيكون بعضها موقوف، وبعضها مرفوع، فيحمل الموقوف على المرفوع، وهذا يحتاج لتنبيه من أهل النقد أو وجود قرينة تدل على خطئه في ذلك، وقد فصّلت هذا بحمد الله في بحث خاص.

وأما في هذا الحديث فلا أراه أخطأ في مثل هذا، وروايته هنا عن ابن سيرين مرفوعة.

قال الدارقطني في حديث عوف هذه: "هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ".

·       رواية يَزِيدَ بنِ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيّ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية يَزِيدَ التُّسْتَرِيِّ:

فأخرجها أبو الشيخ الأصبهاني في «طبقات المحدثين بأصبهان» (4/172) عن أَبي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ، عن مُحَمَّدِ بنِ عَامِرٍ الأشعريّ، عن أَبِيه عامرِ بن إبراهيمَ بنِ وَاقدٍ، عن النُّعْمَانِ بن عبدِالسلام، عَنْ يَزِيدَ التُّسْتَرِيِّ، عن ابن سيرين، به، بنحوه.

قلت: إسناده أصبهاني لا بأس به، ويزيد من أثبت الناس في ابن سيرين.

قَال علي بن المديني: "يزيد بن إِبْرَاهِيم ثبت فِي الحسن وابن سيرين".

·       رواية قَتَادَة، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية قتادة:

فأخرجها الترمذي في «جامعه» (2/92) (721). وأبو يعلى في «مسنده» (10/425) (6038). والبزار في «مسنده» (17/267) (9962). والدارقطني في «سننه» (3/145) (2252) عن أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُولٍ، وَمُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ بنِ زَكَرِيَّا. خمستهم (الترمذي، وأبو يعلى، والبزار، وابن بُهلول، وابن القاسم) عن أَبي سَعِيدٍ الأَشَجّ، عن أَبي خَالِدٍ الأَحْمَر، عَنْ حَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ.

وابن الأعرابي في «معجمه» (1/146) (236) عن أَبي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بنِ صَالِحٍ الْأَنْطَاكِيّ كَيْلَجَة. والبزار في «مسنده» (17/268) (9963) عن عمرَ بنِ الخطاب. والطبراني في «مسند الشاميين» (4/41) (2677) عن الحَسَنِ بن جَرِيرٍ الصُّورِيّ. والدارقطني في «سننه» (3/144) (2251) من طريق عُبَيْدِ بنِ شَرِيكٍ. أربعتهم (كيلجة، وعمر، والصوري، وعبيد بن شريك) عن أَبي الجُمَاهِرِ مُحَمَّدِ بن عُثْمَانَ، عن سَعِيدِ بنِ بَشِيرٍ.

وأبو الشيخ الأصبهاني في «طبقات المحدثين بأصبهان» (4/172) عن أَبي العَبَّاسِ أَحْمَدَ بنِ عَبْدِاللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ النُّعْمَانِ، عن مُحَمَّدِ بنِ عَامِرٍ الأشعريّ، عن أَبِيه عامرِ بن إبراهيمَ بنِ وَاقدٍ، عن النُّعْمَانِ بن عبدِالسلام، عَنْ الحَسَنِ بنِ دِينَارٍ.

كلهم (حجاج بن أرطأة، وسعيد بن بشير، والحسن بن دينار) عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، به، بنحوه.

قال البزار: "وَهَذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ قَتَادةَ، عن ابنِ سِيرِين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، إلا الحجاج بن أرطاة، وسعيد بن بشير"!

وقال الدارقطني: "الذي عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ قَتَادَةَ فَهُوَ ضَعِيفٌ".

قلت: هكذا رووه هؤلاء عن قتادة، وهم ضعفاء، وسيأتي من يخالفهم عن قتادة بغير هذا الإسناد!

·       رواية أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيّ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية أَيُّوبَ:

فأخرجها أبو داود في «سننه» (4/71) (2398) عن مُوسى بنِ إسماعيلَ التَّبوذكيّ. وأبو يعلى في «مسنده» (10/447) (6058) عن عَبْدِالْأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ. والبزار في «مسنده» (17/216) (9874) من طريق إبراهيم بن الفضل. وابن حبان في «صحيحه» (8/288) (3522) من طريق عَبْدالوَاحِدِ بن غِيَاثٍ. وابن عبدالبر في «الاستذكار» (3/349) من طريق آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ. خمستهم (موسى، وعبدالأعلى، وإبراهيم، وعبدالواحد، وآدم) عن حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ.

وعبدالله بن وهب، عن جرير بن حازم [كما ذكر عبدالوهاب بن علي بن نصر الثعلبي البغدادي المالكي (ت422 هـ) في «شرح الرسالة» (1/275)].

كلاهما (حماد بن سلمة، وجرير بن حازم) عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، به، بلفظ: أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي كُنْتُ صَائِمًا فَأَكَلَتْ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ، أتمَّ صَوَّمَكَ».

ولفظ جرير بن حازم: «من نسي وهو صائم فأكل وشرب فليتم صومه؛ فإنما الله أطعمه وسقاه».

وأخرجه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/173) (7372) عن مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَأْسٌ إِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ، وَسَقَاهُ» - وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُهُ.

قلت: اخْتُلِفَ عَنْ أَيُّوبَ، فَرَفَعَهُ حماد بن سلمة، وجَرِيرُ بنُ حَازِمٍ مِنْ رِوَايَةِ ابنِ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرٍ، وَوَقَفَهُ معمر، عن أيوب.

وقد ساق حماد بن سلمة متن حديث آخر لحديث أيوب، وحديث أيوب بنحو لفظ هشام بن حسان وعوف الأعرابي وغيرهما ليس فيه هذه القصة.

وقد تكلّم أهل النقد في الجمع بين الشيوخ عند حماد بن سلمة، فإنه يجمع بين الشيوخ ثم يسوق لفظاً واحداً، ويكون مغايراً للألفاظ الأخرى عند بعض الشيوخ.

قال أحمد في رواية الأثرم - في حديث حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة عن أبي اسماء، عن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي صلى الله عليه وسلم في آنية المشركين -: "هذا من قبل حماد، كان لا يقوم على مثل هذا يجمع الرجال، ثم يجعله إسناداً واحداً، وهم يختلفون".

وقال الخليلي في «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (1/417): "ذَاكَرْتُ يَوْمًا بَعْضَ الحُفَّاظِ، فَقُلْتُ: البُخَارِيُّ لَمْ يُخَرِّجْ حَمَّادَ بنَ سَلَمَةَ فِي الصَّحِيحِ، وَهُوَ زَاهِدٌ ثِقَةٌ! فَقَالَ: لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَنَسٍ، فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَثَابِتٌ، وَعَبْدُالعَزِيزِ بنُ صُهَيْبٍ، وَرُبَّمَا يُخَالِفُ فِي بَعْضِ ذَلِكَ. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ ابنُ وَهْبٍ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ، وَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ أَسَانِيدَ؟ فَيَقُولُ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ، وَعَمْرُو بنُ الحَارِثِ، وَاللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ بِأَحَادِيثَ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ غَيْرِهِمْ؟ فَقَالَ: ابنُ وَهْبٍ أَتْقَنُ لِمَا يَرْوِيهِ، وَأَحْفَظُ لَهُ".

قال ابن رجب مُعقباً في «شرح علل الترمذي» (2/816): "ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة، وساق الحديث سياقه واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك، وغيره".

قلت: الأمر ليس مُقتصراً على المتن بأن يسوق لفظ أحدهم في الجمع، بل وفي الإسناد أيضاً؛ فقد تكون رواية بعضهم موقوفة، وبعضهم مرفوعة، فيحمل الوقف على الرفع!

فقد تكون رواية حماد عن أيوب موقوفة، لكنه لما جمع بين الشيوخ ساق طريق الرفع! ومعمر أوثق منه في أيوب، ورواية جرير بن حازم مما حدّث به في مصر، وكان يُخطئ هناك = كان يرفع الموقوف، ويصل المرسل!

فالأظهر أن رواية أيوب عن ابن سيرين موقوفة، لكن هذا لا يضر الحديث؛ لأنا بينّا فيما سبق أن ابن سيرين أحياناً كان يقف الحديث وأحيانا يرفعه، وكذا بعض تلاميذه كأيوب، فالرفع ثابت في هذا الحديث إن شاء الله.

·       رواية خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية خَالِدٍ الحَذَّاءِ:

فأخرجها ابن المقرئ في «معجمه» (546) من طريق أَحْمَدَ بنِ يَحْيَى بنِ مَالِكٍ السُّوسِيّ، قال: حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ الوَاسطيّ، عَنْ خَالِدٍ، وَهِشَامٍ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، به، مرفوعاً بلفظ: «إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ صَائِمٌ، فَأَكَلَ وَشَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».

هكذا جمع عَلِيُّ بنُ عَاصِمِ بنِ صُهَيْبٍ أَبُو الحَسَنِ الوَاسِطِيُّ بين خالد وهشام بن حسان في الرواية عن ابن سيرين، وهو مُتكلّم فيه، وخاصة في حديثه عن خالد وهشام!

قال يَزِيدُ بنُ زُرَيْعِ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ، عَنْ خَالِدٍ بِتِسْعَةَ عَشَرَ حَدِيثًا، فَسَأَلْنَا خَالِدًا عَنْ حَدِيثٍ، فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ آخَرَ فَأَنْكَرَهُ، ثُمَّ ثَالِثٍ فَأَنْكَرَهُ، فَأَخْبَرَنَا، فَقَالَ: "كَذَّابٌ فَاحْذَرُوهُ".

وقَالَ أيضًا: جَاءَ عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ مِنْ وَاسِطِ وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ حَيٌّ وَنَحْنُ وَأَصْحَابُنَا، فَطَلَبَ الحَدِيثَ فَأَفَادَنِي عن خَالِد الحَذَّاء أَحَادِيثَ فَأَتَيْتُ خَالِدًا مَكَانِي قَبْلَ أَنْ أَدْخَلَ البَيْتَ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَأَنْكَرَهَا كُلَّهَا وَمَا عَرَفَ مِنْهَا حَدِيثًا، قَالَ: ثُمَّ أَفَادَنِي عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ يَوْمًا آخَرَ حَدِيثًا فَأَتَيْتُ هُشَامًا فَسَأَلْتُهُ فَأَنْكَرَهَا وَمَا عَرَفَهُ. [سؤالات ابن محرز: (1795)، ضعفاء العقيلي: (3/245)].

وقال عثمان بن أبي شيبة: سألت يزيد بن هارون عن علي بن عاصم؟ فقال: "ما زلنا نعرفه بالكذب".

وقال أحمد: سَمِعْتُ هُشَيْمًا يَقُولُ: "إِلَى مِثْلِ إِسْمَاعِيلَ ابنِ عُلَيَّةَ فَاذْهَبُوا"، قَالَ أَحمد: "يُعَرِّضُ بِعَلِيِّ بنِ عَاصِمٍ".

·       رواية حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ:

فأخرجها أبو داود في «سننه» (4/71) (2398) عن مُوسى بنِ إسماعيلَ التَّبوذكيّ. وأبو يعلى في «مسنده» (10/447) (6058) عن عَبْدِالْأَعْلَى بنِ حَمَّادٍ. والبزار في «مسنده» (17/216) (9874) من طريق إبراهيم بن الفضل. وابن عبدالبر في «الاستذكار» (3/349) من طريق آدَمَ بنِ أَبِي إِيَاسٍ. أربعتهم (موسى، وعبدالأعلى، وإبراهيم، وآدم) عن حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ.

والبيهقي في «السنن الكبير» (4/386) (8073) من طريق أَبي الْأَزْهَرِ، عن قُرَيْشِ بنِ أَنَسٍ.

كلاهما (حمّاد بن سلمة، وقُريش بن أنس) عَنْ حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، عَنْ ابنِ سِيرِينَ، به، بلفظ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا، فَقَالَ: «أَتِمَّ صَوْمَكَ، فَإِنَّ اللهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ».

قلت: هذا اللفظ تفرد به حبيب بن الشهيد، ولم يروه عنه إلا حماد وقريش!

أما حَمَّادٌ فكان في روايته يجمع بين أَيُّوبَ، وَهِشَامٍ، وَحَبِيبٍ ويسوق هذا المتن، وقد تكلّم أهل العلم في جمع حماد بين الشيوخ، ولفظ حديث أيوب وهشام ليس هكذا، وقد تقدم.

ولهذا قال البيهقي بعد أن ساق حديث قريش عن حبيب: "وَرَوَاهُ حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ، وَحَبِيبٌ، وَهِشَامٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ بِهَذَا اللَّفْظِ".

قلت: لكن هذا اللفظ لا يُحفظ عن ابن سيرين، ولا يوجد في حديثه قصة كما رواه عنه: هشام بن حسان، وعوف الأعرابي، وأيوب، وغيرهم.

وحماد لا يُعتمد في هذا، ولهذا قال البزار بعد أن أخرج روايته: "وَهَذَا الحديثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ وحبيب إِلا حمَّاد بنُ سَلَمة".

وقريش بن أنس من أهل الصدق إلا أنه تغير واختلط بأخرة.

قال ابن حبان: "كَانَ سخيا صَدُوقًا إِلَّا أَنه اخْتَلَط فِي آخر عمره حَتَّى كَانَ لَا يدْرِي مَا يُحدِّث بِهِ، بَقِي سِتّ سِنِين فِي اخْتِلَاطه، فَظهر فِي رِوَايَته أَشْيَاء مَنَاكِير لَا تشبه حَدِيثه القَدِيم، فَلَمَّا ظهر ذَلِك من غير أَن يتَمَيَّز مُسْتَقِيم حَديثه من غَيره لم يَجز الِاحْتِجَاج بِهِ فِيمَا انْفَرد، فَأَما فِيمَا وَافق الثِّقَات فَهُوَ المُعْتَبر بأخباره تِلْكَ" [المجروحون: (2/220)].

قلت: تابعه حماد، لكن كما ذكرنا حماد لا يُعتمد في هذا، وكذلك فهذا اللفظ لا يحفظ عن ابن سيرين، والمحفوظ في هذا قصة أبي هريرة مع الرجل دون رفع الحديث.

روى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/174) (7378) عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ أَبَا هُرَيْرَةَ، فَقَالَ: أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ، وَشَرِبْتُ قَالَ: «لَا بَأْسَ، اللَّهُ أَطْعَمَكَ، وَسَقَاكَ». قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ، فَنَسِيتُ فَطَعِمْتُ، وَشَرِبْتُ، قَالَ: «لَا بَأْسَ، اللَّهُ أَطْعَمَكَ، وَسَقَاكَ»، قَالَ: ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى إِنْسَانٍ آخَرَ فَنَسِيتُ، وَطَعِمْتُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تُعَاوِدِ الصِّيَامَ».

قلت: فهذا المحفوظ في قصة الرجل أنه جاء أبا هريرة لا النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن حماد بن سلمة، وقريش بن أنس لم يضبطاها، فرفعوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن أصل الحديث عن ابن سيرين مرفوعاً، فخلطوا بين القصة وبين رفع الحديث.

والحديث عن أبي هريرة مرفوع، وقد أفتى الرجل بما حفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث عام ليس فيه تخصيص صوم الفرض أو النفل، ولكن في القصة الظاهر أن الصوم كان صوم نفل، فأفتاه بما في الحديث.

قال ابن حجر في «الفتح» (4/156): "وَلِأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ وَأَيُّوبَ، عَن ابن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «جَاءَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا، وَأَنَا صَائِمٌ»، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ: أَبُو هُرَيْرَةَ رَاوِي الحَدِيثِ، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ".

قلت: كيف يكون هو، ويقول: "جاء رجل"؟ لو كان هو لقال: "جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له..."! هكذا جرت عادة الصحابة في الرواية إذا كان المُخبِر عن نفسه.

وأما ما جاء في رواية الدارقطني عن أَبي هُرَيْرَةَ: يَذْكُرُ أَنَّهُ نَسِيَ صِيَامَ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَصَابَ طَعَامًا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَتِمَّ صِيَامَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْكَ»! فهذه رواية منكرة باطلة! وهي من رواية الحَكَمِ بنِ عَبْدِاللَّهِ الأيلي، وهو متّهم بالكذب، وقد قَالَ ابنُ خُزَيْمَةَ أثناء روايته الحديث: "وَأَنَا أَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ"!

وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله.

·       رواية مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ:

فأخرجها الدارقطني في «سننه» (3/142) (2244) من طريق عَمَّارِ بنِ مَطَرٍ، عن مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، به، بلفظ: «مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ».

قال الدارقطني: "عَمَّارٌ ضَعِيفٌ".

قلت: عمار بن مطر الرّهاوي وثقه بعضهم، ووصفه بعضهم بالحفظ، واتّهمه بعضهم، وضعفه آخرون!

ومُبارك بن فضالة ضعيف! وزاد فيه: «فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ»! وهو منكرٌ!

·       رواية عِمْرَانَ بنِ خَالِدٍ الخُزَاعِيِّ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية عِمْرَانَ بنِ خَالِدٍ:

فأخرجها أبو يعلى في «مسنده» (10/459) (6071) عن المُعَلَّى بنِ مَهْدِيٍّ، عن عِمْرَانَ بنِ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، به، بنحوه.

وقد أشار الدارقطني في «العلل» (10/14) إلى أن عِمْرَان بن خَالِدٍ رواه أيضاً عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة!

وعمران بن خالد ضعيفٌ جداً، ضعفه أحمد، وأبو حاتم، وابن حبان، فلا يُعتمد في حديثه سيما والظاهر أنه كان يضطرب فيه!

·       رواية سَلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية سَلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ:

فأخرجها الخطيب في «تاريخ بغداد» (6/467) (1881) من طريق مُحَمَّدِ بنِ المُظَفَّرِ الحَافِظِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ يُوسُفَ بنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مِرْدَاسٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَبِي الشِّمال، عَنْ سَلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، به، بنحوه.

قال الدارقطني: "سَلَمَةُ مِنَ الثِّقَاتِ الحُفَّاظِ، لَمْ يَرْوِ عَنْهُ غَيْرُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي الشِّمَالِ، وَلَمْ يَكُنْ بِالقَوِيِّ" [العلل: (8/125)].

وقال ابن عدي: "ومحمد بن أبي الشمال هذا ليس بالمعروف، ولم أرَ من الحديث ما يتبين ضعفه من صدقه" [الكامل: (9/308)].

·       رواية عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ النَّحْوِيّ، عن ابن سِيرينَ:

وأما رواية عَلِيِّ بنِ مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ:

فأخرجها أبو طاهرٍ السِّلَفيّ في «المشيخة البغدادية» (88) من طريق أَبي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ الجَوْهَرِيّ، عن عَلِيِّ بن مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، به، بنحوه.

قلت: كذا في كتاب السلفيّ! وقد سقط جزء من الإسناد!

فابن كيسان هذا متأخر! وهو يروي عن يُوسُفَ بنِ يَعْقُوبَ بنِ إِسْمَاعِيلَ بنِ حَمَّادِ بنِ زَيْدٍ القَاضِي، توفي سنة (297هـ)، فبين ابن كيسان وابن سيرين على الأقل ثلاثة!

ويوسف القاضي يروي عن عَبْدِالوَاحِدِ بنِ غِيَاثٍ، عن حَمَّادِ بن سَلَمَةَ، وقد تقدمت رواية عبدالواحد عن حماد، عن ابن سيرين لهذا الحديث، والميل إلى أن هذا هو إسناد ابن كيسان، فيكون سقط من إسناد السلفي: "يوسف القاضي، عن عبدالواحد، عن حماد بن سلمة"، والله أعلم.

فالحديث رواه جماعة عن ابن سيرين، وأشهر رواياته عن هشام بن حسّان.

قال أبو نُعيم في «الحلية» (2/279) - بعد أن ساق رواية هشام -: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثٍ مُحَمَّدٍ، رَوَاهُ عَنْ مُحَمَّدٍ مِنَ التَّابِعِينَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: قَتَادَةُ، وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَحَبِيبُ بنُ الشَّهِيدِ، وَغَيْرُهُمْ".

·       حديث خِلَاسِ بنِ عَمْرٍو الهَجَرِيِّ، عن أبي هُريرةَ:

وأما حديث خلاسٍ:

فأخرجه أحمد في «مسنده» (15/69) (9136). وأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ حَذْلَمٍ القَاضِي في «حديثه» (12) عن أَبي زُرْعَةَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِوٍ الدِّمَشْقِيّ. وأبو نُعيم الأصبهاني في «الحلية» (2/279) من طريق بِشْرِ بنِ مُوسَى. والبيهقي في «السنن الكبير» (4/386) (8072) من طريق الحُسَيْنِ بنِ الفَضْلِ البَجَلِيّ. أربعتهم (أحمد، وأبو زرعة الدمشقي، وبشر بن موسى، والحسين بن الفضل) عن هَوْذَةَ بن خَلِيفَةَ.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/170) (117) – وعنه: النسائي في «السنن الكبرى» (3/356) (3262) -. وابن الجارود في «المنتقى» (389) عن عَلِيّ بن خَشْرَمٍ. كلاهما (ابن راهويه، وعلي بن خشرم) عن عِيسَى بن يُونُسَ.

والبخاري في «صحيحه» (8/136) (6669) عن يُوسُفَ بن مُوسَى. والترمذي في «جامعه» (2/92) (722)، والدارقطني في «سننه» (3/145) (2253) عن أَحْمَدَ بنِ إِسْحَاقَ بنِ بُهْلُولٍ، كلاهما (الترمذي، وابن بُهلول) عن أَبي سَعِيدٍ الْأَشَجّ. وابن ماجه في «سننه» (2/579) (1673) عن أَبي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ. ثلاثتهم (يوسف، والأشج، وابن أبي شيبة) عن أَبي أُسَامَةَ حَمّادِ بنِ أُسامةَ.

كلهم (هَوْذَةُ، وعِيسَى بنُ يُونُسَ، وأبو أُسامةَ) عن عَوْفٍ الأعرابيّ، عَنْ خِلَاسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا، وَهُوَ صَائِمٌ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».

قلت: هذا الإسناد منقطع! فخِلاس لم يسمع من أبي هريرة!

قال أَبُو دَاوُدَ: سمعت أَحْمَد قَالَ: "لَمْ يسمع خِلاسٌ من أَبِي هُرَيْرَة شيئًا" [سؤالات الآجري لأبي داود: (ص: 346)].

قلت: خلاس وثقه بعض أهل العلم، وضعفه آخرون، وكانت عنده صُحف يُحدّث منها، ولهذا حذّر أئمة النقد منها!

روى العقيلي في «الضعفاء» (2/28) عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الحَكَمِ بنِ بَشِيرِ بنِ سَلْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، قال: "مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي كُتُبَ خِلَاسٍ بِشَيْءٍ".

كذا فيه: «كتب خلاس»، لكن قال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (4/238): "وفي «كتاب العقيلي»: كان مغيرة لا يعبأ بحديثه".

وهذا الذي نقله من كتاب العقيلي مروي عن مغيرة من طريق آخر!

روى ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/402)، وابن عدي في «الكامل» (4/386) من طريق عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا جريرٌ، قال: "كان مغيرة لا يعبأ بحديث خلاس".

وروى العقيلي في «الضعفاء» (2/28)، وابن عدي في «الكامل» (4/385) من طريق شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ لِي أَيُّوبُ: "لَا تَرْوِ عَنْ خِلَاسٍ فَإِنَّهُ صُحُفِيٌّ، ثُمَّ قَالَ لي بعدَ ذلك: إِنِّي أُرَاهُ صُحُفِيًّا".

·       حديث أَبي رَافِعٍ، عن أبي هُريرةَ:

وأما حديث أَبي رَافِعٍ:

فأخرجه أحمد في «مسنده» (16/229) (10348) عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ غُندرٍ.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/107) (18). والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/91) عن مُحَمَّدِ بنِ سَلامٍ. كلاهما (ابن راهويه، وابن سلام) عن عَبْدَةَ بنِ سُليمانَ.

وابن الجارود في «المنتقى» (390)، وأبو القاسم الأصبهاني الملقب بقوام السنة في «الترغيب والترهيب» (2/389) (1843) من طريق حاجبِ بنِ أحمدَ الطُّوسِيِّ. كلاهما (ابن الجارود، وحاجب) عن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى الذُّهْلِيّ، عن مُحَمَّدِ بن عَبْدِاللَّهِ الْأَنْصَارِيّ القاضي البصري.

وابن عبدالبر في «الاستذكار» (3/349) من طريق أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ. وفي «التمهيد» (7/180) من طريق مُحَمَّدِ بنِ الجَهْمِ. كلاهما (أحمد، ومحمد بن الجهم) عن رَوْحِ بنِ عُبَادَةَ.

أربعتهم (غُندر، وعبدة، ومحمد بن عبدالله الأنصاري، ورَوحٌ) عن سَعِيدِ بن أَبِي عَرُوبَةَ.

والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/91) عن مُوسَى بنِ إسماعيلَ التبوذكيّ، عن أَبَانَ بنِ يزيدَ العطار.

والدارقطني في «سننه» (3/142) (2245) من طريق عَمَّارِ بنِ مَطَرٍ، عن سَعِيدِ بنِ بَشِيرٍ. و(3/143) (2246) من طريق سُلَيْمَانَ بنِ أَبِي هَوْذَةَ، عن نَصْرِ بنِ طَرِيفٍ.

وابن حبان في «صحيحه» [كما في «إتحاف المهرة» (15/650) (20073)] عن الحسينِ بن محمّدِ بنِ مصعب، عن محمدِ بن مَعْمَرٍ، عن رَوحِ بن عُبادة، عن شعبةَ.

كلهم (ابن أبي عروبة، وأبان، وسعيد بن بشير، ونصر بن طريف، وشعبة) عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، به، بنحوه، وفي لفظ: «إِذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ».

قال الدارقطني: "عَمَّارٌ ضَعِيفٌ... ونَصْرُ بنُ طَرِيفٍ أَبُو جُزْءٍ ضَعِيفٌ".

قلت: قد تقدم أنّ حجاج بن أرطأة، وسعيد بن بشير، والحسن بن دينار رووه عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، عن أبي هريرة.

وابن أبي عروبة، وأبان، وشعبة الواحد منهم أوثق من هؤلاء الثلاثة، فكيف إذا اجتمعوا!

وكأن هذا من أوهام سعيد بن بشير عن قتادة، فقد خالف ابن أبي عروبة فيه، وقد طلبا الحديث معاً من قتادة، ورواية سعيد هنا بموافقة ابن أبي عروبة أصح وإن كان راويها عنه عمار بن مطر، وهو ضعيف، وقد وثّقه بعضهم كما مر الكلام عليه.

وقد سأل ابن أبي حاتم أباه في «العلل» (3/126) (747) عن حديث سعيد بن بَشير، عن قتادة، عن ابن سيرين، وعَنْ حديث ابن أَبِي عَروبة، عَنْ قَتادة، عَنْ أَبِي رَافِعٍ؟

فقال: "سعيدُ بنُ أَبِي عَروبة أحفَظُ".

وسُئل الدارقطني في «العلل» (10/14) (1821) عن هذا الحديث، فَقَالَ: "يَرْوِيهِ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَهِشَامُ بنُ حَسَّانٍ، وَحَبِيبُ بنُ الشَّهِيدِ، وَسَلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، وَعَوْفٌ الْأَعْرَابِيُّ، عَنِ ابنِ سِيرِينِ، عَنْ أَبِي هريرة.

رَوَاهُ قَتَادَةُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، وَنَصْرُ بنُ طَرِيفٍ أَبُو جَزِيٍّ، عَنْ قتادة، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة.

وتَابَعَهُمَا: سَعِيدُ بنُ بَشِيرٍ.

وخَالَفَهُمُ ابنُ أَبِي عَرُوبَةَ، رَوَاهُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَعَلَّ قَتَادَةَ رَوَى عَنْهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وقَالَ عِمْرَانُ بنُ خَالِدٍ الخُزَاعِيُّ، عن قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن أبي هريرة" انتهى.

قلت: يُحتمل أن قتادة رواه عن ابن سيرين عن أبي هريرة، وعن أبي رافع عن أبي هريرة، فوجود هذين الإسنادين لمتن الحديث عن سعيد بن بشير، ووجود الحديث بكلا الإسنادين من رواية ثقات آخرين فيه إشارة إلى أن سعيد بن بشير ضبطه عن قتادة بكلا الإسنادين، ورواية حجاج بن أرطأة تؤيده، والله أعلم.

لكن العمدة في في حديث قتادة رواية الثقات: ابن أبي عروبة، وأبان، وشعبة عنه في هذا الحديث.

·       حديث أَبي سَلَمَةَ بن عبدالرَّحمن، عن أبي هُريرةَ:

وأما حديث أَبي سَلَمَةَ بن عبدالرَّحمن:

فأخرجه النسائي في «سننه» (3/357) (3264) عن يُوسُفَ بن سَعِيدٍ المصيصيّ، عن عَلِيِّ بنِ بَكَّارٍ البصري نزيل المصيصة.

وأخرجه ابن خزيمة في «صحيحه» (3/239) (1990). والدارقطني في «سننه» (3/142) (2243) عن مُحَمَّدِ بن مَحْمُودٍ أَبي بَكْرٍ السَّرَّاج. كلاهما (ابن خزيمة، والسراج) عن مُحَمَّدِ بنِ مَرْزُوقٍ البَصْرِيّ.

وابن خزيمة في «صحيحه» (3/239) (1990) [وعنه ابن حبان في «صحيحه» (8/287) (3521)] عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدٍ بنِ مَرزوقٍ الْبَاهِلِيِّ.

والحاكم في «المستدرك» (1/595) (1569) عن أَبي عَبْدِالرَّحْمَنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِاللَّهِ التَّاجِر، عن أَبي حَاتِمٍ الرَّازيّ.

ثلاثتهم (مُحَمَّدٌ، وَإِبْرَاهِيمُ ابْنَا مُحَمَّدِ بنِ مَرْزُوقٍ البَاهِلِيَّانِ البَصْرِيَّانِ، وأبو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ) عن مُحَمَّدِ بن عَبْدِاللَّهِ بن المُثنى الْأَنْصَارِيّ.

كلاهما (عليّ بن بكّار، ومحمد بن عبدالله الأنصاريّ) عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَفَعَهُ فِي الرَّجُلِ يَأْكُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا، قَالَ: «اللهُ أَطْعَمُهُ وَسَقَاهُ».

ولفظ حديث مُحَمَّدِ بن عَبْدِاللَّهِ الْأَنْصَارِيّ: «مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ»!

قَالَ النسائي: "هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو".

وقال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ".

وقال الدارقطني: "تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بنُ مَرْزُوقٍ وَهُوَ ثِقَةٌ، عَنِ الْأَنْصَارِيِّ".

قلت: تابعه أخوه إبراهيم، وأبو حاتم الرازي.

وقال البيهقي: "تَفَرَّدَ بِهِ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، وَكُلُّهُمْ ثِقَةٌ".

وإلى هذا ذهب ابن حجر، فقال في «الفتح» (4/157) فقال بعد أن ذكر كلام الدَّارَقُطْنِيّ السابق: "وَتعقب بَأن ابن خُزَيْمَةَ أَخْرَجَهُ أَيْضًاً عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ مُحَمَّدٍ البَاهِلِيِّ، وَبِأَنَّ الحَاكِمَ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي حَاتِمٍ الرَّازِيِّ كِلَاهُمَا عَنِ الْأَنْصَارِيِّ، فَهُوَ الْمُنْفَرِدُ بِهِ كَمَا قَالَ البَيْهَقِيُّ وَهُوَ ثِقَةٌ".

قلت: بل تابعه علي بن بكار كما رواه النسائي، وقد فاتت هذه الرواية ابن حجر، فجزم بصحة قول البيهقي!

والحديث تفرد به محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة! وهو ليس بالقوي، وكان يُخطئ كثيراً على أبي سلمة، وهو منكرُ كما قال النسائي.

·       حديث أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عن أبي هُريرةَ:

وأما حديث أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ:

فأخرجه الدارقطني في «سننه» (3/143) (2247) من طريق أَحْمَدَ بنِ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيّ، عن يَزِيدَ بنِ أَبِي حَكِيمٍ العَدَنِيِّ، عن يَاسِينَ بنِ مُعَاذٍ الكُوفِيّ. و(2248) من طريق عَبْدِاللَّهِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ مِنْدَلِ بن عليّ العنزيّ.

كلاهما (ياسين، ومندل) عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ سَعِيدِ بنِ أَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، عَنْ جَدِّهِ، به، بلفظ: «مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ».

قال الدارقطني: "يَاسِينُ ضَعِيفُ الحَدِيثِ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ سَعِيدٍ مِثْلُهُ".

وقال: "مِنْدَلٌ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ سَعِيدٍ ضَعِيفَانِ".

قلت: عبدالله بن سعيد: ليس بثقة، منكر الحديث، متروك.

·       حديث الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، عن أبي هُريرةَ:

وأما حديث الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ:

فأخرجه الدارقطني في «سننه» (3/144) (2249) من طريق ابنِ خُزَيْمَةَ، عن عَلِيّ بنِ حُجْرٍ، عن يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، عَنِ الحَكَمِ بنِ عَبْدِاللَّهِ - قَالَ ابنُ خُزَيْمَةَ: وَأَنَا أَبْرَأُ مِنْ عُهْدَتِهِ - عَنِ الوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَذْكُرُ أَنَّهُ نَسِيَ صِيَامَ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، أَصَابَ طَعَامًا، قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «أَتِمَّ صِيَامَكَ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْكَ».

قال الدارقطني: "الحَكَمُ بنُ عَبْدِاللَّهِ هُوَ: ابنُ سَعْدٍ الْأَيْلِيُّ، ضَعِيفُ الحَدِيثِ".

قلت: كان ابن المبارك شديد الحمل عليه!

وقال ابن معين: "ليس بثقة".

وقال أحمد: "أحاديثه كلها موضوعة".

وقال السعدي الجوزجاني، وأبو حاتم: "كذاب".

·       حديث عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عن أبي هُريرةَ:

وأما حديث عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ:

فأخرجه الدارقطني في «سننه» (3/144) (2250) من طريق ابنِ خُزَيْمَةَ، عن عَلِيّ بن حُجْرٍ، عن يَحْيَى بن حَمْزَةَ، عَنِ الحَكَمِ بنِ عبدالله، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، وَالقَعْقَاعِ بنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، به، بنحوه.

قال الدارقطني: "الحَكَمُ بنُ عَبْدِاللَّهِ هُوَ: ابنُ سَعْدٍ الْأَيْلِيُّ، ضَعِيفُ الحَدِيثِ".

قلت: بل هو كذاب! وقد مر الكلام عليه في الحديث السابق.

·       حديث الحَسَنِ البصري، عن أبي هُريرةَ:

وأما حديث الحسن:

فأخرجه أحمد في «مسنده» (16/250) (10392) عن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ غُندرٍ.

وأَبُو الحَسَنِ أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ بنِ حَذْلَمٍ القَاضِي في «حديثه» (12) عن أَبي زُرْعَةَ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَمْرِوٍ الدِّمَشْقِيّ، عن هَوْذَةَ بن خليفة.

كلاهما (غُندرٌ، وهَوذةُ) عن عَوْفٍ الأعرابي، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا فَنَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ».

قلت: حديث الحسن مرسل! وأصله يرجع لصحيفة خلاس عن أبي هريرة، والله أعلم.

·       والخلاصة:

أن هذا الحديث رواه عن أبي هريرة: مُحَمَّدُ بن سِيرِينَ، وخِلَاسُ بنُ عَمْرٍو الهَجَرِيُّ، وأَبو رَافِعٍ نُفيعُ الصَّائغُ، وأَبو سَلَمَةَ بن عبدالرَّحمن بن عوف، وأَبو سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، والوَلِيدِ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وعَطَاءُ بن يَسَارٍ، والحَسنُ البصري.

وقد صحّ فقط من حديث محمد بن سيرين، وأبي رافع.

وقد رواه عن ابن سيرين جماعة: هِشَامُ بنُ حَسَّانَ القُرْدُوسِيِّ، وعَوفٌ الأَعْرَابِيُّ، ويَزِيدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ التُّسْتَرِيّ، وقَتَادَةُ، وَأَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَخَالِدٌ الحَذَّاءُ، وَحَبِيبُ بنُ الشَّهِيدِ، ومُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، وعِمْرَانُ بنُ خَالِدٍ، وسَلَمَةُ بن عَلْقَمَةَ، وعَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بنِ كَيْسَانَ.

وقد صحّ من حديث: هشام بن حسان، وعوف الأعرابي، ويزيد التستري، وأيوب، وحبيب بن الشهيد.

وحديث أيوب الراجح فيه الوقف إلا أنا لا يضر لما عُلِم أن ابن سيرين وأيوب كان من منهجهم وقف الحديث أحياناً.

وأما حديث حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، فجاء بلفظ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ نَاسِيًا، فَقَالَ: «أَتِمَّ صَوْمَكَ، فَإِنَّ اللهَ أَطْعَمَكَ وَسَقَاكَ»!

وهذا وهم من حمّاد بن سلمة، وقُريش بن أنس! والقصة إنما حدثت مع أبي هريرة كما روى ذلك عمرو بن دينار.

وقد أفتى الرجل الذي جاء يسأله بما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث عام ليس فيه تخصيص صوم الفرض أو النفل، ولكن في القصة الظاهر أن الصوم كان صوم نفل، والحديث يشمله أيضاً.

فالحديث عن أبي هريرة مرفوع، والفتوى من قوله ولا تُعلّ الفتوى ما رواه مرفوعاً، بل إن فتواه مبنية على ما عنده من المرفوع.

وما كان أبو هريرة يفتي في مثل هذه المسألة دون أن يكون عنده ما يعتمد عليه من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قَالَ الشَّافِعِيُّ في «الأم» (2/106): "وَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا: فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ بَلَغَنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَدْ رَفَعَهُ مِنْ حَدِيثِ رَجُلٍ لَيْسَ بِحَافِظٍ".

قال البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (6/270) – بعد أن نقل كلام الشافعي -: "أَظُنُّهُ أَرَادَ حَدِيثَ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

ثم ساق الحديث ثم قال: "وَالَّذِي قَالَ الشَّافِعِيُّ مِنْ سُوءِ حِفْظِهِ فَكَمَا قَالَ. وَرُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ، أَنَّهُ قَالَ: «لَوْ جَاءَ بَيْتُ أَحَدٍ لَجَاءَ بَيْتُ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، كَانَ حَسَنًا، وَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ»، إِلَّا أَنَّ هَذَا الحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ قَدْ تَابَعَهُ عَلَيْهِ عَوْفُ بنُ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ خِلَاسٍ، وَمُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَحَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَلِذَلِكَ أَخْرَجَ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ حَدِيثَ هِشَامٍ فِي الصَّحِيحِ، وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا حَدِيثَ عَوْفٍ، وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ حَمَّادٍ عَنْ أَيُّوبَ، وَحَبِيبٍ، وَهِشَامٍ، بِمَعْنَاهُ".

قلت: قد تقدم بيان حال هشام بن حسان في محمد بن سيرين، وهو كغيره قد يُخطئ في الحديث، فيرفع الموقوف أو غيره، لكنه هنا قد توبع عليه، والحديث محفوظ عن أبي هريرة مرفوعاً.

وكلام شعبة فيه ردّه أهل العلم.

روى شُعَيْبُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ: "لَوْ حَابَيْتُ أَحَداً لَحَابَيْتُ هِشَامَ بنَ حَسَّانٍ، كَانَ خَتَنِي، وَلَمْ يَكُنْ يَحْفَظُ". [الكامل: (1/201)، (10/343)].

وقال الآجري في «سؤالاته لأبي داود» (487): وسمعت أبا دَاوُد يَقُول: "قَالَ شُعْبَة: لو حَابَيْتُ أحدًا حابَيت هشام بن حَسَّان - وَكَانَ قريبه".

وقالَ يَحْيَى بنُ آدَمَ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ نَافِعٍ القُرَشِيُّ - مَوْلًى لِآلِ عُمَرَ - أَبُو شِهَابٍ، قَالَ: قَالَ لِي شُعْبَةُ: "عَلَيْكَ بِحَجَّاجِ بنِ أَرْطَاةَ، وَمُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، فَإِنَّهُمَا حَافِظَانِ، وَاكْتُمْ عَلَيَّ عِنْدَ البَصْرِيِّينَ فِي خَالِدٍ، وَهِشَامٍ". [الجرح والتعديل: (3/155)، ضعفاء العقيلي: (2/4)، الكامل: (2/524)].

وقال يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ: حَدَّثَنَا عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ، قَالَ: "أَرَادَ شُعْبَةُ أَنْ يَضَعَ فِي خَالِدٍ الحَذَّاءِ، قَالَ: فَأَتَيْتُ أَنَا وَحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ فَقُلْنَا لَهُ: مَا لَكَ؟ أَجُنِنْتَ؟ أَنْتَ أَعْلَمُ! وَتَهَدَّدْنَاهُ فَأَمْسَكَ". [ضعفاء العقيلي: (2/4)].

قال الذهبي في «الميزان» (4/296) مُتعقباً قول شعبة: "قلت: هذا قولٌ مطروحٌ، وليس شعبة بمعصوم من الخطأ في اجتهاده، وهذه زلة من عالم، فإن خالداً الحذاء وهشام بن حسان ثقتان ثبتان، والآخران فالجمهور على أنه لا يحتج بهما، فهذا هدبة بن خالد يقول عنك يا شعبة: إنك ترى الإرجاء، نسأل الله التوبة".

وقال في «السير» (6/191): "قُلْتُ: هَذَا الاجْتِهَادُ مِنْ شُعْبَةَ مَرْدُوْدٌ، لاَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ، بَلْ خَالِدٌ وَهِشَامٌ مُحْتَجٌّ بِهِمَا فِي «الصَّحِيْحَيْنِ»، هُمَا أَوْثَقُ بِكَثِيْرٍ مِنْ حَجَّاجٍ، وَابنِ إِسْحَاقَ، بَلْ ضَعْفُ هَذَيْنِ ظَاهِرٌ، وَلَمْ يُترَكَا".

وقال في «تاريخه» (3/1000): "قلت: بل هذان أَوْثَقُ بِكَثِيرٍ مِنْ حَجَّاجٍ، وَابنِ إِسْحَاقَ، وَلَمْ يُتَابِعْ شُعْبَةُ عَلَى هَذِهِ القَوْلَةِ أَحَدٌ".

وأما حديث قتادة فيُحتمل أنه رواه عن ابن سيرين كما مَال إليه الدارقطني، وقد ثبتت رواية قتادة له عن أبي رافع، عن أبي هريرة.

والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم.

فقد روى عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/173) (7373) عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: «إِنْ طَعِمَ إِنْسَانٌ نَاسِيًا فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، وَلَا يَقْضِهِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَطْعَمَهُ، وَسَقَاهُ».

وروى (7374) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: «يُتِمُّ صَوْمَهُ، وَلَا يَقْضِي؛ اللَّهُ أَطْعَمَهُ، وَسَقَاهُ».

وروى (7377) عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ الحَسَنِ، قَالَ: «هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا».

قال الترمذي في «جامعه»: "حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ العِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وقَالَ مَالِكُ بنُ أَنَسٍ: «إِذَا أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ القَضَاءُ»، وَالقَوْلُ الأَوَّلُ أَصَحُّ".

وقَالَ الشَّافِعِيُّ في «الأم»: "وَقَدْ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقْضِي وَلَسْنَا نَأْخُذُ بِقَوْلِهِ، وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ بِمِثْلِ قَوْلِنَا لَا يَقْضِي، وَالحُجَّةُ عَلَيْهِمْ فِي الْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ سَاهِيًا، وَتَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فِي الصَّوْمِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ فِي الصَّلَاةِ بَلْ الْكَلَامُ فِي الصَّلَاةِ نَاسِيًا أَثْبَتُ وَأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَيْفَ فَرَّقَ بَيْنَ العَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فِي الصَّوْمِ؟ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَرَ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا لِصَوْمِهِ قَضَاءً فَرَأْيُ أَبِي هُرَيْرَةَ حُجَّةٌ فَرَّقَ بِهَا بَيْنَ العَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَهُوَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ، ثُمَّ تَرَكَ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ وَغَيْرِهِمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثِ ذِي اليَدَيْنِ، وَفِيهِ مَا دَلَّ عَلَى الفَرْقِ بَيْنَ العَمْدِ وَالنِّسْيَانِ فِي الصَّلَاةِ فَهَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ وَمَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْجَبُ مِمَّا جَاءَ عَنْ غَيْرِهِ فَتَرَكَ الْأَوْجَبَ وَالْأَثْبَتَ وَأَخَذَ بِاَلَّذِي هُوَ أَضْعَفُ عِنْدَهُ وَعَابَ غَيْرَهُ إذْ زَعَمَ أَنَّ العَمْدَ فِي الصَّوْمِ وَالنِّسْيَانِ سَوَاءٌ ثُمَّ قَالَ بِمَا عَابَ فِي الصَّلَاةِ فَزَعَمَ أَنَّ الْعَمْدَ وَالنِّسْيَانَ سَوَاءٌ ثُمَّ لَمْ يَقُمْ بِذَلِكَ".

قلت: يقصد الشافعي الإمام مالك.

قَالَ يَحْيَى الليثي في روايته «موطأ مالك» (1/306): سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: "مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا فِي صِيَامِ تَطَوُّعٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَلْيُتِمَّ يَوْمَهُ الَّذِي أَكَلَ فِيهِ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ. وَلَا يُفْطِرْهُ. وَلَيْسَ عَلَى مَنْ أَصَابَهُ أَمْرٌ، يَقْطَعُ صِيَامَهُ وَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، قَضَاءٌ. إِذَا كَانَ إِنَّمَا أَفْطَرَ مِنْ عُذْرٍ، غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ لِلْفِطْرِ. وَلَا أَرَى عَلَيْهِ قَضَاءَ صَلَاةِ نَافِلَةٍ. إِذَا هُوَ قَطَعَهَا مِنْ حَدَثٍ لَا يَسْتَطِيعُ حَبْسَهُ، مِمَّا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الوُضُوءِ".

قَالَ مَالِكٌ: "وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ: الصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالحَجِّ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الَّتِي يَتَطَوَّعُ بِهَا النَّاسُ فَيَقْطَعَهُ حَتَّى يُتِمَّهُ عَلَى سُنَّتِهِ: إِذَا كَبَّرَ لَمْ يَنْصَرِفْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ. وَإِذَا صَامَ لَمْ يُفْطِرْ حَتَّى يُتِمَّ صَوْمَ يَوْمِهِ. وَإِذَا أَهَلَّ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يُتِمَّ حَجَّهُ، وَإِذَا دَخَلَ فِي الطَّوَافِ لَمْ يَقْطَعْهُ حَتَّى يُتِمَّ سُبُوعَهُ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ هَذَا إِذَا دَخَلَ فِيهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ. إِلَّا مِنْ أَمْرٍ يَعْرِضُ لَهُ مِمَّا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِنَ الْأَسْقَامِ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا، وَالْأُمُورِ الَّتِي يُعْذَرُونَ بِهَا، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] فَعَلَيْهِ إِتْمَامُ الصِّيَامِ كَمَا قَالَ اللَّهُ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَهَلَّ بِالْحَجِّ تَطَوُّعًا وَقَدْ قَضَى الفَرِيضَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْحَجَّ بَعْدَ أَنْ دَخَلَ فِيهِ، وَيَرْجِعَ حَلَالًا مِنَ الطَّرِيقِ. وَكُلُّ أَحَدٍ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ فَعَلَيْهِ إِتْمَامُهَا إِذَا دَخَلَ فِيهَا. كَمَا يُتِمُّ الفَرِيضَةَ". قال يحيى: "وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ".

وقد روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (6/6) قال: أنبأنا أبو الفرج غيث بن علي الصوري، عن أبي سعيدٍ عبدالرحمن بن محمد بن مسلم الأبهري المالكي: أخبرنا أبو محمدٍ عبدالله بن علي بن الحسين بن سعيد بن ماهان النجيرمي: أخبرنا أبو محمد الحَسَنُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ بنِ مُحَمَّدٍ الضَّرَّابُ المِصْرِيُّ: أنبأنا أبو بكرٍ أحمد بن مروان الدينوري المالكي: حدّثنا عبدالله بن أحمد بن محمود الدمشقي، قال: سمعت أبي يقول: سمعت الوليد بن مسلم: سألت مالك بن أنس عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «من أكل وهو صائم وهو ناسي فليتم صومه، فإنما هو رزق ساقه الله إليه»؟

فقال مالك: "الحديث صحيح، ولكن عنى به النبي صلى الله عليه وسلم النافلة لا الفريضة، أما سمعت إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت»، وكل من ترك شيئاً من هذا ناسياً فعليه القضاء، وإنما الحديث في التطوع لا في الفريضة".

قال الوليد: "فذكرت ذلك للأوزاعي، فقال: صدق مالك".

قلت: وهذه الحكاية ليست مشهورة، والتعامل مع رواية الحكايات ليس مثل التعامل مع الأحاديث المسندة، والآثار المتقدمة، وهي موافقة لمذهب مالك في هذه المسألة، بل تؤصل لقول مالك فيما ذهب إليه.

وقد يردها البعض بأن الدينوري اتّهمه الدارقطني بالوضع، وجهالة شيخه، وشيخ شيخه، والنكارة التي فيها وهي مخالفتها لما رُوي عن الأوزاعي أن مذهبه مثل مذهب الجمهور بخلاف رأي مالك!

واتهام الدارقطني للفَقِيْه المُحَدِّث الدِّيْنَوَرِيّ مُصَنِّفُ كِتَابِ «المُجَالَسَةِ» مردودٌ! وسأفصّل في هذا بإذن الله في بحث خاص، وجهالة حال شيخه تحتمل؛ لأنه أدرى به، وحكايته ليست منكرة، وأما ما روي عن الأوزاعي فهناك ما يؤيده.

فقد روى أبو القاسم الأصبهاني الملقب بقوام السنة في «الترغيب والترهيب» (2/389) حديث أبي هريرة المرفوع فيمن أكل أو شرب ناسياً، ثم قال: "هذا حديث صحيح، والصائم إذا أكل أو شرب ناسياً أجزأ صومه، والصوم مخصوص بهذا لا يقاس عليه غيره، وقال مالك: عليه قضاؤه، وقال الأوزاعي: يقضيه احتياطاً. واتباع الحديث أولى، ولا قول لأحدٍ مع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم".

فها هو قوام السنة نقل عن الأوزاعي موافقته لرأي مالك! فكأن الأوزاعي كان رأيه مثل رأي الجمهور، ولما سمع هذه الحكاية استحسن قول مالك فذهب إليه احتياطاً، والله أعلم.

ولو صحت قصة أبي هريرة في الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن أنه كان صائماً فأكل وشرب ناسياً لو صحت لكانت هذه قرينة قوية لمذهب مالك؛ لأن هذه عادة من ينسى في صوم النوافل! لكن القصة صحت أن رجلاً جاء لأبي هريرة، وهي في النسيان في النوافل فأفتاه بما في الحديث المرفوع الصحيح الذي لا يُفرّق بين الفرض والنفل.

وفي «المُدونة»: "قال يحيى بن سعيد فيمن وطئ أو أكل في رمضان ناسيًا: أنه يتم صومه، ويقضي يومًا مكانه، وقاله مالك".

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (7/179): "وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا! فَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابنُ أَبِي ذِئْبٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، وَدَاوُدُ: لَا شي عَلَيْهِ، وَيُتِمُّ صَوْمَهُ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ. وقال ربيعة ومالك: عَلَيْهِ القَضَاءُ. وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ يَسْأَلُ عَمَّنْ أَكَلَ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: مَالِكٌ زَعَمُوا أَنَّهُ يَقُولُ عَلَيْهِ القَضَاءُ! – وَضَحِكَ. وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي ذَلِكَ أَحْسَنُ".

ثم قال: "وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ فِي المُفْطِرِ نَاسِيًا بِأَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، مِنْهُمْ: عَلِيٌّ، وَابنُ عُمَرَ، وَعَلْقَمَةُ، وإبراهيم، وَابنُ سِيرِينَ، وَجَابِرُ بنُ زَيْدٍ".

وقال في «الاستذكار» (3/348): "قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ سَاهِيًا أَوْ نَاسِيًا أو ما كان من صيام واجب عليه أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مَكَانَهُ. هَذَا قَوْلُهُ فِي «مَوَطَّئِهِ».

وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْهُ: أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ، ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنَاهُ.

وَقَالَ اللَّيْثُ بنُ سَعْدٍ كَمَا قَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَعَلَيْهِ القَضَاءُ. وَهُوَ قول ربيعة، وابن عُلية.

قال ابن عُلَيَّةَ: مَنْ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ القَضَاءُ لَا غَيْرُ، وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلَوْ تَعَمَّدَ أَثِمَ وَكفر.

وقَالَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حنيفة وأصحابهما، والحسن بن حيّ، والثوري، وابن أَبِي ذِئْبٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ: مَنْ جَامَعَ أَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا فِي رَمَضَانَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ.

هَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ فِي رِوَايَةِ الْأَشْجَعِيِّ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا قَوْلُ النَّاسِ لَقُلْتُ يَقْضِي.

وَرَوَى المَعَافِرِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا جَامَعَ نَاسِيًا فَلْيَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ، وَإِنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَلَمْ يُفْطِرْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ".

قلت: ابن عُلَيَّةَ ليس هو المحدّث المعروف إسماعيل بن إبراهيم، وإنما هذا ابنه: إبْرَاهِيمُ المُتكلّم (ت 218هـ)، وكان فقيهاً كبيراً.

وقال ابن حزم في «المحلّى» (4/356): "وَأَمَّا مَنْ نَسِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ، أَوْ فِي صَوْمِ فَرْضٍ، أَوْ تَطَوُّعٍ: فَأَكَلَ، وَشَرِبَ، وَوَطِئَ، وَعَصَى؛ وَمَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهِ قَدْ أَصْبَحَ؛ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ غَابَتْ الشَّمْسُ فَفَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا بِهَا لَمْ تَغْرُبْ: فَإِنَّ صَوْمَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا تَامٌّ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ»".

ثم ساق حديث مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

ثم قال: "وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي رَافِعٍ، وَخِلَاسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

ثم قَالَ: "فَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَائِمًا، وَأَمَرَهُ بِإِتْمَامِ صَوْمِهِ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ صَحِيحُ الصَّوْمِ - وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ".

ونقل ذلك عن أَبِي هُرَيْرَةَ، وعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بنِ ثَابِتٍ مِثْلُ هَذَا.

ثم قال: "وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ، وَمُجَاهِدٍ وَالحَسَنِ، وَسَوَّيَا فِي ذَلِكَ بَيْن المُجَامِعِ، وَالْآكِلِ، وَعَنْ الحَكَمِ بنِ عُتَيْبَةَ مِثْلُهُ، وَعَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، وَعَلْقَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ؛ إلَّا أَنَّ بَعْضَ مَنْ ذَكَرْنَا رَأَى الْجِمَاعَ بِخِلَافِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَرَأَى فِيهِ الْقَضَاءَ، وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَسُفْيَانَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَضَاءُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِي! وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلًا، إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا: الْأَكْلُ، وَالجِمَاعُ، وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّوْمَ؟ فَقِيلَ لَهُمْ: وَعَلَى هَذَا فَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ يُنَافِي الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ إذَا كَانَ بِنِسْيَانٍ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ فَكَيْفَ وَقَوْلُهُمْ هَذَا خَطَأٌ؟ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ أَنَّ تَعَمُّدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالجِمَاعِ وَالقَيْءِ يُنَافِي الصَّوْمَ لَا الْأَكْلُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الشُّرْبُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الجِمَاعُ كَيْفَ كَانَ، وَلَا الْقَيْءُ كَيْفَ كَانَ، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ، وَاَلَّذِي جَاءَتْ بِهِ النُّصُوصُ مِنْ القُرْآنِ وَالسُّنَنِ".

ثم قال: "وَرَأَى ابنُ المَاجِشُونِ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا القَضَاءَ، وَعَلَى مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ، وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ وَتَفَارِيقُ لَا تَصِحُّ".

وقال ابن المنذر في «الإشراف على مذاهب العلماء» (3/126): "واختلفوا فيما يجب على من أكل ناسياً في نهار الصوم: فقالت طائفة: لا شيء عليه، روي هذا القول عن عليّ بن أبي طالب، وبه قال أبو هريرة، وابن عمر، وعطاء، وطاوس، والنخعي، والثوري، وابن أبي ذئب، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

وقال ربيعة، ومالك: عليه القضاء، وأعجب بقول مالك: سعيد بن عبدالعزيز".

ثم أفصح ابن المنذر عن رأيه، فقال: "لا شيء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن أكل أو شرب ناسياً يتم صومه. وإذا قال: يتم صومه فأتمه فهو صومٌ تامٌّ كاملٌ".

قلت: سعيد بن عبدالعزيز هو التنوخي مفتي دمشق، فلعل ما أوردناه قريباً في تلك الحكاية عن مالك من طريق الوليد بن مسلم، أن الوليد أخبر بذلك شيخه التنوخي عن قول مالك، فتحرفت «التنوخي» إلى «الأوزاعي»، والوليد روى عن كليهما، ومالك وسعيد رويا عن الأوزاعي، وقد دخل الأوزاعي على مالك.

فإن ثبت هذا فهذه قرينة لصحة تلك الحكاية عن مالك، وإن لم يثبت فهذا يؤيد أن بعض فقهاء الشام أعجبوا برأي الإمام مالك في هذه المسألة، والله أعلم.

وقد بوّب البخاري في «صحيحه»: «بَابٌ: الصَّائِمُ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا».

قال ابن حجر في «فتح الباري» (4/155): "«قَوْلُهُ: بَابٌ الصَّائِمُ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا»: أَيْ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ أَوْ لَا، وَهِيَ مَسْأَلَةُ خِلَافٍ مَشْهُورَةٌ: فَذَهَبَ الجُمْهُورُ إِلَى عَدَمِ الوُجُوبِ، وَعَنْ مَالِكٍ: يَبْطُلُ صَوْمُهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ. قَالَ عِيَاضٌ: هَذَا هُوَ المَشْهُورُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ شَيْخِهِ رَبِيعة، وَجَمِيعِ أَصْحَابِ مَالِكٍ، لَكِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الفَرْضِ وَالنَّفْلِ. وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ: لَعَلَّ مَالِكًا لَمْ يَبْلُغْهُ الحَدِيثُ أَوْ أَوَّلَهُ عَلَى رَفْعِ الْإِثْمِ".

ثم قال: "قَالَ ابن دَقِيقِ العِيدِ: ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى إِيجَابِ القَضَاءِ عَلَى مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا وَهُوَ القِيَاسُ، فَإِنَّ الصَّوْمَ قَدْ فَاتَ رُكْنُهُ، وَهُوَ مِنْ بَابِ المَأْمُورَاتِ، وَالقَاعِدَةُ أَنَّ النِّسْيَانَ لَا يُؤَثِّرُ فِي المَأْمُورَاتِ. قَالَ: وَعُمْدَةُ مَنْ لَمْ يُوجِبِ القَضَاءَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِتْمَامِ وَسَمَّى الَّذِي يُتَمُّ صَوْمًا، وَظَاهِرُهُ حَمْلُهُ عَلَى الحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَيُتَمَسَّكُ بِهِ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّوْمِ هُنَا حَقِيقَتُهُ اللُّغَوِيَّة".

ثم قال: "وَأَجَابَ بَعْضُ المَالِكِيَّةِ بِحَمْلِ الحَدِيثِ عَلَى صَوْم التَّطَوُّع كَمَا حَكَاهُ ابن التِّين عَن ابن شعْبَان، وَكَذَا قَالَ ابن القَصَّارِ، وَاعْتُلَّ بِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي الحَدِيثِ تَعْيِينُ رَمَضَانَ فَيُحْمَلُ عَلَى التَّطَوُّعِ. وَقَالَ المُهَلَّبُ وَغَيره: لم يذكر فِي الحَدِيث إثبات القَضَاء فَيُحْمَلُ عَلَى سُقُوطِ الكَفَّارَةِ عَنْهُ وَإِثْبَاتِ عُذُرِهِ وَرَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُ وَبَقَاءِ نِيَّتِهِ الَّتِي بَيَّتَهَا".

ثم أجاب ابن حجر عن كل هذا بالحديث الذي أَخْرَجَهُ ابن خُزَيْمَة، وابن حِبَّانَ، وَالحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ من حديث مُحَمَّدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: «مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ»، فَعَيَّنَ رَمَضَانَ وَصَرَّحَ بِإِسْقَاطِ القَضَاءِ!

وغفل ابن حجر عن رواية النسائي، وحكمه على هذه الرواية بالنكارة - كما تقدّم -.

ثم قال: "وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا إِسْقَاطَ الْقَضَاءِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ، وَالْوَلِيدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: «مَنْ أَكَلَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَاسِيًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ» وَإِسْنَادُهُ - وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا - لَكِنَّهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَةِ، فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الحَدِيثِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَيَصْلُحُ لِلِاحْتِجَاجِ بِهِ، وَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِجَاجُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَسَائِلِ بِمَا هُوَ دُونَهُ فِي القُوَّةِ، وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْ غير مُخَالفَة لَهُم مِنْهُم كَمَا قَالَه ابن الْمُنْذر وابن حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا: عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدُ بن ثَابت، وَأَبُو هُرَيْرَة، وابن عُمَرَ، ثُمَّ هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذكُم بِمَا كسبت قُلُوبكُمْ} فَالنِّسْيَانُ لَيْسَ مِنْ كَسْبِ الْقَلْبِ، وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ فِي إِبْطَالِ الصَّلَاةِ بِعَمْدِ الْأَكْلِ لَا بِنِسْيَانِهِ فَكَذَلِك الصّيام".

قلت: هذا من تساهل ابن حجر كغيره في الشروحات بالاحتجاج بالأحاديث الضعيفة والواهية! فإسقاط القضاء لم يثبت في حديث أبي رافع، والأحاديث الأخرى كلها منكرة كما سبق بيان ذلك!

والخلاصة أن من أكل أو شرب ناسياً في صيام سواءً في رمضان أو في صوم النفل فليُتمّ صومه، ولا شيء عليه = لا قضاء ولا كفارة، وصومه صحيح كما ذهب إليه الجمهور، وهو قول بعض الصحابة، ولم يُنقل عن غيرهم مخالفة ذلك، وقول كثير من التابعين، وأهل العلم إلا ما ذهب إليه مالك من وجوب القضاء، وبعض من تابعه على رأيه! ومن فعل ذلك احتياطاً فحسن، والله أعلم.

والحمد لله أولاً وآخراً.

وكتب: د. خالد الحايك.

28 رمضان 1445هـ.

شاركنا تعليقك