الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (36). قولُ أبي داود في عدم تحديثه عن الرَّمَادِيِّ: «رأيته يَصحب الواقفة، فلم أُحدِّث عنه»!

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (36).

قولُ أبي داود في عدم تحديثه عن الرَّمَادِيِّ: «رأيته يَصحب الواقفة، فلم أُحدِّث عنه»!

قال أَبُو العَبَّاس مُحَمَّد بن رَجاء البَصْرِيّ: قلتُ لأبي داود السجستاني: "لمْ أَركَ تُحدِّث عَنِ الرَّمادي؟

قال: "رأيته يصحب الواقفة، فلم أُحدِّث عنه" [تاريخ بغداد: (6/362)].

قَال الإمام الذهبي مُعلقاً على قول أبي داود: "هذا لا يوجب ترك الاحتجاج به، وهو نوعٌ من الوسواس". [تذهيب التهذيب: (1/204)].

قلت:

في فتنة خلق القرآن هناك من أجاب خوفاً من بطش السلطان، وهناك من صمد ولم يُجب دفاعاً عن الدِّين، فسجن بعضهم كالإمام أحمد، وهناك من توقف في القول بخلق القرآن فسمّوا بالواقفة = يعني لم يقولوا: هو مخلوق أو ليس بمخلوق!

وأبو داود ترك التحديث عن أحمد بن منصور الرمادي البغداديّ؛ لأنه رآه يصحب الواقفة كما هو ظاهر كلامه فيما نُقل عنه!

ومن هنا اعترض عليه الذهبي بأن هذا لا يوجب ترك حديثه، وعدّ ذلك من الوسواس = يعني قد يصحبهم وهو ليس منهم، فلم يترك حديثه!

والذي أراه أن أبا داود لم يقصد الصحبة هنا الصحبة المعروفة بأنه كان يصاحب قوماً من هؤلاء الذين توقفوا في مسألة خلق القرآن! وإنما عنى أنه هو نفسه كان من الواقفة في هذه المسألة = فقوله: "رأيته يصحب الواقفة" = يعني هو من الواقفة، فصحبهم في هذه المسألة، أي صار منهم.

وكأن ابن حجر فهم هذا، فقال في ترجمته من «التقريب»: "طعن فيه أبو داود لمذهبه في الوقف في القرآن".

فابن حجر يرى أن مذهبه كان الوقف، ولو كان المعنى أنه كان يصاحبهم فهذا لا يعني أنه على رأيهم! فتعيّن أن معنى الكلام أن مذهبه كان الوقف في القرآن.

وإنما ذهب أبو داود هذا المذهب في ترك حديثه؛ لأنه من الواقفة ما قاله شيخه الإمام أحمد في الواقفة: "الواقفة والجهمية واللفظية عندنا سواء".

وقيل له - لأحمد -: الواقفة كفار؟ فقال: "كُفّار".

قلت: فالمسألة ليست بصحبة الواقفة، وإنما في أنه هو كان على مذهبهم!

وقد شَدَّدَ الإمام أحمد في مسألة الوقف؛ لأن الأمر كان يحتاج لأن يقف أهل العلم في التصدي لهذه الفتنة، ولا ينفع السكوت والوقف فيها! فمن وقف فكأنه أجاب، فهم سواء في ذلك!

ولم أجد أن الرمادي صحب واقفياً بمعنى الصحبة المعروفة أيام فتنة القول بخلق القرآن!

وكان قد صحب الإمام أحمد وابن معين في رحلتهما إلى عبدالرزاق في اليمن قبل فتنة خلق القرآن وكان شاباً عمره (18) سنة، وسمع من عفّان بن مسلم الصفّار وكان أول من امتحن في هذه الفتنة، فلم يجب فيها، وكذا سمع من نُعيم بن حمّاد، وكان نعيم قد سكن مصر، ولم يزل مقيماً بها حتى أشخص للمحنة في القرآن إلى سر من رأى في أيام المعتصم، فسئل عن القرآن فأبَى أن يجيبهم إلى القول بخلقه، فسجن، فلم يزل في السجن إلى أن مات.

فتعيّن أن قول أبي داود أنه صحب الواقفة بمعنى أنه كان من الواقفة.

والذهبي إنما مشى على ظاهر اللفظ في الصحبة المعروفة فعدّ ذلك من الوسواس، وإلا لو فهم أنه قصد أنه كان من الواقفة لما اعترض عليه، فإنه قد ذكر في ترجمة «مصعب الزبيري» في «السير» أنّ مِنْ أهل العلم مَنْ تَكَلَّمَ فِيْهِ لأَجلِ وَقْفِهِ فِي مَسْأَلَةِ القُرْآنِ، ولم يَعب ذلك عليهم!

ولم يذكر الذهبي كلام أبي داود في ترجمة الرمادي في «السير» وكان من أواخر مصنفاته، وذكره في «الميزان» ولم يُعلق عليه! وعلّق عليه في «تذهيب التذهيب»!

والله أعلم وأحكم.

وكتب: د. خالد الحايك.

20 شوّال 1444هـ.

شاركنا تعليقك