الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

سلسلة مناقشة البحوث العلمية (3). بحث: «دراسة حديث: من أصبح آمناً في سربه - رواية ودراية» للدكتور فائز حامد القرشي.

سلسلة مناقشة البحوث العلمية (3).

بحث: «دراسة حديث: من أصبح آمناً في سربه - رواية ودراية» للدكتور فائز حامد القرشي.

كنت قد كتبت منذ أكثر من ثلاث سنين مبحثاً عن هذا الحديث المشهور تحت عنوان: «عبيدالله بن مِحصن، هل هو صحابي؟ وحديثه: من أَصبحَ منكم معافىً في جسده»، ورابطه:

http://addyaiya.com/content.php?page-id=299&v=01f7743c

وقد رجّحت فيه أن هذا الحديث مرسل، وأصله من مواعظ بعض التابعين، وليس من كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم.

ثم وقفت على دراسة علمية حول هذا الحديث نشرتها "حولية مركز البحوث والدراسات الإسلامية بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة"، العدد الحادي والعشرون، 1432هـ-2011م، للباحث الدكتور: فائز بن حامد القرشي، بعنوان: "دراسة حديث: من أصبح آمناً في سربه - رواية ودراية"، ويقع البحث في المجلة من (ص39-95).

·       وصف بحث الدكتور:

بدأ الباحث بذكر طرق هذا الحديث في الفصل الأول تحت عنوان: "بحث الحديث رواية"، فذكر له خمسة طرق: عن أبي الدرداء، وعبيدالله بن محصن، وعمر بن الخطاب، وابن عمر، وعليّ - رضي الله عنهم -.

ثم ذكر من خرّج هذا الحديث بإجمال، ثم ساق هذه الطرق والتعريف بأسانيدها.

·       حديث عبيدالله بن محصن الأنصاري:

ثم ذكر الدكتور طريق عبيدالله بن محصن الأنصاري الخطمي، وتخريجه وترجم لرجال الإسناد، ثم حكم على الإسناد بقوله: "بالتأمل نجد أن هذا الإسناد ضعيف؛ للأسباب التالية:

1- جهالة سلمة بن عبيدالله كما ذكر ذلك الإمام أحمد، والعقيلي، وابن حجر، والذهبي، ولم يعلم لهم مخالف إلا ما ذهب إليه ابن حبان من توثيقه إياه، وذلك مما أخذ عليه من تساهله في توثيق المجاهيل.

2- عبدالرحمن بن أبي شميلة: فقد قال فيه ابن حجر: مقبول، وهذه المرتبة السادسة من مراتب الجرح عند ابن حجر حيث يكون ليناً إذا لم يتابع.

وممن ضعّف هذا الإسناد: العقيلي... الترمذي... الألباني، حيث في صحيح الترغيب: (حديث حسن بمجموع طرقه)، فدلّ كلامه على أن هذا الطريق ضعيف". انتهى كلام الدكتور.

·       طريقة المعاصرين في التصحيح!

قلت: طريقة الدكتور في الحكم على الأسانيد لا تختلف عن طريق الألباني فإنه يورد الحديث من طريق رئيس ثم يبيّن علله، ثم يورد له الشواهد، فيحسنه بمجموع الطرق.

فالدكتور قد ضعف هذا الإسناد بجهالة سلمة بن عبيدالله وبضعف عبدالرحمن بن أبي شميلة!

وقد بينت في بحثي المشار إليه أن عبدالرحمن بن أبي شميلة هذا مجهول أيضاً، ولا يبعد أن يكون هو محمد بن سعيد المصلوب الكذاب، وأن مروان بن معاوية دلّسه كما أشار العقيلي - رحمه الله -.

·       حديث أبي الدرداء:

ثم ذكر الدكتور حديث أبي الدرداء وخرّجه ودرس رجال إسناده، ثم قال في الحكم على الإسناد: "هذا الإسناد ضعيف جداً؛ وذلك لأن عبدالله بن هانىء مُتَّهم بالكذب كما نص على ذلك أبو حاتم، والذهبي، وابن حجر، فيكون متروكاً ويكون حديثه منكراً؛ ولا يلتفت إلى توثيق ابن حبان له؛ لأنه متساهل. وممن ضعف هذا الإسناد: أبو نعيم... العقيلي... الهيثمي... الألباني، حيث قال في السلسلة الصحيحة: إسناده ضعيف جداً". انتهى كلام الدكتور.

قلت: فالإسناد متروك عند الدكتور.

·       حديث عبدالله بن عمر:

ثم ذكر الدكتور حديث ابن عمر، وذكر له ثلاثة طرق، وخرّجها وتكلّم على رجال أسانيدها.

أما الطريق الأولى:

فهي ما رواه الطبراني في «الأوسط» قال: حدثنا أحمد قال: حدثنا عبدالرحمن بن صالح الأزدي، قال: حدثنا علي بن عابس، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أصبح معافى في بدنه، آمناً في سربه، عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن فضيل إلا علي، تفرد به عبدالرحمن".

وقد ترجم الدكتور لرجال هذا الإسناد ونقل عن أهل النقد أن عطية العوفي ضعيف لا يحتج بحديثه. وفضيل بن مرزوق بعضهم مشّاه وبعضهم ضعفه. وعلي بن عابس ضعيف وعند بعض الأئمة متروك ليس بشيء.

ثم ترجم لعبدالرحمن بن صالح الأزدي فقال: "هو عبدالرحمن بن صالح الأزدي العتكي أبو صالح، ويقال: أبو محمد، الكوفي سكن بغداد، أخرج له النسائي، توفي سنة 235هـ"، ثم ساق أقوال أهل العلم فيه وأنه كان متشيعاً.

ثم ترجم لشيخ الطبراني، فقال: "أحمد بن صالح: هو أحمد بن صالح المصري أبو جعفر الحافظ، ويعرف بابن الطبري، كان أحد الحفاظ المبرزين، والأئمة المذكورين مات سنة (248هـ)، ومولده سنة: (170هـ)"، ثم ساق أقوال أهل العلم فيه.

ثم حكم على الإسناد بقوله: "هذا الإسناد ضعيف، وذلك للأسباب الآتية:

1- ضعف عطية العوفي كما قال الثوري وهشيم وأحمد وأبو حاتم وابن معين والنسائي.

2- ضعف علي بن عابس كما قال النسائي وابن عدي والجوزجاني وابن حجر.

وممن ضعف هذا الإسناد: الهيثمي... الألباني، حيث قال في الصحيحة: فيه عطية وهو ضعيف". انتهى كلام الدكتور.

قلت:

·       نقل أقوال أهل النقد في الراوي دون ترجيح!

1- الملاحظ على الدكتور أنه ينقل أقوال أهل العلم في الراوي دون أن يكون له ترجيح فيها!

·       علل متوهمة وليست حقيقية!

2- هذا الإسناد - كغيره - فيه تفرد في طبقة متأخرة، وعليه فإن العلة تكون في الراوي الأقرب إلى مخرِّج الحديث، لا الراوي الأبعد، وهنا فلا نجعل ضعف عطية العوفي علة من علل الحديث؛ وإنما العلة في علي بن عابس وهو متروك لا شيء. وإلى هذا أشار الطبراني بعد أن خرّجه.

·       وهم في الترجمة لشيخ الطبراني!!

3- وهم الدكتور في الترجمة لشيخ الطبراني! فكيف يكون هو أحمد بن صالح المصري المتوفى سنة (248هـ)؟! وهذا يعني أن الطبراني سمع منه بعد وفاته؟!! فالطبراني ولد بعد وفاة أحمد بن صالح هذا سنة (260هـ)! فكيف يسمع منه؟!

وأحمد شيخ الطبراني هنا هو: أحمد بن علي أبو العباس البربهاري، وهو ثقة. والطبراني في معجمه الأوسط بدأ بإيراد الأحاديث عن شيوخه ممن اسمه "أحمد"، وهذا الحديث ساقه ضمن أحاديثه عن أحمد بن علي بن الحسن بن جابر البربهاري.

وأما الطريق الثانية:

فقد ساقها الدكتور من عند ابن عدي في «الكامل» قال: حدثنا أحمد بن عمير الدمشقي، قال: حدثنا إسماعيل بن إسرائيل.

وحدثنا الفضل بن عبدالله بن مخلد، قال: حدثنا الربيع بن سليمان، قالا: حدثنا أسد بن موسى، قال: حدثنا أبو بكر الداهري، قال: حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن مهاجر، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابن آدم، عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع، ابن آدم إذا أصبحت معافى في جسدك آمناً في سربك عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء).

قال ابن عدي: "وهذا الحديث عن ثور بن يزيد لا أعلم يرويه عنه غير أبي بكر الداهري".

ثم خرّجه وترجم لرجال إسناده، ثم قال في الحكم عليه: "هذا الإسناد ضعيف جداً، وذلك: لأن فيه أبا بكر الداهري، وهو متروك بالاتفاق، ومتهم بالوضع كما قال الذهبي، بل جزم الجوزجاني بأنه كذاب، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات. وممن ضعف هذا الإسناد: ابن عدي... الهيثمي... المناوي... الألباني، حيث قال في الضعيفة: موضوع". انتهى كلام الدكتور.

وأما الطريق الثالثة:

فقد ساقها الدكتور من عند البيهقي في «شعب الإيمان» قال: أخبرنا أبو سعيد بن محمد الشعيثي، قال: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن يزيد، قال: حدثنا أبو يحيى البزاز، قال: حدثنا أبو عصمة حزان البيهقي: حدثنا عصمة بن سليمان الواسطي: حدثنا سلام، عن إسماعيل بن رافع، عن خالد بن مهاجر، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أصبحت آمناً في سربك، معافى في بدنك، عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء).

ثم ترجم الدكتور لرجال الإسناد: إسماعيل بن رافع، وسلام بن سليمان، وعصمة بن سليمان. وأبو عصمة حزان البيهقي، قال عن هذا الأخير: "لم أقف على ترجمته، قال الشيخ الألباني: لم أعرفه ولم يذكروه في الكنى".

ثم حكم الدكتور على الإسناد فقال: "هذا الإسناد ضعيف، وذلك لما يأتي:

1- ضعف إسماعيل بن رافع كما قال ابن حجر، وأما قول أبي حاتم والدارقطني والنسائي بأنه متروك فذلك من تشددهم.

2- ضعف سلام بن سليمان كما قال ابن حجر، وما ذهب إليه ابن عدي بأنه منكر الحديث فذلك من تشدده.

3- عصمة بن سليمان، فقد قال البيهقي: لا يحتج به، مع أن الذهبي قال فيه: صدوق" انتهى كلام الدكتور.

·       علة أخرى على منهج الدكتور:

أولاً: ينبغي عليه أن يضيف علة أخرى إلى الإسناد - على منهجه -، وهو جهالة "أبي عصمة حزان البيهقي"؛ لأنه لم يقف له على ترجمة، فهو مجهول.

ولكن أقول: لا شك أن هذا الاسم والكنية محرّفة ولا بدّ، ويوضحه الذي بعده.

·       تحريف وسقط في الإسناد يسقط الاحتجاج به!

ثانياً: هذا الإسناد فيه تحريف وسقط، والصواب ما رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (16/212) من طريق أبي بكر أحمد بن موسى بن مردوية، قال: أخبرنا أحمد بن كامل بن خلف، قال: حدثنا عبدالله بن روح المدائني، قال: حدثنا سلام بن سليمان المدائني، قال: حدثنا سلام الطويل، عن إسماعيل بن رافع، عن خالد بن المهاجر، عن ابن عمر، به.

وهو في المطبوع من أمالي ابن مردويه (ص164) برقم (22)، لكن وقع في المطبوع: "عن عمر رضي الله عنه"! وهو خطأ، والصواب: "ابن عمر".

وعليه فيكون الحديث عن "سلام الطويل"، ولا دخل لعصمة بن سليمان هنا في هذا الحديث، وكأنه محرّف في النسخة، وكذلك وجود "أبو عصمة حزان البيهقي" محرف كذلك.

فالحديث حديث سلام الطويل وهو متروك الحديث.

قال يحيى بن معين: "وسلام الطويل ليس بشيء".

وقال أحمد بن حنبل: "سلام الطويل منكر الحديث".

وقال البخاري: "سلام بن سلم السعدي الطويل عن زيد العمي: تركوه".

وقال النسائي: "متروك الحديث".

وقال ابن حبان في «المجروحين»: "يروي عن الثقات الموضوعات كأنه كان المعتمد لها".

·       دعوى تشدد بعض أهل النقد!!

ثالثاً: اتفاق أبو حاتم والنسائي والدارقطني على أن إسماعيل بن رافع متروك يدلّ على عدم تشددهم، بل إصابتهم في هذا، بل قال عمرو بن علي الفلاس أيضاً: "إسماعيل بن رافع أبو رافع: منكر الحديث"، وتضعيف ابن حجر له بالحفظ لا يناقض قول هؤلاء الأئمة الذين قالوا بأنه متروك أو منكر الحديث؛ لأن هذه النكارة تأتي من عدم الحفظ وهذا يؤدي إلى ترك حديثه.

وهذا الكلام من الدكتور في أن كلام هؤلاء الأئمة في إسماعيل من تشددهم تمهيداً منه للاحتجاج بهذه الرواية في الحكم النهائي على الحديث كما سيأتي!!

·       قول ابن حجر في الراوي: "ضعيف" في "التقريب":

رابعاً: وكذلك قول الدكتور بأن ابن عدي متشدد في قوله عن "سلام بن سليمان": "منكر الحديث"! فهذا غريب عجيب منه! فإنه إذا لم يعجبه قولا لإمام من الأئمة ينعته بأنه متشدد!! وما هكذا تورد الإبل، بل إن ترجيحه لقول ابن حجر بأنه ضعيف ورد كلام ابن عدي يدل على أنه لم يفهم مصطلح "ضعيف" عند ابن حجر في "التقريب"! وبالاستقراء فإن قول ابن حجر في الراوي في التقريب: "ضعيف" يعني أنه لم يجد ما يجبره، فهو هالك عنده.

خامساً: أما عصمة بن سليمان فلا دخل له في هذا الإسناد.

·       حديث عمر بن الخطاب:

ثم ذكر الدكتور حديث عمر، وساقه من عند الطبراني قال: حدثنا مقدام: حدثنا أسد: حدثنا أبو بكر الداهري، حدثنا ثور بن يزيد، عن خالد بن مهاجر، عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع ولا من كثير تشبع، ابن آدم إذا أصبحت معافى في جسدك آمناً في سربك عندك قوت يومك فعلى الدنيا العفاء).

قال الطبراني: "لا يروى هذا الحديث عن عمر إلا بهذا الإسناد، تفرد به أسد بن موسى".

ثم ترجم لرجال الإسناد، ثم قال في الحكم عليه: "هذا الإسناد خطأ؛ لأن الهيثمي قال في مجمع الزوائد: (رواه الطبراني في الأوسط عن عمر) ا.هـ، وهذا خطأ بل الصواب عن ابن عمر، وذلك للأسباب التالية:

1- كل الرواة الذين رووا عن أسد بن موسى قالوا: عن ابن عمر إلا المقدام وحده الذي قال: عن عمر.

2- مقدام هذا ضعيف بالاتفاق، وقد خالف الثقات الحفاظ أمثال الربيع بن سليمان ومن تابعه؛ كإسماعيل بن إسرائيل فيكون حديثه منكراً حينئذ.

3- خالد بن مهاجر لم يسمع من عمر، وإنما سمع من ابن عمر فقط كما قال ابن حجر في التهذيب، وعلى كل حال فالإسناد ضعيف جداً، لوجود أبي بكر الداهري وهو متروك بالاتفاق ومتهم بالوضع كما بينت سابقاً، وأضف إلى ذلك أن الإسناد منقطع؛ لأن خالداً لم يسمع من عمر" انتهى كلامه.

قلت: أصاب الدكتور في قوله إن هذا الإسناد خطأ. والحديث هو نفسه السابق الذي رُوي عن أسد عن أبي بكر الداهري عن ثور عن خالد عن ابن عمر، والخطأ من مقدام بن داود المصري؛ وكأنه سقط من نسخته: "ابن" فصار الحديث عن عمر، والصواب: "عن ابن عمر".

ولا يصح قول الطبراني بأن الذي تفرد به أسد بن موسى؛ لأنه روي عن أسد على الصواب كما رواه عنه الربيع بن سليمان وإسماعيل بن إسرائيل الرملي ونصر بن مرزوق.

وقد رواه أبو نُعيم في "حلية الأولياء" (6/98) قال: حدثنا سليمان بن أحمد – وهو الطبراني- حدثنا المقدام بن داود: حدثنا أسد بن موسى: حدثنا أبو بكر الداهري، عن ثور، عن خالد بن مهاجر، عن عمر بن الخطاب، به.

قال أبو نُعيم: "غريب من حديث ثور! لم نكتبه إلا من حديث أسد عن أبي بكر".

·       التعليل بعلل متوهمة!

وأما تعليل الدكتور للحديث بالانقطاع أيضاً بين خالد بن مهاجر وعمر وأن خالد بن مهاجر روى عن ابن عمر! ففيه نظر؛ لأن خالداً لم يروه ولا كذلك ثور بن يزيد!

قال الدارقطني في "الغرائب والأفراد" (كما في الأطراف: 3/356) في هذا الحديث رقم (2891): "غريب من حديث ثور بن يزيد! تفرد به أبو بكر الداهري عبدالله بن حكيم عنه"

·       حديث عليّ بن أبي طالب:

ثم ذكر الدكتور حديث عليّ وساقه من "تاريخ جرجان" وحكم عليه بالوضع، وهو كذلك.

·       حكمه على متن الحديث:

وبعد أن أنهى الدكتور الكلام على هذه الأسانيد قال تحت عنوان: "الحكم على متن الحديث": "ومما سبق يتبين لنا أن هذا الحديث حسن لغيره بمجموع طرقه الثلاثة: طريق عبيدالله بن محصن - رضي الله عنه -، وطريق ابن عمر - رضي الله عنه - الأولى - عطية عن عمر-، وطريق ابن عمر - رضي الله عنه - الثالثة - إسماعيل عن خالد، عن ابن عمر -؛ لأن:

1- طريق عبيدالله بن محصن ليس فيها متروك، وليس الإسناد ضعيفاً جداً، بل فيه جهالة سلمة بن عبيدالله، وقد وجد للإسناد شاهداً من طريق خالد عن ابن عمر، من طريق عطية عن ابن عمر، فحينئذ تجبر الجهالة.

2- طريق عطية عن ابن عمر، ليس فيها متروك، وليس الإسناد ضعيفاً جداً، بل فيه ضعفاء يجبر ضعفهم مثل:

* عطية العوفي، وإن كان الأئمة ضعفوه فلم يتركوا حديثه، فقد قال أبو حاتم: "يكتب حديثه"، وما جاء عن ابن حبان من قوله: "لا يكتب حديثه"، فابن حبان معروف بتشدده في الجرح، والأئمة إنما ضعفوه من قبل حفظه؛ فقد قال ابن حجر: ضعيف الحفظ، وقال مرة أخرى: صدوق كثير الخطأ، وفي هذا الحديث تابعه خالد بن مهاجر وهو من رجال مسلم، فيتبين لنا أنه حفظ هذا الحديث ولم يخطئ فيه.

* فضيل بن مرزوق، وإن كان صدوقاً يهم فقد تابعه إسماعيل بن رافع - وإن كان ضعيفاً فلم يترك - متابعة قاصرة في الصحابي، فيتبين لنا أنه لم يهم في هذا الحديث.

* علي بن عابس، وإن كان الأئمة ضعفوه فهم لم يتركوا حديثه كما قال ابن عدي: مع ضعفه يكتب حديثه، وما جاء عن ابن حبان من قوله: فحش خطؤه فبطل الاحتجاج به، فهذا من تشدده في الجرح، وإنما ضعف الأئمة حديثه؛ لأنه كان يخطئ ويهم كما قال ابن حبان، وفي هذا الحديث قد تابعه سلام بن سليمان - وإن كان ضعيفاً فإنه لم يترك - متابعة قاصرة عن ابن عمر، فدل أنه لم يخطئ في هذا الحديث وأنه حفظه.

* أضف إلى ذلك أن هذا الإسناد عن ابن عمر له شاهد يجبره من طريق عبيدالله بن محصن - رضي الله عنه -.

3- طريق خالد بن مهاجر عن ابن عمر، ليس فيه رجل منكر الحديث، بل كلهم ضعفهم يسير يجبر؛ مثل:

* إسماعيل بن رافع، وإن كان الأئمة ضعفوه فهم لم يتركوا حديثه، وما جاء عن أبي حاتم وابن حبان من أنه متروك فهذا من تشددهما في الجرح، ومن ضعفه فغنما ضعفه من قبل حفظه، كما قال ابن حجر: ضعيف الحفظ، وهنا قد تابعه فضيل بن مرزوق - وهو صدوق - متابعة قاصرة عن ابن عمر، فتبين أنه حفظ هذا الحديث.

* سلام بن سليمان، هو ضعيف لم يترك حديثه، وما جاء عن ابن حبان وابن عدي من انه منكر الحديث فهذا من تشددهما في الجرح، وإنما حكموا عليه بالنكارة لأنه لا يتابع على حديثه، وهنا قد تابعه علي بن عابس متابعة قاصرة عن ابن عمر، فدل ذلك أنه حفظ الحديث، وأن للحديث أصلاً يرويه ابن عمر.

* وأضف إلى ذلك، أن هذا الإسناد له شاهد يرويه عبيدالله بن محصن.

وأخيراً اتضح لنا أن حديث: "من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها" ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ المختصر، وهو حسن لغيره، وممن حكم عليه:

1- ابن حبان؛ حيث ذكره في صحيحه.

2- الترمذي؛ حيث قال عقبه: "حسن غريب"، وهذا اللفظ يستعمله الترمذي في الحسن لغيره.

3- الإمام الذهبي؛ حيث قال في تذكرة الحفاظ - بعد سياق طريق أبي الدرداء: لا أعرف هانئاً، وأما المتن فمعروف".

4- الألباني؛ حيث قال في صحيح الترغيب والترهيب: "حديث حسن لغيره".

5- محقق صحيح ابن حبان (الشيخ الأرنؤوط)؛ حيث قال: "هذا حديث حسن بمجموع طرقه". انتهى كلام الدكتور.

·       طريقة عجيبة في الكلام على الأحاديث!!

قلت: هذه الطريقة من الدكتور في الكلام على الحديث من أعجب ما رأيت!!! فغفر الله له ولمن حكّم بحثه هذا!

أولاً: اعتمد الدكتور اعتماداً أساسياً في تحسين هذا الحديث على الطريق الثالثة عن ابن عمر، وقد تبيّن لنا أن في ذاك الإسناد الذي نقله الدكتور من كتاب البيهقي أن فيه "تحريف وسقط"، وأن الحديث تفرد به سلام الطويل وهو متروك الحديث باتفاق أهل العلم.

ومع هذا فسنناقش الدكتور في كل ما ذكره.

·       متى تزول الجهالة عن الراوي؟

ثانياً: لا أدري كيف ستزول جهالة سلمة بن عبيدالله بشاهد عطية عن ابن عمر؟!!

فالمعروف أن الجهالة لا تزول عن الراوي إلا إذا روى عنه اثنان فأكثر، فحينها تزول عنه جهالة العين، وتبقى جهالة الحال.

هذا بالإضافة إلى أن هذا الشاهد الذي ذكره الدكتور لم يصح، فكيف سيزيل الجهالة عن راو في حديث آخر؟!

·       عدم التعرض للاختلاف في صحبة عبيدالله بن محصن!

ولم يتعرض الدكتور لمسألة الاختلاف في صحبة أبيه عبيدالله! ولا كذلك لتفرد مروان بن معاوية به واحتمال أنه دلّسه كما أشار العقيلي، وهذا قصور في البحث العلمي.

ثالثاً: تقوية الحديث بأن إسناد عطية عن ابن عمر ليس فيه متروك، وإنما فيه ضعفاء يجبر ضعفهم، فيه نظر شديد!!

·       المتابعات القاصرة!

فالدكتور قد بنى هذا على مقارنته هذا الإسناد بالإسناد الثالث وأن كل واحد في هذا الإسناد قد تابعه من يساويه في الإسناد الآخر متابعة قاصرة!!

وهذه الطريقة عجيبة جداً في الحكم على الأسانيد توصل بها الدكتور إلى أن هؤلاء الضعفاء - على رأيه - كل واحد منهم قد حفظ هذا الحديث!!!!

الإسناد الأول: علي بن عابس، عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن ابن عمر.

الإسناد الآخر: سلام بن سليمان، عن إسماعيل بن رافع، عن خالد بن مهاجر، عن ابن عمر.

فجعل الدكتور خالد بن المهاجر متابعاً لعطية!

وجعل إسماعيل بن رافع متابعاً لفضيل بن مرزوق!

وجعل سلام بن سليمان متابعاً لعلي بن عابس!

قلت: أما الإسناد الأول فقد تفرد به علي بن عابس، ولم يثبت أن فضيل بن مرزوق رواه، ولا كذلك عطية، فكيف نقويه بالإسناد الآخر الذي قد تبين لنا أنه لا يصح أيضاً؛ لأنه من رواية سلام الطويل، ولم يروه إسماعيل، ولا خالد!

فأين الحفظ من هؤلاء الذين حاول الدكتور أن يقوي الحديث بهم؟!!

وبهذه الطريقة لن يكون لكلام أهل النقد في الرواة أي أثر، ولن يكون هناك إسناد منكر أبداً!!

رابعاً: دندنة الدكتور حول تشدد ابن حبان في الجرح عجيب جداً أيضاً! فهو إذا نقل من الثقات له قال بأنه متساهل، وإذا نقل عنه من الضعفاء قال بأنه متشدد في الجرح! فإذا كان ابن حبان متساهل في التوثيق ومتشدد في الجرح، فكلامه كله غير مقبول! وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم كالذهبي وابن حجر الذي يعتمد الدكتور عليهما!

بل إن أهل العلم يتمسكون بكلامه في الضعفاء لأنه بناه على سبر أحاديث الرواة مع منازعته في تراجم قليلة جداً، لكن لا تصل إلى أن نقول: إنه متشدد في الجرح فلا يقبل!!

وكذلك دندنته عن تشدد أبي حاتم الرازي في مقابلة ما يقوله ابن حجر عن بعض الرواة: "ضعيف"! وقد بينت أنه لا خلاف بين أبي حاتم وابن حجر في هؤلاء؛ لأن قول ابن حجر في الراوي: "ضعيف" في التقريب يعني أنه هالك.

·       متى ينجبر حديث الضعيف؟

خامساً: حاول الدكتور جبر هؤلاء الضعفاء - بحسب رأيه - بأن حديثهم لم يترك وإنما يكتب! ولو سلمنا بهذا فإن حديثهم يكتب للاعتبار، فنظرنا فلم نجد ما يرتقي بحديثهم إلى درجة القبول!

فعلي بن عابس قد تفرد بالحديث عن فضيل بن مرزوق، وعلي قال فيه ابن معين: "ليس بشيء" فلم لم يقبل الدكتور فيه قول ابن حبان: "فحش خطؤه فاستحق الترك"!

أليس قول ابن معين يوافق قول ابن حبان؟!

وقال البرذعي في "سؤالاته لأبي زرعة" (ص429): قلت: علي بن عابس، قال: "منكر الحديث يحدث بمناكير كثيرة عن قوم ثقات".

وعلى فرض أنه يكتب حديثه أي للاعتبار فلم يتابعه أحد عليه، والذي تابعه متابعة قاصرة - كما قال الدكتور - في الحديث الآخر: سلام بن سليمان تبين أنه ليس هو المتابع - مع ضعفه كذلك -.

وبمثل هذا يقال في المتابعات الأخرى التي ذكرها الدكتور؛ لأن هذا الإسناد الأخير من رواية سلام الطويل، وهو متروك، فلم يبق للدكتور إلا الإسناد الأول من طريق علي بن عابس، مع حديث سلمة بن عبيدالله، وكلاهما ضعيف.

فالحديث ليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذهب إليه الدكتور!!

·       مصطلحات الترمذي:

سادساً: قول الدكتور إن الترمذي يستعمل مصطلح: "حسن غريب" في الحسن لغيره فيه نظر! والكتب والرسائل في محاولة الوصول لفهم مصطلحات الترمذي كثيرة، وما زال الخلاف بين أهل العلم فيها، فحمل ذلك على بعض الآراء دون غيرها فيه نظر!

·       الذهبي لم يُحسّن الحديث!

سابعاً: نسبة القول للذهبي بأنه حسنه من أجل قوله: "وأما المتن فمعروف" فيه نظر كذلك.

فالذهبي قال ذلك في حديث أبي الدرداء، ويقصد أن هذا الإسناد ضعيف من حديث أبي الدرداء، والمتن معروف من غير طريقه، وهذا حقّ، فالمشهور من حديث عبيدالله بن محصن، وهذا لا يدل على أنه يُحسّنه.

والخلاصة أن هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وشواهده كلها باطلة منكرة.

وأصله من كلام العابد الزاهد شُميط بن عجلان كما بينته في البحث المذكور آنفاً، ولله الحمد والمنة.

·       بحث الحديث دراية:

ثم ذكر الدكتور في الفصل الثاني من بحثه: "بحث الحديث دراية"، فذكر معنى الحديث الإجمالي، ثم الشرح التفصيلي للحديث، ثم ذكر: "فقه الحديث وما يستنبط منه".

وقبل الخوض في استنباطات الدكتور من هذا الحديث لا بدّ من القول أن الاستنباط في الغالب هو معرفة الأحكام الشرعية من الأحاديث، فهل مثل هذا الحديث الذي لا يعدو أن يكون تذكيراً للمسلم بأن يتقلل من هذه الدنيا فهل يستنبط منه أحكاماً شرعية تتعلق بالحلال والحرام؟!!

ومما استنبطه الدكتور من هذا الحديث الذي صحّ عنده:

1- قال الدكتور: "1- من أصبح آمناً معافى... فقد حيزت الدنيا بحذافيرها، أي: هو ليس بفقير وتحرم عليه المسألة حينئذ..."، ثم ذكر الدكتور حد الفقير واختلاف أهل العلم فيه.

قلت: التحريم مصطلح شرعي متعلق بحكم خطير مرتكبه يعاقب على فعله، فهل من كان عنده قوت يومه وطلب شيئاً يكون بذلك ارتكب محرّماَ؟

إنّ المحرّم هو سُؤال التَّكَثُّرِ، وهو السُّؤَالُ لِقَصْدِ الجَمْعِ من غَيْرِ حَاجَةٍ.

مع التنبيه على أن المقصود بالسؤال في بعض الأحاديث هو مال الصدقة والزكاة دون حاجة.

2- قال الدكتور: "2- من أصبح آمناً معافى... فقد حيزت له الدنيا، أي: هو في نعيم، وسيسأل عنه يوم القيامة...".

قلت: سبحان الله، هل هذا يعدّ من النعيم الذي سيسأل عنه الإنسان يوم القيامة؟!!

3- قال الدكتور: "5- من أصبح آمناً معافى... فقد حيزت له الدنيا، أي: حيزت له الدنيا فقط، أما الآخرة فلا، فعليه أن يعمل لها...".

قلت: وهل هذا استنباط سليم من هذا الحديث؟!

فالله المستعان.

الحديث - لو صح - ليس فيه أكثر من إرشاد الناس إلى التقلل من الدنيا وعدم الحرص عليها، والعمل للآخرة بالطاعات، وعدم الركون إلى هذه الفانية بجمع المال وغيره.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك.

6 جمادى الأولى 1433هـ.

 

شاركنا تعليقك