الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

تساهل الترمذي في تصحيح الأحاديث!!

تساهل الترمذي في تصحيح الأحاديث!!

من المعروف بين أهل العلم وطلبة الحديث أن الترمذي يتساهل في تصحيح الأحاديث في «جامعه»!!

لكن هناك ممن يشتغلون بعلم الحديث يُنكرون ذلك! بل ويرفعون من شأن تصحيح الترمذي! وبعضهم يوازيه بالبخاري ومسلم!!

وهذا قول ليس بصحيح لمن أدمن النظر في "جامع الترمذي" وطريقته في التصحيح!!

بل الصواب أنه متساهل في التصحيح، وإن رفض بعض أهل العلم أو ممن يشتغل بالحديث هذا الأمر!!

وهو - رحمه الله - أحياناً ينقل تعليل البخاري لبعض الأحاديث، ثم يصححها في كتابه!!

وقد يكون للحديث علّة، ويصحح الحديث أيضاً!!

والأمثلة على ذلك كثيرة، وهذا مثال من ذلك، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.

خرّج الترمذي في «جامعه» (1753) قال: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ نَصْرٍ، قالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ المُبَارَكِ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غُيِّرَ بِهِ الشَّيْبُ الحِنَّاءُ وَالكَتَمُ».

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

قلت:

وهذا الحديث رواه جماعة عن الأجلح - وهو: ابن عبدالله بن حُجية الكندي-، منهم: عبدالله بن إدريس [عند أحمد في مسنده: (21337)]، وابن نُمير [عند أحمد في مسنده: (21362)]، ويحيى بن سعيد القطان [عند أحمد في مسنده: (21386)]، وسفيان الثوري، وجعفر بن عون [عند الطحاوي في شرح مشكل الآثار: (3681)].

ورواه أيضاً عَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ، وأَبُو أُسَامَةَ حماد بن أسامة، عَنِ الْأَجْلَحَ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ. [كما عند البزار في مسنده (3922)].

فزادا فيه: "يحيى بن يعمر"!

والعجب كيف يصححه الترمذي! وهو من رواية الأجلح!! وهو ليس بالقوي!

قال ابن معين: "ثقة"، وقال مرة: "صالح"، وقال مرة: "ليس به بأس".

وقال العجلي: "كوفي ثقة".

وقال ابن المديني: قلت ليحيى بن سعيد القطان: أجلح؟ قال: "في نفسي منه".

وقال أبو طالب: قال أحمد بن حنبل: "أجلح ومجالد متقاربان في الحديث، فقد روى أجلح غير حديث منكر".

وقال أبو حاتم الرازي: "الأجلح ليّن، ليس بالقوي، يُكتب حديثه ولا يحتج به".

وقال الجوزجاني السعدي: "الأجلح مُفتر".

وقال أبو داود: "ضعيف"، وقال مرة: "زكريا أرفع منه بمائة درجة".

وقال ابن سعد: "كان ضعيفا جدا".

وذكره ابن حبان في «المجروحين»، وقال: "كانَ لا يدرك مَا يَقُول: يَجْعَل أَبَا سُفْيَان أَبَا الزُّبَيْر ويقلب الْأَسَامِي هكَذَا"، ثم روى إلى يحيى بن سَعِيدٍ القطان، قال: "ما كَانَ الأَجْلَحُ يَفْصِلُ بَيْنَ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ وَبَيْنَ الحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: حدثَنَا حَبِيبُ بنُ أَبِي ثَابِتٍ قال: كُنَّا عِنْدَ الحُسَيْنِ بن علي، فقال: لا طْلَاق إلا بْعَد النِّكَاحِ".

وذكره ابن عدي في «الكامل»، وذكر له هذا الحديث في ترجمته، ثم قال: "وأَجْلَحُ بنُ عَبداللَّهِ لَهُ أَحَادِيثُ صَالِحَةٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ، يَرْوِي عَنْهُ الْكُوفِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ، ولَمْ أجد له شيئا منكرا مجاوز لِلْحَدِّ لا إِسْنَادًا، ولاَ مَتْنًا، وهو أَرْجُو أَنَّهُ لا بَأْسَ بِهِ إِلا أَنَّهُ يُعَدُّ فِي شِيعَةِ الكُوفَةِ، وَهو عِنْدِي مُسْتَقِيمُ الحَدِيثِ صَدُوقٌ".

قلت:

هو ليس بالقوي في الحديث، وروايته للمناكير = يعني أنه يخطئ في الأسانيد! وهو قد سمع من عبدالله بن بريدة، وقد وهم عليه في إسناد هذا الحديث!! فرواه عنه عن أبي الأسود عن أبي ذر! ورواه مرة عنه عن يحيى بن يعمر عن أبي الأسود عن أبي ذر!!

ورواه مرة عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فكان الأجلح يضطرب فيه، وسلك فيه الجادة فوهم!!

والصواب ما رواه كَهْمَس بن الحسن البصري، عن عبدالله بن بريدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ الحِنَّاءُ والكَتَمُ»، مرسلاً.

وقد بيّن ابن سعد في «الطبقات» الرواية الصحيحة فيه من خلال تخريجه لهذا الحديث في كتابه، فإنه رواه أولاً عن عَبْداللَّهِ بن نُمَيْرٍ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ: الحِنَّاءُ والكَتَمُ».

ثم رواه عن عَبْدالوَهَّابِ بن عَطَاءٍ الخفاف البصري، عن المَسْعُودِيّ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قال: «أَحْسَنُ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ: الحِنَّاءُ والكَتَمُ».

ثم رواه عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ الأَنْصَارِيّ، عن كَهْمَس، عن عبدالله بن بريدة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشَّيْبَ الحِنَّاءُ والكَتَمُ».

فالظاهر أن ابن سعد أراد بيان وهم الأجلح فيه، واضطرابه، وأن الصواب ما رواه كهمس عن عبدالله بن بريدة.

والمسعودي الذي يروي عن الأجلح هنا هو: عبدالرحمن المسعودي، وقد نصّ على ذلك الدارقطني كما سيأتي، قال: "ورَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ المَسْعُودِيِّ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم".

والمسعودي كان قد اختلط! فيحتمل أن هذا الوهم منه لا من الأجلح؛ لأن معظم الرواة عن الأجلح رووه عنه عن ابن بريدة عن أبي الأسود عن أبي ذر!

ولا يُقال هنا أن المسعودي هو: القاسم بن معن المسعودي القاضي الكوفي؛ لأنه يروي عن الأجلح.

وهو قد رواه عن الأجلح كما رواه غيره.

رواه الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (1/166) من طريق أمية بن خالد، قال: حدثنا القَاسِم بن مَعْن وبديل بن وَضَّاح قالا: حَدَّثَنا الأَجْلَح، عن ابن بريدة، عَن أبي الأسود، عَن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم».

وعبدالرحمن المسعودي (ت 160هـ)، والقاسم بن معن المَسْعُودِيّ القاضي الكوفي (ت 175هـ) وهو ابن أخي القاسم بن عَبْدالرَّحْمَنِ المسعودي.

وقد رُوي الحديث أيضاً عن الجُريري، عن عبدالله بن بريدة، عن أبي الأسود، عن أبي ذر! وهذه متابعة لإحدى روايات الأجلح!!

لكن هذه المتابعة لا يُفرح بها! فالأجلح قد اضطرب فيه على وجوه! ورواية الجٌريري اختلف فيه عليها، وكان قد اختلط!

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ، عن مَعْمَر، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرَ هَذَا الشَّعْرَ الْحِنَّاءُ وَالْكَتَمُ».

قال الطبراني: "لم يَرو هذا الحديث عن الجريري إلا معمر"!

وقال الدارقطني: "تفرد به معمر عن الجريري وأغرب به"!

وسماع معمر من الجريري قبل الاختلاط، وقد خولف معمر فيه.

خالفه عبدالوارث بن سعيد البصري، فرواه عن الجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.

وعبدالوارث سمع من الجريري قبل اختلاطه.

فإما أن يكون الجريري حدّث به مرة فضبطه، ووهم فيه مرة، على أن الأرجح عندي أن معمراً هو من وهم فيه، فسلك فيه الجادة، ولم يضبطه!!

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (6/167) (2418): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رواه عبدالرزَّاق، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الجُرَيْرِي، عَنْ عبدالله بن بُرَيدة، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الدِّيْلي، عَنْ أَبِي ذَر؛ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بهِ الشَّيْبَ الحِنَّاءُ واكَتَمُ»؟

قال أَبِي: "إِنَّمَا هُوَ: الأَجْلَح؛ ولَيْسَ للجُرَيري مَعْنًى".

قلت: فكأن أبا حاتم يرى أن معمراً وهم فيه! والصواب أنه عن الأجلح، عن ابن بريدة، بهذا الإسناد!!

وهذا لا يصح! لأن عبدالوارث رواه عن الجريري، ووافق معمراً في روايته عنه إلا أن معمراً أخطأ في إسناده!

وعليه فإن للجريري فيه معنى، لا كما قال أبو حاتم، والله أعلم.

وقد سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (6/277) (1136) عَنْ حَدِيثِ أَبِي الْأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحْسَنَ مَا غَيَّرْتُمْ بِهِ الشيب الحناء والكَتَمُ»؟

فقال:

"يَرْوِيهِ عَبْدُاللَّهِ بنُ بُرَيْدَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ سَعِيدٌ الجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أبي ذر.

تَفَرَّدَ بِهِ مَعْمَرُ بنُ رَاشِدٍ عَنْهُ، وأَغْرَبَ بِهِ.

ورَوَاهُ الْأَجْلَحُ بنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَعَلِيُّ بنُ صَالِحٍ، ويَحْيَى الْقَطَّانُ، وَزُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مِغْرَاءَ أَبُو زُهَيْرٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.

ورَوَاهُ أَبُو حَنِيفَةَ، عَنِ الْأَجلَحِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ المُقْرِيُّ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ أَبِي حُجَيَّةَ، وهُوَ أَجْلَحُ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُحَمَّدُ بنُ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ.

وغَيْرُهُ يَرْوِيهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ أَبِي حُجَيَّةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا ابْنَ بُرَيْدَةَ.

ورَوَاهُ ابنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ المَسْعُودِيِّ، عَنِ الْأَجْلَحِ، فقالَ عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.

وَالصَّوَابُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ...

وَقِيلَ: عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنِ الْأَجْلَحِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِي حَرْبِ بنِ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، وَلَا يَصِحُّ".

قلت:

تصويب الدارقطني لرواية من رواه عن الأجلح عن ابن بريدة، عن أبي الأسود، عن أبي ذر، لا يعني أنه يصحح الحديث، لكنه يُرجّح هذا الإسناد على غيره من الأسانيد التي ذكرها!

والغريب أنه لم يقف على رواية عبدالوارث عن الجريري التي تُعلّ رواية معمر عن الجريري!!

والخلاصة أن الصواب في رواية هذا الحديث عن عبدالله بن بريدة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.

وقد أخطأ الترمذي في تصحيحه!!

وكتب: خالد الحايك.

 

شاركنا تعليقك