الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

من علل أحاديث الوِجادة.

من علل أحاديث الوِجادة.

 

بقلم: خالد الحايك.

 

أخرج الطبراني في ((المعجم الكبير)) (2/220) رقم (1906) عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، وفي ((المعجم الصغير)) (1/180) رقم (285) عن إسحاق بن الخليل البغدادي، كلاهما عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال: وجدت في كتاب أبي بخطه حدثنا شعبة، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله عليه وسلم: ((اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان)).

قال الطبراني في ((المعجم الصغير)): "لم يروه عن شعبة إلا محمد بن أبي شيبة".

قلت: هذا الحديث عن شعبة غريب! تفرد به محمد بن أبي شيبة! وكلام الطبراني يدل على تعليله له؛ فإن محمد بن أبي شيبة والد أبي بكر -وإن كان صدوقاً- إلا أنه لايقبل منه لأن أصحاب شعبة المكثرين لم يرووه عنه!!

وللحديث علة أخرى، وهي الوجادة! -والوجادة وإن كانت معتبرة عند العلماء لكنها لا تقبل هكذا بإطلاق؛ فنحن لا نعلم هل سمع محمداً هذا الحديث من شعبة أم وقع له خطأ فيه! فلو كان عند شعبة لرواه عنه أصحابه الملازمين له. ورواية الطيالسي للحديث عن شريك –كما سيأتي- ترجح ذلك؛ لأن أبا داود الطيالسي صاحب شعبة، فلو كان الحديث عند شعبة لسمعه منه. والظاهر أن محمد بن أبي شيبة لم يسمعه من شعبة، ولم يحدث شعبة به! وتفرد محمد بن إبراهيم بن أبي شيبة عن شعبة لا يقبل، وهو صدوق ولم يخرج له سوى النسائي، فأخرج له حديثاً واحداً فقط! ومولده سنة (105هـ) ووفاته سنة (182هـ) وحديثه الذي خرج عنه قليل جداً! ولم يسمع منه ابنه أبو بكر صاحب المصنف، وهو يروي عنه وجادة.

وهذا الحديث مشهور عن سماك عن جابر بن سمرة.

أخرجه الطيالسي في ((مسنده)) (1/106)  رقم (778) عن شريك عن سماك عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر)).

وأخرجه أحمد في ((المسند)) (5/86) و (5/88) عن سليمان بن داود عن شريك به.

وأخرجه عبدالله بن أحمد في ((زياداته على المسند)) (5/98) عن محمد بن أبي غالب، عن عبدالرحمن بن شريك، قال: حدثني أبي، عن سماك عن جابر بن سمرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وتر، فإني قد رأيتها فنسيتها وهي ليلة مطر وريح أو قال قطر وريح)).

قلت: فالحديث مشهور عن شريك، فيحتمل أن محمد بن أبي شيبة رواه عن شريك فَكَتبه في كتابه ((عن شريك)) فقرأه ابنه أبو بكر ((عن شعبة)) فتصحف عليه، فأخطأ في القراءة، وهذا ليس ببعيد؛ لأن طرق الكتابة آنذاك كانت صعبة جداً! فإن صح ظني هذا فتكون العهدة على أبي بكر لا على أبيه، والله أعلم.

ولم يذكر أحد ممن ترجم لمحمد بن أبي شيبة (105-182هـ) أنه سمع من شريك، وكذلك لم يذكروا في ترجمة شريك أن محمداً سمع منه، واحتمال سماعه منه متحقق، فإن شريكاً قد ولد سنة (95هـ)، وتوفي سنة (177هـ)، وكلاهما كوفي، وكلاهما قاض، وقد سمع ابنه أبو بكر (159-235هـ) من شريك، فإذا كان الابن سمع من شريك فسماع الأب من شريك متحقق دون أدنى شك. وأبو بكر بن أبي شيبة من آخر من روى عن شريك فسمع منه وسِنُّه (14) عاماً (تهذيب الكمال: 16/39-40)، وهذا يدل على أن شريكا كان يحدث إلى آواخر عمره، وكان عبدالله بن أحمد قد رحل إلى أبي بكر بن أبي شيبة وسمع منه أحاديث عن شريك، فلما رجع عبدالله إلى أبيه الإمام أحمد أراه هذه الأحاديث عن شريك فأعجبته، وقال: "لو كان أبو بكر هنا لسمعناها منه".

وقد تابع شريكاً في روايته عن سماك: أسباط بن نصر. رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (2/250) رقم (8672) و (2/326) رقم (9538) عن عمرو بن حماد بن طلحة عن أسباط به.

وقد ذكر الهيثمي هذا الحديث في ((مجمع الزوائد)) (3/177)، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط عن أبي بكر بن أبي شيبة وجادة عن خط أبيه، ورجاله ثقات".

قلت: لم يروه الطبراني في الأوسط بل رواه في الكبير والصغير كما تقدم. ورجاله ثقات كما قال، ولكن الهيثمي لا يحسن التعليل فتغيب عنه العلل، ونظرته إلى الأحاديث سطحية جداً!

وقد أشار الدكتور محمد بن عبدالمحسن التركي محقق ((مسند الطيالسي)) إلى أن رواية شعبة هي متابعة لرواية شريك عن سماك، وعزاها لابن أبي شيبة والطبراني (2/133).

قلت: هذه الرواية عن شعبة لم تصح! فشعبة لم يروها عن سماك، وهي خطأ عليه؛ فكيف عدها الدكتور متابعة؟!! وكذلك فإن عزوه هذه الرواية لابن أبي شيبة يوهم أنه خرجها في ((مصنفه)) وليس كذلك؛ فإنه لم يخرجها فيه. وإنما رواها الطبراني من طريقه؛ وكأن ابن أبي شيبة أملاها على تلامذته، والله أعلم.

 

وكتب: خالد الحايك.

شاركنا تعليقك