الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

تعقّب الألباني في تصحيحه للحديث المنكر! الذي فيه أن أبا بكر وعمر اغتابا أحد الصحابة!! وفيه: «قد ائتدما... بلحم أخيكما»!

تعقّب الألباني في تصحيحه للحديث المنكر! الذي فيه أن أبا بكر وعمر اغتابا أحد الصحابة!! وفيه: «قد ائتدما... بلحم أخيكما»!

 

ذكر الألباني في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» برقم (2608) "والذي نفسي بيده إني لأرى لحمه بين أنيابكما. يعني لحم الذي استغاباه".

قال: "أخرجه الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (186) والضياء المقدسي في "المختارة" (2/33 /2) من طرق عن أبي بدر عباد بن الوليد الغبري: حدثنا حبان بن هلال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: "كانت العرب تخدم بعضها بعضا في الأسفار، وكان مع أبي بكر وعمر رجل يخدمهما، فناما، فاستيقظا، ولم يهيئ لهما طعاما، فقال أحدهما لصاحبه: إن هذا ليوائم نوم نبيكم صلى الله عليه وسلم (وفي رواية: ليوائم نوم بيتكم) فأيقظاه فقالا: ائت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقل له: إن أبا بكر وعمر يقرئانك السلام، وهما يستأدمانك. فقال: أقرهما السلام، وأخبرهما أنهما قد ائتدما! ففزعا، فجاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالا: يا رسول الله! بعثنا إليك نستأدمك، فقلت: قد ائتدما. فبأي شيء ائتدمنا؟ قال: بلحم أخيكما، والذي نفسي (فذكره) قالا: فاستغفر لنا، قال: هو فليستغفر لكما".

قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي بدر الغبري، قال أبو حاتم وتبعه الحافظ: "صدوق". وذكره ابن حبان في "الثقات". وروى عنه جمع من الحفاظ الثقات، وقد توبع، فقال الضياء عقبه: "وقد رواه عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي يعلى: أن العرب كانت تخدم بعضهم بعضا في الأسفار. فذكره. قيل: (الموائمة) : الموافقة، ومعناه أن هذا النوم يشبه نوم البيت لا نوم السفر، عابوه بكثرة النوم".

وله شاهد مرسل في "التوبيخ" (243) عن السدي، وهو إسماعيل بن عبدالرحمن. والسند إليه ضعيف" انتهى كلام الألباني.

قلت: هذا حديث منكرٌ!!

وعلى كلام الألباني ملحوظات:

أولاً: قوله: "من طرق عن أبي بدر..."! فيه نظر!!

فالخرائطي قال: "قالَ أَبُو بَدْرٍ عَبَّادُ بنُ الوَلِيدِ بنِ الغُبَرِيِّ: ثنا حَبَّانُ...".

فعلّقه وعباد من شيوخه، وله روايات كثيرة عنه، فكان الأولى بالشيخ أن يقول: "أخرجه الخرائطي عن أبي بدر...".

وأما الحافظ الضياء فقد رواه بإسناده إلى أَبي مُحَمَّدٍ عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي شُرَيْحٍ، عن أَبي مُحَمَّدٍ يَحْيَى بن مُحَمَّدِ بنِ صَاعِدٍ، قال: أخبرنَا أَبُو بَدْرٍ عَبَّادُ بنُ الْوَلِيدِ الغُبَرِيُّ.. ثم ساقه.

فقد تابع ابن صاعد الخرائطي في روايته عن أبي بدر.

ثانياً: قوله: "وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي بدر الغبري" فيه نظر!! فإسناده ليس بصحيح! بل ضعيف! بل معلول كما سيأتي بيانه.

ثالثاً: قوله: "قال أبو حاتم وتبعه الحافظ: صدوق"! فيه وهم! فالذي قال عنه "صدوق" هو ابن أبي حاتم، وأبو حاتم إنما ضعّفه!!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/88): "سمعت منه مع أبي وهو صدوق"، ثم قال: سئل أبي عنه؟ فقال: "شيخ".

فقول أبي حاتم فيه: "شيخ"، وهذه من مراتب التضعيف كما بيّنها ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه (2/37)، فإنه قال: "ووجدت الألفاظ في الجرح والتعديل على مراتب شتى، وإذا قيل للواحد إنه ثقة أو متقن ثبت فهو ممن يحتج بحديثه، وإذا قيل له إنه صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه وهي المنزلة الثانية، وإذا قيل شيخ فهو بالمنزلة الثالثة يكتب حديثه وينظر فيه إلا أنه دون الثانية...".

فذكر هنا أن مرتبة من قيل فيه "صدوق" ومن قيل فيه "شيخ" ممن يكتب حديثهما وينظر فيه، إلا أن مرتبة "شيخ" دون مرتبة "صدوق"!

وعندما ننظر في حديث أبي بدر نجد أنّ غيره يخالفه! فحديثه لا يُحتح به إلا إذا توبع عليه من ثقة.

رابعاً: قوله: "وروى عنه جمع من الحفاظ الثقات" أراد بذلك رفع مرتبة الراوي للاحتجاج به! وهذا لا يرفع من مرتبة الراوي الحقيقية! فكم من حافظ روى عن ضعفاء!

وهؤلاء الحفاظ الذين رووا عنه من الحفاظ المتأخرين والذين كانوا يجمعون ما يقع لهم من روايات سواء كانت صحيحة أم ضعيفة.

ومن هؤلاء الذين رووا عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، وأحمد بن علي الأبار، ويحيى بن صاعد، وإسماعيل بن العباس الوراق، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد.

خامساً: قوله: "وقد توبع، فقال الضياء عقبه: وقد رواه عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبدالرحمن بن أبي يعلى: أن العرب كانت تخدم بعضهم بعضا في الأسفار". ليس بصحيح!!!

ولم يُتابع عباد بن الوليد في روايته هذه!! وكلام الضياء ليس فيه متابعة لعباد! بل فيه تعليل لروايته!

فأبو بدر عباد بن الوليد الغبري يروي الحديث عن حبان بن هلال عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس.

ورَوَاهُ عَفَّانُ بنُ مُسْلِمٍ عن حَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى: أَنَّ العَرَبَ كَانَتْ تَخْدُمُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا فِي الأَسْفَارِ فَذَكَرَهُ.. مرسلاً.

فعباد أخطأ فيه وسلك الجادة المعروفة: "حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس"، أخطأ على حبان بن هلال، وقد بيّنت رواية عفّان عن حماد هذا الوهم، فالحديث مرسل ليس فيه: "أنس بن مالك".

*تنبيه: وقد وقع في كتاب الألباني: "عبدالرحمن بن أبي يعلى"! وهو تحريف، والصواب: "بن أبي ليلى".

سادساً: الشاهد المرسل الضعيف الذي ذكره الشيخ يدلّ على انتشار هذا المرسل بين الناس!

والحديث رواه أبو الشيخ الأصبهاني في «التوبيخ والتنبيه» من طريق أَسْبَاط بن نصر الكوفي، عَنِ إسماعيل بن عبدالرحمن السُّدِّيّ، قال: زُعِمَ أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ مَعَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ يَخْدِمُهُمَا، وَيخِفُّ بِهِمَا، وَيَنَالُ مِنْ طَعَامِهِمَا، وَأَنَّ سَلْمَانَ لَمَّا سَارَ النَّاسُ ذَاتَ يَوْمٍ، بَقِيَ سَلْمَانُ نَائِمًا، لَمْ يَسِرْ مَعَهُمْ، فَنَزَلَ صَاحِبَاهُ، فَطَلَبَاهُ، فَلَمْ يَجِدَاهُ، فَضَرَبَا الْخِبَاءَ، فَقَالَا: مَا يُرِيدُ هَذَا الْعَبْدُ إِلَّا أَنْ يَجِيءَ إِلَى طَعَامٍ مُعَدٍّ، وَخِبَاءٍ مَضْرُوبٍ؟ فَلَمَّا جَاءَ سَلْمَانُ، أَرْسَلَاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَهُ قَدَحٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَعَثَنِي أَصْحَابِي لِتُؤْدِمَهُمْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ، قَالَ: «مَا يَصْنَعُ أَصْحَابُكَ بِالْأَدَمِ؟ قَدِ ائْتَدَمُوا» ، فَرَجَعَ سَلْمَانُ فَأَخْبَرَهُمَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أَصَبْنَا طَعَامًا مُنْذُ نَزَلْنَا، قَالَ: «إِنَّكُمَا قَدِ ائْتَدَمْتُمَا بِسَلْمَانَ بِقَوْلِكُمَا» ، فَنَزَلَتْ: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا} «إِنَّهُ كَانَ نَائِمًا».

 

وكتب: خالد الحايك.

8 شعبان 1439هـ.

 

شاركنا تعليقك