الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

إِتحاف مَنْ سَألَ وتَجشَّم، وإنصاف من عَتِب وتَبرَّم، بإلجامِ مَنْ تَزَبَّبَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَصْرَم!

إِتحاف مَنْ سَألَ وتَجشَّم، وإنصاف من عَتِب وتَبرَّم، بإلجامِ مَنْ تَزَبَّبَ قَبْلَ أَنْ يَتَحَصْرَم!

[رد اعتراضات بعضهم على تضعيف حديث الولي]!

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، ولا عُدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فقد وقفت على تسجيلٍ لأحد طلبة علم الحديث بعنوان: "خاطرة عن حديث الولي في البخاري"، يرد فيه على تضعيفي للحديث، فاستمعت إليه، ورأيت أن الأخ الفاضل لم يأت بدليل ولا حجة، بل ولا نصف حجة في دحض أدلتي في تضعيف الحديث!

ولمست عنده بعض الاطلاع، لكنه أتى بأشياء لا علاقة لها بموضوع رد حُجج تضعيف الحديث، ورأيت أنه يحتاج إلى أن يتأصل في منهج الردود، وأن يُحرر محل النزاع؛ فإنه يسوق في الرد ما هو خارجه!

ومما رأيته عنده أنه يُقرر أشياء متوهمة من بنات أفكاره، ولا أدلة عليها، ومن يستمع له ممن لا خبرة عندهم بأصول العلم يظن أن هذه التقريرات صحيحة عند العلماء، وليست كذلك!

وهو حقيقة لا يستاهل الرد؛ لأنه بنى كلامه على أغلوطات، وأوهام وخيالات، وعدم خبرة وتمرّس في هذا العلم، ولولا الطلب الحثيث من بعض الإخوة ممن اطلعوا على هذا التسجيل، وهم ممن لا نرد لهم طلباً لما ناقشته؛ فاستعنت بالله، وسألته سبحانه أن يفتح علينا، إنه هو الفتّاح العليم.

وسأتناول الحجج التي أتى بها في الرد على حججي، ثم أناقشها في فقرات – إن شاء الله تعالى -.

 

*ذكر الأخ أن حديث الولي أُعلّ بعلل، وسيذكر شيئاً منها، ثم الجواب عنها.

قال: "منها: إن هذا الحديث غريب فرد متأخر، ومن عادة الحفاظ أن الحديث الفرد في تلك الطبقة يُرد، ويُستنكر!

والرد: يُقال بأن هذه القاعدة: رد الحديث بالغرابة قاعدة صحيحة مستقيمة، فكيف ندفع هذه العلة؟

نقول: إن كل راو من الرواة لمّا يُحدّث بالحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكون له كُتب، يُدوّن فيها حديثه، ويُجمع فيها ما أسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهل كل هذه الأحاديث التي يُحدث بها هذا الراوي، هل لا بدّ أن تخرج كلها؟ لا، لا يلزم هذا، فربما يكون عند الراوي ألف حديث، فيحدث بمئتي حديث، ولا يُخرج حديثه كله، من ذلك حديث هشام الدَّسْتُوَائِيِّ لما قال عنه ابنه هشام بن معاذ: عند والدي عشرة آلاف حديث، فلما سمعوا بهذا ضحكوا - علي بن المديني - فلموا رجعوا إلى البصرة فإذا هو كما قال، فكثير من هذه الأحاديث التي يُحدّث بها معاذ بن هشام إنما هي من كتب أبيه".

قلت:

·       القواعد أغلبية، والاستثناء منها يكون بدليل أو قرينة!

أولاً: سيرى القارئ طريقة هذا الأخ بأنه يُقرر بعض القواعد الحديثية المتفق عليها كقاعدة رد الحديث الفرد المتأخر، ثم يأخذ في الاستثناءات، أو دفع هذه القواعد بما لا علاقة له بها!

نعم، هذه القواعد أغلبية، لكن استثناء شيء منها لا بدّ أن يكون بقرينة، ونحو ذلك.

ثانياً: قوله: "كل راو له كتب..." فكل من ألفاظ العموم = وهذا يعني أن كل الرواة لهم كتب بلا استثناء! وهذه مغالطة كبيرة جداً! فمن أين له بهذا الكلام؟!

ألا يعرف الأخ أن السلف كانوا يختلفون في مسألة كتابة الحديث منذ عصر الصحابة رضي الله عنهم، وأنصحه بكتاب «تقييد العلم» للخطيب البغدادي ليقف على هذه المسألة.

وحتى لما استقر عند جماعة من أهل العلم كتابة الحديث إلا أن جماعة كبيرة أيضاً رفضوا الكتابة واتكلوا على حفظهم حتى في العصور المتقدمة.

وحتى بعض الذين كان عندهم كتب كانوا يحدثون من حفظهم، وربما لا يرجعون لكتبهم، فالمسألة لا يمكن ضبطها بله أن يُقرر بأن كل أهل الحديث كان عندهم كتب! فهذا محض خيالات!

·       قياس فاسد، وفهم ما ينقله العلماء!

ثالثاً: مسألة أن يكون عند الراوي مئات الأحاديث، ولا يُحدث إلا بجزء منها هذا موجود، لكنه نادر إذ الرواة لا يتركون الشيوخ حتى يستخرجوا كثيراً مما عندهم.

والمثال الذي أتى به الأخ حالة يريد أن يسحب عليها كل الرواة وليس كذلك! فهذا قياس فاسد!

روى ابن عدي في «الكامل» (10/41) من طريق عباس بن عبدالعظيم العنبري قال: سَمعتُ علي بن المديني يقول: سَمِعْتُ مُعَاذَ بنَ هِشَامٍ بِمَكَّةَ يَقُوْلُ: يعني وسأله: مَا عِنْدَكَ؟ قَالَ: عِنْدِي عَشْرَةُ آلاَفٍ، فَأَنْكَرْنَا عَلَيْهِ، وَسَخِرْنَا مِنْهُ، فَلَمَّا جِئْنَا إِلَى البَصْرَةِ، أَخْرَجَ إِلَيْنَا مِنَ الكُتُبِ نَحْواً مِمَّا قَالَ -يَعْنِي: عَنْ أَبِيْهِ-. فَقَالَ: هَذَا سَمِعْتُهُ، وَهَذَا لَمْ أَسْمَعْهُ، فَجَعَلَ يُمَيِّزُهَا.

قلت: نعم، هشام عنده كتب والده، وكان يُحدِّث عنه، لكن قد ميّز لهم ما سمعه مما لم يسمعه، وإخراج كتب أبيه لابن المديني وغيره من أهل الحديث يعني أنهم اطلعوا على الحديث الذي عند والده، فربما انتقوا من تلك الأحاديث وحدثهم بها، فلا يلزم أن يُحدث بكل ما عنده، فلعل كثيراً مما عنده عند غيره.

ثم إن هذا الحديث الذي أخبر به هشام عن أبيه قد قُيّد في رواية أخرى رواها ابن عدي قبل هذه من طريق عباس العنبري، قال: سَمعتُ علي بن المديني، يقول: سمعت معاذ بن هشام، يقول: "سمع أبي عن قتادة عشرة آلاف حديث".

فقيّد هنا هذه الأحاديث مما سمعه أبوه من قتادة، وقتادة كان كثير الحديث، وهذا الكمّ الكبير يدخله المسند، والموقوف والمرسل، وأقوال قتادة، والعشرات سمعوا من قتادة وحدثوا عنه، فعدم تحديث معاذ بما عنده من كتب والده لا علاقة له بموضوع الحديث الذي يتكلم عليه الأخ.

ثم ما هكذا نتعامل مع قصص وحكايات أهل النقد، فمع ما قاله معاذ عن كتب أبيه إلا أن كثيراً من أئمة النقد قد تكلّموا في معاذ.

قال أَبُو الحسن الميموني: سمعت أَبَا عَبداللَّهِ، وسمعَ مَنْ يُكَثِّرُهُ– أي: معاذ - فِي الحَدِيْثِ وَالفِقْهِ، فقال أَبُو عَبْداللَّهِ: وأي شيء عنده من الحديث؟ - لا يقصد هنا الكثرة، وإنما جودة حديثه.

قال الميموني: وسمعت أَحْمَد بْن حنبل يقول: "ما كتبت عنه إلا مجلساً سبعة عشر حديثاً أو ثمانية عشر حديثاً". [تهذيب الكمال: (28/141)].

قلت: وهذا يعني أن حديثه لم يكن مرغوباً عندهم.

 

*قال الأخ: فسليمان بن بلال ههنا وهو ثقة جيد الحديث، وهو حديث غريب عنه، لكن لو استحضرنا أن للرواة أصول يُرجع إليها فحينئذ ننفي الغرابة عن هذه الأحاديث، فسليمان بن بلال أصوله محفوظة عند الحفاظ، ولقائل يقول: إيش الحجة على ما تقول، أنت الآن تتخرص، ما يدريك أن هذا الحديث في أصله؟ نقول أن من عادة المحدثين أن الراوي إذا مات كتبه تقع لأبنائه، وهذا كثير لمن نظر في تراجم القوم، يعني مثلاً: صحيفة سليمان اليشكري، هذه وقعت عند أهله وتناولها الناس، وحديث سَمره بن جندب وقعت عند أبنائه، ورواها الحسن وفي آخرين، وحديث هشام الدستوائي وقع عند ابنه وتداولها الناس، كذلك إبراهيم بن سعد، الحفاظ نظروا في أصله عند ابنه يعقوب، وقِس على هذا، ولا تذهب بعيداً، انظر إلى أصل أحمد بن حنبل، قال عبدالله: وجدت بخط أبي... عند أبي بخطه... وأيضاً أصول أبي حاتم وأبي زُرعة نظر فيها ابن أبي حاتم.

وأيضاً سليمان بن بلال له ابن يقال له: أيوب بن سليمان بن بلال أدركه البخاري، وحدث عنه محمد بن يحيى الذهلي وأبو حاتم الرازي، ولم يكن مشهوراً في التحديث، وذلك أن الرواة عنه ليسوا بالكثرة، ولذلك تلحظ أن حديثه جليل، ومع ذلك ما انتشر، فتلحظ أن محمد بن نصر المروزي إذا أراد أن يروي من أحاديث سليمان بن بلال ينزل إلى البخاري والذهلي وأضرابه، مع أن محمد بن نصر قديم السماع وإن كان البخاري أسن منه بقليل، لماذا؟ لأنه يحتاج إلى حديث أيوب بن سليمان بن بلال.

فإذا تقرر هذا ننفي علة تفرد محمد بن عثمان عن خالد بن مخلد بأن هذا في أصل الحديث (!) ومثل هذه القرائن نحن لا نستطيع أن نجزم بها...

ثم صار يتحدث عن الأحاديث والطرق التي يذكرها بعض الأئمة ولا نجدها مسندة في الكتب... إلخ".

·       شيوخ القَمْراء!

قلت: هذا كلام لا علاقة له بنفي العلة عن الحديث، والأخ - هداه الله - يذكرني في هذا المقام بشيوخ القَمْراء!

ونقول في الجواب عنه:

أولاً: الأخ يُقرّ بأن هذا الحديث غريب عن سليمان بن بلال، لكن طريقته في نفي الغرابة عنه باستحضار أن للرواة أصولا يُرجع إليها!

·       طريقة جديدة لرفع الغرابة عن الأحاديث بالاستحضار والأمانيّ!

وأظنّ أنّ الأخ لا يعرف معنى نفي الغرابة عن الحديث عند أهل الصنعة! فهل الغرابة تنتفي بالاستحضار والأمانيّ!

نفي الغرابة عند أهل الصنعة هو الإتيان بمتابعات للراوي، أو قرائن تدلّ على أنه حدّث بالحديث.

والأخ يُدندن حول أصول الراوي لتوجيه السامع إلى أن هذا الحديث موجود في أصول سليمان بن بلال! وهذا عجيب! فلو كان موجوداً في أصوله فهل يغيب عن أئمة الحديث؟

فكلامه خبط عشواء، لا يفهمه قائله! فكيف بقارئه أو سامعه!

فإذا قلنا: إن فلاناً لم ينفرد بالحديث = فهذا يعني أن هناك من تابعه، هذه هي مصطلحات أهل الحديث، فمن تابع محمد بن عثمان حتى نقول: لم ينفرد به؟ ومن تابع خالد بن مخلد حتى نقول: لم ينفرد به؟!

ورفع التفرد عنهما بما قاله الأخ - هداه الله - اختراع جديد لو سمعه أهل الحديث لضربوا أكفهم، وقالوا: إنا لله وإنا إليه راجعون! أهذه هي طريقة رفع التفرد؟!

·       التعلق بالهواجس والتخاليط في رد الغرابة!

ثانياً: ظنّ الأخ بأن أصول سليمان بن بلال محفوظة عند الحفاظ! هذا لعمري خيال واسع واضح سيطر عليه الهواجس والتخاليط حتى قرر هذا! وليأتنا بمن قال هذا القول أو بقرينة عليه!

ولو أفنى الأخ عمره في البحث عن هذا لما وجده! فدلّ ذلك على أنه "يتوهّم" الشيء، ثم يقرره، ويكأن له حقيقة!

وهذا لا يفعله إلا من كان ذاهب العقل! أعاذنا الله من ذلك.

وسنخبر الأخ عن أصول بلال هذه قريباً ليعلم هو نفسه قبل غيره أنه كثير الوهم والتخليط، غفر الله له.

·       لا يلزم أن الراوي إذا كانت عنده كتب أن تبقى عند أبنائه!

ثالثاً: ليثبت الأخ أن أصول سليمان محفوظة عند ابنه فإنه قرر بأن عادة المحدثين إذا مات الواحد منهم وقعت كتبه لأبنائه، وهذا في الجملة صحيح إذا كان الأبناء من أهل العلم.

والأخ يريد أن يقرر - طالما أن هذه عادة المحدثين – أن أصول سليمان بقيت في بيته ووقعت لابنه بلال = وهذا يعني أن الحديث في أصوله، فلا غرابة في حديثه!

إذا كانت المقدمات فاسدة، فلا شك أن النتائج تكون أكثر فساداً!

هذه المقدمة التي وضعها الأخ من عادة المحدثين فاسدة في هذا الموضع، فكيف إذا عرفنا أن هذه العادة ليست مطردة، فكثير من أهل الحديث كانت عندهم أصول وبقيت في بيوتهم لكن لم يكن أبناءهم من أهل الحديث حتى يعتنوا بها، وكذلك هناك من أوصى بكتبه لغيره من أهل العلم.

·       مآل كتب سليمان بن بلال.

وكأن الأخ لا يعرف شيئاً عن أصول سليمان، ولا مآلها؛ إذ لو كان يعرف لما قال ما قال!

فأصول سليمان كان مآلها إلى عبدالعزيز بن أبي حازم (ت 184هـ).

قال أحمد بن أبي خَيْثَمَة في «تاريخه» (4/361): قيل لمُصْعَب بن عَبْدالله: ابن أبي حازم ضَعِيْف إلا في حديث أبيه؟ قال: "وقد قالوها؟".

قال ابن أبي خيثمة: سَمِعْتُ مُصْعَب بن عَبْدالله يقول: "أَمَّا ابن أبي حازم فإِنَّه سمع مع سُلَيْمَان بن بلال، فلما مات سُلَيْمَان أوصى بكتبه إليه، فكانت عند ابن أبي حازم قد بَال عليها الفأرة فذهب بعضها، فيقرأ ما اسْتَبَانَ منها، ويدع ما لا يعرف، وقد قرأها علينا، وأما حديث أبيه فكان يحفظه، فأخذتُ كتابًا فكتبتُ منه حديث أبيه، ولم أسمعه".

وقال يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/429): حَدَّثَنَا أَبُو طَالِبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِاللَّهِ - يعني: أحمد -، قال: "وَابنُ أَبِي حَازِمٍ لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ بِطَلَبِ الحَدِيثِ إِلَّا كُتُبَ أَبِيهِ وَكَانَ رَجُلًا يَتَفَقَّهُ، يُقَالُ لَمْ يَكُنْ بِالمَدِينَةِ بَعْدَ مَالِكٍ أَفْقَهُ مِنْهُ. وَيُقَالُ إِنَّ سُلَيْمَانَ بنَ بِلَالٍ أَوْصَى إِلَيْهِ فَوَقَعَتْ كُتُبُ سُلَيْمَانَ إِلَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْهَا".

ورواه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/382) عن محمد بن حمويه بن الحسن، عن أبي طالب.

وقال أَبو داود في «سؤالاته لأحمد» (197): سمعت أَحمد، وقيل له: عبدالعزيز بن أبي حازم؟ قال: "أرجو أَنه لا بأس به". فقيل لأحمد: هو أَحبّ إِليك، أَو الدراوردي؟ فقال: "لا، بل هو أحبّ إليّ، ولكن الدراوردي أعرف منه"، ثم قال أَحمد: "يُقال: له بلية أخرى أيضًا - يعني ابن أبي حازم، لم يكن بكثير الحديث، فلما مات سليمان بن بلال أوصى إليه فدفعت كتبه إليه، فأخرج أَحاديث كثيرة للناس".

وروى العقيلي في «الضعفاء» في ترجمة «عبدالعزيز بن أبي حازم» (3/10): حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ، يُسْأَلُ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ أَبِي حَازِمٍ، فَقِيلَ: كَيْفَ هُوَ؟ قَالَ: "أَمَّا رِوَايَتُهُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ قَدْ سَمِعَ مِنَ أَبِيهِ، وَأَمَّا هَذِهِ الكُتُبُ الَّتِي عَنْ غَيْرِ أَبِيهِ فَيَقُولُونَ: إِنَّ كُتُبَ سُلَيْمَانَ بنِ بِلَالٍ صَارَتْ إِلَيْهِ، قُلْتُ لَهُ: وَكَانَ يُدَلِّسُهَا؟ قَالَ: مَا أَدْرِي أُخْبِرُكَ".

·       ردّ البلية عن عبدالعزيز بن أبي حازم التي قالها الإمام أحمد!

قلت: ما قاله مصعب الزبيري يدفع ما رآه أحمد فيما يتعلق بكتب سليمان بن بلال التي أوصى بها لابن أبي حازم!

فأحمد ظنّ أن كتب سليمان هذه لم يسمعها ابن أبي حازم منه، وهي كذلك، لكن وصاية سليمان له بالكتب؛ لأن الأحاديث التي في كتب سليمان قد سمعها معه ابن أبي حازم، فسماعهما واحد، ولهذا أوصى سليمان بكتبه له، فالأمر لا يتعلق بأنه لم يسمع كتب سليمان أو أنه كان يدلسها كما سُئل أحمد عن ذلك.

وكذلك يدفع ما قاله أحمد عن بلية عبدالعزيز من أنه لم يكن عنده حديث كثير، فلما صارت إليه كتب سليمان أخرج حديثاً كثيراً، فهذه الأحاديث هي أحاديثه التي سمعها مع سليمان بن بلال أخرجها لما صارت كتب سليمان إليه، فهو حديثه الذي سمعه مع سليمان؛ فكأنه لم يكن يُحدِّث بتلك الأحاديث؛ لأن الأصول ليست عنده خشية الخطأ إذا حدّث بها من حفظه، وهذا من ورعه – رحمه الله -، فلما حصّل الأصول من كتب سليمان حدّث بما تحقق أنه صحيح منها ولم يتأثر أو يتغير من بول الفأرة عليها، وما تأثر ولم يعرفه تركه، أو مثله يُقال فيه إنه دلّس ما لم يسمعه، أو أظهر حديثاً كثيراً بعدما حصّل هذه الأصول! فأيّ ورع هذا الذي عنده - رحمه الله -.

فأصول سليمان ذهبت إلى ابن أبي حازم، ولو كان حديث الولي عنده لوجدناه عند ابن أبي حازم؛ لأنهما سمعا الحديث معاً، فأصول سليمان صارت إلى ابن أبي حازم وكان أيوب بن سليمان طفلاً، ولم يلحق أباه.

·       من الأحاديث التي سمعها سليمان بن بلال وابن أبي حازم:

وهنا فائدة: من الأحاديث التي سمعها سُلَيْمَان بن بِلَالٍ، وَعَبْدالعَزِيزِ بنُ أَبِي حَازِمٍ ما روياه عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ لَكُمْ ثَلَاثًا وَيَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تَشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا... الحَدِيثَ».

·       أيوب بن سليمان بن بلال لم يلحق أباه، وروى عنه بواسطة، ولم يطّلع على أصول أبيه!

وقال البرذعي في «سؤلاته لأبي زرعة» (2/724): وقال لي محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي: قال ابن أبي أويس: "أخذت أنا، وأيوب بن سليمان من أخي ألفاً ومائتي ورقة مناولة، فعارضنا بها".

قال أبو حاتم: "فزهدت فيها، ولم أسمعها من واحد منهما إلا ما كان يمر لغيري، فأكتبه".

قلت: فهذا إسماعيل بن أبي أويس قد أخذ هو وأيوب بن سليمان بن بلال كثيرًا من حديث عبدالحميد ابن أبي أويس المكتوب، والمعروف أن كثيراً من حديث عبدالحميد يرويه عن سليمان بن بلال، فأين حديث الولي فيها؟

ومعلوم أن ابن حجر لما دافع عن تخريج البخاري لحديث إسماعيل بن أبي أويس قال بأنه روي بسندٍ صحيحٍ أن إسماعيل أخرج للبخاري أصوله وأذن له أن ينتقي منها، وأن يعلّم له على ما يحدث به ليحدث به ويعرض عما سواه.

فأين حديث الولي لو كان عند إسماعيل مما أخذه من أخيه أبي بكر عن سليمان؟!!

يعني كل هذه الأصول ليس فيها حديث الولي، ولا يوجد في المدينة ولا في غيرها، فمن أين أتى به خالد بن مخلد؟!

فما قرره الأخ من تلك العادة لم تتحقق في أيوب بن سلميان بن بلال، ولم تقع له أصول أبيه!

فلو كان عند أيوب أصول أبيه فلم يحتاج لأن يروي عن أبيه بواسطة أبي بكر ابن أبي أويس؟!

قال الذهبي في ترجمة «سليمان بن بلال» من «السير» (7/426): "رَوَى عَنْهُ: ابنُهُ أَيُّوْبُ شَيْئاً يَسِيْراً. وَرَوَى عَنْ: رَجُلٍ، عَنْهُ، نُسْخَةً".

وقال في «تاريخ الإسلام» (5/539): "لم أرَهُ لحق أباه، وإنّما رَوَى عَنْ رجلٍ عن أبيه. وهو عبدالحميد بن أبي أُوَيْس، له عنه نسخة".

قال المزي في ترجمة «أيوب بن سليمان» من «تهذيب الكمال» (3/472): "روى عن: أبي بكر عبدالحميد بن أَبي أويس، عَن أبيه سُلَيْمان بن بلال نسخة، وعن عبد العزيز بْن أَبي حازم حكاية. وقِيلَ: إنه روى عَن أبيه سُلَيْمان بن بلال، وفي ذَلِكَ نظر".

فهل ما ذكره الأخ هنا ينفي تفرد محمد بن عثمان، وتفرد خالد بن مخلد؟!

لو عرضت هذا على طالب مبتدئ في الحديث، فلن يخطر هذا بباله؛ لأنه كلام من نسج الأوهام والخيالات!

·       تفرد سليمان بن بلال ببعض الأحاديث!

رابعاً: وهذا مثال من حديث سليمان بن بلال يتفرد به، وليس موجوداً في أصول!

قال ابن عمّار الشهيد في «علل الأحاديث في صحيح مسلم» (ص: 70) (25): "وَوَجَدْتُ فِيهِ: عَنْ يَحْيَى بنِ حَسَّانَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بِلالٍ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ». ورَوَى بِهَذَا الإِسْنَادِ أَيْضًا: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ».

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ القَاسِمِ الفَسَويُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ حَسَّانَ بِهَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ.

قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: «نَظَرْتُ فِي كُتُبِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلالٍ، فَلَمْ أَجِدْ لِهَذَيْنِ الحَدِيثَيْنِ أَصْلاً».

قَالَ أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ: وَحَدَّثَنِي ابنُ أَبِي أُوَيْسٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ قَوْمًا: مَا إِدَامِكُمْ؟ قَالُوا: الخَلُّ. قَالَ: نِعْمَ الإِدَامُ الخَلُّ»" انتهى.

قلت: فهذا الحديث رواه عن سليمان بن بلال: يحيى بن حسان، ويحيى بن صالح الوحاظي، ومروان بن محمد الطاطري، وقد استنكر أبو حاتم حديث الطاطري كما في «العلل» (6/131) (2384)، وفي ذلك نظر، فالطاطري حديثه صحيح، وتابع يحيى بن حسان في أحاديث أخرى.

روى ابن عساكر في «تاريخه» (64/116) من طريق أبي زرعة عبدالرحمن بن عمرو قال: "كان هذا الحديث - يعني: حديث سليمان بن بلال، عن شريك بن عبدالله بن أبي نَمر، عن سعيد بن المسيب، عن أبي موسى في قصة استئذان أبي بكر وعمر وعثمان عليه - أول ما ظهر بالشام ظهر عن مروان الطاطري، عن سليمان بن بلال، فأُخبرت أنّ يحيى بن معين لما قدم الشام بلغه فأنكره! فقالوا له: قد حدّث به يحيى بن حسان فسكن إلى ذلك".

فالحديث يرويه سليمان بن بلال، وصرّح أحمد بن صالح المصري الحافظ الكبير (ت248هـ) أنه نظر في كتب سليمان ولم يجده فيها! ولا أدري متى، وكيف نظر أحمد بن صالح في كتب سليمان بن بلال، فكتبه كما ذكرت سابقاً كانت عند عبدالعزيز بن أبي حازم، وقد بَال عليها الفأرة فذهب بعضها، فكان يقرأ ما اسْتَبَانَ منها، ويدع ما لا يعرف، فلعله نظر في هذه الكتب التي كانت عند ابن أبي حازم، ولو أن حديث الولي كان في الكتب التي نظر فيها أحمد بن صالح لما تركه.

وذكر أصول سليمان بن بلال لم يقف عليها الأئمة كأحمد، والبخاري، ومسلم، وغيرهم.

رابعاً: قال الذهبي في «السير» في ترجمة «خالد بن مخلد» (10/219) بعد أن وَصفه بـ «المُغْرِب» - أي يُغرب كثيراً في حديثه -: "وَرَوَى البُخَارِيُّ حَدِيْثَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً، فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ» عَنِ ابنِ كرَامَةَ، عَنْ خَالِدٍ. وَهُوَ غَرِيْبٌ جِدّاً، لَمْ يَرْوِهِ سِوَى ابنِ كَرَامَةَ، عَنْهُ".

وقال في «الميزان» (1/642): "ولم يرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرّجه من عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد".

فالحديث تفرد به محمد بن عثمان بن كرامة عن خالد بن مخلد القطواني! ولم يروه عن خالد إلا محمد بن عثمان.

والبخاري سمع من خالد بن مخلد، وروى عنه ثلاثين حديثاً مباشرة، واثنين بواسطة ابن كرامة حديث الولي وآخر، ولا نشك أنه اطلع على أصوله، فأين هذا الحديث في أصوله؟

·       توهّم خالد بن مخلد في حديثه!

فلو كان في أصول خالد لرآه البخاري ورواه عنه مباشرة، لكنه احتاج أن يرويه عنه بواسطة محمد بن عثمان بن كرامة، والذي حصل لخالد أن هذا الحديث ليس من حديثه، وإنما توهّمه، فسمعه منه محمد بن عثمان، فلما سمعه البخاري من محمد رواه في «صحيحه».

قال ابن عدي في «الكامل» (4/312): "وخالد بن مخلد القطواني له عن مالك، وسليمان بن بلال وغيرهما، وله شيوخ كثير ونسخ، وعنده نسخة عن مغيرة بن عَبدالرحمن، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، نحو من مِائَة حديث، وله عن يوسف بن عَبدالرحمن المدني، عن العَلاَء نسخة، وله عن عَبدالعزيز بن الحصين نسخة، وهو من المُكثرين في محدثي أهل الكوفة.

وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن مالك، وعن غيره لعله توهماً منه أنه كما يرويه، أو حمل على حفظه؛ لأني قد اعتبرت حديثه، وأروى الناس عنه من الكوفيين: مُحمد بن عثمان بن كرامة، ومن الغرباء: أحمد بن سعيد الدارمي، وعندي من حديثهما عن خالد صدرٌ صالحٌ، ولم أجد في حديثه أنكر مما ذكرته، فلعله توهمٌ منه، أو حَمْلٌ على الحفظ، وهو عندي إن شاء الله لا بأس به" انتهى.

قلت: فهذا ابن عدي قد سبر حديثه، وساق له عشرة أحاديث استنكرها، وحمل ذلك على أنه توهم فيها أو أنه حدّث بها من حفظه، وحديثنا هذا من هذه البَابة؛ إذ إن أصول خالد موجودة ومعروفة، ولا يوجد فيها هذا الحديث، وحدّث به من حفظه فوهم فيه.

·       الإعراض عن دفع العلة الحقيقية لحديث الولي، وهي تفرد خالد بن مخلد به، وتكلّم العلماء فيه، وما في حديثه من نكارة!!

خامساً: نقول للأخ: كيف ندفع أقوال أهل العلم في خالد؟

وهذه بعض أقوالهم فيه:

قالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: "لَهُ أَحَادِيْثُ مَنَاكِيْرُ".

وقال أبو حاتم: "يُكتب حديثه، ولا يُحتج به".

وقالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: "كَانَ مُنْكَرَ الحَدِيْثِ، مُفْرِطاً فِي التَّشَيُّعِ، كَتَبُوا عَنْهُ ضَرُوْرَةً".

وقال الذهبي: "صدوقٌ يأتي بغرائبَ وبمناكيرٍ".

فإخراج هذا الحديث عن النكارة يحتاج لدليل قويّ!

فخالد له مناكير، وكان يُحدّث من حفظه فَيَهم، وهذا الحديث لم يقف عليه البخاري في أصوله التي خرّج منها، وتفرده به في طبقة متأخرة جداً، فأنّى يُدفع كل هذا؟!!

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (16/6): "غَرِيبٌ جِدّاً، مَدَارُهُ عَلَى ابْنِ كرَامَةَ، قَدْ رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنْهُ، وَيُرْوَى شَبَهُهُ مِنْ طَرِيْقِ عَبْدِالوَاحِدِ، عَنْ مَوْلاَهُ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ".

وقال في «تذكرة الحفاظ» (3/82): "أخرجه البخاري، والظاهر أنه لم يروه عن خالد غير ابن كرامة، قال البيهقي: ورواه أيضًا عبدالواحد عن مولاه عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، يزيد وينقص".

قلت: كأن الذهبي يشير إلى أن أصله حديث عبدالواحد، وهو حديث منكر كما بينته في أصل بحثي عن حديث الولي.

وقال الذهبي في موضع آخر من «السير» (18/611): "أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، عَنِ ابنِ كرَامَة... تَفَرَّد بِهِ ابن كرَامَة".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (26/97): "رَوَاهُ البُخَارِيُّ عَنِ ابنِ كَرَامَةَ... ولَيْسَ لَهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُهُ، وهُوَ مِنْ غَرَائِبِ الصَّحِيحِ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيك بنُ عَبدالله بن أبي نَمِر، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرة، وتَفَرَّدَ بِهِ خَالِدُ بنُ مَخْلَدٍ، عَنْ سُلَيْمان بنِ بِلالٍ، عَنْ شَرِيك، واللَّهُ أَعْلَمُ".

فالحديث تفرد به مُحَمَّدُ بنُ عُثْمَانَ بنِ كرَامَةَ العِجْلِيُّ مَوْلاَهُم الكُوْفِيُّ الوَرَّاقُ، وهو من أقران البخاري، وماتا في السنة نفسها (256هـ)، وقد بينت أن البخاري روى عن خالد بن مخلد عن سليمان (30) حديثاً مستقيمة، وروى عنه بواسطة ابن كرامة حديث الولي وحديث الرجم عند البلاط، وكلاهما غريب، ولا يعرفان عند أهل المدينة، ولا عند سليمان بن بلال.

·       متى سمع البخاري من خالد بن مخلد؟

والبخاري سمع من خالد بن مخلد في الكوفة وهو شابٌّ، فالبخاري ولد سنة (194هـ)، ودخل إلى العراق سنة (210هـ) = يعني كان عُمُره (16) سنة.

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حَاتِمٍ الوَرَّاقُ: سَمِعْتُ حَاشِدَ بنَ إِسْمَاعِيْلَ وَآخَرَ يَقُوْلاَنِ: "كَانَ أَبُو عَبْدِاللهِ البُخَارِيُّ يَخْتلِفُ مَعَنَا إِلَى مَشَايِخِ البَصْرَةِ، وَهُوَ غُلاَمٌ، فَلاَ يَكْتُبُ، حَتَّى أَتَى عَلَى ذَلِكَ أَيَّامٍ، فكنَّا نَقُوْل لَهُ: إِنَّك تختلفُ معنَا ولاَ تَكْتُبُ، فَمَا تصنَعُ؟

فَقَالَ لَنَا يَوْماً بَعْد ستَّةَ عشرَ يَوْماً: إِنَّكمَا قَدْ أَكْثَرْتُمَا عَلَيَّ وَأَلْححتُمَا، فَاعْرِضَا عَلَيَّ مَا كَتَبْتُمَا. فَأَخْرجْنَا إِلَيْهِ مَا كَانَ عِنْدنَا، فَزَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ أَلفِ حَدِيْثٍ، فَقرأَهَا كُلَّهَا عَنْ ظَهرِ القَلْبِ، حَتَّى جَعَلنَا نُحْكِمُ كُتُبَنَا مِنْ حِفْظِهِ.

ثُمَّ قَالَ: أَتَرَوْنَ أَنِّي أَختلِفُ هَدْراً، وَأُضَيِّعُ أَيَّامِي؟! فَعَرفْنَا أَنَّهُ لاَ يتقدَّمُهُ أَحَدٌ".

قالَ: وَسَمِعْتُهُمَا يَقُوْلاَنِ: "كَانَ أَهْلُ المَعْرِفَةِ مِنَ البَصْرِيِّيْنَ يَعْدُوْنَ خَلْفَهُ فِي طلبِ الحَدِيْثِ وَهُوَ شَابٌّ حَتَّى يغلِبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَيُجلسوهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيْقِ، فيجتمعُ عَلَيْهِ أَلوفٌ، أَكْثَرهُم مِمَّنْ يَكْتُبُ عَنْهُ. وَكَانَ شَابّاً لَمْ يَخْرُجْ وَجْهُهُ". [تاريخ بغداد: (2/322)].

فالبخاري دخل العراق سنة (210هـ)، وسمع في مدنها: بغداد، والكوفة، والبصرة، وهو غلام، وخالد بن مخلد مات سنة (213هـ) = وهذا يعني أنه سمع من خالد مبكراً بعد دخوله العراق، ولما سمع البخاري منه وأخذ من أصوله لم يكن عنده حديث الولي، والظاهر أنه لم يكن يحدّث به حينها، وإلا لكان عند أهل الكوفة، فيكون سماع محمد بن عثمان بن كرامة منه بعد خروج البخاري من الكوفة، وحينها يكون تحديثه له به في أواخر عمره، وكان يتوهم أو يحمل على حفظه كما قال ابن عدي، والله أعلم.

فلما لقي البخاري ابن كرامة كأنهما تذاكرا الحديث، فوجد عنده أحاديث عن خالد بن مخلد لم يسمعها البخاري منه، فانتقى منها على ابن كرامة، وروى هذين الحديثين عنه عن خالد عن سليمان بن بلال، وكأن البخاري لثقته بابن كرامة، وكثرة رواية خالد بن مخلد عن سليمان لم يستغرب هذين الحديثين عنه فرواهما، والله أعلم.

وكل هذا ذكرناه لنقرر أن هذا الحديث لم يكن عند سليمان بن بلال، ويبقى غريباً عنه، ولا أحد يستطيع دفعه!

ومن أراد دفع علة الحديث فلا بدّ أن يبدأ بخالد بن مخلد ولا يجوز تجاوزه كما فعل الأخ الكريم! وهذا لأنه يعرف أنه لن يستطيع الدفاع عن حال خالد بن مخلد، فأعرض عن الكلام عليه، وأشغل المستمع له بأمور أخرى، وهذا فيه تلبيس وتدليس، ثم ليس هكذا هو منهج النقد عند أهل الحديث أن أتجاوز العلة الحقيقية والانشغال بعلل أخرى إنما هي تبع لها!

فإسناد الحديث مُثخنٌ بالجِراح، ولا أظنّ أحداً يستطيع مداواته!

خامساً: تقريره بأن البخاري أدرك أيوب بن سليمان بن بلال حجة عليه لا له!

فعادة البخاري - ولا أظن صاحبنا يخالف في هذا - أنه كان ينظر في أصول شيوخه وكتبهم، بل كان يُصلح لبعضهم تلك الكتب، لكن لا يوجد دليل على أن البخاري نظر في الكتاب المُتخيّل عند أيوب بن سليمان بن بلال!

·       رواية البخاري عن أيوب بن سليمان بن بلال:

تنبيه: البخاري لم يدرك فقط أيوب، بل سمع منه، وروى عنه في الصحيح عَن أبي بكر عبدالحميد بن أبي أويس: في الصَّلَاة، بَاب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الحَرِّ (533)، وفي بَاب النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ (569)، وفي الاعتصام، بَاب مَا ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَضَّ عَلَى اتِّفَاقِ أَهْلِ العِلْمِ، وَمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الحَرَمَانِ مَكَّةُ، وَالمَدِينَةُ... (7329).

وعلّق له حديثاً في الِاسْتِسْقَاءِ، بَاب رَفْعِ النَّاسِ أَيْدِيَهُمْ مَعَ الإِمَامِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ (1029).

وعليه نقرر أن حديث أيوب لم يكن كثيراً، ولم ينتشر؛ لأنه لم يدرك أباه، ولم يسمع كتب أبيه، وإنما يروي بعض حديث أبيه بواسطة، والرواية عند أهل العلم عن الواسطة مباشرة أولى من الرواية عنه عن الواسطة.

سادساً: أتى الأخ للتدليل على العادة التي ذكرها من أن العلماء إذا ماتوا ذهبت كتبهم لأبنائهم بأمثلة عن بعضهم، وهذا كما ذكرنا موجود، لكن إذا عرفنا أن أصول سليمان لم تقع لابنه، فما فائدة هذه الأمثلة هنا؟!

والأخ جاء بها لتقرير أن أصول سليمان بن بلال وقعت لابنه أيوب كما هي هذه العادة، لكنه لا يعرف أين كانت أصول سليمان، وقد أتينا على بنيانه بصواعق نقلية عن الأئمة فانهار!

على أن الكلام على هذه الصحف والنسخ يطول، وكل صحيفة لها تعامل خاص، وليس هذا مكان الكلام عليه.

والعجب من الأخ يأتي بما كان يرويه عبدالله عن أبيه بقوله: "وجدت بخط أبي" ونحو ذلك كقرينة لنفي الغرابة عن هذا الحديث!

فما شأن أن يروي الراوي وجادة من كتاب وقع له، وبين أن أقرر أصلاً لا يوجد عند الراوي ألبتة! فالله المستعان.

سابعاً: مسألة نزول محمد بن نصر المروزي إلى النزول للبخاري والذهلي من أجل كتابة حديث سليمان؛ لأنه يحتاج حديث أيوب بن سليمان بن بلال ليس بصحيح! بل هو يحتاج لحديث سليمان بن بلال، فإذا وقع له من طريق أيوب فيرويه، وقد روى بعض أحاديث سليمان من غير طريق أيوب، وهو إنما نزل في روايته للبخاري والذهلي وغيرهما؛ لأنه لم يسمع من أيوب بن سليمان بن بلال.

·       طريقة جديدة لنفي التفرد بالتوهم أن الحديث في أصل الراوي!

ثامناً: بنى الأخ على كلامه السابق - الذي لا خطم له ولا أزمّة - نفي علة تفرد محمد بن عثمان عن خالد بن مخلد بأن هذا الحديث في أصل سليمان!

وهذه طريقة جديدة في نفي العلل لم يعرفها المتقدمون بله المتأخرون والمعاصرون!

كيف ننفي علة التفرد بأن الحديث في أصل الكتاب الذي رُوي عنه بهذه الخربطات؟!

والمصيبة أن الأخ يقول بأن ما ذكره من قرائن هي أمور طوي بساطها، ولا يستطيع الجزم بها! فإن كان ذلك كذلك فكيف تنفي علة التفرد بما طوي بساطه؟

وهل ما أتيت به يُعد من باب القرائن عند أهل النقد؟

أمامك أيها الأخ مشوار طويل لفهم أصول النقد والتعليل.

 

*قال الأخ: "فنعود ونقول: ندفع بهذا علة التفرد: أن البخاري روى عن أيوب بن سليمان بن بلال، ومن عادته أنه كان ينظر في أصل الشيخ".

قلت:

أين هذه الأصول التي عند أيوب واطلع عليها البخاري؟! فسليمان ليست عنده أصول أبيه كما بيّنا سابقاً!

والمصيبة أن الأخ لا زال يتوهم أشياء لا حقيقة لها، فهل من هذه حاله يصلح لأن يشتغل بعلم العلل، ويدفع العلل!! فالله المستعان.

 

*قال الأخ: "وأيضاً في مسلم بعض الرواة يحيى بن يحيى أو غيره قال: هو في أصل سليمان بن بلال كذا، مما يدل على تداوله الناس، وبهذا ندفع عنه علة الغرابة، فهذا حديث تفرد به سليمان بن بلال، وسليمان بن بلال فيما انفرد به جيد الحديث، يعني انظر حديثه عن عَنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ»، فهذا فرد، ومع ذلك خُرِّج في الصحيح، أخرجه البخاري ومسلم، ولا يروى عن أبي هريرة إلا من وجه واحد، ومع ذلك مشّاه الحفاظ".

قلت:

أولاً: لا دليل على أن الناس تداولوا أصل سليمان بن بلال!

ودليل صاحبنا ما ذكره من قول يحيى!

ويَحْيَى بنُ يَحْيَى التَّمِيمِيُّ سمع من سليمان بن بلال، وروى له مسلمٌ عنه عدة أحاديث، وقول يحيى هذا جاء في «صحيح مسلم».

قال مسلمٌ في «صحيحه» (1/494) (713): حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ يَحْيَى، قال: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ، أَو عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ المَسْجِدَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وَإِذَا خَرَجَ، فَلْيَقُلْ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ».

قَالَ مُسْلِمٌ: "سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ يَحْيَى، يَقُولُ: كَتَبْتُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ كِتَابِ سُلَيْمَانَ بنِ بِلَالٍ، قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ يَحْيَى الحِمَّانِيَّ، يَقُولُ: وَأَبِي أُسَيْدٍ".

·       قلب الحجة! والدليل الخاص لا يُعمم!

قلت: فأمر طبيعي أن يرى التلميذ كتاب شيخه، وهو قد كتب هذا الحديث منه، وهذا حجة على صاحبنا؛ إذ لو كان حديث الولي عند سليمان بن بلال لما تركه يحيى بن يحيى الحافظ الكبير.

فالأخ يسوق الدليل الخاص ويُعممه!!

فالدليل الخاص أن يحيى بن يحيى اطلع على أصول سليمان بن بلال، لكن التعميم على أن الناس تداولوا أصوله ليس بصحيح، وهذا من بنات أفكار صاحبنا!

فكيف تُدفع العلل بهذه الخيالات والأوهام؟!

ولعل الأخ يعترض علينا فيقول: قد ذكرت من قبل إن أحمد بن صالح المصري نظر في كتب سليمان بن بلال، وهذا يؤيد ما قلته من أن الناس تداولوا كتبه!

فأقول: كلام الأخ فيه تعميم واضح ليؤيد أن هذه الأصول منتشرة عند الناس، وليس كذلك، فمن وقعت له هذه الأصول كأحمد بن صالح لا يعني أنها وقعت للجميع، وأحمد بن صالح طبقته متقدمة، ويروي عن رجل عن سليمان بن بلال، فالوقوع على أصوله متيسر، وقد ذهبت إلى أنه ربما وقع على أصوله التي كانت عند ابن أبي حازم، ولو كانت هذه الأصول متداولة بين الناس لتداولها أحمد، والبخاري، وغيرهما ممن يحرصون على مثل هذه الأصول.

·       أثبت العَرش ثم انقش!

ثانياً: قرر الأخ بأن سليمان بن بلال تفرد به! وهذا عجيب! لأن لازم ذلك أن الحديث قد ثبت أن سليمان بن بلال حدّث به! ومحل النزاع مع الأخ أننا لا نقر أنه حدّث به، وهو ليس من حديثه، والتفرد يقال فيمن رواه عنه، وهو خالد بن مخلد!

ثالثاً: قوله بأن سليمان بن بلال فيما انفرد به جيد الحديث = وظاهر هذا الكلام قبول ما انفرد به على إطلاقه، فإن كان كذلك ففيه نظر!

·       مخالفات وتفردات سليمان بن بلال!

نعم، هو ثقة، لكن له عدد من المخالفات التي ردها أهل النقد، وله تفردات نبّه عليها أهل العلم، وهل كانت هذه المخالفات لغيره ثابتة في أصوله؟ ربما يسعفنا الأخ بذلك؛ لأنه يبدو أنه وقف على أصول الرواة مما لم يقف عليه أهل العلم من قبل ربما عن طريق الكشف ونحوه!

وأشير إلى مواضع لمخالفات وتفردات لسليمان بن بلال في كتب أهل العلم:

- «علل ابن أبي حاتم»: (2/548) (581)، (2/549)، (4/398) (1513).

 - «علل الدارقطني»: (3/8)، (4/297)، (6/126) (1025)، (13/141) (3017)، (13/327) (3200)، (14/208) (3561).

- «أطراف الغرائب والأفراد» - ط. دار الكتب العلمية-: (2/42) (711)، (2/181) (1079)، (3/70) (2069)، (3/138) (2259)، (3/213) (2456)، (3/393) (3026)، (3/458) (3268)، (4/142) (3853)، (4/145) (3862)، (4/237) (4161)، (5/109) (4839)، (5/180) (5075)، (5/238) (5280)، (5/272) (5405)، (5/301) (5503)، (5/432) (5957)، (5/452) (6036)، (5/472) (6106)، (5/500) (6198)، (5/503) (6210).

وغيرها من الكتب.

·       قياس فاسد!

رابعاً: حَرف الأخ بوصلة دفع العلة بالكلام على تفردات سليمان بن بلال، وأنها تقبل، وأتى بحديثه عَنْ ثَوْرِ بنِ زَيْدٍ المَدَنِيِّ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ» الذي في الصحيحين لبيان أن الأئمة يقبلون تفردات سليمان بن بلال! = يعني طالما أن أهل العلم قبلوا تفرد سليمان هذا وخرّج الشيخان الحديث في الصحيحين، فعليه يُقبل حديثه في الولي!

الأخ - هداه الله - يحتاج لأن يدرس الأصول التي تُبنى عليها الأدلة وما يتعلق بها من قضايا الاستدلال وغيره.

فأثبت لنا أولاً أن هذا الحديث حدّث به سليمان بن بلال، ثم نناقشك في قبول تفرده أم لا؟ ثم ننتقل معك لتفرد شَريك، ثم روايته، وهكذا.

فالحديث الذي أتيت به ثبت أن سليمان بن بلال حدّث به، ورواه عنه جماعة، فهو المتفرد به، وهو خارج محل النزاع، وأما حديث الولي فلا نُسلّم أن سليمان حدّث به؛ ولهذا من تكلّم على الحديث إنما تكلم على تفرد خالد بن مخلد به عن سليمان، فالأصل الكلام على تفرد خالد، لكن لأن الخصم لا حجة عنده في دفع علة تفرد خالد لم يتعرض لها، فلا أحد من أهل العلم يقبل تفرده بحديث، وقد نقلت بعض أقوالهم ليردها الخصم إن استطاع!

ثم إن البخاري ومسلم اجتهدا في قبول تفرد سليمان بهذا الحديث، ولا يمنع من التوقف فيما يتفرد به سليمان!

والبخاري خرّج بهذه السلسلة أربعة أحاديث رواها عن عَبْدِالعَزِيزِ بنِ عَبْدِاللَّهِ الأُوَيْسِيّ، عن سُلَيْمَان بن بِلاَلٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي الغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قد تُوبع سليمان على ثلاثة منها، وبقي هذا الحديث فرد!

·       كيفية معرفة وجود الحديث في أصول الراوي من خلال القرائن.

وننتهز الفرصة هنا لنعطيك درساً في كيفية معرفة أن هذا الحديث موجود في أصول الشيخ أم لا؟ وهي المسألة التي أنت تنازعنا فيها، وتريد أن تثبت أن حديث الولي موجود في أصول سليمان! لكن هيهات هيهات!!

فهذا الحديث رواه أبو عوانة في «مستخرجه» (1/58) (149) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذهلي، عن إسماعيل بن أَبِي أُوَيْسٍ، عن أَخِيه، عَنْ سُلَيْمَانَ، بِمِثْلِهِ.

وقد سبق قول أبي حاتم: قال ابن أبي أويس: "أخذت أنا، وأيوب بن سليمان من أخي ألفاً ومائتي ورقة مناولة، فعارضنا بها" = يعني أخذ إسماعيل بن أبي أويس وأيوب بن سليمان بن بلال كثيرًا من حديث عبدالحميد بن أبي أويس المكتوب، والمعروف أن كثيراً من حديث عبدالحميد يرويه عن سليمان بن بلال، وقد روى أيوب بن سليمان عن أبي بكر عبدالحميد بن أَبي أويس، عَن أبيه سُلَيْمان بن بلال نسخة.

فحديث عبدالحميد بن أبي أويس كتبه من أصل سليمان بن بلال، وحديثه عنه صحيح لم يطعن فيه أحد، بل خرّج البخاري ومسلم حديثه عن سليمان.

فإذا ثبت الخبر في أصول سليمان فحينها نقبله اعتماداً على أن أصوله صحيحة، والمخالفات التي ذكرها أهل العلم له والأوهام إنما هي عندما كان يحدّث من حفظه، ولا نستطيع القول بأن هذه الأوهام حصلت له لما حدث من كتابه، وإلا طرحنا أيضاً ما كان في أصوله!

فهكذا طريقة معرفة الأحاديث التي من أصول الشيخ، لا الادّعاء القائم على الخيالات والأوهام.

 

*قال الأخ: "تلحظ كثيراً من صنيع الحفاظ خصوصاً البخاري ومسلم تجد الحديث إذا كان في الرقاق، وأيضاً في الزهد يتسمحون فيه، تلحظ أن شرطهما يختلف عن شرطهما في الأحكام، هذا واضح لمن تأمل الصحيح، إيش الدليل على هذا؟ دليله الاستقراء والسبر: أن كثيراً من الأحاديث الغريبة يمشيها أصحاب الصحيح، من ذلك حديث حماد بن أسامة، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِي اللَّهُ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ والْهُدَى...»، تفرد به حمّاد بن أسامة، ولو روى حديثاً في الأحكام لاستغربه الناس، لعدّوه حديثاً مُنكراً، وباب التفرد نظره عويص، يحتاج تأمل وسبر...".

ثم أتى ببعض كلام أهل النقد في بعض الأحاديث الأفراد.

ثم قال: "المتون إذا كان فيها أصل عظيم يحتاج فيه إلى التفقه في الدّين يُشدد فيها الحفاظ بخلاف إذا كان حديثاً سمحاً... وبعض الناس يقولون إن أحاديث العقيدة يُشدد فيها أكثر من الأحكام، وهذه دعوى غريبة... فالذي يظهر من صنيع الحفاظ أنهم لا يشددون في باب العقيدة...".

أقول:

هذا كلام مُرسل لا دليل عليه! والكلام عليه من وجوه:

·       نسبة شروط باطلة للشيخين!

أولاً: الأخ قرر من خلال الاستقراء والسبر قرر أن الحفاظ يتسامحون في أحاديث الرقاق، ونسب للشيخين شرطين: الشرط الأول في أحاديث الأحكام حيث يتشددون، والشرط الثاني: في أحاديث الرقاق والزهد حيث يتساهلون!!

فمن من أهل النقد قال بهذا التقسيم؟ وما هي أدلته؟! ودعنا من الاستقراء والسبر؟ ثم هذا الاستقراء والسبر هل أنت من قام به أم غيرك؟ فإن كان غيرك فمن هو، وكيف قام بهذا السبر والاستقراء؟ وإن كنت أنت، فكذلك كيف قمت بذلك؟

·       الاستقراء والسبر المزعوم!

ومفهوم الاستقراء والسبر أنك تتبعت كل الأحاديث التي في الكتب وكيفية تخريج العلماء لها في كتبهم وفق شروطهم ثم خرجت بهذه النتيجة = أنهم يتسمحون في تخريج أحاديث الرقاق والزهد!

فمن خلال الجزئيات وصلت إلى حكم كلي! هذا إذا قلنا باستقراء كل الكتب! وكلام الحفاظ وهذا يستحيل أن يقوم به واحد!

وإذا قلنا إن الاستقراء كان للصحيحين = فهذا يعني أنك خرجت كل الأحاديث فيهما، وقرأت عن رجالهما، وأتيت بأقوال الحفاظ في أحاديثهما ثم توصلت لهذه النتيجة، فهل فعلت هذا؟!

ثانياً: لا أعرف أحداً من أهل النقد قال بأن الشيخين يتسامحا في أحاديث الرقاق، بل الأخ رد قول من يقول بأن العلماء يشددون في أحاديث العقيدة، وأنهم لا يشددون فيها، فهل هذا يعني أنهم يعاملون أحاديث العقيدة مثل أحاديث الرقاق؟!

وحاصل كلام الأخ أن العلماء يتشددون في أحاديث الأحكام، ويتساهلون في غيرها! فهلا قدمت لنا الأدلة العلمية على ذلك؟!

·       هل حديث واحد يُقرر قاعدة عامة؟!

ثالثاً: نسب الأخ إلى أن الحفاظ مشّوا كثيراً من الأحاديث الغريبة = يعني صححوها! فهلا بينت لنا ذلك بالأدلة العلمية؟

وهل يكفي بأن تأتينا بحديث واحد للتدليل على هذا التقرير؟!

رابعاً: الحديث الذي أتى به الأخ للتدليل على تساهل الحفاظ ومنهم البخاري ومسلم في أحاديث الرقاق لا يصح الاستدلال به في هذه المسألة!

نعم، قد تكلموا في حديث بُريد بن أبي بردة حتى أن يحيى القطان وابن مهدي لم يحدّثا عنه قط! وكأنه بسبب كلامهم فيه، وتفرد حماد بن أسامة بهذا الحديث ذهب الأخ إلى أن تخريج الشيخين له من باب التساهل؛ لأنه في الرقاق!

وهو بهذا يريد أن يقول: من هذا الباب خرّج البخاري حديث الولي في صحيحه!

فإن كان كذلك فتكون أحاديث كثيرة لرواة متكلم فيهم تفردوا بأحاديث يكون قد تساهلوا فيها! وهذا لا يقوله أهل العلم!

فلا يوجد لا تصريح ولا تلميح من الشيخين أو من الأئمة الحفاظ في أنهم يتساهلون في أحاديث الرقاق والزهد، وحتى الاستقراء المزعوم لا دليل فيه!

فالبخاري ومسلم يخرجان ما يريانه صحيحاً على شرطهما ولا يوجد عندهما تنازل عن هذا الشرط، وهما يجتهدان في تخريج الحديث بالنظر إلى حال الروي والمروي، والقرائن المحتفة بالخبر إذا كان الراوي متكلم فيه.

·       الإلزام بالتخريج من الأصول!

ونلزم الأخ هنا أيضاً بمسألة النسخ والأصول، فحماد بن أسامة يروي عن بريد عن جده من نسخة = أي من أصل.

قال ابن عدي في «الكامل» (2/512): "ولبريد بن عَبدالله بن أبي بردة نسخ عن أبيه، عن جَدِّهِ، يروي نسخة منها عنه أَبو أسامة، وهي أطول النسخ عن بريد، ويروي عنه أَبو يَحيى الحماني نسخة، وأبو زهير عَبدالرحمن بن مغراء نسخة، وأبو معاوية الضرير يروي عنه بنسخة، وغيرهم، وقد اعتبرت حديثه فلم أر فيه حديثًا أُنْكِره، وأنكر ما روى هذا الحديث الذي ذكرته: «إذا أراد الله عز وجل بأُمة خيرًا قبض نبيها قبلها»، وهذا طريق حسن ورواه ثقات، وقد أدخله قوم في صحاحهم، وأرجو أن لا يكون ببريد هذا بأس".

وقال: "وبريد بن عَبدالله هذا قد روى عنه الأئمة والثقات من الناس، ولم يرو عنه أحد أكثر مما رواه أَبو أسامة عنه، وأحاديثه عنه مستقيمة، وهو صدوق، وقد أدخلوه أصحاب الصحاح في صحاحهم".

وأبو أسامة من كِبار الثقات المتقنين، وكان صحيح الكتاب.

قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» (1/383) (745): سَمِعت أبي - وَذكر أَبَا أُسَامَة – قَالَ: "كَانَ ثَبْتاً، لاَ يَكَادُ يُخْطِئُ، مَا كَانَ أَثبتَهُ!".

وَقَالَ أَيْضاً (1/390) (772): سُئِلَ أَبِي عَنْ أبي أُسَامَةَ وأَبِي عَاصِمٍ من أثبتهما في الحديث؟ فَقَالَ: "أَبُو أُسَامَةَ أَثْبَتُ مِنْ مائَةٍ مِثْلِ أَبِي عَاصِمٍ، كَانَ أَبُو أُسَامَةَ ثبتاً، صَحِيْحَ الكِتَابِ".

وقال (3/313) (5397): سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: "كَتَبْتُ بِيَدِي مِائَةَ أَلْفِ حَدِيثٍ".

ولما ذكره ابن خلفون في «جملة الثقات» قال: قال أبو الفتح الأزدي: "قال سفيان بن وكيع: جلست أنا والقاسم العنقزي، ومحمد بن عبدالله بن نُمير، وأبو بكر بن أبي شيبة فنظرنا فيما يُحدِّث به أبو أسامة، فعرفنا عامته، ومن أين أخذه من رجل رجل، حديث هشام بن عروة، وحديث ابن أبي خالد، وحديث مجالد، وحديث ابن جريح كان يتبع كتب الرواة فيأخذها فينسخها". [إكمال تهذيب الكمال: (4/134)].

فالظاهر أن البخاري ومسلم خرجا له من حديث أبي أسامة عنه من تلك النسخة التي عنده، وهذه قرينة قوية.

 

*قال الأخ: "ومما أعلّ به هذا الخبر - حديث الولي قول الذهبي: قال: إن هذا الحديث ليس في المسند على سعته، وهل هذا الاستعمال صحيح: أن يُعلّ الحديث بكونه ليس في المسند؟ هو في الجملة معتد به، الإمام أحمد قال: جمعت هذا المسند ليكون أصلا للناس، جمع فيه الحديث المشهور، لكن مسند الإمام أحمد لمن نظر فيه وتأمله تجد يفونه شيء، يعني أحاديث سليمان بن بلال يفوته منها جزء، ومثل حديث عبدالله بن وهب يفوته منها شيء، ووجدت سبعة أحاديث من مسند عبدالعزيز بن صهيب عن أنس لم يخرجها أحمد وهي مخرجة في الصحيحين، ثمة أشياء في الصحيحين لا تخرج في المسند، فلا يقال إن عدم كون الحديث في المسند إن هذا دلالة على نكارته، لا يلزم هذا، يفوت أحمد شيء...".

قلت:

·       التفرد بحديث في طبقة متأخرة، ولا يرويه إلا البخاري بواسطة عن شيخه، هل يمكن دفعه؟

أولاً: عبارة الذهبي قوية في أن حديث الولي مُستغرب ومعلول.

قال في «الميزان» (1/642): "فهذا حديث غريبٌ جداً، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدّوه في منكرات خالد بن مخلد، وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شَريك، وليس بالحافظ، ولم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرّجه من عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد".

وقال في «التذكرة» (3/190): "وهو مما انفرد به - ابن كرمة - وليس هو في مسند أحمد على كِبَره".

فالحديث لم يكن معروفاً أصلاً قبل أن يسمعه محمد بن عثمان بن كرامة من خالد بن مخلد، بل لو أن البخاري لم يروه لعلنا لم نسمع به قط!

وهل يُعقل أن يكون هذا الحديث عند سليمان بن بلال ولا يوجد في كتب الحديث كلها! لا في الجوامع، ولا المصنفات، ولا المسانيد، ولا السنن، وغيرها.

·       هل وقف أحمد على حديث الولي أو سمعه؟!

ثانياً: المسألة ليست أنه فات أحمد أو أن أحداً من أهل العلم أعرض عنه، بل إنهم لم يسمعوا به قط! فيستحيل أن يكون هذا الحديث مرويا قبل أن يسمعه ابن كرامة من خالد ولا يعرفه أهل العلم في كل البلاد!

فأين أصحاب أبي هريرة عنه؟ وأين أصحاب عطاء عنه؟ وأين أصحاب شَريك عنه؟ وأين أصحاب سليمان بن بلال عنه؟ وأين أهل الكوفة وأهل المدينة عنه؟!!

فالإمام أحمد لم يسمع به حتى نقول بأنه فاته!

ثالثاً: ما فات أحمد من بعض حديث سليمان بن بلال، أو ابن وهب، أو عبدالعزيز بن صهيب فهذا أمر طبيعي، فأحمد وغيره يسمعون من شيوخهم ما يجدونه عندهم، وأحياناً لا يسمعون كل ما عندهم، فيروي أحمد أحاديث سليمان بن بلال من خلال بعض مشايخه الذين سمعوا، وهناك من يحمل حديث سليمان غير هؤلاء الذين سمع منهم أحمد، فأمر طبيعي أن يفوته حديث سليمان الذي لم يسمعه من الشيوخ الآخرين، وكذا في الرواة الآخرين.

·       لم يرو أحمد قطّ عن خالد بن مخلد، وسبب ذلك!

وأعطي الأخ فائدة هنا أن الإمام أحمد لم يرو قط لخالد بن مخلد القطواني لا في مسنده ولا في غيره! ويستبعد أنه لم يلقه وهو في الكوفة، وأحمد في بغداد! وأحمد كثير الرواية جداً، وهو يعرفه ويعرف حديثه، فلما سأله عبدالله عَنه، قَالَ: "لَهُ أَحَادِيث مَنَاكِير".

وحتى لو لم يلقه، فيمكن سماع حديثه من تلاميذه، وكلامه في حديثه يعني أن حديثه عنده.

وأظنّ أنّ السبب الذي جعل أحمد يُعرض عن الرواية عنه، وجعله في جملة المتروكين: أنه كان يشتم بعض الصحابة الذين قاتلوا علياً.

قال صالح بن محمد جَزرة: "ثقة في الحديث إلا أنه كان متهماً بالغلو".

وقال الجوزجاني: "كان شتّاماً مُعلناً لسوء مذهبه".

وقال الحافظ أَبُو بَكْرٍ الأَعْيَنُ: قلت له، عندك أحاديث في مناقب الصحابة؟ قال: "قُل في المثالب أو المثاقب" - يعني بالمثلثة لا بالنون. [تهذيب التهذيب: (3/117)].

ويؤيده ما قاله تلميذه ابن سعد: "وَكَانَتْ عِنْدَهُ أَحَادِيثُ عَنْ رِجَالِ أَهْلِ المَدِينَةِ، وَكَانَ مُتَشَيِّعًا... وَكَانَ مُنْكَرَ الحَدِيثِ، فِي التَّشَيُّعِ مُفْرِطًا، وَكَتَبُوا عَنْهُ ضَرُورَةً" [الطبقات الكبرى: (6/372)].

قلت: فابن سعد تلميذه وهو أدرى الناس به، فذكر إفراطه في التشيع، وحكم عليه بأنه منكر الحديث، وبيّن أن أهل العلم كتبوا عنه ضرورة = يعني لما يوجد عنده مما لا يُستغنى عنه كما فعل هو نفسه، فإنه ما استغنى عن الرواية عنه، فروى عنه بعض الأحاديث المسندة، وروى عنه الكثير من الأخبار والحكايات، وهذا مما لا يُستغنى عنه.

ومتن حديث الولي أخرجه أحمد في «مسنده» من طريق آخر ضعيف، بينته في أصل بحثي.

 

*قال الأخ: "قالوا أن هذا الحديث يعرف من كلام أهل الكتاب، وذلك أن وهب بن منبّه عنه بنحو هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذن أصل هذا الخبر من كلام أهل الكتاب، وهذه القاعدة و الطريقة في إعلال الأخبار هل هي صحيحة أن يُعلّ الخبر بأن أهل الكتاب قد رُوي عنهم بإسناد أقوى من الحديث المسند، هل هذه طريقة صحيحة في الإعلال؟ نقول: نعم، هي طريقة صحيح، لكن ليست هي على إطلاقها، يوجد من كلام أهل الكتاب من يحدّث بالحديث، ونجد هذا الحديث بنص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابتاً صحيحاً بإسناد أجمع المسلمون على صحته، فهل هذا مطعن في الحديث؟ الجواب: لا، لا يكون مطعنا لأن هذا ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، إيش مثال هذا؟ عندك حديث أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ، فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا، وَأَنْزَلَ فِي الأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا، فَمِنْ ذَلِكَ الجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا، خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ»، هذا الحديث قد جاء من حديث سليمان التيمي وداود بن أبي هند وآخرين أسندوه عن أبي عثمان، عن سلمان الفارسي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يجعله: عن سلمان يقول: «قرأت في التوراة أو في بعض الكتب»، تلحظ أن هذا روي عن أهل الكتاب، ومع هذا فهو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مثال آخر: في البخاري: حديث ابن سيرين، قرة بن خالد، عن ابن سيرين، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ آمَنَ بِي عَشَرَةٌ مِنَ اليَهُودِ، لآمَنَ بِي اليَهُودُ» - زاد على الحديث لفظ: [كلهم]! –عن كعب الأحبار أو غيره، قال أبو هريرة: إني أجدها في كتاب الله أكثر من كذا وكذا، فأبو هريرة ما عارض كعب الأحبار، وهذا يدل على أنه كان موجوداً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان موجوداً عن كعب الأحبار، فكلا الحديثين محفوظ، محفوظ عن رسول الله، ومحفوظ عن أهل الكتاب.

أحياناً يروى الحديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، ويروى عن أهل الكتاب فنعلّ هذا الحديث المسند، هذا كثير...

ثمة أمثلة مثل حديث بِلاَل بن يَسَار بنِ زَيْدٍ، عن أَبِيه، عَنْ جَدّه، عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ». خرجه الترمذي بإسناد غريب.. هذا وجد من كلام بعض أهل الكتاب، وجد من كلام إما كلام محمد بن كعب أو كلام كعب الأحبار، فهذا حديث غريب، والثابت أن هذا منقول عن أهل الكتاب، وخرّج أيضاً ابن وهب في جامعه من حديث عقيل الزهري عن أبي هريرة بإسنادٍ مرسل أنه قال نحو هذا الخبر.

فلا يلزم كون الحديث مروي عن أهل الكتاب ويروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول هذا إعلال له، فثمة أحاديث صحاح مستقيمة، لا يُطعن فيها، وتلحظ أن حديث الولي اشتهر الكلام عليه في القرون المتأخرة، ما اشتهر عليه الكلام عند السلف، فهو في الصفات، ومن يعطّل صفات رب العالمين لما يقرأ هذا الحديث غُصّة في حلقه، فتجد من يحاول أن يبحث له عن علة من ههنا وههنا، فمن ثم اشتهر كلام الناس، يعني كلام الذهبي في هذا قال: ولولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه في منكرات خالد بن مخلد، ترى هذا الكلام له مقدمات، فالذهبي ما قال هكذا، يعني الذهبي عاصره ناس أشاعرة، عاصره ناس يعني يعطلون صفات رب العالمين جل وعلا، فاستحضر هذا، فاستحضر هذا، ما علمت من أحد من أئمة السلف أعل هذا الخبر، بل إن البخاري أودعه في الرقاق، والبخاري حجة، وكل من ضعف هذا الحديث يعني البخاري أجل من تكلم على هذا الحديث، فنا أنت إنسان لا تحسن صناعة الأخبار وتريد أن تقلد فقلد البخاري، وأما إن كنت من أهل النظر فهذا شأن آخر".

قلت:

أولاً: وافق الأخ على صحة القاعدة في أن الخبر المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاء من طريق آخر عن أهل الكتاب فيعلّ الخبر بما روي من حديث أهل الكتاب، وفي ذات الوقت قال بأن هذه القاعدة ليست على إطلاقها، وهذا صحيح بما ذكره من أن الحديث إذا صح، وصح ما جاء عن أهل الكتاب فيكون هذا مما وافقنا فيه أهل الكتاب.

·       الإتيان بأمثلة لا تنطبق على محل النزاع!

وأتى الأخ ببعض الأمثلة على ذلك، لكن هذه الأمثلة لا تُقاس على حديث الولي، إذ هو نفسه قيّد ذلك بأن يكون الإسناد قد أجمع المسلمون على صحته = يقصد أهل الحديث، وهذا صحيح، لكن حديث الولي لا يوجد فيه إجماع، وهو مثخن بالعلل، فكيف نقيس الأمثلة التي أتى بها وهي صحيحة في طبقات متقدمة على حديث الولي الذي جاء غريباً في ستة طبقات من الإسناد؟!

فلو صح إسناد حديث الولي ولم يكن فيه غرابة وعلة، وروي في طبقة متقدمة لوافقناه على قياسه هذا!

·       وهم في نسبة إسناد لحديث مروي بإسناد آخر!

ثانياً: الحديث الأول الذي ذكره الأخ قال بأنه من طريق أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، وهذا وهم منه! وكأنه سلك هذه الجادة المشهورة، والحديث محفوظ من طريق الزُّهْرِيّ، عن سَعِيد بن المُسَيِّبِ، عن أَبي هُرَيْرَةَ.

·       عدم تحقيق الروايات التي يحتج بها! والاحتجاج بطريق معلول!

 ثالثاً: التمثيل بهذا الحديث هنا فيه نظر! فالطريق التي جاءت عن سلمان بأن هذا في التوراة يعارضها طرق أخرى صحيحة، وهي إحدى طرق الاختلاف، ولم تأت في حديث منفصل حتى يتم التمثيل بهذا الحديث.

فرواه مسلم في «صحيحه» (4/2108) من حديث سُلَيْمَان التَّيْمِيُّ ودَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، كلاهما عن أَبي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ، عَنْ سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، عن رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إِنَّ لِلَّهِ مِائَةَ رَحْمَةٍ، فَمِنْهَا رَحْمَةٌ بِهَا يَتَرَاحَمُ الخَلْقُ بَيْنَهُمْ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ».

ورواه البخاري في «التاريخ الكبير» (2/377) من طريق الجريري، وأشعث بن جَابِر، عَنْ أَبِي عثمان عَنْ سلمان - قولَهُ.

وقد اختلف فيه أيضاً على سُلَيْمَان التَّيْمِيّ ودَاوُد بن أَبِي هِنْدَ، فمن الرواة من رفعه عنهما، ومنهم من وقفه، كما روى أسانيد ذلك الحسين المروزي في «زياداته على الزهد» (1/366)، ورجّح مسلم الرفع، فأخرجه في «صحيحه».

ورواه البخاري في «التاريخ الكبير» (2/377) عن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، عن عَبْدالواحد بن زياد، عن عاصم الأحول، عَنْ أَبِي عثمان، قَالَ سلمان: أنا نجد فِي التوراة - نحوه.

قلت: تفرد عاصم الأحول بذكر أن هذا من التوارة، وخالف الجماعة! وقد تكلموا في حفظه.

قال يحيى القطان: "لم يكن بالحافظ".

وقال ابن عُلية: "كل من اسمه عاصم في حفظه شيء".

وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالحافظ عندهم، ولم يحمل عنه ابن إدريس لسوء حفظه، وما في سيرته بأس".

ووصفه سفيان الثوري وابن مهدي بالحفظ.

فحديث عاصم الأحول لا يصح، وقد خالف الثقات، والحديث مختلف في رفعه ووقفه، وأما أنه من كتب أهل الكتاب فلا يصح.

ومثّل الأخ بهذا الحديث ظنّاً منه أن طريق من قال بأنه في التوراة صحيح، وليس كذلك كما بيّنا، ولله الحمد.

·       خلطٌ وأوهام!

رابعاً: وأما حديث مُحَمَّد بن سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ آمَنَ بِي عَشْرَةٌ مِنَ الْيَهُودِ»، فذكر الأخ أن كعب - وكان نسب ذلك لأبي هريرة - أنه قال: "إني أجدها في كتاب الله أكثر من كذا وكذا"، وقال بأن أبا هريرة ما عارض كعب الأحبار! وقال بأن ذلك محفوظ عن أهل الكتاب!

وهذا كله وهم من الأخ! وقد اختلط بأوله!

فكعب لم يذكر أن ذلك من كتب أهل الكتاب، وإنما لمّا حدّث أبو هريرة بالحديث، قَالَ كَعْبٌ: "هُمُ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ"، وفي رواية أحمد (15/227): قَالَ كَعْبٌ: "اثْنَا عَشَرَ مِصْدَاقُهُمْ فِي سُورَةِ المَائِدَةِ".

فكعب إنّما فسر ذلك على ما جاء في القرآن من سورة المائدة، ولا علاقة لكتب أهل الكتاب بهذا.

وعليه فالأمثلة التي أتى بها الأخ في هذا المقام لا تصلح! ونطالبه بالإتيان بأمثلة صحيحة في ذلك.

·       وَهَمٌ على وَهَمٍ!

خامساً: أتى الأخ بمثال في تعليل الحديث المسند بما في روايات أهل الكتاب، وهو: حديث بِلاَل بن يَسَار بنِ زَيْدٍ، عن أَبِيه، عَنْ جَدّه، عن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ».

ثم قال بأن هذا من كلام بعض أهل الكتاب: محمد بن كعب أو كعب الأحبار، وهو ثابت عنهم!

وقد وهم في هذا أيضاً، فهذا الحديث لا يُعرف من حديث أهل الكتب أبداً، وكذا وهم في نسبة الحديث المرسل لابن وهب في جامعه! وهو ليس فيه!

والحديث فيه اختلاف في أسانيده عن ابن مسعود وغيره، وقد تكلمت عليه في مقال خاص، وهو حديث منكر!

ثم إن هذا الحديث لا يمكن أن يكون عن أهل الكتب، فمتنه لا يحتمل رواياتهم.

وكأن الأخ دخل عليه الوهم من حديث أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ عندما قال له رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا المُنْذِرِ، أَيُّ آيَةٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَعْظَمُ؟» قَالَ: قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255] قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ».

والله أعلم.

·       إطلاقات دون تحقيق!

سادساً: قول الأخ: "إن حديث الولي اشتهر الكلام عليه في القرون المتأخرة، ولم يشتهر الكلام عليه عند السلف"، يحتاج الأخ أن يبيّن لنا من السلف هنا؟ إذا قصد من قبل الإمام البخاري فليثبت لنا أنهم وقفوا على هذا الحديث! وإن قصد من هم بعد البخاري، فهل نطلق عليهم لفظ السلف؟!

·       افتراء!!

سابعاً: قوله: "الحديث في الصفات، ومن يعطّل صفات رب العالمين لما يقرأ هذا الحديث غُصّة في حلقه، فتجد من يحاول أن يبحث له عن علة من ههنا وههنا" = يعني أن من يضعف الحديث هو ممن يُعطّل صفات الله عز وجل! وهذا كذب وافتراء! فصفات الله عز وجل ثابتة في القرآن والسنة، وتعليل هذا الحديث لا يؤثر على صفات الله، وليس كل من ضعّف حديثاً فيه بعض الصفات نتّهمه بهذه الفرية، وأن الحديث غصة في حلوقهم! "وَإِذَا تَكَلَّمَ المَرْءُ فِي غَيْرِ فَنِّهِ أَتَى بِهَذِهِ العَجَائِبِ"، فإن أهل العلم لم يعدوا هذا الحديث من باب الصفات.

·       هل حديث الولي يدخل في أحاديث الصفات؟!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في «الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح» (3/333) – وهو يتحدث عن مسألة الحلول والاتحاد عند النصارى، وبيان المعنى الصحيح -: "هَذَا يُرَادُ بِهِ حُلُولُ الْإِيمَانِ بِهِ وَمَعْرِفَتُهُ، وَمَحَبَّتُهُ وَذِكْرُهُ وَعِبَادَتُهُ، وَنُورُهُ وَهُدَاهُ، وَقَدْ يُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ بِحُلُولِ المِثَالِ العِلْمِيِّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف: 84]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الروم: 27]، فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَهُ المَثَلُ الْأَعْلَى فِي قُلُوبِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ وَأَهْلِ الْأَرْضِ.

وَمِنْ هَذَا البَابِ: «مَا يَرْوِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَبِّهِ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ: أَنَا مَعَ عَبْدِي مَا ذَكَرَنِي، وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ»، فَأَخْبَرَ أَنَّ شَفَتَيْهِ تَتَحَرَّكُ بِهِ أَيْ بِاسْمِهِ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «عَبْدِي مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، فَيَقُولُ العَبْدُ: رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ؟، فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ»، فَقَالَ: لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ وَلَمْ يَقُل: لَوَجَدْتَنِي إِيَّاهُ، وَهُوَ عِنْدَهُ أَيْ فِي قَلْبِهِ، وَالَّذِي فِي قَلْبِهِ المِثَالُ العِلْمِيُّ.

«وَقَالَ تَعَالَى: عَبْدِي جُعْتُ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، فَيَقُولُ: وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا جَاعَ، فَلَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي»، وَلَمْ يَقُلْ لَوَجَدْتَنِي قَدْ أَكَلْتُهُ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: «مَن عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا»...".

ثامناً: قوله: "إن البخاري حجة" فهذا لا يُنازع فيه، لكن كونه حجة لا يعني أن كل ما يجتهد فيه يكون صحيحاً، فقد خالفه بعض أهل العلم في اجتهاداته، وهذا لا يُنقص من قدره.

تاسعاً: طالما أنك تنصح من لا يحسن صناعة الأخبار بتقليد البخاري، ومن كان من أهل النظر فهذا شأن آخر، فلم كل هذا التشغيب!

فأنت تقلد البخاري ولك ذلك.

 

*قال الأخ: "وأيضاً تكلموا في حديث شَريك بن عبدالله بن أبي نَمر، وشريك ثمة أحاديث استغربت عليه، لكن هو حديثه عن عطاء بن يسار جيدة مستقيمة، وهو معروف بالرواية عن عطاء بن يسار، له أحاديث صحاح لا أرى فيه غرابة ولا نكارة، وأيضاً عطاء بن يسار له أحاديث صحاح عن أبي هريرة، وكان من كبار علماء أهل المدينة ممن يرسل الأحاديث المستقيمة..." انتهى.

قلت:

·       تلبيس!

أولاً: الكلام في شريك ليس بالهيّن كما لبّس الأخ! فغالب أهل العلم على تضعيفه.

قال صالح بن أحمد بن حنبل: حدثنا علي بن المديني، قال: سمعت يحيي بن سعيد يقول: "قَدِم شريك مكة. فقيل لي إئته، فقلت: لو كان بين يدي ما سألته عن شيء"، وضعفه حديثه جداً. [تاريخ أسماء الضعفاء والكذابين لابن شاهين: (ص: 107)].

·       أحاديث شَريك بن أبي نَمر عن عطاء بن يسار!

ثانياً: ما الدليل على أن أحاديثه عن عطاء جيدة ومستقيمة؟ وما هي الأحاديث الصحاح له التي لا ترى فيها غرابة ولا نكارة؟

هل استقرأت وسبرت هذه الأحاديث؟

هل تعلم أن أحاديثه عن عطاء لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة! وكلها فيها كلام!

ذكر البزار في «مسنده» (15/270): "ما روى شريك بن أبي نمر عن عطاء"، ثم ساق له حديثين، الأول: حديث الولي، والثاني: حديث حُمَيد بن الأسود، عن عَبدالله بن هند بن أبي سَعِيد، عَن شريك بن أبي نمر، عَن عَطاء بن يسار، عَن أَبِي هُرَيرة، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قال: «ثلاث لا يرد دعاؤهم: الذاكر لله ودعوة المظلوم والإمام المقسط».

قال البزار: "وَهَذَا الحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إلاَّ عَن أبي هُرَيرة مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، ولاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ شريك بن أبي نمر إلاَّ عَبدالله بن سَعِيد، ولاَ عَن عَبدالله إلاَّ حُمَيد بن الأسود".

وذكر المزي في «التحفة» (10/273) أحاديث: "شريك بن عبدالله بن أبي نَمِر، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة"، فذكر له حديثين، الأول: الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والنسائي: «لَيْسَ المِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ التَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ، وَلاَ اللُّقْمَةُ وَلاَ اللُّقْمَتَانِ، إِنَّمَا المِسْكِينُ الَّذِي يَتَعَفَّفُ، وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ» يَعْنِي قَوْلَهُ: {لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273].

وضعفه النسائي فقال: "شَرِيكٌ هَذَا هُوَ: ابنُ عَبْدِاللهِ بنِ أَبِي نَمِرٍ لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ".

والثاني: حديث الولي.

هذا ما تيسر من التعليق على مغالطات وأوهام الأخ - هداه الله -.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

وصلى الله وبارك على نبيّنا محمد، وعلى آله وصحبه.

وكتب: د. خالد الحايك.

11 ربيع الأول 1443هـ.

 

شاركنا تعليقك