الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

دراسة حول حديث: «الرعد مَلك».

دراسة حول حديث: ((الرعدُ مَلكٌ)).

 

 

 

ذكر معظم أهل التفسير الحديث المرفوع: ((الرعدُ مَلَكٌ)) عند تفسيرهم لقول الله تعالى }ويُسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته{[سورة الرعد:13]. وقد جاء الحديث مرفوعاً إلى النبيّ e، وجاء موقوفاً على بعض الصحابة، وجاء تفسيراً من كلام أئمة التفسير من التابعين. وسأذكر هذه الاختلافات في هذا الحديث كلّ على حدة.

 

· المطلب الأول: الروايات المرفوعة لهذا الحديث:

قال الترمذي - رحمه الله - حدّثنا عبدالله بن عبدالرحمن، قال: أخبرنا أبو نُعيم، عن عبدالله بن الوليد - وكان يكون في بني عجل -، عن بُكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: "أقبلت يهود إلى النبيّ e فقالوا: يا أبا القاسم، أخبرنا عن الرعد، ما هو؟ قال: ((ملَكٌ من الملائكة وُكلَ بالسحاب، معه مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله.)) فقالوا: فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال: ((زَجْرُهُ السحابَ إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر.)) قالوا: "صدقت" فأخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: ((اشتكى عرق النسا فلم يجد شيئاً يلائمه إلا لحوم الإبل وألبانها، فلذلك حرّمها.)) قالوا: "صدقت."

قال الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ"[1].

قلت: وهذا الحديث أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) بسياق أطول من هذا، عن أحمد بن يحيى الصوفي، قال: أخبرنا أبو نعيم، قال: أخبرنا عبد الله بن الوليد - وكان يجالس الحسن بن حي - عن بكير بن شهاب به. وفيه: ((أقبلت يهود إلى النبيّ e فقالوا: يا أبا القاسم! نسألك عن أشياء فإن أجبتنا فيها اتبعناك وصدقناك وآمنا بك، قال فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه إذ قالوا الله على ما نقول وكيل. قالوا: أخبرنا عن علامة النبي e؟ قال: ((تنام عيناه ولا ينام قلبه))، قالوا: أخبرنا كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل؟ قال: ((يلتقي الماءان فإذا علا ماء المرأة ماء الرجل أنثت وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت))، قالوا: صدقت.... قالوا: أخبرنا من الذي يأتيك من الملائكة فإنه ليس من نبي إلا يأتيه ملك من الملائكة من ربه بالرسالة وبالوحي فمن صاحبك؟ فإنما بقيت هذه حتى نتابعك؟ قال: ((هو جبريل))، قالوا: ذلك الذي ينـزل بالحرب وبالقتل ذاك عدونا من الملائكة، لو قلت ميكائيل الذي ينـزل بالقطر والرحمة تابعناك، فأنزل الله تعالى }من كان عدواً لجبريل{ إلى آخر الآية }فإن الله عدو للكافرين{[2].

وأخرجه الطبراني عن علي بن عبدالعزيز عن أبي نعيم به، بتمامه[3]. وأخرجه الضياء المقدسي من طريق الطبراني[4].

وأخرجه أحمد في ((المسند)) عن أبي أحمد الزبيري، قال: حدثنا عبدالله بن الوليد العجلي - وكانت له هيئة، رأيناه عند حسن - عن بكير بن شهاب به، بنحوه[5].

وأخرجه الضياء المقدسي في ((المختارة)) من طريق أحمد[6].

ورواه ابن أبي حاتم في ((التفسير)) عن أبي سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان، عن أبي أحمد الزبيري، عن عبدالله بن الوليد ـ يعني من ولد معقل بن مقرن ـ عن بكير بن شهاب به مقتصراً على ذكر الرعد فقط[7].

وأخرجه أحمد أيضاً عن هاشم بن القاسم، عن عبدالحميد، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس، قال: ((حضرت عصابة من اليهود نبي الله e يوماً فقالوا: يا أبا القاسم: حدثنا عن خلال نسألك عنهن...)) وساق الحديث بطوله، إلا أنه لم يذكر سؤالهم عن الرعد[8].

وقد رُويت أجزاء من هذا الحديث بأسانيد مختلفة مرفوعة وموقوفة[9]، ولم يرد ذكر الرعد إلا في هذا الحديث الطويل!

قال الهيثمي: "رواه الترمذي باختصار، ورواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات[10].

ونقل الشيخ شعيب الأرنؤوط قول الترمذي: "حديث حسن." ثم قال: "وهو كما قال[11].

قلت: قول الترمذي هو: "حديث حسن غريب." فلم يذكر الشيخ شعيب لفظ "غريب"!

وقد نقل الشيخ الألباني[12] والشيخ حمدي السلفي أن الترمذي قال: "حديث حسن صحيح غريب"[13] وهذا لا يوجد في النسخة المتداولة بين أيدي طلبة العلم، ولعله يوجد في نسخة قديمة من الترمذي؛ لأن الزرقاني قال في هذا الحديث: "روى أحمد والترمذي وصححه والنسائي والضياء وغيرهم عن ابن عباس..."، فنقل هنا تصحيح الترمذي له[14].

قلت: وهذه الاختلافات بين النسخ في نقل أقوال الترمذي فيها أوهام كثيرة، وقد نبّه بعض أهل العلم كالمزي إلى هذا قديماً.

وقد صحح هذا الحديث ابن منده، فقال: "هذا إسناد متصل، ورواته مشاهير ثقات، أخرجه النسائي"[15].

وصححه الشيخ أحمد شاكر، فقال: "إسناده صحيح"[16].

وصححه الشيخ ناصر الدين الألباني[17].

وصححه الدكتور عبدالملك دهيش محقق المختارة، فقال: "إسناد صحيح بالمتابعة"[18].

قلت: مدار هذا الحديث على ((عبدالله بن الوليد)) وقد تفرد به عن بكير بن شهاب، وتفرد به بكير عن سعيد، قال أبو نُعيم الأصبهاني بعد أن أخرجه في ((الحلية)): "غريبٌ من حديث سعيد، تفرد به بُكير"[19].

قلت: وهذه إشارة رائعة من الحافظ أبي نُعيم، فكيف يتفرد به بُكير هذا عن سعيد بن جبير! فأين أصحاب سعيد الثقات عن هذا الحديث؟ فالعلة تكمن في تفرد بكير هذا، وهو ممن لا يُحتمل تفرده، وهو بُكير بن شهاب الكوفيّ، وليس الدامغاني، قال أبو حاتم: "هو شيخ، يمكن أن يكون كوفياً". روى له الترمذي والنسائي هذا الحديث فقط[20].

وترجم له البخاري في ((التاريخ)) فقال: "يعدّ في الكوفيين، عن صالح بن سلمان، روى عنه مبارك بن سعيد. قال لي أبو نُعيم: حدّثنا عبدالله بن الوليد، عن بكير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود فقالوا: يا أبا القاسم! أخبرنا عمّا حرّم إسرائيل على نفسه؟ قال: كان يسكن البدو فاشتكى عرق النَسا فلم يجد شيئاً يلاومه إلا لحوم الإبل وألبانها فلذلك حرّمها. قالوا: صدقت. وقال الثوري: عن حبيب عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قوله." قال أبو عبد الله: "حدثناه محمد بن يوسف وغير واحد عن سفيان"[21].

قلت: يبيّن البخاري من خلال الترجمة إلى ضعف حديث بكير المرفوع هذا حديث منكر، والصحيح ما رواه غيره عن سعيد عن ابن عباس من قوله ليس مرفوعاً، فيكون من تفسير ابن عباس رضي الله عنه.

والظاهر أن بكيراً وهم في هذه الرواية فدخل له حديث في حديث. فالقصة مروية عن ابن عباس وفيها هذه السؤالات، ولكن ليس فيها ذكر الرعد، وذكره في حديث آخر روي عن ابن عباس، فأدخله بكير في أجزاء هذا الحديث. وإنما نبّه البخاري على الجزء المروي من طرق صحيحة عن ابن عباس فيما يتعلق بما حرّم إسرائيل على نفسه، والصواب فيه الوقف على أبي هريرة.

 

وتفصيل الحديث:

روى عَبْدُالْحَمِيدِ بن بَهرام، قال: حَدَّثَنَا شَهْر بن حَوشب، قَالَ: قال ابنُ عَبَّاسٍ: حَضَرَتْ عِصَابَةٌ مِنْ الْيَهُودِ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالُوا: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، حَدِّثْنَا عَنْ خِلالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ، لا يَعْلَمُهُنَّ إِلا نَبِيٌّ. قَالَ: سَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ، وَلَكِنْ اجْعَلُوا لِي ذِمَّةَ اللَّهِ وَمَا أَخَذَ يَعْقُوبُ عَلَى بَنِيهِ لَئِنْ حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا فَعَرَفْتُمُوهُ لَتُتَابِعُنِّي عَلَى الإسْلامِ. قَالُوا: فَذَلِكَ لَكَ. قَالَ: فَسَلُونِي عَمَّا شِئْتُمْ.

قَالُوا: أَخْبِرْنَا عَنْ أَرْبَعِ خِلالٍ نَسْأَلُكَ عَنْهُنَّ:

أَخْبِرْنَا أَيُّ الطَّعَامِ حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ؟

وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ مَاءُ الْمَرْأَةِ وَمَاءُ الرَّجُلِ كَيْفَ يَكُونُ الذَّكَرُ مِنْهُ؟

وَأَخْبِرْنَا كَيْفَ هَذَا النَّبِيُّ الأمِّيُّ فِي النَّوْمِ؟

وَمَنْ وَلِيُّهُ مِنْ الْمَلائِكَةِ؟

قَالَ: فَعَلَيْكُمْ عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أَنَا أَخْبَرْتُكُمْ لَتُتَابِعُنِّي. قَالَ: فَأَعْطَوْهُ مَا شَاءَ مِنْ عَهْدٍ وَمِيثَاقٍ.

فَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ إِسْرَائِيلَ يَعْقُوبَ مَرِضَ مَرَضًا شَدِيدًا، وَطَالَ سَقَمُهُ فَنَذَرَ لِلَّهِ نَذْرًا لَئِنْ شَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ سَقَمِهِ لَيُحَرِّمَنَّ أَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ وَأَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ، وَكَانَ أَحَبَّ الطَّعَامِ إِلَيْهِ لُحْمَانُ الإبِلِ، وَأَحَبَّ الشَّرَابِ إِلَيْهِ أَلْبَانُهَا؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ.

قال: فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَاءَ الرَّجُلِ أَبْيَضُ غَلِيظٌ، وَأَنَّ مَاءَ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ رَقِيقٌ، فَأَيُّهُمَا عَلا كَانَ لَهُ الْوَلَدُ وَالشَّبَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ إِنْ عَلا مَاءُ الرَّجُلِ عَلَى مَاءِ الْمَرْأَةِ كَانَ ذَكَرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَإِنْ عَلا مَاءُ الْمَرْأَةِ عَلَى مَاءِ الرَّجُلِ كَانَ أُنْثَى بِإِذْنِ اللَّهِ. قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ عَلَيْهِمْ.

فَأَنْشُدُكُمْ بِالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا النَّبِيَّ الأُمِّيَّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ. قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ.

قَالُوا: وَأَنْتَ الآنَ، فَحَدِّثْنَا مَنْ وَلِيُّكَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ، فَعِنْدَهَا نُجَامِعُكَ أَوْ نُفَارِقُكَ؟ قَالَ: فَإِنَّ وَلِيِّيَ جِبْرِيلُ، وَلَمْ يَبْعَثْ اللَّهُ نَبِيًّا قَطُّ إِلا وَهُوَ وَلِيُّهُ. قَالُوا: فَعِنْدَهَا نُفَارِقُكَ لَوْ كَانَ وَلِيُّكَ سِوَاهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَتَابَعْنَاكَ وَصَدَّقْنَاكَ. قَالَ: فَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ أَنْ تُصَدِّقُوهُ؟ قَالُوا: إِنَّهُ عَدُوُّنَا. قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ} إِلَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ}. فَعِنْدَ ذَلِكَ: {بَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ}.

رواه الطيالسي في ((مسنده)) عن عبدالحميد بن بهرام. ورواه ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) عن يونس ابن حبيب عن الطيالسي.

ورواه الطبري في ((تفسيره)) عن يونس عن بكير عن عبدالحميد.

ورواه أحمد في ((مسنده))، وابن سعد في ((الطبقات)) عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن عبدالحميد.

ورواه أحمد أيضاً عن حسين بن محمد المروزي عن عبدالحميد بن بهرام مختصراً.

ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن عبدالحميد.

ورواه عبدالرحمن بن حُميد في ((تفسيره)) عن أحمد بن يونس عن عبدالحميد[22].

ورواه الطبري في ((تفسيره)) عن ابن حميد قال: حدثنا سلمة قال: حدثني محمد بن إسحاق قال: حدثني عبدالله بن عبدالرحمن بن أبي الحسين -يعني المكي- عن شهر بن حوشب الأشعري: أن نفراً من اليهود جاؤوا رسول الله، فذكره مرسلاً. وزاد فيه: "قالوا: فأخبرنا عن الروح؟ قال: فأنشدكم بالله وبأيامه عند بني إسرائيل هل تعلمون أنه جبريل وهو الذي يأتيني؟ قالوا: اللهم نعم، ولكنه عدو لنا وهو ملك إنما يأتي بالشدة وسفك الدماء فلولا ذلك اتبعناك، فأنزل الله تعالى فيهم: {قل من كان عدواً لجبريل} إلى قوله: {لا يعلمون}"[23].

  قلت: نعم الأئمة على ترجيح رواية عبدالحميد بن بهرام عن شهر على رواية غيره عن ابن بهرام، ومقتضى هذا أن رواية عبدالحميد عن شهر عن ابن عباس هي الصحيحة، ورواية عبدالله بن عبدالرحمن المكي عن شهر المرسلة لا تقاومها! ولكن المشكلة هنا في شهر نفسه لا في الرواة عنه، فهو الذي وصل الرواية مرة وأرسلها أخرى، وكان –رحمه الله- يضطرب في حديثه وكان يرسل كثيراً.

وهذه القصة فيها ما يُنكر، وليس فيها ذكر الرعد، وذكره محفوظ من طرق أخرى عن شهر، وسيأتي الخلاف في ذلك إن شاء الله. والذي أميل إليه أن رواية بكير ملفقة من عدة روايات بعضها صحيح وبعضها منكر رُويت مرسلة. ولهذا جاء في رواية بكير السؤال عن خمسة أشياء، وفي رواية شهر عن أربعة، فإذا أضيف إليها السؤال عن الرعد أصبحت خمسة كما في رواية بكير!

والصواب في هذه القصة ما رواه الإمام البخاري في ((صحيحه)) من طريق إبراهيم بن محمد الفَزاري وبِشر بن المُفضَّل وعبدالله بن بكر بن حبيب السهمي، ثلاثتهم عن حُميد الطويل، قال: حدثنا أنس: أن عبدالله بن سلام بلغه مَقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فأتاه يسأله عن أشياء. فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبيّ: ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال: أخبرني به جبريل آنفاً. قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة! قال: ((أما أول أشراط الساعة: فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب. وأما أول طعام يأكله أهل الجنة: فزيادة كبد الحوت. وأما الولد: فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت الولد)). قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. قال: يا رسول الله، إن اليهود قوم بهت، فاسألهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي. فجاءت اليهود: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أي رجل عبدالله بن سلام فيكم؟)). قالوا: خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أرأيتم إن أسلم عبدالله بن سلام؟)). قالوا: أعاذه الله من ذلك. فأعاد عليهم، فقالوا مثل ذلك. فخرج إليهم عبدالله فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله". قالوا: شرنا وابن شرنا وتنقصوه. قال: "هذا كنت أخاف يا رسول الله"[24].

ونرجع إلى ترجمة بكير:

وقول الذهبي في بكير هذا: "عراقي صدوق"[25]. حكم عام، لا ينافي حكمنا على حديثه هذا بالنكارة، والذهبي قال ذلك في مقابلة كلامه عن بكير بن شهاب الدامغاني بأنه منكر الحديث، فقال: وأما بكير... فعراقي صدوق، فهو لم يتتبع حديثه وإنما حكم عليه حكماً عاماً، والله أعلم!

· تصحيح الشيخ الألباني لهذا الحديث:

وقد نقل الشيخ الألباني كلام الذهبي في الميزان، ثم قال: "ولعل مستنده في ذلك قول أبي حاتم فيه: "شيخ" مع ذكر ابن حبان له في الثقات، وتصحيح من صحح حديثه هذا ممن ذكرنا. وأما الحافظ فقال في التقريب: "مقبول" يعني عند المتابعة، ولم يتابع عليه كما صرّح بذلك أبو نعيم في قوله السابق، فالحديث في رأي الحافظ لين، والأرجح أنه صحيح كما ذهب إليه الجماعة، لا سيما وقد ذكر له الحافظ شاهداً في ((تخريج الكشاف" (ص91) من رواية الطبراني في الأوسط عن أبي عمران الكوفي[26] عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أن خزيمة بن ثابت ـ وليس بالأنصاري ـ[27] سأل النبيّ e عن الرعد؟ فقال: ((هو ملك بيده مخراق، إذا رفع برق، وإذا زجر رعدت، وإذا ضرب صعقت.)) قلت: ـ أي الألباني ـ ولم يتكلم عليه الحافظ بشيء، وأبو عمران لم أعرفه، وفي الرواة المعروفين بهذه الكنية إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي الفقيه، ولكنه متقدم على هذا، والله أعلم. وقد روى الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (ص85) من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس، قال: ((الرعد ملك يسوق السحاب كما يسوق الحادي الإبل بحدائه)). وشهر ضعيف لسوء حفظه. وجملة القول أن الحديث عندي حسن على أقل الدرجات. وفي الباب آثار أخرى كثيرة أوردها السيوطي في ((الدر المنثور))، فليراجعها من شاء." انتهى كلام الشيخ الألباني –رحمه الله-.

قلت: على كلام الشيخ الألباني مؤاخذات:

1- أن ما ظنه الشيخ من قول الذهبي فيه "صدوق" اعتماداً على قول أبي حاتم فيه "شيخ" فيه نظر؛ لأن كلمة شيخ عند أبي حاتم أقرب إلى التضعيف، ولا ترتقي إلى درجة الصدوق.

2- سبق وأن بينت أن الذهبي إنما قال ذلك في بكير في مقابلته لبكير بن شهاب الدامغاني، وهذا يدل على أن الذهبي لم يحرر ترجمته فعلاً، لأنه لم يسق في ترجمته أي قول من أقوال أهل العلم كقول أبي حاتم، وذكر ابن حبان له في الثقات.

3- أخطأ الشيخ في اعتماده على تقريب ابن حجر في الحكم على الرواة، ومعلوم أن ابن حجر أراد من هذا الكتاب: تقريب الأحكام على الرواة بشكل عام لا الاعتماد عليها في الحكم على الأحاديث، وكلمة مقبول عنده يعني عند المتابعة كما قرره الشيخ مع التسليم بصحة ذلك فإن المتابعة ينبغي أن تكون متابعة قريبة لا متابعة بعيدة، وقد قرر الشيخ أنه لا توجد متابعة لهذا الحديث ما جعله ينسب إلى الحافظ ابن حجر تليينه الحديث، وفي هذا نظر؛ لأن الحديث ليس بلين بل منكر!

4- تردد الشيخ في الحكم على الحديث، فقال بأنه حديث صحيح ثم قال بأنه حسن على أقل الدرجات.

5- قوله بأنه صحيح كما ذهب إليه الجماعة، فأي جماعة قصد الشيخ؟ يفهم من كلامه أن جماعة العلماء قد صححوه، وليس كذلك، وإنما الذين صححوه هم بعض المتأخرين كابن منده والضياء المقدسي فقط، وبعض المعاصرين كما بيّناه سابقاً.

6- الشاهد الذي أتى به الشيخ والذي ذكره ابن حجر من حديث جابر هو حديث باطل كما نص عليه الشيخ نفسه في ((السلسلة الضعيفة))، فإنه أورده فيها، وقال: "باطل. ساقه الهيثمي في ((المجمع)) (8/133) من حديث جابر ابن عبدالله بن خزيمة بن ثابت ـ وليس بالأنصاري ـ قال: يا رسول الله: أخبرني عن ضوء النهار، وظلمة الليل، وعن حرّ الماء في الشتاء وعن برده في الصيف، وعن البلد الأمين، وعن منشأ السحاب، وعن مخرج الجراد، وعن الرعد والبرق، وعما للرجل من الولد وما للمرأة، فقال رسول الله e فذكره. قال الهيثمي: ورواه الطبراني في ((الأوسط))، وفيه يوسف بن يعقوب أبو عمران، ذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمته ولم ينقل تضعيفه عن أحد".قلت: ـ أي الشيخ الألباني: روايته مثل هذا الحديث كاف في تضعيفه،[28] فقد قال الذهبي في ترجمته: إنه خبر باطل، والراوي عنه مجهول واسمه محمد بن عبد الرحمن السلمي، وأقره الحافظ في اللسان"[29].

قلت: فهذا تناقض من الشيخ الألباني، يقول بأن الحديث صحيح بناء على شاهد هو نفسه حكم ببطلانه!

7- قوله: "وأبو عمران الكوفي لم أعرفه..." فقد تبيّن فيما نقله في السلسلة الضعيفة أن الذهبي ذكره في الميزان وأشار إلى خبره الباطل هذا، فلا داعي لذكر إبراهيم النخعي وأنه يعرف بهذه الكنية وأنه متقدم عن هذا!

8- ما أشار إليه من أن السيوطي ذكر أثاراً كثيرة في الباب يوهم أن لهذا الحديث أصلاً، وليس كذلك، فإن معظم ما ذكره السيوطي لا يصح، ولا يصلح للاعتبار.

قلت: والحديث هذا الذي أورده الهيثمي ورواه الطبراني حديث باطل منكر، وفيه أن جابراً هذا كان في عير لخديجة وأن النبيّ e كان معه في تلك العير، وذكر هذا الحديث الطويل المنكر المصنوع![30].

وبُكير هذا لم يوثقه أحد من العلماء، وقد أخطأ المعاصرون في توثيقه اعتماداً على ذكر ابن حبان له في ((الثقات)) وتصحيح هذا الحديث له!

فالشيخ أحمد شاكر متساهل في التصحيح، والشيخ شعيب الأرنؤوط خالف حكمه في تعليقه على تهذيب الكمال، وحكم على الحديث في تعليقه على مسند أحمد بأنه حسن دون قصة الرعد، وذكر بأن بكيراً هذا توبع على حديثه هذا، ورجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير عبدالله بن الوليد العجلي، فقد روى له الترمذي والنسائي، وهو ثقة[31].

قلت: في كلامه نظر؛ فلم يتابع بكير على رواية هذا الحديث أحد، وقد تفرد به، وهو ليس من رجال الشيخين كما قال الشيخ! والحديث كلّه باطل غير أحرف يسيرة منه خُرِّجت في الصحيح، أما بهذا السياق فمنكر.

وأما قول د. عبدالملك دهيش بأن إسناد الحديث صحيح بالمتابعة، فغير صحيح؛ إذ لا توجد متابعة للحديث البتة.

والمشكلة عند كثير من المشتغلين بالحديث في زماننا هذا أنهم إذا وقفوا على أجزاء من حديث كهذا في أحاديث صحيحة فإنهم يعدون ذلك متابعات وشواهد، وهذا ليس مبنياً على قواعد وأصول نقاد الحديث؛ لأن الضعفاء والمجاهيل يأخذون ما صح من بعض الأحاديث ويؤلفون بينها ويركبون لها أسانيد فيسوقونها، فيأتي بعض المعاصرين فيحسنها أو يصححها اعتماداً على ورود أحرف من تلك الأحاديث عند أصحاب الصحيح وغيرهم!

وعودة إلى الحديث، فقد بيّنا أن بكيراً هذا تفرد به، ويمكن أن يكون هو الذي وهم في تركيب أجزاء هذا الحديث فساقها فيه، ويمكن أن يكون حدّث ببعضها وزاد فيه تلميذه أجزاء أخرى، وهذا يحتّم علينا أن نترجم للراوي عنه، وهو عبدالله بن الوليد.

· ترجمة عبدالله بن الوليد:

هو عبدالله بن الوليد بن عبدالله بن معقل بن مقرن المزني الكوفي، كان يكون في بني عجل فربما قيل له العجلي. روى عن بكير بن شهاب وأبي صخرة جامع بن شداد وعاصم بن كليب وعاصم بن بهدلة وجماعة. وعنه ابن المبارك وابن عيينة وأبو أحمد الزبيري والحسن بن ثابت الأحول وأبو عاصم وأبو نُعيم وغيرهم.

قال علي بن المديني: "مجهول، لا أعرفه." وقال ابن معين والعجلي والنسائي: "ثقة." وقال أبو حاتم: "صالح الحديث"[32].

وقد رد الذهبي على ابن المديني تجهيله له، فقال: "قلت: قد عرفه جماعة ووثقوه فالعبرة بهم"[33].

قلت: ظاهر عبارات من روى الحديث عنه كأبي نعيم وأبي أحمد الزبيري من وصفهما لحاله وأنه كان في بني عجل، وأن له هيئة حسنة، وأنه كان يجالس حسن بن حي، وعدم شهرته لأنه كان يجالس الحسن بن حيّ، والحسن بن حيّ كان مختفياً دهراً من الزمان وكان أبو جعفر المنصور يبحث عنه؛ لأنه كان رأساً في الزيدية وكان يرى السيف، وكان -رحمه الله- فقيهاً والرواية عنه قليلة، ومن يذهب إليه من المحدثين إنما كان يذهب إليه خُفية، ولهذا عرّفه أبو نُعيم وغيره، لئلا يعتقد بأنه مجهول العين، وكونه جالس أهل العلم فإن جهالة العين عنه تزول وهذا مذهب أهل العلم في ذلك. ومجالسته للحسن بن حي ترفع عنه الجهالة من جهة، وقد يطعن فيه من جهة أخرى لمذهب ابن حي، فيكون عبدالله على مذهب شيخه ابن حي، لمجالسته إياه!

وهو على أقل الأحوال صدوق، وكونه من آل معقل بن مقرن يرفع جهالة حاله لأنهم أهل علم والرواية عنهم معروفه، فهو ليس بمتهم، فيمكن أن يكون وهم في رواية هذا الحديث، فزاد فيه أشياء، والله أعلم! على أنني أرجح أن البلية في هذا الحديث من شيخه بكير بن شهاب، ومما يدل على ذلك أنّ الطبراني روى في ((المعجم الكبير))[34] حديثاً منكراً بهذا الإسناد، من طريق أبي نُعيم الفضل بن دكين عن عبدالله بن الوليد العجلي، عن بكير بن شهاب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: ((لوددت أنّ عندي رجلاً من أهل القدر فوجأت رأسه. قالوا: ولِمَ ذاك؟ قال: لأن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء دفتاه من ياقوتة حمراء، قلمه نور، وكتابه نور، وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر فيه كل يوم ستين وثلاث مئة نظرة، يخلق بكلِّ نظرة، ويحي ويميت ويعزّ ويذل ويفعل ما يشاء.))[35].

 

· المطلب الثاني: الروايات الموقوفة على الصحابة لهذا الحديث:

أولاً: عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -:

1- قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن أبي محمد الهاشمي، عن أبيه، عن عليّ، قال: ((الرعد ملك، والبرق مخراق من حديد)).

2- وقال الإمام أحمد: أخبرنا عفان، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، قال: أخبرني مغيرة بن مسلم أو غيره[36] أنّ عليّ بن أبي طالب، قال: ((الرعد ملك، والبرق ضربه السحاب بمخراق من حديد)).

3- وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، قال: أخبرنا حماد بن سلمة، عن المغيرة بن مسلم مولى الحسن بن علي عن أبيه أنّ علياً قال:  ((الرعد ملك))[37].

قلت: هذه الروايات الثلاثة هي رواية واحدة، تفرد بها حماد بن سلمة. وأبو محمد الهاشمي هو مغيرة بن مسلم مولى الحسن بن عليّ، وهو مجهول لا يُعرف، وقد ذكره ابن حبان في ((الثقات)) فما أتى في ترجمته بشيء، قال: "مغيرة بن مسلم أبو محمد الهاشمي مولى الحسن بن عليّ، يروي عن أبيه عن علي. روى عنه حماد بن سلمة"[38]. فما ذكره ابن حبان هو اعتمد فيه على هذه الرواية المنكرة، وهذه عادة ابن حبان –رحمه الله- إذا لم يجد في الرجل جرحاً أو تعديلاً، فإنه يذكره في الثقات!

فهذه الرواية منكرة، والعلة فيها هذا المجهول، أو هي من منكرات حماد –رحمه الله- فإنه كان يُدخل عليه ويُدسّ في كتبه[39]، وإيراد الإمام أحمد لهذا الحديث بهذه الأسانيد التي تدور على حماد بن سلمة في ((العلل)) يدل على أنه يستنكرها! لما عرف من منهجه في ذلك الكتاب من إيراده مثل هذه الآثار[40].

4- أخرج البيهقي عن أبي طاهر الفقيه، قال: أنبأنا أبو بكر القطان، قال: حدثنا أبو الأزهر [وهو: أحمد بن الأزهر النيسابوري]، قال: حدثنا روح [وهو ابن عبادة]، قال: حدثنا الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن سعيد بن أشوع، عن ربيعة بن الأبيض، عن عليّ رضي الله عنه، قال: ((البرق مخاريق الملائكة))[41].

ورواه ابن أبي حاتم في ((التفسير))[42] عن أبي سعيد الأشج، قال: حدثنا أبو نُعيم، قال: حدثنا سفيان، عن سلمة بن كهيل عن [ابن أشئ][43] عن ربيعة بن الأبيض، عن عليّ به.

ورواه الطبري من طريق أبي عاصم وعبدالرحمن بن مهدي وأبي أحمد الزبيري، ثلاثتهم عن سفيان الثوري به[44].

ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب ((العَظمة)) من طريق أبي نعيم عن سفيان به[45].

ورواه الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) عن أبي النضر هاشم بن القاسم الليثي الحافظ، قال: حدثنا المسعودي، عن سلمة بن كهيل، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن عليّ بن أبي طالب –رضي الله عنه-، قال: ((الرعدُ ملكٌ، والبرق مخاريق بأيدي الملائكة يسوقون بها السحاب))[46].

قلت: هذا الحديث تفرد به سلمة بن كهيل وهو محفوظ عنه، فرواه عنه الثوري وأبو نعيم، والثوري قد أدرك سعيد بن أشوع، لأن سلمة مات سنة (123) وسعيد مات سنة (129) وهنا يبعد أن يكون الثوري قد دلسه؛ لأنه لو أراد أن يدلسه لأسقط سلمة، وهو قد أدرك سعيداً، وأما رواية سلمة عن ابن أشوع فصحيحة لأنهم كانوا يروون عن أقرانهم وينـزلون في الأسانيد، وسفيان كان يحب الغرائب، ولهذا رواه.

والعلة في الحديث هي جهالة ربيعة بن الأبيض هذا، والكذب على عليّ كان قديماً كما روى مسلم في مقدمة صحيحة: "أي علم أفسدوا عن علي" أي لكثرة الوضع والكذب عليه رضي الله عنه.

وذكر ابن حبان لربيعة هذا في كتابه ((الثقات)) لا يرفع عنه الجهالة، وما أتى ابن حبان في ترجمته بشيء إلا ما جاء في هذا الحديث، فقال ابن حبان: "ربيعة بن الأبيض، يروي عن علي. روى عنه ابن أشوع."

وأما رواية المسعودي - وهو عبدالرحمن بن عبدالله بن عتبة - فإنه قد روى عن سلمة، ولكنه أخطأ فيه، وكان قد اختلط في آخر عمره!

وقد سئل الدارقطني عن حديث ربيعة بن الأبيض هذا؟ فقال: "يرويه الثوري عن سلمة بن كهيل عن ابن أشوع عن ربيعة بن الأبيض عن عليّ، ورواه المسعودي عن سلمة بن كهيل عن رجل عن عليّ، والقول قول الثوري"[47].

قلت: الدارقطني - رحمه الله - سئل عن الاختلاف في الإسناد فقط، وعمن هو محفوظ، ولم يُسئل عن صحة الحديث أو ضعفه، فبيّن رحمه الله أنه محفوظ من رواية الثوري، وأن رواية المسعودي خطأ!

وهناك أمر لا بد من التنبيه إليه وهو أن حديث الثوري فيه ذكر البرق فقط، ولم يذكر الرعد، أما حديث المسعودي ففيه ذكر الرعد والبرق.

 

ثانياً: ابن عباس - رضي الله عنه -:

1- قال الطبري: حُدّثت عن المنجاب بن الحارث، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي رَوق، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: ((الرعد ملك من الملائكة اسمه الرعد، وهو الذي تسمعون صوته))[48].

ورواه الطبراني في ((كتاب الدعاء)) عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا منجاب بن الحارث، به[49].

قلت: بشر بن عمارة ليس بالقوي في الحديث، ولكن هذا الذي رواه من نسخة تفسيرية، رواها عن أبي روق عطية بن الحارث الهمداني –وهو لا بأس به- عن الضحاك عن ابن عباس، وهي نسخة حسنة، وقد توبع أبو روق.

روى الطبراني قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز، قال: حدثنا حفص بن عمر الحوضي، قال: حدثنا مرجي ابن رجاء عن أبي سعد البقال عن الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: ((الرعد ملك يزجر السحاب بصوته))[50].

قلت: إسناده ضعيف، وأبو سعد البقال هو: سعيد بن مرزبان، مولى حذيفة العبسي، وهو ضعيف في الحديث، ومتابعته هذه يقبلها بعض أهل العلم في الآثار التفسيرية.

وقد يُقال: الضحاك لم يلق ابن عباس، فكيف تكون نسخته عن ابن عباس حسنة؟ فيجاب عن ذلك: نعم، لم يلق الضحاك ابن عباس ولم يره، ولكنه سئل عمن أخذ تفسير ابن عباس؟ فقال: عن سعيد بن جبير. وقد احتج الطبري وغيره بهذه النسخة.

2- قال الطبري: حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا عبدالملك بن حسين، عن السُّدي عن أبي مالك غزوان الغفاري عن ابن عباس، قال: ((الرعد ملك يزجر السحاب بالتسبيح والتكبير))[51].

قلت: ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب ((المطر والرعد والبرق))، وأبو الشيخ الأصبهاني في كتاب ((العَظمة)) من طريق الحسين بن الأسود عن أبي أسامة عن عبدالملك به[52].

وعبدالملك بن حسين هو أبو مالك النخعي الواسطي، قال ابن معين: "ليس بشيء." وقال البخاري: "ليس بالقوي عندهم"[53].

3- قال الطبري: حدثنا الحسن، قال: حدّثنا عفّان، قال: حدّثنا أبو عوانة عن موسى البزار عن شهر بن حوشب عن ابن عباس –رضي الله عنهما-، قال: ((الرعد ملك يسوق السحاب بالتسبيح كما يسوق الحادي الإبل بحدائه))[54].

قلت: وأخرجه أيضاً أبو الشيخ الأصبهاني في ((العظمة)) من طريق أبي عوانة به[55]. وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف. قال ابن عَدي: "وشهر هذا ليس بالقوي في الحديث، وهو ممن لا يحتج بحديثه ولا يتدين به"[56].

وسيتبيّن لنا أن شهراً كان يُحدِّث به من قوله، ويُحدِّث به عن كعب قوله.

وشهر وإن قال فيه ابن عدي ما تقدم، والخلاف عليه في هذا الأثر، إلا أننا نستطيع أن نرجّح الرواية الصحيحة عنه إن شاء الله كما سيأتي.

4- قال الطبري: حدّثنا الحسن بن محمد، قال: حدّثنا عليّ بن عاصم، عن ابن جريج، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: ((الرعد اسم ملك، وصوته هذا تسبيحه، فإذا اشتد زَجْرُه السحابَ، اضطرب السحابُ واحتكَّ، فتخرج الصّواعق من بينه))[57].

قلت: علي بن عاصم ضعيف. قال ابن معين: "ليس بشيء." وقال البخاري: "ليس بالقوي عندهم، يتكلمون فيه." وقال النسائي: "متروك الحديث"[58].

وخالفه حجاج بن محمد فرواه عن ابن جريج عن مجاهد قال: "الرعد ملك"[59].

وقد رواه الحكم بن عتيبة وليث وعثمان بن الأسود أيضاً عن مجاهد قوله[60].

5- قال البخاريّ في ((الأدب المفرد)): حدثنا بشر، قال: حدّثنا موسى بن عبدالله[61]، قال: حدثني الحكم، قال: حدثني عكرمة، أنّ ابن عباس كان إذا سمع صوت الرعد، قال: ((سبحان الذي سَبَّحتَ له)).

قال: "إنّ الرعد ملك ينعق بالغيث كما ينعق الراعي بغنمه"[62].

قلت: ورواه الطبري في ((التفسير))[63] من طريق حفص بن عمر عن الحكم بن أبان به. وفي آخره: "قال: وكان يقول: إنّ الرعد..." فتبيّن أن هذا منسوب إلى ابن عباس كما هو مزعوم في الرواية!

والحكم عابد صدوق له أوهام ومناكير، وكان -رحمه الله- يصلي من الليل، فإذا غلبته عيناه نزل إلى البحر فقام في الماء يسبّح مع دواب البحر[64]. وقد سمع من عكرمة، لأن عكرمة قدم اليمن سنة مئة، وتوفي الحكم سنة أربع وخمسين ومئة، فقول ابن عباس أنه كان إذا سمع الرعد، قال: ((سبحان الذي سبحت له)) صحيح، ولهذا رواه البخاري في ((الأدب المفرد)). أما الشطر الآخر: ((إن الرعد ملك...))[65] فلعل هذا رأي عكرمة، وسأبين ذلك فيما بعد، فظن الحكم أنه قول ابن عباس! وتخريج البخاري لهذا الكلام لا يعني الاحتجاج به.

6- قال الطبراني في ((كتاب الدعاء)): حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، قال: حدثنا عبدالله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: ((الرعد ملك))[66].

قلت: هذا إسناد حسن لا بأس به من نسخة علي بن أبي طلحة التفسيرية عن ابن عباس، وهو وإن لم يسمع من ابن عباس إلا أنه أخذها عن تلاميذ ابن عباس، وقد حسّن هذه النسخة الإمام أحمد.

والخلاصة أن هذا التفسير صحيح عن ابن عباس من قوله، وهذا مما أخذه ابن عباس عن أهل الكتاب.

روى الطبري في ((تفسيره)) قال: حدثنا المثنى قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، قال: أخبرنا موسى ابن سالم أبو جهضم مولى ابن عباس قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلَد يسأله عن الرعد؟ فقال: "الرعد ملك"[67].

قلت: وهذا إسناد صحيح، وأبو جهضم بصري ثقة.

وروى الطبراني أيضاً في ((كتاب الدعاء)) من طريق محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن الشعبي، قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجَلَد يسأله عن الرعد؟ فكتب إليه: "الرعد ملك"[68].

قلت: وهذا إسناد يؤخذ به في مثل هذه الآثار، ولا يُلتفت إلى الكلام في عطاء بن السائب هنا. وأبو الجَلَد هذا اسمه: جيلان بن فروة، وهو بصري عابد ثقة، وهو صاحب كتب الأوائل: التوراة ونحوها.

وأخذُ ابن عباس عن بعض أهل الكتاب مما في كتبهم فيما يتعلق بخلق السموات والأرض ثابت كما في هذه الآثار وغيرها، وبه قال كثير من أهل العلم، وقد فصّلت ذلك في بحث خاص ولله الحمد.

تنبيه:

الأثر السابق رُوي عن أبي الجلد وفيه أن: "الرعد ريح"!

رواه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عبدالله بن إدريس عن الحسن بن الفرات عن أبيه قال: كتب ابن عباس إلى أبي الجلد يسأله عن الرعد؟ فقال: "الرعد ريح"[69].

ورواه الطبري أيضاً عن أحمد بن إسحاق قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا بشير أبو إسماعيل، عن أبي كثير، قال: كنت عند أبي الجلد إذ جاءه رسول ابن عباس بكتاب إليه، فكتب إليه: "كتبت تسألني عن الرعد، فالرعد الريح"[70].

ورواه أبو الشيخ في ((كتاب العَظمة)) من طريق أبي نُعيم الفضل بن دُكين، قال: حدثنا بشير -يعني ابن سلمان- حدثنا أبو كثير قال: كنت عند أبي الجلد، مثله[71].

قلت: أما رواية الحسن بن الفرات القزاز عن أبيه، فالحسن صدوق يهم في حديثه، وأبوه الفرات ثقة خرّج له البخاري ومسلم، أما البخاري فتجنّب رواية ابنه الحسن عنه، وأما مسلم فأخرج له حديثاً واحداً من رواية ابنه في المتابعات، وأخرج له أحاديث أخرى من غير طريق ابنه.

قال أبو حاتم الرازي –عندما سئل عن الحسن بن الفرات-: "منكر الحديث"[72].

وقال ابن حجر: "الحسن بن الفرات ابن أبي عبدالرحمن التميمي القزاز الكوفي: صدوق يَهم"[73].

وأما بشير بن سَلْمان فهو الكندي أبو إسماعيل، وهو صدوق فيه لِين كما قال الذهبي[74].

وقال ابن حجر: "بشير بن سلمان الكندي أبو إسماعيل الكوفي والد الحكم: ثقة يُغرب"[75].

تنبيه آخر:

قال يعقوب بن سفيان في ((المعرفة والتاريخ)): حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا بشير قال: كنت عند أبي الجلد جيلان بن فروة[76].

كذا في المطبوع! ولا أدري هل هو في أصل يعقوب هكذا! والراجح أنه هكذا فيه؛ لأن يعقوب بن سفيان أورد هذا النص بعد أن ذكر بشير بن سلمان، وهو إنما ذكر هذا ليبين أن بشيراً هذا كان عند أبي الجلد، وهذا وهم، وكأنه سقط من إسناده: "أبو كثير"، والله أعلم.

والراجح في هذا كلّه ما رواه الشعبي وأبو جهضم أن أبا الجلد كتب إلى ابن عباس أن: "الرعد ملك". وما جاء أنه كتب إليه أن: "الرعد ريح"، فوهم! وكيف يكون الرعد هو الريح؟! والريح معروفة في كلام العرب وهي غير الرعد قطعاً.

 

· المطلب الثالث: الروايات الموقوفة على التابعين لهذا الحديث:

أولاً: كعب الأحبار:

قال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبي، قال: حدّثنا أبو سلمة، قال: حدّثنا حماد ـ يعني ابن سلمة ـ عن عبد الجليل، عن شهر بن حوشب، قال: قال عبدالله بن عمرو لرجل: سلْ كعباً عن البرق؟ فقال كعب: "البرق تصفيق ملك البرد." وحكى حماد بيده ـ "لو ظهر لأهل الأرض لصعقوا"[77].

ورواه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب ((العظمة)) من طريق إبراهيم بن راشد، عن أبي ربيعة، عن حماد، عن عبد الجليل بن عطية، عن شهر بن حوشب، قال: قال كعب: "الرعد ملك يزجر السحاب زجر الراعي الحثيث الإبل فيضم ما شد منه، والبرق تصفيق الملك للبرق ـ وأشار حماد بيده ـ لو ظهر لأهل الأرض لصعقوا"[78].

قلت: فهذا الأثر محفوظ عن كعب، ففي الرواية الأولى اقتصر بعض الرواة على ذكر البرق، وفي الرواية الثانية ذكر الرعد ونسبه لكعب، والقصة في الرواية الأولى –ومخرجها والرواية الثانية واحد- مما جعلنا نرجِّح أن هذا هو المحفوظ عن شهر؛ لأن موسى البزار رواه عنه – أي: شهر بن حوشب- عن ابن عباس، قوله، -كما تقدم-، وسيأتي أنه حدّث به من قوله، وهذا لا ينافي هذه الرواية، فهو قد حدّث به عن كعب، ثم في مرة ثانية قاله من نفسه، وهذا يفعله أهل العلم، ولا شيء فيه.

وروى الطبراني في ((كتاب الدعاء)) قال: حدثنا علي بن عبدالعزيز، قال: حدثنا عارم أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عبدالجليل بن عطية، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سئل عن الرعد؟ فقال: "ملك".

قلت: وهذه الرواية أيضاً من طريق عبدالجليل بن عطية عن شهر، وزاد فيها: "عن أبي هريرة"، وهذا ليس بمحفوظ، ولهذا لم أذكر الرواية عن أبي هريرة كما ذكرتها عن الصحابة الآخرين.

وأكبر ظني أن الوهم في ذلك من عبدالجليل بن عطية، وليس من شهر، وعبدالجليل صدوق، ولكنه كان يهم في الشيء بعد الشيء، وهذا من أوهامه –رحمه الله-. وقد سبقت الرواية عن شهر عن ابن عباس، فلعل عبدالجليل توهم في ذلك، فذكر أبا هريرة بدل ابن عباس، والله أعلم.

فالراجح أن هذا القول: "الرعد ملك" من الإسرائيليات التي كان يُحدِّث بها كعب الأحبار. وقد تقدّم أن ابن عباس أيضاً أخذ هذا التفسير من أبي الجلد صاحب كتب التوراة ونحوها.

 

ثانياً: عكرمة مولى ابن عباس:

1- قال الطبري: حدّثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدّثنا أبو أحمد الزبيري، قال: حدّثنا عتّاب بن زياد، عن عكرمة، قال: "الرعد ملك في السحاب، يجمع السحاب كما يجمع الراعي الإبل"[79].

قلت: الإسناد لا بأس به، وعتّاب هذا وثقه ابن معين، قال: "عتاب بن زياد بن ورقاء يروي عنه الزبيري، وهو كوفي ثقة، وعتاب بن زياد بن ورقاء يروي عن الشعبي". وقال البخاري: "عتاب بن زياد ابن ورقاء: سمع الشعبي وعكرمة، روى عنه أبو أحمد الزبيري"، وتبعه أبو حاتم، قال ابن أبي حاتم: "سمعت أبي يقول: عتاب بن زياد بن ورقاء: سمع الشعبي وعكرمة وسعيد بن جبير. روى عنه حفص بن غياث، وأبو أحمد الزبيري". وذكره ابن حبان في الثقات[80].

2- قال الطبري: حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاج، عن ابن جريج، عن عكرمة، قال: "إنّ الرعد ملك يؤمر بإزجاء السحاب فيؤلِّف بينه، فذلك الصوت تسبيحه"[81].

قلت: الحسين بن داود هو المعروف بـ ((سُنيد بن داود)) المصيصيّ المحتسب (ت226هـ)، حافظ، له تفسير، وله ما يُنكر، وقد روى حديث هاروت وماروت والزهرة بطوله. صدقه أبو حاتم. وقال أبو داود: "لم يكن بذاك." وقال النسائي: "الحسين بن داود ليس بثقة[82].

3- قال الطبري: حدّثنا المثنى، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا عمر بن الوليد الشّني، عن عكرمة، قال: "الرعدُ ملكٌ يسوق السحاب كما يسوق الراعي الإبل"[83].

قلت: عمر بن الوليد الشَّنيّ قوّاه أحمد وغيره، ولينه يحيى القطان ولم يعتمد عليه، وقال النسائي: "ليس بالقوي"[84].

4- روى الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) عن صالح بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا وكيع، عن عمر بن أبي زائدة، قال: سمعت عكرمة -رضي الله عنه- يقول: {يسبح الرعد بحمده}، وقال: «الرعد ملك يزجر السحاب بصوته».

وروى البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر بن الحسن القاضي، قالا: حدّثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدّثنا العباس بن محمد، قال: حدّثنا محمد بن الصلت، قال: حدّثنا عمر بن أبي زائدة، قال: سمعت عكرمة ـ وسأله رجل عن قوله تعالى }ويسبح الرعد بحمده{ـ؟ قال: "ملك يزجر السحاب كما يزجر الحادي الإبل"[85].

قلت: هذا إسناد صحيح.

 

ثالثاً: أبو صالح السمّان:

قال سعيد بن منصور: حدّثنا هشيم، قال: أخبرنا إسماعيل بن سالم، عن أبي صالح في قوله عز وجلّ }ويسبح الرعد بحمده{ قال: "الرعد ملك من الملائكة يسبح"[86].

قلت: ورواه الطبري في ((تفسيره)) عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم به[87].

وهذا إسناد صحيح، وإسماعيل بن سالم ثقة ثبت، روى عن الشعبي وسعيد بن المسيب وأبي صالح السمان، وروى عنه هشيم وغيره، له أحاديث قليلة، علّق له البخاري أثراً في التفسير عن عكرمة، ووصله سعيد بن منصور، وأثنى عليه الأئمة[88].

 

رابعاً: مجاهد بن جبر:

1- قال الشافعيّ: أنبأنا الثقة أنّ مجاهداً كان يقول: "الرعد ملك، والبرق أجنحة الملك يسقن السحاب.

قال الشافعيّ: "ما أشبه ما قال مجاهد بظاهر القرآن"[89].

قلت: فيه مبهم غير معروف، وهو الثقة الذي عند الشافعي، وقد يكون غير ثقة عند غيره، وقالوا: بأن الشافعي يقصد بهذا القول ((إبراهيم بن أبي يحيى))، فإن كان كذلك فهو ضعيف وساقط باتفاق عند جميع العلماء.

2- قال الطبريّ: حدّثنا محمد بن المثنى، قال: حدّثنا محمد بن جعفر، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم عن مجاهد، قال: "الرعد ملك يزجر السحاب بصوته."

ورواه الطبري أيضاً من طريق ابن أبي عدي عن شعبة به. ومن طريق يحيى بن طلحة اليربوعي عن فضيل بن عياض عن ليث عن مجاهد به[90].

ورواه من طريق الحسين بن داود عن حجاج عن ابن جريج عن مجاهد بمثله[91].

قلت: هذا القول عن مجاهد محفوظ والإسناد إليه صحيح.

 

خامساً: شهر بن حوشب:

1- قال الطبري: حدّثني نصر بن عبد الرحمن الأزديّ، قال: حدثنا محمد بن يعلى، عن أبي الخطاب البصري، عن شهر بن حوشب، قال: "الرعد ملك موكَّل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل، يسبّح. كلّما خالفت سحابةٌ سحابةً صاح بها، فإذا اشتد غضبه طارت النار مِنْ فِيه، فهي الصواعق التي رأيتم"[92].

2- روى أبو الشيخ من طريق يعقوب بن إسحاق الحضرمي عن حرب بن شداد، قال: سمعت شهر بن حوشب، يقول: "الرعد ملك وكّل بالسحاب يسوقه كما يسوق الحادي الإبل، فإذا خالفت سحابة صاح بها فإذا اشتد غضبه تناثر مِنْ فِيه النيران، وهي الصواعق التي رأيتم"[93].

قلت: حرب بن شداد هو أبو الخطاب[94] ثقة ثبت، خرَّج له البخاري ومسلم وغيرهما، وهذا إسناد صحيح، وهذا مما أخذه شهر عن كعب الأحبار كما بيّنته سابقاً.

 

سادساً: السّدي الكبير:

روى أبو الشيخ من طريق عامر عن أسباط بن نصر عن السدي، قال: "الرعد هو ملك يقال له الرعد يسيره بأمره بما يريد أن يمطر"[95].

قلت: هذا إسناد فيه كلام، فأسباط قال فيه النسائي: "ليس بالقوي"[96] والسدي وثقه بعضهم وضعفه آخرون، قال أبو حاتم: "لا يحتج به." وقال ابن معين: "في حديثه ضعف." وقال ابن عدي: "هو عندي صدوق"[97].

 

وبعد هذه الجولة من إيراد أقوال الصحابة والتابعين، فإنه ثبت عن ابن عباس - رضي الله عنه - وأنه أخذه من الإسرائيليات، وقد ثبت عن بعض التابعين، وهو مما أخذوه عن كعب الأحبار من الإسرائيليات أيضاً، وكان الأولى بالمفسرين أن يعرضوا عن إيراد هذه الأقوال إلا لبيان نكارتها! وأما أن يتمحلوا في توجيهها كما فعل الطبري وغيره، فإن ذلك لا ينبغي منهم، غفر الله لهم.

ومثلهم فعل أكثر من اشتغل بالتفسير من المعاصرين، فإنّ اللون المنتشر في هذه الأيام هو محاولة حصر ما صحّ من التفسير بالمأثور، والذي أراه أن هذا يفسد رونق وجمال وطعم التفسير، لأن التفسير ليس محصوراً في ما نُقل إلينا عن الصحابة والتابعين - وقلّ ما صحّ منه، ولهذا قال الإمام أحمد قولته المشهورة في ذلك: ثلاثة كتب لا أصل لها، وقد حققت معنى هذه المقولة في موضع آخر-، ثمّ إن مسألة التصحيح والتضعيف مسألة اجتهادية تختلف فيها الأنظار!

وقد تصدى لهذه المهمة بعض الأساتذة فعملوا مصنفات في ذلك، لا يوجد فيها معانٍ بلاغية ولا لغوية، وتجد التفسير فيها غير مترابط لأنهم يوردون في تفسير بعض الآيات من المرفوع ما لا دخل له فيها، فيذهب بجمال ورونق التفسير وترابط الآيات وغير ذلك مما هو معروف عند أهله!

ومن هذه المصنفات: كتاب ((التفسير الصحيح، موسوعة الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور)) للأستاذ الدكتور حكمت بن بشير ياسين، فإنه قد أخرج في تفسير قول الله عز وجل }فيه ظلمات ورعد وبرق{ ما رواه الترمذي وغيره مرفوعاً أن الرعد ملك، ثم قال: "ولهذا الحديث شاهد من القرآن في قوله تعالى }ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته{ [الرعد:13] وفيه تسبيح هذا الملك بحمد الله تعالى والملائكة معطوف على الرعد، فهو عطف عام على خاص، كما تقدم في سورة البقرة آية 98 }من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال{"[98].

قلت: تسمية كتابه بـ "التفسير الصحيح" فيه نظر! وهذا الحديث منكر لم يصح مرفوعاً كما بينته سابقاً، فكيف يكون كتابه صحيحاً؟! وما ذكره من أن آية الرعد شاهد فليس بصحيح، فإن الرعد في الآيتين واحد، فكيف يكون معنى الآية: فيه ظلمات وملك وبرق، والآية الأخرى: ويسبح الملك بحمده والملائكة من خيفته! ولماذا يُخفي الله عز وجل علينا أن الرعد ملك، فلم لم يُسمِّه لنا صراحة؟! حتى تأتينا رواية إسرائيلية فتبيّن لنا ذلك، ونحن المسلمين مخاطبون بهذه الآيات الواضحة الصريحة، وإن الأمم على مر العصور إذا سألت الواحد منهم ما الرعد؟ فإنه سيقول لك: هو الصوت الذي نسمعه في الشتاء. وهل الملك إن كان هو الرعد لا يسبح إلا في فصل الشتاء؟

أما ما قاله الدكتور من أن في الآية عطفاً للعام على الخاص، فليس بصحيح لأن الاهتمام بالشيء يكون بعطف الخاص على العام وهذا هو الأصل في كتاب الله عز وجل، والآية التي استدل بها فيها عطف الخاص على العام لا العكس كما قرر هو، والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم.

والخلاصة أن حديث: ((الرعد ملك)) من الإسرائيليات التي كان يُحدّث بها كعب الأحبار، وأبو الجَلَد البصري من كتب الأوائل، وهو قولٌ منكرٌ!

وقد ذكر عبدالرزاق عن مَعمر قال: سألت الزهري عن الرعد؟ فقال: "الله أعلم".

وقال عبدالرزاق: حدثني أبي أن وهب بن منبه سئل عن الرعد؟ فقال: "الله أعلم"[99].

 

 

وكتب: أبو صهيب خالد الحايك.

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحواشي:

 

[1] جامع الترمذي، كتاب التفسير، تفسير سورة الرعد، (5/294).

[2] سنن النسائي الكبرى، كتاب عشرة النساء، باب كيف تؤنث المرأة وكيف يذكر الرجل، (5/336). وانظر تحفة الأشراف: (4/394).

[3] المعجم الكبير: (12/45).

[4] المختارة: (10/66).

[5] مسند أحمد: (1/274). وأورده ابن كثير عن أحمد في تفسير قوله تعالى }من كان عدواً لجبريل..{ (1/124).

[6] المختارة: (10/70).

[7] تفسير ابن أبي حاتم: (1/55).

[8] مسند أحمد: (1/278).

[9] انظر تفسير ابن كثير: (1/124).

[10] مجمع الزوائد: (8/242).

[11] تهذيب الكمال: (4/239) هامش (2).

[12] السلسة الصحيحة: (4/492). قلت: وكلام الشيخ الألباني يوهم أن هذا النقل هو من المزي في التحفة، وليس كذلك، فإن المزي نقل عن الترمذي قوله: "حسن غريب".

[13] المعجم الكبير: (12/45) هامش حديث رقم (12429).

[14] شرح الزرقاني: (4/531).

[15] كتاب التوحيد، باب ذكر آية تدل على وحدانية الله...، ص34-35.

[16] مسند أحمد: (4/161) هامش حديث (2483). وذكر الشيخ أحمد شاكر أن عبد الله بن الوليد كان يجالس الحسن بن ثابت الأحول، وهذا مردود برواية النسائي أنه كان يجالس الحسن بن حي! والحسن بن ثابت الأحول كوفي، وثقه جماعة وضعفه آخرون، وكان رجلاً صالحاً [إكمال تهذيب الكمال: 4/69]. والحسن بن صالح بن حيّ كوفي أيضاً ثقة، كان أبو نعيم يفضله على غيره [تهذيب الكمال: 6/190]. ومنشأ الوهم عند الشيخ أحمد شاكر أنهم ذكروا في الرواة عن عبد الله بن الوليد الحسن بن ثابت الأحول، فظن أنه هو المقصود في كلام أبي نعيم، وهذا خطأ؛ لأنه لا يُقال للشيخ وكان يجالس فلان إذا روى عنه، فما بالك إذا كان الأحول ليس شيخاً لعبد الله وإنما عبد الله شيخه. وقد روى النسائي للحسن بن ثابت حديثاً واحداً في ((عمل اليوم والليلة))  رواه الحسن عن  عبد الله بن الوليد، قال الدارقطني: "وهو غريب من حديث عبد الله بن الوليد بن عبد الله بن معقل بن مقرن المزني، تفرد به الحسن بن ثابت." [تهذيب الكمال: 6/65-67].

[17] السلسلة الصحيحة: (4/492).

[18] المختارة: (10/67)، هامش (60).

[19] الحلية: (4/305).

[20] تهذيب الكمال: (4/238-239).

[21] التاريخ الكبير: (2/114-115).

روى الطبري في ((تفسيره)) (4/5) من طريق سفيان الثوري والأعمش، كلاهما عن حبيب بن أبي ثابت قال: حدثنا سعيد بن جبير، عن ابن عباس: "أن إسرائيل أخذه عرق النسا فكان يبيت بالليل له زقاء -يعني صياح. قال: فجعل على نفسه لئن شفاه الله منه لا يأكله -يعني لحوم الإبل. قال: فحرمه اليهود، وتلا هذه الآية: {كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}، أي إن هذا قبل التوراة.

قلت: فهذا موقوف على ابن عباس، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما أشار الإمام البخاري.

[22] مسند الطيالسي: (ص356)، وتفسير الطبري: (1/431)، وتفسير ابن أبي حاتم: (3/704)، والطبقات الكبرى: (1/174)، ومسند أحمد: (1/273، 278)، والمعجم الكبير: (12/246). وانظر تفسير ابن كثير: (1/130).

[23] تفسير الطبري: (1/432)، وانظر: تفسير ابن كثير: (1/130).

[24] صحيح البخاري: (3/1211، 1433) و(4/1628).

وقد عَرَض ابن حجر في ((الفتح)) (8/166) لحديث بكير بن شهاب وحديث شهر ومال إلى تقويتهما!

قال ابن حجر معلقاً على ما جاء في رواية البخاري: (ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية {من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك}): "ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرأ الآية رداً لقول اليهود ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ، وهذا هو المعتمد. فقد روى أحمد والترمذي والنسائي في سبب نزول الآية قصة غير قصة عبدالله بن سلام فأخرجوا من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا أبا القاسم، إنا نسألك عن خمسة أشياء فإن أنبأتنا بها عرفنا أنك نبي واتبعناك، فذكر الحديث. وفيه: أنهم سألوه عما حرّم إسرائيل على نفسه، وعن علامة النبوة، وعن الرعد وصوته، وكيف تذكر المرأة وتؤنث وعمن يأتيه بالخبر من السماء فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنية. وفي رواية لأحمد والطبري من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس: عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتبايعني فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق، فذكر الحديث. لكن ليس فيه السؤال عن الرعد، وفي رواية شهر بن حوشب: لما سألوه عمن يأتيه من الملائكة، قال جبريل، قال: ولم يبعث الله نبياً قط إلا وهو وليه. فقالوا: فعندها نفارقك لو كان وليك سواه من الملائكة لبايعناك وصدقناك. قال: فما منعكم أن تصدقوه؟ قالوا: إنه عدونا، فنزلت. وفي رواية بكير بن شهاب: قالوا جبريل ينزل بالحرب والقتل والعذاب، لو كان ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر فنزلت. وروى الطبري من طريق الشعبي: أن عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التوراة فيتعجب كيف تصدق ما في القرآن، قال: فمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: نشدتكم بالله أتعلمون أنه رسول الله؟ فقال له عالمهم: نعم نعلم أنه رسول الله. قال: فلم لا تتبعونه؟ قالوا: إن لنا عدواً من الملائكة وسلما، وإنه قرن بنبوته من الملائكة عدونا، فذكر الحديث. وإنه لحق النبي صلى الله عليه وسلم فتلا عليه الآية. وأورده من طريق قتادة عن عمر نحوه. وأورد ابن أبي حاتم والطبري أيضاً من طريق عبدالرحمن بن أبي ليلى: أن يهودياً لقي عمر فقال: إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا، فقال عمر: من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين فنزلت على وفق ما قال. وهذه طرق يقوي بعضها بعضاً، ويدل على أن سبب نزول الآية قول اليهودي المذكور لا قصة عبدالله بن سلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عبدالله بن سلام إن جبريل عدو اليهود تلا عليه الآية مذكراً له سبب نزولها، والله أعلم".

قلت: بل هذه الطرق لا تقوي بعضها بعضاً! وقد بينت فيما سبق أنها منكرة ولا تصح، والصواب هو ما رواه البخاري في قصة ابن سلام. وقد تكون الآية نزلت مباشرة على النبي صلى الله عليه وسلم فتلاها، وقول الصحابي: "فتلاها" يحتمل أنها تكون قد نزلت قبل ذلك، فلما حصلت المناسبة للاستشهاد بها تلاها النبي صلى الله عليه وسلم حينها، ويحتمل أنها نزلت حينئذ كما ذكرت. وليس من الضرورة أن يقول الصحابي في نزول بعض الآيات: "نزلت". وهذا الذي حدا ببعض أهل العلم أن يبحثوا عن الروايات التي فيها: "فنزلت" ليعدوها سبباً للنزول، وأما ما يجيء في بعض الروايات كقول الصحابي: "فقرأ" أو "فتلا" فلا يعدونها من باب النزول، وهذا فيه نظر.

وعلى كل حال فالروايات التي قوّاها ابن حجر ليست قوية، وهي منكرة، غفر الله له.

[25] الميزان: (1/350).

[26] هكذا "الكوفي" وورد عند الطبراني  "الحراني" وفي الإصابة لابن حجر "الجوني"! والحديث أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (7/360) رقم (7731)، قال الطبراني: "لم يروه عن ابن جريج إلا أبو عمران".

[27] تصحفت في ((المجمع))(8/135) ونقله الشيخ ناصر في الضعيفة "جابر بن عبد الله بن خزيمة بن ثابت ـ وليس بالأنصاري ـ" وهذا وهم شنيع، وإنما هو "عن جابر أنّ خزيمة بن ثابت ـ وليس بالأنصاري ـ أي ليس بخزيمة بن ثابت الأنصاري المعروف، وقد تصحفت في الميزان: (4/475-476) وفيه: "خزيمة بن ثابن الأنصاري" فسقطت "وليس". وترجمه الحافظ ابن حجر في القسم الأول باسم: "خزيمة بن حكيم السلمي البهزي، ويقال بن ثابت، ذكره ابن شاهين وغيره، وذكر ابن منده انه كان صهر خديجة أم المؤمنين، وروى ابن مردوية في التفسير من طريق أبي عمران الجوني عن ابن جريج عن عطاء عن جابر أنّ خزيمة بن ثابت وليس بالأنصاري سأل النبيّ e... ورواه الطبراني في الأوسط... قال أبو موسى: رواه أبو معشر وعبيد بن حكيم عن ابن جريج عن الزهري مرسلاً لكن قال فيه خزيمة بن حكيم السلمي، وكذا سماه ابن شاهين من طريق يزيد بن عياض عن الزهري قال: كان خزيمة بن حكيم يأتي خديجة في كلّ عام وكانت بينهما قرابة فأتاها فبعثته مع النبيّ e فذكره مطولاً في ورقتين وفيه غريب كثير وإسناده ضعيف جداً مع انقطاعه، ورويناه في تاريخ ابن عساكر من طريق عبيد بن حكيم عن ابن جريج مطولاً كذلك، وروي عن منصور بن المعتمر عن قبيصة عن خزيمة بن حكيم أيضاً." [الإصابة: 2/112-113].

[28] لا يحتاج الذهبي أن ينقل تضعيف أبي عمران هذا عن أحد، فهو منكر الحديث ولا يعرف إلا بهذا الحديث المنكر، ولا يصح قول الشيخ الألباني في أن قول الذهبي بأن الخبر باطل كاف في تضعيف أبي عمران هذا! فالرجل ليس بضعيف وإنما منكر الحديث مجهول!

[29] السلسلة الضعيفة: (1/306-307) حديث رقم (292). ذكره الذهبي في ((الميزان)) (4/475) في ترجمة "يوسف بن يعقوب، أبو عمران. عن ابن جريج بخبرٍ باطل. وعنه إنسان مجهول واسمه محمد بن عبد الرحمن السلمي" ثم ساق رواية الطبراني، ثم قال: "ذكره أبو موسى في الطوالات، وروى بعضه عبدان الأهوازي عن السلمي هذا".

[30] أخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (7/360) عن محمد بن يعقوب الخطيب الأهوازي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن السلمي، قال: أخبرنا أبو عمران الحراني يوسف بن يعقوب، قال: أخبرنا ابن جريج عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن خزيمة بن ثابت ـ وليس بالأنصاري ـ  كان في عير لخديجة  وأن النبي e كان معه في تلك العير فقال له يا محمد: إني أرى فيك خصالا وأشهد أنك النبي الذي يخرج من تهامة وقد آمنت بك فإذا سمعت بخروجك أتيتك فأبطأ عن النبي e حتى كان يوم فتح مكة ثم أتاه فلما رآه النبي e قال مرحبا بالمهاجر الأول. قال يا رسول الله: ما منعني أن أكون من أول من أتاك وأنا مؤمن منكر لبيعتك ولا ناكث لعهدك وآمنت بالقرآن وكفرت بالوثن إلا أنه أصابتنا بعدك سنوات شداد متواليات تركت المخ رزاما والمطي هاما غاضت لها الدرة... وذكره بطوله.

[31] مسند أحمد: (4/285) هامش (1).

[32] تهذيب التهذيب: (6/69).

[33] الميزان: (2/521).

[34] المعجم الكبير: (10/316-317) رقم (10605). قال الهيثمي في ((المجمع)) (7/191): "رواه الطبراني من طريقين، ورجال هذه ثقات." ونقل هذا أيضاً محقق المعجم الكبير حمدي السلفي وارتضاه! وقال محقق المختارة (10/71) هامش (63) عبد الملك دهيش: "إسناده صحيح بالمتابعة." قلت: وكلامهما لا يصح، والحديث ليس من بضاعتهم، وإنما هما من أصحاب التجارات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

[35] أخرجه أبو نُعيم في ((الحلية)) (4/305) من طريق ليث بن أبي سُليم عن عبد الملك بن سعيد بن جبير عن أبيه عن ابن عباس، قال: ((إنّ نبيّ الله e قال: إن لله تعالى لوحاً محفوظاً...)) قال أبو نُعيم: "غريب من حديث سعيد وابنه عبد الملك، لم نكتبه إلا من هذا الوجه." قلت: الحمل فيه على ليث وهو ضعيف. وأخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (2/516) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي حمزة الثمالي عن سعيد بن جبير نحوه، قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه." ثم أخرجه (2/565) من طريق سفيان بن عيينة عن أبي حمزة به، وقال: "حديث صحيح الإسناد، فإن أبا حمزة الثمالي لم ينقم عليه إلا الغلو في مذهبه فقط." وأخرجه أبو الشيخ في كتاب ((العظمة)) (2/496) من طريق ابن عيينة عن أبي حمزة عن الضحاك عن ابن عباس به. وأخرجه أيضاً (2/622) من طريق عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن وهب بن منبه عن ابن عباس نحوه.

قلت: أبو حمزة الثمالي هو ثابت بن أبي صفية، أخرج له الترمذي فقط، قال أحمد وابن معين: "ليس بشيء." وقال النسائي: "ليس بثقة." وهو رافضي خبيث متروك الحديث. [الميزان: 1/363]. وعبد المنعم بن إدريس قصاص مشهور لا يعتمد عليه، تركه العلماء، قال أحمد: "كان يكذب على وهب بن منبه." وقال البخاري: "ذاهب الحديث." وقال ابن حبان: "يضع الحديث على أبيه وعلى غيره." [الميزان: 2/668].

ومن مناكيره أيضاً ما رواه الطبراني كذلك في ((المعجم الكبير)) (10/262) من طريق أَبي نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بن الْوَلِيدِ الْعِجْلِيُّ، عَنْ بُكَيْرِ بن شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بن جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: "الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، تُضِئُ لأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا تُضِئُ نُجُومُ السَّمَاءِ لأَهْلِ الأَرْضِ".

ورواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (3/83) من طريق أبي أحمد الزبيري، قال: حدثنا عبدالله بن الوليد، به.

[36] أخرجه الطبري في ((التفسير)) (1/151) من طريق الحجاج بن المنهال عن حماد بن سلمة عن المغيرة بن سالم [كذا في المطبوع، والصواب: مسلم] عن أبيه أو غيره عن عليّ. وهو الصواب كما في الرواية التالية.

[37] العلل ومعرفة الرجال: (3/373). ورواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/363) عن أبي عبدالله الحافظ وأبي سعيد ابن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، قال: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، به.

وأخرجه الطبراني في ((كتاب الدعاء)) (ص306) من طريق إبراهيم بن الحجاج السامي عن حماد بن سلمة عن أبي محمد الهاشمي عن أبيه عن علي بن أبي طالب.

[38] الثقات: (7/464).

[39] الميزان: (1/593).

[40] روى البيهقي في ((السنن الكبرى)) (3/363) رواية عبد الرحمن بن مهدي ورواية حسن بن موسى الأشيب من طريق أحمد في العلل، ولم يشير رحمه الله إلى أن الرواية واحدة، ولعله لم يتنبه لهذا، وهذا ظاهر تصرفه، والله أعلم.

[41] السنن الكبرى: (3/363).

[42] تفسير ابن أبي حاتم: (1/55).

[43] كذا في المطبوع، وهو خطأ، والصواب: ابن أشوع، وهو: سعيد بن عمرو بن أشوع.

[44] تفسير الطبري: (1/342-343).

[45] العظمة: (4/1281).

[46] سير أعلام النبلاء: (9/548).

[47] علل الدارقطني: (3/200).

[48] تفسير الطبري: (1/339).

[49] كتاب الدعاء للطبراني: (ص306).

[50] كتاب الدعاء: (ص306).

[51] تفسير الطبري: (1/339).

[52] العظمة: (4/1285).

[53] ميزان الاعتدال: (2/653).

[54] تفسير الطبري: (1/339-340).

[55] العَظَمة: (4/1283-1284).

[56] الكامل: (4/1358).

[57] تفسير الطبري: (1/339).

[58] ميزان الاعتدال: (3/136).

[59] تفسير الطبري: (1/151).

[60] انظر: تفسير عبدالرزاق (2/333)، وتفسير الطبري: (1/150)، وكتاب الدعاء للطبراني: (ص306، 307).

[61] هكذا في المطبوع، والصواب "موسى بن عبدالعزيز" وهو أبو شعيب اليماني القتباري، وقد نبه على أنه موسى بن عبدالعزيز الشيخ الألباني في ((ضعيف الأدب المفرد)) (ص67).

[62] الأدب المفرد، ص252.

[63] تفسير الطبري: (1/341).

[64] تهذيب الكمال: (7/87).

[65] ضعف الشيخ الألباني الأثر، فقال: "ضعيف الإسناد موقوف. موسى سيئ الحفظ، والحكم –وهو ابن أبان- ليس بالثبت، وثبت الشطر الأول منه بنحوه مرفوعاً (الصحيحة 1872) [ضعيف الأدب المفرد ص67].

قلت: اعتمد الشيخ الألباني كعادته في التصحيح والتضعيف على تقريب ابن حجر، فقوله في موسى هو قول ابن حجر في التقريب! ثم الذي ثبت عنده ليس الشطر الأول بل الثاني، وهو أن الرعد ملك، لأنه قال في فهرس الفوائد في نهاية الكتاب (ص135): "...وأنّ كون الرعد ملكاً ثابت مرفوع." وقد بينت أن هذا القول لا يصح فيما سبق.

[66] كتاب الدعاء للطبراني: (ص306).

[67] تفسير الطبري: (1/151).

[68] كتاب الدعاء: (ص307).

[69] تفسير الطبري: (1/151)، وتفسير ابن أبي حاتم: (1/55).

[70] تفسير الطبري: (1/151).

[71] كتاب العظمة: (4/1282).

[72] مقدمة الجرح والتعديل: (1/352). والعجب من ابن أبي حاتم فإنه لم يذكر هذا في ترجمة الحسن عندما ترجم له!!

[73] تقريب التهذيب: (ص163).

[74] المغني في الضعفاء: (1/108)، والميزان: (2/42).

[75] تقريب التهذيب: (ص125).

[76] المعرفة والتاريخ: (3/200).

[77] تفسير ابن أبي حاتم: (1/56). وهذه القصة رواها صالح بن عبدالله بن أحمد في ((مسائله)) عن أبيه قال: حدثنا عبدالملك بن عمرو –وهو أبو عامر العقدي- قال: حدثنا عبدالجليل عن شهر قال: بينما الناس عند عبدالله بن عمرو يستفتونه فقال كعب: "هلك أخي، هكذا تكون الفتن، اذهب إليه فقل له: لا تكذبن على الله! فإن غضب فدعه، وإن لم يغضب فاسأله. فأتاه فقال له: يقول لك كعب: لا تكذبن على الله. فقال: نصح لي أخي إنه من كذب على الله سود الله وجهه يوم القيامة. قال: فإني أسألك عن الشمس والقمر، أفي السموات السبع هما؟ أم في السماء الدنيا؟ أم في الهواء؟ أم دون ذلك؟ قال: بل هما في السموات السبع، ووجوههما إلى العرش وأقفيتهما إلى الأرض قال الله: {وجعل القمر فيهنّ نوراً وجعل الشمس سراجاً}. قال: فإنه يسألك عن الرعد مما هو؟ قال: ملك يزجر السحاب بالتسبيح كما يزجر الحادي الحثيث الإبل إذا شذت سحابة ضمها، لو يفضي إلى الأرض صعق من يبصره. قال: فإنه يسألك عن البرق ما هو؟ قال: هو من كذا وكذا من البرد.

قال عبدالملك: أحسبه قال: من اصطفاق البرد في السماء قال الله: {من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار}.

قال: فإنه يسألك أين تلتقي أرواح أهل الجنة وأرواح أهل النار؟ قال: أما أرواح أهل الجنة فتلتقي بالجابية، وأما أرواح أهل النار فبحضرموت".

قلت: فهنا السائل هو كعب، والمسؤول هو عبدالله بن عمرو بن العاص، وفي رواية حماد بن سلمة العكس! وهذا الاختلاف هو من عبدالجليل بن عطية وهو صدوق يهم، وكأن الصواب أن المسؤول هو كعب؛ لأن هذا مما يتعلق بتفسير آية قد سئل عنها بعض من عندهم التوراة ممن أسلموا.

ويُحتمل العكس لما قاله السيوطي في ((الدر المنثور)) (4/622): "وأخرج أبو الشيخ عن عبدالله بن عمرو أنه سئل عن الرعد؟ فقال: ملك وكله الله بسياق السحاب فإذا أراد الله أن يسوقه إلى بلد أمره فساقه فإذا تفرق عليه زجره بصوته حتى يجتمع كما يرد أحدكم ركانه ثم تلا هذه الآية {ويسبح الرعد بحمده}".

وهذا الذي ذكره السيوطي لا نعرف إسناده، فإن ثبت أن عبدالله بن عمرو قاله فيكون من الزاملتين اللتين غنمهما من كتب أهل الكتاب، والله أعلم.

[78] العظمة: (4/1286).

[79] تفسير الطبري: (1/340).

[80] تاريخ ابن معين (رواية الدوري): (4/20)، والتاريخ الكبير: (7/55)، والجرح والتعديل: (7/13)، وثقات ابن حبان في ((الثقات)) (7/295).

[81] تفسير الطبري: (1/340).

[82] ميزان الاعتدال: (2/236).

[83] تفسير الطبري: (1/341).

[84] ميزان الاعتدال: (3/230).

[85] مكارم الأخلاق رقم (957)، وسنن البيهقي الكبرى: (3/363).

[86] سنن سعيد بن منصور، قوله تعالى }ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته...{، (5/429).

[87] تفسير الطبري: (1/338).

[88] تهذيب التهذيب: (1/263).

[89] الأم: (1/254).

[90] تفسير الطبري: (1/338). ورواه علي بن الجعد في ((مسنده)) (ص55) عن شعبة عن الحكم به.

[91] تفسير الطبري: (1/340).

[92] تفسير الطبري: (1/339).

[93] العظمة: (4/1284).

[94] قال الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه لتفسير الطبري (1/339) هامش (1): "أبو الخطاب البصري: لم أعرف من هو؟ ولكن ذكر الدولابي في الكنى (1/167) "أبو الخطاب عبدالله" ثم قال: "وروى محمد بن عبدالله بن عمار عن المعافى بن عمران عن عبدالله أبي الخطاب عن شهر بن حوشب" فذكر حديثاً، ولم يبيّن أكثر من ذلك، ولم أجد ترجمته.

[95] العظمة: (4/1284).

[96] ميزان الاعتدال: (1/175).

[97] ميزان الاعتدال: (1/236).

[98] التفسير الصحيح: (1/115).

[98] تفسير عبدالرزاق: (3/334). وانظر: الاستذكار لابن عبدالبر: (8/589).

شاركنا تعليقك