الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

بحثٌ في سماع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود مِنْ أبيه!

بحثٌ في سماع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود مِنْ أبيه!

 

بقلم: أبي صهيب خالد الحايك.

 

· مَنْ نفى سماعه من أبيه:

قال ابن معين في ((تاريخه)) (رواية الدوري) (3/354): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، وأبو عبيدة بن عبدالله لم يسمعا من أبيهما".

وقال إبراهيم بن الجنيد: قال رجلٌ ليحيى بن معين -وأنا أسمع-: أبو عبيدة بن عبدالله سمع من أبيه شيئاً؟ قال يحيى: "قالوا: لا، ولا عبدالرحمن بن عبدالله". (تاريخ دمشق: 35/70).

وقال الإمام أحمد في ((العلل ومعرفة الرجال)) (1/134): "وحكى يحيى بن معين عن بعضهم قال: مات عبدالله بن مسعود وعبدالرحمن بن عبدالله ابن ست سنين أو نحوه".

قلت: قال يحيى بن سعيد القطان: "مات أبوه وله نحو ست سنين". (تحفة التحصيل: ص200).

وقال البخاري في ((التاريخ الأوسط)) (1/74): "قال شعبة: لم يسمع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود مِنْ أبيه".

وقال النسائي في ((المجتبى)) (3/104): "أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئاً، ولا عبدالرّحمن بن عبدالله بن مسعود".

وقال الحاكم: "اتفق مشايخ أهل الحديث أنه لم يسمع من أبيه". فتعقبه ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (6/195) فقال: "وهو نقلٌ غير مستقيم".

قلت: كلام الحاكم مضطرب ومتناقض في هذا! فإنه قال في ((المستدرك)) (1/155): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود لم يسمع من أبيه في أكثر الأقاويل". وقال في موضع آخر منه (4/405) بعد أن أخرج حديثاً له: "وهذا إسناد صحيح، وإن كان في الإسناد الأول الخلاف في سماع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود من أبيه". وأخرج له حديثاً آخر في (4/448) ثُمّ قال: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يخرجاه".

· مَنْ أثبت له السماع من أبيه:

قال أبو بشر الدولابي: حدثنا معاوية بن صالح قال: سمعت يحيى بن معين يقول: "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود سمع من علي ومن أبيه". (تاريخ دمشق: 35/69).

وقال أبو بكر محمد بن علي بن شعيب: سمعت أحمد بن حنبل، وقيل له: هل سمع عبدالرحمن بن عبدالله من أبيه؟ فقال: "أما سفيان الثوري وشريك فإنهما لا يقولان سمع، وأما إسرائيل فإنه يقول في حديث الضب: سمعت". (تاريخ ابن عساكر: 35/67)، تهذيب الكمال: 17/240).

وروى ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (35/67) بإسناده إلى محمد بن أحمد بن البراء قال: قال علي بن المديني: "عبدالرحمن بن عبدالله سمع من أبيه. وكان شعبة يقول: لم يسمع من أبيه. وهو عندي قد أدركه".

وقال عبدالرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش: "عبدالرحمن بن عبدالله ثقة، لم يسمع من أبيه شيئاً. (تاريخ دمشق: 35/70).

ومن أهل العلم من قال بأنه سمع من أبيه حرفاً أو نحو ذلك. نقل ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (6/195) عن ابن المديني في ((العلل)) قال: "سمع من أبيه حديثين: حديث الضب وحديث تأخير الوليد للصلاة".

وقال صالح بن أحمد: حدثني أبي، قال: "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود: يقال: إنه لم يسمع من أبيه إلا حرفاً واحداً: محرم الحلال كمستحل الحرام". (تاريخ دمشق: 35/65).

وقال العِجلي في ((معرفة الثقات)) (2/81): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود: ثقة. يُقال: إنه لم يسمع من أبيه إلا حرفاً واحداً: محرم الحلال كمستحل الحرام".

قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (6/181): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود الهذلي، حليف بني زهرة. روى عن علي وعبدالله. وكان ثقة، قليل الحديث، وقد تكلّموا في روايته عن أبيه، وكان صغيراً".

· حديث الضّب:

أخرج ابن سعد في ((الطبقات)) (6/181) قال: أخبرنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: حدثنا زكريا ابن أبي زائدة عن سماك بن حرب عن عبدالرحمن بن عبدالله قال: سمعت عبدالله بن مسعود يقول: ((محرم الحلال كمستحل الحرام)).

أخرج ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (35/69) من طريق صالح بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا جعفر بن عون، عن المسعودي –هو عبدالرحمن بن عبدالله-، عن سماك بن حرب، عن عبدالرحمن بن عبدالله، عن أبيه، قال: ((المحرم الحلال كمستحل الحرام)). كلّ هؤلاء الذين رووا عن ابن مسعود سمعوا منه كوفيون ثقات.

ورواه العجلي في ((معرفة الثقات)) (2/81) قال: حدثنا جعفر بن عون، عن المسعودي، عن سماك بن حرب، عن عبدالرحمن بن عبدالله، عن أبيه، مثله.

ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (9/172) من طريق عبدالله بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، قال: كنت جالساً عند عبدالرحمن بن عبدالله، فأتاه رجلٌ يسأله عن ابنه القاسم؟ فقال: غدا إلى الكناسة يطلب الضباب. فقال: أتأكله؟ فقال عبدالرحمن: ومن حرمه؟ سمعت عبدالله بن مسعود يقول: ((إن محرم الحلال كمستحل الحرام)).

ورواه علي بن الجعد (كما هو في مسنده: ص368) عن زهير بن معاوية، عن أبي إسحاق، قال: كنت عند عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، فجاءه ابن له -أراه القاسم- فقال: أصبت اليوم من حاجتك شيئاً؟ فقال: بعض القوم، وما حاجته؟ قال: ما رأيت غلاماً آكل لضبٍ منه. فقال بعض القوم: أو ليس بحرام؟ قال: ومن حرمه؟ قال: ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهه؟ قال: أو ليس الرجل يكره الشيء وليس بحرام. قال: قال عبدالله: ((إن محرم الحلال كمستحل الحرام)).

وأخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (35/64) من طريق محمد بن عبدالوهاب ابن حبيب الفراء، عن جعفر بن عون، قال: أخبرنا المسعودي، عن أبي إسحاق، قال: ذكر الضب عند عبدالرحمن، فقال إنسان من القوم: حرام! فقال: عبدالرحمن: من حرمه؟ سمعت عبدالله بن مسعود يقول: ((إن محرم الحلال كمستحل الحرام)).

قلت: إسرائيل والمسعودي يرويانه عن أبي إسحاق ويذكران السماع، وسماك يذكر السماع أيضاً في رواية عنه! فالله أعلم.

· رأيُ الإمام البخاري:

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/299): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود الهذلي: سمع أباه، قاله عبدالملك بن عمير. طلق بن غنام: حدثنا المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبدالرحمن بن عبدالله، عن أبيه: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم نزل منـزلاً فأخذ رجل بيضتي حمرة، فجاءته الحمرة ترفرف على رأس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيكم فجع هذه ببيضتها؟ قال رجل: أنا أخذت بيضها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ارددها رحمة لها".

قلت: قال البخاري بأن عبدالملك بن عمير ذكر في حديثه سماع عبدالرحمن من أبيه، ولم يطلق ذلك، وإنما قيّده بأنه هكذا رواه عبدالملك بن عمير! ومن عادته أنه إذا ثبت السماع عنده فيطلقه! ثُمّ ساق خبراً عن شيخه طلق بن غنام ليس فيه سماع عبدالرحمن من أبيه، وكأن البخاريّ –رحمه الله- متردد في سماع عبدالرحمن من أبيه! وكأنه يميل إلى أنه سمع منه شيئاً.

ويؤيده ما ذكره في ((التاريخ الأوسط)) (1/74) قال: حدثني مُقدَّم بن محمد، قال: حدثني عمّي القاسم بن يحيى، قال: حدثنا أبو عثمان عبدالله بن عثمان بن خثيم المكيّ، عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبيه: "أخّر الوليد ابن عقبة الصلاة بالكوفة، فانكفأ ابن مسعود إلى مجلسه -وأنا مع أبي-". قال شعبة: "لم يسمع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود من أبيه". قال البخاري: "وحديث ابن خثيم أولى عندي".

قلت: فذكر البخاري قول شعبة، وقدّم عليه خبر ابن خثيم الذي فيه سماع عبدالرحمن من أبيه.

· تنبيهات مهمة:

1- أخرج ابن عساكر في ((تاريخه)) (35/67) هذا النص من تاريخ البخاري، ووقع في المطبوع: "القاسم بن عبدالرحمن عن أخيه"، وهو خطأ، والصواب: "عن أبيه". ووقع عند ابن عساكر زيادة على ما في المطبوع من التاريخ الأوسط: "قال محمد بن إسماعيل: "وكذلك يُذكر عن عبدالملك بن عمير عن عبدالرحمن بن عبدالله أنه سمع أباه".

قلت: كأن البخاري - رحمه الله - متردد في مسألة سماع عبدالرحمن من أبيه بما ذكره عبدالملك بن عمير!

2- قال محقق بعض أجزاء ((التاريخ الأوسط)) د. تيسير أبو حميد (1/527- طبعة الرشد): "هذه المقولة: ((حديث ابن خثيم أولى عندي))؛ يحتمل أنها من قول شعبة، ويحتمل أنها من قول البخاري، وقد تقدم في التخريج أن ابن عساكر أخرج هذا الأثر من طريق البخاري، وفيه ما يشعر بأنها من قول البخاري، لا من قول شعبة، والله أعلم".

قلت: هذا كلام لا داعي له! فالمقولة هي من قول البخاري، وسياق الكلام يدل على ذلك، فالبخاري أراد أن يثبت من خلال هذا الأثر صحة سماع عبدالرحمن من أبيه، فأتى بالحديث، ثم عَرض لقول شعبة بنفي سماعه من أبيه؛ ثم رجّج قول ابن خثيم على قول شعبة. فلا دخل لشعبة في الرواية حتى يقول شعبة هذه المقولة! ثم إن ما عند ابن عساكر واضح أنها من قول البخاري، ففيه: "قال محمد: وحديث ابن خثيم أولى".

3- قال د. تيسير أبو حميد معلقاً على رواية القاسم بن يحيى عن ابن خثيم: "إسناده حسن؛ من أجل عبدالله بن عثمان بن خثيم، فهو صدوق". ثُمّ أشار إلى رواية عبدالرزاق، وقال: "إسناد ضعيف؛ لأنه مرسل".

قلت: الحديث أخرجه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (1/475) قال: حدثنا عبدالوهاب الثقفي، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، عن القاسم بن عبدالرحمن، عن أبيه: أن الوليد بن عقبة أخّر الصلاة بالكوفة -وأنا جالس مع أبي في المسجد-، فقام عبدالله، فثوب بالصلاة فصلى بلناس، فأرسل إليه الوليد بن عقبة: ما حملك على ما صنعت، أجاءك من أمير المؤمنين أمر فيما قبلنا فسمع وطاعة، أم ابتدعت ما صنعت اليوم؟ قال: ((لم يأتني من أمير المؤمنين أمر، ومعاذ الله أن أكون ابتدعت. أبى الله ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا، وأنت في حوائجك)).

وأخرجه يعقوب بن سفيان في ((المعرفة والتاريخ)) (2/321) قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا يحيى بن سليمان، عن ابن خيثم، مثله.

وأخرجه الشاشي في ((مسنده)) (1/326) عن عباس الدوري، عن يحيى بن أبي بكير، عن داود بن عبدالرحمن، عن عبدالله بن عثمان بن خثيم، مثله.

وأخرجه عبدالرزاق في ((مصنفه)) (2/384) عن معمر، عن عبدالرحمن بن عبدالله المسعودي، عن القاسم بن عبدالرحمن، قال: أخّر الوليد بن عقبة الصلاة مرة، فأمر ابن مسعود المؤذن فثوب بالصلاة، ثم تقدم فصلى بالناس، فأرسل إليه الوليد: ما صنعت، أجاءك من أمير المؤمنين حدث أم ابتدعت؟ قال ابن مسعود: ((وكلّ ذلك لم يكن. ولكن أبى علينا الله ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا وأنت في حاجتك)).

قلت: المسعودي تابع ابن خثيم عن القاسم، فهي رواية صحيحة. وقول المحقق عن رواية عبدالرزاق بأن إسنادها ضعيف لأنها مرسلة! فيه نظر! وقد سقط من إسنادها "عن أبيه" فيكون هذا من أوهام الدبري في روايته عن عبدالرزاق! أو أن المسعودي عندما حدّث بها لم يذكر "عن أبيه"؛ لأن القصة معروفة ومشهورة عن عبدالرحمن والد القاسم، وهذا لا يجعل الرواية مرسلة، فيضعف إسنادها كما فعل المحقق.

· تخريج الحديث الذي ذكره البخاري في ترجمة عبدالرحمن في تاريخه الكبير:

ومما يدلّ على أن البخاري يميل إلى صحة سماع عبدالرحمن من أبيه أنه احتج بهذا الحديث، فأخرجه في ((الأدب المفرد)) (ص139) (باب أخذ البيض من الحمرة)، قال: حدثنا طلق بن غنام، قال: حدثنا المسعودي، عن الحسن بن سعد.

وهذا على أقل أحواله حسنٌ عند الإمام البخاري.

وأخرجه الطيالسي في ((مسنده)) (ص44) عن المسعودي عن الحسن بن سعد، مثله. وأخرجه الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/404) عن أبي قطن، قال: حدثنا المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبدالرحمن بن عبدالله قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منـزلاً، فانطلق إنسان إلى غيضه، فاخرج منها بيض حمر، فذكره.

قال أحمد: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا المسعودي، عن القاسم والحسن بن سعد، عن عبدالرحمن بن عبدالله، قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منـزلا فذكر مثله.

قال الشيخ شعيب الأرنؤوط في تعليقه على المسند: "إسناده ضعيف لإرساله. عبدالرحمن تابعي".

قلت: كأنه سقط من النسخة "عن أبيه"؛ لأن الحديث فيه قصة أخرى، وقد أخرجها الإمام أحمد في ((المسند)) (1/396) عن أبي النضر، قال: حدثنا المسعودي، عن الحسن ابن سعد، عن عبدالرحمن بن عبدالله، عن عبدالله أنه قال: نزل النبي صلى الله عليه وسلم منـزلاً، فانطلق لحاجته، فجاء وقد أوقد رجل على قرية نمل، إما في الأرض، وإما في شجرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيكم فعل هذا؟)) فقال رجل من القوم: أنا يا رسول الله. قال: ((أطفها، أطفها)).

قال الشيخ شعيب: "حسنٌ لغيره. وهذا إسنادٌ صحيحٌ". وقال أيضاً: "صحيحٌ. وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم إن ثبت سماع عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود من أبيه لهذا الحديث، فقد سمع من أبيه شيئاً يسيراً كما قال الحافظ في التقريب".

والحديث أخرجه أبو داود في ((سننه)) (3/55) عن أبي صالح محبوب بن موسى، عن أبي إسحاق الفزاري، عن أبي إسحاق الشيباني، عن الحسن بن سعد، عن عبدالرحمن ابن عبدالله، عن أبيه.

وأخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (4/267) من طريق عثمان بن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا أبو إسحاق الشيباني، ثنا الحسن بن سعد، عن عبدالرحمن ابن عبدالله بن مسعود، عن أبيه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ومررنا بشجرة فيها فرخاً حمرة، فذكره.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه". قلت: هو كما قال.

· حديث آخر للحسن بن سعد عن عبدالرحمن فيه سماعه من أبيه؟!

أخرج ابن المنذر في ((الأوسط)) (2/386) قال: حدثنا عبدالله بن أحمد، [قال: حدثنا أبي] قال: حدثنا المقرئ، قال: حدثنا المسعودي، قال: حدثنا الحسن بن سعد، عن عبدالرحمن بن عبدالله، قال: قلت لعبدالله: إن الله أكثر ذكر الصلاة في القرآن {الذين هم على صلاتهم دائمون} و {الذين هم في صلاتهم خاشعون}. فقال عبدالله: ((ذلك على مواقيتها)). فقالوا: ما كنا نرى ذلك يا أبا عبدالرحمن إلا تركها! قال: ((تركها كفر)).

قلت: كأن ما وقع فيه: "قلت لعبدالله" تحريف! فإن هذا الحديث رواه العدني في ((الإيمان)) (ص91) من طريق عبدالله بن يزيد المقرئ عن المسعودي، وفيه: "قيل لعبدالله ابن مسعود". وهكذا جاء في رواية يزيد بن زريع، عن المسعودي، عن الحسن بن سعد، عن عبدالرحمن بن عبدالله قال: قيل لعبدالله، فذكره. (التمهيد لابن عبد البر: 4/230).

· رواية عبدالملك بن عُمير التي ذكر فيها السماع:

أخرج ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (7/103) عن حسين بن علي الجعفي. وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (35/70) من طريق معاوية بن عمرو، كلاهما (حسين ومعاوية) عن زائدة، عن عبدالملك بن عمير، قال: أخبرني آل عبدالله: أن عبدالله أوصى ابنه عبدالرحمن، فقال: ((أوصيك بتقوى الله، وليسعك بيتك، واملك عليك لسانك، وابك على خطيئتك)).

وروى ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (35/71) من طريق البخاري، عن إسحاق ابن يزيد أبي النضر الدّمشقي، قال: حدثنا الحكم بن هشام الدّمشقي، قال: حدّثني عبدالملك بن عمير، عن القاسم بن عبدالرحمن، عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود، عن أبيه قال لما حضر عبدالله الوفاة، قال له ابنه عبدالرحمن: يا أبت أوصني؟ قال: ((ابك من خطيئتك)).

قال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (6/195): "رواه البخاري في ((التاريخ الصغير)) بإسنادٍ لا بأس به".

وأخرج الطبراني في ((المعجم الكبير)) (9/102) من طريق سعيد بن منصور، قال: حدثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالد، قال: أوصى ابن مسعود أبا عبيدة ابنه بثلاث كلمات: أي بني أوصيك بتقوى الله، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك، وأمسك عليك لسانك.

قلت: ذكر "أبي عبيدة" غير محفوظ! والمحفوظ عند الكوفيين أنه أوصى ابنه عبدالرحمن، فكأن الوهم من إسماعيل. وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فكيف يوصيه؟!

وأخرج أحمد في ((الزهد)) (ص156) عن وكيع، قال: حدثنا المسعودي، عن القاسم ابن عبدالرحمن، قال: قال عبدالله لابنه: ((يا بني، ليسعك بيتك، واملك عليك لسانك، وابك من ذكر خطيئتك)).

وخالفه ابن المبارك فرواه في ((الزهد)) (ص42) عن المسعودي، عن القاسم بن عبدالرحمن، قال: قال رجلٌ لابن مسعود، يا أبا عبدالرحمن: أوصني. قال: ((ليسعك بيتك، وابك من ذكر خطيئتك، وكفّ لسانك)).

وتابعه المحاربي ويعلى، عن المسعودي، عن القاسم: أنّ ابن مسعود أتاه رجلٌ، فذكره. (الزهد لهناد بن السري: 1/266).

قلت: كأن هذا الاختلاف من المسعودي، وكان قد اختلط في آخر عمره. ويحتمل أن عبدالله أوصى بذلك ابنه وهذا الرجل الذي جاءه، فالله أعلم.

· رأي أبي حاتم الرازي:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/248): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود الهذلي: سمع أباه عبدالله بن مسعود. روى عنه ابناه القاسم ومعن وأبو إسحاق الهمداني وسماك بن حرب. سمعت أبي يقول ذلك. قال عبدالرحمن: ذكره أبي عن إسحاق ابن منصور عن يحيى بن معين قال: "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود: ثقة". قال عبدالرحمن: سمعت أبي يقول: "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود: صالح".

قلت: سمع عبدالرحمن بن عبدالله شيئاً من أبيه، وكان يتذكر بعض الأحداث أدركها مع أبيه وهو صغير.

قال ابن حجر في ((التقريب)) (ص344): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود الهذلي الكوفي: ثقة من صغار الثانية. مات سنة تسع وسبعين. وقد سمع من أبيه، لكن شيئاً يسيراً. ع".

· قبول الأئمة لحديثه عن أبيه:

قد قَبِل الأئمة رواية عبدالرحمن عن أبيه، وإن كان لم يسمع منه كثيراً، فإذا صحّ الإسناد إليه، فهو مما يحتج به؛ لأنه أخذ حديث أبيه من عائلته وأصحاب أبيه.

وقد أخرج له أصحاب السنن (14) حديثاً عنه أبيه. ذكرها المزي في ((تحفة الأشراف)) (7/74-77).

وكان الترمذي يقول بعد تخريج حديثه عن أبيه: "حديثٌ حسنٌ صحيحٌ". (جامع الترمذي: 3/512، 4/524، 5/21، 5/34).

· ذكرُ ابن حجر لعبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود في المدلسين!

قال ابن حجر في ((طبقات المدلسين)) (ص40): "عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود: ثقة. قال ابن معين: لم يسمع من أبيه. وقال ابن المديني: لقي أباه وسمع منه حديثين: حديث الضب وحديث تأخير الصلاة. وقال العجلي: يقال أنه لم يسمع من أبيه إلا حرفاً واحداً: محرم الحرام. وذكر البخاري في ((التاريخ الأوسط)) من طريق ابن خثيم عن القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه قال: إني مع أبي، فذكر الحديث في تأخير الصلاة. قال البخاري: قال شعبة: لم يسمع من أبيه. وحديث ابن خثيم عندي أولى... وأخرج البخاري في ((التاريخ الصغير)) من طريق القاسم بن عبدالرحمن عن أبيه: لما حضرت عبدالله الوفاة، قلت له: أوصني. قال: ابك من خطيتك. وسنده لا بأس به.

قلت: فعلى هذا يكون الذي صرّح فيه بالسماع من أبيه أربعة، أحدها موقوف. وحديثه عنه كثير ففي السنن خمسة عشر، وفي المسند زيادة على ذلك سبعة أحاديث، معظمها بالعنعنة، وهذا هو التدليس، والله أعلم".

قلت: ما كان ينبغي ذكره في المدلسين؛ لأن مثل عبدالرحمن لا يُتصور فيه أن يأخذ الحديث من أيّ أحد، وهذا ما يُخشى عليه من المدلِس، فهو ثقة، وإذا نسب الحديث إلى أبيه، فلا يضره أن يذكر من حدّثه عن أبيه؛ لأن من أخذ عنهم ثقات.

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

وكتب، خالد الحايك.

14 محرّم 1429هـ.

شاركنا تعليقك