الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

دراسة الأسانيد وكيفية الترجمة للرواة والكشف عن العلل في الأحاديث – نموذجٌ تطبيقيّ

دراسة الأسانيد وكيفية الترجمة للرواة والكشف عن العلل في الأحاديث/ نموذجٌ تطبيقيّ.

 

بقلم: أبي صهيب خالد الحايك.

 

روى ابن المظفر في ((غرائب شعبة)) قال: حدّثنا أبو محمّدٍ: معروفُ بنُ محمّدٍ، قال: حدّثني أبو العباسِ: محمّدُ بنُ يعقوبَ، قال: حدّثني محمّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الحسينِ القصّارُ، قال: حدّثنا أبو داودَ، قال: حدّثنا شعبةُ، عن سعيدِ بنِ قطنٍ، قال: سمعتُ أبا زيدٍ يقول: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ليسَ منّا منْ لم يرحمْ صغيرنا، ويرحمْ كبيرنا.)).

أقول: يتعلق بهذا الحديث عدّة مسائل:

1- تخريج الحديث:

أخرجه أبو نُعيم الحافظ في ((تاريخ أصبهان)) (1/170) في ترجمة ((أحمد بن عبدالله بن محمد بن النعمان أبو العباس ت 320هـ)) عنه عن محمد بن عاصم، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني سعيد بن قطن، قال: سمعت أبا زيد يقول: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا)).

وأخرجه ابن عَدي في ((الكامل)) (3/279) عن ابن صاعد عن سوار بن عبدالله ومحمد بن عبدالله المخرمي، كلاهما عن أبي داود به.

2- اختلاف العلماء في هذا الحديث:

قال الإمام البخاريّ في ((التاريخ الكبير)) (7/190): "قَطَن أبو الهيثم: يعدّ في البصريين. قال محمد بن بشار، حدثنا سهل بن حماد، عن شعبة، عن قطن، عن أبي يزيد المدني بلغه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: ((من لم يرحم صغيرنا)).

ونا أبو داود عن شعبة عن سعيد بن قطن سمع أبا زيد الأنصاري. فنظر أبو داود في كتابه فلم يجده! والأول أصحّ".

وقال في ((التاريخ الأوسط)) (3/438-440): "كنية قَطن بن كعب: أبو الهيثم. حديثه في البصريين. حدثني محمد بن بشار، قال: حدثنا سهل بن حمّاد، عن شعبة، عن قطن، عن أبي يزيد المدني، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((من لم يرحم صغيرنا فليس منا)). وعن أبي داود، عن شعبة، عن سعيد بن قطن: سمع أبا زيد الأنصاري بهذا. فنظر أبو داود في كتابه، فلم يجده. والأول مع إرساله أثبت".

· تنبيه البخاري إلى الاختلاف في اسم شيخ شعبة:

قلت: نبّه البخاري في هذه الترجمة إلى الخلاف في اسم شيخ شعبة، فسماه سهل بن حماد: ((قطن وهو ابن كعب))، وسماه الطيالسي: ((سعيد بن قطن))، ورجّح البخاري الأول، ولهذا ذكره في ترجمة ((قَطن بن كعب)).

ومعنى قول البخاري: ((ونا أبو داود)) أي: وأسنده أبو داود، وفي ((التاريخ الأوسط)): ((وعن أبي داود)) فليتنبه.

· الصواب فيه الإرسال:

وقد نَظر بعض النقاد إلى مسألة الوصل والإرسال في الحديث، وهذا لم يتعرض له البخاري، وكأنه لم يرَ أن أبا داود أرسله، ولهذا قال في إسناد أبي داود: ((سمع أبا زيد الأنصاري بهذا)) أي بالإسناد السابق، وهو مرسل.

قال ابن أبي حاتم في ((العلل)) (2/230): "سألت أبي عن حديث رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سعيد بن قطن، قال: سمعت أبا زيد يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا))؟ قال أبي: "لهذا الحديث علة! رواه غندر عن شعبة عن سعيد بن قطن قال سمعت أبا يزيد المدني، قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قال ليس منا...)) الحديث. قال أبي: "وهذا أشبه!" قلت: ومن أبو يزيد المدني؟ قال: "شيخ. روى عنه جرير بن حازم وسعيد بن أبي عروبة وأيوب السختياني ولا يسمى! سئل مالك عن أبي يزيد؟ فقال: لا أعرفه".

وقال الدارقطني: " تفرد به أبو داود عن شعبة عنه متصلاً! وغيره يرويه عن شعبة عن قطن بن كعب عن أبي يزيد المديني مرسلاً عن النبيّ". (أطراف الغرائب والأفراد: 5/60، رقم 4673).

قلت: نظر أبو حاتم والدارقطني إلى الاتصال والإرسال، ورجحا الإرسال، وهو الصواب.

وقال ابن صاعد بعد أن روى الحديث من طريق أبي داود: "وكانوا يرون أنه حديث متصل، ويعدّ في حديث أبي زيد بن أخطب الأنصاري إذ قد روى عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهو وهمٌ. إنما رواه شعبة عن قطن بن كعب القطعي جد أبي قطن عن أبي زيد المدني أنه بلغه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فصار مرسلاً". ثمّ روى ابن صاعد الحديث عن محمد بن عبدالله المخرمي، ثم قال: "سمعت محمد بن عبدالله المخرمي يقول: حديث أبي داود خطأ، وهذا الصواب". (الكامل لابن عدي: 3/279).

· تعقّب ابن عدي:

وقد دافع ابن عدي في ((الكامل)) عن رواية أبي داود وأنه لم يخطئ في اسم شيخ شيخه، فساق كلام البخاري وابن صاعد والمخرمي، ثم قال: "والبخاري وابن صاعد جميعاً نسبا أبا داود في هذا الحديث إلى الخطأ، فقالا: روى عن شعبة، عن سعيد بن قطن، عن أبي زيد الأنصاريّ، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وأبو زيد عمرو بن أخطب من الأنصار وله صحبة، وقالا: إنما روى شعبة عن قطن بن كعب، عن أبي زيد المدني، عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم مرسلاً. والذي رواه أبو داود فمحتمل، وذلك أن حماد بن سلمة روى عن سعيد بن قطن عن أبي زيد الأنصاريّ حديث مقطوع. ورواية حماد تنفي عن أبي داود خطأه حيث خطأه بروايته عن سعيد بن قطن، عن أبي زيد؛ لأن حماد بن سلمة قد روى عن سعيد بن قطن، عن أبي زيد، فصار لسعيد بن قطن أصل، ولسعيد عن أبي زيد أصل برواية حماد بن سلمة فسقط الخطأ عن أبي داود، وإن كان الحديث الذي ذكره رواه غيره عن قطن عن أبي يزيد مرسلاً. أخبرنا أبو يعلى: إبراهيم بن الحجاج، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن قطن، قال: سألت [أبا] زيد الأنصاري عن المذي؟ قال: "ليس فيه إلا الطهور". انتهى.

قلت: أما البخاري فذهب إلى أن أبا داود قد أخطأ في تسمية شيخ شعبة كما سبق، وأما ابن صاعد فإنه لم يتعرض لهذا، وإنما نسب أبا داود إلى أنه وصله، وهو مرسل.

وكون أبي داود لم يذكر قوله ((بلغني)) وقال: ((عن أبي زيد قال: قال رسول الله...)) فلا يدل ذلك على الاتصال! وأنه رفعه!

ثُمَّ إن نقل أبي حاتم رواية غندر عن شعبة تقوي رواية أبي داود عن شعبة في تسمية شيخه ((سعيد بن قطن)) فيكون الخطأ من شعبة في تسمية شيخه لا من أبي داود كما هو مقتضى كلام البخاري! وشعبة –رحمه الله- كان يخطئ في أسماء شيوخه، والله أعلم.

وممن أشار إلى أن أبا داود رفعه: الحافظ ابن رجب في ((شرح علل الترمذي)) (2/764) قال في ترجمة الطيالسي: "ومن جملة ما أخطأ فيه أنه روى عن شعبة عن سعيد بن قطن عن أبي زيد الأنصاري مرفوعاً: من لم يرحم صغيرنا فليس منا. ويُقال إنه نظر في كتابه فلم يجده".

3- أبو زيد الأنصاريّ الصحابي وأبو زيد أو يزيد المديني:

جاء في بعض طرق الحديث: ((أبو زيد)) وفي بعضها: ((أبو يزيد))، وهما واحد، وهو تابعي.

· وهم لابن عدي:

ووهم ابن عَدي في قوله إن أبا زيد هو عمرو بن أخطب الأنصاري الصحابي. ووهم في ذلك أيضاً الدكتور يحيى الثمالي محقق كتاب ((التاريخ الأوسط)) (3/440)، ولم يحسن الدكتور الكلام على هذا الحديث!

فالصحابي هو: عمرو بن أخطب بن رفاعة أبو زيد الأنصاري من بني الحارث بن الخزرج البصري. روى عبدالصمد عن شعبة عن تميم بن حويص قال: سمعت أبا زيد يقول: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ستاً أو سبعا (التاريخ الكبير: 6/309، الجرح والتعديل: 6/220).

قال خليفة بن خياط في ((الطبقات)) (ص104): "أبو زيد الأعرج: اسمه عمرو بن أخطب بن رفاعة بن محمود بن بشر بن عبدالله بن الضيف بن أحمر بن عدي بن ثعلبة بن جارية بن عمرو بن عامر، من ساكني البصرة. روى أحاديث".

وقال (ص187): "وأبو زيد الأعرج، هو عمرو بن أخطب بن رفاعة بن محمود بن بشر بن عبدالله بن الضيف بن أحمر بن عدي بن ثعلبة بن جارية بن عمرو بن عامر بن ثعلبة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد بن الغوث بن النبت بن مالك بن زيد بن كهلان، ينسب إلى الأنصار".

وقال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/28): "عمرو بن أخطب الأنصاري، ويكنى أبا زيد، وهو جد عزرة بن ثابت. أخبرنا عبدالصمد بن عبد الوارث قال: حدثنا شعبة، قال: حدثنا تميم بن حويص، قال: سمعت أبا زيد يقول: قاتلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة مرة. قال شعبة: وهو جد عزرة.

أخبرنا حجاج بن نصير قال: حدثنا قرة بن خالد، عن أنس بن سيرين، قال: حدثني أبو زيد بن أخطب قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: جملك الله. قال أنس: وكان رجلاً جميلاً حسن الشمط. قال: وسمعت بعض البصريين يقول: عمرو بن أخطب هو جد عزرة بن ثابت بن عمرو بن أخطب. روى عنه: أنس بن سيرين والحسن بن محمد العبدي وأبو نهيك ويزيد الرشك وعلباء بن أحمر، وله مسجد يُنسب إليه بالبصرة".

روى له مسلم والأربعة. وروى عنه أيضاً: ابنه بشير وأبو قلابة وعمرو بن بجدان ومحمد بن سيرين، وذكر ابن أبي حاتم في الرواة عنه أيضاً سعيد بن قطن (الجرح والتعديل: (6/220)، وتبعه في ذلك المزي في ((تهذيب الكمال))، وهو خطأ، فإن الذي روى عنه سعيد هو أبو زيد المدني التابعي الذي مر بنا في الحديث السابق، وهذا مُنازع فيه أيضاً كما سيأتي.

قال ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)): (8/4): "فرق البغوي بين أبي زيد عمرو بن أخطب وبين أبي زيد الأنصاري روى عنه تميم بن حويص".

وقال في الإصابة (القسم الرابع) (7/166): "أبو زيد الأنصاري. غاير البغوي بينه وبين أبي زيد عمرو بن أخطب جد عروة بن ثابت، فأخرج في ترجمة هذا حديث تميم بن حويص سمعت أبا زيد يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة. وفي ترجمة جد عزرة حديث: صلّى بنا النبيّ صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر، فخطب حتى الظهر الحديث. وقد أخرج أحمد الحديثين في مسند أبي زيد عمرو بن أخطب".

· وهم للبغوي:

قلت: وَهِم البغوي في التفرقة بينهما، وهما واحد. قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/154): "تميم بن حويص الأزدي: سمع ابن عباس وأبا زيد. سمع منه شعبة. نسبه ابن المبارك. يُعد في البصريين".

· تصرف عجيب من ابن حجر!:

والعجب من ابن حجر فإنه وهم البغوي، وكان قبل ذلك بقليل قد ترجم: "أبو زيد. غير منسوب. ذكره البغوي، وأخرج من طريق شعبة عن غنم بن حويص سمعت أبا زيد يقول: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة. وهذا أخرجه أحمد بن حنبل في مسند أبي زيد بن أخطب الأنصاري، لكنه وقع في روايته عن شعبة عن تميم سمعت أبا زيد يقول، فذكره، ولم ينسبه".

قلت: وظاهر صنيعه هذا التفرقة بينهما، وهما واحد، وقد تصحف ((تميم)) إلى ((غنم)) عند البغوي.

والحديث رواه يحيى بن معين عن عبدالرحمن بن مهدي، عن شعبة، عن تميم بن حويص، قال: سمعت أبا زيد، يقول: ((غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة غزوة)) (تاريخ ابن معين-رواية الدوري: 3/149).

ورواه أحمد في ((المسند)) (5/340)، وابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/28)، كلاهما عن عبدالصمد بن عبد الوارث، عن شعبة به.

وخالفهما ابن أبي الأسود في متنه، فرواه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/309) عن ابن أبي الأسود، عن عبدالصمد عن شعبة، بلفظ: ((غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ستاً أو سبعاً)).

والصواب ما رواه أحمد وابن سعد.

وقال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (3/1162): "عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري. هو مشهور بكنيته. يقال: إنه من بنى الحارث بن الخزرج. غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات، ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسه ودعا له بالجمال، فيقال إنه بلغ مئة سنة ونيفاً وما في رأسه ولحيته إلا نبذ من شعر أبيض. هو جد عزرة بن ثابت. روى عنه أنس بن سيرين وأبو الخليل وعلباء بن أحمر وتميم بن حويص وأبو نهيك وسعيد بن قطن".

ثُمَّ أعاده (4/1664) فقال: "أبو زيد عمرو بن أخطب الأنصاري. قيل إنه من ولد عدي بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن عامر أخو الأوس والخزرج، ومن قال هذا نسبه عمرو بن أخطب بن رفاعة بن محمود بن بشر بن عبدالله بن الضيف بن أحمر بن عدي بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن عامر الأنصاري. ويقال هو من بني الحارث بني الخزرج. له صحبة ورواية، وهو جد عزرة بن ثابت المحدّث، وكان عزرة هذا يقول: جدي هو أحد الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح ذلك. وكان عمرو بن أخطب أبو زيد هذا قد غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوات ومسح على رأسه ودعا له بالجمال، فيقال إنه بلغ مئة سنة ونيفاً وما في رأسه ولحيته إلا نبذ من شعر أبيض".

وذِكْرُ ابن عبدالبر في الرواة عنه ((أبو الخليل صالح بن أبي مريم البصري)) إنما تبع فيه ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/220).

وحديث أبي الخليل عنه ذكره الطبراني في ((المعجم الكبير)) (17/27) ضمن أحاديث ((عمرو بن أخطب أبو زيد الأنصاري)). قال (17/29): حدثنا عبدالله بن الحسين المصيصي، قال: حدثنا محمد بن بكار بن بلال، قال: حدثنا سعيد بن بَشير، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن أبي زيد الأنصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يدعون إلى الله عز وجل، وليسوا من الله في شيء، من قاتلهم كان أولى بالله منهم)) –((يعني: الخوارج)).

وأخرجه ابن أبي عاصم في كتاب ((السُّنّة)) (2/458) عن عبدالرحمن بن عمرو عن محمد بن بكار به.

· اضطراب سعيد بن بشير:

ولكن ابن حجر فرّق بين أبي زيد عمرو بن أخطب وبين أبي زيد الذي روى عنه أبو الخليل، فترجم لابن أخطب ثم قال: "أبو زيد الأنصاري: آخر. ذكره البغوي، وأخرج من طريق سعيد بن بشر عن قتادة عن أبي خليل عن أبي زيد الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعني في الخوارج... فذكره.

قلت: وهذا كلّه فيه نظر! فإن هذه الرواية ضعيفة لا تصح! فسعيد بن بشير ضعيف مُتكلَّم في حفظه، وقد اضطرب في إسناد هذا الحديث! فرواه عن قتادة عن أبي الخليل عن أبي زيد الأنصاري. ورواه عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري. ورواه عن قتادة عن أنس!

وهذه الطرق كلّها أخرجها ابن أبي عاصم في ((السنة)) (2/458)، ولم يفعل الألباني ولا الدكتور الجوابرة (2/650) شيئاً في تحقيقيهما؛ إلا الحكم على الحديث بالصحة، وتضعيف هذه الأسانيد، ولم يتنبها لاضطراب سعيد بن بشير فيه.

وقد رواه عبدالرزاق في ((مصنفه)) (10/154) عن معمر، عن قتادة، قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((سيكون في أمتي اختلاف وفرقة، وسيأتي قوم يعجبونكم -أو تعجبهم أنفسهم- يدعون إلى الله وليسوا من الله في شيء، يحسبون أنهم على شيء وليسوا على شيء، فإذا خرجوا عليكم فاقتلوهم. الذي يقتلهم أولى بالله منهم)) قالوا: وما سمتهم؟ قال: ((الحَلْق والسمت)). قال: يعني يحلقون رؤوسهم. والسمت: يعني لهم سمت وخشوع.

هكذا هو في ((مصنف عبدالرزاق)) مرسلاً!! ورواه أبو داود في ((سننه)) (4/244) عن الحسن بن علي عن عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. قال: ((سيماهم: التحليق والتسبيد، فإذا رأيتموهم فأنيموهم)). قال أبو داود: ((التسبيد: استئصال الشعر)).

ورواه أحمد في ((مسنده)) (3/197) عن إبراهيم بن خالد عن رباح عن معمر عن قتادة عن أنس به، وفيه: ((التسبيت)).

وفي ((المقصد الأرشد)) (1/299) قيل لأحمد: ما التسبيت؟ قال: "الحلق الشديد، يُشبه النِّعال السبتية".

ورواه ابن ماجه في ((سننه)) (1/62) عن بكر بن خلف أبي بشر عن عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس بن مالك نحوه.

ورواه الحاكم في ((المستدرك)) (2/160) من طريق هشام بن يوسف الصنعاني عن معمر عن قتادة عن أنس به. وفيه: ((الحلق والتسبيت)) يعني: استئصال التقصير. قال: "والتسبيت: استئصال الشعر". قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقد روى هذا الحديث الأوزاعي عن قتادة عن أنس -رضي الله عنه-، وهو صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

· من أوهام الدبري في رواية مصنف عبدالرزاق:

فعبدالرزاق رواه عن معمر عن قتادة عن أنس، وما جاء في ((مصنف عبدالرزاق)) دون ذكر ((أنس)) فهو من أوهام الدبري في روايته لكتاب عبدالرزاق، والله أعلم.

وأخرجه الإمام أحمد في ((مسنده)) (3/224) قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني قتادة عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري. وقد حدثناه أبو المغيرة، عن أنس، عن أبي سعيد، ثُمَّ رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سيكون في أمتي خلاف وفرقة: قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يمرقون من الدِّين مروق السهم من الرمية لا يرجعون حتى يرتدوا على فوقه، هم شرّ الخلق والخليقة، طوبى لمن قتلهم وقتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، مَنْ قاتلهم كان أولى بالله منهم)). قالوا: يا رسول الله، ما سيماهم؟ قال: ((التحليق)).

وأخرجه أبو داود في ((سننه)) (4/243) من طريق الوليد ومبشر بن إسماعيل الحلبي. والحاكم في ((المستدرك)) (2/161) من طريق بشر بن بكر ومحمد بن كثير المصيصي، كلّهم عن أبي عمرو الأوزاعي عن قتادة عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري مثله. إلا أن المصيصي لم يذكر في حديثه ((أبو سعيد الخدري)).

قال الحاكم: "لم يسمع هذا الحديث قتادة من أبي سعيد الخدري، إنما سمعه من أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد". ثُمَّ ساق الحديث من طريق أبي الجماهر محمد بن عثمان التنوخي، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن عليّ الناجي، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلهم مثل رجل يرمي رمية فيتوخى السهم حيث وقع فأخذه فنظر إلى فوقه فلم ير به دسماً ولا دماً، ثم نظر إلى ريشه فلم ير به دسماً ولا دماً، ثم نظر إلى نصله فلم ير به دسماً ولا دماً، كما لم يتعلق به شيء من الدسم والدم، كذلك لم يتعلق هؤلاء بشيء من الإسلام)).

وأخرجه الطبراني في ((الأوسط)) (4/337) وفي ((مسند الشاميين)) (4/53) من طريق سعيد عن قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد الخدري.

وقد تقدم أن ابن أبي عاصم رواه في ((السنة)) من طريق سعيد عن قتادة عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد.

· ترجمة أبي الصديق الناجي:

قلت: أبو الصديق الناجي هو: بكر بن قيس، ويُقال: بكر بن عمرو (ت 108هـ)، واسم أبي المتوكل الناجي: علي بن داود (ت 102هـ وقيل: 208هـ). وكلاهما سمع من أبي سعيد الخدري، وسمع منهما قتادة، وكلاهما ثقة. والصواب في إسناد هذا الحديث: ((أبو المتوكل الناجي)). وما وقع في كتاب ابن أبي عاصم خطأ! ولا أدري هل هو في أصل النسخة أم من المحققَين!! ويُحتمل أن سعيد بن بشير كان يخطئ فيه أيضاً، والله أعلم.

وقد جاء الحديث عن أبي الصديق الناجي من طريق آخر. أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5/243) عن محمد بن الفضل السقطي، قال: حدثنا عُبيدالله بن معاذ بن معاذ، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا عمران أبو النعمان العمي، قال: حدثنا أبو الصديق الناجي، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج في هذه الأمة قوم سيماهم التحليق، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون فيه أبداً)).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن عمران بن أبي النعمان إلا معاذ بن معاذ".

قلت: هكذا جاء عند الطبراني في الإسناد ((عمران أبو النعمان العمي)) ثم قال: ((عمران بن أبي النعمان))، ولم أجده في أي كتاب!! وهو مجهول لا يُعرف! ومعاذ بن معاذ العنبري ثقة! وأخشى أن يكون حدث خلل للطبراني في إسناده، والله أعلم.

وحديث قتادة عن أبي المتوكل عن أبي سعيد، تفرد به سعيد بن بشير! ومتنه مرويٌ بالمعنى والفهم، وخاصة ما جاء من القياس في نهايته: ((كما لم يتعلق به شيء من الدسم والدم، كذلك لم يتعلق هؤلاء بشيء من الإسلام)). وذكر ((الدسم)) لا يوجد في حديث غير هذا!

والحديث مشهور في ((الصحيحين)) وغيرهما من طريق أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يخرج فيكم قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم، وصيامكم مع صيامهم، وعملكم مع عملهم، ويقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدِّين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئاً، وينظر في القدح فلا يرى شيئاً، وينظر في الريش فلا يرى شيئاً، ويتمارى في الفوق)). وفي رواية: ((في الفوقة هل علق بها من الدم شيء)).

ولا يُعتمد على سعيد بن بشير في أن هذا الحديث سمعه قتادة من أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد! نعم قتادة لم يسمع من أبي سعيد. قال الحاكم في ((علوم الحديث)): "لم يسمع قتادة من صحابي غير أنس" (تهذيب التهذيب: 8/318). وقد تفرد به سعيد بن بشير عن قتادة! وهو يتفرد عنه بمناكير.

وأظن أن أنساً سمع هذا الحديث من أبي سعيد؛ لأن الحديث عن أبي سعيد أشهر. وقتادة رواه عن أنس دون ذكر أبي سعيد. وقد تقدم في رواية أحمد، قال: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني قتادة عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري. وقد حدثناه أبو المغيرة، عن أنس، عن أبي سعيد، ثُمَّ رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ثُمَّ وجدت أنساً قد صرّح بأنه لم يسمعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم، فروى أحمد في ((مسنده)) (3/183) و (3/189) عن يحيى وإسماعيل، كلاهما عن سليمان التيمي، عن أنس قال: ذُكِرَ لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -ولم أسمعه منه-: ((إنّ فيكم قوماً يعبدون ويدأبون حتى يعجب بهم الناس وتعجبهم نفوسهم يمرقون من الدِّين مروق السهم من الرمية)).

فتعيّن أن يكون أنساً سمعه من أبي سعيد الخدري، والله أعلم.

· ترجمة سعيد بن بشير:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/460): "سعيد بن بشير، مولى بني نصر. عن قتادة. روى عنه الوليد بن مسلم ومعن بن عيسى. يتكلمون في حفظه. نُراه أبا عبدالرَّحمن الدِّمشقي الذي روى عنه هشيم عن أبي عبدالرحمن عن قتادة".

قلت: هذا الأخير استفاده البخاري من كتاب ((العلل)) لأحمد. قال عبدالله (3/306): قلت لأبي: هُشَيم عن أبي عبدالرحمن عن قتادة؟ قال أبي: "أبو عبدالرحمن أُراه سعيد بن بشير".

واستفاده من البخاري: أبو حاتم الرازي. قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (4/6): "سعيد بن بشير، مولى بني نصر. روى عن قتادة وأبي الزبير ومطر الوراق. روى عنه وكيع وعبدالرحمن بن مهدي والجراح بن مليح ومعن بن عيسى والوليد بن مسلم. وروى هشيم عن أبي عبدالرحمن الدمشقي عن قتادة، ونرى أنه سعيد بن بشير. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال مسلم بن الحجاج: "أبو عبدالرحمن عن قتادة. روى عنه هشيم. يظنون أنه سعيد بن بشير الدمشقي" (تاريخ دمشق: 21/25).

قال بقية: سألت شعبة عن سعيد بن بشير؟ فقال: "صدوق اللسان". وقال عمرو بن علي الفلاس: "كان عبدالرحمن يحدِّثنا عن سعيد بن بشير ثم تركه". وقال الميموني: ذكر سعيد بن بشير، فرأيت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يضعف أمره. وقال العباس بن محمد الدُّوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "سعيد بن بشير: ليس بشيء". وقال ابن نمير: "سعيد بن بشير: منكر الحديث، وليس بشيء، ليس بقوي الحديث. يروي عن قتادة المنكرات". وقال عبدالرحمن بن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة ذكرا سعيد بن بشير فقالا: محلّه الصدق عندنا. قلت لهما: يحتج بحديثه؟ فقالا: يحتج بحديث ابن أبي عروبة والدستوائي. هذا شيخٌ يكتب حديثه.

قال الذهبي في ((الميزان)) (3/191): "وذكره أبو زرعة في ((الضعفاء)). وقال: "لا يحتج به"، وكذا قال أبو حاتم، وقال: يحول من كتاب الضعفاء".

قال عبدالرحمن بن أبي حاتم: وسمعت أبي يُنكر على من أدخله في كتاب الضعفاء، وقال: "يُحول منه".

قلت: يقصد أبو حاتم الإمام البخاري، فإنه قال في ((الضعفاء الصغير)) (ص49): "سعيد بن بشير: مولى بني نصر. عن قتادة. روى عنه الوليد بن مسلم ومعن بن عيسى يتكلمون في حفظه، نراه أبا عبدالرحمن الدمشقي".

وأبو حاتم يحاول في كثير من الأحايين الاستدراك على البخاري! ولكن القول ما قاله البخاري، فلا يحوّل من الضعفاء، فهو ضعيفٌ باتفاق.

قال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/319): "كان رديء الحفظ، فاحش الخطأ. يروي عن قتادة ما لا يُتابع عليه. وعن عمرو بن دينار ما ليس يعرف من حديثه. وهو الذي يروي عن هشيم عن أبي عبدالرحمن عن قتادة، يُكني عنه ولا يسميه".

وروى العقيلي في ((الضعفاء)) (2/100) بإسناده إلى أبي خليد قال: سألني سعيد بن عبدالعزيز: ما الغالب على علم سعيد بن بشير؟ قال: قلت له التفسير. قال: "خُذ عنه التفسير، ودع ما سوى ذلك، فإنه كان حاطب ليل".

وذكره الذهبي في ((ذكر من تُكلّم فيه وهو موثق)) (ص84) وقال: "سعيد بن بشير صاحب قتادة. صدوق. وثقه شعبة وغيره. وقال البخاري: يتكلمون في حفظه. وقال النسائي: ضعيف". وقال في ((سير أعلام النبلاء)) (7/304): "سعيد بن بشير: الإمام المحدِّث الصّدوق الحافظ... قال أبو مُسهِر: لم يكن في بلدنا أحد أحفظ منه، وهو منكر الحديث".

قلت: أما توثيق شعبة له فليس على إطلاقه، وإنما مدح صدق لسانه، أي أنه لا يتعمد الكذب. وذكر الذهبي له في من تكلم فيه وهو موثق لا يعني شيئاً؛ لأن شرط كتابه أن يورد فيه من تكلم فيه ووثقه بعضهم، وهذا منه لا يعني أنه يوثقه وإن وصفه بالحفظ! والحفظ الذي وصفه به أبو مسهر والذهبي يدل على كثرة حديثه، ولا يدل على حفظه لحديثه، لأنه وصف حديثه بالنكارة، ولا حفظ مع النكارة! ثُمَّ إن العلماء قد تكلموا في حفظه كما قال البخاري، وهذا يعني أنه لم يكن ضابطاً له، ولهذا وقعت المناكير في حديثه، والله أعلم.

· ذِكرُ "يزيد الرشك" في الرواة عن أبي زيد:

ذكر ابن سعد في ((الطبقات)) أن يزيد الرشك قد روى عن أبي زيد الأنصاري، كما سبق. وتبعه في ذلك المزي في ((تهذيب الكمال)) (32/281)، وتبعه ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (11/325). والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (1/669).

ولكن ابن حجر في ((الإصابة)) (7/161) جعله غير أبي زيد عمرو بن أخطب، فذكر بعد ترجمة ابن أخطب: "أبو زيد: غير منسوب. أخرج الطبراني في ((الأوسط)) من طريق الحسن بن دينار، عن يزيد الرشك، قال: سمعت أبا زيد -وكانت له صحبة- قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يتهجد ويقرأ بأم القرآن، فقام فاستمعها حتى ختمها، فقال: ((ما في القرآن مثلها)). قيل: يجوز أنه عمرو بن أخطب أيضاً".

قلت: لم يذكر ابن حجر كلام الطبراني أنه عمرو بن أخطب، فإنه رواه في ((المعجم الأوسط)) (3/183) من طريق سَليم بن مُسلم، عن الحسن بن دينار، عن يزيد الرشك به.

قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن أبي زيد عمرو بن أخطب إلا بهذا الإسناد! تفرد به سليم بن مسلم".

قلت: وهذا الحديث باطلٌ. تفرد به سَليم بن مُسلم الخشاب المكي، وليس بثقة، متروك الحديث. والحسن بن دينار البصري متروك أيضاً.

· أبو زيد الأنصاريّ سعد بن أوس:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (4/80): "سعد بن أوس أبو زيد الأنصاري. ويُقال: بل اسمه عمرو بن أخطب. سمعت أبا زرعة يقول: أبو زيد الأنصاري اسمه عمرو بن أخطب".

قلت: الصواب ما قاله أبو زرعة. ولم أجد سعد بن أوس هذا في الصحابة!

وقد روى الطبري في ((تفسيره)) (19/120) عن عبدالله بن أبي زياد، قال: حدّثنا أبو زيد الأنصاري سعد بن أوس، عن عوف، قال: قال قسامة بن زهير: حدثني الأشعري، قال: لما نزلت [وأنذر عشيرتك الأقربين] جاء صلى الله عليه وسلم فوضع أصبعه في أذنيه، ورفع من صوته، وقال: ((يا بني عبد مناف واصباحاه )).

فسعد بن أوس هذا من طبقة متأخرة جداً عن طبقة الصحابة، فلعل ابن أبي حاتم وهم في الترجمة له، والله أعلم. وسعد بن أوس أبو زيد الأنصاري من شيوخ أبي عُبيد في اللغة، والله أعلم.

· وَهم:

ذكر ابن حجر في ((الإصابة)) (القسم الأول) (7/161): "أبو زيد غير منسوب أيضاً. أخرج حديثه أبو مسلم الكجي في كتاب ((السنن)) له من طريق حماد، عن سعيد بن قطن، عن أبي زيد -رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم-  قال: ((يمسح المسافر على الخفين ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يوماً وليلة)).

أخرجه أبو بكر بن المنذر النيسابوري في ((الأوسط)) (1/433) قال: حدثنا علي، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد بن سلمة به.

وأخرجه الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/84) عن ابن خزيمة، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن سعيد بن قطن، عن أبي زيد الأنصاري، عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

قلت: هذا الأخير هو الصواب: ((عن رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم)). ويؤيد ذلك أن حماد بن سلمة يروي عن سعيد بن قطن عن أبي زيد التابعي لا الصحابي.

· أبو يزيد المدني وحديثه:

أبو يزيد المدني: تابعي بصري، ويقال له: المديني بزيادة تحتانية. قال ابن حجر: "ولعل أصله كان من المدينة، ولكن لم يرو عنه أحد من أهل المدينة. وسئل عنه مالك فلم يعرفه. ولا يعرف اسمه. وقد وثقه ابن معين وغيره". قلت: جزم ابن سعد بأنه من أهل المدينة، فقال في ((الطبقات الكبرى)) (7/220): "أبو يزيد المدني: كان من أهل المدينة فتحول إلى البصرة، فروى عنه البصريون عوف وغيره. وروى هو عن ابن عباس وغيره".

قلت: روى عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وأسماء بنت عميس وعبدالرحمن بن المرقع في آخرين. روى عنه أيوب السختياني وسعيد بن أبي عروبة وأبو الهيثم قطن بن كعب وآخرون.

قال يعقوب بن سفيان في ((المعرفة والتاريخ)) (2/78): قال علي بن المديني: "أبو يزيد المدني لم يسمع من جابر، ولكنه رأى ابن عمر، ولم يسمع من أبي هريرة".

وقال البخاري في ((الكنى)) (ص81): "أبو يزيد المدني. سمع ابن عمر. قال عمرو بن علي عن أبي ذر عن قرة سمع أبا يزيد".

وذكره ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (9/458) فيمن اسمه ((أبو يزيد))، وقال: "أبو يزيد المديني: سمع ابن عمر. روى عنه قرة بن خالد. سمعت أبي يقول ذلك". قال أبو محمد ابن أبي حاتم: "وروى عن ابن عباس، وأحياناً يدخل بينه وبين ابن عباس عكرمة. روى عنه أيوب السختياني وابن أبي عروبة وجرير بن حازم وسلام بن مسكين. سُئِلَ أبو زرعة عن اسمه؟ فقال: "لا أعلم له اسماً". قال: سألت أبي عن أبي يزيد المديني؟ فقال: "شيخ. سُئل مالك عنه؟ فقال: لا أعرفه". قال عبدالرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: "يُكتب حديثه"، فقلت: ما اسمه؟ فقال: "لا يُسمّى".

وقال إسحاق بن منصور: قال يحيى بن معين: "أبو يزيد المدني: ثقة".

وفي ((سؤالات أبي داود)) (ص210): قلت لأحمد: أبو زيد المدني؟ قال: "أي شيء يسأل عن رجل روى عنه أيوب".

وقال المزي في ((تهذيب الكمال)) (34/409): "أبو يزيد المديني: حديثه في أهل البصرة. روى عن: ذكوان مولى عائشة، وعبدالله بن عباس، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، وعكرمة (خ س) مولى ابن عباس، وأبي هريرة، وأسماء بنت عميس (ص)، وأم أيمن حاضنة النبيّ صلى الله عليه وسلم، وامرأة منهم يُقال لها: ابنة عفيف لها صحبة. روى عنه: إسماعيل بن مسلم المكي، وأشعث بن جابر الحداني، وأيوب السختياني (ص)، وجرير بن حازم، والحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، وسعيد بن أبي عروبة، وسلام بن مسكين، وصالح بن رستم أبو عامر الخزاز، والصلت بن دينار، وعبدالسلام بن عجلان العجيفي، وقرة بن خالد، وأبو الهيثم قطن بن كعب القطعي (خ س)، ومبارك بن فضالة، وأبو هلال الراسبي".

وذكر الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى)) (2/155): "أبو يزيد المدني عن أبي هريرة، وعنه سلام بن مسكين". ثُمَّ ذكر: "أبو يزيد المدني عن عكرمة، وعنه ابن أبي عروبة وطائفة". ثُمَّ ذكر: "أبو يزيد المدني عن أسماء بنت عميس".

قلت: هكذا فرّق بينهم، وهم واحد، وتبع في ذلك أبا أحمد الحاكم في ((الكنى))، وكان الذهبي قد اختصر كتاب أبي أحمد وهذبه وزاد عليه.

وقال في ((الكاشف)) (2/472): "أبو يزيد المدني عن أبي هريرة وابن عباس، وعنه أيوب وابن أبي عروبة وجرير بن حازم: ثقة".

وقال العراقي في ((ذيل الميزان)) (ص220-221): "وفرّق أبو أحمد الحاكم في ((الكنى)) هذه الترجمة فجعلها ثلاث تراجم فيمن لم يقف على اسمه. فالأول: أبو يزيد الذي يروي عن ابن عمر وأبي هريرة، روى عنه مطر بن طهمان وسلام بن مسكين ومبارك بن فضالة. والثاني: أبو يزيد الذي يروي عن عكرمة عن رجل يحدِّث عن أنس، روى عنه قرة بن خالد وقطن بن كعب وسعيد بن أبي عروبة والحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ. والثالث: أبو يزيد الذي يروي عن أسماء بنت عميس في زفاف فاطمة وعن ابن عباس، روى عنه أيوب السختياني. وقد تقدم أن ابن أبي حاتم جمع بين الذي يروي عن ابن عباس وعكرمة".

وقال ابن حجر في ((تقريب التهذيب)) (ص684): "أبو يزيد المدني نزيل البصرة. مقبول. من الرابعة".

قلت: بل هو ثقة. والمقبول عند ابن حجر من توبع على حديثه! وحديثه في البخاري ولم يُتابع عليه! وقد رضيه البخاري واحتج به، فهو ثقة.

قلت: له عند البخاري والنسائي حديث واحد في القسامة التي كانت في  الجاهلية، عن عكرمة عن ابن عباس. وله عند النسائي في كتاب ((خصائص عليّ)) عن أسماء بنت عميس قالت: كنت في زفاف فاطمة، فذكرت الحديث.

· حديث أبي يزيد في الكتب:

· أبو يزيد المدني عن عكرمة:

1- أخرج البخاري في ((صحيحه)) (3/1396) (باب القسامة في الجاهلية)، قال: حدثنا أبو معمر، قال: حدثنا عبدالوارث، قال: حدثنا قَطَن أبو الهيثم، قال: حدثنا أبو يزيد المدني، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ((إن أول قَسَامة كانت في الجاهلية لَفِينا بني هاشم. كان رجلٌ من بني هاشم استأجره رجلٌ من قريش من فخذ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمر رجل به من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل؟ فأعطاه عقالاً، فشدّ به عروة جوالقه. فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعيراً واحداً، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير! لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال. قال: فأين عقاله؟ قال: -فحذفه بعصا- كان فيها أجله، فمر به رجل من أهل اليمن فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد، وربما شهدته. قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر؟ قال: نعم. قال: فكنت إذا أنت شهدت الموسم فناد: يا آل قريش. فإذا أجابوك، فناد: يا آل بني هاشم. فإن أجابوك: فسل عن أبي طالب، فأخبره أن فلاناً قتلني في عقال، ومات المستأجر. فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال ما فعل صاحبنا، قال: مرض فأحسنت القيام عليه فوليت دفنه. قال: قد كان أهل ذاك منك فمكث حيناً، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم، فقال: يا آل قريش. قالوا: هذه قريش. قال: يا آل بني هاشم. قالوا: هذه بنو هاشم. قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب. قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة: إن فلاناً قتله في عقال. فأتاه أبو طالب فقال له: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مئة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به. فأتى قومه فقالوا: نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان ففعل. فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب أردت خمسين رجلاً أن يحلفوا مكان مئة من الإبل يصيب كل رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما عني ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا. قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف)).

أخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (كتاب القسامة) (باب: ذكر القسامة التي كانت في الجاهلية) (4/205) عن محمد بن يحيى بن عبدالله عن أبي معمر عبدالله بن عمرو بن أبي الحجاج المنقري مثله.

2- أخرج الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/218) قال: حدثنا ابن أبي عدي عن سعيد، وابن جعفر قال: حدثنا سعيد المعنى، وقال ابن أبي عدي عن سعيد، عن أبي يزيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ((قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلوات وسكت في صلوات، فنحن نقرأ فيما قرأ فيه نبي الله صلى الله عليه وسلم ونسكت فيما سكت فيه)). فقيل له: فلعل نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ في نفسه؟ فغضب، وقال: ((أيُتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم!)) وقال ابن جعفر وعبدالرزاق وعبدالوهاب: أنتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/357) من طريق عبدالأعلى بن حماد النرسي، عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة مثله.

قلت: وهو حديثٌ صحيحٌ.

3- أخرج ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (4/1371) قال: حدثنا علي بن الحسين، قال: حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا أمية بن خالد، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن أبي يزيد المدني، عن عكرمة، قال: ((قدمت على المختار فأكرمني وأنزلني عليه حتى كان يتعاهد مبيتي بالليل. قال: فقال لي: أخرج فحدِّث الناس. قال: فخرجت، فجاء رجل، فقال: ما تقول في الوحي؟ قلت: الوحي وحيان: قال الله عز وجل {بما أوحينا إليك هذا القرآن}. وقال الله: {شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً}. قال: فهمّوا بي أن يأخذوني. فقلت: ما لكم ذاك أني مفتيكم وضيفكم! فتركوني)).

قلت: وهذا إسنادٌ صحيح. قال ابن كثير في ((تفسيره)) (2/168): "وإنما عرَّض عكرمة بالمختار، وهو ابن أبي عبيد -قبّحه الله- وكان يزعم أنه يأتيه الوحي، وقد كانت أخته صفية تحت عبدالله بن عمر، وكانت من الصالحات. ولما أخبر عبدالله بن عمر أن المختار يزعم أنه يُوحى إليه، فقال: صدق. قال الله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} وقوله تعالى: {يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً} أي يلقي بعضهم إلى بعض القول المزين المزخرف، وهو المزوّق الذي يغتر سامعه من الجهلة بأمره".

4- أخرج الطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/356) قال: حدثنا العباس بن الفضل الأسفاطي، قال: حدثنا أبو عون الزيادي، قال: حدثنا أبو عزة الدباغ، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: ((أنّ رجلاً من الأنصار كان له فحلان فاغتلما، فأدخلهما حائطاً فسدّ عليهما الباب، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له، والنبي صلى الله عليه وسلم قاعدٌ ومعه نفرٌ من الأنصار. فقال: يا نبي الله، إني جئت في حاجة، وإن فحلين لي اغتلما، فأدخلتهما حائطاً وسددت الباب عليهما، فأحبّ أن تدعو لي: أن يسخرهما الله لي؟ فقال لأصحابه: ((قوموا معنا)). فذهب حتى أتى الباب، فقال: ((افتح)). فأشفق الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: ((افتح)). ففتح الباب، فإذا أحد الفحلين قريب من الباب، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سجد له. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ائتني بشيء أشد به رأسه وأمكنك منه)). فجاء بحطام فشد به رأسه وأمكنه منه، ثم مشيا إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر، فلما رآه وقع له ساجداً، فقال للرجل: ((ائتني بشيء أشد به رأسه)). فشد رأسه وأمكنه منه. فقال: ((اذهب، فإنهما لا يعصيانك)). فلما رأى أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك، قالوا: يا رسول الله، هذين فحلين لا يعقلان سجدا لك، أفلا نسجد لك؟ قال: ((لا آمر أحداً أن يسجد لأحد، ولو أمرت أحداً يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)).

ذكره الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/5) وقال: "رواه الطبراني، وفيه أبو عزة الدباغ، وثقه ابن حبان، واسمه الحكم بن طهمان، وبقية رجاله ثقات". والعجب من الهيثمي فإنه ذكره قبل ذلك (4/310) وقال: "رواه البزار، وفيه الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، وهو ضعيف"!!

قلت: ذكره البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/339) فقال: "الحكم بن طهمان، وهو الحكم بن أبي القاسم أبو معاذ، وهو أبو عزة الدباغ عن أبي الرباب. قاله موسى بن إسماعيل".

وقال مسلم في ((الكنى والأسماء)) (ص653): "أبو عزة الحكم بن طهمان الدباغ عن أبي الرباب. روى عنه أبو سلمة".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/118): "الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ: روى عن أبي الرباب مولى معقل بن يسار، وعن شهر بن حوشب والحسن. روى عنه أبو نعيم وأبو الوليد ومحمد بن عون الزيادي وموسى بن إسماعيل. سمعت أبي يقول ذلك. وسمعته يقول: روى عنه أبو نعيم وكناه بأبي معاذ ويرون أنه غلط". قال أبو محمد ابن أبي حاتم: وروى عن أبي يزيد المديني وأبي عمران الجوني وحميد بن هلال. سألت أبي عن أبي عزة؟ فقال: "ثقة، لا بأس به، صالح الحديث". وسئل أبو زرعة عن أبي عزة الدباغ؟ فقال: "شيخ ثقة".

وقال إسحاق بن منصور: قال يحيى بن معين: "أبو عزة الدباغ: صالحٌ".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (8/193) وقال: "الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، وهو الذي يقال له: الحكم بن أبي القاسم. يروي عن البصريين: ابن عون وغيره. روى عنه موسى بن إسماعيل".

وقال الذهبي في ((الميزان)) (2/336): "ضعفه ابن حبان في ذيله على الضعفاء". قال ابن حجر في ((اللسان)) (2/332): "وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة، ونقل ابن حبان أن ابن معين ضعفه، ثم تناقض ابن حبان فذكره في الثقات".

وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى)) (1/397): "الحكم بن طهمان، ويقال: الحكم بن عطية الدباغ، ويقال أبو معاذ. عنه التبوذكي". ثُمَّ قال (2/84): "الحكم بن طهمان. عنه التبوذكي، وقيل أبو عزة". فجعلهما اثنين وهما واحد.

قال ابن معين في ((التاريخ)) (رواية الدوري) (4/323): "الحكم بن عطية، هو أبو عزة الدباغ. وأبو عزة الدباغ قدم الكوفة، ويروي عنه أيضاً التبوذكي وأبو الوليد الطيالسي. والحكم بن عطية أيضاً والذي يروي عن الحسن وابن سيرين، وليس بهما جميعاً بأس".

· هل وهم ابن معين؟

قلت: جعل ابن معين الحكم بن طهمان الدباغ هو الحكم بن عطية. وقد وهمه بعضهم في ذلك.

فقال الحاكم أبو أحمد: "لست أرى ذكر عطية والد الحكم ونسبه إليه لأبي عزة الدباغ إلا وهماً، ولست أرى ذلك من يحيى بن معين أو ممن هو دونه! والحكم بن عطية هو العيشي البصري ضعيف الحديث وأبو عزة الدباغ اسمه الحكم بن طهمان". (تهذيب الكمال: 7/122).

وقال الخطيب في ((موضح أوهام الجمع والتفريق)) (1/203): "وقد وَهِم يحيى إذ جعل الحكم بن عطية اثنين، وكنى أحدهما أبا عزة! وليس في الرواة من اسمه الحكم واسم أبيه عطية غير واحد، يروي عن الحسن البصري ومحمد بن سيرين وثابت البناني، حدّث عنه أبو داود الطيالسي وعبدالصمد بن عبدالوارث وغيرهما، لم يرو عنه أبو سلمة التبوذكي، وكنّاه أبو داود أبا عثمان، وكان ضعيفاً". ثُمَّ قال: "أبو عزة الدباغ، واسمه الحكم بن طهمان، وهو الذي ذكر يحيى بن معين أنه قدم الكوفة، فسمعوا منه، ولم يحفظوا اسم أبيه فأخطأوا فيه، وأحسب أن يحيى قلدهم في نسبه، والله أعلم".

ثُمَّ ساق بسنده إلى محمد بن جعفر الراشدي قال: حدثنا أبو بكر الأثرم، قال: قلت لأبي عبدالله أحمد بن حنبل: شيخ يقال له أبو عزة الدباغ، يروي حديث معقل بن يسار في الثوم؟ فقال: قال الزبيري أو الزبيدي -شك أبو جعفر الراشدي- الحكم بن عطية وأخطأ، وليس هو الحكم بن عطية، كان مر بهم بالكوفة فكتبوا عنه ولم يحفظوا اسمه. قلت: إن أبا نعيم قال لنا: الحكم أبو معاذ، وإنما هو أبو عزة الدباغ، فذكرت ذلك لأبي الوليد، وقلت له: يقولون الحكم بن عطية والحكم أبو معاذ؟ فقال: هو أبو عزة الدباغ وليس بالحكم بن عطية، ولا هو ابن عطية، فسكت أبو عبدالله. قال أبو عبدالله: وكان ذلك الشيخ الآخر الحكم بن عطية الذي يروي عن الحسن أشياء عندي صالح، حتى وجدت له غرائب عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة على قيمة عشرة دراهم. وهؤلاء الشيوخ يخطئون على ثابت، وإنما يريد الحديث الذي رواه حماد بن سلمة عن ثابت عن ابن عمر بن أبي سلمة. فقلت: نعم وسليمان أيضاً يرويه. فقال: نعم، ولكن حماد بن سلمة أحسن له حديثاً. قلت: وأسنده حماد ولم يسنده سليمان؟ قال: نعم. قلت لأبي عبدالله: روى الحكم بن عطية هذا عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل المسجد وفيه المهاجرون والأنصار ما منهم أحد يرفع رأسه، ولا يحل حبوته إلا أبو بكر وعمر يتبسم إليهما ويتبسمان إليه، فأنكره!!

قلت: الحكم بن عطية صاحب الحسن وابن سيرين وثابت البناني متكلّم فيه. له تفردات منكرة عن ثابت. وقد روى عنه وكيع وعبدالرحمن بن مهدي وأبو الوليد وأبو داود الطيالسيان وأبو نعيم الفضل بن دكين.

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/344) وفي ((الضعفاء الصغير)) (ص31): "الحكم بن عطية العيشي البصري، عن ثابت وابن سيرين. كان أبو الوليد –يعني الطيالسي- يضعفه".

وقال سليمان بن حرب: "عمدت إلى حديث المشايخ فغسلته". قيل: مثل مَنْ؟ قال: "مثل الحكم بن عطية". وقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل عن الحكم بن عطية؟ قال: "لا بأس به. روى عنه وكيع والطفاوي، إلا أن أبا داود الطيالسي روى عنه أحاديث منكرة". وقال عباس بن محمد الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "الحكم بن عطية: بصري ثقة". وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن الحكم بن عطية؟ قال: "يُكتب حديثه، ليس بمنكر الحديث، وكان أبو داود يذكره بجميل. حدثنا أبو الوليد عنه". قلت: يحتج به؟ قال: "لا، من ألف شيخ لا يحتج بواحد ليس هو بالمتقن، هو مثل الحكم بن سنان". (الجرح والتعديل: 3/125).

وقال النسائي: "الحكم بن عطية: بصري، ليس بالقوي". وقال ابن عَدي: "لا بأس به، يكتب حديثه". (الكامل: 2/205).

وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/248): "كان أبو الوليد شديد الحمل عليه ويضعفه جداً، وكان الحكم ممن لا يدري ما يحدّث فربما وهم في الخبر يجيء كأنه موضوع، فاستحق الترك".

وقال ابن حجر في ((تقريب التهذيب)) (ص175): "صدوق له أوهام".

قلت: الراجح في أمره أنه صدوق لا يتعمد الكذب، يخطئ ويهم، يكتب حديثه. وهو غير الحكم بن طهمان الدباغ، وهذا الأخير ثقة لا بأس به. وقد اختلط هذا بهذا من أجل الحديث الذي رواه الكوفيون في الأكل من شجرة الثوم.

رواه أبو نُعيم الفضل بن دُكين ومحمد بن عبدالله بن الزبير عن الحكم بن عطية. أما حديث أبي نعيم فرواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (2/249) و (5/136) قال: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين، عن الحكم بن عطية، عن أبي الرباب، عن معقل بن يسار، قال: سمعته يقول: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مصلانا -يعني الثوم)).

وأما حديث محمد بن عبدالله بن الزبير، فرواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (5/26) قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن الزبير، قال: حدثنا الحكم بن عطية، عن أبي الرباب، قال: سمعت معقل بن يسار يقول: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له، فنـزلنا في مكان كثير الثوم، وإن أناساً من المسلمين أصابوا منه، ثم جاؤوا إلى المصلى يصلّون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عنها، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى المصلّى فنهاهم عنها، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى المصلى فنهاهم عنها، ثم جاؤوا بعد ذلك إلى المصلى، فوجد ريحها منهم، فقال: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا في مسجدنا)).

وقد روى أبو الوليد هشام بن عبدالملك الطيالسي عن أبي عزة الدباغ حديث أبي الرباب فسماه فيه ونسبه، فقال: حدثنا أبو عزة الحكم بن طهمان، ورواه عنه أيضاً يونس بن محمد المؤذب، فقال: حدثنا أبو عزة الحكم بن أبي القاسم.

أما حديث أبي الوليد فأخرجه يعقوب بن سفيان في ((المعرفة والتاريخ)) (1/140) قال: حدثني أبو الوليد، قال: حدثنا أبو عزة الدباغ، قال: حدثنا أبو الرباب مولى معقل بن يسار عن معقل بن يسار به.

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الصغير)) (2/104) عن محمد بن بكير الطيالسي البصري، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ به.

قال الطبراني: "لا يُروى عن معقل بن يسار إلا بهذا الإسناد. تفرد به أبو عزة الدباغ. وكانت هذه القصة يوم خيبر".

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (20/223) قال: حدثنا فضيل بن محمد الملطي، قال: حدثنا أبو نعيم [ح] وحدثنا معاذ بن المثنى، قال: حدثنا أبو الوليد الطيالسي [ح] وحدثنا أبو خليفة قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قالوا: حدثنا الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، قال: حدثنا أبو الرباب مولى معقل بن يسار، عن معقل بن يسار، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتينا على مكان فيه الثوم، فأصاب ناس منه، ثم جاؤوا إلى المصلى، فوجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحها، فقال: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مصلانا)). واللفظ لحديث أبي الوليد.

· جمع الأسانيد:

قلت: جمع الطبراني لهذه الأسانيد فيه نظر! لأن أبا نعيم سمى شيخه الحكم بن عطية، وخالفه أبو الوليد فسماه الحكم بن طهمان، وهذا هو محل النـزاع! وهذه الرواية هي رواية أبي الوليد كما ذكر الطبراني، ولم أقف على رواية مسلم بن إبراهيم.

وأما حديث يونس بن محمد المؤدب فأخرجه أحمد في ((المسند)) (5/26) قال: حدثنا يونس بن محمد، قال: حدثنا الحكم بن أبي القاسم الحنفي أبو عزة الدباغ، عن أبي الرباب، عن معقل بن يسار، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير له، فذكر معناه.

قلت: كأن الحكم راوي هذا الحديث كان يسمى ابن عطية وابن طهمان وابن أبي القاسم، وكنيته أبو معاذ وأبو عزة، وتوهيم ابن معين لا وجه له، والله أعلم.

قال ابن معين في ((التاريخ)) (رواية الدوري) (4/323): "الحكم بن عطية، هو أبو عزة الدباغ. وأبو عزة الدباغ قدم الكوفة، ويروي عنه أيضاً التبوذكي وأبو الوليد الطيالسي. والحكم بن عطية أيضاً والذي يروي عن الحسن وابن سيرين، وليس بهما جميعاً بأس".

قلت: صرّح ابن معين بأن الحكم بن عطية هو الحكم بن طهمان أبو عزة الدباغ، وفرّق بينه وبين الحكم بن عطية الذي يروي عن الحسن وابن سيرين، وقوله صواب لا غبار عليه.

· كلام للخطيب فيه نظر!

وأما قول الخطيب: "أبو عزة الدباغ، واسمه الحكم بن طهمان، وهو الذي ذكر يحيى بن معين أنه قدم الكوفة، فسمعوا منه، ولم يحفظوا اسم أبيه فأخطأوا فيه، وأحسب أن يحيى قلدهم في نسبه"، ففيه نظر!! فأبو نُعيم قد حفظ اسمه، فسماه: الحكم بن عطية، وسماه الحكم أبو معاذ، وسماه غيره: الحكم بن أبي القاسم، وهو الحكم بن طهمان. فهم لم يخطؤوا في اسمه حتى يقلدهم يحيى في هذا الخطأ، وما ذكره يحيى هو الصواب إن شاء الله تعالى.

وقد سماه موسى بن إسماعيل: ((الحكم بن أبي القاسم أبو عزة الدباغ)) في حديث آخر. رواه ابن شبّة في ((أخبار المدينة)) (2/144) قال: حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا الحكم بن أبي القاسم أبو عزّة الدباغ، قال: حدثني حميد بن هلال، عن الأحنف بن قيس، قال: كنت بالمدينة لنأتي عثمان -رضي الله عنه- إذ خرج رجل من دار الأمير، فلما توسط المسجد وقريش حِلَقٌ حِلَقٌ في المسجد، قال: ألا ليبشر أهل الكنوز بِكيٍّ في جِباههم، والكيّ في جنوبهم، والكي في ظهورهم، لم تعذر قريش.

فقلت: مَنْ هذا؟ قالوا: "أبو ذر".

وأبو الرباب ذكره البخاري في ((الكنى)) (ص30) قال: "أبو الرباب، مولى معقل بن يسار. قال أبو نعيم: حدثنا الحكم أبو معاذ، عن أبي الرباب: سمع معقل بن يسار، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فنـزلنا مكاناً فيه ريح هذا الثوم، فأصاب الناس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مصلانا".

وقال الذهبي في ((المقتنى في سرد الكنى)) (1/232): "أبو الرباب، سمع مولاه معقل بن يسار. وعنه الحكم أبو معاذ".

وقال الدارقطني: "أبو الرباب: يروي عن معقل بن يسار. يروي عنه محمد بن سيرين" (تاريخ دمشق: 58/340).

· وهم للدارقطني:

قلت: وهم الدارقطني –رحمه الله- في ذكره أن محمد بن سيرين روى عن أبي الرباب مولى معقل! وإنما الذي روى عنه ابن سيرين هو: أبو الرباب القشيري واسمه: مطرف بن مالك، وقد شهد فتح تستر مع الأشعري.

وقد ذكر الهيثمي حديثه في ((مجمع الزوائد)) (2/17) وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والصغير، وفيه أبو الرباب وهو مجهول".

قلت: نعم، لا يُعرف أبو الرباب إلا في هذا الحديث، ولم يرو عنه إلا الحكم بن طهمان، ولكن حديثه حسنٌ مقبول، فهو صدوق إن شاء الله تعالى.

وعليه فإنّ حديث أبي عون الزيادي عن أبي عزة الدباغ، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: ((أنّ رجلاً من الأنصار كان له فحلان فاغتلما، فأدخلهما حائطاً فسدّ عليهما الباب...)) حديثٌ حسنٌ إن شاء الله تعالى.

وله شاهدٌ أخرجه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (48/134) من طريق أبي العباس الأثرم، قال: حدثنا حميد بن الربيع، قال: حدثنا معلى بن منصور الرازي -من كتابه- قال: أخبرني شبيب بن شيبة، قال: حدثني بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة الثقفي، قال: خرجنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فرأينا منه عجباً، مررنا بأرض فيها أشاء متفرق، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: يا غيلان، ائت هاتين الأشاءتين فمر إحدهما تنضم إلى صاحبتها حتى أستتر بهما فأتوضأ... وذكر حديثاً طويلاً، وفيه: قال: ثم مضينا فنـزلنا منـزلنا، فجاء رجل، فقال: يا نبي الله، إنه كان لي حائط فيه عيشي وعيش عيالي، ولي فيه ناضحان فاغتلما، ومنعا لي أنفسهما وحائطي وما فيه ولا يقدر أحد على الدنو منهما. قال: فنهض النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه حتى أتى الحائط، فقال لصاحبه: افتح. فقال: يا نبي الله، أمرهما أعظم من ذاك. قال: فافتح. فلما حرك الباب بالمفتاح أقبلا لهما جلبة كحفيف الريح، فلما أفرج الباب فنظرا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بركا، ثم سجدا. فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رؤوسهما، ثم دفعهما إلى صاحبهما، فقال: استعملهما وأحسن علفهما. فقال القوم: يا نبي الله، تسجد لك البهائم فما لله عندنا بك أحسن من هذا: أجرتنا من الضلالة واستنقذتنا من الهلكة، أفلا تأذن لنا بالسجود لك؟ قال: كيف كنتم صانعين بأخيكم إذا مات! أتسجدون لقبره؟ قالوا: يا نبي الله، نتبع أمرك. فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: ((إن السجود ليس إلا للحي الذي لا يموت. لو كنت آمراً أحداً بالسجود من هذه الأمة لأمرت المرأة بالسجود لبعلها)).

ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (18/263) مختصراً، عن أحمد بن زهير التستري، قال: حدثني محمد بن عبدالرحيم أبو يحيى صاعقة، قال: حدثنا معلى بن منصور، قال: حدثنا شبيب بن شيبة، عن بشر بن عاصم الثقفي، عن غيلان بن سلمة، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفره، فقال: ((لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)).

وعدهما ابن حجر في ((الإصابة)) (5/335) حديثين تبعاً لابن قانع في ((معجم الصحابة)) (2/320). قال ابن حجر في ترجمة ((غيلان)) بعد أن ذكر له حديث أنه أسلم وتحته عشر نسوة: "وله حديثان آخران غير هذا من رواية بشر بن عاصم. فأخرج ابن قانع وأبو نعيم من طريق معلى بن منصور: أخبرني شبيب بن شيبة، حدثني بشر بن عاصم عن غيلان بن سلمة الثقفي، قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فقال: لو كنت آمراً أحداً من هذه الأمة بالسجود لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها. وبهذا الإسناد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فمررنا بشجرتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا غيلان، ائت هاتين الشجرتين فمر إحداهما تنضم إلى الأخرى حتى استتر بهما، فانقلعت إحداهما تخذ الأرض حتى انضمت إلى الأخرى".

قلت: وهذا مرسلٌ. قال ابن أبي حاتم في ((المراسيل)) (ص18): سألت أبي عن بشر بن عاصم: هل سمع من غيلان بن سلمة؟ قال: "لا، هو مرسل. وذلك أن غيلان بن سلمة أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: بشر بن عاصم بن سفيان بن عبدالله بن ربيعة الثقفي، قال علي بن المديني: "مات بشر بعد الزهري"، ومات الزهري سنة أربع وعشرين ومئة. فهو لم يدرك غيلان، ومات غيلان في آخر خلافة عمر سنة ثلاث وعشرين.

· مراسيل السّير:

وبشر بن عاصم ثقة من أتباع التابعين، ومثل هذه المراسيل في ((السير)) لا بأس بها إن شاء الله تعالى.

وشبيب بن شيبة المنقري التميمي مختلف فيه! ضعفه ابن معين والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم. وامتدحه ابن المبارك، وقبله صالح جزرة والساجي. وقال ابن عدي في ((الكامل)) (4/32): "لا يتعمد الكذب، بل لعله يهم في بعض أحاديثه". وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص263): "أخباري صدوق يهم في الحديث".

قلت: نعم، هو لا يتعمد الكذب، وهو صدوق في نفسه، وعنده أوهام. ترجمه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (4/232) قال: "شبيب بن شيبة المنقري التميمي، يُعدُّ في البصريين. قال لنا مسلم –هو ابن إبراهيم-: حدثنا شبيب بن شيبة: سمع عطاء، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنزل الله عز وجل داء إلا أنزل معه دواء، إلا السام -يعني الموت)). وسمع أيضاً معاوية بن قرة. روى عنه موسى بن إسماعيل. وقال لنا مسلم: هو السعدي. وقال أبو بدر: ذكره شبيب بن شيبة أبو معمر. يقال الأهتمي اهتم، ومنقر هو السعدي من تميم، وكان مع أبي جعفر الهاشمي".

قلت: أثبت الإمام البخاري سماع شبيب من عطاء بهذا الحديث، وظاهر تصرفه أن هذا الحديث لا بأس به، وإن تفرد به شبيب، والله أعلم.

وقد رواه العقيلي في ((الضعفاء)) (2/191) في ترجمة ((شبيب)) ثم قال: و"لا يتابع عليه. وقد روى زياد بن علاقة عن أسامة بن شريك عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا بإسناد جيد".

قلت: نعم، لم يُتابع عليه. وقد خالفه عمر بن أبي حسين، فرواه عن عطاء عن أبي هريرة. ورواه طلحة بن عمرو عن عطاء عن ابن عباس. قال ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (5/284): "يُحتمل أن يكون عند عطاء عنهم".

5- أخرج الطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/356) عن العباس بن الفضل الأسفاطي. وفي ((المعجم الأوسط)) (6/160) عن محمد بن عثمان بن أبي سويد الذارع، كلاهما عن محمد بن عون أبي عون الزيادي، قال: حدثنا أبو عزة الدباغ، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس: ((أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره)).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي يزيد المديني إلا أبو عزة الدباغ".

وأخرجه الخطيب في ((موضح أوهام الجمع والتفريق)) (1/207) من طريق أحمد بن إسحاق بن صالح الوراق عن محمد بن عون به.

قلت: وهذا إسنادٌ صحيحٌ. وقد تابعه عليه خالد الحذاء. رواه البخاري في ((صحيحه)) (2/796) عن مسدد عن يزيد بن زُريع عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: ((احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره، ولو علم كراهية لم يعطه)).

6- أخرج الطبراني في ((المعجم الكبير)) (11/357) وفي ((المعجم الأوسط)) (3/339) قال: حدثنا جعفر بن محمد الفريابي، قال: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني [ح] وحدثنا أحمد بن عنبر المصري، قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني، قالا: حدثنا عبدالله بن المبارك، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بالصف الأول، وعليكم بالميمنة، وإياكم والصف بين السواري)).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي يزيد إلا إسماعيل. تفرد به ابن المبارك".

قلت: بل تابعه عليه يحيى بن راشد. أخرجه أبو نُعيم في ((تاريخ أصبهان)) (2/162) قال: حدثنا أحمد بن عبيدالله، قال: حدثنا عبدالله بن وهب، قال: حدثنا محمد بن عمر بن حرب، قال: حدثنا يحيى بن راشد، قال: حدثنا إسماعيل بن مسلم مثله.

وأخرجه الفاكهي في ((أخبار مكة)) (2/107) عن محمد بن أبي عمر، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن اسماعيل -يعني ابن مسلم- عن عبدالكريم بن أبي المخارق، عن سعيد بن جبير، قال: قال ابن عباس -رضي لله عنهما-: ((عليكم بالصف الأول، وعليكم بالميمنة، وإياكم وما بين السواري)).

وأخرجه أبو نُعيم في ((تاريخ أصبهان)) (2/162) عن أحمد بن عبيدالله، قال: حدثنا عبدالله بن وهب، قال: حدثنا محمد بن عمر بن حرب، قال: حدثنا يحيى بن راشد به.

قلت: وهذا حديثٌ ضعيف. تفرد به إسماعيل بن مسلم واضطرب فيه. وهو منكر الحديث ليس بشيء. قال عليّ ين المديني: سمعت يحيى -يعني القطان- وسُئِلَ عن إسماعيل بن مسلم المكي؟ قال: "لم يزل مختلطاً، كان يحدِّثنا بالحديث الواحد على ثلاثة ضروب". قلت: روى هذا الحديث على وجهين بإسنادين مختلفين: أحدهما مرفوع والآخر موقوف!

وقال ابن عَدي في ((الكامل)) (1/284): "وأحاديثه غير محفوظة عن أهل الحجاز والبصرة والكوفة إلا أنه ممن يُكتب حديثه".

وأخرج عبدالرزاق في ((مصنفه)) (2/58) عن ابن جريج قال: أخبرني غير واحد، عن ابن عباس قال: ((عليكم بميامن الصفوف، وإياكم وما بين السواري، وعليكم بالصف الأول)).

7- أخرج أبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) (8/386) قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا أبو خليفة، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن أبي عامر الخزاز، عن أبي يزيد المدني، عن عكرمة، عن ابن عباس.

وعن يحيى، عن أبي عامر، عن أبي مُليكة، عن ابن عباس: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال له أو لغيره، ورآه يصلي قبل الغداة، فقال: ((أتصلي الصبح أربعاً؟!)).

قلت: الصواب في هذا الحديث هو الإسناد الثاني، ولا يُعرف عن أبي يزيد المدني. رواه ابن عدي في ((الكامل)) (4/72) عن الساجي، قال: حدثنا بُندار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا صالح بن رستم أبو عامر الخزاز، قال: حدثنا ابن أبي مليكة، عن ابن عباس.

رواه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) (ص358) قال: حدثنا أبو عامر، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة، فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ((أتصلي الصبح أربعاً؟)).

· تصحيح الحاكم وتحسين شعيب وأسد:

ورواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (2/58) عن يزيد بن هارون. ورواه الإمام أحمد في ((المسند)) (1/354) عن وكيع. ورواه ابن حبان في ((صحيحه)) (6/221) من طريق عثمان بن عمر. ورواه الحاكم في ((المستدرك)) (1/451) من طريق النضر بن شُميل، كلّهم عن صالح بن رستم أبي عامر الخزاز به.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه". وأورده الهيثمي في ((المجمع)) وقال: "رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح".

قلت: وقد حسّن إسناده الشيخ شعيب في تعليقه على المسند، والشيخ حسين أسد في تعليقه على مسند أبي يعلى!

قلت: بل هذا إسناد لا يصح! تفرد به صالح بن رستم الخزاز. وهو صدوقٌ كثير الخطأ. وقد ذكر له ابن عدي بعض الأحاديث، ومنها هذا الحديث في ترجمته من ((الكامل)) (4/72) ثم قال: "ولأبي عامر غير ما ذكرت، وهو عزيز الحديث من أهل البصرة، ولعل جميع ما أسنده خمسين حديثاً، وقد روى عنه يحيى القطان مع شدة استقصائه، وهو عندي لا بأس به، ولم أر له حديثاً منكراً جداً".

قلت: وهذا الإسناد معلول! أخطأ فيه أبو عامر الخزاز. أخطأ في ذكر ابن عباس، وجعل القصة حصلت له في بعض الطرق! والصواب أنها لغيره، ويقال إنه ابن القشب. وقد خالفه أيوب فرواه عن ابن أبي مليكة مرسلاً ليس فيه ابن عباس، وهو الصواب. رواه عبدالرزاق في ((مصنفه)) (2/440) عن معمر، عن أيوب، عن ابن أبي مليكة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي والمؤذن يقيم الصبح، فقال: ((أتصلي الصبح أربعاً؟)).

وهذا مرسلٌ صحيحٌ. والحديث صحيح معروف عن مالك بن بحينة. رواه أبو داود الطيالسي في ((مسنده)) (ص191). ورواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (2/58) عن يزيد بن هارون. ورواه الدارمي في ((سننه)) (1/401) عن هاشم بن القاسم. ورواه أحمد في ((المسند)) (5/345) عن يحيى بن سعيد. ورواه البخاري في ((صحيحه)) (1/235) من طريق بهز بن أسد، كلّهم عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن ابن بُحينة، قال: أقيمت صلاة الصبح، فقام رجلٌ يصلي الركعتين، فلمّا صلّى النبيّ صلى الله عليه وسلم لاث الناس حوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي صلى الركعتين: ((أتصلي الصبح أربعاً؟)).

ورواه مسلم في ((صحيحه)) (1/494) عن قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن ابن بحينة به.

وقد ذكر ابن حجر حديث ابن عباس في ((فتح الباري)) (2/150) أثناء شرحه لحديث ابن بحينة، فقال: "ووقع نحو هذه القصة أيضاً لابن عباس، قال: كنت أصلي وأخذ المؤذن في الإقامة فجذبني النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أتصلي الصبح أربعاً. أخرجه ابن خزيمة وابن حبان والبزار والحاكم وغيرهم، فيحتمل تعدد القصة".

قلت: قد بينت أن حديث ابن عباس تفرد به أبو عامر الخزاز فوصله، والصواب أنه مرسل دون ذكر ابن عباس، والله أعلم.

· أبو يزيد المدني عن ابن عباس:

1- أخرج الطبراني في ((المعجم الكبير)) (12/200) قال: حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن مخلد الواسطي، قال: وجدت في كتاب أبي، قال: حدثنا سلام أبو المنذر، عن مطر الوراق، عن أبي يزيد المديني، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من الشعر حكماً، وإن من البيان سحراً)).

وأخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (3/305) عن إسحاق بن عبدالله الكوفي البزاز، قال: حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد الواسطي به.

قال ابن عدي: "وهذا عن مطر، لا أعلمه رواه عن مطر غير سلام".

قلت: وهذا الحديث ذكره ابن عدي في ترجمة ((سلام بن أبي الصهباء أبي المنذر)). وقد تفرد به عن مطر، وسلام هذا ضعيف، منكر الحديث.

2- أخرج الطبراني في ((المعجم الكبير)) (12/200) قال: حدثنا معاذ بن المثنى، قال: حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن أبي يزيد المديني، عن ابن عباس، قال: كنا نقرأ هذه {تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن}.

وأورده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/103) وقال: "هكذا وجدته من غير ضبط. رواه الطبراني ورجاله ثقات".

قلت: الحديث يتعلق بضبط التاء وهي هنا بالتخفيف؛ لأنهم يذكرون مع هذه الآية أن خُصيف قرأها بالتاء المشددة.

وهذا الإسناد تفرد به أبو عامر الخزاز، وفيه كلام كما أسلفت، وما أظن أن أبا يزيد المديني سمع من ابن عباس، والله أعلم.

· أبو يزيد المديني عن أسماء:

أخرج عبدالرزاق في ((مصنفه)) (5/485) عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة وأبي يزيد المديني أو أحدهما - شك أبو بكر عبدالرزاق - أن أسماء ابنة عميس قالت: لما أهديت فاطمة إلى عليّ لم نجد في بيته إلا رملاً مبسوطاً ووسادة حشوها ليف وجرة وكوزاً، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى عليّ: لا تحدثن حدثاً - أو قال: لا تقربن أهلك - حتى آتيك فجاء النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال: أثم أخي؟ فقالت أم أيمن - وهي أم أسامة بن زيد - وكانت حبشية، وكانت امرأة صالحة: يا نبي الله، هو أخوك وزوجته ابنتك - وكان النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين أصحابه وآخى بين عليّ ونفسه، فقال: إن ذلك يكون يا أم أيمن. قال: فدعا النبيّ صلى الله عليه وسلم بإناء فيه ماء، فقال فيه ما شاء الله أن يقول ثم نضح على صدر عليّ ووجهه، ثم دعا فاطمة، فقامت إليه تعثر في مرطها من الحياء، فنضح عليها من ذلك الماء، وقال لها ما شاء الله أن يقول، ثم قال لها: أما أني لم آلك أنكحتك أحب أهلي إليّ، ثم رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سواداً من وراء الستر - أو من وراء الباب – فقال: من هذا؟ قالت: أسماء. قال: أسماء ابنة عميس؟ قالت: نعم يا رسول الله. قال: أجئت كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابنته؟ قالت: نعم، إن الفتاة ليلة يبنى بها لا بد لها من امرأة تكون قريباً منها، إن عرضت حاجة أفضت بذلك إليها. قالت: فدعا لي دعاء إنه لأوثق عملي عندي، ثم قال لعلي: دونك أهلك. ثم خرج فولى. قالت: فما زال يدعو لهما حتى توارى في حجره.

هكذا رواه إسحاق بن إبراهيم الدبري عن عبدالرزاق بالشك. ورواه إسحاق بن راهويه في ((مسنده)) (5/39)، والإمام أحمد في ((فضائل الصحابة)) (2/568) عن عبدالرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، وعن أبي يزيد المدني، قالا: لما أهديت فاطمة إلى عليّ، فذكره.

قال ابن حجر في ((المطالب العالية)) (8/240): "قلت: رجاله ثقات. لكن أسماء بنت عميس كانت في هذا الوقت بأرض الحبشة مع زوجها جعفر، لا خلاف في ذلك، فلعل ذلك كان لأختها سلمى بنت عميس، وهي امرأة حمزة بن عبدالمطلب".

وأخرجه الإمام أحمد في ((فضائل الصحابة)) (2/762) قال: حدثنا إبراهيم بن عبدالله، قال: حدثنا صالح بن حاتم بن وردان، قال: حدثني أبي، قال: حدثني أيوب، عن أبي يزيد المديني، عن أسماء بنت عميس، قال: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبحنا جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الباب، فقال: يا أم أيمن، ادعي لي أخي. فقالت: هو أخوك وتنكحه؟ قال: نعم، يا أم أيمن. قالت: فجاء عليّ فنضح النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الماء، ودعا له، ثم قال: ادعو إلي فاطمة. قالت: فجاءت تعثر من الحياء. فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اسكتي فقد أنكحتك أحبّ أهل بيتي إليّ. قالت: ونضح النبي صلى الله عليه وسلم عليها من الماء، ودعا لها. قالت: ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى سواداً بين يديه، فقال: من هذا؟ فقلت: أنا. قال: أسماء؟ قلت: نعم. قال: أسماء بنت عميس؟ قلت: نعم. قال: جئت في زفاف بنت رسول الله تكرمة له؟ قلت: نعم. قالت: فدعا لي.

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (24/136) قال: حدثنا عليّ بن عبدالعزيز، قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا حاتم بن وردان [ح] وحدثنا أبو مسلم الكشي، قال: حدثنا صالح بن حاتم بن وردان، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا أيوب بنحوه.

وأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (5/143)، وفي ((خصائص عليّ)) (1/137)، قال: أخبرنا إسماعيل بن مسعود، قال: حدثنا حاتم بن وردان، قال: حدثنا أيوب السختياني، عن أبي يزيد المدني، عن أسماء بنت عميس، قالت: كنت في زفاف فاطمة بنت رسول الله، فذكره.

قال النسائي: خالفه سعيد بن أبي عروبة. فرواه عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس. أخبرنا زكريا بن يحيى، قال: حدثنا محمد بن صدران، قال: حدثنا سهيل بن خلاد العبدي، قال: حدثنا محمد بن سواء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أيوب السختياني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة من عليّ كان فيما أهدى معها سريراً مشروطاً ووسادة من أدم حشوها ليف وقربة، فذكره.

قلت: هكذا رواه محمد بن سواء متصلاً بذكر ابن عباس! وخالفه يحيى بن زكريا فرواه مرسلاً. أخرجه الإمام أحمد في ((الزهد)) (ص28) عن يحيى بن زكريا، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، قال: حدثنا أبو يزيد المدني: أنّ عكرمة حدّثهم قال: لما زوج النبيّ صلى الله عليه وسلم فاطمة -رضي الله عنها- كان ما جهزت به: سرير مشرط، ووسادة من أدم حشوها ليف، وثور من أقط. قال: وجاؤوا ببطحاء فنثروها في البيت.

وأخرجه أبو نُعيم في ((حلية الأولياء)) (3/329) من طريق عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا [زكريا]، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة به.

· سقط في المطبوع:

قلت: ما جاء في المطبوع ((زكريا)) خطأ، وسقط منه ((يحيى بن))؛ لأن الحديث رواه أحمد عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة لا عن أبيه زكريا.

وتابعه على إرساله عبدالوهاب بن عطاء. رواه ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (8/23) قال: أخبرنا عبدالوهاب بن عطاء، عن سعيد بن أبي عروبة، عن أبي يزيد المديني، -وأظنه ذكره عن عكرمة- قال: لما زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً فاطمة كان فيما جهزت به: سرير مشروط، ووسادة من أدم حشوها ليف، وثور من أدم، وقربة. قال: وجاؤوا ببطحاء فطرحوها في البيت. قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي: إذا أتيت بها فلا تقربنها حتى آتيك. قال: وكانت اليهود يؤخرون الرجل عن امرأته. قال: فلما أتي بها قعدا حيناً في ناحية البيت. قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتح، فخرجت إليه أم أيمن، فقال: أثم أخي؟ قالت: وكيف يكون أخوك، وقد أنكحته ابنتك؟ فذكره.

وبهذا يتبيّن أن ذكر ابن عباس غير محفوظ في هذا الحديث، والصواب عن عكرمة مرسلاً. وكذلك فإن الرواية الصحيحة عن أبي يزيد المديني هي عن عكرمة، فرجع الحديث إليه، وكأن أبا يزيد كان يذكر عكرمة أحياناً وأحياناً لا يذكره، والله أعلم.

وأخرج ابن حبان في ((صحيحه)) (15/393) من طريق الحسن بن حماد، قال: حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، قال: جاء أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقعد بين يديه، فقال: يا رسول الله، قد علمت مناصحتي وقِدَمي في الإسلام... وساق حديثاً طويلاً، وفيه: وقال لعلي: إذا أتتك فلا تحدث شيئاً حتى آتيك. فجاءت مع أم أيمن حتى قعدت في جانب البيت، وأنا في جانب، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ها هنا أخي؟ قالت أم أيمن: أخوك، وقد زوجته ابنتك؟ قال: نعم.

ولم يأت فيه ذكر لأسماء بنت عميس.

هكذا هذا الإسناد في مطبوع ((صحيح ابن حبان)): قتادة عن أنس! وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (22/409) من طريق الحسن بن حماد الحضرمي، قال: حدثنا يحيى بن يعلى الأسلمي، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أنس بن مالك.

وقد أشار الشيخ شعيب الأرنؤوط أثناء تحقيقه لصحيح ابن حبان إلى رواية الطبراني، ولكنه لم يتنبه لزيادة ((الحسن)) في الإسناد! وكأنه سقط من نسخة صحيح ابن حبان؛ لأن الهيثمي لم يذكره في ((موارد الظمآن)) (ص550)، والله أعلم.

وعلى أيّ حال فالحديث ضعيف؛ بسبب يحيى بن يعلى الأسلمي وهو شيعيّ ضعيف، ليس بالقوي، مضطرب الحديث. قال ابن حجر في ترجمة ((يحيى بن يعلى)) من ((تهذيب التهذيب)) (11/266): "وأخرج له ابن حبان في صحيحه حديثاً طويلاً في تزويج فاطمة فيه نكارة". وقال البزار: "يغلط في الأسانيد".

وأخرج الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/84) عن أبي أسامة، عن زائدة. وأخرج أيضاً (1/104) عن عفّان عن حماد، كلاهما عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي -رضي الله عنه- قال: ((جهز رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة في خميل، وقربة، ووسادة آدم حشوها ليف الإذخر)).

وأخرجه النسائي في ((الكبرى)) (3/334) عن نصير بن الفرج الطرسوسي عن أبي أسامة به. وأخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (2/202) من طريق معاوية بن عمرو عن زائدة نحوه. قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وأخرجه ابن ماجة في ((سننه)) (2/1390) عن واصل بن عبدالأعلى، قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عليّ: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى علياً وفاطمة وهما في خميل لهما –والخميل: القطيفة البيضاء من الصوف- قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جهزهما بها ووسادة محشوة إذخراً وقربة)).

وقد أشار البخاري إلى هذا الحديث في قوله: ((باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألت فاطمة أن يخدمها)).

قال ابن حجر في ((مقدمة فتح الباري)) (ص48): "إيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل حين سألته فاطمة أن يخدمها: وصله أحمد في مسنده من طريق عطاء بن السائب عن أبيه عن علي مطولاً، وأصله في الصحيح في تعليمها الذكر عند النوم دون مقصود الترجمة".

وقال في ((تغليق التعليق)) (3/469): "قلت: وقصة فاطمة قد أسندها في الباب، وفي مواضع أخرى. وليس عنده ذكر إيثار أهل الصفة عليها". ثُمَّ غلّق الحديث ووصله، ثُمَّ قال: "وحديث حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب قبل الإختلاط. وكذا رواه زائدة بن قدامة عن عطاء بن السائب وهو ممن سمع منه قبل الإختلاط. ورجاله كلهم ثقات".

قلت: حديث عطاء بن السائب جزءٌ من حديث طويل رواه حماد بن سلمة ومحمد بن فضيل وغيرهما عنه.

روى البزار في ((مسنده)) (3/7) عن يوسف بن موسى، عن محمد بن فضيل، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه أتى فاطمة، فقال لها: إني لأشتكي صدري مما أمد بالقرب. فقالت: وأنا والله إني لأشتكي يدي مما أطحن بالرحى. فقال لها علي: ائتي النبي صلى الله عليه وسلم فسليه أن يخدمك خادماً. فانطلقت إلى رسول الله، فسلمت عليه، ثم رجعت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بك؟ قالت: جئت لأسلّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما رجعت إلى علي، قالت: والله ما استطعت أن أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من هيبته. فانطلقا إليه جميعاً، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما جاء بكما؟ لقد جاء -أحسبه قال: بكما حاجة؟ فقال له علي: أجل يا رسول الله، شكوت إلى فاطمة يدي من مدي بالقرب، فشكت إليّ يديها مما تطحن بالرحى! فأتيناك لتخدمنا خادماً مما آتاك الله. فقال: لا ولكني أنفق -أو أنفقه- على أصحاب الصفة التي تطوى أكبادهم من الجوع، لا أجد ما أطعمهم. قال: فلما رجعا فأخذا مضاجعهما من الليل أتاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميل، والخميل القطيفة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  جهزها بها، وبوسادة حشوها إذخر، وقد كان علي وفاطمة حين ردهما شق عليهما، فلما سمعا حس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهبا ليقوما، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: مكانكما، ثم جاء حتى جلس على طرف الخميل، ثم قال: إنكما جئتماني لأخدمكما خادماً، وإني سأدلكما –أو كلمة نحوها- على ما هو خير لكما من الخادم: تحمدان الله في دبر كلّ صلاة عشراً، وتسبحان عشراً، وتكبران عشراً، أو تسبحانه ثلاثاً وثلاثين، وتحمدانه ثلاثاً وثلاثين، وتكبرانه أربعاً وثلاثين، فذلك مئة، إذا أخذتما مضجعكما من الليل. فقال علي: فما أعلم أني تركتها بعد. فقال له عبدالله بن الكواء: ولا ليلة الصفين؟ قال له علي: قاتلك الله، ولا ليلة صفين.

قال البزار: "وهذا الحديث قد رُوي عن عليّ من غير وجه بألفاظ مختلفة، ولا نعلم يُروى بهذا اللفظ إلا عن عطاء بن السائب عن أبيه عن علي".

رواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) (6/33) عن ابن فضيل، عن عطاء بن السائب نحوه. وأخرجه الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/106) عن عفان، عن حماد، عن عطاء بن السائب به مطولاً. وأخرجه الطبراني في ((الدعاء)) (ص93) من طريق حجاج بن المنهال، عن حماد به.

وأخرجه الحميدي في ((مسنده)) (1/25)، والإمام أحمد في ((مسنده)) (1/79) كلاهما عن سفيان، عن عطاء نحوه مختصراً. وأخرجه الطبراني في ((الدعاء)) (ص94) من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي عن سفيان بن عيينة به مطولاً.

وهو حديثٌ حسنٌ إن شاء الله تعالى.

· أبو يزيد المديني عن عبدالرّحمن بن المرقع:

أخرج البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/248) عن مُعلّى، قال: حدثنا أبو عاصم العباداني، قال: حدثني محبر بن هارون، عن أبي يزيد المدني، عن عبدالرّحمن بن المرقع، قال: ((لما فتح النبيّ صلى الله عليه وسلم خيبر في ألف وثمان مئة، فقسمها على ثمانية عشر سهماً)).

وأخرجه البغوي في ((معجم الصحابة)) (2/164) من طريق أبي الخطاب زياد بن يحيى، عن عبدالله بن عبيدالله أبي عاصم العباداني، قال: حدثنا المحبر بن هارون، عن أبي يزيد المدني، عن عبدالرحمن بن المرقع، قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وهو في ألف وثمان مئة فقسمها على ثمانية عشر سهماً، فوقع الناس في الفاكهة فأخذتهم الحمى فشكوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أيها الناس، إن الحمى رائد الموت، وسجن الله في الأرض، وهي قطعة من النار، فإذا أخذتكم فبردوا الماء في الشنان، ثم صبوه عليكم فيما بين الصلاتين -يعني المغرب والعشاء-، يا أيها الناس، لم تملؤوا وعاء شراً من بطن إذا ملئ، فإن لابد فاجعلوا ثلثاً للطعام، وثلثاً للشراب، وثلثاً للنَفَس)).

وأخرجه القُضاعي في ((مسند الشهاب)) (1/69) من طريق الحسن بن عرفة، عن أبي عاصم العباداني به.

وأخرجه أبو نُعيم في ((معجم الصحابة)) (4/1847) من طريق محمد بن عبدالله الرقاشي وضرار بن صرد ومحمد بن بكار، كلهم عن أبي عاصم به.

قلت: اعتمد البخاري وأبو حاتم وغيرهما في إثبات صحبة عبدالرحمن بن المرقع على هذا الحديث. قال ابن حجر في ((الإصابة)) (4/359): "عبدالرحمن بن المرقع السُّلميّ: قال أبو حاتم وابن السكن وابن حبان: له صحبة. وذكره البغوي في ((الصحابة))، وقال: سكن مكة وشهد فتح خيبر. وذكره البخاري وساق هو وإسحاق في ((مسنده)) والحسن بن سفيان والبغوي وابن قانع كلهم من طريق أبي زيد المدني عن عبدالرحمن بن المرقع قال: لما فتح النبي صلى الله عليه وسلم خيبر كان في ألف وثمان مئة فقسمها على ثمانية عشر سهماً".

وأورده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/95) عن عبدالرحمن بن المرقع، ثم قال: "رواه الطبراني، وفيه: المحبر بن هارون، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات". ثُمَّ قال: "وعن عبدالله بن المرقع، قال: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وهو في ألف وثمان مئة... رواه الطبراني وفيه فريح بن عبيد والمحير بن هارون، ولم أعرفهما، وبقية رجاله ثقات".

قلت: الحديث عن عبدالرحمن بن المرقع، ووهم الهيثمي في ذكره ((عبدالله بن المرقع)) [في المطبوع بالفاء: المرفع، وهو خطأ] في الحديث الثاني، ولعله تحرف عليه في بعض النسخ. ولم أجده عند الطبراني!

· وهم للحسيني:

وذكره الحسيني في ((البيان والتعريف)) (2/303) ثُمَّ قال: "أخرجه العسكري في ((الأمثال)) عن عبدالرحمن بن المرقع بن صيفي رضي الله عنه".

قلت: وقوله ((بن صيفي)) وهم منه؛ فإن دخل عليه اسم في آخر، وهو المرقع بن صيفي بن رباح.

· من طرق إثبات الصحبة:

والسؤال: كيف يثبت العلماء صحبة عبدالرحمن بن المرقع بهذا الحديث، وقد تفرد به أبو عاصم العباداني، وهو متكلم فيه؟ وشيخه المحبر لا يُعرف؟!

· المشي على مصطلحات المتأخرين:

قال الشيخ حمدي السلفي أثناء تحقيقه لمسند الشهاب (1/69): "ورواه الطبراني. والمحبر بن هارون ذكره ابن أبي حاتم في ((الجرح)) ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، فهو مجهول".

قلت:

1- قوله: "رواه الطبراني": اعنمد فيه على قول الهيثمي في ((المجمع)) ولم أجده في الطبراني!!

2- قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/419): "مُحَبَّر بن هارون: روى عن أبي يزيد المديني. روى عنه أبو عاصم العباداني عبيدالله بن عبدالله. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (7/526): "محبر بن هارون الكوفي. يروي عن أبي يزيد المدني. روى عنه أبو عاصم العباداني".

فعلى مصطلح الحديث التي يمشي عليه كثير من المشتغلين بهذا العلم يكون المحبر هذا مجهول، وقد تفرد بالرواية عنه أبو عاصم العباداني، فروايته مردودة! سيما والراوي عنه متكلّم فيه! ولكن كيف اعتمدها أهل العلم النقاد الجهابذة؟!

قلت: إن اتباع مثل هذه القواعد فيه هدرٌ لكثير من الأحاديث والتراجم، فإن الأئمة المتقدمون كالبخاري وغيره لهم نظر ثاقب ودقيق في التعامل مع مثل هؤلاء الذين لم يرو عنهم إلا واحد. فهم ينظرون إلى روايته وإلى الراوي عنه وغير ذلك. وهذا الحديث الذي رواه المحبر ليس فيه نكارة وهو إخبار بقصة حدثت أثناء الغزو، وبعض ما جاء فيها له شواهد في أحاديث أخرى صحيحة، ولهذا اعتبر العلماء بهذه الرواية واعتمدوها في إثبات صحبة عبدالرحمن بن المرقع.

وهذا هو منطق ابن حبان في إيراد مثل هؤلاء الرواة في ثقاته، فإنه إذا لم يجد في الراوي جرحاً ولا تعديلاً، ولم يأت هذا الراوي بمنكر، فإنه يورده في الثقات، أي تقبل روايته؛ لأن الأصل في الرواة الصدق ما لم يأت بما يخالف ذلك.

وهذا منطقٌ صحيح إن شاء الله تعالى. ولا يُعكر عليه إيراده بعض الرواة الذين تكلّم فيهم أو أتوا ببعض ما ينكر عليهم؛ لأن الكلام في الرواة أمر اجتهادي، ومن هو الذي لا يخطئ؟! والذي يعنينا في هذا المقام هو أن أصل هذه القاعدة عند ابن حبان صحيح، وإن كان يخالفها في بعض الأحايين، وأما مسألة توثيقه للمجاهيل اعتماداً على هذه القاعدة فلها مكان آخر.

· تحرير ترجمة أبي عاصم العباداني:

وأما الكلام في أبي عاصم العباداني، فآن أوان تحرير ترجمته:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/139): "عبدالله بن عبيدالله أبو عاصم العباداني. يُعدُّ في البصريين. سمع علي بن زيد وهشاماً. نسبه الحسن بن الربيع. ويُقال عبيدالله بن عبدالله، أراه. ويُقال: عبدالله بن عبيد المدني".

ثُمَّ ذكره في (5/391): "عبيدالله بن عبدالله أبو عاصم العباداني عن علي بن زيد".

وقال الإمام مسلم في ((الكنى والأسماء)) (ص607): "أبو عاصم عبدالله بن عبيد المرائي العباداني عن الحسن بن ذكوان. روى عنه معلى بن أسد".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (5/100): "عبدالله بن عبيدالله أبو عاصم العباداني: بصري. روى عن خالد الحذاء وعلي بن زيد بن جدعان وهشام بن حسان والفضل بن عيسى. روى عنه الحسن بن الربيع ونعيم بن حماد وعبدالأعلى بن حماد النرسي ومحمد بن أبي بكر المقدمي. سمعت أبى يقول ذلك".

وقال عمرو بن علي الصيرفي الفلاس: "حدثنا أبو عاصم العباداني وكان صدوقاً ثقة". وقال العباس بن محمد الدُّوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "أبو عاصم العباداني كان ينـزل بعبادان، ولم يكن به بأس، صالح الحديث". وقال عبدالرّحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن أبي عاصم العباداني؟ فقال: "ليس به بأس". قال عبدالرحمن: سألت أبا زرعة عن أبي عاصم العباداني؟ فقال: "شيخ".

وقال الآجري في ((سؤالاته)) (ص322): سألت أبا داود عن أبي عاصم العباداني؟ فقال: "لا أعرفه".

وأورده العقيلي في ((الضعفاء)) (2/274) وقال: "عبدالله بن عبيدالله أبو عاصم العباداني، عن الفضل بن عيسى الرقاشي. منكر الحديث، وكان فضل يرى القدر، وكاد أن يغلب على حديثه الوهم. حدثنا أحمد بن محمد النصيبي، قال: حدثنا علي بن مخلد الأبلي القاصي، قال: حدثنا أبو عاصم عبدالله بن عبيدالله العباداني، عن الفضل بن عيسى الرقاشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أهل الجنة بينا هم في نعيم، إذ سطع نور فوق رؤوسهم أضاءت له أبصارهم، فرفعوا رؤوسهم، فإذا ربّ العالمين قد أشرف عليهم، فيقول: السلام عليكم يا أهل الجنة. فذلك قوله {سلام قولاً من ربٍّ رحيم}. لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به".

وأورده ابن حبان في ((الثقات)) (7/46) وقال: "أبو عاصم العباداني: اسمه عبدالله بن عبيدالله، ويقال: عبيدالله بن عبدالله، وقد قيل: عبدالله بن عبيد المرائي. من أهل البصرة. يروي عن علي بن زيد بن جدعان. روى عنه أهل البصرة، وكان يخطىء".

وقال الذهبي في ((الميزان)) (4/143): "عبدالله بن عبيدالله، هو أبو عاصم العباداني: واهٍ، وهو واعظٌ زاهدٌ، ألا أنه قدري".

قلت: هذا وهم من الذهبي –رحمه الله- لأن الواعظ الزاهد القدري هو شيخه الفضل الرقاشي، وإن من تكلّم في أبي عاصم لا يوجد عنده مستند إلا روايته عن الفضل هذا، والفضل منكر الحديث، وقد أخطأ العقيلي في وصف أبي عاصم بأنه منكر الحديث اعتماداً على الحديث الذي أورده له، والأولى أن يلزق الخطأ بشيخه الفضل، فهو الذي تفرد به، ولم يتابعه عليه أحد.

· كلام فيه نظر لأبي نُعيم الأصبهاني!

وقد ذكر أبو نُعيم في ((الحلية)) في ترجمة الرقاشي أحاديث له عن محمد بن المنكدر ولم يتابع عليها، ثم قال: "هذه الأحاديث مما تفرد بها الفضل عن محمد بن المنكدر، ولم يتابع عليها. وما رواه عنه أبو عاصم العباداني فمن مفاريده عن الفضل، واسمه عبدالله بن عبيدالله المرائي، بصري، سكن عبادان، وفيه وفي الفضل ضعفٌ ولين".

قلت: فيما قاله أبو نعيم نظر! فإن أبا عاصم صدوق، والمشكلة في شيخه الفضل، وتفرد أبي عاصم بها عن الفضل لا يضعفه؛ لأن شيخه ضعيف منكر الحديث، فلو كان صدوقاً عندها يمكن جعل العهدة عليه لتفرده. وقد تفرد ثقات كحماد بن زيد ببعض الأحاديث عن الفضل، فهل يضعف الثقة بهذا؟!

· خطأ للعقيلي وعجب من الذهبي!!

والعجيب أن الذهبي قد ترجم لأبي عاصم –كما سبق- ثُمَّ ترجم له في الكنى في آخر الكتاب (7/388) فقال: "أبو عاصم العباداني (ق) عن الفضل الرقاشي. يقال اسمه: عبدالله بن عبيدالله، وقيل: اسمه عبيدالله. ليس بحجة، يأتي بعجائب. وقال العقيلي: منكر الحديث".

وقال في ((المغني في الضعفاء)) (2/793): "أبو عاصم العباداني: عن الفضل الرقاشي. عبدالله بن عبيدالله، وقيل اسمه عبيدالله. ليس بمعتمد يأتي بعجائب، ولم أرَ لهم فيه كلاماً شافياً. قال العقيلي: منكر الحديث".

قلت: قد وثقه وقبله أكثر أهل العلم، وأخطأ العقيلي في الكلام فيه. والعجائب التي يتكلم عليها الذهبي ليست منه، وإنما هي من شيخه الفضل الرقاشي، وكلام الأئمة فيه شافياً، وهو صدوق لا بأس به. وقول ابن حجر في ((التقريب)) (ص653): "لين الحديث"، إنما هو محاولة للجمع بين أقوال العلماء فيه، ولسنا بحاجة إلى ذلك؛ لأن النكارة في حديثه ليست منه، وإنما من شيوخه، والله أعلم وأحكم.

فالحديث الذي رواه العباداني عن المحبر بن هارون حسنٌ إن شاء الله، ويدعم هذا تصرف الأئمة في الترجمة لعبدالرحمن بن المرقع من خلال هذا الحديث.

وللحديث شاهدٌ مرسلٌ صحيحٌ. رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (5/63) عن يزيد بن هارون، قال: أخبرنا عاصم بن سليمان، عن أبي عثمان النهدي: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا بأصحابه فمر قوم مسغبون -يعني جياعاً- بشجرة خضراء، فأكلوا منها، فكأنما مرت بهم ريح فأخمدتهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قرسوا الماء في الشنان، ثم صبوه عليكم فيما بين الأذانين من الصبح، واحدروا الماء حدراً، واذكروا اسم الله عليه)). ففعلوا ذلك فكأنما نشطوا من عقال.

ورواه ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (5/279) من طريق أبي معاوية، عن عاصم الأحول، عن أبي عثمان النهدي -أو عن أبي قلابة- قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر، قدم والثمرة خضرة، قال: فأسرع الناس فيها فحمّوا فشكوا ذلك إليه، فأمرهم أن يقرسوا الماء في الشنان، ثم يحدرون عليهم بين أذان الفجر ويذكروا اسم الله عز وجل. قال: ففعلوا فكأنما نشطوا من عقال -أو قال: من عقل.

ولبعضه شاهد آخر، رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (4/132) عن أبي المغيرة عبدالقدوس بن الحجاج، قال: حدثنا سليمان بن سليم الكناني، قال: حدثنا يحيى بن جابر الطائي، قال: سمعت المقدام بن معدي كرب الكندي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن. حسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث لنَفَسه)).

وأخرجه الترمذي في ((الجامع)) (4/590) عن سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبدالله ابن المبارك، قال: أخبرنا إسماعيل بن عياش، قال: حدثني أبو سلمة الحمصي وحبيب بن صالح، عن يحيى بن جابر الطائي عن مقدام بن معدي كرب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش نحوه، وقال: المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم.

قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ".

قلت: إشارة الترمذي لرواية الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عياش وأنه لم يذكر: "سمعت النبي صلى الله عليه وسلم"، ليس لها أهمية في الخلاف الواقع في هذا الحديث، فإن أحداً لم يقل إن المقدام لم يسمع من النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما الخلاف في سماع يحيى بن جابر من المقدام كما سيأتي.

وقد ذكر السماع أيضاً أبو اليمان. أخرجه الطبراني في ((مسند الشاميين)) (2/164) عن أبي زرعة الدمشقي، قال: حدثنا أبو اليمان، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن سليمان بن سليم وحبيب بن صالح، عن يحيى بن جابر، عن المقدام بن معدي كرب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء في بعض نسخ الجامع قول الترمذي: "حسن"، وقد أشار إلى هذا الاختلاف المزي في ((التحفة)) (8/512)، وهذا من المواضع النادرة التي أشار إليها المزي؛ لأن من عادته أنه يجزم بالصواب، لا أنه يقول في نسخة كذا وفي أخرى كذا.

وأخرجه النسائي في ((السنن الكبرى)) (4/177) عن عمرو بن عثمان عن بقية عن أبي سلمة سليمان بن سليم. وعن محمد بن سلمة عن ابن وهب عن معاوية بن صالح، كلاهما عن يحيى بن جابر به.

وأخرجه ابن حبان في ((صحيحه)) (2/449) عن محمد بن الحسن بن قتيبة عن حرملة بن يحيى عن ابن وهب عن معاوية بن صالح به.

فهؤلاء ثلاثة (سليمان بن سُليم الحمصي وحبيب بن صالح ومعاوية بن صالح) رووه عن يحيى بن جابر الطائي عن المقدام.

وهنا مبحثان:

1- سماع يحيى بن جابر من المقدام.

2- مخالفة يحيى في هذا الإسناد.

· أولاً: سماع يحيى بن جابر من المقدام:

جاء في رواية الإمام أحمد السابقة تصريح يحيى بن جابر بسماع الحديث من المقدام. وروى الحديث الحاكم في ((المستدرك)) (4/367) من طريق محمد بن عوف، عن أبي المغيرة، عن سليمان بن سليم أبي سلمة الكناني، قال: حدثني يحيى بن جابر الطائي، قال: سمعت المقدام بن معدي كرب به.

قال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه".

قلت: ولم يأت التصريح بالسماع إلى في رواية أبي المغيرة عن سليمان. وقد روي الحديث عن أبي المغيرة أيضاً بالعنعنة دون ذكر السماع. رواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (20/272) عن أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة وأحمد بن زيد الحوطيان، قالا: حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا أبو سلمة سليمان بن سليم الكناني، قال: حدثني يحيى بن جابر، عن المقدام بن معدي كرب الكندي به.

قلت: فدلّ هذا على أن أبا المغيرة كان يذكر السماع أحياناً، وأحياناً يرويه بالعنعنة. وأبو المغيرة ثقة أخرج له البخاري ثلاثة أحاديث، وأخرج له بقية الستة، وكأنه أخطأ في ذكر السماع؛ لأنه لم يتابع على ذكر السماع في هذا الحديث، ويحيى بن جابر كان كثير الإرسال.

· وهم لأبي المغيرة في ذكر السماع!

قال ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (2/118): سمعت أبي وذكر حديثاً: حدثنا محمد بن عوف، عن أبي المغيرة عبدالقدوس بن الحجاج، عن صفوان بن عمرو، عن يحيى بن جابر الطائي، قال: سمعت النواس بن سمعان، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الإثم والبر؟ قال: ((البر حسن الخلق والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يعلمه الناس)). فسمعت أبي يقول: "هذا حديثٌ خطأ، لم يلقَ ابن جابر النواس". قلت: الخطأ يدل أنه من أبي المغيرة فيما قال: "سمعت النواس"، وذلك أن إسمعيل بن عياش روى عن صفوان بن عمرو، عن يحيى بن جابر، عن النواس، لم يذكر السماع. فيحتمل أن يكون أرسله، ويحيى بن جابر كان قاضي حمص، يروي عن عبدالرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن النواس".

وقد نفى أبو حاتم الرازي سماع يحيى بن جابر من المقدام. قال ابن أبي حاتم في ((المراسيل)) (ص244): سألت أبي عن حديث معاوية بن صالح عن يحيى بن جابر عن المقدام بن معدي كرب، هل لقي يحبى بن جابر المقدام بن معدي كرب؟ قال أبي: "يحيى عن المقدام مرسل".

وظاهر تصرف الإمام البخاري في ترجمة يحيى من ((التاريخ الكبير)) (8/265) نفي ذلك أيضاً، فإنه قال: "يحيى بن جابر الطائي القاضي الشامي عن المقدام بن معدي كرب". فقول البخاري: "عن" يعني أنه لم يسمع منه، ولو ثبت سماعه منه لقال: "سمع المقدام".

· مناقشة الشيخ الألباني في بعض المسائل الحديثية:

وقد تشبث الشيخ الألباني برواية أبي المغيرة التي فيها التصريح بالسماع وأثبت ليحيى السماع من المقدام ورد من خالف ذلك!

قال في ((الإرواء)) (7/42) بعد أن ساق رواية الإمام أحمد: "وهذا إسناد صحيح متصل عندي، فإن رجاله ثقات كلهم، وسليمان بن سليم الكناني أعرف الناس بيحيى بم جابر الطائي وحديثه، فإنه كان كاتبه، والطائي قد أدرك المقدام، فإنه تابعي مات سنة ست وعشرين ومئة، ولذلك أورده ابن حبان في ((ثقات التابعين)) قال: "من أهل الشام، يروي عن المقدام بن معدي كرب، روى عنه أهل الشام، مات سنة ست وعشرين ومئة". والمقدام كانت وفاته سنة سبع وثمانين، فبين وفاتيهما تسع وثلاثون سنة، فمن الممكن أن يدركه، فإذا صحّ تصريحه بالسماع منه، فقد ثبت إدراكه إياه، وإلى ذلك يشير كلام ابن حبان المتقدم، وعليه جرى في ((صحيحه)) حيث أخرج الحديث فيه، وكذلك الترمذي فإنه قال عقبه: "هذا حديث حسن صحيح". وأما الحاكم فسكت عليه خلافاً لعادته، فتعقبه الذهبي بقوله: "قلت: صحيح". إذا عرفت ما بينا، فقول ابن أبي حاتم في كتابه، وتبعه في ((تهذيب التهذيب)): "روى عن المقدام بن معد كرب، مرسل". فهو غير مسلم، وكأنه قائم على عدم الاطلاع على هذا الإسناد الصحيح المصرح بسماعه منه". انتهى كلامه.

قلت:

1- ليس بمتصل فقد نص الأئمة النقاد على أن يحيى بن جابر لم يسمع من المقدام، وهو يرسل عنه.

2- حتى لو كان سليمان بن سليم أعرف الناس بيحيى وحديثه! فإن هذا لا يدل على اتصال حديثه! لأن يحيى كان كثير الإرسال، وقد وأرسل عن عوف بن مالك وأبي ثعلب النهدي والنواس بن سمعان وعبدالله بن حوالة.

بل إن عالم أهل الشام الحافظ ابن عساكر قد نص على أن حديث يحيى عن المقدام مرسل (تاريخ دمشق: 64/100).

3- حتى لو أن يحيى أدرك المقدام فلا يعني هذا أنه سمع منه! فكم من راوٍ أدرك آخر ولكنه لم يسمع منه!

ثُمَّ إن المقدام مات سنة سبع وثمانين وله إحدى وتسعون سنة، وهذا يقتضي أن من سمع منه لا بد أن يكون قديماً، ولا نعرف ولادة يحيى! فقول الشيخ أن بين وفاتيهما تسع وثلاثون سنة مستدلاً بذلك على أنه أدركه غير سديد!

4- ذكر ابن حبان له في ثقات التابعين لا يدل على أنه سمع من المقدام كما زعم الشيخ! فليس كلّ من أوردهم ابن حبان في التابعين سمعوا من الصحابة.

ثُمَّ إن ابن حبان ذكره مرتين في الطبقة نفسها. قال في ((الثقات)) (5/520): "يحيى بن جابر الطائي، من أهل الشام. يروي عن المقدام بن معدي كرب. روى عنه أهل الشام. مات سنة ست وعشرين ومئة".

ثُمَّ ذكره بعد عدة ورقات (5/526): "يحيى بن جابر الطائي، من أهل الشام. يروي عن المقدام بن معدي كرب. روى عنه صفوان بن عمرو السكسكي".

وهو في طبقة متأخرة من طبقات التابعين. فقد ذكره محمد بن سعد في الطبقة الثالثة من أهل الشام، وذكره أبو الحسن ابن سميع في الطبقة الرابعة.

5- نعم سكت الحاكم عليه في الموضع الذي نقل منه الشيخ، ولكنه ذكره في موضع آخر (4/367) وقال: "هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه".

ثُمَّ إن الذهبي لم يتعقب الحاكم بقوله: "قلت: صحيح"، وإنما قال: "صحيح" لأن الحاكم أورده في ((صحيحه)) وصححه في مكان آخر، فكلمة "قلت" من جعبة الشيخ.

6- القول الذي نقله الشيخ عن ابن أبي حاتم هو قول أبيه كما ذكرته سابقاً. وما أظن أن هذا الإسناد الذي فيه التصريح بالسماع خاف على أبي حاتم وأنه لم يطلع عليه كما ذهب إليه الشيخ!

والصواب أن يحيى بن جابر الطائي لم يسمع من المقدام بن معد كرب. فلو سمع منه لما احتاج أن يروي عن صالح بن يحيى بن المقدام عن أبي عن جده المقدام!!

· ثانياً: مخالفة بعض الرواة ليحيى بن جابر في هذا الإسناد:

تبيّن معنا سابقاً أن أبا المغيرة وإسماعيل بن عياش وبقية بن الوليد رووا هذا الحديث عن أبي سلمة سليمان بن سليم. وخالفهم محمد بن حرب الأبرش، وهو ثقة. رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (4/177) عن عمرو بن عثمان. وابن حبان في ((صحيحه)) (12/41) عن ابن قتيبة عن ابن أبي السري. والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/28) من طريق الحسن بن سفيان عن محمد بن المتوكل، ثلاثتهم عن محمد بن حرب، قال: حدثني أبو سلمة، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه، عن جدّه المقدام بن معد يكرب الكندي، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إلا أنه جاء في رواية النسائي: "عن صالح بن يحيى عن جده المقدام"، ولم يذكر "عن أبيه"، وهو كذلك في ((تحفة الأشراف)) (8/509).

وروى البيهقي في ((شعب الإيمان)) (5/28) عن علي بن أحمد بن عبدان، قال: أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار، قال: حدثنا أحمد بن بشر المرثدي، قال: حدثنا حاجب بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن حرب، عن أبي سلمة سليمان بن سليم، عن يحيى بن جابر الطائي وصالح بن يحيى بن المقدام عن أبيه عن جده.

· وهم من محمد بن حرب:

قلت: إن صح هذا الجمع الذي ذكره البيهقي، فيكون محمد بن حرب حدّث به عن سليمان بالإسنادين معاً، وافق في أحدهما الجماعة عن يحيى بن جابر عن المقدام، والآخر خالف فيه الجماعة، وما أظن ذلك إلا وهماً من محمد بن حرب.

والعجيب أنه خالف مرة أخرى، فذكر إسناداً آخر لهذا الحديث! رواه ابن ماجه في ((سننه)) (2/1111) عن هشام بن عبدالملك الحمصي، قال: حدثنا محمد بن حرب، قال: حدثتني أمّي، عن أمها: أنها سمعت المقدام بن معد يكرب يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

والمحفوظ في هذه الأسانيد: سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن المقدام. والإسنادان الآخران لمحمد بن حرب كأنه دخل له إسناد في إسناد. فهو يروي عن سليمان عن صالح بن يحيى عن أبيه عن جده أحاديث غير هذا. وكذلك الإسناد الآخر فإنه يروي به حديثاً آخر.

· الشيخ الألباني والشيخ شعيب وعلم العلل:

قال الشيخ الألباني في ((الإرواء)) (7/43): "وهذا إسنادٌ لا بأس به في المتابعات والشواهد، فإن صالح بن يحيى لين، وأبوه مستور".

وقال الشيخ شعيب الأرنؤوط أثناء تعليقه على ((صحيح ابن حبان)) (12/41): "حديث صحيح، صالح بن يحيى بن المقدام ذكره المؤلف في الثقات، وكذا أبوه".

قلت: الشيخان الألباني والأرنؤوط لا يتقنان علل الأحاديث! فهذا إسناد خالف فيه محمد بن حرب جماعة، وقد اضطرب فيه، فرواه على ثلاثة وجوه، فكيف يصلح في المتابعات والشواهد؟!

ثُمَّ إن الكلام في صالح بن يحيى شديدٌ جداً من إمام الأئمة البخاريّ –رحمه الله-. قال في ((التاريخ الكبير)) (4/292): "صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب الكندي الشامي، عن أبيه. روى عنه ثور وسليمان بن سليم. فيه نظر. حدثنا إسحاق، قال: حدثنا بقية، قال: حدثني ثور، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه، عن جدّه، عن خالد ابن الوليد، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحلّ أكل البغال والحمير))".

ولم يفعل ابن أبي حاتم ولا أبوه شيئاً، إنما أخذا كلام البخاري، وسكتا عنه، وكان ينبغي الكلام فيه! قال في ((الجرح والتعديل)) (4/419): "صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب. روى عن أبيه عن جده. روى عنه ثور بن يزيد وأبو سلمة سليمان بن سليمان بن سليم. سمعت أبي يقول ذلك".

وقد أخطأ ابن حبان بذكر يحيى وأبيه في الثقات. قال في ((الثقات)) (5/524): "يحيى بن المقدام بن معدي كرب. يروي عن أبيه. روى عنه صالح بن يحيى". وقال (6/459): "صالح بن يحيى بن المقدام بن معدي كرب. يروي عن أبيه عن جده المقدام. روى عنه سلم بن سليم الكناني. يخطىء".

وبناءً على هذا فقد ليّنه الحافظ ابن حجر في ((التقريب)) (ص274)!

قلت: والصواب في أمره ما قاله البخاري، وحديثه منكرٌ جداً! قال ابن حزم في ((المحلى)) (7/408): "أما حديث صالح بن يحيى بن المقدام بن معد يكرب فهالك؛ لأنهم مجهولون كلهم، ثم فيه دليل الوضع؛ لأن فيه عن خالد بن الوليد، قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وهذا باطل؛ لأنه لم يُسلِم خالد إلا بعد خيبر بلا خلاف".

قلت: تجهيله لصالح بن يحيى لا يصح؛ لأنه معروف ومشهور عند الشاميين؛ ولكن فيه نظر كما قال البخاري، وأبوه لا يعرف إلا في حديثه! لا يعرف سماع بعضهم من بعض. قال موسى بن هارون الحمّال: "لا يُعرف صالح وأبوه إلا بجدّه". (تهذيب التهذيب: 4/357).

· عجب من الشيخ شعيب!

والعجب من الشيخ شعيب فإنه صحح حديث صالح بن يحيى هذا، وضعّف حديثه أثناء كلامه على مسند أحمد، حديث رقم (17244).

وحديث ابن ماجة الذي رواه عن محمد بن حرب عن أمه عن أمها عن المقدام إسناده مجهول! وقد روى محمد بن حرب بهذا الإسناد حديثاً آخر. روى ابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (ص351) عن أبي عروبة ومحمد بن عبيدالله بن الفضل الحمصي، قالا: حدثنا أبو التقى هشام بن عبدالملك، قال: حدثنا محمد بن حرب الأبرش، قال: حدثتني أمي، عن أمها: أنها سمعت المقدام بن معد يكرب -رضي الله عنه- يقول: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفلحت يا قديم، إن مت ولم تكن أميراً ولا كاتباً ولا عريفاً)).

ورواه ابن قانع في ((معجم الصحابة)) (3/107) عن أحمد بن علي بن مسلم عن هشام بن عبدالملك به.

وهذا الحديث محفوظ بإسناد آخر! رواه أحمد في ((المسند)) (4/133) عن أحمد بن عبدالملك الحراني. وأبو داود في ((سننه)) (3/131) عن عمرو بن عثمان، كلاهما عن محمد بن حرب الأبرش، قال: حدثنا سليمان بن سليم، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن جده المقدام بن معدي كرب.

وأخرجه الطبراني في ((مسند الشاميين)) (2/300) عن عبدالله بن وهب الغزي، قال: حدثنا محمد بن أبي السري، قال: حدثنا محمد بن حرب الأبرش، قال: حدثنا أبو سلمة سليمان بن سليم، عن صالح بن يحيى بن المقدام، عن أبيه، عن جدّه.

وقد أشار المزي في ((تحفة الأشراف)) (8/509) إلى أنه وقع في بعض نسخ أبي داود: "عن أبيه عن جده" أيضاً.

ومحمد بن حرب ثقة، ولكنه كان يضطرب ويخطئ. وهذا مثال جيد على أن حديث الثقات الشاميين فيه شيء أيضاً، وليس فقط حديث الضعفاء! وحديث أهل الشام متعبٌ جداً، والله المستعان.

والخلاصة أن الصواب هو إسناد أبي سلمة ومعاوية بن صالح وغيرهما عن يحيى بن جابر عن المقدام، وهو حديث منقطع.

· استدراك على ابن حجر، وعجب آخر من الشيخ شعيب!

قال عنه ابن حجر في ((فتح الباري)) (9/528): "حديثٌ حسنٌ". وكأن ابن رجب قبله! فقال في ((جامع العلوم والحكم)) (ص425): "وقد روي هذا الحديث مع ذكر سببه".

قلت: وهذا كلّه فيه نظر! فإن الحديث مرسل. والعجب من الشيخ شعيب كيف زعم في تحقيقه لصحيح ابن حبان (2/449): أن إسناده صحيح على شرط مسلم!! فهل أخرج مسلم ليحيى بن جابر عن المقدام؟!

· أبو يزيد المديني عن أبي هريرة:

1- أخرج أبو يعلى في ((مسنده)) (10/519) عن عبيدالله بن عمر، قال: حدثنا علي بن هاشم –هو ابن البريد-، قال: حدثنا عبدالسلام بن عجلان، عن أبي يزيد المديني، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إنَّ الشّرود يرد)) -يعني البعير الشرود.

أخرجه الدارقطني في ((سننه)) (3/23) من طريق بدل بن المحبر وعبدالصمد بن عبدالوارث، كلاهما عن عبدالسلام بن عجلان العجيفي، قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدِّث عن أبي هريرة قال: كان لبشير الصغير مقعد لا يكاد يخطئه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ففقده ثلاثة أيام، فلما عاد إلى مقعده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا بشير، لم أرك منذ ثلاثة أيام!)) فقال: بأبي وأمي، ابتعت بعيراً من فلان، فمكث عندي، ثم شرد، فجئت به فدفعته إلى صاحبه فقبله مني. قال: فكان شرط لك ذاك. قال: لا، ولكن قبله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أما علمت أن الشرود يرد منه)).

2- أخرج ابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (10/3410) عن أبيه، قال: حدثنا أبو عون الزيادي، قال: أخبرنا عبدالسلام بن عجلان، قال: سمعت أبا يزيد المدني، عن أبي هريرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لبشير الغفاري: ((كيف أنت صانع في يوم يقوم الناس فيه ثلاث مئة سنة لربّ العالمين من أيام الدنيا، لا ياتيهم فيه خير من السماء، ولا يؤمر فيه بأمر!)) قال بشير: المستعان الله. قال: ((فإذا أويت إلى فراشك فتعوذ بالله من كرب يوم القيامة، وسوء الحساب)).

وأخرجه الطبري في ((تفسيره)) (30/93) من طريق يعقوب بن إسحاق عن عبدالسلام بن عجلان به.

وكأنهما حديث واحد. قال ابن حجر في ((الإصابة)) (القسم الأول) (1/318): "بشير الغفاري: له ذكر في حديث أخرجه الحسن بن سفيان وابن شاهين وغيرهما من طريق عبدالسلام بن عجلان -وهو ضعيف- عن أبي يزيد المدني، عن أبي هريرة: أنّ بشيراً الغفاري كان له مقعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخطئه، فذكر الحديث. وفيه: إنه ابتاع بعيراً، وأنه شرد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشرود يرد. وفيه: فكيف بيوم مقداره خمسون ألف سنة يوم يقوم الناس لرب العالمين. وأخرجه ابن مردويه في التفسير من هذا الوجه".

3- أخرج أبو يعلى في ((مسنده)) (12/7) عن سليمان بن عبد الجبار أبي أيوب، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، عن عبدالسلام بن عجلان العجيفي، قال: حدثنا أبو عثمان النهدي، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أول من يُفتح له باب الجنة، إلا أنه تأتي امرأة تبادرني فأقول لها: ما لك، من أنت؟ فتقول: أنا امرأة قعدت على أيتام لي)).

وأخرجه السهمي في ((تاريخ جُرجان)) (ص224) من طريق أبي عبدالله سختويه ابن الجنيد عن الحجاج بن نصير الفساطيطي عن عبدالسلام بن عجلان به.

4- أخرج أبو نُعيم في ((تاريخ أصبهان)) (1/196) عن أبي حامد أحمد بن محمد بن الحسين، قال: حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا بدل بن المحبر، قال: حدثنا عبدالسلام بن عجلان، قال: سمعت أبا يزيد المدني يحدِّث عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((قال الله تعالى: من الذي دعاني فلم أجبه! وسألني فلم أعطه! واستغفرني فلم أغفر له! وأنا أرحم الراحمين)).

5- قال الرافعي في ((التدوين في أخبار قزوين)) (1/457): وحدّث أبو الحسين أحمد بن محمد بن أحمد بن ميمون في كتاب له جمع في ذكر ما أنزل الله تعالى من القرآن في شأن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن محمد بن علي بن آزاد مرد، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف، قال: حدثنا بدل بن المحبر، قال: حدثنا عبدالسلام بن عجلان، عن أبي يزيد المدني سمع يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أول شخص يدخل الجنة فاطمة بنت محمد، ومثلها في هذه الأمة مثل مريم في بني إسرائيل)).

قال الذهبي في ((الميزان)) (4/351): "أخرجه أبو صالح المؤذن في مناقب فاطمة".

6- ذكر الدارقطني كما في ((أطراف الغرائب والأفراد)) (5/293) حديث: ((نظرت في الجنة فرأيت فيها عبداً لم يعمل شيئاً)) الحديث.

قال الدارقطني: "تفرد به عبدالسلام بن عجلان عن أبي عثمان".

قلت: لا يُعرف أن أبا يزيد المديني حدّث عن أبي هريرة إلا من حديث عبدالسلام بن عجلان. وأحاديثه هذه باطلة، وبعضها منكرٌ جداً.

· حال عبدالسلام بن عجلان:

وقد اختلف في اسمه. فقال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/65): "عبدالسلام بن غالب. قال موسى بن إسماعيل: خالفونا، قالوا: ابن عجلان سمع عبيدة الهجيمي البصري. قال عبدالله بن إسحاق: حدثنا بدل، قال: حدثنا عبدالسلام بن عجلان أبو الخليل العدوي".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/46): "عبدالسلام بن عجلان أبو الخليل، ويقال: ابن غالب العجيفي، والصحيح: ابن عجلان سمع عبيدة الهجيمي. روى عنه بدل بن المحبر وأبو سلمة. سمعت أبي يقول ذلك". قال أبو محمد: روى عن أبي يزيد المديني، وأبي سعيد الرقاشي. روى عنه: عبدالصمد بن عبدالوارث، وأبو عون الزيادي. سألت أبي عنه؟ فقال: "شيخٌ بصري، يُكتب حديثه".

وذكره الإمام مسلم في ((الكنى والأسماء)) (ص289) فقال: "أبو الخليل عبدالسلام بن غالب، ويقال: ابن عجلان، صاحب الطعام. سمع عبيدة الهجيمي. روى عنه سهل بن بكار وبدل وأبو سلمة".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (7/127) وقال: "عبدالسلام بن عجلان أبو الخليل العدوي. يروي عن أبي عثمان النهدي وعبيدة الهجيمي. روى عنه: بدل بن المحبر ويعقوب بن إسحاق الحضرمي. يخطىء ويخالف".

قلت: يشير ابن حبان في خطأه ومخالفته في روايته عن عبيدة الهجيمي، وقد أشار إلى ذلك الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (2/205) قال: "جابر بن سليم أبو جري الهجيمي: حديثه في البصريين. قال لي عبدالله بن أبي شيبة العبسي: حدثنا خالد بن مخلد: سمع عبدالملك بن حسن الحارثي: سمع سهم بن المعتمر، عن الهجيمي: ((أنه لقي النبي صلى الله عليه وسلم وإذا هو متزر بإزار قطن)). وقال لنا موسى بن إسماعيل: حدثنا عبدالسلام بن غالب. وقال موسى: وخالفنا بعضهم، فقال: عبدالسلام بن عجلان: سمع عبيدة: سمع جابر أبا جري الهجيمي قال: ((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردة له من صوف، فقال: لا تحقرن من الخير شيئاً، ولو تصب فضل دلوك في إناء المستسقي))".

وقال أيضاً في ((التاريخ الكبير)) (6/85): "عبيدة، عن أبي تميمة، عن سليم بن جابر. قال يونس بن عبيد، وقال موسى: عن عبدالسلام بن عجلان: سمع عبيدة: سمع جابراً أبا جري الهجيمي. حديثه في البصريين. حدثنا زياد بن أيوب قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم أو سليم بن جابر -رضي الله عنه- أتيت النبي صلى الله عليه وسلم".

فهذا الحديث قد خالف فيه عبدالسلام غيره وأخطأ فيه. (انظر طرقه في معجم الطبراني: 7/62، والدعاء له: ص570)، وكأن ابن حبان لم يطلع على الأحاديث التي ذكرتها له عن أبي يزيد المدني عن أبي هريرة، وهي من تفردات عبدالسلام! وهي منكرة، ومثله لا يُكتب حديثه، ولا يحتج به. وقد ضعفه ابن حجر كما سبق نقله من الإصابة.

قال الذهبي في ((الميزان)) (4/351): "عبدالسلام بن عجلان. كناه مسلم: أبا الخليل، وكناه غيره: أبا الجليل بالجيم. حدّث عنه بدل بن المحبر. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه. وتوقف غيره في الاحتجاج به".

والصواب في كنيته أبا الخليل بالخاء. قال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (3/179): "الجليل بالجيم، فهو أبو الجليل صاحب الطعام، وقيل أبو عبدالجليل عبدالسلام بن غالب، قاله مسلم بالخاء، وقد تقدم ذكره".

· خطأ للشيخ أسد:

وقد أخطأ الشيخ حسين سليم أسد في قبوله لحديث عبدالسلام بن عجلان. قال أثناء تحقيقه لمسند أبي يعلى (10/519): "إسناده جيد، عبدالسلام بن عجلان. قال أبو حاتم: "يكتب حديثه". وقال ابن شاهين في ((تاريخ أسماء الثقات)) (ص999): "عبدالسلام بن عجلان: ثقة". ووثقه ابن حبان وقال: "يخطئ ويخالف".

قلت: هو ضعيف جداً، يروي المناكير. وقول أبي حاتم يكتب حديثه يعني يعتبر به، فإذا تفرد فلا يحتج به. وأما قول ابن شاهين فغير مقبول لشدة تساهله في أحكامه على الرواة. وأما قول ابن حبان فهو محمول على حديث بعينه كما سبق بيانه، والله تعالى أعلم وأحكم.

· فائدة:

قال البخاري - كما سبق -: حدثنا زياد بن أيوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم أو سليم بن جابر -رضي الله عنه- أتيت النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: هكذا وقع عند البخاري ((عبد ربه الهجيمي)). وكأنه وقع للحسيني هكذا من ((مسند أحمد)) فقال: "عبد ربه الهجيمي عن جابر بن سليم أو سليم بن جابر. وعنه يونس بن عبيد: مجهول". فتعقبه ابن حجر في ((تعجيل المنفعة)) (ص245)، فقال: "قلت: هذا غلطٌ نشأ عن تصحيف، وإنما هو: عبيدة الهجيمي، كذا هو في أصل المسند عن هشيم عن يونس بن عبيد عن عبيدة الهجيمي عن جابر بن سليم. وعن عفان عن حماد عن يونس عن عبيدة الهجيمي عن أبي تميمة الهجيمي عن جابر بن سليم. وقد بين المزي في ((التهذيب)) في ترجمته هذا الاختلاف، وليس هو بمجهول، فقد أخرج له أبو داود والنسائي، وروى عنه أيضاً عبدالسلام أبو الخليل".

· رد على ابن حجر:

قلت: نعم، هو ليس بمجهول، ولكن لم ينشأ هذا عن تصحيف كما زعم ابن حجر. والحديث في ((مسند أحمد)) (5/63) عن هشيم، قال: حدثنا يونس بن عبيد، عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم أو سليم، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو جالس مع أصحابه. قال: فقلت، أيكم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: فإما أن يكون أومأ إلى نفسه، وإما أن يكون أشار إليه القوم. قال: فإذا هو محتب ببردة قد وقع هدبها على قدميه، الحديث.

وقد رواه ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4/199) من طريق المسند بهذا الإسناد. ورواه المحاملي في ((آماليه)) (ص328) عن زياد بن أيوب، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن عبد ربه الهجيمي، عن جابر بن سليم أو سليم بن جابر.

ورواه المروزي في زياداته على ((الزهد لابن المبارك)) (ص360)، رواه يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا الحسين بن الحسن المروزي، قال: أخبرنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن عبدالله الهجيمي.

قال ابن صاعد: والناس يقولون: عبد ربه الهجيمي عن سليم بن جابر أو جابر بن سليم.

وقد رواه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (2/392) عن حسين بن الحسن المروزي، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا يونس، عن عبيدة الهجيمي، عن سليم بن جابر أو جابر بن سليم.

قلت: فدلّ ذلك على أنه لم يكن تصحيف كما قال ابن حجر، وإنما كان الناس يقولون: عبد ربه، وعبدالله، وعبيدة، وهو شخص واحد.

· أبو يزيد عن أم أيمن:

أخرج إسحاق بن راهويه في ((مسنده)) (5/154) عن الملائي، قال: حدثنا صالح بن رستم، عن أبي يزيد المدني، قال: قالت أم أيمن، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ناوليني الخُمْرة من المسجد)). قالت: إني حائض. قال: ((إن حيضتك ليست بيدك)).

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (25/87) من طريق أبي نعيم به. ثم أخرجه عن دران بن سفيان القطان، قال: حدثنا أبو كامل الجحدري، قال: حدثنا مطهر بن سوار أبو بشر، عن أبي عامر الخزاز مثله.

وذكره ابن حجر في ((الإصابة)) (8/172) ثُمَّ قال: "وهذا فيه انقطاع".

وأورده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/28) وقال: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه: أبو نعيم عن صالح بن رستم. فإن كان هو أبو نعيم الفضل بن دكين فرجاله ثقات كلهم، وإن كان ضرار بن صرد، فهو ضعيف، والله أعلم".

قلت: هو أبو نعيم الفضل بن دكين؛ لأنه جاء في رواية إسحاق: "حدثنا الملائي"، وهو الفضل بن دكين.

ورجاله ثقات، ولكن فيه انقطاع كما قال ابن حجر. وكذلك فإن الحديث ليس محفوظاً عن أم أيمن! وقد تفرد به صالح بن رستم أبو عامر الخزاز، وهو صدوق له أوهام يخطئ.

والحديث محفوظ عن عائشة –رضي الله عنها-. أخرجه مسلم في ((صحيحه)) (1/244) عن يحيى بن يحيى وأبي بكر بن أبي شيبة وأبي كريب، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ناوليني الخمرة من المسجد)). قالت: فقلت: إني حائض. فقال: ((إن حيضتك ليست في يدك)).

وقد رُوي من طرق كثيرة عن عائشة.

· أبو يزيد عن عائشة:

1- أخرج إسحاق بن راهويه في ((مسنده)) (3/753) عن النضر بن شميل، قال: حدثنا صالح بن رستم أبو عامر الخزاز، عن أبي يزيد المدني، قال: قالت عائشة: أعطينا اليوم كذا وكذا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحصي فيُحصى عليك)).

قال أبو يزيد: وكانت عائشة تقول لخادمتها إذا أعطيت السائل شيئاً: ((فتوخي ما يقول حتى تقولي مثله، فإن ما تقول خير مما تعطيه، فيكون القول بالقول وتبقى لنا صدقتنا)).

قلت: أبو عامر الخزاز صدوق له أوهام، ولكنه لم يخالف أحداً. والحديث حسنٌ إن شاء الله. وله شاهد أخرجه الإمام أحمد في ((المسند)) (6/108) من طريق نافع. وأبو داود في ((السنن)) (2/134) من طريق أيوب، كلاهما عن عبدالله ابن أبي مُليكة: أنّ عائشة تصدقت بشيء فأمرت بريرة أن تأتيها فتنظر إليه، فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لا تُحصي فيحصى عليك)).

وله شاهد آخر من حديث أسماء بنت أبي بكر. أخرجه البخاري في ((صحيحه)) (2/520) عن صدقة بن الفضل. والنسائي في ((السنن الكبرى)) (5/378) عن هناد بن السري، كلاهما عن عبدة عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء -رضي الله عنها- قالت: قال لي النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لا توكي فيوكى عليك)). قال البخاري: حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن عبدة، وقال: ((لا تحصي فيحصي الله عليك)).

وأخرجه مسلم في ((صحيحه)) (2/713) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن هشام به.

ورواه مسلم عن عمرو الناقد وزهير بن حرب وإسحاق بن إبراهيم. والنسائي أيضاً عن أحمد بن حرب، كلهم عن أبي معاوية محمد بن خازم، عن هشام، عن فاطمة وعباد بن حمزة، عن أسماء قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أنفقي ولا توعي فيوعي الله عليك، ولا تحصي فيحصي الله عليك)).

وأخرجه البخاري أيضاً، قال: حدثني أبو عاصم، عن ابن جريج. وحدثني محمد بن عبدالرحيم، عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج، قال: أخبرني ابن أبي مليكة، عن عباد بن عبدالله بن الزبير: أخبره عن أسماء بنت أبي بكر نحوه.

وأخرجه مسلم أيضاً عن محمد بن حاتم وهارون بن عبدالله، قالا: حدثنا حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج به.

وأخرجه الترمذي في ((الجامع)) (4/342) عن أبي الخطاب زياد بن يحيى البصري، عن حاتم بن وردان. والنسائي في ((الكبرى)) (5/378) عن عبدالرحمن بن محمد بن سلام، عن وهيب، عن عفّان، كلاهما عن أيوب، عن ابن أبي مليكة، عن أسماء بنت أبي بكر، قالت: قلت يا رسول الله، إنه ليس لي من بيتي إلا ما أدخل عليّ الزبير، أفأعطي؟ قال: ((نعم، ولا توكي فيوكى عليك. يقول: لا تحصي فيحصى عليك)).

قال الترمذي: "وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة". قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وروى بعضهم هذا الحديث بهذا الإسناد عن ابن أبي مليكة عن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهما-. وروى غير واحد هذا عن أيوب، ولم يذكروا فيه عن عباد بن عبدالله بن الزبير".

2- أخرج الخطيب في ((غوامض الأسماء المبهمة)) (1/331) من طريق أحمد بن منصور المروزي هو زاج. وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (57/159) من طريق خلاد بن أسلم، وعيسى بن أحمد العسقلاني، كلّهم عن النضر بن شميل، قال: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن أبي يزيد المدني، عن عائشة، قالت: جاء مخرمة بن نوفل يستأذن، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته، قال: ((بئس أخو العشيرة)). فلما دخل بششت به حتى خرج. قلت: يا رسول الله، قلت له وهو على الباب ما قلت، فلما دخل بششت به حتى خرج؟ قال: أطنه قال: ((متى عهدتني فحاشاً، إن من شرار الناس من يتقى لشره)).

قلت: هذا الحديث مشهور لكن دون تسمية الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

أخرج البخاري في ((صحيحه)) (5/2244) قال: حدثنا عمرو بن عيسى، قال: حدثنا محمد بن سواء، قال: حدثنا روح بن القاسم، عن محمد بن المنكدر، عن عروة، عن عائشة: أنَّ رجلاً استأذن على النبيّ صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ((بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة)). فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه، وانبسط إليه، فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل، قلت له: كذا وكذا، ثم تطلقت في وجهه، وانبسطت إليه! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عائشة، متى عهدتني فحاشاً، إن شر الناس عند الله منـزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره)).

قلت: تفرد أبي عامر الخزاز بتسمية هذا الرجل "مخرمة بن نوفل". وأخرجه عبدالغني بن سعيد أيضاً في ((المبهمات)) من طريق أبي عامر الخراز، عن أبي يزيد المدني، عن عائشة قالت: جاء مخرمة بن نوفل يستأذن، فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوته، قال: بئس أخو العشيرة الحديث. وهكذا وقع في أواخر الجزء الأول من فوائد أبي إسحاق الهاشمي.

وقيل: هو عيينة بن حصن الفزاري. أخرجه عبدالغني بن سعيد في ((المبهمات)) من طريق عبدالله بن عبدالحكم عن مالك: أنه بلغه عن عائشة: استأذن عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: بئس بن العشيرة، الحديث. وأخرجه ابن بشكوال في ((المبهمات)) من طريق الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير: أنّ عيينة استأذن، فذكره مرسلاً.

قال ابن حجر في ((الفتح)) (10/453): "فيُحمل على التعدد. وقد حكى المنذر في مختصره القولين، فقال: هو عيينة، وقيل مخرمة. وأما شيخنا ابن الملقن فاقتصر على أنه مخرمة، وذكر أنه نقله من حاشية بخط الدمياطي فقصر، لكنه حكى بعد ذلك عن ابن التين أنه جوّز أنه عيينة، قال: وصرح به ابن بطال".

وجاء في ((شرح الزرقاني)) (4/318) بعد أن نقل كلام ابن حجر: "وتعقب بأن حديث تسميته عيينة صحيح، وإن كان مرسلاً. وخبر تسميته مخرمة فيه راويان ضعيفان. ولذا قال الخطيب وعياض وغيرهما: الصحيح أنه عيينة. قالوا: ويبعد أن يقول في حق مخرمة ما قال؛ لأنه كان من خيار الصحابة".

قلت: هذا كلام طيب، وأستبعد أن يكون مخرمة، والصحيح أنه عيينة وكان عنده جفاء، وارتد في عهد الصديق ثم رجع إلى الإسلام.

وقوله: "فيه راويان ضعيفان"، يقصد بالضعيفين: أبي زيد المدني وأبي عامر، وليس كذلك! فأبو زيد ثقة، وأبو عامر صدوق له أوهام، وقد أخطأ في تسميته، والله أعلم.

وقد روى الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (7/320) عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم شاذان، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حجاج بن نصير، قال: حدثنا أبو عامر الخزاز، عن محمد بن المنكدر، عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((بئس أخو العشيرة)) الحديث.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي عامر الخراز إلا حجاج بن نصير. تفرد به شاذان".

قلت: يعني عن أبي الخزاز بهذا الإسناد، وإلا فرواه أبي عامر عن أبي زيد المدني كما سبق. والعهدة في هذا الإسناد على حجاج بن نصير؛ فإنه دخل له إسناد في إسناد، أو لُقن هذا الإسناد.

قال البخاري في ((التاريخ الأوسط)) (2/329): "حجاج بن نصير، أبو محمد الفساطيطي البصري. يتكلمون فيه". قال البخاري: "أما أنا فقد ضربت على حديث حجاج بن نصير". وقال في ((الضعفاء الصغير)) (ص32): "سكتوا عنه".

وقال علي بن المديني: "الحجاج بن نصير ذهب حديثه". وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "الحجاج بن نصير: منكر الحديث، ضعيف الحديث، ترك حديثه. كان الناس لا يحدثون عنه" (الجرح والتعديل: 3/167).

قلت: هو في أصله صدوق، ولم يكن يتعمد الكذب. ولذلك أورده ابن حبان في ((الثقات)) وقال: "يخطئ ويهم".

· سبب ترك الناس حديث حجاج بن نصير:

وسبب ترك الناس له:

1- التلقين والإدخال في حديثه ما ليس منه. قال العجلي في ((معرفة الثقات)) (ص287): "كان معروفاً بالحديث، ولكنه أفسده أهل الحديث بالتلقين، كان يلقن، وأدخل في حديثه ما ليس منه فترك".

2- كثرة الوهم والخطأ. قال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين عن حجاج بن نصير؟ فقال لي: "صاحب الفساطيط. كان شيخاً صدوقاً، ولكنهم أخذوا عليه شيئاً من حديث شعبة". قال يعقوب: "يعني أنه أخطأ في أحاديث من أحاديث شعبة".

ومن أوهامه ما رواه عن شعبة عن مبارك عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة، قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر إذا حاضت إحدانا أن تتزر، ثم يباشرها)).

وهذا الحديث رواه محمد بن جعفر غندر عن شعبة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة.

قال الساجي: "أظن حجاج قال له شعبة: حدثنا بالمبارك منصور، فظن أن الحديث عن مبارك فرواه". وقال ابن صاعد: "وإنما قال له شعبة: حدثنا منصور بالمبارك الموضع الذي يقرب من واسط، فلقن عنه المبارك، فجعل اسم الموضع اسم الرجل، وأسقط منصور في الإسناد لما طال عليه".

قلت: وأخطاء وأوهام حجاج أغلبها في الإسناد، ولهذا قال الذهبي في ((الميزان)) (2/206): "لم يأت بمتنٍ مُنكرٍ".

· أبو يزيد عن عامر بن عمير أو عمرو بن عمير:

أخرج الحافظ الضياء في ((المختارة)) (8/207) من طريق الطبراني، قال: حدثنا جعفر بن محمد العباداني، قال: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت البناني، عن أبي يزيد المدني، عن عامر بن عمير، قال: لبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا يخرج [إلا] إلى صلاة مكتوبة، فقيل له في ذلك؟ فقال: ((إني وجدت ربي ماجداً كريماً، أعطاني مع كلّ واحد من السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بغير حساب مع كل واحد سبعين ألفاً. فقلت: إن أمتي لا تبلغ -أو تكمل هذا- فقال: أكملهم لك من الأعراب)).

أورده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/410) وقال: "رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني، واختلف في اسم صحابيه، فقيل: عمرو بن عمير، وقيل: عمير بن عمرو، وقيل: عمارة بن عمير، وقيل: عمرو بن حزم، وقيل عمرو بن بلال".

قلت: كأن هذا الحديث من الأجزاء المفقودة من معجم الطبراني الكبير، والله أعلم.

وأخرجه البيهقي في كتاب ((البعث والنشور)) من رواية الضحاك بن نبراس عن ثابت البناني، عن أبي يزيد المديني، عن عمرو بن حزم، مرفوعاً: ((إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم، وإني سألت ربي المزيد فأعطاني مع كلّ واحد من السبعين ألفاً سبعين ألفا... الحديث)).

وترجمه ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (3/1195) فيمن اسمه ((عمرو)): "عمرو بن عمير. مختلف فيه. فيقال: عمرو بن عمير كما ذكرنا، ويقال عامر بن عمير، ويقال عمارة بن عمير، ويقال عمرو بن بلال، ويقال عمرو الأنصاري. وهذا الاختلاف كلّه في حديث واحد... وهو حديث في إسناده اضطراب".

وترجم ابن حجر في ((الإصابة)) (3/592) فيمن اسمه ((عامر)) قال: "عامر بن عمير النميري. ذكره الطبراني وغيره في الصحابة، فروى الطبراني من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أبي يزيد المديني عن عامر بن عمير قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثاً لا يخرج إلا إلى صلاة مكتوبة الحديث في ذكر السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب، وهذا اختلف فيه على ثابت ثم على سليمان، فأما ثابت: فقال حماد بن سلمة عنه عمرو بن عمير، وقال عمارة بن زاذان عن ثابت عن عمارة بن عمير، وقال الضحاك بن نبراس عنه عمرو بن حزم، وأما سليمان، فقيل عنه أيضاً عمرو أو عامر على الشك، اختلف في صحابي هذا المتن، فقيل: عمرو الأنصاري، وقيل عمرو بن بلال، وقيل عمرو بن عمرو، وقد وجدت لعامر بن عمير حديثين آخرين: أخرج ابن عقدة في الموالاة من طريق موسى بن أكيل بن عمير النميري: حدثنا عمي عامر بن عمير فذكر حديث غدير خم. وروى ابن منده من هذا الوجه عن عامر بن عمير أنه شهد حجة الوداع قال: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة الصلاة".

ثُمَّ ترجمه فيمن اسمه ((عمرو)) (4/665) قال: "عمرو بن عمير الأنصاري. قال ابن السكن: يقال له صحبة. انتهى. وقد تقدم بيان الاختلاف فيه في عامر بن عمير النميري، وعمرو فيما يظهر لي أرجح. أخرج حديثه البغوي من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي يزيد المدني عن عمرو بن عمير الأنصاري أنّ النبي صلى الله عليه وسلم غبر عن أصحابه ثلاثاً لا يرونه إلا في صلاة. فقال: وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا بغير حساب. ورواه سليمان بن المغيرة عن ثابت بالشك قال: عن عمرو بن عمير أو عامر بن عمير، ومضى حكاية قول من خالف في ذلك في عامر بن عمير".

قلت: كلّ هؤلاء واحد عند ابن عبدالبر وابن حجر، ورجحا أن اسمه ((عمرو)). وجعلهما اثنين أبا نعيم في ((معجم الصحابة))، فقال (4/1992): "عمرو بن عُمير الأنصاري. سكن المدينة، وقيل: عمير بن عمرو، وقيل: عامر بن عمير. حدثنا أحمد بن محمد بن يوسف، قال: حدثنا المنيعي، قال: حدثنا عمّي، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي يزيد المديني، عن عمرو بن عمير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غبر عن أصحابه ثلاثاً لا يرونه إلا في صلاة، فقالوا: يا رسول الله، لم نرك إلا في صلاة منذ ثلاث ليال! فقال: ((إنّ ربي عز وجل وعدني أن يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب))، قالوا: ومن هم؟ قال: ((الذين لا يسترقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون، وإن سألته أن يزيدني، قال: فإن لك بكل رجل من السبعين ألف سبعين ألفاً. فقلت: إذاً لا يكملوا ذلك! فقال: إذاً أكملهم لك من الأعراب)).

رواه عبيدالله بن موسى، عن الضحاك بن نبراس، عن ثابت، عن أبي يزيد، عن عمرو الأنصاري مثله.

وروى يحيى السيلحيني، عن الضحاك بإسناده، وقال: عمرو بن حزم.

ورواه سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أبي يزيد، عن عمرو بن عمير أو عامر بن عمير.

ورواه عثمان بن مطر، عن ثابت، عن أبي يزيد، عن عمارة بن عمير الأنصاري مثله". انتهى.

ثُمَّ ترجم (4/2063): "عامر بن عمير النميري. شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعدّ في الكوفيين. حدثنا سليمان –يعني الطبراني-، قال: حدثنا جعفر بن محمد بن حرب، قال: حدثنا سليمان بن حرب... الحديث".

ثُمَّ ساق له من طريق أبي العباس بن عقدة قال: حدثنا زكريا بن يحيى بن شيبان، قال: حدثنا إسحاق بن يزيد، قال: حدثنا موسى بن أكيل بن عمير النميري، قال: حدثنا عمّي عامر بن عمير، وكان شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، قال: آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: ((الصلاة الصلاة)).

قلت: وَهِمَ أبو نُعيم في التفريق بينهما، وهما واحد. وقد اختلف في حديثه اختلافاً شديداً مما جعل ابن عبدالبر يحكم عليه بالاضطراب.

وقد تحصّل لدينا في هذا الحديث الأسانيد الآتية:

- جعفر بن محمد العباداني عن سليمان بن حرب عن سليمان بن المغيرة عن ثابت البناني عن أبي يزيد المدني عن عامر بن عمير أو عمرو بن عمير.

- أحمد بن محمد بن يوسف عن المنيعي عن عمّه عن حجاج عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أبي يزيد المديني عن عمرو بن عمير.

- عمارة بن زاذان عن ثابت عن عمارة بن عمير.

- عبيدالله بن موسى عن الضحاك بن نبراس عن ثابت عن أبي يزيد عن عمرو الأنصاري.

- يحيى السيلحيني عن الضحاك بإسناده، وقال: عمرو بن حزم.

- عثمان بن مطر عن ثابت عن أبي يزيد عن عمارة بن عمير الأنصاري.

وحسب هذه الأسانيد: فسليمان بن المغيرة وحماد بن سلمة وعمارة بن زاذان والضحاك بن التبراس وعثمان بن مطر كلهم رووه عن ثابت.

أما حديث سليمان بن المغيرة فقد تفرد به جعفر بن محمد بن حرب العباداني شيخ الطبراني، ولا يُعرف حاله! وتفرده لا يُحتمل في هذه الطبقة المتأخرة لحديث عن إمام مشهور مثل ثابت، فلا نعرف أحداً رواه عن سليمان بن حرب غير العباداني هذا!

وحديث حماد بن سلمة رواه عمّ المنيعي عن حجاج وهو ابن المنهال. والمنيعي هو عبدالله بن محمد البغوي، وعمّه علي بن عبدالعزيز البغوي، وهو صدوق، ورواية البغوي عن عمّه قليلة جداً، وتفرد عمّه عن حجاج بهذا لا يحتمل أيضاً! وعلي بن عبدالعزيز مكثر عن حجاج، فلعله دخل له حديث في حديث؛ لأن هذا الحديث مشهور من رواية الضعفاء عن ثابت!

وأما زاذان بن عمارة فهو ضعيف ويروي عن ثابت مناكير. والضحاك بن نبراس متروك الحديث. وعثمان بن مطر الشيباني ليس بشيء!

· اضطراب:

والاضطراب الشديد في اسم صحابي الحديث هو لأن هذا الحديث يتناقله الضعفاء، وهو غير محفوظ عن الثقات!

والخلاصة أن هذا الحديث عن ثابت غير ثابت، وفيه نكارة شديدة، ويخالف ما رواه البخاري في ((صحيحه)) (5/2170) عن مسدد، عن حصين بن نمير، عن حصين بن عبدالرحمن، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: عرضت عليّ الأمم فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط، والنبي ليس معه أحد، ورأيت سواداً كثيراً، سد الأفق فرجوت أن يكون أمتي. فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر. فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سواداً كثيراً سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب. فتفرق الناس ولم يبين لهم. فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أما نحن فولدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)). فقام عكاشة بن محصن، فقال: أمنهم أنا يا رسول الله؟ قال: ((نعم)). فقام آخر، فقال: أمنهم أنا؟ فقال: ((سبقك بها عكاشة)).

قلت: فأين السبعون ألفاً مع كلّ واحد من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب؟! ثُمَّ إنه بحسب هذا الحديث يكون السائل الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم منهم قطعاً! لأنه سيكمل عدد هؤلاء من الأعراب!! ولكن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال بأنه ليس منهم، وقد سبقه بذلك عكاشة.

· سعيدُ بنُ قَطَن القٌطعي:

مرّ معنا الحديث الذي رواه أبو داودَ، قال: حدّثنا شعبةُ، عن سعيدِ بنِ قطنٍ، قال: سمعتُ أبا زيدٍ يقول: قال رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم: ((ليسَ منّا منْ لم يرحمْ صغيرنا، ويرحمْ كبيرنا.)).

وقد تابعه غندر محمد بن جعفر عن شعبة عن سعيد بن قطن به.

وقد رجّح البخاري وغيره أنه عن قطن بن كعب، وبيّنت أن شعبة كان يخطئ في اسمه، والله أعلم.

وذهب ابن عدي إلى صحة قول من قال بأنه عن سعيد بن قطن عن أبي زيد، واستدل ببعض ما يرويه حماد بن سلمة عن سعيد عن أبي زيد!

قلت: نعم، روى سعيد بن قطن عن أبي زيد الأنصاري، ولكن هذا لا يؤيد أن شعبة لم يخطئ في اسم شيخه! فالحديث حديث قطن بن كعب، فلو رواه حماد عن سعيد عن أبي زيد لرجحنا أنه عن سعيد بن قطن عن أبي زيد، ولكنه لم يروه، فلو كان الحديث عند سعيد بن قطن عن أبي زيد لرواه حماد بن سلمة، والله أعلم.

· أخطأ شعبة في الاسم:

فالحديث حديث قطن بن كعب، وهو ثقة. وقد أخطأ شعبة في اسمه. وقد أخطأ محقق ((التاريخ الأوسط)) الدكتور الثمالي في الكلام على هذا الحديث وأنه من رواية سعيد بن قطن.

وقد ترجم البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/508) لسعيد فقال: "سعيد بن قَطن القطعي، عن أبيه، وأبي مجلز. روى عنه: سلام بن أبي مطيع، وحماد. وقال شبابة: عن مغيرة بن مسلم، عن سعيد القطعي، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((الولاة من قريش)). وقال أبو حفص: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن بشار: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن علي أبي الأسد، قال: بكير بن وهب الجزري: سمع أنساً: سمع النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال الأويسي: حدثني ابن أبي الرجال، عن إسحاق بن يحيى بن طلحة، عن ثابت بن قيس البناني، عن أنس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((لا يزال الإمام بخير ما إذا استرحم رحم)). وروى عبدالصمد بن عبدالله بن حبيب، عن سعيد بن طهمان القطعي، عن أنس حديثاً منكراً، وسعيد بن طهمان قد بيناه في باب سعيد بن طهمان".

قلت: قال في ترجمته من ((التاريخ الكبير)) (3/485): "سعيد بن طهمان القطعي. قال بشر بن السري: حدثنا عكرمة، عن يحيى، حدثنا سعيد بن طهمان، حدثنا أنس، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة: ((صلوا لوقتها)). وقال شبابة: حدثنا المغيرة بن مسلم، عن سعيد القطعي، عن أنس: سمع النبي صلى الله عليه وسلم: ((الولاة من قريش)). وقال أحمد: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا عكرمة، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد بن طهمان، عن أنس سمع النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيكون أمراء يؤخرون الصلاة فصلوها لوقتها)). وقال محمد أبو يحيى: حدثنا شبابة، قال: حدثني المغيرة بن مسلم، عن سعيد بن طهمان القطعي، عن مغيرة بن شعبة، قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي؟ قال: ((قد فعل ذاك. فصل بصلاة أضعف القوم، ولا تتخذ مؤذناً يأخذ على أذانه أجراً))"

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (4/35): "سعيد بن طهمان. روى عن ابن عباس وأنس. روى عنه يحيى بن أبي كثير ومغيرة بن مسلم. سمعت أبي يقول ذلك. وسمعته يقول: لا أعلم أحداً يروي عنه غير يحيى بن أبي كثير والمغيرة بن مسلم، وأحسبه هو سعيد القطعي الذي روى عنه يحيى بن أبي كثير، يروي عن أنس، لا يذكر سماعاً ولا رؤية! بصري الدار".

ثُمَّ قال في (4/56): "سعيد بن قطن القطعي. روى عن أنس وأبيه وأبي مجلز وأبي زيد الأنصاري. روى عنه سلام بن أبي مطيع وحماد بن سلمة. سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه؟ فقال: "شيخ".

قلت: حاصل كلام البخاري وأبي حاتم التفرقة بينهما، وهو الصواب، ولكن وهم أبو حاتم في ذكره بأن سعيد بن قطن روى عن أنس، فالذي روى عن أنس هو ابن طهمان.

وقد تبعه على ذلك ابن الجوزي في ((الضعفاء والمتروكين)) (1/324) فقال: "سعيد بن قطن القطعي عن أنس. قال الرازي: مجهول".

وتبعه على ذلك الذهبي، فإنه قال في ((الميزان)) (3/224): "سعيد بن قطن القطعي، عن أنس. مجهول، وبعضهم مشاه. وعنه حماد بن سلمة وسلام بن أبي مطيع، هو ابن أبي طهمان المقدم والله أعلم". هكذا في بعض النسخ، وفي بعضها لا يوجد "هو ابن أبي طهمان المقدم"، (نسخة اللسان لأبي غدة4/72). والمقدم قال فيه الذهبي في ((الميزان)) (3/214): "سعيد بن طهمان. حديثه منكر. قاله ابن حبان في الذيل. وقد ذكره البخاري وما ذكر له شيئاً منكراً. وقال الأزدي: ليس بحجة". وكأن الذهبي يرى أنهما واحداً، وليس كذلك.

· وهم لابن حجر:

وقد وهم الحافظ في ((اللسان)) (3/41) فنقل كلام الذهبي في ((سعيد بن قطن القطيعي عن أنس))، ثُمَّ قال: "وقال البخاري: روى عبدالصمد بن عبدالله بن حبيب عن سعيد بن قطن عن أنس حديثاً منكراً. قلت: وما في كتاب ابن أبي حاتم أنه مجهول بل فيه أنه شيخ".

قلت: البخاري قال ذلك في حديث عبدالصمد عن سعيد بن طهمان، لا سعيد بن قطن؛ وكأن ابن حجر يرى أنهما واحد؛ لأن البخاري نبّه على هذه الرواية في ترجمة سعيد بن قطن؛ لئلا يظن ظان أن راويها هو سعيد بن قطن.

· عجب من الذهبي!

والعجيب أن الذهبي تبع ابن الجوزي على قوله في ((الميزان)) كما سبق، ولكنه رد ذلك في ((المغني في الضعفاء)) (1/265) قال: "سعيد بن قطن عن أنس مجهول. قلت: بل معروف ".

وقد ذكر ابن حبان ((سعيد بن طهمان)) في ((الثقات)) (4/286) بناءً على قاعدته في عدم وجود جرح أو تعديلٍ فيه. ووثقه العجلي في كتابه الثقات.

قال ابن ماكولا في ((الإكمال)) (7/96): "سعيد بن قطن القطعي عن أبيه وأبي مجلز. حدث عنه سلام بن أبي مطيع وحماد. الغالب على ظني أنه ابن قطن بن كعب أبي الهيثم القطعي".

قلت: ليس هو بابن قطن بن كعب، والله أعلم.

· ترجمة قطن والد سعيد:

ذكره ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (7/137) وقال: "قطن. روى عن معاوية. روى عنه ابنه سعيد بن قطن. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (5/322) وقال: "قطن: شيخ سمع معاوية بن أبي سفيان. روى عنه ابنه سعيد بن قطن".

وذكره ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (49/342) فقال: "قطن. روى أنهم كانوا عند معاوية بن أبي سفيان فأفطروا في يوم غيم، ثم بدت لهم الشمس على الجبال، فقال معاوية: ((لا نبالي نقضي يوماً آخر)). روى عنه ابنه سعيد بن قطن من رواية حماد بن سلمة عن سعيد".

قلت: قطن هذا شيخٌ مستور الحال إن شاء الله.

· أحاديث سعيد بن قطن:

1- أخرج أبو بكر ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (2/287)، قال: حدثنا أبو داود، عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن قطن، عن أبيه، قال: "كان عند معاوية في رمضان فافطروا، ثم طلعت الشمس فأمرهم أن يقضوا".

2- أخرج ابن عَدي في ((الكامل)) (3/279) قال: أخبرنا أبو يعلى، قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن قطن، قال: سألت أبا يزيد الأنصاري عن المذي؟ قال: ((ليس فيه إلا الطهور)).

3- أخرج الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/84) قال: حدثنا ابن خزيمة، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا حماد، عن سعيد بن قطن، عن أبي زيد الأنصاري، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن، والمقيم يوماً وليلة)).

4- ذكر ابن حزم في ((المحلى)) (4/163) عن حماد بن سلمة، عن سعيد بن قطن: أنّ أبا زيد الأنصاري قال: ((إذا أوهم أحدكم في صلاته فليسجد سجدتي الوهم)).

5- روى ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (64/30) من طريق ابن أبي خيثمة، قال: حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا سلام بن أبي مطيع، عن سعيد القطعي، قال: كان أبو مجلز يقول: ((اللهم أكرم من أكرمنا)).

قلت: وهذه الروايات أسانيدها حسنة لا بأس بها.

· أحاديث سعيد بن طهمان:

1- أخرج البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/485) قال: قال بشر بن السري: حدثنا عكرمة، عن يحيى، قال: حدثنا سعيد بن طهمان، قال: حدثنا أنس.

وقال أحمد: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا عكرمة، عن يحيى بن أبي كثير، عن سعيد بن طهمان، عن أنس سمع النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيكون أمراء يؤخرون الصلاة فصلوها لوقتها)).

قلت: هذا الحديث لا يُعرف عن أنس إلا من طريق سعيد بن طهمان. والحديث مشهور وصحيح عند مسلم وغيره من حديث أبي ذر. رواه جماعة من طرق عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها -أو يميتون الصلاة عن وقتها-؟)) قال: قلت، فما تأمرني؟ قال: ((صلِّ الصلاة لوقتها، فإن أدركتها معهم فصلِّ فإنها لك نافلة)).

2- قال البخاري: قال شبابة: حدثنا المغيرة بن مسلم، عن سعيد القطعي، عن أنس سمع النبي صلى الله عليه وسلم: ((الولاة من قريش)).

قلت: روى ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (6/402) عن وكيع قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا سهيل بن أبي الأسد، عن بكير الجزري، عن أنس قال: أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم -ونحن في بيت رجل من الأنصار- فأخذ بعضادتي الباب، ثم قال: ((الأئمة من قريش)).

وروى الطيالسي في ((مسنده)) (ص284) عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الأئمة من قريش إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإن استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منهم صرف ولا عدل)).

3- قال البخاري: قال محمد أبو يحيى: حدثنا شبابة، قال: حدثني المغيرة بن مسلم، عن سعيد بن طهمان القطعي، عن مغيرة بن شعبة، قلت: يا رسول الله، اجعلني إمام قومي؟ قال: ((قد فعل ذاك. فصلِّ بصلاة أضعف القوم، ولا تتخذ مؤذناً يأخذ على أذانه أجراً)).

وأخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (20/434) عن عبدالله بن أحمد بن حنبل، قال: حدثني محمد بن عبدالرحيم البرقي، قال: حدثنا شبابة بن سوار به.

· زيادة خطأ في مطبوع الطبراني الكبير!

ووقع في المطبوع من ((المعجم الكبير)) زيادة ((الوليد بن مسلم)) في الإسناد، وهو خطأ.

وهذا الحديث لا يعرف عن مغيرة إلا من طريق سعيد بن طهمان! تفرد به شبابة عن مغيرة بن مسلم. فلعله دخل له وهم في الاسم. وهو مشهور من حديث عثمان بن أبي الغاص. رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (1/509)، وأبو داود في ((السنن)) (1/146)، والحاكم في ((المستدرك)) (1/314)، من طرق عن حماد بن سلمة، قال: حدثنا سعيد الجريري، عن أبي العلاء، عن مطرف بن عبدالله، عن عثمان بن أبي العاص، قال: قلت، يا رسول الله اجعلني إمام قومي؟ قال: ((أنت إمامهم واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذناً لا يأخذ على أذانه أجراً)).

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

4- قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/106): قال بهلول بن حسان: حدثنا عبدالصمد بن عبدالله بن حبيب اليحمدي الأزدي، عن سعيد بن طهمان القطعي، عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فتح ربكم داراً وصنع مأدبة)).

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (6/106): "عبدالصمد بن حبيب الأزدي العوذي: لين الحديث. ضعفه أحمد. هو عبدالصمد بن أبي الجبير الراسبي عن أبيه". وقال: "روى عبدالصمد بن عبدالله بن حبيب، عن سعيد بن طهمان القطعي، عن أنس حديثاً منكراً".

قلت: فالعهدة في هذا الحديث المنكر على عبدالصمد هذا، ولذلك لا يصح من قال بأن حديث سعيد بن طهمان منكر!

5- روى الرافعي في ((التدوين في أخبار قزوين)) (2/202) من طريق كامل بن طلحة، قال: حدثنا عبدالصمد بن حبيب الأزدي، عن سعيد بن طهمان، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي على الناس زمان يربي الرجل فيه جرواً خير من أن يربي ولداً)).

قلت: هذا حديث موضوع. والعهدة فيه على عبدالصمد.

والخلاصة أن سعيد بن طهمان هذا قليل الحديث جداً، وأحاديثه ليست منكرة، وهي أحاديث حسنة لا بأس بها، وهي محفوظة من طرق أخرى، فهو صدوقٌ إن شاء الله، ولهذا ذكره ابن حبان في ((الثقات)) فأصاب، والحمد لله.

 

وكتب: خالد الحايك

20 ذو القعدة 1428هـ.

شاركنا تعليقك