الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

كيفية دراسة التراجم من خلال الأحاديث.

كيفية دراسة التراجم من خلال الأحاديث.

 

بقلم: خالد الحايك.

 

إن أساس تصنيف أهل العلم الذين ألفوا في الرِّجال هو الاعتماد على أسانيد الأحاديث، ولهذا كانت إشارات بعضهم مختصرة، بل وغامضة في كثير من الأحايين، كإشارات الإمام البخاري في كتابه التاريخ الكبير.

وسنأخذ حديثاً ثُمَّ نتكلّم عليه والترجمة لرواته، وكيف اعتمد عليه أهل العلم في الترجمة لرواته وما تخلل ذلك من أوهام وأغلاط، والأحكام على الأحاديث، والتعديل والتجريح، وبيان قضايا مهمة خفية تتعلق بهذه التراجم إن شاء الله تعالى.

وستحوي هذه الدراسة التراجم الآتية:

1- ذُو الزوائد.

2- ذو الأصابع.

3- أبو عمران سليمان بن عبدالله الأنصاري.

4- ذو اليدين.

5- أبو الشموس البلوي.

6- عس العذري.

7- مُطير بن سُليم.

8- سُليم بن مطير بن سليم.

9- شعيب بن مطير.

10- محمد بن مطير.

11- زياد بن نصر.

12- محمد بن يسار.

قال أبو داود في ((السنن)) (كتاب الخراج والإمارة والفيء، باب في كراهية الافتراض في آخر الزمان) (3/137): حدثنا أحمد ابن أبي الحواري، قال: حدثنا سُليم ابن مُطير -شيخٌ من أهل وادي القُرى- قال: حدّثني أبي مطير: أنه خرج حاجاً حتى إذا كان بالسويداء إذا أنا برجل قد جاء كأنه يطلب دواءً وحضضاً، فقال: أخبرني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع -وهو يعظ الناس ويأمرهم وينهاهم- فقال: ((يا أيها الناس، خذوا العطاء ما كان عطاء، فإذا تجاحفت قريش على الملك، وكان عن دين أحدكم فدعوه)).

قال أبو داود: ورواه ابن المبارك عن محمد بن يسار عن سليم بن مطير.

قال أبو داود: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا سليم بن مطير -من أهل وادي القرى- عن أبيه: أنه حدثه قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فأمر الناس ونهاهم، ثم قال: ((اللهم، هل بلغت)). قالوا: اللهم نعم. ثم قال: ((إذا تجاحفت قريش على الملك فيما بينها، وعاد العطاء -أو كان رشا- فدعوه)). فقيل: من هذا؟ قالوا: "هذا ذو الزوائد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم" [1].

قلت: عَرض أبو داود للخلاف في هذا الحديث، فبيّن أن أحمد بن أبي الحواري رواه عن سليم بن مطر عن أبيه عن رجل عمّن سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخالفه هشام بن عمار فرواه عن سليم بن مطير عن أبيه عن أبي الزوائد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد رجّح المزي في ((تهذيب الكمال)) (28/90) الرواية الأولى فقال: "مطير: روى عن ذي الزوائد، وقيل: عن رجل عن ذي الزوائد، وهو الصواب". وروى الحديث في ترجمة أبي الزوائد (8/529) من طريق هشام بن عمار، ثم قال: "ورواه أيضاً عن أحمد بن أبي الحواري عن سليم بن مطير عن أبيه عن رجل قال: أخبرني من سمع النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسمه. ورواه الحسن بن سفيان عن هشام بن عمار عن سليم بن مطير عن أبيه عن رجلٍ عن ذي الزوائد، وهو الصواب. وكذلك وقع في بعض النسخ من سنن أبي داود".

وقد أخرج أبو نُعيم هذا الحديث في ((الحلية)) (10/27) في ترجمة ((أحمد بن أبي الحواري)) وعَرض لهذا الخلاف، ومن عادة أبي نعيم أنه يأتي بغرائب حديث الراوي في ترجمته.

قال أبو نُعيم: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا عبدالله بن أبي داود، قال: حدثنا أحمد بن أبي الحواري، قال: حدثنا شيخ بوادي القرى يقال له: سليم بن مطير، عن أبيه، قال: حججت بخالةٍ لي ورفيقتها، فلما كنا بالسويداء نمت وانتبهت، فإذا عندها رجل يطلب دواء، يطلب الحضض، فسمعته يقول: حدّثني من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول. وقال غيره: حدثني أبو الزوائد: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا هذا العطاء ما كان عطاء، فإذا تجاحفت قريش على الملك، وكان رشوة عن دين أحدكم فدعوه)).

وأخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/104) عن بكر بن عبدالوهاب، قال: حدثنا زياد بن نصر، قال: حدثنا سليم ابن مطير، عن أبيه، عن أبي الزوائد. قال مطير: سمعته يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: سألتك بالله، أنت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينيك هاتين؟ فقال: نعم، والله. فرددت عليه المسألة ثلاث مرات. قلت: فأخبرني ما سمعت من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: كنت معه في حجة الوداع، فخطب الناس، وجعل يقول لهم: افعلوا كذا وكذا، واجتنبوا كذا وكذا. افعلوا كذا، واجتنبوا كذا، ثم يقول لهم: ((هل بلغت؟)) فيقولون: نعم، فيرفع يديه، فيقول: ((اللهم اشهد)). قالها ثلاثاً. وسمعته يقول: ((خذوا العطاء ما كان عطاء، فإذا تجاحفت قريش الملك فيما بينها، وكان العطاء رشوة على دينكم فلا تأخذوه)).

قلت: فهذه متابعة لرواية هشام بن عمار، وفيها أن مطيراً سمع من أبي الزوائد، وهذا هو الصواب. وسيأتي ما يؤيد هذا من كلام أئمة هذا الشأن من خلال ترجمتهم لمطير وابنه سليم ومن روى عنه.

· كلام للمزي فيه نظر!

وأما قول المزي: "ورواه الحسن بن سفيان عن هشام بن عمار عن سليم بن مطير عن أبيه عن رجلٍ عن ذي الزوائد"، ففيه نظرٌ شديد! لأن أبا نعيم روى هذا الحديث في كتاب ((الصحابة)) (2/1031) من طريق الحسن بن سفيان، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا سليم بن مطير –من أهل وادي القرى- عن أبيه؛ أنه حدثه، قال: سمعت رجلاً يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهذا هو الصواب من رواية هشام بن عمار، وما ذكره المزي خطأ، والله أعلم.

· ترجمة ذي الزوائد أو أبي الزوائد:

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/265): "ذو الزوائد. قال هشام بن عمار: حدثنا سليم بن مطير -من أهل الوادي- عن أبيه، قال: سمعت رجلاً قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا تزاحفت قريش الملك فيما بينهم، وعاد العطاء وكان رشا، فدعوه)). فقالوا: ذو الزوائد صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد بن محمد: أخبرنا عبدالله، قال: أخبرنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني محمد بن يسار، قال: حدثني سليمان بن مطير، قال: سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسويداء، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نحوه. ولم يسمه. سليم أصح".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/447): "ذو الزوائد: شامي، له صحبة. روى عنه مطير. من أهل وادي القرى". وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (3/119) فقال: "ذو الزوائد: له صحبة. حديثه عند سليم بن مطير. من أهل وادي القرى".

وذكره ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/118). وجاء في بعض الروايات ((أبو الزوائد)) فذكره ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/104).

وقال الطبراني في ((المعجم الكبير)) (4/238): "ذو الأصابع وهو ذو الزوائد" وذكر له رواية هشام بن عمار. ثُمَّ ذكر في (22/356) في من يكنى أبا الزوائد: "أبو الزوائد اليماني"، وذكر له رواية زياد بن نصر.

· وهم للطبراني:

قلت: وهم الطبراني هنا في الموضعين! الأول: أن ذا الأصابع آخر وليس هو ذو الزوائد. والثاني: أن ذا الزوائد هو نفسه أبو الزوائد، ورواية زياد بن نصر هي نفسها رواية هشام بن عمار.

وذكر أبو نعيم في ((الصحابة)) (2/1031): "ذو الزوائد". ثُمّ ذكر (5/2903): "أبو الزوائد اليماني".

وترجم ابن الأثير في ((أسد الغابة)) (1/342): "ذو الزوائد الجهني: له صحبة. عداده في المدنيين. قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: "أول من صلى الضحى رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: ذو الزوائد". قيل: إنه ذو الأصابع المقدم ذكره. ولا يصح؛ لأن ذا الأصابع سكن البيت المقدس، وهذا سكن المدينة. وقيل فيه: أبو الزوائد. ويرد في الكنى إن شاء الله تعالى". ثُمَّ ذكر (1/1179): "أبو الزوائد اليماني: روى سليم بن مطير عن أبيه عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فسمعته يقول: ((خذوا العطاء ما كان عطاء، فإذا تجاحفت قريش الملك فيما بينها وصار العطاء رشوة على دينكم فلا تأخذوه)). وروى معمر بن بكار عن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن أبي أمامة بن سهل بن خنيف، قال: "أول من صلى الضحى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يكنى بأبي الزوائد. أخرجه أبو نعيم وأبو موسى. قلت: قد تقدم في الذال من الأسماء "ذو الزوائد". وهو الصحيح أخرجه هناك الثلاثة وقالوا: "الجهني"، وجعله أبو نعيم وأبو موسى ها هنا يمانياً؛ فإذا أراد أنه كان يسكن بلاد اليمن فليس كذلك، إنما كان يسكن المدينة؛ فأن أراد أنه من قبائل اليمن فهو يستقيم على قول من يجعل قضاعة من حمير وجهينة من قضاعة. وقول أبي أمامة: "إنه أول من صلى الضحى"، ففيه نظر! فإنه قد صح عن أم هانىء بنت أبي طالب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى الضحى بمكة يوم الفتح. ولعله لم يصل إليه".

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (2/413): "ذو الزوائد الجهني: ذكره الترمذي في الصحابة. ويُقال فيه: أبو الزوائد. وزعم الطبراني أنه ذو الأصابع المتقدم، وعندي أنه غيره. وقد روى مطين والطبري في ((التهذيب)) وغيرهما من طريق سعد بن إبراهيم عن أبي أمامة بن سهل قال: "أول من صلى الضحى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال: ذو الزوائد". وفي رواية مطين: "أبو الزوائد". وروى أبو داود والحسن بن سفيان من طريق سليم بن مطير عن أبيه عن ذي الزوائد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أمر الناس ونهى ثم قال: ألا هل بلغت الحديث".

وقال أيضاً (7/157): "أبو الزوائد اليماني: ذكره مطين والدولابي في ((الكنى)) من الصحابة، وأورد الفاكهي وجعفر الفريابي في كتاب النكاح بسندٍ صحيح إلى إبراهيم بن ميسرة قال: قال لي طاوس -ونحن نطوف- لتنكحن أو لأقولن لك ما قال عمر لأبي الزوائد: "ما يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور". وأخرج الطبراني من طريق زياد بن نصر عن سليم بن مطير عن أبيه عن أبي الزوائد قال: كنت مع رسول الله  صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فذكر حديثا طويلاً أخرج أبو داود بعضه من هذا الوجه، وتقدمت الإشارة إليه في حرف الذال المعجمة؛ فإن منهم من قال: إن أبا الزوائد هو ذو الزوائد ممن ذكره في الكنى البخاري، وذكر بهذا الإسناد طرفاً من هذا الحديث".

والحاصل أن ذا الزوائد هو نفسه أبو الزوائد، وحديثه في حجة الوداع، وهو صحيح؛ لأن الأئمة اعتمدوا عليه في ترجمتهم له، ولمطير الراوي عنه.

وقد تابع سليم بن مطير على رواية هذا الحديث أخوه محمد.

· ترجمة محمد بن مطير:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/235): "محمد بن مطير: قال لي عبدالرحمن ابن شيبة، حدثتني أمة الرّحمن بنت محمد بن مطير العذرية، قالت: حدثني أبي وعمّي سليم ابن مطير، عن أبيهما، قال: سمعت أبا الزوائد، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول في حجة الوداع: ((خذوا العطاء ما دام عطاء، فإذا تجاحفت قريش الملك بينها فذروه".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/99): "محمد بن مطير: روى عن أبيه مطير عن ذي الزوائد. روت عنه ابنته أمة الرّحمن. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (9/56)، فقال: "محمد بن مطير: يروي عن أبيه. روت عنه ابنته أمة الرحمن بنت محمد بن مطير".

قلت: الظاهر أنه صدوق.

· ترجمة ذي الأصابع:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/264): "ذو الأصابع. قال الهيثم بن خارجة: حدثنا ضمرة بن ربيعة الفلسطيني -مولى علي بن أبي حملة، وعلي مولى آل عتبة بن ربيعة- عن عثمان بن عطاء، عن أبي عمران، وهو سليمان مولى أبي الدرداء، عن ذي الأصابع قال: قلنا [يا رسول الله. إسناده ليس بالقائم]".

قلت: قال الإمام المعلمي محقق التاريخ في الهامش: "وبعد قلنا بياض يسير فأكملناه من الإصابة". أي ما بين المعقوفتين، وهذا الذي جاء به المعلمي من كتاب الضعفاء للبخاري. وقد نقل ابن عدي في ((الكامل)) (3/119) هذا عن البخاري، فقال: "وقال البخاري: ذو الأصابع. قلنا يا رسول الله. إسناده ليس بالقائم. سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري. وقال غيره عن البخاري: ذو الأصابع سمع النبي صلى الله عليه وسلم. قال الهيثم بن خارجة: حدثنا ضمرة بن ربيعة الفلسطيني -مولى علي بن أبي حملة وعلي مولى آل عتبة بن ربيعة- عن عثمان بن عطاء، عن أبي عمران -وهو سليم مولى أم الدرداء- عن ذي الأصابع، قال: قلنا يا رسول الله، إن ابتلينا بالبقاء بعدك فأين تأمرنا؟ قال: عليك ببيت المقدس، فلعلك أن يفشو لك ذرية يغدون إلى ذلك المجلس ويروحون))".

قلت: ففي نسخة من ضعفاء البخاري إثبات سماعه من النبي صلى الله عليه وسلم.

ومما يرجح هذا ما قاله الإمام مسلم فإنه تابع للبخاري في كتابه. قال مسلم في ((الكنى)) (1/596): "أبو عمران سليم مولى أم الدرداء: سمع أم الدرداء وذا الأصابع. روى عنه ثعلبة وعثمان بن عطاء".

ثُمَّ قال مسلم بعد ترجمتين: "أبوعمران سليمان عبدالله الأنصاري. روى عنه ثعلبة ابن مسلم".

· ترجمة أبي عمران سليمان بن عبدالله الأنصاري:

قال الإمام البخاري في (4/22) في باب من اسمه ((سليمان)): "سليمان بن عبدالله الأنصاري أبو عمران. قال هارون بن معروف: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا حيوة، قال: أخبرني أبو عيسى: سمع أبا عمران سليمان الأنصاري. وقال ابن عياش: حدثنا ثعلبة بن مسلم، عن سليمان بن عبدالله أبي عمران".

وقال البخاري أيضاً (4/125) في باب من اسمه ((سليم)): "سليم، أبو عمران مولى أم الدرداء، عن ذي الأصابع. روى عنه ثعلبة وعثمان بن عطاء. هو الأنصاري الشامي. سمع أم الدرداء".

وقد تعقبه أبو أحمد الحاكم فنقل كلامه، ثُمَّ قال: "ولا أراهما إلا واحداً، وهو بسليمان أشبه، وهكذا أخرجه محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب ((التاريخ)) في باب سليمان على حدة، ونحا نحوه مسلم ابن الحجاج، فأخرجه في كتاب ((الأسامي والكنى)) في موضعين في باب أبي عمران، ولا أراه إلا وهم، فلعل محمد بن إسماعيل غلط في نقله في باب سليم فأسقط النون، وربما يقع له الخطأ في كتابه، ولا سيما في حديث الشام. وإنما نقله مسلم بن الحجاج من كتابه تابعه على خطئه، والجواد قد يعثر، والله يرحم محمد بن إسماعيل" (من تاريخ دمشق: 22/341 مع إصلاح النص).

قال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/338): "سليمان، ويقال سليم، بن عبدالله أبو عمران الأنصاري، قائد أم الدرداء ومولاها. حدّث عنها، وعن ذي الأصابع رجلٌ من الصحابة، وعبدالله بن محيريز، وأبي سلام ممطور الحبشي. روى عنه ثعلبة بن مسلم الخثعمي، وفروة بن مجاهد الأعمى، وأبو اليمان الحكم بن قيس، ومعاوية بن صالح الحمصي، وعاصم بن رجاء بن حيوة، وعثمان بن عطاء الخراساني، وأبو عيسى". ونقل عن إسماعيل بن عياش قال: "اسم أبي عمران الأنصاري صاحب أم الدرداء: سليمان بن عبدالله".

وقد ترجم البخاري في ((الكنى)) (ص60): "أبو عمران الفلسطيني: عن يعلى بن شداد ومجاهد. روى عنه معاوية بن صالح". وقد تقدم أن ابن عساكر ذكر من الرواة عن أبي عمران الأنصاري معاوية بن صالح، فلا أدري لعل أبا عمران الفلسطيني هو أبو عمران سليمان بن عبدالله الأنصاري، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/446): "ذو الأصابع الشامي. له صحبة. روى عنه أبو عمران الفلسطيني القارئ سليمان مولى أبي الدرداء. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال أيضاً (4/151): "سليمان أبوعمران الأنصاري الفلسطيني القارىء مولى أبي الدرداء. روى عن ذي الأصابع وأم الدرداء. روى عنه ثعلبة بن مسلم وعثمان بن عطاء الخراساني. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال أيضاً (4/125): "سليمان بن عبدالله أبو عمران الأنصاري. روى عن أم الدرداء وابن محيريز. روى عنه ثعلبة بن مسلم. سمعت أبي يقول ذلك. قال عبدالرحمن: سُئِل أبي عنه؟ فقال: "صالح الحديث".

وقال (9/415): "أبو عمران الأنصاري. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل. روى عنه ثعلبة بن مسلم الخثعمي". قال عبدالرحمن: سُئِل أبو زرعة عنه؟ فقال: "هو من التابعين، ولا أعرف اسمه. روى عنه ثعلبة بن مسلم".

وقال ابن أبي حاتم أيضاً (9/415): "أبو عمران الفلسطيني: روى عن يعلى بن شداد ومجاهد. روى عنه معاوية بن صالح".

قلت: هكذا فرّق ابن أبي حاتم بينهم تبعاً لأبيه! والذي روى عن ذي الأصابع هو سليمان بن عبدالله أبو عمران الأنصاري وهو الفلسطيني، فهم واحد.

وقد تبع البخاري في التفريق بينه وبين أبي عمران الفلسطيني الذي يروي عن يعلى بن شداد ومجاهد.

وتبعهما على ذلك ابن حبان، فقال في ((الثقات)) (7/659): "أبو عمران الفلسطيني. يروي عن مجاهد. روى عنه معاوية بن صالح". وكلهم واحد، والله أعلم.

وأما قول ابن أبي حاتم: إن أبا عمران الأنصاري روى عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل، فأظنه فهمه من ترجمة الإمام البخاري السابقة: "سليمان بن عبدالله الأنصاري أبو عمران. قال هارون بن معروف: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا حيوة، قال: أخبرني أبو عيسى: سمع أبا عمران سليمان الأنصاري".

فظن أن هذه الإشارة من الإمام البخاري هي أنه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وليس كذلك؛ فإن البخاري أراد أن يبين اسمه من خلال الترجمة، ولم يأت بالرواية كلّها.

وقد تبع ابن أبي حاتم على ذلك ابن حبان، فقال في ((الثقات)) (4/309): "سليمان ابن عبدالله الأنصاري أبو عمران: يروي المراسيل. روى عنه ثعلبة بن مسلم، والمصريون".

وقال أيضاً (4/329): "سليم أبو عمران الأنصاري مولى أم الدرداء. عداده في أهل الشام. يروي عن ذي الأصابع، وله صحبة. وكان راوياً لأم الدرداء. روى عنه ثعلبة بن مسلم وأهل الشام".

وترجمه على الصواب في ((الثقات)) (6/395)، فقال: "سليمان بن عبدالله أبو عمران الأنصاري: يروي عن أم الدرداء. روى عنه أهل الشام".

وقال أيضاً في ((الثقات)) (3/119): "ذو الأصابع: له صحبة. روى عنه أهل الشام، عداده في أهل بيت المقدس وقبره بها".

قلت: هكذا يفعل أبو حاتم وابن حبان فإنهما يتبعان البخاري في ما يورده في تراجمه، وأحياناً لا يفهما قصده من الترجمة، فيذكران الراوي في عدة أماكن.

· توهيم أبي أحمد الحاكم صاحب الكنى للبخاري:

وتوهيم أبو أحمد الحاكم ومن تبعه للبخاري فيه نظر! لأن البخاري عندما ذكره في (باب سليمان) ثم ذكره في (باب سليم) ثم أعاده في الكنى: إنما يريد أن ينبه على أنهم واحد، فبعضهم سماه سليمان وبعضهم سماه سليم، وبعضهم كنّاه، فهو يدرك ما يفعل، وله نظائر في كتابه مثل هذا.

فالإقدام على توهيمه هكذا دون فهم مقصده يحتاج إلى وقفة، وقد أبدع الإمام المعلمي اليماني في شرح مثل ذلك أثناء تحقيقه لكتاب البخاري.

وقد روى ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/339) من طريق أبي زرعة، قال: حدثني الفوزي الخطاب بن عثمان، عن إسماعيل بن عياش قال: (اسم أبي عمران صاحب أم الدرداء: سليمان).

وقال أبو زرعة: حدثني علي بن عياش، عن إسماعيل بن عياش قال: (اسم أبي عمران الأنصاري صاحب أم الدرداء: سليمان بن عبدالله).

وقال أبو زرعة في تسمية موالي أم الدرداء وأصحابها: (أبو عمران الأنصاري اسمه: سليم بن عبدالله).

فها هم الشاميون سماه بعضهم سليمان وبعضهم سماه سليم، فأين الغلط في النقل من البخاري – رحمه الله -؟!

وعودة الآن إلى ترجمة ذي الأصابع - رضي الله عنه-:

قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/424): "ذو الأصابع: رجلٌ من أهل اليمن، من المدد الذين نزلوا الشام ببيت المقدس. قال الوليد بن مسلم: حدثنا عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن أبي عمران، عن ذي الأصابع، قال: قلت يا رسول الله، إن ابتلينا بالبقاء بعدك، فأين تأمرني أن أنزل؟ قال: ((انزل ببيت المقدس، ولعل الله يرزقك ذرية يعمرون ذلك المسجد يغدون إليه ويروحون))".

وهذا الحديث في ((مسند أحمد)) (4/67) عن أبي صالح الحكم بن موسى، قال: حدثنا ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء، عن أبي عمران، عن ذي الأصابع، به.

وقد رواه من طريق المسند الحافظ أبو نعيم في ((معجم الصحابة)) (2/1031)، والحافظ الطبراني في ((المعجم الكبير)) (4/238) فروياه عن عبدالله بن أحمد عن الحكم! وجاء في المطبوع من المسند عن عبدالله عن أبيه أحمد عن الحكم. هكذا رواه من طريق المسند الحافظ ابن عدي في ((الكامل)) (3/119)، والحافظ ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/338). وكأنه جاء كذلك في بعض نسخ المسند. والصواب أنه من زيادات عبدالله على المسند كما ذكر الحافظ ابن حجر في ((الإصابة)) (2/408). ويؤيد ذلك أن أحمد لا يروي عن الحكم بن موسى، وهو من أقرانه، توفي سنة (232هـ)، وهو من شيوخ عبدالله بن أحمد.

وقد تابع الحكم بن موسى على هذا الإسناد: الهيثم بن خارجة كما هو عند أبي نعيم في ((معرفة الصحابة)) (2/1031)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/339). وكذلك تابعه أبو عمير ابن النحاس وهو عيسى بن محمد، وأحمد بن أبي العباس كما هو عند ابن عدي في ((الكامل)) (3/119)، كلهم رووه عن ضمرة.

ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (4/238) عن أحمد بن المعلى الدمشقي. وابن عدي في ((الكامل)) (3/119) عن ابن قتيبة، كلاهما عن هشام بن عمار، قال: حدثنا محمد بن شعيب، قال: حدثنا عثمان بن عطاء: أنّ زياد بن أبي سودة حدّثه عن أبي عمران، عن ذي الأصابع، فذكره.

ورواه ابن عدي أيضاً عن الحسن بن سفيان. وأبو نعيم في ((الصحابة)) من طريق الحسن بن محمد بن سليمان، كلاهما عن هشام بن عمار، قال: حدثنا محمد بن شعيب بن شابور، قال: حدثني عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن زياد بن أبي سودة، عن أبي عمران، عن ذي الأصابع، مثله.

وأخرج ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (22/341) من طريق المفضل بن غسان الغلابي، قال: ذكرت ليحيى ضمرة عن أبي عمران عن ذي الأصابع، قال: قلنا يا رسول الله، إن ابتلينا بالبقاء بعدك؟ قال يحيى: "محمد بن شعيب بن شابور يخالف ضمرة، يقول: عن عثمان بن عطاء عن زياد بن أبي سودة عن أبي عمران الأنصاري!".

وقال ابن عدي في ((الكامل)) (3/119): "وذو الأصابع هذا يُعرف بهذا الحديث. ومدار هذا الحديث على عثمان بن عطاء الخراساني مع اختلاف في إسناده، وهو من أسانيد أحاديث شيوخ الشاميين، صالحٌ مستقيمٌ، ولا يُعرف إلا بهذا".

قلت: ذكر ابن عدي ذا الأصابع في الضعفاء لما جاء من قول البخاري المتقدم: "إسناده ليس بالقائم"! وقد بينت أن هذا فيه اختلاف عن البخاري، والأصح إثبات البخاري لصحبته من خلال هذا الحديث، وهو حديثٌ حسنٌ.

وقد ضعّف إسناده الشيخ شعيب أثناء تعليقه على مسند الإمام أحمد بسبب ضعف عطاء بن عثمان! وفيه نظر!

قال ابن حجر في ((الإصابة)) (2/408): "ذو الأصابع الجهني، وقيل: التميمي، وقيل: الخزاعي. ذكره الترمذي في ((الصحابة)). وروى عبدالله بن أحمد في زيادات المسند من طريق عثمان بن عطاء عن أبي عمران عن ذي الأصابع، قال: قلنا، يا رسول الله، إن ابتلينا بالبقاء بعدك، فأين تأمرنا؟ قال: عليك بالبيت المقدس، الحديث. وذكره البخاري في ترجمة أبي عمران واسمه سليم مولى أبي الدرداء، وقال: ليس بالقائم. وأخرجه البغوي، وزاد في إسناده بين عثمان وأبي عمران رجلاً وهو زياد بن أبي سودة، وقال فيه: عن ذي الأصابع رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وكذلك أخرجه ابن شاهين وأبو نعيم. قال البغوي: رواه الوليد بن مسلم عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن أبي عمران عن ذي الأصابع، والذي قبله أولى بالصواب. وذكره موسى بن سهل الرملي فيمن نزل فلسطين من الصحابة، وزعم ابن دريد في كتاب الوشاح أن اسمه معاوية".

قلت: قد تكلمت على ما نُقل عن البخاري في هذا الحديث. ولم يتنبه ابن حجر إلى وهم البخاري في تسميته: "سليم"، والصواب: "سليمان". وقد رجّح الحافظ ابن حجر الإسناد الذي ليس فيه: "عن أبيه"، وهو كما قال. وقد تقدم أن لهذا الحديث أربعة أسانيد:

- الوليد بن مسلم، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن أبي عمران، عن ذي الأصابع.

- أبو صالح الحكم بن موسى والهيثم بن خارجة وأبو عُمير ابن النحاس وأحمد بن أبي العباس، كلّهم عن ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء، عن أبي عمران، عن ذي الأصابع.

- أحمد بن المعلى الدمشقي وابن قتيبة، كلاهما عن هشام بن عمار، عن محمد بن شعيب ابن شابور، عن عثمان بن عطاء، عن زياد بن أبي سودة، عن أبي عمران، عن ذي الأصابع.

- الحسن بن سفيان والحسن بن محمد بن سليمان، كلاهما عن هشام بن عمار، عن محمد ابن شعيب بن شابور، عن عثمان بن عطاء، عن أبيه، عن زياد بن أبي سودة، عن أبي عمران، عن ذي الأصابع.

· زيادة خطأ في الإسناد:

قلت: زيادة: "عن أبيه" خطأ، والصواب بدون ذلك. ورواية عثمان بن عطاء عن أبيه منكرة! قال ابن حبان في ((المجروحين)) (2/100): عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني. يروي عن أبيه. روى عنه محمد بن شعيب بن شابور والناس. أكثر روايته عن أبيه، وأبوه لا يجوز الاحتجاج بروايته لما فيها من المقلوبات التي وهم فيها! فلست أدري البلية في تلك الأخبار منه أو من ناحية أبيه! وهذا شيء يشتبه إذا روى رجل ليس بمشهور بالعدالة عن شيخ ضعيف أشياء لا يرويها عنه غيره! لا يتهيأ إلزاق القدح بهذا المجهول دونه بل يجب التنكب عما رويا جميعاً حتى يحتاط المرء فيه؛ لأن الدين لم يكلف الله عباده أخذه عن كل من ليس بعدل مرضي".

قلت: عثمان بن عطاء ليس بمجهول! قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (6/162): حدّثني أبي، قال: سمعت دُحيماً -وسألته عن عثمان بن عطاء؟ فقال: "لا بأس به". فقلت: إنّ أصحابنا يضعفونه؟ فقال: "وأيّ شيء حدّث عثمان من الحديث"، واستحسن حديثه". قال عبدالرحمن: سألت أبي عن عثمان بن عطاء الخراساني؟ فقال: "يُكتب حديثه، ولا يحتج به".

والظاهر أن تضعيف عثمان كان بسبب روايته عن أبيه، وحديث أبيه منكر! وحديثه عن غير أبيه ليس بكثير، وهذا ما أشار إليه دحيم، وقد استحسن حديثه الذي رواه عن غير أبيه، وهذا الحديث منها.

وأما زيادة "زياد بن أبي سودة" في الإسناد، فيحتمل أن عثمان سمعه منه عن أبي عمران، ثم سمعه من أبي عمران دون واسطة. ويحتمل أن يكون زيادة "زياد" من باب المزيد في متصل الأسانيد؛ إذ لو كان هذا الحديث عند زياد بن أبي سودة لسمعه منه ضمرة بن ربيعة؛ لأن زياداً شيخه، ولما احتاج ضمرة أن يرويه عن عثمان بن عطاء، فالله أعلم. والحديث على كلّ الأحوال حسنٌ.

وروى ابن عدي في ((الكامل)) (3/119) عن عبدالله بن محمد بن مسلم، قال: قال عبدالله بن محمد بن عمر الغزي: "ذو الأصابع: سكن فلسطين، ولم يعقب".

قلت: وهذا لا ينافي ما جاء في حديثه من رجاء النبي أن يكون له ذرية يغدون إلى البيت المقدس؛ لأن الحديث يحث على سكنى بيت المقدس. ثُمّ إن الظاهر أنه لم يعقب ذكوراً، ولعله عقّب إناثاً، والله أعلم.

وبعد أن تبيّن لنا أن ذا الزوائد غير ذا الأصابع، فنعود إلى حديث ذي الزوائد:

· ترجمة مُطير بن سُليم - من أهل وادي القُرى -:

قال الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير)) (8/20): "مُطير، من أهل الوادي. سمع ذا الزوائد. روى عنه ابنه سليم بن مطير".

قلت: أثبت البخاري سماع مطير من ذي الزوائد من خلال هذا الحديث، وهذا منه قَبول له. فلو لم يكن صحيحاً لما أثبت هذا السماع.

وتبِع الإمام البخاري على ذلك ابن حبان فذكره في ((الثقات)) (5/453)، وقال: "مطير: شيخ من أهل وادي القرى. يروي عن ذي الزوائد. روى عنه ابنه سليم بن مطير".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/393): "مطير بن سليم، من أهل الوادي. روى عن ذي اليدين، وذي الزوائد، وأبي الشموس البلوي، وعس العذري. روى عنه ابناه: شعيث وسليم. سمعت أبي يقول ذلك".

قلت: جعل أبا حاتم مطير الذي يروي عن ذي اليدين وعن ذي الزوائد واحداً، بينما فرّق بينهما الإمام البخاري، فقال في ((التاريخ الكبير)) (8/20): "مُطير: سمع ذا اليدين. روى عنه ابنه شعيث".

وقد تَبع أبا حاتم الرازي على ذلك الحافظ المزي[2]، وتعقبه ابن حجر في ((تهذيب التهذيب)) (10/163)، فقال: "قلت: لكنه –أي البخاري- فرّق بين مطير والد شعيب الوادعي عن ذي اليدين، وبين مطير الواديّ الراوي عن ذي الزوائد، وعنه ابنه سليم. وقال أبو حاتم هما واحد. وقد صرح في رواية أبي داود بسماعه من ذي الزوائد، وفي الأخرى أدخل بينهما بواسطة، فيحتمل أنه سمعه بواسطة، ثم سمعه من ذي الزوائد. وقد قال البخاري: سمع ذا الزوائد، والله تعالى أعلم. ووقع ذكره في سند حديث أبي الشموس، وقد ذكره في ترجمته في الكنى وذكره ابن حبان في الثقات".

وقد ذكر العقيلي وابن عدي مطيراً الذي سمع من ذي اليدين في الضعفاء؛ من أجل ما روي عن الإمام البخاري أنه قال: "لم يثبت حديثه".

قال العقيلي في ((الضعفاء)) (4/250): "مطير: سمع ذا اليدين. حدثني آدم بن موسى قال: سمعت البخاري قال: "مطير، سمع ذا اليدين، ولم يثبت حديثه". وهذا الحديث حدثناه يحيى بن عثمان قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا معدي بن سليمان، قال: دخلت على مطير بوادي القرى، فقرأ عليه ابن له فقال: أحدثك ذو اليدين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي، وهي العصر فسلم في الركعتين، وخرج سرعان الناس، فذكره".

وقال ابن عدي في ((الكامل)) [3]: "مطير: سمع ذا اليدين. وروى عنه ابنه شعيب، ولم يثبت حديثه. سمعت ابن حماد يذكره عن البخاري". ثُمّ ساق ابن عدي حديث السهو، ثُمّ ساق حديث هشام بن عمار في قريش، ثُمّ قال: "ولمطير هذان الحديثان".

قلت: فابن عدي على رأي أبي حاتم الرازي في أن مطير بن سليم روى عن ذي اليدين وذي الزوائد. وما نقله العقيلي وابن عدي عن آدم بن موسى وابن حماد الدولابي عن البخاري في عدم ثبوت حديث ذي اليدين إنما هو من نسختهما من الضعفاء، وأنا أميل إلى ما هو موجود في رواية ابن سهل من التاريخ من دون قوله: "ولم يثبت حديثه"؛ لأن هذه العبارة لا تتفق وإثبات البخاري سماع مطير هذا من ذي اليدين. فإذا كان هذا الحديث لم يثبت، فكيف أثبت البخاري سماعه من ذي اليدين بهذا الحديث؟!

والقلب إلى قول أبي حاتم أميل؛ لأنه يستبعد أن يكون اثنان من وادي القرى وكلّ منهما اسمه مطير، وواحد روى عن ذي اليدين، وواحد عن ذي الزوائد! وقد فرّق أهل العلم بين ذي اليدين وذي الزوائد. قال ابن حجر في ((نزهة الألباب في الألقاب)) (ص292): "ذو الزوائد: صحابي، لا أعرف اسمه، وهو غير ذي اليدين على الصواب".

قلت: أنا استغرب أن يروي مطير عن اثنين من الصحابة، كلاهما يعرف بلقب! وكلا اللقبين قريب!

ثُمّ وجدت أن هناك من أهل العلم من عدهما واحداً. قال مغلطاي في ((إكمال تهذيب الكمال)) (11/239): "ذو الزوائد هو ذو اليدين. نصّ على ذلك أبو أحمد العسكري وغيره".

وبهذا يكون مطير بن سليم هو والد سليم وشعيث ومحمد وستأتي ترجمته. أما ما وقع من تسمية ولد مطير ((شُعيث)) أو ((شعيب)) ففيه بحث سيأتي إن شاء الله تعالى.

قال ابن حجر في ((التقريب)) (ص622): "مطير بن سليم الواديّ: مجهول الحال، من الثالثة. د". وقال في ((الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع)) (ص37): "مُطير، بصيغة التصغير، قد وُثق".

وقال ابن عبدالبر في ((الاستذكار)) (1/509): "وهو معروفٌ عند أهل العلم، لم يذكره أحد بجرحة".

· ترجمة شُعيث بن مطير:

جاء في كثير من الكتب المطبوعة ((شعيب)) بالباء، وضبطه ابن ماكولا في ((الإكمال)) ((شعيث)) بالمثلثة. وقد تعقّب مغلطاي في ((الإكمال)) (11/238) ضبط ابن المهندس لتهذيب الكمال بالباء، فقال: "ضبط المهندس وتصحيحه وقراءته عن الشيخ: شعيباً بالباء الموحدة في الموضعين غير جيد، إنما هو شعيث بالثاء المثلثة".

وقد رجّح العلامة المعلمي اليماني أنه بالثاء أثناء تعليقه على كتاب ابن أبي حاتم ((الجرح والتعديل)) (8/393)، وقال بأنه وقع في تاريخ البخاري ((شعيب)) وهو خطأ. وما رجحه المعلمي هو الصواب.

وذكره ابن أبي حاتم في من اسمه ((شعيث)) من ((الجرح والتعديل)) (4/386)، وقال: "شعيث بن مطير: روى عن أبيه. روى عنه معدي بن سليمان صاحب الطعام. سمعت أبي يقول ذلك". قال عبدالرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: "شعيث ومطير أعرابيان كانا يكونان في بعض قرى المدينة". قال عبدالرحمن: حدثنا أبي، قال: حدثنا نصر بن علي، قال: أخبرني معدي بن سليمان، قال: أتيت مطيراً لأسأله عن حديث ذي اليدين، فإذا شيخ كبير لا ينقد (أو لا يفقه) الحديث من الكِبَر. فقال له ابنه شعيث بن مطير: بلى يا أبت! حدثتني إن ذا اليدين لقيك بذي خشب، فحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه الحديث".

· ترجمة ذي اليدين:

هل ذو الزوائد هو نفسه ذو اليدين؟ وهل اسم ذي اليدين الخِرْبَاق؟!

من خلال ترجمة البخاري لمطير، فإنه يرى أن ذا الزوائد غير ذي اليدين. وكذلك أبو حاتم الرازي، فإنه ذكر أن مطيراً روى عن ذي الزوائد وعن ذي اليدين. وفرّق الإمام الترمذي بينهما أيضاً، فذكر في كتابه في ((تسمية أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (ص47): "ذو الزوائد"، ثم ذكر: "ذو اليدين"، وقال: "ولم يصح حديثه".

وقد حصل خلطٌ كثير في حديث السهو الذي رواه أبو هريرة في الصحيحين وغيرهما في الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أقصرت الصلاة؟" هل هو ذو اليدين هذا؟ أو ذو الشمالين؟ وما هو اسمه؟

· خلط لأبي حاتم وابن حبان:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/447): "ذو اليدين: وهو ذو الشمالين ابن عبد عمرو. له صحبة. روى عنه مطير. وحكى قصته أبو هريرة. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (3/114): "الخرباق: صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سها، وهو غير ذي اليدين. وممن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم". ثُمّ قال في (3/120): "ذو اليدين صلّى مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سها. وقد يقال له أيضاً ذو الشمالين ابن عبد عمرو بن نضلة الخزاعي". ثُمَّ قال في (3/301): "عمير بن عبد عمرو من خزاعة، كنيته أبو محمد الذي يقال له ذو اليدين، وإنما قيل له ذلك لأنه كان يعمل بيديه جميعاً. ويقال له أيضاً ذو الشمالين، وليس هذا بذي الشمالين الذي استشهد يوم بدر". وقال في (3/273) قبل هذا: "عمرو بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان ذو الشمالين الخزاعي، حليف بني زهرة".

قلت: وهذا خلطٌ منهما –رحمهما الله-. وقد أصاب أبو حاتم الرازي في صدر الترجمة فإن ذا الشمالين ابن عبد عمرو كان يقال له ذو اليدين أيضاً، وأخطأ في النصف الأخير من الترجمة حيث جعله هو الذي حكى قصته أبو هريرة، وروى عنه مطير، وهذا آخر.

· أخطأ في التراجم الأربعة!

وأما ابن حبان فقد أخطأ في التراجم الأربعة! فالخرباق هو ذو اليدين الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سها وهو ذو اليدين. والترجمة الثانية جزم بأن ذا الشمالين ابن عبد عمرو هو الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سها، وليس كذلك! وعمير بن عبد عمرو هو ذو الشمالين الذي استشهد ببدر. والترجمة الأخيرة الصواب فيها أنه: عمير بن عبد عمرو، لا عمرو بن عبد عمرو.

قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (3/167): "ذو اليدين: ويقال: ذو الشمالين، واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان بن سليم بن مالك بن أفضى بن حارثة بن عمرو بن عامر بن خزاعة، ويكنى أبا محمد، وكان يعمل بيديه جميعاً، فقيل: ذو اليدين، وقدم عبد عمرو بن نضلة إلى مكة فعقد بينه وبين عبد بن الحارث بن زهرة حلفاً، فزوجه عبد ابنته نعم بنت عبد الحارث، فولدت له عميراً ذا الشمالين وريطة ابني عبد عمرو، وكانت ريطة تلقب مسخنة". قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر –وهو الواقدي- قال: حدثني محمد بن صالح، عن عاصم بن عمر بن قتادة، قال: لما هاجر ذو الشمالين عمير بن عبد عمرو من مكة إلى المدينة نزل على سعد بن خيثمة. قالوا: وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عمير بن عبد عمرو الخزاعي وبين يزيد بن الحارث بن قيس وقتلا جميعاً ببدر. قتل ذا الشمالين أبو أسامة الجشمي، وكان عمير ذو الشمالين يوم قتل ببدر ابن بضع وثلاثين سنة. قال محمد بن عمر: "حدثني بذلك مشيخة من خزاعة".

وقال ابن سعد أيضاً في ((الطبقات الكبرى)) (3/533): "يزيد بن الحارث بن قيس بن مالك بن أحمر بن حارثة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج... وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يزيد بن الحارث وبين ذي اليدين عمير بن عبد عمرو الخزاعي، وشهدا جميعاً بدراً، وقتلا يومئذ شهيدين".

وروى البيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/366) من طريق ((مغازي عروة))، قال عروة: "وممن شهد بدراً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة بن غبشان من خزاعة. قال: واستشهد من المسلمين يوم بدر من بني زهرة بن كلاب رجلان: عمير بن أبي وقاص وذو الشمالين بن عبد عمرو بن نضلة حليف لهم من خزاعة من بني غبشان".

قال البيهقي: "وكذلك قاله موسى بن عقبة في مغازية ومحمد بن إسحاق بن يسار. قال محمد: لا عقب له". قال البيهقي: "أما ذو اليدين الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بسهوه فإنه بقيَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم".

قلت: ذو الشمالين الذي استشهد ببدر كان يقال له أيضاً: ذو اليدين وبالعكس، وهذا هو سبب الاشتباه الذي وقع للإمام الزهري عند روايته لهذا الحديث! فروى معمر وغيره عن الزهري، عن أبي سلمة وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة، عن أبي هريرة، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر، فسلّم في الركعتين. فقال ذو الشمالين بن عبد عمرو، وكان حليفاً لبني زهرة، الحديث.

· وهم للزهريّ:

قلت: الإمام الزهري عالم كبير بالمغازي، والحديث عنده عن ذي اليدين المتأخر، ولكنه عندما حدّث به اشتبه عليه بذي الشمالين ابن عبد عمرو، وكان يقال له: ذو اليدين أيضاً، فذكره ونسبه وقال بأنه خليف بني زهرة، فغلط! وقد أجمع الأئمة على وهم الزهري في هذا، وأن ذا الشمالين استشهد ببدر وهو حليف خزاعة، وأما الذي صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم حيث سها فهو آخر تأخرت وفاته.

وقد جاءت تسميته في بعض روايات الإمام مسلم في ((صحيحه)) (1/404) من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، قال: "فقام رجلٌ من بني سليم". وفي رواية أبي المهلب عن عمران بن حصين، قال: "فقام إليه رجل يقال له: الخرباق، وكان في يديه طول".

وروى ابن عبدالبر في ((التمهيد)) (1/363) من طريق أبي بكر الأثرم، قال: سمعت مُسدداً يقول: "الذي قتل يوم بدر إنما هو ذو الشمالين ابن عبد عمرو حليف لبني زهرة. وهذا ذو اليدين رجلٌ من العرب كان يكون بالبادية فيجيء فيصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم".

ثُم قال ابن عبدالبر: وذكر عبدالرزاق عن ابن جريج قال: أخبرني عبيدالله بن عبدالله ابن أبي مليكة: أنه سمع عبيد بن عمير، فذكر خبر ذي اليدين، قال: "فأدركه ذو اليدين أخو بني سليم".

قال أبو عمر ابن عبدالبر: "ذو الشمالين المقتول يوم بدر خزاعي، وذو اليدين الذي شهد سهو النبي عليه السلام سلمي، ومما يدل على أن ذا اليدين ليس هو ذا الشمالين المقتول ببدر: ما أخبرناه عبدالله بن محمد، قال: أخبرنا عبدالحميد بن أحمد، قال: حدثنا الخضر بن داود، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم. وحدثنا عبد الوارث بن سفيان، قال: حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا أحمد بن زهير قالا: حدثنا علي بن بحر، قال حدثنا: معدي بن سليمان السعدي البصري، قال: حدثني شعيث بن مطير، ومطير حاضر يصدقه بمقالته... الحديث". ثُمّ قال: "قال العباس بن يزيد: حدثني معدي بن سليمان الحناط -وكانوا يرون أنه من الأبدال-. فهذا يبين لك إن ذا اليدين عمّر عُمراً طويلاً، وأنه غير المقتول ببدر، وفيما قدمنا من الآثار الصحاح كفاية لمن عصم من العصبية. وقد قيل: إن ذا اليدين عمّر إلى خلافة معاوية، وإنه توفي بذي خشب، فالله أعلم".

وقال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (2/475): "ذو اليدين: رجلٌ من بني سليم. يقال له: الخرباق، حجازي، شهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد رآه وهم في صلاته فخاطبه، وليس هو ذا الشمالين. ذو الشمالين رجلٌ من خزاعة حليف لبني زهرة، قتل يوم بدر. نسبه ابن إسحاق وغيره، وذكروه فيمن استشهد يوم بدر. وذو اليدين عاش حتى روى عنه المتأخرون من التابعين، وشهد أبو هريرة يوم ذي اليدين وهو الراوي لحديثه، وصحّ عنه فيه قوله: بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، فسلّم من ركعتين فقال له ذو اليدين، وذكر الحديث. وأبو هريرة أسلم عام خيبر بعد بدر بأعوام، فهذا يبين لك أن ذا اليدين الذي راجع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ في شأن الصلاة ليس بذي الشمالين المقتول يوم بدر. وقد كان الزهري مع علمه بالمغازي يقول: إنه ذو الشمالين المقتول ببدر".

وترجم ابن عبدالبر لخرباق السلمي تبعاً لابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (3/101). قال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (2/457): "خِرّباق السّلمي. قال سعيد ابن بشير، عن قتادة، عن محمد بن سيرين، عن خرباق السلمي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر، فسلم من ركعتين. فقال له خرباق: أشككت أم قصرت الصلاة يا رسول الله؟ فقال: ما شككت...". ثُم قال أبو عمر: "ورواه أيوب السختياني وهشام ابن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة، ولم يذكروا خرباقاً! وإنما أحفظ ذكر الخرباق من حديث عمران بن الحصين في قصة ذي اليدين، قال فقام رجل يقال له الخرباق طويل اليدين".

وترجم الطبراني في ((المعجم الكبير)) (4/219): "الخرباق"، وساق له حديث عمران بن حصين. ثُمّ ترجم أيضاً في ((المعجم الكبير)) (4/233): "ذو اليدين، ويقال: اسمه الخرباق، ويكنى أبا العُريان". وساق له حديث شعيث بن مطير عن أبيه عن ذي اليدين.

· خطأ للطبراني تبعه عليه أبو نُعيم!

قلت: وتكنية الطبراني للخرباق بأبي العريان خطأ! فإنه ترجم هو نفسه في ((المعجم الكبير)) (22/371): "من يكنى أبا العريان"، وقال: "أبو العريان السّلمي"، ثم ساق من طريق أبي نعيم، قال: حدثنا أبو خَلدة، قال: سألت ابن سيرين، قلت: أصلي، وما أدري ركعتين صليت أو أربعاً؟ قال: حدثني أبو العريان: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلّى يوماً، ودخل البيت، وكان في القوم رجلٌ طويل اليدين، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسميه ذو اليدين، فقال ذو اليدين: يا رسول الله، قصرت الصلاة أم نسيت؟ فذكر الحديث.

قلت: وتبعه على ذلك أبو نُعيم في ((معرفة الصحابة)) (5/2978)، فقال: "أبو العريان السلمي. ذكره سليمان بن أحمد الطبراني".

وذكره ابن عبدالبر في الصحابة، فقال في ((التمهيد)) (1/360): "وقد رُوي هذا الحديث أيضاً عن محمد بن سيرين عن رجلٍ من الصحابة يقال له: أبو العريان بمثل حديث أبي هريرة ومعناه".

وقال في ((الاستيعاب)) (4/1713): "أبو العريان المحاربي: روى عنه محمد بن سيرين مثل حديثه عن أبي هريرة في يوم ذي اليدين. وقيل: إنه أبو هريرة، وأبو العريان غلط لم يقله إلا خالد وحده. وقيل: إنه أبو العريان الهيثم بن الأسود النخعي الذي روى عنه طارق بن شهاب الأحمسي، وعبدالملك بن عمير. يعدّ في الكوفيين، وبعضهم جعله من البصريين"، ثم ساق شيئاً من أخبار أبي العريان النخعي. ثُم قال: "لا يبعد أبو العريان أن يكون صاحباً لِسنّه ولرواية كبار التابعين عنه مع رواية عمرو بن حريث، وهو معدود في الصحابة".

· كلام فيه نظر!!

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/272): "أبو العريان المحاربي. أورد حديثه البغوي والطبراني وغيرهما من طريق أبي خلدة خالد بن دينار عن محمد بن سيرين أنه سئل عن السهو في الصلاة؟ فقال: حدثني أبو العريان، فذكر الحديث". ثُم ساق كلام ابن عبدالبر المتقدم، ثم تعقبه، فقال: "وهو خطأ! فإن أبا العريان النخعي لا صحبة له، ولا يثبت إدراكه إلا على بُعد".

قلت: هذا كلّه فيه نظر! فإن أبا العريان لا صحبة له، وهو التابعي المعروف الهيثم بن الأسود النخعي. ورواية أبي نعيم المتقدمة فيها كلام. قال الدارقطني في ((العلل)) (10/13): "وروى هذا الحديث أبو خَلدة خالد بن دينار. واختلف عنه؛ فرواه أبو نعيم الفضل بن دكين عن أبي خلدة عن ابن سيرين، قال: حدثني أبو العريان: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى بأصحابه. وخالفه عبدالصمد بن عبدالوارث؛ رواه عن أبي خلدة عن أبي العريان عن عمر بن الخطاب عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر ابنَ سيرين. وقول عبدالصمد أشبه بالصواب".

وعودة إلى ترجمة ذي اليدين:

قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (3/97): "وذو الشمالين هو الذي قتل ببدر، وهو خزاعي، واسمه: عمير بن عبد عمرو بن نضلة. وأما ذو اليدين فتأخر بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة؛ لأنه حدّث بهذا الحديث بعد النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه الطبراني وغيره، وهو سُلمي، واسمه الخرباق".

وقال في ((الإصابة)) (2/414): "ذو الشمالين: عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان بن مالك بن أفصى الخزاعي، حليف بني زهرة. يقال: اسمه عمير، ويقال: عمرو. ويقال: عبد عمرو. ذكره موسى بن عقبة فيمن شهد بدراً واستشهد بها، وكذا ذكره ابن إسحاق وغيره. ووقع في رواية للزهري في قصة السهو في الصلاة أنه الذي قال: يا رسول الله، أنسيت أم قصرت الصلاة. وسيأتي بيان ذلك في ترجمة عبد عمرو. وروى الطبراني من طريق أبي شيبة الواسطي عن الحكم قال: كان عمار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة كلهم أضبط: ذو الشمالين، وعمر بن الخطاب، وأبو ليلى. انتهى. والأضبط هو الذي يعمل بيديه جميعاً".

وقال أيضاً في ((الإصابة)) (2/420): "ذو اليدين السُّلمي، يقال: هو الخرباق. وفرّق بينهما ابن حبان. قال أبو هريرة: صلّى النبي صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي، فسلّم في ركعتين، فقام رجل في يديه طول يدعى ذا اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة أم نسيت، الحديث. أخرجاه من طريق ابن سيرين عن أبي هريرة. وروى الحسن بن سفيان والطبراني وغيرهما من طريق شعيث بن مطير عن أبيه أنه لقي ذا اليدين بذي خشب فحدّثه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي، وهي العصر فصلى ركعتين وخرج مسرعاً إلى الناس، فذكر الحديث".

وقال أيضاً في ((الإصابة)) (4/720): "عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن الحارث بن عبد عمرو الخزرجي، كذا نسبه ابن الكلبي وأبو عبيد. ونسبه أبو عمر إلى نضلة بن عمرو، فقال: ابن غبشان بن سليم بن مالك بن أفصى. قال ابن إسحاق: كان يعمل بيديه جميعاً، فقيل له: ذو اليدين، وشهد بدراً واستشهد بها. وقال أبو عمر: قتل بأحد، وزعم أنه ذو اليدين وليس بذي الشمالين المقتول ببدر. وجزم ابن حبان بأنه ذو اليدين، وغيره بأنه ذو الشمالين".

قلت: ما نسبه ابن حجر إلى أبي عمر ابن عبدالبر بأنه قال بأن عمير بن عبد قتل بأحد، وأنه زعم أنه ذو اليدين وليس بذي الشمالين، وهم! قال أبو عمر في ((الاستيعاب)) (2/469): "ذو الشمالين، واسمه عمير بن عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان بن سليم بن مالك بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر. وقال ابن إسحاق: هو خزاعي، يكنى أبا محمد، حليف لبني زهرة. كان أبوه عبد عمرو بن نضلة قدم فحالف عبد الحارث بن زهرة، وزوجه ابنته نعمى، فولدت له عميراً ذا الشمالين، كان يعمل بيديه جميعاً. شهد بدراً وقتل يوم بدر شهيداً. قتله أسامة الجشمي".

· خطأ للسهيلي:

وقد وقع حطأ شنيع للسهيلي فيما يتعلق بهذا الحديث! قال في ((الروض الأُنف)) (1/284): "ومات ذو اليدين السلمي في خلافة معاوية. وروى هذا الحديث عنه ابنه مطير بن الخرباق، ورواه عن مطير ابنه شعيب بن مطير".

وقد نقل هذا عنه الزيلعي في ((نصب الراية)) (2/72)، ولم يتعقبه بشيء!!

قلت: مطير ليس ابناً لذي اليدين (الخرباق)؛ فإنه جاء في حديث شعيث عن أبيه مطير أنه لقي ذي اليدين بذي خشب، فكيف يكون ابنه؟!

قال خليفة بن خياط في ((الطبقات)) (ص125): "وذو اليدين من أهل ذي خشب. روى أنّ النبيّ صلى الله عليه صلى ركعتين، وانصرف".

وحديثه هذا أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/116)، وأخرجه عبدالله بن أحمد في زياداته على المسند (4/77)، كلاهما عن محمد بن المثنى، قال: حدثنا معدي بن سليمان صاحب الطعام أبو سليمان، قال: حدثنا شعيث بن مطير، عن أبيه مطير، -ومطير حاضر يُصدّقه مقالته- قال: كيف كنت أخبرتك؟ قال: يا أبتاه أخبرتني أنك لقيك ذو اليدين بذي خشب، فأخبرك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى بهم إحدى صلاتي العشي، وهى العصر، فصلى ركعتين، وخرج سُرعان الناس، وهم يقولون: أقصرت الصلاة، أقصرت الصلاة؟ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتبعه أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- وهما مبتدأ به، فلحقه ذو اليدين، فقال: يا رسول الله، أقصرت الصلاة، أقصرت الصلاة، أم نسيت؟ فقال: ((ما قصرت، ولا نسيت)). ثم أقبل على أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- فقال: ((ما يقول ذو اليدين؟)) فقالا: صدق يا رسول الله. فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاب الناس، فصلّى ركعتين، ثم سلّم، ثم سجد سجدتي السهو.

قال أبو سليمان: "حدثت ست سنين أو سبع سنين "ثم سلم"، وشككت فيه، وهو أكثر حفظي".

وأخرجه عبدالله أيضاً في زياداته على المسند عن نصر بن علي الجهضمي، قال: أخبرني معدي بن سليمان، قال: أتيت مطيراً لأسأله عن حديث ذي اليدين، فأتيته فسألته، فإذا هو شيخ كبير، لا يفقه الحديث من الكِبر! فقال ابنه شعيب: بلى، يا أبت، حدثتني إن ذا اليدين لقيك بذي خشب فحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم إحدى صلاتي العشي وهي العصر ركعتين، فذكره.

وتابعهما عليه بندار عن معدي كما رواه البيهقي في ((السنن الكبرى)) (2/367).

وأخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/117) عن محمد بن المثنى، قال: حدثنا بدل بن المحبر، قال: حدثنا معدي بن سليمان، قال: كنا بوادي القرى، فذكر أن رجلاً قد بلغ بضع عشرة ومئة سنة، فأتيناه، فإذا الشيخ يقال له: مطير، وإذا عنده ابن له يقال له: شعيث قد بلغ ثمانين سنة، فذكر نحوه.

وأخرجه ابن عدي في ((الكامل)) (3/120) عن حسين القطان قال: حدثنا عمر بن يزيد السياري، قال: حدثنا معدي بن سليمان أبو سليمان، قال: مررت بوادي القرى فإذا بها رجل يقال له شعيب بن مطير، فقلنا له: أدخلنا على أبيك؟ فأدخلنا، فقال: يا أبت حدّث هؤلاء بحديث ذي اليدين. قال: وكان شيخاً كبيراً، فأبى، وقال: أذكره أنت، أي بني. قال: فقلت حدّثتنا يا أبت إنك مررت بذي خشب، فلقيت ذا اليدين فحدّثك، فذكره.

قال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (2/476): "وقد روى هذا الحديث عن معدي ابن سليمان صاحب الطعام، وكان ثقةً فاضلاً جماعة، منهم: أبو موسى الزمن محمد بن المثنى، وبندار محمد بن بشار، كما رواه علي بن بحر بن بري".

وقال ابن حجر في ((الإمتاع بالأربعين المتباينة السماع)) (ص36): "هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ!... ومعدي ضعفه النسائي وغيره، ووثقه نصر بن علي وغيره، ومشّاه أبو حاتم. ومطير بصيغة التصغير: قد وثق. ولحديثه شواهد من حديث أبي هريرة صحيح، وعمران بن حصين صحيح، وغيرهما".

· ترجمة مَعدي بن سليمان:

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/438): "معدي بن سليمان، صاحب الطعام. روى عن ابن عجلان، ومطير، وشعيث بن مطير. روى عنه علي بن بحر بن بري، ونصر بن علي، ومحمد بن بشار. سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه؟ فقال: "شيخ". قال عبدالرحمن: سئل أبو زرعة عن معدي بن سليمان؟ فقال: "واهي الحديث، يحدِّث عن ابن عجلان بمناكير".

قلت: لم يرو عن مطير، وإنما روى عن شعيث بن مطير عن مطير. وكأن ما في المطبوع "روى عن... ومطير..." فيحتمل أنها مقحمة في الترجمة من الناسخ، والله أعلم.

وقال الترمذي في ((العلل)) (1/396): وسالت محمداً –يعني البخاري- عن معدي ابن سليمان؟ فقال: "هو بصري، منكر الحديث، ذاهب". قلت: قد صحح الترمذي حديثه.

وقال النسائي: "ضعيف". وقال الشاذكوني: "كان من أفضل الناس، وكان يُعدّ من الأبدال" (تهذيب التهذيب: 10/206).

وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (3/40): "معدي بن سليمان: شيخ من أهل البصرة، يروي عن ابن عجلان. روى عنه بندار وأهل البصرة. كان ممن يروي المقلوبات عن الثقات والملزقات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد".

وقال ابن حجر في ((التقريب)) (ص540): "معدي بن سليمان أبو سليمان، صاحب الطعام: ضعيف، وكان عابداً".

قلت: هو عابدٌ صدوقٌ يخطئ. وحديثه يكتب ويعتبر به. وحديثه الذي نحن بصدده فيه قصة، وأنه لقي شعيثاً، ثم أدخله على أبيه مطير، فهذا مما يبعد الوهم فيه، فضبطه. ومما يدل على أنه ضبطه، قوله في آخر الحديث: "حدثت ست سنين أو سبع سنين "ثم سلم"، وشككت فيه، وهو أكثر حفظي".

وهو حديثٌ حسنٌ إن شاء الله تعالى.

· ترجمة سُليم بن مطير:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (4/130): "سُليم بن مطير، من أهل الوادي: عن أبيه. روى عنه زياد بن نصر".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (4/214): "سُليم بن مطير، من أهل وادي القرى. روى عن أبيه. عن عس العذري أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم صلى. روى عنه هشام بن عمار وابن أبي الحواري وزياد بن نصر الوادي، من أهل وادي القرى. سمعت أبي يقول ذلك. وسألته عنه؟ فقال: "هو أعرابيّ محلّه الصدق".

وقال ابن حبان في ((المجروحين)) (1/354): "سليم بن مطير، من أهل وادي القرى. يروي عن أبيه. روى عنه أهل الشام. منكر الحديث على قلّة روايته. لا يعجبني الاحتجاج بأخباره إذا انفرد بها دون ما وافق الأثبات".

قلت: قد سبق أن ابن حبان ذكر أباه في الثقات. وأبوه لا يروي عنه إلا ابنه هذا! فكيف يكون منكر الحديث؟!

قال ابن حجر في ((التقريب)) (296): "سُليم بن مطير، من أهل وادي القُرى، ليّن الحديث، من الثامنة. د".

وقال في ((تهذيب التهذيب)) (4/147): "وقع ذكره في سند حديث أخرجه البخاري في قصة ثمود من أحاديث الأنبياء، وقد ذكرته في ترجمة زياد بن نصر الراوي عن سليم بن مطير".

قلت: محله الصدق كما قال أبو حاتم، وحديثه ليس بمنكر.

· ترجمة أبي الشَمُوس البَلوي:

قلت: وهذا الذي أشار إليه ابن حجر في قصة ثمود من أحاديث الأنبياء من ((صحيح البخاري)) (3/1236) (باب قول الله تعالى [وإلى ثمود أخاهم صالحاً] [كذب أصحاب الحجر] الحجر موضع ثمود). قال البخاري: "ويُروي عن سبرة بن معبد وأبي الشموس: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإلقاء الطعام".

قال ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (7/509): "أبو الشموس البلوي: صحب النبي صلى الله عليه وسلم، ونزل مصر".

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (9/390): "أبو الشموس البلوي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك. روى زياد بن نصر من أهل وادي القرى عن سليم بن مطير عن أبيه عنه. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في ((الثقات)) (3/453): "أبو الشموس البلوي: يقال: إن له صحبة".

وقال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (4/1689): "أبو الشموس البلوي، له صحبة. شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، وروى عنه حديثاً".

وقال الذهبي في ((الكاشف)) (2/434): "أبو الشموس البلوي، صحابي. علّق له البخاري. عنه مطير في بئر الحجر".

وذكره ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/72) وروى عن بكر بن عبدالوهاب أبي محمد العثماني -شيخ صدوق- قال: حدثنا زياد بن نصر، قال: حدنا سليم بن مطير، عن أبيه، قال: حدثني أبو الشموس البلوي -رضي الله عنه- قال: ((كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلنا على بئر ثمود -أو بئر حجر- وقد استقينا وعجنا، فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهريق المياه، ونطرح العجين، وننفر. وكنت حسيت حيسة لي، فقلت: يا رسول الله، ألقمها راحلتي؟ قال: ألقمها إياها. فأهرقنا المياه وطرحنا العجين، ونفرنا حتى نزلنا على بئر صالح)).

ووقع في مطبوع الآحاد والمثاني: "سليمان بن مطير"! قال المحقق الدكتور باسم الجوابرة: "وفي إسناده سليمان بن مطير، وهو لين الحديث. وأبوه مجهول"!

قلت: الصواب: "سليم"، وهو صدوق، وأبوه ليس بمجهول، بل معروف كما سبق بيانه.

وذكره الطبراني في ((المعجم الكبير)) (22/328): "أبو الشموس البلوي". وروى من طريق بكر بن عبدالوهاب ويعقوب بن حميدن قالا: حدثنا زياد بن نصر، فذكره مختصراً.

وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (6/380): "وأما حديث أبي الشموس، وهو بمعجمة ثم مهملة، وهو بلوي، لا يعرف اسمه، فوصل حديثه البخاري في ((الأدب المفرد))، والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير عن أبيه عنه، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فذكر الحديث".

قلت: هكذا في المطبوع: "الأدب المفرد"! وكأنه سبق قلم من الحافظ ابن حجر –رحمه الله-؛ لأن العيني قال في ((عمدة القاري)) (15/275): "وأبو الشموس، بفتح الشين المعجمة وضم الميم وفي آخره سين مهملة، البلوي، بفتح الباء الموحدة واللام، ولا يعرف له اسم، ووصل حديثه البخاري في  ((الأدب المفرد))، والطبراني وابن منده من طريق سليم بن مطير عن أبيه عنه".

والعيني يأخذ ما عند ابن حجر ويضعه في كتابه، فتابعه على هذا! والصواب: "الكنى المفردة"، وحرف الشين غير موجود في الكنى المطبوع؛ لأنه ساقط من الأصل، وقد أشار المحقق اليماني إلى هذا الحرف في الهامش وذكره.

قال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/207): "أبو الشموس البلوي: قال ابن السكن: له صحبة ورواية، ولا يوقف على اسمه. وقال البغوي: سكن الشام. وقال ابن حبان: يُقال له صحبة. قلت: قد علّق له البخاري حديثاً، ووصله في كتاب ((الكنى المفردة)) ووقع لنا بعلو في المعجم الكبير للطبراني بسند فيه ضعف، وهو من طريق سليم بن مطير عن أبيه عن أبي الشموس البلوي أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم نهى أصحابه عن بئر الحجر، الحديث. قال البغوي: وليس لأبي الشموس غير هذا الحديث، وفي إسناده ضعف".

قلت: بل سنده حسنٌ، ولا بأس به.

وقد ذكر ابن سعد في ((الطبقات الكبرى)) (4/354): "رويفع بن ثابت البلوي، وكان ينـزل الجناب. أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عنه أبو الشموس البلوي، وكان ينـزل حبقا، أسلم وصحب النبي صلى الله عليه وسلم".

وقد ذكر أبو نعيم في ((معجم الصحابة)) (5/2930) في ((ترجمة أبي الشموس))، قال: "روى عبدالله بن محمد بن أبي قنفذ، عن سليم بن مطير، عن أبيه، عن أبي الشموس، قال: صلّى بنا النبيّ صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي في صعيد قزح، فعلمنا مصلاه بعظم وأحجار، فهو المسجد الذي فيه أهل وادي القرى".

· ترجمة عُسّ العذري:

وقد روى هذا الحديث الذي رواه أبو نعيم في ترجمة أبي الشموس، رواه ابن قانع في ((معجم الصحابة)) (1/287) في ترجمة ((سليم بن عس العذري)). قال ابن قانع: حدثنا يحيى بن محمد، قال: حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان، قال: حدثنا محمد بن الحسن المخزومي، قال: حدثني عبدالله بن محمد بن أبي قنفذ، قال: حدثني سليم بن مطير العذري، عن سليم بن عس العذري، قال: ((صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي بصعيد قزح، فعلّمنا مصلاه بأحجار، وهو المسجد الذي يجمع فيه أهل الوادي)).

ثُمّ وجدت ابن حجر ذكره في ((الإصابة)) (3/168)، فقال: "سليم بن عش العذري. روى ابن السكن والباوردي من طريق سليم بن مطير عن أبيه عن سليم بن عش، قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد الذي في صعيد القزح، فعلّمنا مصلاه بحجارة، فهو الذي يجمع فيه أهل البوادي. قال ابن السكن: إسناده مجهول. وذكر الزبير بن بكار في ((أخبار المدينة)) من طريق سليم بن مطير بهذا الإسناد خبراً. واستدركه ابن الدباغ وابن فتحون".

· تصحيف في إسناد:

قلت: أظن أنه وقع تصحيف في هذا الإسناد! فإن سليم بن مطير يروي عن أبيه عن عس العذري، ولا وجود لسليم بن عس العذري! وكأنه وقع خطأ في النسخة المعتمدة، فسبق نظر الناسخ فقال: عن سليم، وتحرفت "عن" إلى "بن" فصار: سليم بن عس العذري، وسقط من مطبوع ابن قانع: "عن أبيه"، والصواب: عن سليم بن مطير عن أبيه عن عس العذري! ويبقى السؤال: هل الحديث لأبي الشموس أم لعس العذري؟ فالله أعلم.

قال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (7/40): "عُسّ العذري: له صحبة. روى عنه مطير أبو شعيث الوادي -يعني من وادي القرى-. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال أيضاً في (8/393): "مطير بن سليم، من أهل الوادي. روى عن ذي اليدين، وذي الزوائد، وأبي الشموس البلوي، وعس العذري. روى عنه ابناه: شعيث وسليم. سمعت أبي يقول ذلك".

وترجمه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/69) في من اسمه ((عنتر))، فقال: "عنتر العذري"، ثم روى عن محمد بن إدريس، قال: حدثنا إسماعيل بن الحكم بن إبراهيم، قال: سمعت زياد بن نصر، يحدِّث عن سليم بن مطير، عن أبيه، عن عنتر العذري -رضي الله عنه-: ((أنه استقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً بوادي القرى، فاستقطعه إياه، وهي تسمى إلى اليوم بوير تويرة عنترة (كذا في المطبوع؟ والصواب: بويرة عنتر). قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزل تبوك صلّى في مسجد وادي القرى)).

وذكره ابن قانع في ((معجم الصحابة)) (2/284): ((عنتر العذري))، وساق له هذه الرواية عن محمد بن صاعد عن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، مثله.

وذكره أبو نعيم في ((معجم الصحابة)) (4/2242): ((عُتير العذري))، وساق من طريق بكر بن عبدالوهاب، عن زياد بن نصر، عن سليم بن مطير، عن أبيه، عن عتير العذري، وفيه: ((فهي اليوم تسمى بُويْرَة عُتَير)).

وذكره ابن ماكولا في ((الإكمال)) (6/103) في باب ((عَنتر))، قال: "وأما عَنْتَر، بفتح العين المهملة وسكون النون وفتح التاء المعجمة باثنتين من فوقها، فهو عنتر العذري، له صحبة. روى حديثه أبو حاتم الرازي. يُقال إنه تفرد به. قال عبدالغني بن سعيد: قيل: عس العذري –بالسين غير المعجمة-؛ وقيل: إنه أصح من عنتر، بالنون والتاء".

وقال العسكري في ((تصحيفات المحدثين)) (2/757): "عبثر العذري، وفيه خلاف. وقد قيل: عتير، العين مضمومة وفوق التاء نقطتان، ووجدته في كتاب بعض العلماء: عس، بسين غير معجمة. روى عنه مطير أبو شعيث الوادي".

وقال ابن عبدالبر في ((الاستيعاب)) (3/1239): "عُس العذري: مذكور في الصحابة. روى عنه مطير أبو شعيث الوادي، من وادي القرى". ثُم قال في (3/1246): "عُنيز العذري. ويقال: الغفاري. أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضاً بوادي القرى، فهي تُنسب إليه، وسكنها إلى أن مات. ويقال في هذا عُس، وقد ذكرناه".

قلت: قوله "الغفاري" خطأ! والغفاري آخر هو: عَبْس الغفاري، ذكره ابن أبي حاتم عقب عُسّ العذري.

وقال ابن نقطة في ((تكملة الإكمال)) (4/279): "وعتير العذري، له صحبة. حديثه عند مطير أبي سليم. كذلك رأيته مضبوطاً في خط أبي نعيم".

وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (5/311): "عنتر بنون ومثناة، وزن جعفر، هو العذري. له حديث استدركه ابن الأثير ونسبه ابن أبي حاتم الرازي، ثم نقل عن عبدالغني ابن سعيد أنه صوب أنه عس بمهملتين الأولى مضمومة، كما تقدم. قلت: وتقدم أيضاً في عثير بعد العين مثلثة وآخره راء مصغراً، وقاله أبو عمر بنون وزاي مصغراً أيضاً، والذي عند الأكثر بمثلثة ثم راء".

وقال أيضاً في ((الإصابة)) (4/498): "عُسّ، بضم أوله وتشديد المهملة، العذري: ذكره ابن أبي حاتم، وقال: له صحبة. وروى من طريق زياد بن نصر، عن سليم ابن مطير، عن أبيه، عن عس العذري: أنه استقطع النبي صلى الله عليه وسلم أرضاً بوادي القرى، فأقطعه إياها، فهي إلى اليوم تسمى بويرة عس. وقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم غزا تبوك فصلى في مسجد وادي القرى. وأخرجه ابن منده من هذا الوجه. وقال ابن الجارود: اختلف في اسمه، وعس أصح. وذكره البرديجي في ((الأسماء المفردة)) لكنه ضبطه بالشين المعجمة، وكذا ذكره ابن ماكولا، يقال: هو شاعر جاهلي، وهو عش بن لبيد بن عداء بن أمية بن عبدالله بن رزاح من بني عذرة، وظاهر صنيعه أنه غير الصحابي. فعند المستغفري أنه عثير بمثلثة مصغراً، وعند غيره أنه بالمثناة، كذلك تقدم في عتير، والراجح أنه غير هذا كما أشرت إليه هناك، وعند عبد الغني أنه بفتح أوله وسكون النون بعدها مثناة، وعند ابن عبد البر أنه بنون وزاي مصغراً، والله أعلم".

قلت: قال البرديجي في ((الأسماء المفردة)) (ص45): "عش العذري بالشام". وقال أيضاً (ص73): "عثير: روى عنه سليمان بن عبدالرحمن الأزدي. سكتوا عنه". وكلاهما خطأ! قال ابن ماكولا في ((الإكمال)): (6/105): "وأما عُتَير، بضم الميم وبالتاء المفتوحة المعجمة باثنتين من فوقها وبعدها ياء معجمة باثنتين من تحتها، فهو عتير البدوي، له صحبة ورواية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. روى عنه سليمان بن عبدالرحمن الأزدي. وقاله المستغفري بثاء معجمة بثلاث".

قلت: فتبيّن أن المستغفري أراد هذا، لا عنتر العذري كما أوهم ابن حجر في ترجمة ((عس العذري)).

وقال ابن ماكولا في (6/107): "وأما عُش، بضم العين المهملة وبالشين المعجمة المشددة، فهو عش بن لبيد بن عداء بن أمية بن عبدالله بن رزاح بن ربيعة بن حرام بن ضنة بن سعد بن هزيم بن أسلم بن الحاف بن قضاعة، شاعر جاهلي. ومن ولده: حريث وعاطف ابنا سليم بن عش".

وقد استبعد المعلمي اليماني أثناء تعليقه على ((الإكمال)) (6/108) أن يكون سليم ابن عش هذا هو الوارد في حديث سليم بن مطير عن أبيه عن سليم بن عش السابق، فقال: "فخبر المسجد قد روي عن سليم بن مطير عن أبيه. ففي رواية عنه عن عس العذري، وفي أخرى: عنه عن سليم بن عش العذري، فلا يبعد أن يكون والد سليم هو ذاك الذي قيل فيه (عس) وقيل (عنتر) إلى غير ذلك".

قلت: قد بيّنت أنه وقع تصحيف فيه، ولا وجود لسليم بن عس أو سليم بن عش العذري، وإنما هو: عس العذري.

والخلاف في اسم هذا الصحابي شديد! وكلّ هذا الاختلاف ناشئ من التصحيف، فـ (عس)، و (عش)، و (عنتر)، و (عتير)، و (عثير)، كلها قريبة في الرسم، وأنا أميل إلى أن الصواب ما ذكره ابن ماكولا: ((عَنْتر العذري))، فكأنه تصحف على أبي حاتم فقال: ((عس العذري))، والله تعالى أعلم.

· ترجمة زياد بن نصر:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/377): "زياد بن نصر، من أهل وادي القرى، قال: حدّثنا سليم بن مطير. سمع منه عبدالرحمن بن شيبة".

وقال ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (4/20): "روى البخاري في ((الكنى المفرد)) عن عبدالرحمن بن شيبة، عن زياد بن نصر -من أهل وادي القرى- قال: حدثنا رجلٌ من أهل بلادنا، يقال له: سليم بن مطير، عن أبيه، عن أبي الشموس البلوي، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نزلنا على بئر ثمود فعجنا واستقينا)).

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (3/548): "زياد بن نصر الوادي، من أهل وادي القرى. روى عن سليم بن مطير. روى عنه بكر بن عبدالوهاب وإسماعيل بن الحكم بن إبراهيم مولى عثمان بن عفان -رضي الله عنه- من أهل وادي القرى". قال عبدالرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: "أدركته، وكان يسكن وادي القرى". قلت: ما حاله؟ قال: "هو شيخٌ".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6/330)، فقال: "زياد بن نصر، من أهل وادي القرى. يروي عن سليم بن مطير. روى عنه عبدالرحمن بن شيبة".

وقال البرذعي كما في ((سؤالاته)) (ص685): سمعت أبا زرعة يقول: حدثني عبدالرحمن بن عبدالملك قال: أخبرني زياد بن نصر الوادي: كان قدرياً".

قلت: هو صدوقٌ إن شاء الله.

· ترجمة محمّد بن يسار:

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/268): محمّد بن يسار: سمع سليمان أو سليم ابن مطير. قاله ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب: سمع محمداً".

وروى حديثه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (3/265) عن أحمد بن محمد، قال: أخبرنا عبدالله - هو ابن المبارك - قال: أخبرنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثني محمد بن يسار، قال: حدثني سليمان بن مطير: سمعت رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالسويداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال البخاري: "سليم أصح". أي أصح من سليمان.

وقال ابن أبي حاتم في ((الجرح والتعديل)) (8/130): "محمد بن يسار: روى عن سليم بن مطير. روى عنه سعيد بن أبي أيوب. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (9/35)، فقال: "محمد بن يسار: شيخٌ يروي عن سليم بن مطير. روى عنه سعيد بن أبي أيوب".

قلت: هو صدوقٌ إن شاء الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

 

الهوامش:

[1] وحديث هشام بن عمار أخرجه ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (5/118) عنه. والحديث ضعّفه الشيخ الألباني في ((ضعيف سنن أبي داود)) رقم (633) و (634). وقال الدكتور باسم الجوابرة محقق ((الآحاد والمثاني)): "إسناد الحديث ضعيف. مطير مجهول، وسليم لين الحديث".

[2] تهذيب الكمال: (28/90). وتبعه على ذلك الحافظ الذهبي، فقال في ((الكاشف)) (2/271): "مطير بن سليم عن ذي الزوائد. وعنه ابناه سليم وشعيث. لم يصح حديثه".

[3] الكامل: (6/398). وذكر أيضاً (3/120): "ذو اليدين: له صحبة. قال البخاري، لا يصح حديثه".

 

وكتب خالد الحايك

 

29 ذو الحجة 1428هـ.

شاركنا تعليقك