الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الدُّر المُنضّد» في بيان نَكارة لفظة «شَجَرِ الغَرْقَد»!

«الدُّر المُنضّد» في بيان نَكارة لفظة «شَجَرِ الغَرْقَد»!

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، وصلى الله وسلم على نبيه الأمين خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإنَّ حديث قتال اليهود في آخر الزمان حديث صحيح، ويُروى عن عدد من الصحابة - رضي الله عنهم -، وقد اتفقت الأحاديث على أن اليهودي يختبئ وراء الحجر، فينطق الحجر بأن هناك يهودي خلفه ليقتله المسلم.

وجاء في بعض الروايات من حديث أبي هريرة زيادة أن اليهودي يختبئ أيضاً وراء الشجر، فينادي المسلم ليأتي ويقتل اليهودي، إلا شجر الغَرقد، فإنه من شجر اليهود.

وسأخرِّج هذه الروايات وأفصّل فيها إن شاء الله تعالى.

الحديث رواه ابن عمر، وأبو هريرة، وعبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم -.

·       حديث ابن عمر:

أما حديث ابن عمر: فرواه عنه سالم ابنه، ونافع مولاه.

أما حديث سالم:

فرواه مَعْمَرٌ في «جامعه» [المطبوع مع «مصنف عبدالرزاق» (11/399) (20837)]. [ورواه أحمد في «مسنده» (10/433) (6366) عن عَبْدالرَّزَّاقِ، عن مَعْمَر. ورواه الترمذي في «جامعه» (4/78) (2236) عن عَبْد بن حُمَيْدٍ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ. والبغوي في «شرح السنة» (4246) من طريق إِسْحَاق الدَّبَرِيّ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ].

وأحمد في «مسنده» (10/225) (6032)، والبخاري في «صحيحه» (4/197) (3593) عن أَبي اليَمَانِ الحَكَم بن نَافِعٍ، عن شُعَيْب بن أبي حمزة. [ورواه البيهقي في «البعث والنشور» (52) من طريق أبي اليمان].

ومسلم في «صحيحه» (4/2239) (2921) عن حَرْمَلَة بن يَحْيَى، عن ابن وَهْبٍ، عن يُونُس بن يزيد الأيليّ. [ورواه ابن حبان في «صحيحه» (15/217) (6806) عن ابن قُتَيْبَةَ، عن حَرْمَلَة بن يَحْيَى].

وأحمد في «مسنده» (10/328) (6186) عن يَعْقُوب بن إبراهيم بن سعد، عن أَبِيه، عَنْ صَالِح بن كيسان.

وأحمد في «مسنده» (10/292) (6147) عن يَعْقُوب بن إبراهيم، عن محمد بن عبدالله بن مسلم ابن أَخِي ابنِ شِهَابٍ.

وابن بشران في «فوائده» (ص: 235) (128) من طريق يَحْيَى بن عَبْدِاللَّهِ بنِ بُكَيْرٍ، عن اللَّيْث بن سعد، عَنْ عُقَيْل بن خالدٍ الأيلي.

كلهم (مَعمر، وشعيب، ويونس، وصالح، وابن أخي ابن شهاب، وعقيل) عَنِ الزُّهْرِيِّ.

ورواه مسلم في «صحيحه» (4/2238) (2921) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (9/393) (5523) عن حُسَيْن بن عليّ بن الْأَسْوَدِ العجليّ.

كلاهما (ابن أبي شيبة، وحسين) عن أَبي أُسَامَةَ حَمَّاد بن أُسامة، عن عُمَر بن حَمْزَةَ العُمري.

كلاهما (الزهري، وعمر بن حمزة) عَنْ سَالِم بن عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيُّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ».

قال الترمذي: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ".

وقال البغوي: "هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُحَمَّدٌ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ حَرْمَلَةَ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ".

·       رواية منكرة عن سالم!

وروى أحمد في «مسنده» (9/255) (5353) عن أَحْمَد بن عَبْدِالمَلِكِ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (12/307) (13197) من طريق أَبي الْأَصْبَغِ عَبْدالعَزِيزِ بنِ يَحْيَى الحَرَّانِيّ.

كلاهما عن مُحَمَّد بن سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَنْزِلُ الدَّجَّالُ فِي هَذِهِ السَّبَخَةِ بِمَرِّقَنَاةَ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ مَنْ يَخْرُجُ إِلَيْهِ النِّسَاءُ، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَرْجِعُ إِلَى حَمِيمِهِ وَإِلَى أُمِّهِ وَابْنَتِهِ وَأُخْتِهِ وَعَمَّتِهِ، فَيُوثِقُهَا رِبَاطًا، مَخَافَةَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ، ثُمَّ يُسَلِّطُ اللهُ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ، فَيَقْتُلُونَهُ وَيَقْتُلُونَ شِيعَتَهُ، حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ، لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ».

قلت: لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ سَالِم بنِ عبدِالله بهذا اللفظ إِلا مُحَمَّدُ بنُ طَلْحَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ.

ومحمد بن طلحة ثقة، ولا تُعرف له رواية عن سالم إلا من رواية ابن إسحاق! وابن إسحاق مُدلّس، وعنده اضطراب، ولا يُحتج بما انفرد به!

وهذا اللفظ منكر عن سالم بن عبدالله، وقد تقدم اللفظ الصحيح عنه.

وقد أشار ابن حجر في «الفتح» (6/610) لرواية ابن إسحاق هذه، ولم يتكلّم عليها! ولم يُبيّن أنها من رواية ابن إسحاق! فقال: "فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ: يَنْزِلُ الدَّجَّالُ هَذِهِ السَّبْخَةَ...".

أما حديث نافع مولى ابن عمر:

فرواه البخاري في «صحيحه» (4/42) (2925) عن إِسْحَاق بن مُحَمَّدٍ الفَرْوِيّ، عن مَالِك. [ومن طريق إسحاق الفروي عن مالك أخرجه البيهقيُّ في «السنن الكبرى» (18/576) (18630)].

ومسلمٌ في «صحيحه» (4/2238) (2921) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن مُحَمَّد بن بِشْرٍ العَبديّ. وعن مُحَمَّد بن المُثَنَّى، وعُبَيْداللهِ بن سَعِيدٍ، كلاهما عن يَحْيَى القطان. والبزار في «مسنده» (12/78) (5527) عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى، عن يَحْيَى، وعَبدالوَهَّاب بن عبدالمجيد الثقفيّ. ثلاثتهم (محمد بن بشر، ويحيى، وعبدالوهاب) عَن عُبَيداللَّهِ بن عمر العُمري.

والبزار في «مسنده» (12/78) (5528) عن الفَضْل بن سَهْل، عن يَعْقُوب بنِ إِبْرَاهِيمَ بن سعد الزّهريّ، عَن أَبِيه، عَن صَالِحِ بنِ كَيْسان.

ثلاثتهم (مالك، وعُبيدالله، وصالح) عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تُقَاتِلُونَ اليَهُودَ، حَتَّى يَخْتَبِيَ أَحَدُهُمْ وَرَاءَ الحَجَرِ، فَيَقُولُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ».

·       لفظة شاذة في رواية عن عبدالوهاب!

وروى الداني في «السنن الواردة في الفتن» (4/870) (449) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو القاسم الحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ دَاوُدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ أَبِي خَيْرَةَ السَّدُوسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ حَجَرٍ فَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي».

قلت: سبقت رواية البزار عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى، عن عَبدالوَهَّاب الثقفيّ دون ذكر لفظ «والنصارى»!

ومُحمَّد بن هشام بن أبي خَيْرَة السَّدُوسِيّ بَصْري سكن مِصْر، وهو لا بأس به، من أهل الصدق، ولا أدري هل الخطأ هنا منه أم من عبدالوهاب نفسه! لأن عبدالوهاب تغيّر قبل موته بثلاث سنين!

ومحمد بن المثنى أبو موسى البصري المعروف بالزَّمِن ثقة ثبت، وهو أوثق من محمد بن هشام.

*فائدة:

قال ابن حجر في «الفتح» (6/103): "وهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ مَالِكٌ خَارِجَ المُوَطَّأ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ إِسْحَاقُ المَذْكُورُ بَلْ تَابعه ابن وَهْبٍ، وَمَعْنُ بنُ عِيسَى، وَسَعِيدُ بنُ دَاوُدَ، وَالوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، أَخْرَجَهَا الدَّارَقُطْنِيُّ فِي «غَرَائِبِ مَالك». وَأخرج الْإِسْمَاعِيلِيّ طَرِيق ابن وَهْبٍ فَقَطْ".

فالحديث رواه سالم ونافع عن ابن عمر، فذكرا «الحجر» فقط، ولم يذكرا «الشجر»!

·       حديث أبي هريرة:

أما حديث أبي هريرة: فرواه عنه: أَبِو زُرْعَةَ بن عَمرو بن جَرير، وعَبْدالرَّحْمَنِ بن هُرمز الْأَعْرَج، وأبو صالحٍ السمّان ذكوان.

أما حديث أبي زُرعة:

فرواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/233) (190) عن جَرِير، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا اليَهُودَ، حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ وَرَاءَهُ اليَهُودِيُّ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ».

رواه البخاري في «صحيحه» (4/42) (2926)، والبيهقي في «البعث والنشور» (ص: 184) (213) من طريق أحمد بن سهل بن بحر، كلاهما عن إِسْحَاق بن رَاهويه، به.

وأما حديث الْأَعْرَجِ:

فرواه أحمد في «مسنده» (15/90) (9172) عن مُعَاوِيَة بن عمرو الأزدي، عن زَائِدَة بن قُدامة.

ورواه أيضاً (16/499) (10857) عن عَلِيّ بن حفص المدائنيّ، عن وَرْقَاء بن عمر اليشكريّ.

والطبراني في «مسند الشاميين» (4/267) من طريق أَبي اليَمَانِ، عن شُعَيْب بن أَبِي حَمْزَةَ.

والداني في «السنن الواردة في الفتن» (4/869) (446) من طريق أَسَد بنِ مُوسَى، عن ابن أَبِي الزِّنَادِ.

كلهم (زائدة، وورقاء، وشعيب، وابن أبي الزناد) عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَبْداللهِ بن ذَكْوَانَ.

ورواه البيهقي في «البعث والنشور» (ص: 184) (212) من طريق محمد بن يحيى الذهلي، وأحمد بن محمد بن الصباح الدولابيّ، كلاهما عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهريّ، عن أبيه، عن صالح بن كَيسان المدنيّ.

كلاهما (أبو الزّناد، وصالح بن كيسان) عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ الْحَجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ يَخْتَبِئُ وَرَائِي، تَعَالَ فَاقْتُلْهُ».

وأما حديث أبي صالحٍ السمّان:

فرواه أحمد في «مسنده» (15/232) (9398)، ومسلمٌ في «صحيحه» (4/2239) (2922). والمستغفري في «دلائل النبوة» (1/298) (157) من طريق محمد بن إسحاق الثقفي السرّاج.

ثلاثتهم (أحمد، ومسلم، والثقفي) عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ البَغْلَانِيّ.

ورواه الخطيب في «تاريخ بغداد» (8/113) من طريق عَمْرو بن سَوَّادِ بْنِ الأَسْوَدِ القُرَشِيّ، وأَحْمَد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبِ بْنِ مُسْلِمٍ القُرَشِيّ، كلاهما عن عَبْداللَّهِ بن وَهْبٍ.

كلاهما (قتيبة، وابن وهب) عن يَعْقُوب بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الإسكندرانيّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ».

وفي رواية الثقفي: «من وراء الحجر أو الشجر، فيقول الحجر أو الشجر».

ورواه الداني في «السنن الواردة في الفتن» (4/869) من طريق مسلم، وفيه: «فَيَقُولُ الحَجَرُ والشَّجَرُ».

وفي رواية ابن وهب: «وَرَاءَ الْحَجَرِ، أَوِ الشَّجَرَةِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ».

قلت: لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أبي صالح إِلَّا سهيل، تَفَرَّدَ بِهِ: يعقوب!

·       شذوذ ذكر «الشجر» و«شجر الغَرقد» في الحديث!

وهذا الحديث فيه زيادة: «أَوِ الشَّجَرُ... إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ»! وهذه زيادة منكرة! فالحديث رواه أبو زُرعة بن عمرو، والأعرج عن أبي هريرة، ولم يذكرا هذا، وإنما ذكرا «الحجر» فقط، وكذا في رواية ابن عمر ذكر «الحجر» فقط، وعليه فهذه الزيادة شاذة منكرة!

ولم يثبت أن أبا صالح السمان حدّث بهذا الحديث عن أبي هريرة! ولم يثبت أيضاً أن ابنه سهيلاً رواه إلا من هذه الطريق! تفرد به يعقوب عنه! وتفرده غريب جداً! فلم يروه أحد من أهل المدينة عن سهيل! وحدّث به يعقوب في مصر، وهو مدني ثقة، نزل الإسكندرية، ومات بها.

فإن ثبت أن سهيلاً حدّث به عن أبيه، فهو كان - رحمه الله - قد تغيّر حفظه بسبب مرض أصابه لما فقد أخاً له، فنسي بعض حديثه، وكان يتفرد عن أبيه ببعض المنكرات، وبعض الروايات الشاذة! فلا يُقبل ما تفرد به سيما والرواية عن أبي هريرة في هذا الحديث ثابتة دون ذكر هذه الزيادة الشاذة.

والذي أميل إليه أن سهيلاً لا علاقة له بالحديث، ولا أظنه رواه عن أبيه! والمشكلة في تفرد يعقوب عنه!

وعلى كل حال، فهذه الزيادة مردودة؛ لأن المحفوظ عن أبي هريرة دونها، فكيف إذا وافق المحفوظ عن أبي هريرة ما هو محفوظ عن ابن عمر كذلك في ذكر «الحجر» فقط.

وعلى مقتضى قواعد أهل النقد والعلل فهذه زيادة شاذة مردوة.

·       تخريج مسلمٌ لهذه الرواية في «صحيحه»!

ولعل قائل يقول: كيف تكون هذه شاذة مردودة وقد أخرجها الإمام مسلم في «صحيحه»؟ وعبر مئات السنين نسمع هذا الحديث، ولم نجد من تكلّم عليه؟!

فأقول:

أولاً: الفيصل بيننا هو منهج الأئمة النقاد، فقد سبق بيان تخريج روايات الحديث، وأن هذه الزيادة شاذة على منهج أهل العلل.

وهذه الزيادة ليست من باب زيادة الثقة - وإن كانت زيادة الثقة ليست مقبولة دائماً -، وإنما هي من زيادة من لا يُقبل تفرده وهو سهيل إن كان هو حدّث بهذا الحديث أصلاً!

ثانياً: على رأي من يقول بأن الإمام مسلماً إذا أراد بيان العلة في «صحيحه» فإنه يوردها في آخر الباب، فهذا منها، فإنه ساق أولاً حديث نافع عن ابن عمر، ثم حديث سالم عن ابن عمر، ثم ختم الباب بحديث سهيل هذا!

فالظاهر أن مُسلماً أراد بيان شذوذ هذه الزيادة، ولهذا أخّرها إلى آخر الباب، ويصعب أن يكون أراد تصحيحها، وهو أورد حديث ابن عمر بكل طرقه وليس فيه هذه الزيادة!

·       ما يرويه يعقوب بن عبدالرحمن عن سهيل!

وقد نظرت في حديث يعقوب بن عبدالرحمن عن سهيل، فوجدته يُتابع في بعض ما يرويه عن سهيل، يتابعه أهل المدينة كمالك، وسليمان بن بلال، وعَبْدالعَزِيزِ بن عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ المَاجِشُون، وغيرهم.

ووجدته يتفرد عن سهيل بأحاديث لم يتابعه عليها أحد من أهل المدينة، حدّث بها في مصر.

كالحديث الذي أخرجه مسلم في «صحيحه» (1/294) (392)، وأحمد في «مسنده» (15/234) (9402) قالا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ -، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا خَفَضَ وَرَفَعَ»، وَيُحَدِّثُ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ».

وكذا ما رواه مسلم في «صحيحه» (4/2233) (2912) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ -، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ، قَوْمًا وُجُوهُهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ يَلْبَسُونَ الشَّعَرَ، وَيَمْشُونَ فِي الشَّعَرِ».

قلت: هذان الحديثان لا يُعرفان عن سهيل عن أبيه إلا من طريق يعقوب! وقد وردا من طرق أخرى من حديث أبي هريرة.

ولا نعرف أن سهيلاً خصّ يعقوب بن عبدالرحمن بأحاديث! فالظاهر أنه لما نزل مصر حصل له وهم في روايته، والله أعلم.

فإن ثبت أن سهيلاً روى هذه الأحاديث، فتكون العهدة فيها عليه! فقد تفرد عن أبيه بأحاديث لم يروها عن أبي صالح إلا هو، ولا يُحتج بما انفرد به.

·       متى يُقبل تفرد سهيل بالحديث؟

وإنما يُقبل من حديثه ما يُتابع عليه، ويمكن قبول ما ينفرد به عن أبيه إذا كان هناك قرينة تدلّ على أنه حفظ ذلك الحديث عنه، كالحديث الذي رواه مسلم في «صحيحه» (4/2030) (2637) قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ».

قال مسلم: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ - يَعْنِي ابْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ الْقَارِيَّ، وَقَالَ قُتَيْبَةُ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ - يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ. [ح].

وَحَدَّثَنَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْثَرٌ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. [ح].

وحَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مَالِكٌ - وَهُوَ ابْنُ أَنَسٍ -، كُلُّهُمْ عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّ حَدِيثَ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْبُغْضِ.

قال مسلم: حَدَّثَنِي عَمْرٌو النَّاقِدُ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بنَ عَبْدِالعَزِيزِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَ بِمِثْلِ حَدِيثِ جَرِيرٍ، عَنْ سُهَيْلٍ.

قلت: فذكر سهيل لهذه القصة في الحج تدلّ على ضبطه لهذا الحديث من أبيه، ولا يُنكر تفرده به هنا؛ لأن تحديث أبيه به كان لهذا السبب الذي ذكره في هذه القصة، فضبطه هو عن أبيه.

وكذلك الحديث الذي رواه مسلمٌ أيضًا في «صحيحه» (4/1707) (2167) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ - يَعْنِي الدَّرَاوَرْدِيَّ -، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ».

قال: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ. [ح].

وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ. [ح].

وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، كُلُّهُمْ، عَنْ سُهَيْلٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَفِي حَدِيثِ وَكِيعٍ: «إِذَا لَقِيتُمُ الْيَهُودَ»، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: «فِي أَهْلِ الْكِتَابِ»، وَفِي حَدِيثِ جَرِيرٍ: «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ»، وَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا مِنَ المُشْرِكِينَ.

وهذا الحديث له قصة:

رواه أبو داود في «سننه» (7/497) (5205) قال: حدَّثنا حفصُ بنُ عُمَرَ، قال: حدَّثنا شُعبةُ، عن سهيل بن أبي صَالحٍ، قال: خرجتُ مع أبي إلى الشّامِ، فجعلوا يمرُّونَ بصوامِعَ فيها نصارى فيسلِّمُونَ عليهم، فقال أبي: «لا تبدؤوهم بالسَّلامِ»، فإن أبا هريرة حدَّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تبدؤُوهُم بالسَّلامِ، وإذا لقيتُمُوهم في الطَّرِيقِ فاضطرُّوهُم إلى أضيقِ الطرِيقِ».

فهذه القصة تدلّ على ضبط سهيل للحديث؛ لأنها حصلت أمامه، وهذا سبب تحديث أبي صالح لهذا الحديث عن أبي هريرة.

فمثل هذه القصص التي تدلّ على ضبط الرواية من مثل سهيل، ولا يُنكر هنا التفرد؛ لأن أبا صالح إنما حدّث بالحديث هنا، وفي الحديث السابق لمناسبة حصلت، ولو لم تحصل القصة ربما لم يُحدّث بهذا أو ذاك.

ومما يدلّ أيضاً على ضبط سهيل لروايته ما جاء عند أحمد في «مسنده» (13/14) (7567) من طريق زُهَيْر بن معاوية الجعفيّ، قال: حَدَّثَنَا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طَرِيقٍ، فَلَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ، وَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقِهَا».

قَالَ زُهَيْرٌ: فَقُلْتُ لِسُهَيْلٍ: اليَهُودُ وَالنَّصَارَى؟ فَقَالَ: "المُشْرِكُونَ".

فجواب سهيل يدلّ على ضبطه، وأن الحديث في عموم المشركين لا في اليهود والنصارى فقط، وإنما هذا في كلّ مشرك.

وكالحديث الذي رواه مسلمٌ أيضاً في «صحيحه» (1/74) (55) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ الْمَكِّيُّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: قُلْتُ لِسُهَيْلٍ: إِنَّ عَمْرًا حَدَّثَنَا عَنِ القَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ، - قَالَ: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنِّي رَجُلًا -، قَالَ: فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي كَانَ صَدِيقًا لَهُ بِالشَّامِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

قال: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، قال: حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.

وَحَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامَ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ - يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ -، قال: حَدَّثَنَا رَوْحٌ - وَهُوَ: ابْنُ الْقَاسِمِ -، قال: حَدَّثَنَا سُهَيْلٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، سَمِعَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَبَا صَالِحٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.

وهذا الحديث رواه جماعة عَنْ سُهَيْلٍ، منهم: الثَّوْرِيُّ، وابن عُيينة، وزُهَيْرٌ، وَجَرِيرٌ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَالضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، وَابْنُ أَبِي حَازِمٍ، وَسُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، وَخَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ، وَعُبَيْدُاللهِ الْوَازِعُ، وَرَوْحُ بْنُ القَاسِمِ، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ومالك بن أنس، ووهيب، ومحمد بن جعفر غُندر.

وما ذكره سهيل لابن عيينة عندما سأله عن الحديث وإخباره له بأنه سمعه من الذي حدّث والده يدلّ على ضبطه له، وله قصة تدلّ على ذلك أيضاً.

روى محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/684) (750) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قال: أخبرنا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا يَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّى اللَّهُ أَمَرَكُمْ».

قَالَ سُهَيْلٌ: فَحَدَّثَنَا عِنْدَ ذَلِكَ عَطَاءُ بنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ تَمِيمًا الدَّارِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةَ إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةَ» ثَلَاثًا، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرُسُلِهِ، وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ» أَوْ قَالَ: «أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ محمد بن نصر المروزي: "وَحَدِيثُ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ غَلَطٌ، إِنَّمَا حَدَّثَ أَبُو صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْحَدِيثِ: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا» وَعَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ حَاضِرٌ ذَلِكَ، فَحَدَّثَهُمْ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ»".

قلت: فهذا يدلّ على أن أبا صالح وعطاء كانا في مجلس فحدّث أبو صالح بحديث «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا»، ثم حدثهم عطاء بحديث النصيحة عن تميم الداري.

فكلا الحديثين صحيحين، ولهذا أخرجهما مسلم، وكان مسلم - رحمه الله – يحرص على تخريج بعض الأحاديث لسهيل مما فيه قصة مما يدل على ضبطه لما يُحدث به، على أنه أخرج له بعض الأحاديث التي انفرد بها، والأصل أنه لا يُحتج بنا انفرد به! وهو يحتاج لمتابع إلا الأحاديث التي تدل على أنه حفظها.

وقد أخرج في «صحيحه» (3/1340) (1715) قال: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ».

قال: وحَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ، قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سُهَيْلٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: وَيَسْخَطُ لَكُمْ ثَلَاثًا، وَلَمْ يَذْكُرْ: وَلَا تَفَرَّقُوا.

وهذا الحديث حفظه سهيل أيضاً كما مر آنفاً.

وقد بيّن محمد بن نصر وهم ابن عجلان في الحديث السابق عندما سلك فيه الجادة: "أبو صالح عن أبي هريرة"!

قال ابن حجر في «تغليق التعليق» (2/57): "قد كشف مُحَمَّد بن نصر عَن علته وَأَن ابْن عجلَان دخل عَلَيْهِ إِسْنَاد فِي إِسْنَاد، وَقد أَخطَأ فِيهِ ابْن عجلَان خطأ آخر رَوَاهُ اللَّيْث بن سعد عَنهُ عَن زيد بن أسلم، وَعَن الْقَعْقَاع عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة، أخرجه النَّسَائِيّ من طَرِيقه. وَزيد بن أسلم إِنَّمَا رَوَاهُ عَن ابْن عمر. والقعقاع إِنَّمَا رَوَاهُ عَن أبي صَالح عَن عَطاء بن يزِيد عَن تَمِيم... وَقد أَخطَأ فِيهِ غير وَاحِد على سُهَيْل عَن ابْن عجلَان، وَيجوز أَن يكون الْخَطَأ من سُهَيْل؛ لِأَنَّهُ تغير حفظه فِي الآخر".

ثم قال: "وَذكر ابْن الجَارُود أَن قَول من قَالَ عَن سُهَيْل عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة خطأ. قلت: وَيظْهر لي أَن الْوَهم فِيهِ من سُهَيْل كَمَا قَدمته".

قلت: الخطأ ليس من سهيل، ولم يختلط بأخرة، وقد تتبعت روايات هذا الحديث فوجدت أن الخطأ ليس منه، وإنما ممن روى هذا الحديث فسلك فيه الجادة، أو دخل له حديث في حديث.

وثمة أمر مهم هنا نُنبه عليه، وهو وقوع البخاري، ويعقوب بن سفيان، والطحاوي، في وهم عجيب في هذا الحديث!!

روى البخاري في «التاريخ الأوسط» (2/35) (1694)، وفي «التاريخ الكبير» (6/460) قال: حَدثنَا الحميدِي قَالَ: حَدثنَا ابن عُيَيْنَة قَالَ: حَدثنَا عمرو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.

قلت: هكذا ساق البخاري هذه الرواية عن ابن عيينة مرسلة، لم يذكر فيها بعد أبي صالح أحداً! ويكأنه يرى أن رواية سهيل عن عطاء عن تميم خطأ!

وقد نصّ يعقوب بن سفيان على أن هذه الرواية مرسلة!

قال في «المعرفة والتاريخ» (2/706): وقَالَ سُفْيَانُ فِي حَدِيثِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنَا أَوَّلًا عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ مُرْسَلًا، فَلَقِيتُ سُهَيْلًا فَقُلْتُ: لَوْ سَأَلْتُهُ عَنْهُ لَعَلَّهُ يُحَدِّثَنِيهِ عَنْ أَبِيهِ فَأَكُونَ أَنَا وَعَمْرٌو فِيهِ سَوَاءً. فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي أَخْبَرَنِيهِ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ صَدِيقٌ كَانَ لِأَبِي مِنْ أَهْلِ الشَّامِ.

وقال الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4/76) (1444) حَدَّثَنَا بَكَّارُ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَذْكُرَ فِيهِ مَنْ بَعْدَ أَبِي صَالِحٍ أَحد يُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قلت: فالبخاري ويعقوب والطحاوي - رحمهم الله - أخذوا ما قاله ابن عيينة مختصراً، فظنّوا أن رواية عمرو بن دينار مرسلة! وليس كذلك، بل هي موصولة.

أخرج الحُميدي في «مسنده» (2/85) (859) قَالَ: حدثنا سُفْيَانُ، قَالَ: حدثنا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ صَدِيقًا كَانَ لِأَبِي مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ، الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ، وَلَنَبِيِّهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِعَامَّتِهِمْ».

قَالَ سُفْيَانُ: وَكَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنَاهُ أَوَّلًا، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: فَلَمَّا لَقِيتُ سُهَيْلًا، قُلْتُ: لَوْ سَأَلْتُهُ لَعَلَّهُ يُحَدِّثُنِيهِ عَنْ أَبِيهِ فَأَكُونَ أَنَا وَعَمْرٌو فِيهِ سَوَاءً، فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ مِنْهُ أَبِي، أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ.

قلت: فظاهر كلام سفيان أن عمراً حدثه بالحديث عن القعقاع عن أبي صالح، عن عطاء، عن تميم، لكن اختصار سفيان للإسناد جعلهما يظنان أنه سمعه هكذا ليس بعد أبي صالح أحد!

ولو كانت الرواية مرسلة لما احتاج ابن عيينة أن يسأل سهيلاً عنها حتى يعلو في إسناده! فهو لا شك يسأل عن رواية متصلة ليعلو إسناده بها، فالحديث سمعه من عمرو عن القعقاع عن أبي صالح، وهو يعلم أن سهيل بن أبي صالح سمع من أبيه فسأله عن الحديث وصرّح بأنه رجا أن يسقط من إسناده القعقاع، ويسمعه من سهيل عن أبيه عن عطاء فيساوي شيخه عمراً فيه، فيكون بينه وبين أبي صالح راوياً كما بين شيخه عمرو بن دينار وبين أبي صالح راوياً، ولو لم يكن حديث عمرو متصلاً لما سأله حتى يكون عنده عالياً؛ لأن حرصهم كان في العلو على الأحاديث المتصلة لا المرسلة، فبدل أن يُسقط له راوياً أسقط له راويين فعلا به جداً.

فبدل أن يرويه عن عمرو بن دينار، عن القعقاع، عن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد، عن تميم، صار يرويه عن سهيل بن أبي صالح، عن عطاء، عن تميم، فصار إسناده أعلى من إسناد شيخه.

ومما يدلّ على اتصال الرواية ما جاء في القصة من طرق أخرى.

روى القُضاعي في «مسند الشهاب» (1/45) (18) من طريق إِسْحَاق بن إِسْمَاعِيلَ الطَّالْقَانِيّ، قال: حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، قَالَ: كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ حَدَّثَنَاهُ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ.

قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ ابْنَهُ سُهَيْلًا فَقُلْتُ: سَمِعْتُ مِنْ أَبِيكَ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ مِنَ الَّذِي حَدَّثَ أَبِي عَنْهُ، سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَزِيدَ اللَّيْثِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» ثَلَاثًا، قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِنَبِيِّهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

فقوله: "سمعت من الذي حدث أبي عنه" يعني أن أبا صالح كان يذكر من حدثه به لا أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً.

وروى محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (2/685) (751) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ الْهَرَوِيُّ، قال: حدثنا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، سَمِعْتُ مِنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ» قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ وَلِنَبِيِّهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ».

قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَخْبَرَنَا عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، فَلَقِيتُ سُهَيْلًا فَقُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يُحَدِّثُهُ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِمَّنْ كَانَ يَرْوِيهِ أَبِي عَنْهُ.

وذكر الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (4/76) الحديث... قَالَ سُفْيَانُ: فَلَقِيتُ سُهَيْلَ بْنَ أَبِي صَالِحٍ، فَقُلْتُ: حَدِيثٌ حَدَّثَنِيهِ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ أَسَمِعْتَهُ مِنْهُ؟ قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قُلْتُ: قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، فَقَالَ سُهَيْلٌ: أَنَا سَمِعْتُهُ مِنَ الَّذِي سَمِعَهُ أَبِي مِنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ يُقَالُ لَهُ: عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ يُحَدِّثُ بِهِ أَبِي عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ الحَدِيثِ.

وروى ابن منده في «معرفة الصحابة» (ص: 318) من طريق إسحاق بن إسماعيل، قال: حدثنا سفيان، قال: كان عمرو بن دينار حدثنا عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد، قال سفيان: فلقيت سهيلاً، فقلت: سمعت من أبيك حديثًا حدثناه عمرو بن دينار، عن القعقاع، عن أبي صالح، فقال: سمعته من الذي حدث عنه أبي: عطاء بن يزيد، عن تميم الداري: عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الدين النصيحة»، ثم ذكر نحوه.

وروى البغوي في «معجم الصحابة» (1/366) (232) عن محمد بن صالح الخياط المكي، ومُحَمَّد بن مَنْصُوْرٍ الجَوَّاز، وإسحاق بن إبراهيم المروزي، قالوا: حدثنا سفيان قال: قال عمرو بن دينار: حدثنا عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد. قال سفيان: فلقيت ابنه سهيلاً، فقلت: سمعت حديثاً حدثناه عمرو، عن القعقاع بن حكيم، عن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد، قال: سمعت من الذي حدّث أبي عنه، سمعت عطاء بن يزيد يُحدِّث عن تميم الداري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»، فذكره.

وقد ذكر ابن حجر في «المطالب العالية» (9/462) (2038) حديث زَيْد بن الحُبَابِ، عن مُحَمَّد بن مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرو بن دِينَارٍ، عَنِ ابن عباس - رَضِيَ الله عَنْهما – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قَالُوا، لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِكِتَابِ اللَّهِ وَلِنَبِيِّهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ».

قال ابن حجر: "هَذَا الْإِسْنَادُ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ مَعْلُولٌ، وَالمَحْفُوظُ مَا رَوَاُه ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَحَدِيثُ تَمِيمٍ رَضِيَ الله عَنْه فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ".

قلت: فجعل ابن حجر الحديث عن القعقاع، عن أبي صالح، عن عطاء بن يزيد، عن تميم، وهو الصحيح.

فثبت أن الحديث ليس بمرسل كما توهّم الإمام البخاري، ويعقوب بن سفيان، والطحاوي، رحمهم الله.

وسفيان بن عُيينة ولد سنة (107هـ)، وبدأ سماع الحديث وعمره (15) سنة = يعني بدأ الطلب سنة (122هـ)، وسؤاله لسهيل عن هذا الحديث ليسقط له رجلاً منه بحيث يساوي شيخه عمرو بن دينار الذي يُحدث به عن القعقاع عن أبي صالح، فإذا سمعه سفيان من سهيل عن أبيه كان بينه وبين أبي صالح واحداً، وهذا يساوي حديث عمرو الذي بينه وبين أبي صالح واحداً، ويكون الحديث عند بعلو لا بنزول، فهذا السؤال يدلّ على أن ابن عيينة كان قد تشرّب علم الرواية والطلب، وهذا يدل على أنه سمع من سهيل في أواخر عمره، وهذا يرد القول بأنه اختلط بأخرة! وإنما هو قد نسي بعض حديثه، وتوهم في بعضه بسبب مرض أصابه لما مات أخوه فحزن عليه حزناً شديداً.

·       حديث عبدالله بن عمرو بن العاص:

أما حديث عبدالله بن عمرو:

فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/214) (38649) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ خَيْثَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: «يَنْزِلُ المَسِيحُ بنُ مَرْيَمَ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا تَذُوبُ الشَّحْمَةُ، قَالَ: فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ الْيَهُودُ، فَيُقْتَلُونَ حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللهِ الْمُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ».

قلت: هذا إسناد صحيح، وهو موقوف على عبدالله بن عمرو. وما ذكره جاء في أحاديث مرفوعة، وذكر هنا «الحجر» فقط كما في الأحاديث الصحيحة.

·       رواية أخرى موقوفة على عبدالله وفيها نكارة!

وروى نُعيم بن حماد في «الفتن» (2/570) (1595) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ولَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: «يَبْلُغُ الَّذِينَ فَتَحُوا الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ خُرُوجُ الدَّجَّالِ فَيُقْبِلُونَ حَتَّى يَلْقَوْهُ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، قَدْ حُصِرَ هُنَالِكَ ثَمَانِيَةُ آلَافِ امْرَأَةٍ وَاثْنَا عَشَرَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ، هُمْ خَيْرُ مَنْ بَقِيَ، وَكَصَالِحِ مَنْ مَضَى، فَبَيْنَا هُمْ تَحْتَ ضَبَابَةٍ مِنْ غَمَامٍ إِذْ تُكْشَفُ عَنْهُمُ الضَّبَابَةُ مَعَ الصُّبْحِ، فَإِذَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَيَتَنَكَّبُ إِمَامُهُمْ عَنْهُ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ، فَيَأْتِي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ حَتَّى يُصَلِّيَ إِمَامُهُمْ، تَكْرِمَةً لِتِلْكَ الْعِصَابَةِ، ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الدَّجَّالِ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ فَيَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ صَاحَتِ الْأَرْضُ فَلَمْ يَبْقَ حَجَرٌ، وَلَا شَجَرٌ، وَلَا شَيْءٌ إِلَّا قَالَ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيُّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَةُ فَإِنَّهَا شَجَرَةٌ يَهُودِيَّةٌ، فَيَنْزِلُ حَكَمًا عَادِلًا، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَتَبْتَزُّ قُرَيْشٌ الْإِمَارَةَ، وَتَضَعُ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا، وَتَكُونُ الْأَرْضُ كقَارُورَةِ الْفِضَّةِ، وَتُرْفَعُ الْعَدَاوَةُ وَالشَّحْنَاءُ وَالْبَغْضَاءُ، وَحُمَةُ كُلِّ ذَاتِ حُمَةٍ، وَتُمْلَأُ الْأَرْضُ سِلْمًا، كَمَا يُمْلَأُ الْإِنَاءُ مِنَ الْمَاءِ، فَيَنْدَفِقُ مِنْ نَوَاحِيهِ، حَتَّى تَطَأَ الْجَارِيَةُ عَلَى رَأْسِ الْأَسَدِ، وَيَدْخُلَ الْأَسَدُ فِي الْبَقَرِ، وَالذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ، وَتُبَاعَ الْفَرَسُ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَيَبْلُغَ الثَّوْرُ الثَّمَنَ الْكَثِيرَ، وَيَكُونَ النَّاسُ صَالِحِينَ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالْأَرْضَ فَتُنْبِتُ، حَتَّى تَكُونَ عَلَى عَهْدِهَا حِينَ نَزَلَهَا آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى يَأْكُلَ مِنَ الرُّمَّانَةِ الْوَاحِدَةِ النَّاسُ الْكَثِيرُ، وَيَأْكُلَ العُنْقُودَ النَّفَرُ الكَثِيرُ، وَحَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: لَوْ أَنَّ آبَاءَنَا أَدْرَكُوا هَذَا الْعَيْشَ».

قلت: يروي نُعيم بن حماد في كتابه بهذا الإسناد عدّة أحاديث بعضها يرجع لهذا الحديث، وظاهره لا بأس به؛ لأن من نظر فيه ظنّ أن أبا سلمة هنا هو: ابن عبدالرحمن بن عوف التابعي الثقة المعروف في هذه الطبقة؛ لأنه إذا أُطلق هكذا فهو هو، وأبو سلمة بن عبدالرحمن قد سمع من عبدالله بن عمرو، وحديثه عنه في «الصحيحين»، لكن سَعِيد بن أَبِي هِلَالٍ لَمْ يسمع من أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ.

قال ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص: 75) (267): سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ".

وكذا نقل عنه العلائي في «جامح التحصيل في أحكام المراسيل» (ص: 29) قال: "وقال أبو حاتم: لم يدرك أبا سلمة بن عبدالرحمن".

قلت: هو أدركه، ولا شك في ذلك، فأبو سلمة بن عبدالرحمن (ت 94هـ)، وسعيد بن أبي هلال ولد بمصر سنة (70هـ)، ونشأ بالمدينة، ثم رجع إلى مصر في خلافة هشام بن عبدالملك، فهو قد أدرك أبا سلمة، لكن لم يسمع منه، وهذا يوافق ما نقله مغلطاي من كتاب ابن أبي حاتم، فإنه قال في «الإكمال» (5/366): "وقال عبدالرحمن في «المراسيل»: سمعت أبي يقول: لم يسمع ابن أبي هلال من أبي سلمة ابن عبدالرحمن".

فكأنه في بعض النسخ "لم يدرك"، وفي بعضها: "لم يسمع"، والأصوب: "لم يسمع"؛ لأن أدركه، أو أنه تحريف قديم في بعض النسخ، تحرفت" "يسمع" إلى "يدرك"، وهو قريب! وكان عمره لما توفي أبو سلمة (24) عاماً، لكن لم يثبت أنه سمع منه، فحديثه عنه مرسل.

وأبو سلمة هنا في هذا الحديث إنما هو: عَبداللَّهِ بن رافع الحضرمي المِصْرِي.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/90) (245): "عَبداللهِ بْن رافِع، أَبو سَلَمة، الحَضرَمِيّ، المِصرِيّ: سَمِعَ عَمرو بن مَعدِي كَرِب، سَمِعَ منه جَعفر بْن رَبِيعَة".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/53) (249): "عبدالله بن رافع أبو سلمة الحضرمي المصري: روى عن عمرو بن معد يكرب. روى عنه: جعفر بن ربيعة. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال: سئل أبو زرعة عن عبدالله بن رافع الحضرمي، فقال: "مصري ثقة".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/36) (8893) فقال: "عَبْداللَّه بن رَافع الْحَضْرَمِيّ أَبُو سَلمَة الْمصْرِيّ: يروي عَن المَدَنِيين. روى عَنهُ: جَعْفَر بْن رَبِيعه".

وقال مسلم في «الكنى والأسماء» (1/378) (1405): "أبو سلمة عبدالله بن رافع المصري: سمع عمرو بن معدي كرب. روى عنه: جعفر بن ربيعة".

وقال العجلي: "ثقة، لا بأس به".

وحكى ابن خلفون أن النسائي وثقه.

وقال أبو سعيد ابن يونس في «تاريخ مصر»: "يروي عن عبدالله بن عمر، وعبدالله بن عمرو، وعبدالله بن الحارث بن جزء. روى عنه: إسحاق بن أبي فروة".

قال مغلطاي: "ولما ذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من المصريين نسبه غافقياً حِميرياً، وقال: توفي في خلافة هشام بن عبدالملك بن مروان وله أحاديث. انتهى. غافق ليست من حمير بحال، وأما حضرموت من حمير، فلعله تصحّف على الناسخ، والله أعلم". [إكمال تهذيب الكمال: (7/340)].

قلت: يعني ما جاء في «الطبقات» (7/356) (4060): "عبدالله بن رافع الغافقي. من حِمير" = يعني الأصل: "عبدالله بن رافع الحضرمي" فتصحّفت "الحضرمي" على الناسخ فصارت: "الغافقي" وهذا قول وجيه.

فأبو سلمة هذا وثقه بعض العلماء، وحديثه قليل، لكن لا ندري هل سمع من عبدالله بن عمرو أم لا؟! وهو ليس من أصحابه المعروفين!

وتوفي أبو سلمة في خلافة هشام بن عبدالملك (ت 125هـ)، وكانت ولاية هشام من سنة (105هـ)، يعني أبو سلمة توفي بعد سنة (105)، ولهذا أورده الذهبي في «تاريخه» (3/78) في طبقة من توفوا ما بين سنة [101 - 110هـ]، فوفاته ما بين سنة (105 - 125هـ)، وعبدالله بن عمرو مات سنة (63هـ) على الراجح.

فالمعاصرة بينهما واحتمالية اللقاء متحققة، لكن السماع لم يرد! ولم يوثقه أحد قبل أبي زرعة الرازي، وهو أقرب إلى جهالة الحال منه إلى التوثيق!

وهذا الأثر - وإن كان موقوفاً - إلا أن فيه نكارة واضحة! وموضع الشاهد فيما نحن فيه: «... ثُمَّ يَمْشِي إِلَى الدَّجَّالِ وَهُوَ فِي آخِرِ رَمَقٍ فَيَضْرِبُهُ فَيَقْتُلُهُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ صَاحَتِ الْأَرْضُ فَلَمْ يَبْقَ حَجَرٌ، وَلَا شَجَرٌ، وَلَا شَيْءٌ إِلَّا قَالَ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيُّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَةُ فَإِنَّهَا شَجَرَةٌ يَهُودِيَّةٌ» يخالف ما رواه خَيْثَمَة بن عبدالرحمن، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ عَمْرٍو، قَالَ: «يَنْزِلُ المَسِيحُ بنُ مَرْيَمَ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا تَذُوبُ الشَّحْمَةُ، قَالَ: فَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَتَفَرَّقَ عَنْهُ الْيَهُودُ، فَيُقْتَلُونَ حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ يَقُولُ: يَا عَبْدَ اللهِ الْمُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ».

وخيثمة من كبار التابعين الثقات، وحديثه أولى من حديث أبي سلمة هذا إن ثبت أنه رواه!

وقد تكلّم الإمام أحمد في سعيد بن أبي هلال.

قال الأثرم: سمعت أبا عبدالله يقول: "سعيد بن أبي هلال، ما أدري أي شيء حديثه! يخلط في الأحاديث".

وقال أبو داود في «سؤالاته لأحمد» (254): سَمِعْتُ أَحْمَدَ يَقُولُ: "سَعِيْد بن أَبِي هِلاَل، سمعوا منه بمصر القدماء. فخرج - زَعَمُوا إلى الْمَدِيْنَة، فجاءهم بعدل أو قَالَ بوسق كتب كُتبت عن الصغار، وعن كلّ! وكان الليث بن سَعْد سَمِعَ منه، ثم شك فِي بعضه، فجعل بينه وبين سَعِيْد: خالدًا".

وكان أبو زرعة يتوجّس من حديث خالد بن يزيد، وسعيد بن أبي هلال!

قال البرْذعي في «سؤالاته لأبي زرعة» (2/361): قال لي أبو زرعة: "خالد بن يزيد المصري، وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما".

فهذه الرواية عن عبدالله بن عمرو منكرة! ولا أستبعد أن أصل ذكر شجر الغرقد وأنه من شجر اليهود في حديث سهيل بن ابي صالح هو هذا الحديث المروي عن أبي سلمة الحضرمي، فهو حديث مصري، وحديث سهيل رواه يعقوب بن عبدالرحمن في مصر، ولا يُعرف في أهل المدينة بلد سهيل، فلعله سمع هذا الحديث في مصر، ثم لما حدّث به دخل له حديث في حديث فسلك فيه الجادة، فقال: عن سهيل عن أبي عن أبي هريرة، والله أعلم.

·       تصحيح بعضهم لحديث أبي سلمة عن عبدالله بن عمرو! ونسبة أبي سلمة في حديث آخر!

وحديث أبي سلمة عن عبدالله بن عمرو صححه موقوفاً بعض من حقق كتاب أبي نُعيم في «الفتن»! وكذا الروايات الأخرى بهذا الإسناد! وأظن أن تصحيحهم له على أن أبا سلمة هنا هو ابن عبدالرحمن بن عوف! وليس كذلك كما بينته! بل يجب على مذهب من يرى أنه ابن عبدالرحمن أن يكون منقطعاً؛ لأن سعيد بن أبي هلال لم يسمع من أبي سلمة بن عبدالرحمن كما نقلته عن أبي حاتم الرازي.

وقد روى خالد بن يزيد عن سعيد حديثاً آخر عن أبي سلمة وجاء منسوباً بأنه ابن عبدالرحمن!

رواه ابن حبان في «صحيحه» (2/374) (609) قال: أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ حَمَّادِ بن زيد، قال: حدثنا بن وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الحَيَاءُ مِنَ الْإِيمَانِ، والْإِيمَانُ فِي الجَنَّةِ، والبَذَاءُ مِنَ الجَفَاءِ، وَالجَفَاءُ في النار».

وكان ابن حبان ساق هذا الحديث بعد أن ساق حديث مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

والحديث مشهور بمحمد بن عمرو، لكن ابن حبان ذكر رواية سعيد بن أبي هلال متابعة لحديث محمد بن عمرو؛ لأن محمد بن عمرو فيه كلام، ولا يُحتج بما انفرد به!

وكذا فعل الألباني في «صحيحته» (495) فقال: "ومحمد بن عمرو إنما أخرج له مسلم متابعة. نعم تابعه سعيد بن أبي هلال عند ابن حبان (1930) فبه صح والحمد لله".

وكذا فعل أيضاً مقبل الوادعي في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين»، فإنه ذكر حديث محمد بن عمرو (2/404) (1428) ثم قال: "وقد ذكر ابن حبان لمحمد بن عمرو بن علقمة متابعًا..."، فساقه، ثم قال: "وهو بهذا الإسناد صحيحٌ".

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «صحيح ابن حبان» (2/374) هامش (1): "إسناده صحيح على شرط مسلم، رجاله رجال الشيخين غير سليمان بن داود، فمن رجال مسلم".

قلت: نعم، الحديث مشهور عن أبي سلمة بن عبدالرحمن عن أبي هريرة، لكن تفرد به محمد بن عمرو بن علقمة، ورواية سعيد لا تصلح متابعة له؛ لأنها أصلاً منقطعة! فسعيد بن أبي هلال لم يسمع من أبي سلمة بن عبدالرحمن! وقد تقدم قول أحمد في سعيد وأنه يخلط في حديثه، وأنه خرج إلى المدينة فجاء بأحاديث كتبها عن الصغار وغيرهم، وهذا الحديث منها! فهو لم يسمعه من أبي سلمة، بل لم يدركه، والحديث حديث محمد بن عمرو! فكيف يكون حديثه هذا متابعاً لحديث محمد بن عمرو!

وسعيد بن أبي هلال (ت قيل: بعد سنة 130هـ [قيل: 133، أو 135، أو 139]، وقيل: 149هـ) من أقران محمد بن عمرو بن علقمة (ت 145هـ).

فالحديث تفرد به محمد بن عمرو، ولم يُصب الترمذي إذ أخرجه من حديث محمد بن عمرو بن علقمة في «جامعه» وقال: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"! وتبعه على ذلك الألباني فأورده في «صحيحته» (1/893) (495)!! وشواهد الحديث التي ذكرها الترمذي فيها كلام!

فسعيد بن أبي هلال إذا روى عن أبي سلمة عن عبدالله بن عمرو بن العاص فهو أبو سلمة عبدالله بن رافع المصري، ولا يثبت سماعه من عبدالله بن عمرو، وفي حديثه عنه نُكرة إن ثبت أنه سمع منه أصلاً!

وإذا روى سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فهو أبو سلمة بن عبدالرحمن، وهو لم يسمع منه، وإنما هذه الأحاديث مما كتبه في المدينة عمّن لا نعرفهم، ورجع بها إلى مصر، وحدّث بها!

·       أصل ذكر «الشّجر» في الحديث!

وكأن أصل ذكر «الشجر» ما رواه قيس ابن أبي حازم مرسلاً.

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/248) (38711) عن وَكِيع، عَنْ إسْمَاعِيل بن أبي خالد، عَنْ قَيْسٍ، قَالَ: أُخْبِرْت: «أَنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى تَقُولَ الحَجَرُ وَالشَّجَرُ: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا يَهُودِي، هَذَا نَصْرَانِي، فَاقْتُلْهُ».

وهذا مرسل مُنكر! وذكر «الشجر»، و«هذا نصراني» منكر!

وقيس تابعي قديم أدرك الجاهلية، لكنه يروي مراسيل منكرة! وهذا من منكراته!

قَال علي بن المديني: قال لي يحيى بن سَعِيد القطان: "قَيْس بن أَبي حازم منكر الحديث" - ثُمَّ ذكر له يَحْيَى أحاديث مناكير منها، حديث: «كلاب الحوأب».

·       شواهد أخرى منكرة!

·       شاهد حُذيفة:

روى نُعيم بن حماد في «الفتن» (2/568) (1591) عن سُوَيْد بنِ عَبْدِالعَزِيزِ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ، وَابْنِ شَابُورَ، جَمِيعًا عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ مَعَ الدَّجَّالِ يُزَاوِلُونَ بَعْضَ بَنِي آدَمَ عَلَى مُتَابَعَةِ الدَّجَّالِ، فَيَأْبَى عَلَيْهِ مَنْ يَأْبَى وَيَقُولُ لَهُ بَعْضُهُمْ: إِنَّكُمْ شَيَاطِينُ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَيَسُوقُ إِلَيْهِ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بِإِيلِيَاءَ فَيَقْتُلُهُ، فَبَيْنَمَا أَنْتُمْ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ بِإِيلِيَاءَ، وَفِيهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَخَلِيفَتُهُمْ بَعْدَمَا يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، فَيَسْمَعُ الْمُؤَذِّنُ لِلنَّاسِ عَصْعَصَةً، فَإِذَا هُوَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَيَهْبِطُ عِيسَى فَيُرَحِّبُ بِهِ النَّاسُ، وَيَفْرَحُونَ بِنُزُولِهِ، وَلِتَصْدِيقِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَقُولُ لِلْمُؤَذِّنِ: أَقِمِ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ النَّاسُ: صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: انْطَلِقُوا إِلَى إِمَامِكُمْ فَيُصَلِّي لَكُمْ، فَإِنَّهُ نِعْمَ الْإِمَامُ، فَيُصَلِّي بِهِمْ إِمَامُهُمْ، وَيُصَلِّي عِيسَى مَعَهُمْ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ الْإِمَامُ، وَيُعْطِي عِيسَى الطَّاعَةَ، فَيَسِيرُ بِالنَّاسِ حَتَّى إِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ مَاعَ كَمَا يَمِيعُ الْقِيرُ، فَيَمْشِي إِلَيْهِ عِيسَى فَيَقْتُلُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَقْتُلُ مَعَهُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ يَفْتَرِقُونَ وَيَخْتَبِئُونَ تَحْتَ كُلِّ شَجَرٍ وَحَجَرٍ، حَتَّى يَقُولَ الشَّجَرُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ يَا مُسْلِمُ تَعَالَ، هَذَا يَهُودِيُّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ، وَيَدْعُو الْحَجَرُ مِثْلَ ذَلِكَ، غَيْرَ شَجَرَةِ الْغَرْقَدَةِ، شَجَرَةِ الْيَهُودِ، لَا تَدْعُو إِلَيْهِمْ أَحَدًا يَكُونُ عِنْدَهَا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّمَا أُحَدِّثُكُمْ هَذَا لِتَعْقِلُوهُ وَتَفْهَمُوهُ وَتَعُوهُ، وَاعْمَلُوا عَلَيْهِ، وَحَدِّثُوا بِهِ مَنْ خَلْفَكُمْ، وَلْيُحَدِّثَنَّ الْآخَرُ الْآخَرَ، وَإِنَّ فِتْنَتَهُ أَشَدُّ الْفِتَنِ، ثُمَّ تَعِيشُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ».

قلت: هذا منكر! وسويد بن عبدالعزيز الدمشقي منكر الحديث متروك!

وابن شابور هو محمد بن شعيب بن شابور، ولم يسمع من مكحول، فمولده على ما قرره الذهبي في حدود العشرين ومائة، ووفاة مكحول سنة بضع عشرة ومائة على خلاف في تعيينها [بين 112هـ و118هـ]، فيستحيل أن يكون ابن شابور سمع منه.

وابن أبي فروة متروك، متفق على ضعّفه بين النقاد، ولا نعلم له فوق ذلك سماعاً من محكول.

ومكحول الفقيه الشامي كثير الإرسال جداً، ولم يدرك حذيفة.

قال أبو حاتم: سألت أبا مسهر، هل سمع مكحول من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: م"ا صح عندي إلا أنس بن مالك".

وقال البزار في «المسند»: "روى مكحول عن جماعة من الصحابة عن: عبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، وحذيفة، وأبي هريرة، وجابر، ولم يسمع منهم ولم يدركهم، وإنما أرسل عنهم، ولم يقل في واحد منهم: حدثنا فلان...".

ورواه ابن منده في كتاب «الإيمان» (2/939) (1033) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْمَدِينِيُّ، قال: حدثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَهْدِيٍّ، قال: حدثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قال: حدثَنَا خَلَفُ بنُ خَلِيفَةَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ، مَعَهُ نَهْرَانِ أَحَدُهُمَا نَارٌ تَأَجَّجُ فِي عَيْنِ مَنْ يَرَاهُ، وَالْآخَرُ مَاءٌ أَبْيَضُ. مَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيُغْمِضْ وَلْيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ. وَإِيَّاكُمْ وَالْآخَرُ فَإِنَّهُ فِتْنَةٌ. وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَأْهُ مَنْ كَتَبَ وَمَنْ لَا يَكْتُبُ، وَإِنَّ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَمْسُوحَةٌ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ، وَإِنَّهُ يَطْلُعُ مِنْ آخِرِ أَمْرِهِ عَلَى بَطْنِ الْأُرْدُنِّ عَلَى ثَنِيَّةِ أَفِيقَ وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَإِنَّهُ يَقْتُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثًا، وَيَهْزِمُ ثُلُثًا، وَيَبْقَى ثُلُثٌ، فَيَحْجِزُ بَيْنَهُمُ اللَّيْلُ، فَيَقُولُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ: مَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ تَلْحَقُوا بِإِخْوَانِكُمْ فِي مَرْضَاةِ رَبِّكُمْ؟ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيهِ، وَصَلُّوا حِينَ يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ وَعَجِّلُوا الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَقْبِلُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ، فَلَمَّا قَامُوا يُصَلُّونَ نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ أَمَامَهُمْ فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: هَكَذَا، فَرِّجُوا بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوِّ اللَّهِ. قَالَ: فَيَذُوبُ يَعْنِي ذَوْبَ الْمِلْحِ فَيُسَلِّطُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى إِنَّ الْحَجَرَ وَالشَّجَرَ لَيُنَادِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ فَاقْتُلْهُ، فَيُعِينُهُمُ اللَّهُ وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ، فَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ أَخْرَجَ اللَّهُ يَأْجُوجَ، وَمَأْجُوجَ فَيَشْرَبُ أَوَّلُهُمُ الْبُحَيْرَةَ وَيَجِيءُ آخِرُهُمْ وَقَدِ انْتَشَفُوا فَمَا يَدْعُونَ فِيهِ قَطْرَةً، فَيَقُولُونَ: كَانَ هَاهُنَا أَثَرُ مَاءٍ مَرَّةً، وَنَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ وَرَاءَهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ فِلَسْطِينَ يُقَالُ لَهَا: بَابُ لُدٍّ، فَيَقُولُونَ: ظَهَرْنَا عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ فَتَعَالَوْا نُقَاتِلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ. فَيَدْعُو اللَّهَ نَبِيُّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَرْحَةً فِي حُلُوقِهِمْ فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ بِشْرٌ. وَتُؤْذِي رِيحُهُمُ الْمُسْلِمِينَ فَيَدْعُو عِيسَى عَلَيْهِمْ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ رِيحًا يَقْذِفُهُمْ فِي الْبَحْرِ أَجْمَعِينَ».

قال ابن حجر في «الفتح» (6/610): "وأخرجه ابن مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ".

قلت: رواه الحاكم في «المستدرك» (4/536) (8507) عن أَبي بَكْرٍ مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بْنِ بَالَوَيْهِ، عن مُحَمَّد بن شَاذَانَ الْجَوْهَرِيّ، عن سَعِيد بن سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيّ، عن خَلَف بْن خَلِيفَةَ الْأَشْجَعِيّ، عن أَبي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ اليَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، نَهْرَانِ: أَحَدُهُمَا نَارٌ تَأَجَّجُ فِي عَيْنِ مَنْ رَآهُ، وَالْآخَرُ مَاءٌ أَبْيَضُ فَإِنْ أَدْرَكْهُ مِنْكُمْ أَحَدٌ فَلْيُغْمِضْ، وَلْيَشْرَبْ مِنَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِيَّاكُمْ وَالْآخَرُ فَإِنَّهُ الْفِتْنَةُ، وَاعْلَمُوا أَنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَأُهُ مَنْ يَكْتُبُ وَمَنْ لَا يَكْتُبُ، وَأَنَّ إِحْدَى عَيْنَيْهِ مَمْسُوحَةٌ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ، أَنَّهُ يَطْلُعُ مِنْ آخِرِ أَمْرِهِ عَلَى بَطْنِ الْأُرْدُنِّ، عَلَى بَيْتِهِ أَفْيَقُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ بِبَطْنِ الْأُرْدُنِّ، وَأَنَّهُ يَقْتُلُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثُلُثًا، وَيَهْزِمُ ثُلُثًا، وَيُبْقِي ثُلُثًا، وَيَجِنُّ عَلَيْهِمُ اللَّيْلُ، فَيَقُولُ بَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ لِبَعْضٍ: مَا تَنْتَظِرُونَ أَنْ تَلْحَقُوا بِإِخْوَانِكُمْ فِي مَرْضَاةِ رَبِّكُمْ، مَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَضْلُ طَعَامٍ فَلْيَغْدُ بِهِ عَلَى أَخِيهِ، وَصَلُّوا حِينَ يَنْفَجِرُ الْفَجْرُ، وَعَجِّلُوا الصَّلَاةَ، ثُمَّ أَقْبِلُوا عَلَى عَدُوِّكُمْ، فَلَمَّا قَامُوا يُصَلُّونَ نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِمَامُهُمْ، فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: هَكَذَا افْرِجُوا بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوِّ اللَّهِ».

قَالَ أَبُو حَازِمٍ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: «فَيَذُوبُ كَمَا تَذُوبُ الِإِهَالَةُ فِي الشَّمْسِ».

وَقَالَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: «كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، وَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ فَيَقْتُلُونَهُمْ حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَ وَالْحَجَرَ لَيُنَادِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ، يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ فَاقْتُلْهُ، فَيَنْفِيهِمُ اللَّهُ وَيَظْهَرُ الْمُسْلِمُونَ، فَيَكْسِرُونَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُونَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُونَ الْجِزْيَةَ فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ، أَخْرَجَ اللَّهُ أَهْلَ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ فَيَشْرَبُ أَوَّلُهُمُ الْبُحَيْرَةَ، وَيَجِئُ آخِرُهُمْ وَقَدِ اسْتَقَوْهُ، فَمَا يَدَعُونَ فِيهِ قَطْرَةً، فَيَقُولُونَ: ظَهَرْنَا عَلَى أَعْدَائِنَا قَدْ كَانَ هَاهُنَا أَثَرُ مَاءٍ، فَيَجِئُ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَرَاءَهُ، حَتَّى يَدْخُلُوا مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ فِلَسْطِينَ، يُقَالُ لَهَا: لُدٌّ، فَيَقُولُونَ: ظَهَرْنَا عَلَى مَنْ فِي الْأَرْضِ، فَتَعَالَوْا نُقَاتِلُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَدْعُو اللَّهَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قُرْحَةً فِي حُلُوقِهِمْ، فَلَا يَبْقَى مِنْهُمْ بِشْرٌ، فَتُؤْذِيَ رِيحُهُمُ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدْعُو عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَلَيْهِمْ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ رِيحًا فَتَقْذِفُهُمْ فِي الْبَحْرِ أَجْمَعِينَ».

قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".

قلت: رواية أحمد بن مهدي عن سعيد بن سليمان عند ابن منده فيها أن الحديث كله عن حذيفة، ولكن رواية مُحَمَّد بن شَاذَانَ الْجَوْهَرِيّ، عن سَعِيد بن سُلَيْمَانَ بينت أن بعض الحديث عن أبي هريرة، وبعضه عن عبدالله بن عمرو، وموضع الشاهد عندنا فيما يتعلق بالحجر والشجر إنما هو من حديث عبدالله بن عمرو موقوفاً، وليس من حديث حذيفة.

وهذا الحديث بطوله لم يروه عن خلف إلا سعيد الواسطي!

وسعيد الواسطي هو سعدويه الحافظ، ثقة مشهور.

قال أبو حاتم: "ثقة مأمون، لعله أوثق من عفّان".

وقال أحمد بن حنبل: "كان صاحب تصحيف ما شئت".

وقال الدارقطني: "تكلموا فيه".

وذكره العقيلي في جملة الضعفاء.

وخلف بن خليفة الواسطيّ صدوق، كان قد اختلط، وله أوهام.

قال أحمد: "رأيت خلفاً، وهو مفلوج وكان لا يفهم، فمن كتب عنه قديماً فسماعه صحيح".

وقال أحمد: أتيته فلم أفهم عنه.

قال عبدالله بن أحمد عن أبيه: "رأيت خلف بن خليفة وهو كبير فوضعه إنسان، فصاح - يعني من الكبر فقال له إنسان: يا أبا أحمد حدثكم محارب بن دِثار، وقص الحديث، فتكلم بكلام خفي، وجعلت لا أفهم فتركته".

وقال البخاري: "خَلَفُ بنُ خَلِيفَةَ صَدُوقٌ، وَرُبَّمَا يَهِمُ فِي الشَّيْءِ".

وقالَ أَبُو حَاتِمٍ: "صَدُوْقٌ".

وقال ابن سعد: "كَانَ ثِقَةً، ثُمَّ أَصَابَهُ الفَالِجُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ حَتَّى ضَعُفَ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ واخْتَلَطَ".

وقال عثمان بن أبي شيبة: "صدوق ثقة، لكنه خرف فاضطرب عليه حديثه".

وقال إسحاق القراب: "كان أصابه الفالج في آخر عمره فتغير واضطرب".

وحكى مَسلمة الأندلسي اختلاطه ووثقه، وقال: "من سمع منه قبل التغير فروايته صحيحة".

وقال الساجي: "ضعيف".

وذكر الحاكم في المدخل أن مسلماً إنما أخرج له في الشواهد.

وقال ابن عدي: "أرجو أنه لا بأس به، ولا أبرئه من أن يخطىء في بعض الأحايين في بعض رواياته".

قلت: فهذا الحديث بطوله تفرد به خلف بن خليفة عن أَبي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بنِ اليَمَانِ.

وقد خلّط خلف فيه!

فقد رواه أحمد في «مسنده» (38/312) (23279)، و(38/431) (23439)، وابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/198) (38627) كلاهما عن يَزِيد بن هَارُونَ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا مَعَ الدَّجَّالِ مِنْهُ، مَعَهُ نَهْرَانِ يَجْرِيَانِ، أَحَدُهُمَا رَأْيَ الْعَيْنِ، مَاءٌ أَبْيَضُ، وَالْآخَرُ رَأْيَ الْعَيْنِ، نَارٌ تَأَجَّجُ، فَإِمَّا أَدْرَكَنَّ أَحَدٌ، فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذِي يَرَاهُ نَارًا وَلْيُغَمِّضْ، ثُمَّ لْيُطَأْطِئْ رَأْسَهُ فَيَشْرَبَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ مَاءٌ بَارِدٌ، وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ».

ورواه مسلم في «صحيحه» (4/2249) (2934) عن أبي بكر بن أبي شيبة. ورواه ابن منده في «الإيمان» (2/939) (1032) من طريق مُحَمَّد بن عَبْدِالمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، عن يزيد بن هارون، به.

قال ابن منده: "رَوَاهُ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ مِثْلَهُ" = يعني رواه مروان عن أبي مالك الأشجعي.

·       شاهد ابن مسعود:

روى أحمد في «مسنده» (6/19) (3556) قال: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قال: أَخْبَرَنَا العَوَّامُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَقِيتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي إِبْرَاهِيمَ، وَمُوسَى، وَعِيسَى. قَالَ: فَتَذَاكَرُوا أَمْرَ السَّاعَةِ، فَرَدُّوا أَمْرَهُمْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى مُوسَى، فَقَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِهَا، فَرَدُّوا الْأَمْرَ إِلَى عِيسَى، فَقَالَ: أَمَّا وَجْبَتُهَا، فَلَا يَعْلَمُهَا أَحَدٌ إِلَّا اللَّهُ، ذَلِكَ وَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ الدَّجَّالَ خَارِجٌ، قَالَ: وَمَعِي قَضِيبَانِ، فَإِذَا رَآنِي، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، قَالَ: فَيُهْلِكُهُ اللَّهُ، حَتَّى إِنَّ الحَجَرَ، وَالشَّجَرَ لَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، إِنَّ تَحْتِي كَافِرًا، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، قَالَ: فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَوْطَانِهِمْ، قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ يَخْرُجُ يَأْجُوجُ، وَمَأْجُوجُ، وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَطَئُونَ بِلَادَهُمْ، لَا يَأْتُونَ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا أَهْلَكُوهُ، وَلَا يَمُرُّونَ عَلَى مَاءٍ إِلَّا شَرِبُوهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ النَّاسُ إِلَيَّ فَيَشْكُونَهُمْ، فَأَدْعُو اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَيُهْلِكُهُمُ اللَّهُ وَيُمِيتُهُمْ، حَتَّى تَجْوَى الْأَرْضُ مِنْ نَتْنِ رِيحِهِمْ، قَالَ: فَيُنْزِلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمَطَرَ، فَتَجْرُفُ أَجْسَادَهُمْ حَتَّى يَقْذِفَهُمْ فِيث البَحْرِ. قَالَ: فَفِيمَا عَهِدَ إِلَيَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ: أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ السَّاعَةَ كَالْحَامِلِ الْمُتِمِّ، الَّتِي لَا يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلَادَتِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا».

ورواه الشاشي في «مسنده» (2/272) (846) عن عِيسَى بن أَحْمَدَ، عن عَبْداللَّهِ بن مُطِيعٍ. والبيهقي في «البعث والنشور» (ص: 194) (228) من طريق يحيى بن يحيى، كلاهما عن هُشَيْم، به.

قلت: كذا رواه هُشيم عن العَوَّام بن حَوْشَبٍ مرفوعاً، وخالفه يزيد بن هارون، وشهاب بن خراش، فروياه عن العوام موقوفاً، ولم يذكرا فيه ما يتعلق بقول الحجر والشجر!

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/233) (38680) عن يَزِيد بن هَارُونَ، قَالَ : أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بنُ حَوْشَبٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بْنِ عَفَازَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «لَمَّا كَانَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى فَتَذَاكَرُوا السَّاعَةَ، فَبَدَؤُوا بِإِبْرَاهِيمَ فَسَأَلُوهُ عَنْهَا، فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنْهَا، فَسَأَلُوا مُوسَى فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مِنْهَا عِلْمٌ، فَرَدُّوا الحَدِيثَ إِلَى عِيسَى، فَقَالَ: عَهِدَ اللَّهُ إلَيَّ فِيمَا دُونَ وَجْبَتِهَا، فَأَمَّا وَجْبَتُهَا فَلاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ فَذَكَرَ مِنْ خُرُوجِ الدَّجَّالِ فَأَهْبِطُ فَأَقْتُلُهُ، فَيَرْجِعُ النَّاسُ إِلَى بِلاَدِهِمْ فَيَسْتَقْبِلُهُمْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، لاَ يَمُرُّونَ بِمَاءٍ إِلاَّ شَرِبُوهُ وَلاَ شَيْءٍ إِلاَّ أَفْسَدُوهُ، فَيَجِرونَ إلَيَّ فَأَدْعُو اللَّهَ فَيُمِيتهُمْ، فَتجْوَى الأَرْضُ مِنْ رِيحِهِمْ، فَيَجِرونَ إِلَيَّ، فَأَدْعُو اللَّهَ، فَيُرْسِلُ السَّمَاءَ بِالْمَاءِ فَتَحْمِلُ أَجْسَادَهُمْ فَتَقْذِفُهَا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ تُنْسَفُ الْجِبَالُ وَتُمَدُّ الأَرْضُ مَدَّ الأَدِيمِ، ثُمَّ يُعْهَدُ إلَيَّ إِذَا كَانَ ذَلِكَ، أَنَّ السَّاعَةَ مِنَ النَّاسِ كَالْحَامِلِ الْمُتِمّ، لاَ يَدْرِي أَهْلُهَا مَتَى تَفْجَؤُهُمْ بِوِلاَدَتِهَا».

قَالَ الْعَوَّامُ: "فَوَجَدْت تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللهِ {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}".

رواه ابن ماجه في «سننه» (5/208) (4081) عن مُحَمَّد بن بَشَّارِ. وأبو يعلى في «مصنفه» (5/134) (5294) عن أَبي خَيْثَمَةَ. والطبري في «تفسيره» (15/414) عن أحمد بن إبراهيم الدورقي، ومن طريق أصبغ بن زيد. وأبو منصور الأزهري اللغوي في «تهذيب اللغة» (11/156) من طريق أحمد بن منصور الرمادي. والحاكم في «المستدرك» (2/416) (3448) [ومثله الداني في «السنن الواردة في الفتن» (3/252) (622)] من طريق الحسن بن مكرم، والحاكم (4/534) (8502) من طريق سَعِيد بن مَسْعُودٍ، و(4/588) (8638) من طريق مُحَمَّد بن مَسْلَمَةَ الوَاسِطِيّ. والداني في «السنن الواردة في الفتن» (5/987) (529) من طريق محمد بن عبدالملك الدقيقي.

أحد عشر رجلا كلُّهم (ابن أبي شيبة، ومحمد بن بشار، وأبو خيثمة، والدورقي وأصبغ بن زيد، وأحمد بن منصور الرمادي، والحسن بن مكرم، وسعيد بن مسعود، ومحمد بن مسلمة الواسطي، ومحمد بن عبدالملك الدقيقي) عن يَزِيد بن هَارُون، به.

ورواه سعيد بن منصور في «سننه» (7/310) (1955) عن شهاب بن خراش، عن عمّه العوام بن حوشب، عن جبلة بن سحيم، عن مؤثر بن عفازة، عن ابن مسعود، قال: «لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إبراهيم، وموسى، وعيسى صلوات الله عليهم، فتذاكروا بينهم الساعة، فسئل عنها إبراهيم، فلم يكن عنده منها علم، وقال عيسى: عهد الله عزّ وجلّ إليّ ما دون وجبتها، فأما الوجبة فلا يعلمها إلا الله، عهد إليّ أنه مهبطي إلى الأرض، فأدق الصليب، وأقتل الخنزير، وأفض الجزية، وأقتل المسيح، مسيح الضلالة، فإذا كان ذلك كذلك، أقبلت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون، لا يأتون على ماء إلا شربوه، ولا على أحد إلا أهلكوه، ويأتي الناس هرابًا منهم، فأدعو الله عز وجل عليهم، فيبعث الله عليهم دوابا يقال لها: النغف، فتأخذ بأقفيتهم فتقتلهم، فتنجوي الأرض من نتن ريحهم، فيأتي الناس يشكون ذلك إليّ، فأدعو الله عز وجل، فيبعث الله ماء من غير سحاب، فينتزعهم عن وجه الأرض، ثم يقذف بهم في البحر، وتمد الأرض مد الأديم فتسوى، فعهد الله إلي: ما منزلة الساعة إذا كان ذلك إلا منزلة الحامل المتم التي لا يدري أهلها متى يفجؤهم ولادها، ليلاً أم نهاراً، فأما الوجبة فلا يعلمها إلا الله عز وجل».

قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، ولَمْ يُخْرِجَاهُ، فأما مؤثر فليس بمجهول قد روى عن عبدالله بن مسعود والبراء بن عازب، وروى عنه جماعة من التابعين".

وقال ابن حجر في «الفتح» (13/89): "أخرجه ابن ماجه، وأحمد، وصححه الحاكم".

قلت: لَمْ يَرْوِ هذَا الحَدِيثَ عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ إِلَّا مُؤْثِرِ بنِ عَفَازَةَ، ولَا عَنْ مُؤْثِرٍ إِلَّا جَبَلَة، تَفَرَّدَ بِهِ: العَوَّامُ.

والحديث اختلف فيه على العَوَّام بن حَوْشَبٍ:

فَرَوَاهُ هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ جَبَلَة بن سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بنِ عَفَازَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وزاد قصة الحجر والشجر.

وَخَالَفَهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وشِهَابُ بْنُ خِرَاشٍ، فَرَوياهُ عَنِ العَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ جَبَلَة بن سُحَيْمٍ، عَنْ مُؤْثِرِ بنِ عَفَازَةَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، موقوفاً.

وَقَوْلُ يَزِيدَ وشهاب هو الصواب.

قال أبو داود في «مسائل الإمام أحمد» (ص:430) (1991): قُلْتُ لِأَحْمَدَ: هُشَيْمٌ كَانَ يَقُولُ فِي حَدِيثِ المُؤْثِرِ بنِ عَفَازَةَ: «حَدَّثَنَا»؟ قَالَ: نَعَمْ، كَانَ يَقُولُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا جَبَلَةُ، حدثَنَا مُؤْثِرُ بنُ عَفَازَةَ، حدثَنَا عَبْدُاللَّهِ، وَكَانَ يَرْفَعُهُ، يَعْنِي: حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ.

فكأن الإمام أحمد يُنبّه على تفرد هشيم بذكر التحديث بين ابن عفازة وابن مسعود، وتفرده برفعه أيضاً.

والإمام أحمد يضبط جيد حديث هشيم هذا، فقد حكى قصة في ذلك ابنه عبدالله في العلل (2/367): سمعته يَقُول يَوْمًا: حَدَّثَنَا هُشَيْم بِحَدِيث أَبِي الجهم عَن الزُّهْرِيّ، عَن أَبِي سَلمَة، كَانَ عِنْده حجاج بن مُحَمَّد وَإِسْحَاق بن الطباع وَسَأَلَ إِسْحَاق بن الطباع هشيمًا يومئذٍ عَن حَدِيث ذِي القرنين: حَدِيث الْفضل بن عَطِيَّة فحدثنا بِهِ يومئذٍ، وَحدثنَا يومئذٍ أَيْضاً بِحَدِيث العَوَّام عَن جبلة بْن سحيم، عَن مُؤثر بْن عفازة، عَن بن مَسْعُود، فَرَأَيْت حجاجًا يكْتب وَجعل لَا يلْحق، وَكَانَ يكْتب فِي قرطاس، ثمَّ قَامَ بعد المجْلس فَأصْلح مَا سقط عَلَيْهِ، سَأَلَ هُشيمًا عَنْهُ.

وعلى كلّ فمُؤْثِر هذا مجهول الحال - وإن ادعى الحاكم خلافه -! لم يرو عنه إلا جَبلة بن سحيم.

وقد قال ابن الجنيد في «السؤالات» (ص: 282): سئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن مؤثر بن عفازة، فقال: "مرثد بن عفازة كذا قال هشيم وغيره"، ثم قال يحيى بن معين: "مؤثر ومرثد واحد".

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/63) (2164): "موثر بن عفازة، أبو المثنى الشيباني عن ابن مَسْعُود وبشير بْن الخصاصية. روى عنه: جبلة بن سحيم. هو العبدي".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/429) (1960): "موثر بن عفازة أبو المثنى الشيباني: روى عن عبدالله بن مسعود، وبشير بن الخصاصية. روى عنه: جبلة بن سحيم. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال مسلم في «الكنى والأسماء» (2/781) (3181): "أبو المثنى مؤثر بن عفازة الشيباني عن ابن مسعود وبشير بن الخصاصية، روى عنه: جلبة بن سحيم".

وقال ابن حبان في «الثقات» (5/463) (5735): "مُؤثر بن غفازة أَبُو المثنى العَبْدي، يروي عَن ابن مَسْعُود وَبشير بن الخصاصية. روى عَنهُ: جبلة بن سحيم".

وقال العجلي في «الثقات» (2/303) (1808): "مُؤثر بن عفازة من أَصْحَاب عبدالله ثِقَة".

وذكره ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/233) (2155) في الطبقة الأولى من أهل الكوفة.

وقال الحاكم أبو عبدالله في «المستدرك» (2/416) لما خرج حديثه السابق: "لَيْسَ بِمَجْهُولٍ، قَدْ رَوى عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ وَالبَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، وَرَوَى عَنْهُ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ".

قلت: لم يذكر أحد من أهل العلم أنه روى عن البراء، ولم يذكروا له راوياً إلا جبلة! وأوهام الحاكم في «المستدرك» كثيرة!

وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (ص: 549) (6939): "مُؤثر - بضم أوله، وسكون الواو، وكسر المثلثة -، ابن عفازة - بفتح المهملة، والفاء ثم زاي -، أبو المثنى الكوفي. مقبول".

قلت: مقبول عند ابن حجر إذا تُوبع، وإلا فليّن الحديث، ولم يتابعه أحد!

والخلاصة أن هذا الحديث ضعيف مرفوعاً وموقوفاً.

·       شاهد أَبي أُمامة:

روى ابن ماجه في «سننه» (5/197) (4077) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الطنافسيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ المُحَارِبِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ حَدِيثًا حَدَّثَنَاهُ عَنْ الدَّجَّالِ، وَحَذَّرَنَاهُ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ مُنْذُ ذَرَأَ اللَّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ، أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَأَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ، وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لَا مَحَالَةَ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْكُمْ فَأَنَا حَجِيجٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ يَخْرُجْ مِنْ بَعْدِي فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. وَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَيَعِيثُ يَمِينًا وَيَعِيثُ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ أيها الناس، فَاثْبُتُوا، فَإِنِّي سَأَصِفُهُ لَكُمْ صِفَةً لَمْ يَصِفْهَا إِيَّاهُ نَبِيٌّ قَبْلِي. فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ الدَّجَّالُ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ، وَيَنْطَلِقُ هَارِبًا، وَيَقُولُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَسْبِقَنِي بِهَا، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ اللُّدِّ الشَّرْقِيِّ فَيَقْتُلُهُ، فَيَهْزِمُ اللَّهُ الْيَهُودَ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيٌّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، لَا حَجَرَ وَلَا شَجَرَ وَلَا حَائِطَ وَلَا دَابَّةَ - إِلَّا الْغَرْقَدَةَ، فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ، لَا تَنْطِقُ- إِلَّا قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ، هَذَا يَهُودِيٌّ فَتَعَالَ اقْتُلْهُ».

قال المزي في «تحفة الأشراف» (4/175): "وكذا رواه سهل بن عثمان، عن المحاربي، وهو وهم فاحش".

وقال ابن حجر في «النكت الظراف»: "قلت: هكذا وقع في بعض النسخ، وقد وقع في نسخة صحيحة قابلها المسوري: عن إسماعيل بن رافع أبي رافع، عن أبي زرعة السيباني يحيى بن أبي عمرو، عن عمرو بن عبدالله الحضرمي، به. وسقط ذكر «عمرو بن عبدالله» في نسخة أخرى. وأخرجه أبو نُعيم الأصبهاني عن أبي الشيخ، عن عبدالرحمن بن مسلم، عن سهل بن عثمان، على الصواب. قال أبو نُعيم: ورواه محمد بن شعيب بن شابور: حدثني أبو زرعة: حدثني عمرو، عن أبي أمامة".

قلت: ورواه ابنُ أَبِي عُمَرَ في «مسنده» عن هِشَام بن سليمان المخزومي، عن إِسْمَاعِيل بن رَافِعٍ، عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنْ أَبِي أمامة. [المطالب العالية (18/441) (4522)].

وإسماعيل بن رافع متروك الحديث.

ورُوي الحديث من طريق آخر:

رواه نُعَيْم بن حماد في «الفتن» (2/517) (1446)، و(2/535) (1516).

وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/446) (1249)، وفي «السنة» (1/171) (391)، وأبو داود في «سننه» (6/376) (4322) كلاهما عن أَبي عُمَيْرٍ عِيسَى بن مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ المَوْصِلِيّ.

وحنبل بن إسحاق في «الفتن» (ص: 141) (37) عن يُونُس بن عَبْدِالرَّحِيمِ العَسْقَلَانِيّ.

وعبدالله بن أحمد في «السنة» (2/449) (1008) عن أَبي هَمَّامٍ السَّكُونِيّ الوَلِيد بن شُجَاعِ بنِ الوَلِيدِ بْنِ قَيْسٍ.

وتمّام في «فوائده» (1/116) (267)، والدارقطني في «رؤية الله» (ص: 191) (67) من طريق أَبي عُتْبَةَ أَحْمَد بن الفَرَجِ الحِجَازِيّ.

والروياني في «مسنده» (2/295) (1239) من طريق أَبي هَمَّامٍ الوَلِيد بن شُجَاعٍ.

والطبراني في «مسند الشاميين» (2/29) (862)، و«المعجم الكبير» (8/147) (7645) من طريق أَبي عُمَيْرِ بن النَّحَّاسِ الرمليّ.

والآجري في «الشريعة» (3/1311) (882) من طريق محمد بن يَحْيَى بن عُثْمَانَ.

كلهم (نُعيم بن حماد، وأبو عُمير ابن النحاس، ويونس بن عبدالرحيم، وأبو همام السكوني، وأبو عتبة الحجازي، ومحمد بن يحيى بن عثمان) عن ضَمْرَة بن رَبِيعَةَ الفلسطينيّ، عَن يَحْيَى بن أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبْدِاللَّهِ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ أَكْثَرُ خُطْبَتِهِ مَا يُحَدِّثُنَا عَنِ الدَّجَّالِ وَيُحَذِّرْنَاهُ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وَأَنَا آخِرُ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَنْتُمْ آخِرُ الْأُمَمِ وَهُوَ خَارِجٌ فِيكُمْ لَا مَحَالَةَ، فَإِنْ يَخْرُجْ فِيكُمْ، وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُ كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإِنْ يَخْرُجْ بَعْدِي فَكُلُّ امْرِئٍ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَيَعِيثُ يَمِينًا وَيَعِيثُ شِمَالًا، يَا عِبَادَ اللَّهِ اثْبُتُوا، فَإِنَّهُ يَبْدَأُ فَيَقُولُ: أَنَا نَبِيُّ وَلَا نَبِيَّ بَعْدِي، ثُمَّ يَبْدَأُ فَيَقُولُ أَنَا رَبُّكُمْ وَلَنْ تَرَوْا رَبَّكُمْ حَتَّى تَمُوتُوا، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَتْفُلْ فِي وَجْهِهِ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَنَارًا، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ، فَمَنِ ابْتُلِيَ بِنَارِهِ فَلْيَقْرَأْ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ، وَيَسْتَغِثْ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَكُنْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا، كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جِنَّةً شَيَاطِينَ تَتَمَثَّلُ عَلَى صُورَةِ النَّاسِ، فَيَأْتِي الْأَعْرَابِيَّ فَيَقُولُ: أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ أَبَاكَ وَأُمَّكَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانُهُ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَيَقُولَانِ لَهُ: يَا بُنَيَّ اتَّبِعْهُ فَإِنَّهُ رَبُّكَ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلَهَا، ثُمَّ يُحْيِيَهَا وَلَنْ يَعُودَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ بِنَفْسٍ غَيْرِهَا، يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا فَإِنِّي أَبْعَثُهُ الْآنَ، يَزْعُمُ أَنَّ لَهُ رَبًّا غَيْرِي، فَيَبْعَثُهُ فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ الدَّجَّالُ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لِلْأَعْرَابِيِّ أَرَأَيْتَ إِنْ بَعَثْتُ لَكَ إِبِلَكَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ، فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانُهُ عَلَى صُورَةِ إِبِلِهِ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأْمُرَ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ، وَيَأْمُرَ الْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيُكَذِّبُوهُ، فَلَا تَبْقَى لَهُمْ سَائِمَةٌ إِلَّا هَلَكَتْ، وَيَمُرُّ بِالْحَيِّ فَيُصَدِّقُوهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرَ، وَيَأْمُرُ الْأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتَ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ مَوَاشِيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ خَوَاصِرَ وَأَدَرَّهُ ضُرُوعًا، وَإِنَّ أَيَّامَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا، فَيَوْمٌ كَالسَّنَةِ، وَيَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ، وَيَوْمٌ كَالشَّهْرِ، وَيَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ، وَيَوْمٌ كَالْجُمُعَةِ، وَيَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ، وَيَوْمٌ كَالْأَيَّامِ، وَيَوْمٌ دُونَ ذَلِكَ، وَآخِرُ أَيَّامِهِ كَالشَّرَارَةِ فِي الْجَرِيدَةِ، يُضَحِّي الرَّجُلُ بِبَابِ الْمَدِينَةِ فَلَا يَبْلُغُ بَابَهَا حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ الْقِصَارِ؟ قَالَ: تُقَدِّرُوا فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ الْقِصَارِ كَمَا تُقَدِّرُونَ فِي الْأَيَّامِ الطِّوَالِ ثُمَّ تُصَلُّونَ، وَإِنَّهُ لَا يَبْقَى شَيْءٌ مِنَ الْأَرْضِ إِلَّا وَطِئَهُ وَغَلَبَ عَلَيْهِ إِلَّا مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِيهَا مِنْ نَقْبٍ مِنْ أَنْقَابِهَا إِلَّا لَقِيَهُ مَلَكٌ مُصْلَتٌ بِالسَّيْفِ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الضَّرِيبِ الْأَحْمَرِ عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبَخَةِ عِنْدَ مُجْتَمَعِ السُّيُولِ، ثُمَّ تَرْجُفُ الْمَدِينَةُ بِأَهْلِهَا ثَلَاثَ رَجَفَاتٍ فَلَا يَبْقَى مُنَافِقٌ وَلَا مُنَافِقَةٌ إِلَّا خَرَجَ فَتَنْفِي الْمَدِينَةُ يَوْمَئِذٍ خَبَثَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ، يُدْعَى ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ الْخَلَاصِ. فَقَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ: بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ يَخْرُجُ حَتَّى يُحَاصِرَهُمْ، وَإِمَامُ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَيُقَالُ لَهُ: صَلِّ الصُّبْحَ، فَإِذَا كَبَّرَ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ نَزَلَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا رَآهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ عَرَفَهُ فَرَجَعَ يَمْشِي الْقَهْقَرَى لِيَتَقَدَّمَ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ: صَلِّ فَإِنَّمَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ لَكَ، فَيُصَلِّي عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَاءَهُ فَيَقُولُ: افْتَحُوا الْبَابَ، فَيَفْتَحُوهُ وَمَعَ الدَّجَّالِ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ يَهُودِيٍّ كُلُّهُمْ ذُو سِلَاحٍ وَسَيْفٍ مُحَلًّى، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فِي النَّارِ، وَكَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَخْرُجُ هَارِبًا فَيَقُولُ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَفُوتَنِي بِهَا، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ فَيَقْتُلُهُ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيُّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، لَا شَجَرَةَ وَلَا حَجَرَ وَلَا دَابَّةَ إِلَّا قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ، هَذَا يَهُودِيُّ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ. - قَالَ الشَّيْخُ: شَوْكٌ يَكُونُ بِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ - قَالَ: وَيَكُونُ عِيسَى فِي أُمَّتِي حَكَمًا عَدْلًا وَإِمَامًا مُقْسِطًا، فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَدُقُّ الصَّلِيبَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَلَا يُسْعَى عَلَى شَاةٍ وَلَا بَعِيرٍ، وَتُرْفَعُ الشَّحْنَاءُ وَالْبَغْضَاءُ وَالتَّبَاغُضُ، وَتُنْزَعُ حُمَةُ كُلِّ دَابَّةٍ حَتَّى تَلْقَى الْوَلِيدَةُ الْأَسَدَ فَلَا يَضُرُّهَا، وَيَكُونُ الذِّئْبُ فِي الْغَنَمِ كَأَنَّهُ كَلْبُهَا، وَتُمْلَأُ الْأَرْضُ مِنَ الْإِسْلَامِ، وَيُسْلَبُ الْكُفَّارُ مُلْكَهُمْ فَلَا يَكُونُ مُلْكٌ إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَتَكُونُ الْأَرْضُ كَفَاثُورِ الْفِضَّةِ تَنْبُتُ نَبَاتَهَا كَمَا كَانَتْ عَلَى عَهْدِ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَجْتَمِعُ النَّفَرُ عَلَى الْقِطْفِ فَيُشْبِعُهُمْ، وَيَجْتَمِعُ النَّفَرُ عَلَى الرُّمَّانَةِ، وَيَكُونُ الثَّوْرُ بِكَذَا وَكَذَا مِنَ الْمَالِ، وَتَكُونُ الْفَرَسُ بِالدُّرَيْهِمَاتِ».

واختصره بعضهم.

قلت: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ السَّيْبَانِيِّ!

وما جاء فيه: «فَإِذَا نَظَرَ إِلَى عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ فِي النَّارِ، وَكَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ثُمَّ يَخْرُجُ هَارِبًا فَيَقُولُ عِيسَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِي فِيكَ ضَرْبَةً لَنْ تَفُوتَنِي بِهَا، فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ الشَّرْقِيِّ فَيَقْتُلُهُ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ مِمَّا خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا يَتَوَارَى بِهِ يَهُودِيُّ إِلَّا أَنْطَقَ اللَّهُ ذَلِكَ الشَّيْءَ، لَا شَجَرَةَ وَلَا حَجَرَ وَلَا دَابَّةَ إِلَّا قَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ الْمُسْلِمَ، هَذَا يَهُودِيُّ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ لَا تَنْطِقُ»، مخالف لما جاء في الحديث المروي عن سهيل المتقدم أن الذي يتكلم الحجر والشجر! فزاد هنا «ولا دابة»!

والذي يظهر أن هذا الحديث أصله من حديث كعب الأحبار!

فقد رواه نُعيم بن حماد في «الفتن» (2/560) (1566) عن ضَمْرَة، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ كَعْبٍ، قَالَ: «إِذَا سَمِعَ الدَّجَّالُ، نُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ هَرَبَ، فَيَتْبَعُهُ عِيسَى فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، فَلَا يَبْقَى شَيْءٌ إِلَّا دَلَّ عَلَى أَصْحَابِ الدَّجَّالِ، فَيَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ».

فضمرة كاتب يضطرب في إسناده، ويخلط فيه!

وضمرة كان من الفقهاء وكان صدوقاً، إلا أن له بعض الأوهام والتخاليط!

وَثَّقَهُ يحيى بن معِين، وأحمد، وَالنَّسَائِيّ، وابن سعد، والعجلي، وابن حبان.

قال ابن يونس: "كَانَ فقيههم في زمانه رحمه الله".

وقال أبو حاتم: "صالح".

وقال الساجي: "صدوقٌ يَهم، عنده مناكير".

وقالَ ابن الجَوْزِيّ فِي كِتَابه الَّذِي أَلفه فِي إِنْكَار حَيَاة الخضر إِن شَيْخه ابن المُنَادِي قدح فِيهِ. [ذيل ميزان الاعتدال (ص: 127)].

وقال الذهبي في «الميزان» (2/330): "مشهور ما فيه مَغمز".

وقال في «تاريخ الإسلام» (5/93): "وكان عالمًا نبيلاً، له غلطات".

وذكر له الخليليّ في «الإرشاد» (2/476) حديثاً أُنكر عليه، ثم قال: "وهُوَ مِنْ أَهْلِ الرَّمْلَةِ يَتَفَرَّدُ بِأَحَادِيثَ، غَيْرُ مُخَرَّجٍ فِي الصَّحِيحِ".

وقال ابن حجر في «التقريب»: "ضَمْرة بن رَبيعة الفَلَسطِيني، أبو عبدالله، أصلُه دمشقي: صدوقٌ يهِمُ قليلًا".

فتعقبه صاحبا «التحرير» (2/151) بقولهما: "بل: ثقةٌ يهم قليلًا، فقد وثقه يحيى بن معين، وأحمد بن حنبل، والنسائي، وآدم بن أبي إياس، ومحمد بن سعد، وابن حبان، والعجلي، وابن شاهين. وقال ابن يونس: كان فقيههم في زمانه. وقال أبو حاتم: صالح. ولم يتكلم فيه سوى الساجي حينما قال: صدوقٌ يهم عنده مناكير. قلت: لم ينكر عليه سوى حديثين، فكان ماذا؟" انتهى.

قلت: ما قاله ابن حجر فيه هو الصواب، فهو صدوق، وليس ثقة مطلقاً، وإنما نزل عن هذه المرتبة لتفرداته وأوهامه، ولهذا لم يحتج به البخاري ومسلم، ولو كان ثقة مطلقاً لاحتجوا به.

وقول ابن يونس: "كان فقيههم في زمانه" لا يعني به التوثيق في الحديث، وإنما هو يتحدث عن فقهه، لا عن حديثه، وكم من فقيه قد أثر تفرغه للفقه على حديثه، فكان يهم ويخطئ فيه.

وقول أبي حاتم: "صالح" = يعني أنه يُعتبر بحديثه، ولا يُحتج بما انفرد به.

وأما أنه لم يُنكر عليه سوى حديثين، فهذا ما أورده أهل العلم في كتبهم، ولا يعني ذلك أنه لم يخطئ إلا في هذين الحديثين! وهذا يحتاج لسبر جميع حديثه.

وقد نظرت في حديثه فوجدت له تفردات كثيرة بالنسبة لحجم روايته القليلة للمسندات أشار لبعضها الطبراني في كتاب «المعجم الأوسط» = تسعة أفراد! وله كثير من الآثار التي تُقبل، لكن ما يرويه مسنداً يحتاج لمتابع عليه، وكان انشغاله بالفقه هو الذي جعله يهم في حديث، ويخلط فيه، وينفرد بها!

ومن مناكيره ما رواه عَنِ السَّيْبَانِيِّ يَحْيَى بن أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِاللهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: بِبَيْتِ المَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ المَقْدِسِ».

وخالفه عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ الرَّمْلِيُّ فرواه عَنْ أَبِي زُرْعَةَ السَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي وَعْلَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ السَّحُولِيِّ، عن مُرَّة البَهْزِيّ، عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم.

فكأن ضمرة كان يسلك جادة: السَّيْبَانِيّ، عَنْ عَمْرِو بنِ عَبْدِاللهِ الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ!

وعبّاد صدوق من أهل الزهد والعبادة، وثقه ابن معين، ويعقوب بن سفيان، والعجلي، وهو الذي كتب إليه الثوري بالرسالة المشهورة في الآداب والزهد.

وقال ابن حبان في «المجروحين» (2/170): "كَانَ مِمَّن غلب عَلَيْهِ التقشف وَالْعِبَادَة حَتَّى غفل عَن الْحِفْظ والإتقان، فَكَانَ يَأْتِي بالشَّيْء على حسب التَّوَهُّم حَتَّى كثر الْمَنَاكِير فِي رِوَايَته على قلتهَا فَاسْتحقَّ التّرْك".

فتعقبه الذهبي في «تاريخ الإسلام» (4/872) قال: "قُلْتُ: بَلِ العِبْرَةُ بِمَنْ وَثَّقُوهُ".

وقال ابن حجر في «التقريب»: "صدوق يهم، أفحش ابن حبان، فقال: يستحق الترك".

قلت: لم يذكر ابن حبان شيئاً من رواياته التي استحق توهّم بها حتى استحق الترك! وحديثه قليل جداً، وذكر له الطبراني في «معجمه الأوسط» هذا الحديث وحديث آخر فقط!

والظاهر أنه ضبط هذه الرواية عن يحيى بن أبي عمرو السَّيْباني، ففي بعض الطرق: "عَنِ أبي وَعْلَةَ - شَيْخٌ مِنْ عَكَّ- قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا كُرَيْبٌ مِنْ مِصْرَ يُرِيدُ مُعَاوِيَةَ، فَزُرْنَاهُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي عَدَدَ مَا حَدَّثَنِي مُرَّةُ الْبَهْزِيُّ فِي خَلَاءٍ وَفِي جَمَاعَةٍ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة...".

وأبو وَعلة مجهول.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (9/78) (752): "أَبُو وعلة العجلي: قَدِمَ عَلَيْنَا كُرَيْبٌ مِنْ مِصْرَ وَيُرِيدُ مُعَاوِيَةَ فَزُرْنَاهُ، فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا عَدَدُ مَا حَدَّثَنِي مُرَّةُ الْبَهْزِيُّ فِي جَمَاعَةٍ وَفِي خَلاءٍ سَمِعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظاهرين على من نا واهم، وذكر الحديث".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/452) (2301): "أبو وعلة الوعلاني قال: قدم كريب علينا من مصر يريد معاوية فزرناه فقال: حدثني مرة بن كعب البهزي. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال العجلي في «الثقات» (2/436) (2284): "أَبُو وَعلة: شَامي ثِقَة".

قلت: لا أدري كيف وثقه العجلي، وهو مجهول لا يُعرف إلى في هذه الرواية!

ومن مناكير ضمرة أيضاً ما رواه عَنِ السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِاللهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللهَ اسْتَقْبَلَ بِيَ الشَّامَ وَوَلَّى ظَهْرِي الْيَمَنَ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَكَ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزْقًا، وَمَا خَلْفَ ظَهْرِكَ مَدَدًا وَلَا يَزَالُ اللهُ يَزِيدُ - أَوْ قَالَ -: يُعِزُّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَيُنْقِصُ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ بَيْنَ كَذَا - يَعْنِي الْبَحْرَيْنِ - لَا يَخْشَى إِلَّا جَوْرًا، وَلَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَبْلَغَ اللَّيْلِ».

قال أبو نُعيم في «الحلية» (6/107): "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ السَّيْبَانِيِّ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ".

لكن حديثنا الذي رواه ضمرة عن السيباني له متابعة:

رواه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/28) (861)، وفي «المعجم الكبير» (8/146) (7644) من طريق عَمْرو بن سَوَّادٍ السَّرْحِيّ. والدارقطني في كتاب «رؤية الله» (ص: 191) (68) من طريق أَحْمَد بْن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ، وسَعِيد بن تَلِيدٍ الْمِصْرِيّ. والحاكم في «المستدرك» (4/580) (8620) من طريق أَحْمَد بْن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ القُرَشِيّ. ثلاثتهم عن ابن وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بنِ يَزِيد الأَيليّ، عَنْ عَطَاءٍ الخُرَاسَانِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَدِيثِ عَمْرٍو الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَهُ.

قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ بِهَذِهِ السِّيَاقَةِ".

قلت: لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَن عطاء الخُراسانيّ إِلَّا يُونُسُ، تَفَرَّدَ بِهِ: عبدالله بن وهب! وهو غريبٌ من حديث يونس!

ولو كان هذا الحديث عند عطاء الخراساني لرواه عنه ابنه عثمان، وضمرة يروي عن عثمان بن عطاء.

وعطاء الخراساني قديم ولد سنة (50هـ) ومات سنة (133هـ) -، فلو كان هذا الحديث عند عمرو الحضرمي هذا لربما لم يروه عنه بواسطة يحيى بن أبي عمرو الذي توفي بعده سنة (148هـ)!

ورواية الراوي عن رجل مات بعده أمر عادي، لكن هذا يكون في الأحاديث الأفراد الغريبة، فإن ثبت أن عطاء الخراساني رواه عن يحيى بن أبي عمرو السيباني فهو من باب الأحاديث الفوائد التي يرويها الأقران عن بعضهم، أو يرويها الكبير عن الصغير.

وهذا الطريق غريبٌ جداً!

ويونس بن يزيد الأيلي صدوق من أصحاب الزهري، وكان إذا حدث من كتاب عن الزهري قدّموه فيه.

قَال العجلي، والنَّسَائي: "ثقة".

وَقَال يعقوب بْن شَيْبَة: "صالح الحديث، عالم بحديث الزُّهْرِيّ".

وَقَال محمد بن عوف، عن أَحْمَد بْن حنبل: قال وكيع: "رأيت يونس بْن يزيد الأيلي، وكان سيء الحفظ". قال أحمد: "سمع منه وكيع ثلاثة أحاديث".

وقال أَبُو بكر الأثرم: أنكر أَبُو عَبداللَّهِ على يونس، وَقَال: كان يجيء عَن سَعِيد بأشياء ليس من حديث سَعِيد، وضعف أمر يونس، وَقَال: لم يكن يعرف الحديث، وكان يكتب - أرى - أول الكتاب فينقطع الكلام، فيكون أوله عَن سَعِيد وبعضه عَن الزُّهْرِيّ، فيشتبه عَلَيْهِ.

قال أَبُو عَبداللَّهِ: ويونس يروي أحاديث من رأي الزُّهْرِيّ يجعلها عَن سَعِيد.

قال أَبُو عَبداللَّهِ: يونس كثير الخطأ عَن الزُّهْرِيّ، وعقيل أقل خطأ منه.

وَقَال أبو زُرْعَة: "لا بأس به".

وَقَال ابن خراش: "صدوق".

وَقَال ابن سعد: "كَانَ حلو الحديث، كثيره، وليس بحجة، ربما جاء بالشيء المنكر".

وأما عطاء الخراساني فصدوق أيضاً لكنه يهم في حديثه.

وقد وثّقه يحيى، وأحمد، ويعقوب بن شيبة، والعجلي، وغيرهم.

وقال أبو حاتم: "لا بأس به".

وقد ذكره البخاري في «الضعفاء».

وقال الترمذي في «العلل الكبير» (ص: 271) عن البخاري، قال: "مَا أَعْرِفُ لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ رَجُلًا يَرْوِي عَنْهُ مَالِكٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُتْرَكَ حَدِيثُهُ غَيْرَ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ".

قُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالَ: "عَامَّةُ أَحَادِيثِهِ مَقْلُوبَةٌ".

قال الترمذي: "وعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ رَجُلٌ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ الثِّقَاتُ مِنَ الْأَئِمَّةِ مِثْلُ: مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ وَغَيْرِهِمَا، وَلَمْ أَسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا مِنَ المُتَقَدِّمِينَ تَكَلَّمَ فِيهِ بِشَيْءٍ".

ولم يصح أن البخاري روى له شيئاً في «صحيحه».

قال الذهبي في «السير»: "قِيْلَ: إِنَّ الَّذِي فِي تَفْسِيْرِ سُوْرَةِ نُوْحٍ مِنْ «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ» هُوَ عَطَاءٌ الخُرَاسَانِيُّ، وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ هُوَ: عَطَاءُ بنُ أبي رباح. فعلى هذا لا شيء لِلْخُرَاسَانِيِّ فِي «صَحِيْحِ البُخَارِيِّ»".

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب»: "ومما يؤيد أن البخاري لم يخرج له شيئاً أن الدارقطني، والجياني، والحاكم، واللالكائي، والكلاباذي، وغيرهم لم يذكروه في رجاله". - أي: رجال البخاري.

وقال ابن عدي في «الكامل»: "ولعطاء الخراساني من الحديث غير ما ذكرت، وأرجو أنه لا بأس به".

وقال ابن حبان في «المجروحين»: "أَصله من بَلخ، مولى المُهلب بن أبي صفرَة، وعِداده فِي البَصرِيين، وَإِنَّمَا قيل: الخُرَاسَانِي؛ لِأَنَّهُ دخل خُرَاسَان وَأقَام بهَا مُدَّة طَوِيلَة، ثمَّ رَجَعَ إِلَى العرَاق فنسب إِلَى خُرَاسَان لطول مكثه بهَا... وَكَانَ من خِيَار عباد الله غير أَنه رَدِيء الحِفْظ، كثير الوَهم، يُخطىء ولَا يعلم، فَحمل عَنهُ، فَلَمَّا كثر ذَلِك فِي رِوَايَته بَطل الِاحْتِجَاج بِهِ".

فتعقبه الذهبي في «الميزان» فقال: "فيا هذا، أي حاجة بك إلى هذه الدورة؟ أليست بلخ من أمهات مدن خراسان بلا خلاف؟ قال أبو حاتم: ثقة محتج به".

وقال في «السير» - بعد نقله كلام ابن حبان -: "قُلْتُ: هَذَا القَوْلُ فِيْهِ نَظَرٌ".

قلت: كذا قال الخليلي مثل قول ابن حبان في «الإرشاد» (1/220) قال: "وَقِيلَ لَهُ الْخُرَاسَانِيُّ؛ لِأَنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى خُرَاسَانَ، وَتَوَلَّى القَضَاءَ بِهَا، وَهُوَ غَيْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ".

فكأن ابن حبان إنما ذكر نسبة «الخراساني» كما ذكر ذلك الخليلي أيضاً لشهرته بها، وعدم شهرته بالبلخي، وخراسان البلد الكبير، وبلخ مدينة فيها، وهو إنما كان قاضياً على خراسان.

قال ابن حجر في «التقريب»: "عطاء بن أبي مسلم أبو عثمان الخراساني، واسم أبيه: ميسرة، وقيل: عبدالله. صدوق يهم كثيراً، ويرسل، ويدلس... لم يصح أن البخاري أخرج له".

والحاصل أن هذا الحديث رواه إِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ أَبو رَافِعٍ، وضَمْرَةُ بن رَبِيعَةَ الفلسطينيّ، وعَطَاءٌ الخُرَاسَانِيّ، ثلاثتهم عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَدِيثِ عَمْرٍو الحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ.

ورواية عطاء تفرد بها عنه: يُونُس بن يَزِيد الأَيليّ.

وإسماعيل متروك الحديث، وضمرة فيه كلام، وروى بعضهم الحديث عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيِّ، عَنْ كَعْبٍ، قوله!

وعطاء لا يُحتج بما انفرد به! لكن لم يرو عنه هذا الحديث إلا يونس، ويونس له منكرات!

فهذه المتابعات لا تصلح أن تقوّي بعضها!

وعمرو بن عبدالله الحضرمي مجهول الحال! لم يرو عنه إلا يحيى بن أبي عمرو السيباني!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (6/349) (2597): "عَمْرو بن عَبْداللَّه الحضرمي أَبُو عَبْدالجَبَّارِ الشامي عَنْ أَبِي أمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، روى عَنْهُ: يَحْيَى بْن أَبِي عَمْرو السيباني الشامي".

وفرّق البخاري بين هذا والذي يروي عن أبي هريرة مع أن الذي يروي عنهما واحد، وهو: يحيى السيباني.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (5/209) (668): " عَبْدُاللَّهِ بنُ مَعَجٍ أَبُو عَبْدِالجَبَّارِ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قوله. قاله ضمرة عَنِ السيباني".

وتبعه أبو حاتم، وابن حبان في إفراد كل منهما في ترجمة، إلا أنهما خلطا فيهما!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/244) (1352): "عمرو بن عبدالله الحضرمي أبو عبدالجبار، ويقال: أبو عبدالجبار عبدالله بن معج، روى عن أبي هريرة. روى عنه: يحيى بن أبي عمرو السيباني الشامي. سمعت أبي يقول ذلك".

كذا جمع بينهم هنا، ثم أفرد الآخر بترجمة منفردة!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/176) (825): "عبدالله بن معج أبو عبدالجبار الفلسطيني: روى عن أبي هريرة. روى عنه: أبو زرعة السيباني يحيى بن أبي عمرو. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال مسلم في «الكنى» (1/661) (2685): "أبو عبدالجبار عبدالله بن معج، ويقال: عمرو بن الحضرمي، عن أبي هريرة. روى عنه: يحيى بن أبي عمرو الشيباني".

وقال ابن حبان في «الثقات» (5/179) (4458): "أَبُو عَبْدالجَبَّار، اسْمه: عَمْرو بْن عَبْداللَّه الحَضْرَمِيّ. يروي عَن أَبِي هُرَيْرَة. روى عَنهُ: يحيى بن أبي عَمْرو السيباني".

وقال (5/30) (3693): "عَبْداللَّه بن معج أَبُو عَبْدالْجَبَّار: يَرْوِي عَن أبي هُرَيْرَة. روى عَنهُ: يحيى بْن أَبِي عَمْرو السيباني".

وقال في «مشاهير علماء الأمصار» (ص: 117) (906): "أبو عبدالجبار صاحب أبي هريرة، اسمه: عمرو بن عبدالله الحضرمي. كان متقناً".

قلت: كيف يكون متقناً وهو مجهول؟!

وفي كتاب الحاكم أبي أحمد، وابن عبدالبر، والدولابي، ويحيى بن محمد بن صاعد: أبو عبدالجبار عبدالله بن معج الأزدي، ويقال: عمرو بن عبدالله الحضرمي".

وقال العجلي في «الثقات» (2/178) (1393): "عَمْرو بن عبدالله الحَضْرَمِيّ: شَامي، تَابِعِيّ، ثِقَة".

وقال يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/437): "عَمْرو بن عَبْدِاللَّهِ الحَضْرَمِيِّ: شَامِيٌّ ثقة".

قلت: لا أدري كيف يكون ثقة، وهو مجهول الحال؟

وقال ابن حجر في «التقريب»: "عمرو بن عبدالله السيباني أبو عبدالجبار، ويقال: أبو العجماء الحضرمي الحمصي: مقبول".

مقبول حيث يُتابع، وإلا فهو ليّن الحديث، وهو هنا لم يُتابع على حديثه!

وقال الذهبي في «ديوان الضعفاء»: "عمرو بن عبدالله السيباني الحمصي، تابعي: مجهول".

والخلاصة أن أبا عبدالجبار عمرو بن عبدالله السيباني الذي يروي عن أبي أمامة، غير عبدالله بن معج أبي عبدالجبار الذي يروي عن أبي هريرة! والراوي عنهما واحد، وهو: يحيى بن أبي عمرو السيباني، وكلاهما مجهول.

وحديث عبدالله بن مَعج يرويه عَبَّادُ بنُ عَبَّادٍ الخَوَّاصُ وغيره، عن أَبُي زُرْعَةَ يَحْيَى بن أَبِي عَمْرٍو السَّيْبَانِيُّ، عَنْ أَبِي عَبْدِالجَبَّارِ - وَاسْمُهُ: عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَعْجٍ -، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «لَأُصَلِّيَنَّ بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِ اسْتَطَعْتُ لَمْ أَزِدْ وَلَمْ أَنْقُصْ، فَكَبَّرَ، فَشَهَرَ بِيَدَيْهِ، فَرَكَعَ، فَلَمْ يُطِلْ وَلَمْ يُقْصِرْ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَشَهَرَ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ».

·       شاهد سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ:

روى عليّ بن الجعد في «مسنده» (ص: 389) (2658).

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/425) (8399)، و(21/224) (38668). وابن خزيمة في «صحيحه» (1/682) (1397) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى. والحاكم في «المستدرك» (1/478) (1230) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ البغوي. ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، ومحمد بن يحيى، والبغوي) عن أَبي نُعَيْمٍ الفَضْل بن دُكَيْنٍ.

وأحمد في «مسنده» (33/346) (20178) عن أَبي كَامِلٍ مظفر بن مُدرك.

والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص: 92) عن أبي غسّان مَالِك بن إِسْمَاعِيلَ.

وأبو داود في «سننه» (2/286) (1184)، وإبراهيم الحربي في «غريب الحديث» (3/979) عن أحمد بن يونس. والروياني في «مسنده» (2/68) (848) عن محمد بن إسحاق، عن أَحْمَد بن عَبْدِاللَّهِ بنِ يُونُسَ، ويَحْيَى بن أَبِي بُكَيْرٍ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (2/345) (1882) عن هِلَال بن العَلَاءِ بْنِ هِلَالٍ، عن الحُسَيْن بن عَيَّاشٍ.

وفي «السنن المأثورة عن الشافعي» (ص:143) (52) التي رواها الطحاوي عن خاله المزني، عن عبدالكريم بن محمد الجرجاني.

والطبراني في «المعجم الكبير» (7/191) (6799) من طريق أَبي غَسَّانَ مَالِك بن إِسْمَاعِيلَ، وعَمْرِو بنِ خَالِدٍ الحَرَّانِيّ.

كلهم (ابن الجعد، وأبو نُعيم، وأبو كامل، وأبو غسّان، وأحمد بن يونس، وابن أبي بُكير، والحسين بن عيّاش، وعبدالكريم بن محمد الجرجاني، وعمرو بن خالد) عن زُهَيْرِ بنِ مُعَاوِيَةَ.

ورواه أحمد في «مسنده» (33/357) (20190) عن عَفَّان. وعبدالله بن أحمد في «زوائده على أبيه» (33/358) (20191) عن خَلَفِ بن هِشَام، وَعَبْدِالوَاحِدِ بْنِ غِيَاثٍ. والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (7/398) (2955) من طريق أَبي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ. وابن حبان في «صحيحه» (7/101) (2856) من طريق خَلَف بْنِ هِشَامٍ الْبَزَّار. والطبراني في «المعجم الكبير» (7/190) (6798) من طريق حَجَّاج بن المِنْهَالِ، ويَحْيَى الحِمَّانِيّ.

كلهم (عفّان، وخلف، وعبدالواحد، وأبو الوليد الطيالسي، وحجاج، والحماني) عن أَبي عَوَانَةَ الوضّاح اليشكريّ.

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/431) (8415)، وأحمد في «مسنده» (33/330) (20160)، و(33/374) (20220) كلاهما عن وَكِيع. [ورواه الترمذي في «جامعه» (1/701) (562) عن مَحْمُود بن غَيْلاَنَ. وابن ماجه في «سننه» (2/314) (1264) عن عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ، ومُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل، والطوسي في «مستخرجه على جامع الترمذي» (3/111) (529) عن عبدالله بن هاشم البغوي. أربعتهم عن وَكِيع].

والبخاري في «خلق أفعال العباد» (ص: 92) من طريق عَبْداللهِ بنِ المُبَارَكِ.

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (13/228) (26373)، وأحمد في «مسنده» (33/351) (20180) كلاهما عن عُمَر بن سَعْدٍ أَبي دَاوُدَ الحَفَرِيّ. [ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (2/354) (1901) عن أَحْمَد بن سُلَيْمَانَ، عن أَبي دَاوُدَ الْحَفَرِيّ].

كلهم (وكيع، وابن المبارك، والحفري) عَنْ سُفْيَانَ الثوريّ. [وهو في جزء حديث سفيان الثوري برواية محمد بن يوسف الفريابي (ص:140) (239)].

ورواه أحمد في «مسنده» (33/396) (20268) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ، عن سَلَّام بن أَبِي مُطِيعٍ.

أربعتهم (زهير بن معاوية، وأبو عَوانة، والثوري، وسلام بن أبي مطيع) عَنِ الْأَسْوَدِ بنِ قَيْسٍ، قال: حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ عِبَادٍ العَبْدِيُّ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ: أَنَّهُ شَهِدَ خُطْبَةً يَوْمًا لِسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، فَذَكَرَ فِي خُطْبَتِهِ، قَالَ سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ: «بَيْنَا أَنَا يَوْمًا وَغُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ نَرْمِي غَرَضًا لَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحَيْنِ، أَوْ ثَلَاثَةٍ فِي غَيْرِ النَّاظِرِينَ مِنَ الْأُفُقِ، اسْوَدَّتْ حَتَّى كَأَنَّهَا تَنُّومَةٌ، فَقَالَ أَحَدُنَا لِصَاحِبِهِ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَوَاللَّهِ لَيُحْدِثَنَّ شَأْنُ هَذِهِ الشَّمْسِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُمَّتِهِ حَدَثًا، فَدَفَعْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا هُوَ بَارِزٌ، فَوَافَقْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ، قَالَ: فَاسْتَقْدَمَ، فَصَلَّى بِنَا كَأَطْوَلِ مَا قَامَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، ثُمَّ رَكَعَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، وَلَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ قَطُّ، لَا يُسْمَعُ لَهُ صَوْتٌ، قَالَ: ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ، قَالَ: فَوَافَقَ تَجَلِّي الشَّمْسِ جُلُوسَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، قَالَ: فَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَشَهِدَ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَشَهِدَ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ رَسُولُ اللَّهِ، فَأُذَكِّرُكُمْ بِاللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَصَّرْتُ عَنْ شَيْءٍ مِنْ تَبْلِيغِ رِسَالَاتِ رَبِّي لَمَا أَجَبْتُمُونِي، حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي كَمَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُبَلَّغَ، وَإِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنِّي قَدْ بَلَّغْتُ رِسَالَاتِ رَبِّي لَمَا أَخْبَرْتُمُونِي، قَالَ: فَقَامَ النَّاسُ، فَقَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ رِسَالَاتِ رَبِّكَ، وَنَصَحْتَ لِأُمَّتِكَ، وَقَضَيْتَ الَّذِي عَلَيْكَ. قَالَ: ثُمَّ سَكَتُوا. قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رِجَالًا يَزْعُمُونَ أَنَّ كُسُوفَ هَذِهِ الشَّمْسِ، وَكُسُوفَ هَذَا الْقَمَرِ، وَزَوَالَ هَذِهِ النُّجُومِ عَنْ مَطَالِعِهَا لِمَوْتِ رِجَالٍ عُظَمَاءَ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُمْ كَذَبُوا، وَلَكِنَّهَا آيَاتٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ يَفْتِنُ بِهَا عِبَادَهُ، لِيَنْظُرَ مَنْ يُحْدِثُ مِنْهُمْ تَوْبَةً، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مُنْذَ قُمْتُ أُصَلِّي مَا أَنْتُمْ لَاقُونَ فِي دُنْيَاكُمْ وَآخِرَتِكُمْ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ كَذَّابًا آخِرُهُمُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا عَيْنُ أَبِي يَحْيَى -أَوْ تَحْيَا- لِشَيْخٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَإِنَّهُ مَتَى خَرَجَ فَإِنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهُ اللَّهُ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ فَلَيْسَ يَنْفَعُهُ صَالِحٌ مِنْ عَمَلٍ سَلَفَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ وَكَذَّبَهُ، فَلَيْسَ يُعَاقَبُ بِشَيْءٍ مِنْ عَمَلِهِ سَلَفَ، وَإِنَّهُ سَيَظْهَرُ عَلَى الْأَرْضِ كُلِّهَا إِلَّا الْحَرَمَ وَبَيْتَ الْمَقْدِسِ، وَإِنَّهُ يَحْصُرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيُزَلْزَلُونَ زِلْزَالًا شَدِيدًا، قَالَ: فَيَهْزِمُهُ اللَّهُ وَجُنُودُهُ، حَتَّى أَنَّ جِذْمَ الْحَائِطِ وَأَصْلَ الشَّجَرَةِ لَيُنَادِي: يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ يَسْتَتِرُ بِي، تَعَالَ: اقْتُلْهُ. قَالَ: وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَذَلِكَ حَتَّى تَرَوْا أُمُورًا يَتَفَاقَمُ شَأْنُهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، تَسْأَلُونَ بَيْنَكُمْ هَلْ كَانَ نَبِيُّكُمْ ذَكَرَ لَكُمْ مِنْهَا ذِكْرًا، وَحَتَّى تَزُولَ جِبَالٌ عَنْ مَرَاثِيهَا عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ الْقَبْضِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ».

قَالَ: "ثُمَّ شَهِدْتُ خُطْبَةً أُخْرَى، قَالَ: فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ مَا قَدَّمَ كَلِمَةً وَلَا أَخَّرَهَا عَنْ مَوْضِعَهَا".

كذا رواه بعضهم مطولاً، ورواه بعضهم مختصراً.

قال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2841): "رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وزُهَيْرٌ، وعَمَّارُ بْنُ رُزَيْقٍ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ عَنِ الْأَسْوَدِ".

قال الترمذي: "حَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

وقال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

وقال ابن حجر في «الفتح» (6/610): "إِسْنَاده حَسَن".

وقال في «الإصابة» (7/45): "حديث صحيح".

قلت: أنّى له الصحة أو الحسن، وراويه ثعلبة مجهول لا يُعرف؟

ولا يُعرف روى عنه إلا الأسود بن قيس فقط بحديث الكسوف الطويل، وآخر في الوضوء.

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (1/54) (156) عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَسْدِيّ، عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَباد، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا أَدْرِي كَمْ حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ حَتَّى يَسِيلَ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَسِيلَ الْمَاءُ عَلَى مِرْفَقَيْهِ، ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ حَتَّى يَسِيلَ الْمَاءُ مِنْ قِبَلِ عَقِبَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي فَيُحْسِنُ صَلَاتَهُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا سَلَفَ».

قال علي بن المديني: الأسود يروي عن مجاهيل، وذكر منهم: ثعلبة بن عباد.

وقال مسلم في كتاب «الوحدان» (ص: 180): "وممن تفرد عنه الأسود بن قيس بالرواية: ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة، ونُبَيح أبو عمرو العنزي، وعبيدالله بن حارثة، وحسان بن ثمامة".

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (2/174) (2104): "ثعلبة بْن عباد العبدي الْبَصْرِيّ، وَقَالَ إسرائيل: الليثي. سَمِعَ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الكسوف، قاله أَبُو غسان مالك بن إِسْمَاعِيل، عَنْ زهير: سَمِعَ الأسود بْن قيس، عَنْ ثعلبة".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/463) (1880): "ثعلبة بن عباد العبدي: روى عن سمرة بن جندب. روى عنه: الأسود بن قيس. سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (4/98) (1994) قال: "ثَعْلَبَة بن عباد العَبْدي، وَيُقَال: اللَّيْثِيّ، من أهل البَصْرَة. يروي عَن سَمُرَة بْن جُنْدُب. روى عَنهُ: الْأسود بْن قَيْس".

وقال العجلي في «الثقات»، وابن حزم في «المحلى»: "ثَعْلَبَة بن عباد العَبْدي: مَجْهُول".

وقال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (1/122): "ثَعْلَبة بن عباد العَبْدي: تَابِعِيّ، لَا يُدرى من هُوَ".

وقال ابن حجر في «التقريب»: "ثَعْلَبة بن عِبَاد - بكسر المهملة، وتخفيف الموحدة -، العَبْديُّ، البَصْريُّ: مقبول".

قلت: مقبول إذا تُوبع وإلا فليّن الحديث كما صرّح في المقدمة، وهذا يناقض تحسينه وتصحيحه للحديث.

وقد تعقبه صاحبا «التحرير» (1/200) فقالا: "بل: مجهولٌ، تفرَّد بالرواية عنه الأسود بن قيس، ولم يوثِّقْه سوى ابن حبان، وذكره عليُّ بنُ المديني في المجاهيل الذين يروي عنهم الأسود بن قيس. وقال ابن حَزْمٍ وابنُ القطان: مجهولٌ. أما قولُ الترمذي عَقِبَ حديثه الذي رواه عن سَمُرة بن جندب (562): "حسن صحيح" ففيه نظر، أو يكون الترمذي قد حَكَمَ على المتن، وربما يكون له شاهد يتقوى به، لا سيما أنه قال بإثره: وفي الباب عن عائشة؟ ولعلَّ صنيع الترمذي هو الأولى" انتهى.

قلت: جهّلاه، ثم مالا إلى قبول حديثه بتصحيح الترمذي له! وقولهما: (إن الترمذي قد يكون حكم على المتن) ليس بصحيح! وأما إنه ربما صححه بوجود شاهد يتقوى به لقوله: "وفي الباب عن عائشة"! ففيه نظر!

والصحيح أنه حديث ضعيف، لجهالة ثعلبة وعدم متابعته عليه، والنكرة التي في متنه!

·       شاهد عُثْمَان بْنِ أَبِي العَاصِ:

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (21/203) (38633) عن أَسْوَد بن عَامِرٍ. وأحمد في «مسنده» (29/430) (17900) عن يَزِيد بن هَارُونَ. والطبراني في «المعجم الكبير» (9/60) (8392) من طريق مُحَمَّد بْن عَبْدِاللهِ الخُزَاعِيّ. ثلاثتهم (أسود، ويزيد، والخزاعي) عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ.

والحاكم في «المستدرك» (4/524) (8474) من طريق عَفَّان بن مُسْلِمٍ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ.

كلاهما (الحمادان) عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ المنذر بن مالك بن قِطعة العبدي، قَالَ: أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي العَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا، ثُمَّ أُتِينَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا، ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ، فَجَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الدَّجَّالِ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ: مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ، وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ، وَمِصْرٌ بِالشَّامِ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ، فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ، فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ، فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرِدُهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ، نَنْظُرُ مَا هُوَ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ، وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ، وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ، ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ وَنَنْظُرُ مَا هُوَ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ، وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقٍ، فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ، فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ، فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ، وَجَهْدٌ شَدِيدٌ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّحَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَاكُمُ الْغَوْثُ، ثَلَاثًا، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ: يا رُوحَ اللهِ، تَقَدَّمْ صَلِّ، فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ، أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ، فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ، ذَابَ، كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ، فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتِهِ، فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ، فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ، هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ فَاقْتُلْهُ».

هكذا رواه بعض من ذكرنا بطوله، واختصره بعضهم.

ورواه الحاكم أيضاً في «مستدركه» (4/524) (8473) من طريق سَعِيد بن هُبَيْرَةَ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، به.

قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِذِكْرِ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".

فتعقبه الذهبي في «تلخيص المستدرك» فقال: "ابن هُبيرة: واهٍ".

قلت: وهم فيه ابن هبيرة في ذكر أيوب فيه! والمحفوظ دون ذكره عن علي بن زيد فقط كما رواه عفّان عن حماد بن زيد. وكذا رواه جماعة عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد دون ذكر أيوب.

والحديث ضعيف، تفرد به عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، وهو ضعيفٌ جداً، لا يُحتج به.

وبهذا يتبيّن لنا ضعف ونكارة شواهد الحديث كلها.

فالحديث الصحيح الذي لا خلاف فيه هو إخباره صلى الله عليه وسلم بقتال اليهود آخر الزمان، وسيقتلهم المسلمون حتى إذا اختبئ اليهودي وراء الحجر، صاح الحجر بأن وراءه يهودي فيقتله المسلم.

وأما ما جاء من ذكر الشجر فلا يصح، وأن شجر الغرقد من شجر اليهود، فشاذ منكر.

والأقرب أن مسلماً - رحمه الله - أراد بيان هذا الشذوذ بحسب طريقته في بيان العلل في كتابه «صحيحه».

·       هل يسقط كل حديث سهيل بن أبي صالح؟!

وقد بينت فيما سبق أن العهدة في هذا الحديث ليست على سهيل بن أبي صالح، ولو كان فعلاً رواه لما قُبل منه؛ لأنه كان قد أصابته آفة فنسي بعض حديثه وخلط فيه، فلا يحتج بما انفرد به إلا إذا كان هناك قرينة تدلّ على ضبطه للحديث. وهذا ما بينته أيضاً في بعض بحوثي مما دعا بعض الجهلة للخروج بالغمز في هذا وأننا أسقطنا روايات سهيل بن أبي صالح كلها! وهذا افتراء! فسهيل من أهل العلم الكبار، لكن أصابه ما أصابه مما أثّر على حديثه، ورواية الأئمة عنه كمالك وشعبة وسفيان لا يعني قبول حديثه مطلقاً.

والأعجب من هذا الجاهل أنه يقول: "إن هذا حديث في أشراط الساعة والذين تكلموا فيه ذكروا تغيراً في آخره وتخريج مسلم للحديث كالتصريح أن هذا الحديث قبل التغير خصوصاً مع ما ذكره البحث أنه إنما أخذ عليه ما حدث به في العراق وتلميذه هنا مدني"!

فحتى لو كان هذا الحديث في أشراط الساعة، فهل يتساهل العلماء في ذلك؟ بل الأصل أنهم لا يتساهلون فيه لبناء أشياء على هذه الأمور الغيبية، وكم أُتي الناس بسبب التساهل في الأخذ بهذه الأحاديث الضعيفة في أحداث آخر فحصل بسببها فتن كثيرة حين يحاولون إسقاط ما في هذه الأحاديث الضعيفة على واقعهم!

ثم ما هو التغير الذي حصل لسهيل في آخره؟ وهل ثبت ذلك؟

لما ذكره الحاكم في باب «الرواة الذين عيب على مسلم إخراج الحديث عنهم» قال: "سهيل أحد أركان الحديث، وقد أكثر مسلم عنه الرواية في الشواهد والأصول إلا أن الغالب على إخراجه حديثه في الشواهد، وقد روى عنه مالك - الحكم في شيوخه من أهل من المدينة الناقد لهم، ثم قيل في حديثه بالعراق: إنه نسي الكثير منه وساء حفظه في آخر عمره، وقد يجد المتبحر في الصنعة ما ذكره ابن المديني من أنه مات له أخ فنسي كثيراً".

فما ذكره ذاك الجاهل أخذه من كلام الحاكم الذي ساقه ثم ضعّفه، وكان الأولى ذكر كل ما قيل فيه، وترجيحات أهل العلم.

فسوء حفظه لم يكن بأخرة! ولا دليل عليه، ولم يكن ذلك في العراق! وإنما ذكر الحاكم ذلك بصيغة التمريض! ثم رجّح سبب سوء حفظه بسبب موت أخ له وحزنه عليه فنسي بعض حديثه.

قال ربيعة الرأي: "كان أصاب سهيلاً علة، أصيب ببعض حفظه، ونسي بعض حديثه".

وقال عَبْدُالعَزِيْزِ الدراوردي: "وَقَدْ كَانَ أَصَابَ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أَضَرَّتْ بِبَعْضِ حِفْظِه، وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيْثِه".

وفي «تاريخ البخاري»: "كان سهيل مات له أخ فوجد عليه فنسي كثيراً من الحديث".

وقال الذهبي: "وكَانَ مِنْ كِبَارِ الحُفَّاظِ، لَكِنَّهُ مَرِضَ مَرضَةً غَيَّرَتْ مِنْ حِفْظِه".

وقال أبو الفتح الأزدي: "صدوق، إلا أنه أصابه بِرْسام في آخر عمره فذهب بعض حديثه".

والبِرْسَامُ: دَاءٌ مَعْرُوفٌ، وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الطِّبِّ: أَنَّهُ وَرَمٌ حَارٌّ يَعْرِضُ لِلْحِجَابِ الَّذِي بَيْنَ الْكَبِدِ وَالمِعَي، ثُمَّ يَتَّصِلُ بِالدِّمَاغِ.

وقد يجمع بين هذا وبين موت أخيه، أن هذا المرض أصابه بسبب موت أخيه، فلما حزن عليه أصابته الحمى فحصل له هذا المرض وأثّر على دماغه.

وقيل: إن البرسام هو داء الجنب، وهو التهاب يصيب غشاء الرئة، ويُسبب الحرارة، ويؤثر على ذاكرة الإنسان.

وقول الأزدي أن التغير حصل له في آخر عمره لا دليل عليه، فهو لما نسي بعض حديثه كان بعض من سمع منه قبل ذلك يقولون له: أنت حدثتنا بهذا، فيرويه عنهم، فيقول: حدثني فلان أني حدثته عن فلان، وهذا يدلّ على عدم تغيره بأخرة؛ لأن التغير بأخرة يكون في حديثه كله، والله أعلم.

وقوله: "وتخريج مسلم للحديث كالتصريح أن هذا الحديث قبل التغير خصوصاً"! فهذا مما لا ينقضي منه العجب!! أين الدليل على ذلك؟ وكيف ميّز مسلم حديثه قبل التغير وبعده؟ مع أن ظاهر عمل مسلم هو بيان شذوذه لتأخيره في آخر الباب بعد أن ذكر الروايات الصحيحة.

·       رد الحديث لنكارة متنه!

وهذا الحديث ردّه بعض المشتغلين بالتفسير من المعاصرين (د. أحمد نوفل) بعقله لمخالفته القرآن في ظنّه! وهذا الدكتور منهجه منذ أكثر من أربعين عاماً رد الأحاديث الصحيحة بعقله، بل ويستهزئ بها أحياناً! وهو - وإن كان جيداً في بعض فنون التفسير كالقصص القرآني إلا أنه يستخدم هواه في رد الأحاديث الصحيحة، وربما وجدنا بعض هذه الأحاديث ضعيفاً من ناحية الإسناد؛ لأنه لا يوجد حديث منكر أو فيه نكارة إلا كان فيه مشكلة في إسناده، فتضعيفنا لبعض الأحاديث من خلال منهج الأئمة العلماء النقاد لا باستخدام العقل والهوى! ولا نسمح لأحد مهما كان بأن يستهزئ بما صحّ من أحاديث.

فقد تكلّم الدكتور على الحديث وقال: "إنه لا يوجد ما يؤازره من القرآن، والله سبحانه أخبر في القرآن أن الشجر والنجم والحجر والظل والنبات كله يسجد له سبحانه، لا يوجد شجر يأبى السجود! لا يوجد شجر تابع لبني إسرائيل. فأنا لا أضرب حديثاً بقرآن! {والنجم والشجر يسجدان} إلا الغرقد؟ لا، والنجم والشجر مطلقاً يسجدان، أي غرقد يتأبى على السجود؟ الشجر لا إرادة له حتى يصبح مع بني إسرائيل! هذا الحديث عليه علامة استفهام بالنسبة لي، والذي يختلف معنا أرجو أن يتفهّم وجهة النظر قبل أن يرمينا بحجر! الشجر عبد بكل أنواعه، سرو، صنوبر، أياً كان.. بلوط، هل هناك شيء يتأبى على السجود؟ لا، هل هناك شيء يكون مع الكفر، مع الظلم، ومع الاعتداء على عباد الله؟ أنواع من الشجر لم؟ لم هذا النوع من الشجر يعادي أحباب الله؟ أولياء الله؟ والمؤمنين بالله؟ وأتباع رسول الله؟ لم؟ إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود! ما فيه شجر لليهود، وشجر للعرب" انتهى.

أقول: قد يستنكر بعض أهل العلم بعض المتون وهذا لا غضاضة فيه، لكن هذا ليس لكلّ أحد، بل للمتمرسين في هذا العلم الذين اختلط حبّ السنة وتعظيمها والخضوع لها وتحكيمها بدمائهم وأرواحهم، ولا بدّ من إيجاد علة إسنادية لهذا الذي استنكره بعض أهل العلم.

وقد يكون ما استنكره هذا الدكتور له وجهة من ناحية أن هذا الشجر = وهو شجر الغرقد لم كان من شجر اليهود؟

فهو نوع شجر كثير الشوك ينبت في الصحاري، وكان كثيراً في المدينة في البقيع، ولهذا يقال له: "بقيع الغرقد"، فكيف أصبح من شجر اليهود، وهو جماد لا يعرف شيئاً، وإنما هو كباقي الشجر يسبح الله عز وجل في كل وقت وحين! فهل إذا اعتنى قوم بشجر ما أصبح من شجرهم؟

وما زعمه من أن الشجر لا إرادة له مخالف لما جاء في حديث بكاء الجذع وحنينه للنبي صلى الله عليه وسلم، فالنفي والإثبات في أبواب الغيبيات لا بد له من دليل.

على أنا لم نجد عبر التاريخ ما يدلّ على أن هذا الشجر من شجر اليهود! وما نسمعه من بعض الناس وينشر هنا وهناك أنه موجود بكثرة في فلسطين وبالأخص في بيت المقدس، وأن اليهود يزرعونه بكثرة؛ لأنهم يعلمون صدق نبوءة النبي صلى الله عليه وسلم في اختبائهم خلفه! فهذا لا يوجد على أرض الواقع، وكما ذكرنا فهو شجر له شوك ينبت في الصحاري، وفلسطين غالبها ليست صحراوية، ونحن لا ننفي وجوده في فلسطين، لكن أن نقول بأن اليهود يهتمون بزراعته بسبب ما جاء في الحديث، فهذا ضرب من الخيال!

وقد تتبعت كثيراً مما نُشر من مقالات وفيديوهات حول هذه المسألة، فما وجدت أي دليل على أن اليهود فعلاً يعتنون بزراعته من أجل ما جاء في هذا الحديث، بل نشر أحدهم فيديو عمل فيه مقابلة مع بعض المتدينين اليهود وسألهم عن هذا الشجر، فلم يعرفوه، وذكر أنه لا يوجد عندهم، ولا يوجد في كتبهم، بل كثير منهم لم يسمعوا به!

ووجود هذا الشجر في بعض مناطق فلسطين لا يعني صحة الحديث، ولا أن اليهود يعتنون بزراعته، فقد يكون الاعتناء بزراعته في مناطق هنا وهناك من باب ما وجده بعض الباحثين المختصين بالطب والأدوية من أنه يصلح لعلاج كثير من الأمراض.

ثم إذا كان المسلمون سيقتلون اليهود وهم يعرفون أنهم سيختبؤون خلف شجر الغرقد فلم يزرع اليهود هذا الشجر وهم يعلمون أننا نعرف أنهم سيختبؤون خلفه فهم مكشوفون لنا، فنحرّق عليهم هذا الشجر! فهذا الشجر لن يحميهم من القتل في النهاية.

ولهذا كان الصحيح في الحديث أن الذي يتكلم هو الحجر، والمقصود هنا بالحجر أي شيء من حجر ونحوه يصلح لأن يختبئ الإنسان وراءه دون أن يراه أحد، وأقرب شيء لذلك الجُدر التي يعرف اليهود بها كما في قوله تعالى: {لا يقاتلونكم إلى في قرى محصنة أو من وراء جُدر}، فكل ما يصلح أن يختبئ اليهودي وراءه من حجر كبير أو صخرة أو جدار يدخل في هذا الحديث، وليس المقصود أي حجر، فإن هناك من الحجارة الصغيرة ما يحمله الإنسان في يده، فكيف يصلح لأن يُختبئ وراءه؟!

وما ذكره دكتور التفسير آنفاً من رده للحديث بمعارضته ما في القرآن من مسألة السجود فهذا أمر مُتوهّم عنده وهو أنَّ عدم دلالة الشجر على اليهودي للمسلم دخل في باب عدم طاعة الله والسجود له! وهذا لم يقل به أحد! فلا دخل لمسألة أن كل شيء في الكون من شجر وحجر وغيره يسجدوا لله عز وجل، وبين ما جاء في هذا الحديث على فرض صحته! فهل أمر الشارع بقتل الوَزَغ يعني أنه ليس طائعاً لله وأنه يأبى السجود له؟!

وقد حاول بعض الجهلة الرد على الدكتور المذكور بزعمه أن ثمة تفاضلاً بين الجمادات في التقى واتصافها بالفضائل.!

ولست هنا مدافعاً عن الدكتور - ونعوذ بالله أن ندافع عمن لا يوقر السنة ويعظمها -، فهو ممن لا معرفة له بالحديث، ولا زلنا نعيب طريقته في الكلام على الأحاديث والاستهزاء بما صح ولم نجد له علّة كأحاديث يأجوج ومأجوج، بإشارته إلى أنهم تحت الطاولة التي يجلس عليها! فهذا قد يدخل في باب الزندقة، والعياذ بالله!

وقد أخرج الإمام أبو إسماعيل الهروي الأنصاري في كتابه «ذم الكلام» عن الحافظ الفقيه أبي سعيد الاصطخري أن رجلًا قال له: أيجوز الاستنجاء بالعظم؟ قال: لا: قال لم؟ قال: لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «هو زاد إخوانكم من الجنّ»، قال: فقال له: الإنس أفضل أم الجن؟ قال: بل الإنس، قال: فلم نجوز الاستنجاء بالماء، وهو زاد الإنس، فعدا عليه وأخذ بحلقه، وهو يقول: يا زنديق تعارض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل يخنقه، فلولا أنهم أدركوه لقتله.

ولهذا أعيب على من رد عليه أو يرد عليه بالرد من خلال تخريج الأحاديث والأسانيد، وكلام أهل العلم! فهو لا يفقه هذه الأمور، فكيف تقنعه بها؟ كحال الملحد الذي يُنكر وجود الله! كيف تستدل عليه بما في صحيح البخاري من السمعيات - لا العقليات- وهو ينكر الألوهية والنبوة؟!

فالأصل في المناظرة أن كلّ معترض يكون الرد عليه من جنس ما يؤمن به، فهو يرد الأحاديث بعقله - ولا ندري هل عقله هو الميزان أم أي عقل؟!- فنرد عليه بالعقل أيضاً، وندحض طريقته بكلامه هو نفسه وتناقضه.

وقد قال المُعترِض الجاهل: "هذا الحديث مشهور جداً وقد رأيت الدكتور الأردني أحمد نوفل يعترض على هذا الحديث ويقول لا يوجد شجر يهود وشجر غير يهود وفي القرآن نجد أن كل شيء يسبح بحمد الله".

ثم قال: "ملخص اعتراضه أنه لا يكون شجر أتقى من شجر فإن الحديث يذكر أن الشجر في ذلك الزمان يقوم بفضيلة وهي التعريف باليهود المختبئين خلفه إلا شجر الغرقد فإنه يتخلف عن هذه الفضيلة لكونه من شجر اليهود وهذا نظير أن يوجد في البشر من يجاهد جهاداً كفائياً وآخر يتخلف عن هذه الفضيلة لقرابته أو ليد له عليه من العدو مع كون هذا المتخلف أصلاً مسلم ويصلي. فهل يوجد في القرآن ما يدل على تفاضل الجمادات في التقى واتصافها بالفضائل؟".

ثم استدل بقوله تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

ثم أتى بقول الطبري في «تفسيره»: حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله جل ثناؤه: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، قال: كل حجر يتفجر منه الماء، أو يتشقق عن ماء، أو يتردى من رأس جبل، فهو من خشية الله عز وجل، نزل بذلك القرآن.

قال: "واقرأ لزاما تعليق الطبري على هذا الأثر وما معه في الباب. ونحن لا نرى كل الحجارة تتصف بهذه الصفة فدل على تفاوت الحجارة بالخشية فإذا كان الحجر يتفاوت فكذلك الشجر يتفاوت ولا مشكلة في ذلك وهذا التفاوت ليس له مأخذ تكليفي لأنها ليست مكلفة مثل تكليف البشر فدل على ضعف اعتراض الدكتور ومعلوم أن المقصود حال إعجازية خاصة في آخر الزمان يكرم الله بها أمة نبيه كما أكرم نبيه بتسبيح الحصى وحنين الجذع وتلك الريح التي أعانتهم على الأحزاب {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها}.

ومن اللطائف التاريخية في هذا الباب ما ذكر صاحب نهاية الأرب في فنون الأدب: ووصل التتار إلى حمص، والتقوا واقتتلوا فى يوم الجمعة خامس المحرم من السنة فانهزم التتار أقبح هزيمة، وقتل أبطالهم وشجعانهم، فاستشهد فيهم بقول الشاعر:

فإن كان أعجبكم عامكم ... فعودوا إلى حمص فى قابل

فإن الحسام الصقيل الذي ... قتلتم به فى يد القاتل

وقد شاهد جماعة كثيرة فى هذه الواقعة طيورا كثيرة بيضاء تحوم حال القتال.

حكى عن الأمير بدر الدين محمد القيمرى قال: «والله، لقد رأيت بعينى طيورا بيضا وهي تضرب بأجنحتها فى وجوه التتار». وقد ذكر ذلك جماعة كثيرة حتى بلغ حد التواتر، فما كان بأسرع من انهزام التتار. (تأمل هذا تواتر ذلك الزمان وما رأيت من ينكره)" انتهى كلامه.

قلت: هذه الآية التي ذكرها ليس فيها تفضيل حجر على آخر! فإن أقررنا بذلك فما الذي أدّى إلى تفضيل بعضه على بعض؟ وكله جماد ليس بمكلّف؟

فالله سبحانه وتعالى لما أظهر لبني إسرائيل الآيات والمعجزات في إحياء الموتى، وإعراضهم عنها، وبّخهم وقرّعهم بأن قلوبهم كالحجارة القاسية التي لا تلين أو أشد قسوة من الحجارة، فإن من الحجارة ما يتفجر منها العيون بالأنهار الجارية، وَمِنْهَا مَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا، وَمِنْهَا مَا يَهْبِطُ مِنْ رَأْسِ الجَبَلِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ = أي ومع أن الحجارة قاسية وقلوبهم مثلها، إلا أن بعض الحجارة يتصف بهذه الصفات مما يجعل قلوبهم أشد قسوة من الحجارة.

فليس في هذه الآية أي تفضيل لحجارة على أخرى، ولو كان كذلك فإن الحجر الذي ضربه موسى فانبجست منه اثنتا عشرة عيناً من الحجارة المفضلة على غيره! وكذلك الحجارة التي رمى بها الطير الأبابيل أبرهة وجنده! وها هي الحجارة ستكون من وقود النار مع الناس، فهل هذا يعني ذمّها؟!

وأما أن المقصود حال إعجازية خاصة في آخر الزمان يكرم الله بها أمة نبيه كما أكرم نبيه بتسبيح الحصى وحنين الجذع وتلك الريح التي أعانتهم على الأحزاب {فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها} فهذا لا نزاع فيه! والدكتور لم يتعرض لنطق الحجر، وإنما اعترض على أن شجر الغرقد من شجر اليهود، ولهذا لا ينطق الشجر بأن خلفه يهودي!

وأما اللطيفة التاريخية التي ذكرها المعترض الجاهل في رؤية الطيور البيضاء وهي تحوم حول التتار وهي تضرب بأجنحتها فى وجوههم فلا علاقة له بإنكار أن يكون شجر الغرقد من شجر يهود!

وكأن المعترض يريد أن يحتج بأن هذه تكرمة من الله بأن أرسل طيوراً بيضاء تضرب بأجنحتها وجوه التتار، وهذا ليس بمستغرب ولا مستنكر، لكن لا شأن له بمسألة شجر الغرقد!

هذا وبعد أن انتهيت من هذا البحث وجدت بحثاً للدكتور عبدالجبار سعيد - أستاذ الحديث في كلية الشريعة في جامعة قطر، في هذا الحديث بعنوان: «حديث قتال اليهود وزيادة الغرقد»، نُشر في مجلة أصول الدين والدعوة بجامعة الأزهر، المجلد 28، سنة 2010م.

وقد بحثت عنه ملياً في الشبكة العالمية فلم أجده، فتواصلت مع الدكتور عبدالجبار فأرسل لي بحثه مشكوراً.

وكان خلص إلى أن زيادة شجر الغرقد في حديث مسلم لا تصح، وأن راويها سهيل بن أبي صالح كان قد اختلط فلم يتميز صحيح حديثه من سقيمه.

وقد قرأت البحث كاملاً ويقع في (24) صفحة، نصفها في ذكر روايات الحديث من كل الكتب التي خرّجت الحديث، وكان منهج الدكتور أنه يذكر مخرّج الحديث، ثم يسوق روايته بكامل الإسناد!

فمثلاً الحديث أخرجه مسلم، فيقول: "أخرجه مسلم"، ثم يسوق أسانيد مسلم كلها: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة... إلخ.

وحقيقة هذه ليست الطريقة العلمية المتعارف عليها بين الباحثين وطلبة العلم في التخريج!

فالأصل اقتصار التخريج على مدار الحديث، ثم يُذكر من خرّج كل رواية عن ذلك المدار، وهذا أنفع للقارئ لمعرفة من تدور عليه الرواية، وكذلك فيه اختصار لهذه الأسانيد التي لا نحتاج ذكر كل رواتها.

وكذلك فإن الدكتور الفاضل دمج كل روايات الحديث بعضها ببعض، وكان الأولى أن يُخرّج كل حديث على حدة، فيبدأ بحديث ابن عمر، وأبي هريرة، ثم يذكر شواهده كحديث حذيفة وأبي أمامة؛ لأن هذه الشواهد تختلف في الأصل عن حديث ابن عمر، والاشتراك بينهما فقط في ذكر الشجر عموماً أو ذكر شجر الغرقد في بعضها.

وذكر الدكتور الفاضل أيضاً مشجرات للروايات في (4) صفحات، وهذه المشجرات - في ظني - لا فائدة منها في البحث العلمي، وهي إنما تصلح في قاعات التدريس لتعليم الطلبة.

ثم ترجم الدكتور للأسانيد التي فيها ذكر الغرقد فقط، وابتدأ برواية سهيل بن أبي صالح لأن مسلماً خرجها في «صحيحه».

وساق كلام أهل العلم في رواة إسناد الحديث، والصحيح أننا لا نحتاج في البحوث العلمية أن نترجم لكل الرواة في الأسانيد سيما إذا كانوا من الثقات المعروفين، وإنما يقف الباحث عند الراوي الذي فيه إشكال أو هو سبب ضعف الحديث، ومحاولة الوصول لنتيجة فيه ترضي الباحث وقد يُخالف أهل العلم في نتيجته.

وقد أتى الدكتور بأقوال أهل العلم في سهيل بن أبي صالح باقتضاب ودون توسع، ثم خلص إلى: "أنه اختلط ولم تميز رواياته في الجملة ما كان منها قبل الاختلاط أم بعده باستثناء رواية ربيعة الرأي عنه، ورواية مالك عنه".

وقد أشرت في هذا البحث وفي غيره إلى أن سهيلاً لم يختلط، ومن قال بأنه اختلط بأخرة لم يأت بدليل صريح! وإنما نسي بعض حديثه، وخلط فيه بسبب ما أصابه من مرض حزناً على أخيه الذي مات، ولهذا كان يقول أحياناً: حدثني فلان أني حدثته؛ لأنه نسي ذلك الحديث، ولو كان قد اختلط لما حدث بهذه الصيغة.

وأما مسألة أن حديثه لم يتميز قبل اختلاطه وبعده فهذا فيه نظر! لأننا لا نُسلّم أنه اختلط أولاً، وثانياً أن حديثه ليس بمطرح كله! نعم، لا يقبل تفرده بالحديث، لكن يقبل حديثه الذي فيه قرينة على أنه حفظه كما بينت سابقاً.

ومن أخطر ما قاله الدكتور في كلامه عن سهيل (ص: 20) قوله: "لو سلمنا بأن سهيل [كذا! والصواب: سهيلاً] ثقة (وهو ليس كذلك)..."!!!

فكلامه هذا يعني أن سهيلاً ليس بثقة!!!! ولا يقول بذلك أحد!

ثم رجّح الدكتور الفاضل أن رواية سهيل ضعيفة، وأشار إلى مسألة تخريج الشيخين لحديث المختلطين (ص19) وقال: "وقد ناقش هذه القضية الدكتور عبدالجبار سعيد في كتابه اختلاط الرواة الثقات، وقد بيّن..."!

والأولى أن يقول الدكتور: "وقد ناقشت هذه القضية..."!

وبعد أن خلص الدكتور إلى أن استثناء الشجر من الحديث لا يصح ذهب إلى أن كل الشجر والحجر سيقول: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي ورائي، تعال فاقتله! وهذا الترجيح فيه نظر ولا دليل عليه! فالأصل أن الذي ينادي الحجر فقط!

·       خلاصة ونتائج:

1- حديث قتال اليهود صحيح يرويه ابن عمر، وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويُروى عن عبدالله بن عمرو بن العاص من قوله.

2- الحديث يرويه سالم بن عبدالله بن عمر، ونافع مولى ابن عمر عن ابن عمر، بلفظ: «يُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَقُولَ الحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيُّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ».

ويرويه أَبِو زُرْعَةَ بن عَمرو بن جَرير، وعَبْدالرَّحْمَنِ بن هُرمز الْأَعْرَج عن أبي هريرة بلفظ: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا الْيَهُودَ، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ الْحَجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ يَخْتَبِئُ وَرَائِي، تَعَالَ فَاقْتُلْهُ».

3- روى مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ الحديث عَنْ مُحَمَّدِ بنِ طَلْحَةَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، بلفظ: «حَتَّى إِنَّ الْيَهُودِيَّ، لَيَخْتَبِئُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَوِ الحَجَرِ فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ لِلْمُسْلِمِ: هَذَا يَهُودِيٌّ تَحْتِي فَاقْتُلْهُ»، وهو لفظ شاذ! وقد تفرد ابن إسحاق به، ولا يُحتج بما انفرد به، والمحفوظ من حديث سالم دون ذكر الشجر!

4- جاء في رواية مُحَمَّد بن هِشَامِ بنِ أَبِي خَيْرَةَ السَّدُوسِيّ، عن عَبْدالوَهَّابِ الثقفي، عن عُبَيْداللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ وَرَاءَ حَجَرٍ فَيَقُولُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي»، ولفظ «والنصارى» شاذ! وقد رواه مُحَمَّد بن المُثَنَّى، عن عَبدالوَهَّاب الثقفيّ دون هذا اللفظ.

5- الحديث الذي فيه ذكر «شجر الغرقد» رواه قتيبة بن سعيد، وعبدالله بن وهب، كلاهما عن يَعْقُوب بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الإسكندرانيّ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المُسْلِمُونَ اليَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ اليَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ، يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ».

وفي رواية: «من وراء الحجر أو الشجر، فيقول الحجر أو الشجر».

وفي رواية: «وَرَاءَ الحَجَرِ، أَوِ الشَّجَرَةِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرَةُ».

وهذه الرواية أخرجها مسلم في «صحيحه».

ولَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أبي صالح إِلَّا سهيل، تَفَرَّدَ بِهِ: يعقوب الاسكندرانيّ!

6- هذه الزيادة في الحديث: «أَوِ الشَّجَرُ... إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ اليَهُودِ»! زيادة منكرة! فالحديث رواه أبو زُرعة بن عمرو، والأعرج عن أبي هريرة، ولم يذكراها، وإنما ذكرا «الحجر» فقط، وكذا في رواية ابن عمر ذكر «الحجر» فقط، وعليه فهذه الزيادة شاذة منكرة!

ولم يثبت أن أبا صالح السمان حدّث بهذا الحديث عن أبي هريرة! ولم يثبت أيضاً أن ابنه سهيلاً رواه إلا من هذه الطريق! تفرد به يعقوب عنه! وتفرده غريب جداً! فلم يروه أحد من أهل المدينة عن سهيل! وحدّث به يعقوب في مصر، وهو مدني ثقة، نزل الإسكندرية، ومات بها. والأظهر عندي أن الخطأ فيه من يعقوب.

ففي مصر رواية منكرة تُروى عن عبدالله بن عمرو بن العاص فيها ذكر الغرقد وأنه من شجر اليهود، يرويها خَالِد بن يَزِيد، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ الحضرمي، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ.

وحديث سهيل رواه يعقوب بن عبدالرحمن في مصر، ولا يُعرف في أهل المدينة بلد سهيل، فلعله سمع هذا الحديث في مصر، ثم لما حدّث به دخل له حديث في حديث فسلك فيه الجادة، فقال: عن سهيل عن أبي عن أبي هريرة، والله أعلم.

7- الظاهر أن مُسلماً أراد بيان شذوذ هذه الزيادة، ولهذا أخّرها إلى آخر الباب، ويصعب أن يكون أراد تصحيحها، وهو أورد حديث ابن عمر من طريق نافع، ثم من طريق سالم، وليس فيه هذه الزيادة، ثم ختم الباب بحديث سهيل هذا!

وهذا يؤيد ما قاله مسلم في مقدمة «صحيحه» أنه أحياناً يؤخر الحديث المعلول في الباب، ويعرف ذلك من خلال سياقه لطرق الحديث حيث يبدأ بأصحها إسناداً.

8- حديث يعقوب بن عبدالرحمن عن سهيل يُتابع في بعضه عن سهيل، يتابعه أهل المدينة كمالك، وسليمان بن بلال، وعَبْدالعَزِيزِ بن عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ المَاجِشُون، وغيرهم، ويتفرد عن سهيل بأحاديث لم يتابعه عليها أحد من أهل المدينة، حدّث بها في مصر. فما حدّث به في مصر وتفرد به عن سهيل لا يقبل! فسهيل لم يخصّه بشيء من حديثه حتى ينفرد به عنه دون أصحاب سهيل في المدينة.

9- سهيل بن أبي صالح لا يقبل تفرده بالحديث، وهو يحتاج لمتابع، ويقبل منه ما ينفرد به عن أبيه إذا كان هناك قرينة تدلّ على أنه حفظ ذلك الحديث عنه كحكايته لقصة حدثت معه أو مع أبيه وشاهدها، كالحديث الذي رواه عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، قَالَ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ».

فهذا الحديث له قصة:

قال سُهَيْل بن أَبِي صَالِحٍ: كُنَّا بِعَرَفَةَ، فَمَرَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِالعَزِيزِ وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ، فَقَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، فَقُلْتُ لِأَبِي: يَا أَبَتِ إِنِّي أَرَى اللهَ يُحِبُّ عُمَرَ بنَ عَبْدِالعَزِيزِ، قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قُلْتُ: لِمَا لَهُ مِنَ الْحُبِّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ، فَقَالَ: بِأَبِيكَ أَنْتَ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ ذَكَرَه.

وكالحديث الذي يرويه عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلَامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ، فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ».

وهذا له قصة أيضاً:

قال سهيل بن أبي صَالحٍ: خرجتُ مع أبي إلى الشّامِ، فجعلوا يمرُّونَ بصوامِعَ فيها نصارى فيسلِّمُونَ عليهم، فقال أبي: «لا تبدؤوهم بالسَّلامِ»، فإن أبا هريرة حدَّثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.

10- يروي نُعيم بن حماد في كتابه «الفتن» بهذا الإسناد [عَبْدُاللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ولَيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ] عدّة أحاديث، وظاهره لا بأس به؛ لأن من نظر فيه ظنّ أن أبا سلمة هنا هو: ابن عبدالرحمن بن عوف التابعي الثقة المعروف في هذه الطبقة؛ لأنه إذا أُطلق هكذا فهو هو، وأبو سلمة بن عبدالرحمن قد سمع من عبدالله بن عمرو، وحديثه عنه في «الصحيحين»، لكن سَعِيد بن أَبِي هِلَالٍ لَمْ يسمع من أَبي سَلَمَةَ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ. وأبو سلمة هنا هو: «عَبداللَّهِ بن رافع الحضرمي المِصْرِي»، وهو مجهول الحال - وإن وثقه بعض أهل العلم-!، لكن لم يثبت سماعه من عبدالله بن عمرو بن العاص، وهو ليس من أصحابه المعروفين.

11- إذا روى سعيد بن أبي هلال المصري عن أبي سلمة عن عبدالله بن عمرو بن العاص فهو أبو سلمة عبدالله بن رافع المصري، ولا يثبت سماعه من عبدالله بن عمرو، وفي حديثه عنه نُكرة إن ثبت أنه سمع منه أصلاً!

وإذا روى سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فهو أبو سلمة بن عبدالرحمن، وهو لم يسمع منه، والأحاديث التي رواها عنه مما كتبه في المدينة عمّن لا نعرفهم، ورجع بها إلى مصر، وحدّث بها، وهو لم يسمعها.

12- أصل ذكر «الشجر» في الأحاديث ما رواه قَيْسٍ بن أبي حازم، قَالَ: أُخْبِرْت: «أَنَّ السَّاعَةَ لاَ تَقُومُ حَتَّى تَقُولَ الحَجَرُ وَالشَّجَرُ: يَا مُؤْمِنُ، هَذَا يَهُودِي، هَذَا نَصْرَانِي، فَاقْتُلْهُ».

وهذا مرسل مُنكر! وذكر «الشجر»، و«هذا نصراني» منكر!

وقيس تابعي قديم أدرك الجاهلية، لكنه يروي مراسيل منكرة! وهذا من منكراته!

قَال علي بن المديني: قال لي يحيى بن سَعِيد القطان: "قَيْس بن أَبي حازم منكر الحديث" - ثُمَّ ذكر له يَحْيَى أحاديث مناكير منها، حديث: «كلاب الحوأب».

13- رُويت بعض الأحاديث المتعلقة بالدجال وفيها ما يتعلق بقتال اليهود واختباء اليهود وراء الشجر، وفي بعضها ذُكر الغرقد، رُويت من حديث حذيفة، وابن مسعود، وأبي أمامة، وسَمُرَة بن جُنْدُبٍ، وعثمان بن أبي العاص، وكلها منكرة لا تصح! وقد تساهل في تصحيح بعضها أو تحسينها بعض المتأخرين والمعاصرين!

14- ضمرة بن ربيعة الفلسطيني كان من الفقهاء وكان صدوقاً، إلا أن له بعض الأوهام والتخاليط! ويروي عَنِ السَّيْبَانِيِّ يَحْيَى بن أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِاللهِ الْحَضْرَمِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أحاديث منكرة!

15- أبو عبدالجبار عمرو بن عبدالله السيباني الذي يروي عن أبي أمامة، غير عبدالله بن مَعْج أبي عبدالجبار الذي يروي عن أبي هريرة! والراوي عنهما واحد، وهو: يحيى بن أبي عمرو السيباني، وكلاهما مجهول.

16- ثعلبة بن عباد العبدي من أهل البصرة، تفرد بالرواية عنه: تفرد عنه الأسود بن قيس، روى عنه حديث الكسوف الطويل، وحديثاً في الوضوء! وهو مجهول لا يُعرف! والعجب كيف صحح حديثه الترمذي، والحاكم، وغيرهما؟!

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك

27 شوّال 1441هـ.

 

شاركنا تعليقك