الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

هل وَهِمَ ابن جُريجٍ في روايته لحديث إمامة سالم بالمهاجرين في «مسجد قُبَاء» في «صحيح البخاري»؟ وهل صحح البخاري روايته، والرواية الأخرى؟

هل وَهِمَ ابن جُريجٍ في روايته لحديث إمامة سالم بالمهاجرين في «مسجد قُبَاء» في «صحيح البخاري»؟ وهل صحح البخاري روايته، والرواية الأخرى؟

 

سُئلت عن حديث إمامة سالم بالمهاجرين في قُباء في «صحيح البخاري» بروايتين في ظاهرهما التناقض!

وهو ما أخرجه البخاري في «صحيحه»، كتاب الصلاة، بَاب إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى (1/140) (692) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصْبَةَ - مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ - قَبْلَ مَقْدَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا».

ثم أخرجه في كتاب الأحكام، بَاب اسْتِقْضَاءِ المَوَالِي وَاسْتِعْمَالِهِمْ (9/71) (7175) قال: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بنُ صَالِحٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ وَهْبٍ، قال: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، أَنَّ نَافِعًا، أَخْبَرَهُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَخْبَرَهُ قَالَ: «كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، وَأَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ».

ففي الرواية الأولى أن إمامة سالم لهم في الصلاة كان قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويناقضه ما في الرواية الثانية أن ذلك كان في مسجد قباء بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة؛ لأنه كان فيهم "أبو بكر" - رضي الله عنه - ومعروف أنه كان رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فهذا تناقض في الرواية! فكيف يُخرجهما البخاري في «صحيحه»؟!

وقد حاول بعض حملة «الدكتوراه في الحديث» الطعن في «صحيح البخاري» من خلال اختلاف في لفظ الحديث! ونسب الإمام البخاري للتناقض محاولاً إسقاطه، أسقطه الله!

فأجبت: بأن هذا الدكتور ممسوخ العقل، ممن لا يفهم الحديث والنقل! لكن الله المستعان على ما قد ابتلينا به في هذا الزمان، وكنت قد حاورته في بعض المجموعات فوجدته جاهلاً جهلاً مكعباً بل يزيد، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

ولا يتجرأ على الطعن في صحيح البخاري بجهل إلا أحمق نادى على نفسه بالجهل أو زنديق رام القدح في ثوابت الشريعة.

ولأن هذا الدكتور عنده من الجهل الشيء الكثير، وهمّه إسقاط الصحيح - عامله الله بعدله - لم يفهم رأي البخاري!

·       رأي البخاري!

فالذي أراه أن البخاري لا يرى أي وهم أو تناقض في الحديث، وهو يرى صحة الروايتين، بدليل أنه بوّب على إمامة سالم للمهاجرين في العُصبة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم: «بَاب إِمَامَةِ العَبْدِ وَالمَوْلَى»، أي جواز صحة إمامة العبد، وبوّب على إمامته للمهاجرين في مسجد قباء: «بَاب اسْتِقْضَاءِ المَوَالِي وَاسْتِعْمَالِهِمْ»، أَيْ تَوْلِيَتِهِمُ القَضَاءَ وَاسْتِعْمَالِهِمْ، أَيْ عَلَى إِمْرَةِ البِلَادِ حَرْبًا أَوْ خَرَاجًا أَوْ صَلَاةً، وستعمال المولى في مسجد يعني أن هذا كان من النبيّ صلى الله عليه وسلم = يعني بعد مقدمه للمدينة، وعليه فذكر أبي بكر فيهم لا شيء فيه!

لكن المشكلة تكمن في أن مخرج الحديث واحد، وهو نافع، والقصة واحدة، وهي أن سالماً أَمّهم لما هاجروا، وكان فيهم فلان وفلان! واشتركا في ذكر "عمر" و"عبد الأسد" فيبعد أن يكونا حديثين! فهل حصل وهم في رواية ابن جُريج؟!!

وهذا الحديث اختلف في لفظه على نافعٍ مولى ابن عمر:

أما حديث عُبيدالله بن عمر عنه:

فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/193) (3480)، وابن سعد في «الطبقات». وأبو داود في «سننه» (1/440) (588) عن الهيثم بن خالد الجُهَني. وابن الجارود في «المنتقى» (ص: 85) (307) عن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ العِجْلِيّ. وابن خُزيمة في «صحيحه» (1/730) (1511) عن أَحْمَد بن سِنَانٍ الوَاسِطِيّ، وعَلِيّ بن المُنْذِرِ.

كلهم (ابن أبي شيبة، وابن سعد، والهيثم بن خالد، ومحمد بن عثمان، وأحمد بن سنان، وعلي بن المنذر) عن عَبْداللَّهِ بنِ نُمَيْرٍ.

ورواه ابن سعد في «الطبقات» (3/64). وأبو داود في «سننه» (1/440) (588) عن القَعنَبي. وهِشَامُ بن عَمَّارٍ في «حديثه» [الجزء العاشر من أحاديث هشام بن عمار (ص: 5)، ومن طريقه رواه أبو نُعيم في «الحلية» (1/176)].

ثلاثتهم (ابن سعد، والقعنبي، وهشام بن عمّار) عن أَنَس بن عِيَاضٍ الليثيّ.

ورواه يَعْقُوبُ بنُ سُفْيَانَ الفَسَوي في «المعرفة والتاريخ» (3/367) عن أَحْمَد بن أَبِي بَكْرِ بنِ الحَارِثِ بنِ زُرَارَةَ بنِ مُصْعَبِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ عَوْفٍ، عن عَبْدالعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيّ. [ورواه البيهقي في «دلائل النبوة» (2/462) من طريق يعقوب].

ثلاثتهم (ابن نُمير، وأنس بن عياض، والدراوردي) عَنْ عُبَيْدِاللهِ بن عمر العُمّريّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ لَمَّا قَدِمُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى المَدِينَةِ نَزَلُوا بِالعُصْبَةِ إِلَى جَنْبِ قُبَاءَ فَأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ؛ لأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرُهُمْ قُرْآنًا».

وفي رواية ابن أبي شيبة وابن الجارود: «حِينَ أَقْبَلُوا مِنْ مَكَّةَ نَزَلُوا إلَى جَنْبِ قُبَاءَ».

وفي رواية أبي داود: «لمَّا قَدِمَ المهاجرون الأوّلون نزلوا العُصبةَ قبلَ مَقْدَمِ رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وزاد عَبْدُاللَّهِ بنُ نُمَيْرٍ فِي حَدِيثِهِ: «فِيهِمْ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الأَسَدِ».

ولفظ حديث الدَّرَاوَرْدِيّ: «قَدِمْنَا مِنْ مَكَّةَ فَنَزَلْنَا العُصْبَةُ: عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بنُ الجَرَّاحِ، وَسَالِمُ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، فَكَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا».

قلت: فهذه الرواية صريحة في أن إمامة سالم لهم كانت في «العُصْبَة» - وهُوَ موضعٌ بِالمَدِينَةِ عِنْدَ قُبَاء، وضَبَطه بعضُهم بِفَتْحِ العَيْنِ وَالصَّادِ كما قال ابن الأثير - قبل مَقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر إلى المدينة، ورواية الدراوردي صريحة في ذلك أن ابن عمر أخبر عن نفسه وأبيه عندما قدموا لهذا المكان مهاجرين، فأمّهم سالم في ذلك المكان وليس في مسجد قباء الذي بناه النبيّ صلى الله عليه وسلم فيما بعد عندما قدم للمدينة.

وأما حديث ابن جُريجٍ عن نافع:

فرواه عبداللهُ بن وَهْبٍ في «جامعه» (1/247) (423). [ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (14/398) عن يُونُس بن عبدالأعلى. وابن شَبّة في «تاريخ المدينة» (1/46) عن هَارُون بن مَعْرُوفٍ، وأَحْمَد بن عِيسَى المصريّ. والبيهقي في «السنن الكبرى» (3/126) (5124) من طريق بَحْر بن نَصْرٍ الخولانيّ. كلهم عن ابنِ وَهْبٍ].

وعَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (2/388) (3807). [ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (7/59) (6371) من طريق عبدالرزاق].

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/190) (3473). وابن شبة في «تاريخ المدينة» (1/46) عن عَفَّان بن مُسلم الصفّار. كلاهما (ابن أبي شيبة، وعفان) عن حَفْص بن غِيَاثٍ.

ثلاثتهم (ابن وهب، وعبدالرزاق، وحفص) عَنِ ابنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَنْصَارَ فِي مَسْجِدِ قُبَاء، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ».

وفي رواية ابن وهب: «يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وأَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ». وزاد الطحاوي في روايته في آخره: «وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا».

ولفظ رواية عفان عن حفص: «رَأَيْتُ سَالِمًا مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ».

ورواية ابن أبي شيبة عن حفص بلفظ: «كَانَ سَالِمٌ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ والأَنْصَارَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ».

فرواية حفص مختصرة، وكأن الاختصار منه، وقد ذكرها ابن أبي شيبة في باب «مَنْ قَالَ: يَؤُمُّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ»، ولم يذكر فيها «أبو بكر وعمر»!

فابن جُريج ذكر في روايته «فِي مَسْجِدِ قُبَاء، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَأَبُو سَلَمَةَ، وَزَيْدٌ، وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ».

فخالف عبيدالله في ذكره أنه كان يؤمهم في «مسجد قباء» وأنه كان فيهم: «أبو بكر، وزيد بن حارثة، وعامر بن ربيعة»!!

فرواية عبيدالله أن ذلك كان قبل مقدم النبيّ صلى الله عليه وسلم للمدينة، ورواية ابن جريج أن ذلك كان بعد مقدمه المدينة!

·       خلط لأبي نُعيم الأصبهاني!

وقد خلط أبو نُعيم بين الروايتين!!

فرواه في «الحلية» (1/176) قال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ النَّجِيرَمِيُّ، قال: حدثَنَا الحَسَنُ بنُ مُثَنَّى، قال: حدثَنَا عَفَّانُ، قال: حدثَنَا حَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، قال: حدثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وَحدثَنَا أَبُو عَمْرِو بنُ حَمْدَانَ، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، قال: حدثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قال: حدثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الْأَوَّلُونَ العُصْبَةُ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ».

هكذا جمع بين الإسنادين بتلفيق بين الألفاظ! فرواية عبيدالله ليس فيها «فيهم أبو بكر»، وإنما هذه في رواية ابن جُريج! فاللفظ هو لفظ رواية عبيدالله إلا في ذكره لأبي بكر فيه!

·       محاولة أهل العلم الجمع بين الروايتين:

وقد حاول بعض أهل العلم الجمع بين هاتين الروايتين، فقال البيهقي في «السنن الكبرى» (3/126) بعد إيرادهما: "كَذَا قَالَ فِي هَذَا، وَفِيمَا قَبْلَهُ: «وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ»، ولَعَلَّهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا قَدِمَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ إِمَامَتُهُ إِيَّاهُمْ قَبْلَ قُدُومِهِ وبَعْدَهُ، وَقَوْلُ الرَّاوِي: «وَفِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ»، أَرَادَ بَعْدَ قُدُومِهِ، واللهُ أَعْلَمُ".

واختصره الذهبي في «المهذب في اختصار السنن الكبير» (2/1020) ولم يتعقبه، فقال: "قال المؤلف: لعل هذا بعد هجرة أبي بكر فيكون إمامته لهم قبل مقدم أبي بكر وبعده".

وقال ابن رجب في «فتح الباري» (6/178) بعد إيراده للروايتين: "والمراد بهذا: أَنَّهُ كَانَ يؤمهم بعد مقدم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ ولذلك قَالَ: «فِي مسجد قباء»، ومسجد قباء إنما أسسه النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قدومه المدينة، فلذلك ذكر منهم: أَبَا بَكْر، وأبو بَكْر إنما هاجر مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وليس فِي هذه الرواية: «قَبْلَ مقدم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» كما فِي الرواية الَّتِيْ خرجها البخاري هاهنا فِي هذا الباب، فليس فِي هذا الحَدِيْث إشكال كما توهمه بعضهم. وإمامة سَالِم للمهاجرين بعد مقدم النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مسجد فِي حكم المرفوع؛ لأن مثل هَذَا لا يخفى بل يشتهر ويبلغ النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (2/186): "وَاسْتُشْكِلَ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ فِيهِمْ إِذْ فِي الحَدِيثِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَبُو بَكْرٍ كَانَ رَفِيقَهُ، وَوَجَّهَهُ البَيْهَقِيُّ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ سَالِمٌ المَذْكُورُ اسْتَمَرَّ عَلَى الصَّلَاةِ بِهِمْ فَيَصِحُّ ذِكْرُ أَبِي بَكْرٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ".

وقال في موضع آخر من كتابه (13/168): "وَالجَوَابُ عَنِ اسْتِشْكَالِ عَدِّ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِيهِمْ لِأَنَّهُ إِنَّمَا هَاجَرَ صُحْبَةً النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيث ابن عُمَرَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ مَقْدَمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرْتُ جَوَابَ الْبَيْهَقِيِّ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَالِمٌ اسْتَمَرَّ يَؤُمُّهُمْ بَعْدَ أَنْ تَحَوَّلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى المَدِينَةِ وَنَزَلَ بِدَارِ أَبِي أَيُّوبَ قَبْلَ بِنَاءِ مَسْجِدِهِ بِهَا، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي خَلْفَهُ إِذَا جَاءَ إِلَى قُبَاءَ".

وقال العيني في «عمدة القاري» (24/254): "فَإِن قلت: عدّ أبي بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي هَؤُلَاءِ مُشكل جداً؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا هَاجر فِي صُحْبَة النَّبِي! قلت: لَا إِشْكَال إلاَّ على قَول ابن عمر: إِن ذَلِك كَانَ قبل مقدم النَّبِي، وَأجَاب البَيْهَقِيّ بِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون سَالم اسْتمرّ يؤمهم بعد أَن تحول النَّبِي إِلَى الْمَدِينَة وَنزل بدار أبي أَيُّوب قبل بِنَاء مَسْجده بهَا، فَيحْتَمل أَن يُقَال: وَكَانَ أَبُو بكر يُصَلِّي خَلفه إِذا جَاءَهُ إِلَى قبَاء.

قلت: توجيه ابن رجب فيه نظر! لأن الإشكال لم يُحلّ! فقد حمل الرواية على أنه كان بعد مقدمه صلى الله عليه وسلم المدينة وأن الصلاة كانت في «مسجد قباء»! وهذا يناقض ما جاء صريحاً في رواية عبيدالله أن ذلك لم يكن في «مسجد قباء»، وإنما بمكان قريب من المسجد الذي بُني بعد - وهو: «العُصْبَةَ» بِإِسْكَانِ الصَّادِ المُهْمَلَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ، وَاخْتُلِفَ فِي أَوَّلِهِ، فَقِيلَ: بِالفَتْحِ، وَقِيلَ بِالضَّمِّ، وضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِفَتْحِ العَيْنِ وَالصَّادِ المُهْمَلَتَيْنِ «العَصَبة». وقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ البَكْرِيُّ: لَمْ يَضْبِطْهُ الْأَصِيلِيُّ فِي رِوَايَتِهِ، وَالمَعْرُوفُ «المُعَصَّبُ» بِوَزْنِ مُحَمَّدٍ بِالتَّشْدِيدِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُبَاءٍ. نقله الحافظ ابن حجر-.

وكان ذلك قبل مقدمه صلى الله عليه وسلم.

واعتراض ابن حجر في الموضع الأول على جواب البيهقي صحيح، لكن تأويله في الموضع الثاني الذي تبعه عليه العيني بعيدٌ جداً! إذ الحديث كان قبل قدومهم للمدينة، وليس عندما كان يأتي أبو بكر لقباء! وهذا يحتاج لإثبات أن أبا بكر كان يأتي لقباء وحده ويصلي فيه، وكذلك إثبات أن إمام مسجد قباء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان «سالم»! فلا يُعرف أن سالماً كان إمام مسجد قباء زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولو كان كذلك لاشتهر ونُقل ذلك إلينا، وإنما المشهور أنه كان يؤم المهاجرين لما قدموا المدنية قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد علّق البخاري في «صحيحه» (1/155) عن عُبَيْداللَّهِ بن عمر بن حفص، عَنْ ثَابِتٍ البُناني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ: بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا.. الحديث. [رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي «جامعه» (5/19) (2901) عَن البُخَارِيّ، وَقَالَ عقبه: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ثَابِتٍ البُنَانِيِّ"، وقال ابن خزيمة: "حديث غريب غريب"!].

قيل إن هذا الإمام هُوَ: «كُلْثُوم بن الهِدْم الأنصاريّ»، وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم ينزل عنده إذا جاء قباء.

وذكر ابن حجر في «الإصابة» (2/116) (1861): «حنظلة بن أبي حنظلة الأنصاريّ: إمام مسجد قباء». وقال: "ذكره البخاريّ في الصّحابة، وروى له حديثاً موقوفاً من طريق جبلة بن سحيم: «صليت خلف حنظلة الأنصاريّ إمام مسجد قباء من أصحاب النبيّ صلّى اللَّه عليه وسلّم فقرأ سورة مريم، فلما جاءت السجدة سجد»، إسناده صحيح".

وأشهر من كان يؤم مسجد قباء: «سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد الأنصاريّ الأوسيّ»، وهو بدريّ.

روى الزّبير بن بكّار في «أخبار المدينة» عن عتبة بن عويم بن ساعدة: «أنّ سعد بن عبيد - وساق نسبه- كان يؤمّ في مسجد قباء في زمن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر، وتوفّي في زمنه، فأمر عمر مجمّع بن جارية أن يصلي بهم».

فلا يُعرف في كتب السير والتاريخ أن سالماً كان إمام مسجد قباء! وإنما كان إمام قباء من الأنصار كما هو الظاهر من خلال من كان إماماً فيه، وكأنه صلى الله عليه وسلم وضع فيه إماماً أنصارياً لأن المكان مكانهم تكرمة لهم، والله أعلم.

وقال الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (3/137) بعد أن نقل كلام البيهقي المتقدم: "قال: "قلت: وهذا التأويل لا بدّ منه وإن لم يرتضه الحافظ؛ وذلك لأن الرواية الأولى صريحة بأنه كان يؤمهم قبل مَقْدَمِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فليست تشمل أبا بكر؛ للسبب الذي ذكره البيهقي، ولذلك لم ينص فيها على أبي بكر. وأما الرواية الأخرى؛ فليس فيها ما في الأولى؛ فإن لفظها: «كان سالم مولى أبي حذيفة يؤم المهاجرين الأوفي وأصحابَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مسجد قباء؛ فيهم أبو بكر وعمر وأبو سلمة وزيد وعامر بن ربيعة». فليس فيها أن الإمامة الواردة فيها كانت قبل القدوم حتى يرد الإشكال؛ بل فيها عكس ذلك؛ فإن من المعلوم أن مسجد قباء إنما بناه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد قدومه إلى المدينة؛ كما في «صحيح البخاري» (7/195). وفي هذه الرواية: أن إمامته بأبي بكر إنما كانت فيه؛ فهي كالنص على أن ذلك كان بعد القدوم، فإذا ضممت هذا إلى ما أفادته للرواية الأولى- كما هو الواجب في أمثاله- ينتج منه أن سالماً رضي الله عنه كان يؤمهم قبل القدوم وفيهم عمر؛ وغيره، وبعد القدوم وفيهم أبو بكر وغيره. وبذلك يطيح الإشكال من أصله، والله تعالى ولي التوفيق".

قلت: كلامه هذا هو حاصل كلام ابن حجر المتقدم، ولا يحلّ الإشكال أبداً! فالإشكال لا يزال قائماً! ومن هنا لا بدّ من الترجيح بين هاتين الروايتين.

فمن المتفق عليه عند أهل السيّر أن سَالِماً مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كان يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ بِقُبَاءَ قبل أن يقدم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، وكان معه عمر وغيره - رضي الله عنهم -، والروايات السابقة عن عبيدالله بن عمر صريحة في ذلك.

وروى ابن سعد في «الطبقات» عن (3/64) عن مُحَمَّد بن عُمَرَ الوَاقِدِيّ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالحَمِيدِ بنُ عِمْرَانَ بنِ أَبِي أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابنَ عُمَرَ يَقُولُ: «أَقْبَلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى قَدِمَ المَدِينَةَ لأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ».

فهذه متابعة مقبولة لحديث عبيدالله عن نافع، وهذا الحديث يُعد من السيّر التي كان يتقنها الواقدي - فهو إمام في المغازي والسّير -، فلا بأس بالاستشهاد به هنا على الكلام المعروف فيه، سيما وهو من المناقب التي يحرص أهل المدينة على روايتها.

ثم روى ابن سعد أيضاً عن مُحَمَّد بن عُمَرَ الوَاقِدِيّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، قَالَ: «كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ بِقُبَاءَ فِيهِمْ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم».

وهذا شاهد مقبول أيضاً لحديث ابن عمر، وأَفلَح بن سَعيد شَيخ مِن أَهل قُباء صدوق لا بأس به، وثقه بعض أهل العلم، واحتج به مسلم، ويُستشهد بحديثه، وأخطأ ابن حبان في الحطّ منه.

فنافع وعمران بن أبي أنس يتفقان في روايتهما عن ابن عمر، ويشهد له رواية محمد بن كعب الذي روى عنه شيخ من أهل قباء.

وعليه فتكون رواية ابن جُريج عن نافع وهم! فذكر أنه أمّهم في «مسجد قباء»، وإنما هو في منطقة في قباء، ولهذا جاء إطلاقها في رواية الواقدي «بقباء»، وذكر أيضاً في هؤلاء أبا بكر، وكأنه بسبب أن أبا بكر وعمر يذكران في الأحاديث مع بعضهما، وتوهم أيضاً في ذكره «والأنصار»، فالرواية أنه كان إماماً للمهاجرين الأول فقط، والله أعلم.

وكذلك فإن عُبيدالله بن عمر مُقدّم على ابن جريج في نافع.

ذكر ابن المديني والنسائي «عبيدالله بن عمر» في الطبقة الأولى من أصحاب نافع، وذكرا «ابن جريج» في الطبقة الثانية.

وكان يحيى القطان يرى أن ابن جُريج ليس بدون أيوب، وعبيدالله بن عمر، ومالك، وعمر بن نافع - الطبقة الأولى من أصحاب نافع - فيما سمع من نافع.

فالذي أراه أن ابن جريج وهم في حديثه في موضعين:

الأول: ذكره أن إمامة سالم لهم كانت في مسجد قباء! وإنما كانت في موضع في قباء قريب من المسجد الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة.

والثاني: ذكره أنه كان فيهم «أبو بكر» - رضي الله عنه -!

وقد قال عبدالغني المقدسي في «عمدة الأحكام الكبرى» (1/93): "ورأيتُ عند البُخاري: «وفيهم أَبو بكرٍ وعمرُ». وذكرُ أبي بكرٍ عِندي وَهَمٌ لا أعرِفُ له مخرجًا".

قلت: نعم، والوهم من ابن جُريج - رحمه الله -، وتأويل من أوّل الحديث فيه بُعد، ولا يحلّ الإشكال!

وتصرف البخاري وتخريجه للروايتين حاصله أن سالماً كان يؤم المهاجرين في قباء قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وبعده، وهذا هو تأويل بعض أهل العلم للحديثين - كما سبق بيانه -، وهذا بعيد، والقرائن تؤيد أنه كان يؤمهم فقد قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا ذكر في الحديث: "وفيهم عمر"، وابن عمر هو من نقل هذا لما قدموا المدينة.

والذي أميل إليه أن ابن جريج قد وهم في الحديث، والله أعلم.

وعلى من يقول بأنه لا بأس أن يروي ابن عمر إمامة سالم قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، وبعد قدومه، ويرويهما عنه نافع!

أقول: هذا نظرياً مقبول، لكن يُستبعد ذلك لوجود قرائن تدفعه! فالمخرج واحد، والقصة واحدة، والمكان تقريباً واحد (العصبة أو المسجد) في قباء، وكذلك بعض الشخوص مثل عمر وعبد الأسد! ومتابعة وشاهد تؤيد رواية على الأخرى، فهذه كلها مجتمعة تدل على وجود وهم في رواية ابن جريج، والله أعلم.

·       رواية شُعَيْب بن أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ نَافِعٍ!

والحديث رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (7/59) (6372) قال: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بنُ أَحْمَدَ، قال: حدثنا يَحْيَى بنُ عُثْمَانَ الحِمْصِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ حِمْيَرٍ، قال: حدثنا شُعَيْبُ بنُ أَبِي الْأَشْعَثِ، عَنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ سَالِمًا، مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ كَانَ يَؤُمُّ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ فِيهِمْ عُمَرُ وَغَيْرُهُ مِنَ المُهَاجِرِينَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا».

ورواه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (3/1362) (3438) عن الطبراني. وقال: "رَوَاهُ عُبَيْدُاللهِ بنُ عُمَرَ، وَابْنُ جُرَيْجٍ فِي آخَرِينَ، عَنْ نَافِعٍ".

قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في أطراف محمد بن طاهر المقدسي (1/592) (3466)]: "غريبٌ من حديثه عَن نافع! تَفَرَّدَ بهِ شعيب بن أبي الأشعث، ولم يروه عنه غير محمد بن حميد".

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/64) (2326): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي «الكَبِيرِ» وَفِيهِ: شُعَيْبُ بنُ أَبِي الْأَشْعَثِ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: مَجْهُولٌ. قُلْتُ: شُعَيْبٌ هَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي «الثِّقَاتِ»، وَقَالَ: يُعْتَبَرُ بِحَدِيثِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي إِسْنَادِهِ ضَعِيفٌ وَلَا بَقِيَّةُ بنُ الوَلِيدِ".

قلت: هذا إسناد منكر! ولا يُعرف أن هشام بن عروة رواه عن نافع!

وشعيب هذا يروي المناكير عن هشام ولا يتابعه أحد، وهو مجهول!

قال أبو حاتم الرازي: "شُعَيبٌ مجهولٌ". [«العلل» (5/140)، «الجرح والتعديل» (4/341)].

وقال الأزدي: "ليس بشيء". [«لسان الميزان» (4/248)].

·       خطأ لأبي حاتم في تشخيص العلّة!

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/119) (253): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ حَدَّثَنَاه هارونُ بنُ إسحاقَ الهَمْداني، عَنْ عبدالله بن نُمَير، عن عبدالملك بنِ أَبِي سُلَيمان، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ: «أنَّ المُهاجِرينَ لمَّا أقبَلُوا مِنْ مكَّة إِلَى الْمَدِينَةِ، نَزَلُوا بِقُبَاء، فأَمَّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيفة؛ لأَنَّهُ كَانَ أكثرَهُمْ قُرآنًا، وَفِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الخطَّاب، وَأَبُو سَلَمة بْنُ عَبْدِ الأَسَد»؟

فَقَالَ أَبِي: "هَذَا غَلَطٌ؛ ليس هذا عبدَالملكِ بنَ أَبِي سُلَيمان، وَلا أعلَمُ رَوَى عبدالملك بْنِ أَبِي سُلَيمان عَنْ نَافِعٍ شيئًا؛ إنما هو عبدالملك بنُ جُرَيج".

قال ابن أبي حاتم: فذكرتُ ذَلِكَ لعليِّ بن الحُسَيْن بن الجُنَيد، فَقَالَ لي: سمعتُ محمدَ بنَ مُسْلِم بن وَارَةَ حدَّثنا بِهَذَا الحديثِ عَن هارون بن إِسْحَاقَ؛ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ: "ابْنُ نُمَير، عَنْ عُبَيدالله بنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم".

قلت: أصاب أبو حاتم في تعليل الحديث، لكنه أخطأ في تعليله، فحديث ابن نمير ليس عن «عبدالملك بن جريج»!

نعم، يرويه ابن جريج عن نافع، لكن لا يرويه عنه ابن نمير، وكأنه بسبب وجود «عبدالملك بن أبي سليمان» في الإسناد ظنّ أن هارون أخطأ في تسمية الشيخ! فكأنه: "عن ابن نمير، عن عبدالملك" فنسبه: "عبدالملك بن أبي سليمان"، فأخطأ، وإنما هو: "عبدالملك بن جريج"!! وليس كذلك!

وكأن ابن أبي حاتم عرف أن هذا التشخيص للعلة ليس بصحيح، فساق بعده مباشرة التعليل الصحيح له عن الإمام الحافظ ابن وارة.

فلله درّ ابن أبي حاتم، أشار إلى خطأ والده، وساق الصحيح في ذلك.

والحديث أخطأ فيه هارون بن إسحاق الهمداني الكوفي، ومن شيوخه عبدالله بن نمير، فربما نسيه أو دخل له اسم في آخر، أو تصحّف عليه، والله أعلم.

·       وهمٌ للحاكم في «المستدرك»!

قال الحاكم في «المستدرك» (3/250) بعد أن روى حديثاً عن سالم: ""إِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى حَدِيثِ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: «أَنَّ المُهَاجِرِينَ لَمَّا أَقْبَلُوا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَ يَؤُمُّهُمْ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا»".

قلت: وهذا وهم منه! فإن مسلماً لم يُخرّجه!

وقد ذكره أبو عبدالله الحُميدي في «الجمع بين الصحيحين» (2/281) (1443) في «أَفْرَاد البُخَارِيّ».

 

والحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك.

7 محرّم 1442هـ.

شاركنا تعليقك