الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الإِيمَاء» في بيان حَال الأَحاديث الواردة في «الفطر على اللَّبن أو التمر أو المَاء»!

«الإِيمَاء» في بيان حَال الأَحاديث الواردة في «الفطر على اللَّبن أو التمر أو المَاء»!

 

سُئلت عن الحديث الذي يُروى عن أَنَسٍ قالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ إِذَا أَفْطَرَ أَنْ يُفْطِرَ عَلَى لَبَنٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَتَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ حَسا حسوات من مَاء».

فأجبت بأنه لا يصح، بل لا يصح في هذا الباب شيء!

وتفصيل ذلك:

·       حديث جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس:

هذا الحديث رواه جماعة عن عَبْدالرَّزَّاقِ الصنعاني، عن جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ الضُّبعيّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ.

وقد تفرد بذكر «اللبن»: إِسْحَاقُ بنُ الضَّيْفِ.

رواه الضياء المقدسي في «المختارة» (4/411) (1584)، وابن عساكر في «تاريخه» (8/226) من طريق أبي بكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيمَ بنِ نَيْرُوزَ الأنماطيّ، عن أَبي يَعْقُوبَ إِسْحَاق بن الضَّيْفِ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ، به.

وإِسْحَاق بن الضَّيْف الباهليّ العسكريّ البَصْريُّ، نزيل مصر، قال فيه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: صدوق.

وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: "رُبمَا أَخطَأ".

وقال ابن حجر: "صدوقٌ يُخطئ".

قلت: وقد أخطأ في زيادة هذه اللفظة «على لبن».

ورواه أحمد في «مسنده» (20/110) (12676) [ومن طريقه أبو داود في «السنن»].

والترمذي في «جامعه» (2/71) (696) عن مُحَمَّد بن رَافِعٍ.

والبزار في «مسنده» (13/294) (6875) عن مُهَنَّى بن يَحْيَى البغدادي أَبي عَبْدِاللَّهِ الشَّامِيّ.

ثلاثتهم (أحمد، ومحمد بن رافع، ومُهنى) عن عَبْدالرَّزَّاقِ، عن جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ».

فلم يذكروا فيه لفظة «اللبن» كما ذكرها إسحاق بن الضيف، فتكون هذه اللفظة شاذّة.

قال الترمذي: "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".

وقال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ، عَنْ ثابتٍ، عَن أَنَس إلاَّ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، ولاَ نعلمُ رَوَاهُ عَنْ جَعْفَرٍ إلاَّ عَبْدُالرَّزَّاق. وَرَوَاهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ كَانَ يُقَالُ لَهُ: سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّشِيطِيُّ عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ ثابتٍ، عَن أَنَس فأنكره عَلَيْهِ وَضَعُفَ حَدِيثُهُ بِهِ.

وأورده الألباني في «ضعيفته» (9/267) (4269)، وقال: "وهذا إسناد ضعيف؛ إسحاق بن الضيف صدوق يخطىء؛ كما قال الحافظ. قلت: وقد أخطأ في ذكر "اللبن" بدل "الرطبات"؛ بدليل مخالفته للإمام أحمد، فروايته منكرة، والمحفوظ رواية أحمد".

ثم أعاده أيضاً (13/285) (6127) وقال: "منكر بذكر اللبن".

وأورده بدون ذكر اللبن في «صحيحته» (6/821) (2840).

وقال مقبل الوادعي في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» (120) بعد أن ذكر رواية الترمذي وقوله: "هو حديث حسنٌ على شرط مسلم".

قلت: بل هو حديث منكر! لم يروه عن ثابت إلا جعفر بن سليمان، تفرد به عبدالرزاق!

وجعفر صدوق، لكنه ينفرد عن ثابت بمناكير!

قال أبو حَامِد المخلدي عَن عَليّ بن المَدِينِيّ قالَ: "لم يكن عِنْد جَعْفَر كتاب، وعِنْده أَشْيَاء لَيست عِنْد غَيره".

وقال مُحَمَّد بن أَحْمد بن البَراء عَن عَليّ بن المَدِينِيّ قالَ: "أما جَعْفَر بن سُلَيْمَان فَأكْثر عَن ثَابت وَكتب مَرَاسِيل، وَكَانَ فِيهَا أَحَادِيث مَنَاكِير عن ثابت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم".

وقال الذهبي في ترجمته من «الميزان» (1/410): "وينفرد بأحاديث عدت مما ينكر، واختلف في الاحتجاج بها، منها... وحديث: كان يفطر على رطبات...".

وقد استنكره أبو حاتم وأبو زُرعة الرازيان.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (3/6) (652): وسألتُ أَبِي وَأَبَا زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رواه عبدالرَّزاق، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيمان، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُفطِرُ عَلَى التَّمْر، فَإِنْ لَمْ يَجِد فَعَلَى المَاءِ... الحديثَ؟

فَقَالا: "لا نعلَمُ رَوَى هَذَا الحديثَ غيرُ عبدالرزَّاق، وَلا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ جَاءَ عبدَالرزَّاق؟".

قال ابن أبي حاتم: وَقَدْ رَوَاهُ سعيدُ بنُ سُلَيمان النَّشِيطِي، وسعيد بن هُبَيرة.

فَقَالَ أَبِي: "لا يُسْقَى بالنَّشِيطِي وسَعيدِ بنِ هُبَيْرة شَربةٌ مِنْ ماءٍ مَثَلا".

وقالَ أَبُو زُرْعَةَ: "لا أَدْرِي مَا هَذَا الحديثُ! لَمْ نعرفه إِلا مِنْ حديث عبدالرزَّاق".

وذكره ابن عدي في ترجمة «جعفر بن سليمان» من «الكامل» (3/105) من طريق سعيد بن سليمان النشيطي، قال: حَدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت، عن أَنَس، قال: «كان رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم إذا أفطر أحدكم فليفطر على التمر فإن لم يجد فماء».

ثم رواه من طريق عمار بن هارون، قال: حَدثنا جعفر بن سليمان، حَدثنا ثابت، عن أَنَس، قال: «كان النبي صَلى الله عَليه وسَلم يفطر على التمر ويحب أن يفطر عليه».

قال ابن عدي: "وهذا الحديث يُعرَف بعبدالرَّزَّاق عن جعفر، ومن إفرادات جعفر عن ثابت عن أنس، لا أعلم يرويه عن جعفر غير ثلاثة أنفس، اثنين قد ذكرتهما، والثالث عَبدالرَّزَّاق عن جعفر، والحديث به مشهور عن جعفر، وقد رواه سعيد بن سليمان وعمار بن هارون، وزاد في حديث عَبدالرَّزَّاق: كان النبي صَلى الله عَليه وسَلم يفطر على الرطب، فإن لم يكن رطب فتمر".

وذكره أيضاً في ترجمة «عمار بن هارون المستملي البصري» (7/449)، قال: "ضعيف يسرق الحديث"، وذكر له هذا الحديث، ثم قال: "وهذا معروف بعبدالرَّزَّاق، عن جعفر بن سليمان، وقد رواه عمار بن هارون وسعيد بن سليمان النشيطي جميعًا، عن جعفر أَيضًا".

وسعيد النشيطي قال فيه أبو حاتم: "لا نرضى سَعِيد بن سُلَيْمان النشيطي، وفيه نظر".

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زُرْعَة عنه، فقالَ: "نسأل الله السلامة". فقلت: صدوق؟ فقالَ: "نسأل الله السلامة. وحرك رأسه، وقَال: ليس بالقوي".

وقال الآجري: سألتُ أَبا داود، عن سعيد بن سُليمان النشيطي؟ فقال: "لا أُحدّث عنه".

وقال الدارقطني: "سَعِيْد بن سُلَيْمان النَّشِيْطِيُّ، فَإِنَّهُ ذاهب".

قلت: الحديث تفرد به جعفر بن سليمان الضبعي البصري، وكان متشيعاً، فحجّ، وتوجه إلى اليمن سنة ثنتين وخمسين ومائة، وحدث بها حديثاً كثيراً، فَصَحِبَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وعنه أخذ التشيع.

وكان أمّيا ليس عنده كتاب، فحدّث من حفظه فوهم في حديثه، وتفرد بأحاديث لا تعرف إلا من روايته!

والذي أراه أنه ربما أدخل متناً في آخر فوهم، وإنما هذا في فطره صلى الله عليه وسلم على تمرات قبل الخروج إلى صلاة العيد.

فقد روى البخاري في «صحيحه»، وغيره، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ».

فكأن هذا الحديث كان عند جعفر، ولما حدّث به وهم فجعله في الفطر من الصيام، والصواب أنه كان يفطر على تمرات قبل أن يخرج للعيد. والله أعلم.

والأحاديث في الإفطار على تمرات أو رطب ليّنة، ولا يصح في هذا الباب شيء!

وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُفطرون على تمر أو رطب أو ماء؛ لأن ذلك كان غالب قوتهم.

·       حديث الرَّبَابِ أُمّ الرَّائِحِ بِنْت صُلَيْعٍ عَن عمّها سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ:

ومن أشهر الأحاديث في هذا الباب ما روته حَفْصَةُ بِنْت سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، وَهِيَ أُمُّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ».

وقد رواه عن حفصة: عاصم الأحول، وهشام بن حسّان.

أما حديث عاصم الأحول:

فرواه أبو بكر ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/349) (9889). وابن ماجه في «سننه» (2/596) (1699) عن عُثْمَان بن أَبِي شَيْبَةَ. كلاهما (أبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة) عن مُحَمَّدِ بنِ فُضَيْلٍ الكوفيّ. [ورواه ابن ماجه في «سننه» (2/596) (1699) عن أبي بكر بن أبي شيبة].

وعَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/224) (7587). وابن أبي شيبة أيضاً (6/350) (9890)، وأحمد في «مسنده» (26/167) (16228). والترمذي في «جامعه» (2/71) (695) عن مَحْمُود بن غَيْلاَنَ. ثلاثتهم (ابن أبي شيبة، وأحمد، ومحمود بن غيلان) عن وَكِيع. كلاهما (عبدالرزاق، ووكيع) عَنْ سُفْيَانَ الثوريّ. [ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/272) (6193) من طريق عبدالرزاق].

والحميدي في «مسنده» (2/362) (823)، وأحمد في «مسنده» (26/164) (16226)، وعليّ بن الجعد في «مسنده» (ص: 317) (2153). والشَّافِعِيُّ [فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ كما في «معرفة السنن والآثار» للبيهقي (6/287) (8758)]. والفريابي في كتاب «الصيام» (ص: 64) (65) و(66) عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، وأَبي قُدَامَةَ عُبَيداللَّهِ بن سَعِيد السرخسيّ. والترمذي في «جامعه» (2/39) (658)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3/372) (3306) كلاهما عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ. وابن خزيمة في «صحيحه» (2/993) (2067) عن عَبْدالجَبَّارِ بن العَلَاءِ. وأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المِصِّيصِيُّ في «حديثه عن شيوخه» (82) من طريق أَبي الحَسَنِ عَلِيّ بن غَالِبِ بنِ سَلامٍ السَّكْسَكِيّ، عن عَلِيّ بن المَدِينِيّ. كلهم (الحميدي، وأحمد، وابن الجعد، والشافعي، وقتيبة، وأبو قدامة، وعبدالجبار، وابن المديني) عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ. [ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/272) (6194) من طريق الحميدي].

وأحمد في «مسنده» (26/169) (16231)، و(26/174) (16237). والترمذي في «جامعه» (2/71) (695) عن هَنَّاد. كلاهما (أحمد، وهناد) عن أَبي مُعَاوِيَةَ الضرير.

وعليّ بن الجعد في «مسنده» (ص: 317) (2153) عن شَرِيك القاضي. [ورواه الدارقطني في «المؤتلف والمختلف» (2/1048)، وأبو محمد البغوي في «شرح السنة» (6/266) (1743) من طريق ابن الجعد].

والفريابي في كتاب «الصيام» (ص: 66) (67) عن هِشَام بن عَمَّارٍ، وعَبْدالرَّحْمَنِ بن إِبْرَاهِيمَ، كلاهما عن مَرْوَان بن مُعَاوِيَةَ الفَزَارِيّ.

والدارمي في «سننه» (2/1061) (1743) عن أَبي النُّعْمَانِ، عن ثَابِت بن يَزِيدَ الأحول.

وأبو داود في «سننه» (4/38) (2355) عن مُسَدَّد. والحاكم في «المستدرك» (1/597) (1575) عن إِبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيلَ الْقَارِيّ، عن عُثْمَان بن سَعِيدٍ الدَّارِمِيّ، عن قَيْس بن حَفْصٍ الدَّارِمِيّ. كلاهما (مسدد، وقيس) عن عَبْدالوَاحِدِ بن زِيَادٍ العبديّ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (3/372) (3305) عن يَحْيَى بن حَبِيبِ بنِ عَرَبِيٍّ. وابن خزيمة في «صحيحه» (2/994) (2067) عن أَحْمَد بن عَبْدةَ الضبيّ. والطبراني في «المعجم الكبير» (6/273) (6196) عن أَبي مُسْلِمٍ الكَشِّيّ، عن سُلَيْمَان بن حَرْبٍ. وأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المِصِّيصِيُّ في «حديثه عن شيوخه» (82) من طريق أَبي الحَسَنِ عَلِيّ بن غَالِبِ بنِ سَلامٍ السَّكْسَكِيّ، عن عَلِيّ بن المَدِينِيّ. كلهم (يحيى بن حبيب، وأحمد بن عبدة، وسليمان بن حرب، وابن المديني) عن حَمَّاد بن زَيْد.

وابن ماجه في «سننه» (2/596) (1699) عن عُثْمَان بن أَبِي شَيْبَةَ، عن عَبْدالرَّحِيمِ بن سُلَيْمَانَ الكنانيّ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (6/273) (6195) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ البَغَوِيّ، عن مُعَلَّى بن أَسَدٍ العَمِّيّ، عن عَبْدالعَزِيزِ بن المُخْتَارِ البصري.

وابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (1/264) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح الدَّوْلاَبِيّ، عن إسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّا.

كلهم (ابن فَضيل، والثوري، وابن عُيينة، وأبو معاوية، وشَرِيك، ومروان بن معاوية، وثابت الأحول، وعبدالواحد، وحماد بن زيد، وعبدالرحيم الكناني، وعبدالعزيز بن المختار، وإسماعيل بن زكريا) عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، به.

·       هل اُختلف على شعبة فيه؟

المشهور عن شعبة في هذا الحديث أنه رواه عن عاصم الأحول، ولم يذكر فيه: "عَنِ الرَّبَابِ".

قال الترمذي: "ورَوَى شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: «عَنِ الرَّبَابِ». وَحَدِيثُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ أَصَحُّ".

قلت:

رواه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/503) (1278)، و(2/590) (1357) عن شُعْبَة، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

هكذا جاء في مطبوع «مسند الطيالسي».

وقال أبو نُعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة» (3/1331): "ورَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ، فَذَكَرَ الرَّبَابَ".

ثم رواه (3357) من طريق أبي داود الطيالسي، وذكر فيه: "عَنِ الرَّبَابِ".

ولهذا عدّ أبو نُعيم شعبة مع الآخرين الذين رووه عن عاصم بهذا الإسناد، فقال بعد أن أخرج رواية أبي داود عن شعبة: "رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وشُعْبَةُ، وشَرِيكٌ، وابْنُ عُيَيْنَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُالعَزِيزِ بْنُ المُخْتَارِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّا، وَحَفْصُ بنُ غِيَاثٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، وَعَبْدُالرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ، فِي آخَرِينَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ".

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (4/402) (8129) من طريق أبي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيّ.

ثم قال: "هكَذَا وَجَدْتُهُ فِي المُسْنَدِ قَدْ أَقَامَ إِسْنَادَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَقَدْ رَوَاهُ مُحمود بنُ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي دَاوُدَ دُونَ ذِكْرِ الرَّبَابِ".

قلت: يعني أن محمود بن غيلان رواه عن أبي داود فخالف فيه يُونُس بن حَبِيبٍ راوي المسند عن الطيالسي، ورواية محمود بن غيلان أصوب لموافقتها رواية الجماعة عن شعبة كما سيأتي، وعليه فيكون الخطأ من يونس، وهم فيه على أبي داود الطيالسي، وقد يكون الخطأ من أبي داود نفسه، ذكر فيه "الرباب" مرة، ولم يذكره مرة، والله أعلم.

وقد رواه جماعة من أصحاب شعبة عنه، فلم يذكروا: "الرباب"!

رواه أحمد في «مسنده» (26/176) (16242). والنسائي في «السنن الكبرى» (3/371) (3301) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ. كلاهما (أحمد، وابن بشار) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ غُندر.

وابن عدي في «الكامل» (8/206) (12909). والجورقاني في «الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير» (1/524) (333) من طريق مُحَمَّد بن يَحْيَى بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى الْفَقِيه. كلاهما (ابن عدي، ومحمد بن يحيى) عن أَبي خَلِيفَة الفضل بن الحباب، عن أَبي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (6/273) (6197) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ، عن مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ الفراهيدي.

والحارث بن أبي أسامة في «مسنده» [كما في «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (3/1331) (3356)] عن رَوْح بن عُبادة.

أربعتهم (غندر، وأبو الوليد، ومسلم بن إبراهيم، وروح) عن شُعْبَة، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ.

قال الطبراني بعد أن رواه: "وَلَمْ يَذْكُرْ شُعْبَةُ: الرَّبَابَ".

قلت: رواية الجماعة أولى من رواية أبي داود، فالصحيح عن شعبة أنه لم يذكر "الرباب" في روايته لهذا الحديث عن عاصم، والله أعلم.

·       زيادة لفظة في الحديث من ابن عًيينة!

قال سُفْيَانُ بن عُيينة في روايته: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ».

وقد تفرد بزيادة لفظة: «فإنه بركة»! ولم يروها الجماعة عن عاصم.

قَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ النسائي: "هَذَا الحَرْفُ «فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ» لا نَعْلَمُ أَنْ أَحَدًا ذَكَرَهُ غَيْرُ ابْنِ عُيَيْنَةَ، وَلَا أَحْسِبُهُ بِمَحْفُوظٍ".

قلت: كأنه زادها وهماً في مقابلة ما ذكر عن الماء «فإنه طهور» فقال في مقابل التمر «فإنه بركة»؛ لأن التمر بركة، فوهم في ذلك؛ لأن هذا الحرف ليس محفوظاً في حديث عاصم ولا غيره!

وأما حديث هشام بن حسّان:

فقد اختلف عليه:

فرواه أحمد في «مسنده» (26/163) (16225) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (3/373) (3310) و(3312) عن عَبْداللهِ بن الهَيْثَمِ، عن حَمَّاد بن مَسْعَدَةَ، ويُوسُف بن يَعْقُوبَ السّدوسيّ.

وأبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (3/1331) (3355) عن أَبي بَكْرِ أحمد بن يوسف بن خَلَّادٍ. وابن منده في «معرفة الصحابة» (ص: 727) عن محمد بن محمد بن الأزهر. والخطيب في «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/591) من طريق أَحْمَد بن سَلْمَانَ النَّجَّاد. ثلاثتهم (ابن خلاد، وابن الأزهر، والنجاد) عن الحَارِث بن أَبِي أُسَامَةَ. وأبو طاهر المُخلِّص [كما في «الفوائد المنتقاة من حديثه بانتقاء ابن أبي الفوارس» (192) عن أبي جعفر أحمد بن إسحاق بن البهلول التنوخي، عن الفضل بن موسى مولى بني هاشم. كلاهما (الحارث بن أبي أسامة، والفضل بن موسى) عن رَوْح بن عُبَادَةَ.

والخطيب في «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/592) من طريق يوسف بن يعقوب القاضي، عن أبي الربيع سليمان بن داود الزهراني، عن حمّاد بن زيد.

وأَبُو القَاسِمِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المِصِّيصِيُّ في «حديثه عن شيوخه» (83) من طريق أَبي الحَسَنِ عَلِيّ بن غَالِبِ بنِ سَلامٍ السَّكْسَكِيّ، عن عَلِيّ بن المَدِينِيّ، عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطّان.

كلهم (غُندر، وحَمَّاد بن مَسْعَدَةَ، ويُوسُف السّدوسيّ، ورَوح، وحماد بن زيد، ويحيى القطان) عن هِشَام بن حسان، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ الرَّبَابِ الضَّبِّيَّةِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ».

هكذا رووه عن هشام موقوفاً.

وفي بعض الروايات: "قالَ هِشَامٌ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ: أَنَّ حَفْصَةَ رَفَعَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وفي رواية رَوح: "قالَ هِشَامٌ: حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَذَلِكَ - أو هكذا- ظَنَنْتُ".

وفي رواية ابن المديني، قال: قُلْتُ لِيَحْيَى بنِ سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ هِشَامٌ؟ قَالَ: لا، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

قلت: كان هشام بن حسان يرويه عن حفصة موقوفاً، لكنه سمع من عاصم الأحول أن حفصة كانت ترفعه، فكأنه رفعه بعد ذلك، وهذا يُفسر لنا ما جاء عنه من روايات مرفوعة.

·       من رواه عن هشام مرفوعاً:

رواه عبدالرزاق في «مصنفه» (4/224) (7586). [ورواه أحمد في «مسنده» (26/169) (16232)، وابن حبان في «صحيحه» (8/281) (3515)، والطبراني في «المعجم الكبير» (6/272) (6192) من طريق عبدالرزاق].

والفريابي في كتاب «الصيام» (ص: 63) (63) عن إِسْحَاق بْن رَاهَوَيْهِ، عن إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيمَ ابن عُلية.

والفريابي (64) عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى. والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/404) (3615) من طريق مُحَمَّد بن عَبْدُكٍ القَزَّاز. كلاهما عن عَبْداللَّهِ بن بَكْرٍ السَّهْمِيّ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (3/372) (3307) عن أَحْمَد بن حَرْبٍ، عن ابن عُلَيَّةَ. و(3308) عن عَلِيّ بن حُجْرٍ، عن قُرَّان بن تَمَّامٍ الأسدي. و(3309) عن الحُسَيْن بن مُحَمَّدٍ، عن خَالِد بن الحارث.

كلهم (عبدالرزاق، وابن عُلية، وعبدالله السهمي، وقرّان، وخالد) عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ بِتَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ بِمَاءٍ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ».

·       رواية شعبة عن هشام دون ذكر "الرباب"!

ورواه شعبة أيضاً عن هشام ورفعه، ولم يذكر "الرباب"!

رواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/370) (3300) عن سُلَيْمَان بن عُبَيْدِاللهِ، عن أَبي قُتَيْبَةَ سَلْم بن قتيبة، عن شُعْبَة، عن هِشَام، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، مرفوعاً.

·       بيان الخطيب أن رفع الحديث لم يسمعه هشام من حفصة، وإنما سمعه من عاصم الأحول.

أشرت فيما مضى أن هشام بن حسان سمع الحديث من حفصة موقوفاً، لكنه سمع عاصماً أن حفصة رفعته فرفعه.

قال الخطيب في «الفصل للوصل المدرج في النقل» (1/590) - بعد أن ساق رواية السهمي وعبدالرزاق-: "كذَا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ بَكْرٍ السَّهْمِيُّ وعَبْدُالرزاق بن هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ هِشَامٍ مَرْفُوعًا.

وذكر رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْمَعْهُ هِشَامٌ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْهَا وَأَدْرَجَ ذَلِكَ فِي حديث عبدالله بن بكر وَعَبْدِالرَّزَّاقِ فَلَمْ يُبَيَّنْ.

وَقَدْ رَوَى رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ كِلاهُمَا الحَدِيثَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ نَفْسِهَا موقوفاً، وعن عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْهَا مَرْفُوعًا، وَبَيَّنَّا القَوْلَيْنِ فِي سِيَاقَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَرَوَى الحَدِيثَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَاصِمٍ وَهِشَامٍ عَنْ حَفْصَةَ، وَقَالَ حَمَّادٌ: رَفَعَهُ عَاصِمٌ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ هِشَامٌ".

قلت: يبدو أن حفصة بنت سيرين كانت تقفه أحياناً، وترفعه أحياناً! وسيأتي الكلام مفصلاً عن ذلك.

·       خطأ في مطبوع «السنن الكبرى» للبيهقي!

قال البيهقي في «السنن الكبرى» (4/401): "رَوَاهُ ابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ، وَرَوَاهُ هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ عَنْ حَفْصَةَ فَلَمْ يَرْفَعْهُ".

قلت: الدستوائي خطأ! وإنما هو هشام بن حسان! ولا أدري هل الخطأ في نسبته من البيهقي أم من غيره!

·       رواية سَعِيد بن عَامِرٍ الضُّبعيّ البصري عَنْ شُعْبَةَ! ووهمه في إسناده مرة، وضبطه مرة.

قد سبق أن شعبة رواه عن عاصم الأحول، عن حفصة بنت سيرين، عن سلمان بن عامر، مرفوعاً، ولم يذكر فيه "عن الرباب".

ورواه عنه سعيد بن عامر واختلف عليه:

رواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/371) (3302) عن إِبْرَاهِيم بن يَعْقُوبَ الجوزجاني.

وابن حبان في «صحيحه» (8/281) (3514) عن مُحَمَّد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عن مُحَمَّد بن يَحْيَى الذُّهْلِيّ.

كلاهما (إبراهيم، والذهلي) عن سَعِيد بن عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ؛ فَإِنَّهُ طَهُورٌ». فلم يذكر: "عن الرباب".

وقد تُوبع سعيد على هذه الرواية، تابعه رَوح عن شعبة.

رواه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» [كما في «معرفة الصحابة» لأبي نعيم (3/1331) (3356)] عن رَوْح بن عُبادة، قال: وَحَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، وَعَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمْ يَذْكُرِ "الرَّبَابَ".

ورُوي عن سعيد بن عامر عن شعبة بإسناد آخر:

رواه ابن الجعد في «مسنده» (ص: 216) (1435)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2/993) (2066). والطبراني في «المعجم الصغير» (2/203) (1029) عن مُحَمَّد بن عِيسَى بْنِ سَهْلَوَيْهِ الْآدَمَيّ الْأَصْبَهَانِيّ. والحاكم في «المستدرك» (1/596) (1574) عن أَبي العَبَّاسِ مُحَمَّد بن يَعْقُوبَ الأصمّ. أربعتهم (ابن الجعد، وابن خزيمة، وابن سهلويه، والأصم) عن أبي بكر مُحَمَّد بْن إِسْحَاقَ الصَّاغَانِيّ.

والترمذي في «جامعه» (2/70) (694)، وفي «العلل الكبير» (ص: 113) (194)، والنسائي في «السنن الكبرى» (3/371) (3303)، وابن خزيمة في «صحيحه» (2/993) (2066) كلهم عن مُحَمَّد بن عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ بنِ مُقَدَّمٍ المُقَدَّمِيّ.

وأبو عليّ الطوسي في «مستخرجه على جامع الترمذي» (3/314) (638) عن إِسْحَاق بن زِيَادٍ العَطَّار الأَيْلِيّ.

كلهم (الصاغاني، والمقدمي، والعطار) عن سَعِيد بن عَامِرٍ الضُّبَعِيّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ؛ فَإِنَّهُ طَهُورٌ».

قلت: كذا رُوي عن سعيد بن عامر عن شعبة بإسنادين، وقد وهم سعيد في الثاني حيث سلك الجادة مرة، وأصاب فيه مرة.

وهذا الإسناد الأخير نصّ أهل العلم على توهيم سعيد فيه، لكنهم لم يذكروا أنه حدّث به مرة فأصاب فيه، وإنما رجّحوا عليه ما رواه بعض أصحاب شعبة عنه عن عاصم الأحول، إلا النسائي فإنه صحح الإسناد الأول.

قال الترمذي: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يعني البخاري- عَنْ هَذَا الحَدِيثِ؟ فقَالَ: "الصَّحِيحُ حَدِيثُ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَدِيثُ سَعِيدِ بنِ عَامِرٍ وَهْمٌ".

وقال الترمذي: "حَدِيثُ أَنَسٍ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَاهُ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَ هَذَا غَيْرَ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ أَصْلاً مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ، وَقَدْ رَوَى أَصْحَابُ شُعْبَةَ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ، وَهَكَذَا رَوَوْا عَنْ شُعُبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِيهِ شُعْبَةُ "عَنِ الرَّبَابِ"، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحَوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ".

قلت: الصواب في رواية شعبة عن عاصم دون ذكر "عن الرباب".

وقال النسائي: "حَدِيثُ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ خَطَأٌ، وَالصَّوَابُ الَّذِي قَبْلَهُ" = يعني حديث سَعِيد بن عَامِرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ.

وقال في موضع آخر: "هذا خَطَأٌ، وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا تَابَعَ سَعِيدَ بْنَ عَامِرٍ عَلَى هَذَا الْإِسْنَادِ".

وقال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ شُعْبَةَ إِلَّا سَعِيدُ بنُ عَامِرٍ".

وقال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

قلت: أنّى يكون صحيحا وهو معلول! وكيف يكون على شرط الشيخين وقد أعلّه البخاري نفسه!

وقال البيهقي: "وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ عَنْ شُعْبَةَ فَغَلِطَ فِي إِسْنَادِهِ".

وقد سُئِل الدارقطني عنه في «العلل» (12/120) (2505)، فقال: "حدّث به سعيد بن عامر، عن شعبة، عن عبدالعزيز بن صهيب، عن أنس. قاله الصغاني، ومحمد بن عمر بن علي المقدمي عنه.

ويقال: إن سعيدا وهم، وإنما روى شعبة هذا الحديث عن عاصم، عن حفصة، عن سلمان بن عامر، وهو الصحيح".

قلت: قد تقدم أن سعيد بن عامر رواه عن شعبة، عن خالد الحذاء، عن حفصة، عن سلمان، وهو الصواب.

·       حكم أهل العلم على حديث حفصة عن الرباب عن سلمان بن عامر:

قال الترمذي: "حَدِيثُ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ".

وقال في موضع آخر: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

·       الفكرة المنتشرة بين المعاصرين أن الحسن عند الترمذي يعني أنه معلول!

قلت: هذا من الترمذي ينسف الفكرة التي أتى بها بعض المعاصرين أن الترمذي يقصد بقوله في الأحاديث التي يُخرّجها في «جامعه»: «حديث حسن» أنها معلولة أو لها علّة؟!

فالترمذي حكم على الحديث نفسه في موضع بأنه «حسن»، وفي موضع آخر بأنه «حسن صحيح».

فإذا كان يقصد بالحسن أن له علّة، فكيف يُعله في موضع، ثم يصححه في موضع آخر؟!!

والترمذي أحيانا يصحح أحاديث في نظرنا معلولة فهل نقول صححها لأنها معلولة؟! وكذا الحسن، فإننا نُعلل ما يحكم عليه بهذا، فهل نقول حسنها لأنها معلولة؟!

وكذلك فهناك أحاديث في الصحيحين حكم عليها الترمذي بأنها حسنة! فكيف تكون معلولة؟!

وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ البُخَارِيِّ، ولَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ".

وقال الجورقاني بعد أن ساق رواية أَبي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، عن شُعْبَةُ التي لم يذكر فيها "الرباب": "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ مَشْهُورٌ".

وقال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/435): "وَصَحَّحَهُ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ".

·       تصحيح الألباني للحديث ثم تراجعه عن ذلك وتضعيفه!

وذكره الألباني في «ضعيفته» (13/852) (6383) وصرّح بضعفه، ونبّه في «الإرواء» (4/50) أنه كان صححه في بعض الكتب ثم تبيّن له ضعفه.

قال متعقباً الحاكم في تصحيحه: "قلت: وليس كذلك، فإن الرباب هذه إنما أخرج لها البخارى تعليقاً، ثم هي لا تعرف إلا برواية حفصة بنت سيرين عنها كما قال الذهبي نفسه في «الميزان». وقد وثقها ابن حبان كما تقدم في «الزكاة»، وصحح حديثها هذا، وهو في ذلك تابع لشيخه ابن خزيمة فقد صحح الحديث أيضاً كما في «بلوغ المرام»، وكذا صححه أبو حاتم الرازي كما في «التلخيص» (192).

أقول: ولا أدري ما وجه هذا التصحيح، لا سيما من مثل أبي حاتم، فإنه معروف بتشدده في التصحيح، والقواعد الحديثية تأبى مثل هذا التصحيح لتفرد حفصة عن الرباب كما تقدم، ومعنى ذلك أنها مجهولة، فكيف يصحح حديثها؟! مع عدم وجود شاهد له، إلا حديث أنس وهو معلول بمخالفة سعيد بن عامر للثقات كما سبق بيانه.

وقد وجدت له مخالفة أخرى، فقد أخرج ابن حبان (893) من طريق محمد بن يحيى الذهلي: حدثنا سعيد بن عامر عن شعبة عن خالد الحذاء عن حفصة بنت سيرين عن سلمان بن عامر به. فقد خالف سعيد جميع من رواه عن شعبة عن عاصم فقال: هو عن شعبة عن خالد الحذاء!

وخلاصة القول أن الذي يثبت في هذا الباب إنما هو حديث أنس من فعله صلى الله عليه وسلم، وأما حديثه وحديث سلمان بن عامر من قول صلى الله عليه وسلم وأمره، فلم يثبت عندي، والله أعلم" انتهى.

وذكره في «ضعيف أبي داود» (2/263) (404) وقال: "إسناده ضعيف؛ لجهالة الرباب، ومع ذلك صححه جمع..."، ثم قال: "هذه الخلاصة - وهي ضعْفُ الشاهد والمشهود- هي الحقيقة التي لا يمكنني- بناءً على علم المصطلح- إلا اعتمادها، وهو الذي شرحته في المصدر السابق «الإرواء»-، فلا أدري كيف ذهلْتُ عنها فيما بعد؛ فملْت إلى تصحيح الحديث فيما علقته على «صحيح ابن خزيمة» (2066 و2067)، وأوردته في كتابي «صحيح الجامع الصغير وزيادته» (360 و6459)! فحقه أن يُوْرد في الكتاب الآخر «ضعيف الجامع الصغير»" انتهى.

·       ميل الأرنؤوط إلى تصحيح الحديث ثم تضعيفه! دون الإشارة إلى تراجعه عن ذلك!

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «صحيح ابن حبان» (8/282): "رجاله ثقات رجال الصحيح غير الرباب، وهي أم الرائح بنت صليع فإنه لم يوثقها غير المؤلف، وليس لها إلا هذا الحديث، وماروى عنها غير حفصة بنت سيرين. ونقل الحافظ في «التلخيص» 2/198 تصحيحه عن أبي حاتم الرازي".

وقال في تعليقه على «مسند أحمد» (26/163): "إسناده ضعيف لجهالة الرّباب الضبية، وهي بنت صُلَيْع أم الرائح، فقد تفردت بالرواية عنها حفصة بنت سيرين، ولم يؤثر توثيقها عن غير ابن حبان كعادته في توثيق المجاهيل".

قلت: كان ينبغي له التراجع عما سطره في تعليقه على «صحيح ابن حبان» إلى تضعيفه الحديث أخيراً كما فعل الألباني في تراجعه.

·       إيراد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة عاصم الأحول!

وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة عاصم الأحول من «الكامل» (8/205) فهل هذا يدلّ على أنه يستنكره عليه؟!

وساق قول يَحيى في عاصم: "لم يكن بالحافظ".

وقول ابن عُلية: "من كان اسمه عاصم، كان في حفظه شيء".

ثم ساق الحديث: حَدثنا الفضل بن الحباب، قال: حَدثنا أَبو الوليد، عن شُعبَة، عن عاصم الأحول، عن حفصة بنت سِيرين، عن سلمان بن عامر؛ أن النبي صَلى الله عَليه وسَلم قال: «من وجد تمرا فليفطر عليه، فإن لم يجد فليفطر على الماء، فإنه طهور».

والذي يظهر لي أن ابن عدي قصد من هذا أن عاصماً ربما لم يحفظه = يعني رفعه؛ لأن هشاماً أوقفه!

والغالب أن ابن عدي يورد في ترجمة الراوي ما يُستغرب من حديثه. والله أعلم.

·       من أين جاء ابن حجر بأن أبا حاتم صحح الحديث؟

قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (3/57) (687): وسألتُ أَبِي عَن حديثٍ رَوَاهُ حمَّاد بن سَلَمة، عن عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَة بِنْتِ سِيرين؛ أَنَّ الرَّباب، فذكرَتْ حديثَ سَلْمَانَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إذَا صَامَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى التَّمْرِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى المْاءِ؛ فَإِنَّهُ طَهُورٌ»؟

قَالَ أَبِي: وروى هَذَا الحديثَ هِشَامُ بْنُ حسَّان وغيرُ وَاحِدٍ، عَنْ حَفْصَة، عَنِ الرَّباب، عَنْ سلمان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

قلتُ لأَبِي: أيُّهما أصَحُّ؟

قَالَ: جَمِيعًا صَحِيحَينِ؛ قَصَّر بهِ حمَّاد، وقد رُويَ عن عَاصِمٍ أَيْضًا نَحْوَهُ.

قلت: قول أبي حاتم: "جميعا صحيحين" كأنه من هنا أخذ ابن حجر تصحيحه للحديث! وفيه نظر! فأبو حاتم يقارن بين الطرق ويصححها، لا أنه يصحح الحديث من أصله.

فرواية حماد بن سلمة عن عاصم مرسلة ليس فيها ذكر الاتصال بين "الرباب" و"سلمان"، ورواه هشام بن حسان وغيره وفيه الاتصال بين الرباب وسلمان، ومن هنا قال بأن حماد بن سلمة قصّر في ذكر ذلك، وكلا الإسنادين صحيحين.

فهو يقارن بين الأسانيد ويصححها كما رواه أصحابها، لا أن تصحيحه متوجه لمتن الحديث.

·       حديث الرباب عن عَمِّهَا سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ يتكون من عدّة ألفاظ.

وقبل الخوض في الكلام على هذا الحديث أنبّه إلى أن هذا الحديث يتضمن ألفاظاً أخرى.

رواه بعض الرواة مقتصرين على بعضه، ورواه بعضهم بطوله. فهو بالإضافة لقصة الفطر فيه قِصَّةَ الصَّدَقَةِ والعَقِيقَةِ.

فقد روته حَفْصَةَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ. وَمَعَ الغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وأَرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ».

ولا شك أن حفصة عندما حدثت بهذا عن الرباب حدثت به كاملاً هكذا، والرواة منهم من رواه هكذا، ومنهم من اقتصر على بعضه؛ لأن ما ذُكر فيه يتعلق بموضوعات مختلفة.

ومن هنا وجدت بعض المشتغلين بالتخريج إذا مرّ بهم هذا الحديث هكذا كاملاً، صححوا بعض أجزائه لوجود بعض المتابعات لهذه الأجزاء في أحاديث أخرى، وضعفوا جزءا منه!

كقول شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على «مسند أحمد» (26/164): "حديث صحيح دون قوله: «فليفطر على تمر، فإن لم يجد فليفطر على ماء، فإنه طهور»، وهذا إسناد ضعيف لجهالة الرباب...".

·       عرض البخاري لجزء من الحديث في «صحيحه»، وبيان الاختلاف فيه!

روى البخاري في «صحيحه» (7/84) (5471) قال: حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: «مَعَ الغُلاَمِ عَقِيقَةٌ».

وقَالَ حَجَّاجٌ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، قال: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، وَقَتَادَةُ، وَهِشَامٌ، وَحَبِيبٌ، عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، وَهِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ ابنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ قَوْلَهُ.

وَقَالَ أَصْبَغُ: أَخْبَرَنِي ابنُ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، قال: حَدَّثَنَا سَلْمَانُ بنُ عَامِرٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَعَ الغُلاَمِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى».

قلت: هكذا عرض البخاري لهذا الجزء من الحديث فيما يتعلق بالعقيقة والاختلاف فيه على محمد بن سيرين وحفصة.

قال ابن حجر في «الفتح» (9/590): "قوله: (عن محمد) هو: ابن سيرين. قوله: (عن سلمان بن عامر) هو: الضبي، وهو صحابي سكن البصرة، ما له في البخاري غير هذا الحديث.

وقد أخرجه من عدة طرق موقوفاً ومرفوعاً موصولاً من الطريق الأولى لكنه لم يصرح برفعه فيها، ومعلقاً من الطرق الأخرى صرح في طريق منها بوقفه، وما عداها مرفوع.

قال الإسماعيلي: لم يُخرّج البخاري في الباب حديثاً صحيحاً على شرطه، أما حديث حماد بن زيد - يعني الذي أورده موصولاً فجاء به موقوفاً، وليس فيه ذكر إماطة الأذى الذي ترجم به، وأما حديث جرير بن حازم فذكره بلا خبر، وأما حديث حماد بن سلمة فليس من شرطه في الاحتجاج.

قلت: أما حديث حماد بن زيد فهو المعتمد عليه عند البخاري، لكنه أورده مختصراً، فكأنه سمعه كذلك من شيخه أبي النعمان واكتفى به كعادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده، وقد أخرجه أحمد عن يونس بن محمد، عن حماد بن زيد، فزاد في المتن: «فأهريقوا عنه دماً وأميطوا عنه الأذى»، ولم يصرح برفعه، وأخرجه أيضاً عن يونس بن محمد، عن حماد بن زيد، عن هشام، عن محمد بن سيرين فصرّح برفعه، وأخرجه أيضاً عن عبدالوهاب، عن ابن عون وسعيد، عن محمد بن سيرين، عن سلمان مرفوعاً. وأخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب، عن حماد بن زيد، عن أيوب فقال فيه: رفعه.

وأما حديث جرير بن حازم وقوله إنه ذكره بلا خبر - يعني لم يقل في أول الإسناد «أنبأنا أصبغ» بل قال: «قال أصبغ»، لكن أصبغ من شيوخ البخاري قد أكثر عنه في الصحيح، فعلى قول الأكثر هو موصول كما قرره ابن الصلاح في «علوم الحديث»، وعلى قول ابن حزم هو منقطع، وهذا كلام الإسماعيلي يشير إلى موافقته، وقد زيف الناس كلام ابن حزم في ذلك.

وأما كون حماد بن سلمة ليس على شرطه في الاحتجاج فمسلَّم لكن لا يضره إيراده للاستشهاد كعادته.

قوله: (وقال حجاج) هو: ابن منهال، وحماد هو: ابن سلمة، وقد وصله الطحاوي، وابن عبدالبر، والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي، عن حجاج بن منهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة به، وقد أخرجه النسائي من رواية عفان، والإسماعيلي من طريق حبان بن هلال وعبدالأعلى بن حماد وإبراهيم بن الحجاج كلهم عن حماد بن سلمة، فزادوا مع الأربعة الذين ذكرهم البخاري – وهم: أيوب، وقتادة، وهشام، وهو ابن حسان، وحبيب وهو ابن الشهيد - يونس وهو: ابن عبيد، ويحيى بن عتيق، لكن ذكر بعضهم عن حماد ما لم يذكر الآخر، وساق المتن كله على لفظ حبان، وصرح برفعه، ولفظه: «في الغلام عقيقة فاهريقوا عنه الدم وأميطوا عنه الأذى».

قال الإسماعيلي: وقد رواه الثوري موصولاً مجرداً، ثم ساقه من طريق أبي حذيفة، عن سفيان، عن أيوب كذلك، فاتفق هؤلاء على أنه من حديث سلمان بن عامر، وخالفهم وهيب فقال: عن أيوب، عن محمد، عن أم عطية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مع الغلام» فذكر مثله سواء، أخرجه أبو نُعيم في «مستخرجه» من رواية حوثرة بن محمد، عن أبي هشام، عن وهيب به، ووهيب من رجال الصحيحين، وأبو هشام اسمه: المغيرة بن سلمة، احتج به مسلم، وأخرج له البخاري تعليقاً، ووثقه ابن المديني والنسائي وغيرهما، وحوثرة - بحاء مهملة ومثلثة وزن جوهرة -: بصري، يكنى أبا الأزهر، احتج به ابن خزيمة في «صحيحه» وأخرج عنه من الستة: ابن ماجه، وذكر أبو علي الجياني أن أبا داود روى عنه في كتاب بدء الوحي خارج السنن، وذكره ابن حبان في «الثقات»، فالإسناد قوي إلا أنه شاذ، والمحفوظ عن محمد بن سيرين، عن سلمان بن عامر، فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث.

قوله: (وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم) قلت: من الذين أبهمهم عن عاصم: سفيان بن عيينة، أخرجه أحمد عنه بهذا الإسناد فصرح برفعه وذكر المتن المذكور وحديثين آخرين، أحدهما في الفطر على التمر، والثاني في الصدقة على ذي القرابة، وأخرجه الترمذي من طريق عبدالرزاق، والنسائي عن عبدالله بن محمد الزهري كلاهما عن ابن عيينة بقصة العقيقة حسب، وقال النسائي في روايته: عن الرباب عن عمها سلمان به، والرباب - بفتح الراء وبموحدتين مخففاً- مالها في البخاري غير هذا الحديث، وممن رواه عن هشام بن حسان: عبدالرزاق أخرجه أحمد عنه عن هشام بالأحاديث الثلاثة، وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق عبدالرزاق، ومنهم عبدالله بن نمير أخرجه ابن ماجه من طريقه عن هشام به، وأخرجه أحمد أيضاً عن يحيى القطان، ومحمد بن جعفر كلاهما عن هشام، لكن لم يذكر الرباب في إسناده، وكذا أخرجه الدارمي عن سعيد بن عامر، والحارث بن أبي أسامة عن عبدالله بن بكر السهمي كلاهما عن هشام.

قوله: (ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان قوله) قلت: وصله الطحاوي في «بيان المُشكل» فقال: حدثنا محمد بن خزيمة: حدثنا حجاج بن منهال: حدثنا يزيد بن إبراهيم، به، موقوفاً.

قوله: (وقال أصبغ: أخبرني بن وهب إلخ) وصله الطحاوي عن يونس بن عبدالأعلى، عن ابن وهب به.

قال الإسماعيلي: ذكر البخاري حديث ابن وهب بلا خبر، وقد قال أحمد بن حنبل: حديث جرير بن حازم كأنه على التوهم أو كما قال. قلت: لفظ الأثرم عن أحمد: حدث بالوهم بمصر، ولم يكن يحفظ، وكذا ذكر الساجي. انتهى. وهذا مما حدث به جرير بمصر، لكن قد وافقه غيره على رفعه عن أيوب، نعم قوله: (عن محمد حدثنا سلمان بن عامر) هو الذي تفرد به.

وبالجملة فهذه الطرق يقوي بعضها بعضاً، والحديث مرفوع لا يضره رواية من وقفه" انتهى كلام ابن حجر.

قلت: بل رواية من وقفه تضر الحديث المرفوع، وقد رجّح البخاري الرواية الموقوفة كما هو الظاهر من سياق إيراده للاختلاف في الحديث.

وكما ذكرت فإن حديث سلمان بن عامر هذا رُوي بهذه القطع الثلاثة، ورواه بعضهم مفرقاً.

·       حديث العَقِيقة:

رواه هشام بن حسان، وعاصم الأحول، وأيوب السختياني، ثلاثتهم عن حفصة بنت سيرين.

أما حديث هشام:

فرواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (4/329) (7958). [ورواه أحمد في «مسنده» (26/169) (16232)، والترمذي في «جامعه» (3/150) (1515)، وأبو داود في «سننه» (4/459) (2839)، والطبراني في «المعجم الكبير» (6/273) (6199)، والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/503) (19263) كلهم من طريق عَبْدالرَّزَّاقِ].

وابن مَنده في «معرفة الصحابة» (ص: 727) عن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن عبدالجبار، عن حفص بن غِياث.

وأبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (3/1332) (3358) عن أَبي بَكْرِ بن خَلَّادٍ، عن الحَارِث بن أَبِي أُسَامَةَ، عن عَبْداللهِ بن بَكْرٍ السَّهْمِيّ.

ثلاثتهم (عبدالرزاق، وحفص، والسهمي) عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

[تنبيه: رواية أحمد عن عبدالرزاق ذكر فيها الأحاديث الثلاثة: في الإفطار، والعقيقة، والصدقة].

وَقد اخْتلف فِيهِ على هِشَام فَقيل عَنهُ هَكَذَا، وَقيل عَنهُ بِإِسْقَاط «الرباب» من إِسْنَاده.

رواه أحمد في «مسنده» (26/168) (16229) عن يَزِيد بن هَارُونَ، ومُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، وابنُ نُمَيْرٍ. و(26/171) (16234) عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطان.

وابن أبي شيبة في «مصنفه» (5/113) (24239) عن ابنِ نُمَيرٍ. [ورواه ابن ماجه في «سننه» (4/335) (3164) عن ابن أبي شيبة].

 والدارمي في «سننه» (2/1251) (2010) عن سَعيدِ بنِ عامرٍ.

والدولابي في «الكنى والأسماء» (1/359) (639) من طريق أَبي الْأَغَرِّ الْأَبْيَض بن الْأَغَرِّ.

كلهم (يزيد، وغندر، وابن نمير، والقطان، وسعيد بن عامر، وأبو الأغر) عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ ابْنَةِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةً، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

فلم يذكروا «الرباب» في إسناده!

ولفظ رواية الدولابي: «الغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ».

·       دعوى الألباني أن عبدالرزاق تفرد بذكر «الرباب» في إسناده!

ذكر الألباني هذا الحديث في «إرواء الغليل» (4/396) (1171) وصححه، ثم ساقه من حديث عبدالرزاق عن هشام، ثم قال: "وخالف عبدالرزاق جماعة"، ثم ذكرهم، ثم قال: "قلت: فقد اتفق هؤلاء الثقات على روايته عن هشام بن حسان بإسقاط الرباب من الإسناد، وذلك مما يرجح روايتهم على رواية عبدالرزاق التى زاد فيها «الرباب» وهي مجهولة، ويجعل روايته شاذة، إلا أن متابعة عاصم الأحول المذكورة تدل على أن لها أصلا، وقد علقها البخارى في «صحيحه» فقال: (وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم). وفيه إشعار بأن عبدالرزاق لم يتفرد به عن هشام، وذلك مما يقوي أن روايته محفوظة، فلعل حفصة بنت سيرين سمعتها أولا من الرباب عن سلمان، ثم سمعتها من سلمان مباشرة، فكانت ترويه على الوجهين، مرة عنها، وتارة عنه. وقد تابعها على الوجه الثاني أخوها محمد بن سيرين عن سلمان به مرفوعاً" انتهى.

قلت: عبدالرزاق لم يتفرد به، بل تابعه حفص بن غياث، وعبدالله السهمي كما تقدّم.

وقوله بأنه ربما حفصة سمعته من الرباب عن سلمان، ثم سمعته من سلمان مباشرة ليس بصحيح! فحفصة لم تسمع منه أصلاً! وسيأتي الكلام على متابعة أخيها، مع أن هناك اختلاف على أخيها فيه بين الرفع والوقف.

وكان الألباني جعل رواية السهمي فيمن أسقط «الرباب» من الإسناد ونقل ذلك عن ابن حجر، قال: "وكذا رواه عبد الله بن بكير السهمي عن هشام به. أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في «الفتح» (9/510)"!

قلت: الصحيح أن رواية الحارث عن السهمي بوجود «الرباب» كما تقدم نقله من كتاب أبي نُعيم، فربما سقط ذلك من نسخة ابن حجر لكتاب الحارث.

والسهمي اسمه: عبدالله بن بكر لا بُكير كما جاء محرفاً في مطبوع كتاب الحافظ، وتبعه الألباني على ذلك.

وأما حديث عاصم:

فرواه أحمد في «مسنده» (26/164) (16226). والحميدي في «مسنده» (2/362) (823). والشافعي في «السنن المأثورة» (595). والترمذي في «جامعه» (3/150) (1515) عن الحَسَن بن عَلِيٍّ، عن عَبْدالرَّزَّاقِ. وابن خزيمة في «صحيحه» (2/993) (2067) عن عَبْدالجَبَّارِ بن العَلَاءِ.

كلهم (أحمد، والحميدي، والشافعي، وعبدالرزاق، وعبدالجبار) عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَعَ الغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ الدِّمَاءَ وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

قال الترمذي: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ".

[تنبيه: رواية ابن عُيينة فيها الأحاديث الثلاثة: في الإفطار، والعقيقة، والصدقة].

·       تنبيه حول رواية الترمذي لحديث عبدالرزاق عن ابن عيينة عن عاصم!

خرّج الترمذي كما سبق بيانه وأبو داود (4/459) (2839) كذلك الحديث عن الحَسَن بن عَلِيٍّ الخَلاَّل، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم أتبعه الترمذي أيضاً عن الحَسَن بن عَلِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ.

وقال: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ".

والحديث عن عبدالرزاق عن ابن عيينة عن عاصم ليس موجوداً في «مصنف عبدالرزاق»! ولم أجده في كتاب! ولا يُعرف أن عبدالرزاق رواه عن ابن عيينة عن عاصم! والذي في كتاب عبدالرزاق ورواه عنه جماعة عن هشام بن حسان.

فكأن الترمذي دخل له إسناد في إسناد، والله أعلم!

أما حديث أيوب:

فرواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (7959) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

ورواه الطبراني في «مصنفه» (6/273) (6200) عن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيّ، عن عبدالرزاق، به.

وهذا لم يروه عن أيوب عن حفصة إلا معمر! وغيره يرويه عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِر، وهو المشهور عن أيوب! فكأن معمراً أخطأ فيه!

وقد سبق تخريج ما يتعلق بالإفطار على التمر والماء من الحديث، ولم نجد ذلك من رواية أيوب عن حفصة! وهذه قرينة تدلّ على أن معمراً وهم فيه، والله أعلم.

·       رواية مُحَمَّد بن سِيرِينَ عن سَلْمَان بنِ عَامِرٍ!

وقد رُوي هذا الحديث عن مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، فهل تُعد هذه متابعة لرواية الرباب عن سلمان؟ وهل سمع ابن سيرين هذا الحديث من سلمان؟ وهذا الحديث ترويه حفصة عن الرباب، فهل سمعه محمد من أخته ولم يذكرهما في روايته، لأن محمداً يروي عادة عن أخته؟

 الحديث رواه أحمد في «مسنده» (26/168) (16230) عن هُشَيْم، عن يُونُس.

و(26/172) (16236) عن عَفَّان، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن أَيُّوب، وحَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، وَيُونُس، وَقَتَادَة.

و(26/174) (16238) عن يُونُس، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ هشام.

و(26/175) (16239) عن يُونُس، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَقَتَادَةَ.

و(16240) عن عَبْدالوَهَّابِ بن عَطَاءٍ، عَنِ ابنِ عَوْنٍ، وَسَعِيدٍ.

و(16241) عن عَفَّان، عن هَمَّام، عن قَتَادَة.

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (4/370) (4525) عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى، عن عَفَّان، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن أَيُّوب، وَحَبِيب، وَيُونُس، وَقَتَادَة، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/274) (6201) من طريق مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ، وَحَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ.

ومن طريق عُبَيْداللهِ بن عَائِشَةَ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن قَتَادَة، وحَبِيب، وَيُونُس، وأَيُّوب.

ومن طريق حَبَّان بن هِلَالٍ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن أَيُّوب، وَقَتَادَة، وَيُونُس بن عُبَيْدٍ، وهِشَام بن حَسَّانَ، ويَحْيَى بن عَتِيقٍ.

ومن طريق سَلَّام بن أَبِي المُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ.

ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3/72) (1048) من طريق حَجَّاج بن مِنْهَالٍ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن قَتَادَة، وأَيُّوب، ويُونُس، وهِشَام، وحَبِيب.

و(1049) من طريق عَبْداللهِ بن وَهْبٍ، عن جَرِير بن حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ.

كلهم (قَتَادَةُ، ويُونُسُ بن عُبيدٍ، وأَيُّوبُ السختياني، وحَبِيب بن الشهيد، وهِشَامُ بنُ حَسَّانَ، ويَحْيَى بنُ عَتِيقٍ، وعبدالله بن عون، وسعيد بن أبي عروبة) عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَعَ الغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَرِيقُوا عَنْهُ الدَّمَ، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

وفي بعض الروايات: وكَانَ ابنُ سِيرِينَ يَقُولُ: "إِنْ لَمْ تَكُنْ إِمَاطَةُ الْأَذَى: حَلْقَ الرَّأْسِ، فَلَا أَدْرِي مَا هُوَ؟".

·       الرواية الموقوفة:

ورواه أحمد في «مسنده» (26/174) (16238) عن يُونُس بن محمد المُؤدّب.

ورواه البُخَارِيُّ في «صحيحه» (7/84) (5471) عن أَبي النُّعْمَانِ عَارِمٍ.

كلاهما (يونس، وعارم) عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عن مُحَمَّد بن سِيرِينَ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، مَوْقُوفًا.

ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (11/110) (8260) عن أَبي الحَسَنِ المُقْرِئ، قال: أخبرنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: سَلْمَانُ رَفَعَهُ، قَالَ: «مَعَ الغُلَامِ عَقِيقَةٌ فَأَهْرِيقُوا الدَّمَ، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

كذا جاء فيه "رفعه" وهو خطأ! فالمحفوظ من حديث حماد بن زيد الوقف لا الرفع، ولا أدري الخطأ ممن! ولعلها من البيهقي لما ذكر الرواية قالها، ويحتمل أن هناك خطأ في الرواية؛ لأن هذه الرواية رواها البيهقي في «السنن الكبرى» (9/502) (19261) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، قال: أنبأنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، قال: حدثنا يَزِيدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حدثنا ابنُ سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: «العَقِيقَةُ مَعَ الْوَلَدِ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ الدَّمَ وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

فالإسناد نفسه لكن عن "يزيد بن إبراهيم" لا عن "أيوب" موقوفة، فلعله حصل خلط بينهما، فلما صارت "عن أيوب" قال البيهقي "رفعه"، والله أعلم.

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (9/502) (19260) عن أَبي الحَسَنِ مُحَمَّد بْن الحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ العَلَوِيّ، عن أَبي حَامِدِ ابن الشَّرْقِيِّ، عن أَحْمَد بن يُوسُفَ السُّلَمِيّ، عن أَبي حُذَيْفَةَ، عن سُفْيَان الثوريّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، مرفوعاً.

قال البيهقي: "وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ كَذَلِكَ مُجَوَّدًا" - يعني مرفوعاً.

وقال: "واسْتَشْهَدَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِرِوَايَةِ جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ كَذَلِكَ مُجَوَّدًا".

قلت: البخاري أراد بيان الاختلاف في أسانيد الحديث، ورجّح الوقف على أيوب.

وأبو حذيفة هو: موسى بن مسعود النّهدي، بعضهم وثقه، وبعضهم ضعفه، وهو من أصحاب الثوري، لكنه كان يُخطئ عليه!

قَال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: سمعت أحمد بن حَنْبَلٍ يَقُولُ: "كأن سفيان الذي يُحدّث عَنْهُ أَبُو حذيفة ليس هو سفيان الثوري الذي يُحدّث عَنْهُ الناس".

وقال عَبدالله بن أَحمد: سمعتُ أَبي، وذَكَر قَبيصَة، وأَبا حُذَيفَة، فقال: "قَبيصَة أَثبَت منه حَديثًا في حَديث سُفيان، أَبو حُذيفة شِبه لا شَيء، وقَد كَتَبت عنهما جَميعًا".

وقَال عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبي حاتم: سَأَلتُ أَبِي عَن أبي حذيفة، فقَالَ: "صدوق، معروف بالثوري، كَانَ الثوري نزل البصرة عَلَى رجل وكَانَ أَبُو حذيفة معهم، فَكَانَ سفيان يوجه أبا حذيفة فِي حوائجه، ولكن كَانَ يُصحّف، وروى أَبُو حذيفة عَنْ سُفْيَانَ بضعة عشر ألف حديث، وفي بعضها شيئ".

وَقَال أيضاً: سئل أبي سئل عن مؤمل بن إِسماعيل، وأبي حذيفة، فقَالَ: "فِي كتبهما خطأ كثير، وأَبُو حذيفة أقلهما خطأ".

وقال السلمي: وسألتُه - يعني: الدارقطني - عن أبي حذيفةَ صاحبِ الثَّوريِّ؟ فقال: "تُكُلِّم فيه".

وقال الحاكم: قُلْتُ - أي: للدارقطني -: فأبو حُذَيْفَة مُوسَى بن مَسْعُود؟ قَالَ: "قد خَرَّجَهُ البُخَارِيّ، وهو كَثِيْر الوهم".

قلت: وهذا من أوهامه! رفع الحديث عن سفيان، والصواب فيه الوقف كما رواه الثقات المتقنين عن أيوب.

ورواه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (3/72) (1050) من طريق حَجَّاج بن مِنْهَالٍ.

والبيهقي في «السنن الكبرى» (9/502) (19261) من طريق سُلَيْمَان بن حَرْبٍ.

كلاهما عن يَزِيد بن إِبْرَاهِيمَ، عن ابن سِيرِينَ، قَالَ: قَالَ سَلْمَانُ: «العَقِيقَةُ مَعَ الْوَلَدِ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ الدَّمَ وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

قَالَ مُحَمَّد بنُ سِيرين: "حَرَصْتُ عَلَى أَنْ أَعْلَمَ مَا أَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يُخْبِرُنِي".

·       خطأ في مطبوع «شرح مشكل الآثار»!

ووقع في مطبوع «شرح مشكل الآثار» مرفوعاً! وهو خطأ! والصواب الوقف كما أشار البخاري، وكذا ابن حجر في «تغليق التعليق» (4/498) قال: "قَالَ الطَّحَاوِيُّ فِي «بَيَانِ المُشْكِلِ»: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ خُزَيْمَةَ: حدثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حدثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: فِي الْغُلامِ عَقِيقَتُهُ فَأَهْرِيقُوا فِيهِ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى".

·       الاختلاف على ابن سيرين!

قلت:

فتحصّل من ذلك كله هناك اختلاف على محمد بن سيرين فيه:

فرواه حماد بن زيد، ويَزِيد بن إِبْرَاهِيمَ التستري البصري، كلاهما عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، موقوفاً.

·       رواية جرير عن أيوب!

ورواية جَرِير بن حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، مرفوعاً وهم فيها جرير؛ لأنه حدث في مصر وكان يهم في حديثه هناك، وهذا منها، فرفع الحديث، والمحفوظ عن أيوب الوقف.

·       رواية حماد بن سلمة عن أيوب!

ورواية حماد بن سلمة عن أيوب المرفوعة أيضاً لا تصح! فالظاهر أنه لما جمع بين الشيوخ جعل الموقوف مع المرفوع! وهذا مما كان يؤخذ عليه، وقد ذكره ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/813) في «ذكر من ضعف حديثه إذا جمع الشيوخ دون ما إذا أفردهم».

قال: "وكذلك قيل في حماد بن سلمة:

قال أحمد في رواية الأثرم، في حديث حماد بن سلمة عن أيوب وقتادة عن أبي أسماء، عن أبي ثعلبة الخشني، عن النبي صلى الله عليه وسلم في آنية المشركين.

قال أحمد: هذا من قبل حماد، كان لا يقوم على مثل هذا يجمع الرجال، ثم يجعله إسناداً واحداً، وهم يختلفون.

وقال أبو يعلى الخليلي، في كتابه «الإرشاد»: ذاكرت بعض الحفاظ قلت: لمَ لمْ يدخل البخاري حماد بن سلمة في الصحيح؟ قال: لأنه يجمع بين جماعة من أصحاب أنس يقول: «حدثنا» قتادة وثابت وعبدالعزيز بن صهيب، عن أنس، وربما يخالف في بعض ذلك.

فقلت: أليس ابن وهب اتفقوا عليه، وهو يجمع بين أسانيد فيقول: «أخبرنا» مالك وعمرو بن الحارث والأوزاعي، ويجمع بين جماعة غيرهم؟ فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه وأحفظ.

ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة، وساق الحديث سياقه واحدة فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلا يقبل هذا الجمع إلا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك، وغيره".

قلت: ويدخل في هذا أيضاً جمعه بين شيوخ اختلفوا في وقف الحديث ورفعه، فحماد بن زيد وقف الحديث، وهو أوثق في أيوب من حماد بن سلمة.

قال الإمام أحمد - وقيل له: حماد بن سلمة، وحماد بن زيد إذا اجتمعا في حديث أيوب أيهما أحب إليك؟ "ما فيهما إلا ثقة، إلا أن ابن سلمة أقدم سماعاً، كتب عن أيوب في أول أمره، وحماد بن زيد أشد له معرفة؛ لأنه كان يُكثر مجالسته".

ورواه حماد بن سلمة عَنْ يُونُس بن عُبيدٍ، وحَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، وقَتَادَة، وهِشَام بن حَسَّانَ، ويَحْيَى بن عَتِيقٍ، كلهم عن ابن سيرين، عن سلمان مرفوعاً.

ورواه هُشَيْم، عن يُونُس بن عُبيد، عن ابن سيرين.

ورواه يُونُس المؤدب، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ هشام بن حسان، عن ابن سيرين.

ورواه هَمَّام، وسَلَّام بن أَبِي المُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عن ابن سيرين.

ورواه عَبْدالوَهَّابِ بن عَطَاءٍ الخفاف، عَنِ ابنِ عَوْنٍ، وَسَعِيد بن أبي عروبة.

قلت: كذا جمع هذه الروايات حماد بن سلمة وقد تقدم الكلام على جمعه بين الشيوخ!

فالمحفوظ من حديث هشام بن حسان عن حفصة بنت سيرين كما تقدم تخريجه.

وحديث قتادة رواه حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدُبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ورواه جماعة عن قتادة بهذا الإسناد، منهم: سلَّام بن أبي مُطيع وهَمام.

ورواه جماعة عن سلَّام بن أبي مُطيع وهَمام، عن قتادة، عن الحسنِ، عن سمرةَ،

فلا أدري عن رواية عفان عن همام، عن ابن سيرين، عن سلمان!!

ورواية سَلاَّم بن أَبِي المُطِيعٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ ابن سيرين، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، رواها مُعَلَّى بنُ أَسَدٍ العَمِّيُّ، وهو ثقة.

وأما حديث حبيب بن الشهيد فلم أجده إلا من حديث حماد بن سلمة، والمحفوظ ما رواه البخاري في «صحيحه» (7/85) عن عَبْداللَّهِ بن أَبِي الأَسْوَدِ، قال: حَدَّثَنَا قُرَيْشُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ حَبِيبِ بنِ الشَّهِيدِ، قَالَ: أَمَرَنِي ابنُ سِيرِينَ: أَنْ أَسْأَلَ الحَسَنَ: مِمَّنْ سَمِعَ حَدِيثَ العَقِيقَةِ؟ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: «مِنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ».

وأما رواية عَبْدالوَهَّابِ بن عَطَاءٍ الخفاف، عَنِ ابنِ عَوْنٍ، وَسَعِيد بن أبي عروبة: فالمحفوظ عن ابنِ عَوْنٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، وعن سَعِيد بن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقد تفرد عبدالوهاب بهذا عنهما، وهو ليس بالقوي!

فالأمر هنا شديد! فحديث الحسن عن سمرة مشهور في البصريين، وكثير ممن رواه عن الحسن قد رُوي عنهم الحديث عن ابن سيرين، عن سلمان، مرفوعاً!

فإن كانت بعض هذه الطرق محفوظة عن ابن سيرين، فالاحتمال الأكبر أنها موقوفة، وإنما دخل الاشتباه بها بسبب حديث الحسن عن سمرة المرفوع، وطلب ابن سيرين من حبيب بن الشهيد أن يسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة قرينة على أن الحديث لم يكن مرفوعاً عند ابن سيرين، ويؤيده وقف أيوب ويزيد له عن أيوب.

وعليه ففي قول الدارقطني في «العلل» (8/127): "والصَّحِيحُ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَصْحَابُ ابنِ سِيرِينَ الحُفَّاظُ عَنْهُ، مِنْهُمْ: أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وهِشَامٌ، وقَتَادَةُ، ويَحْيَى بنُ عَتِيقٍ، وَغَيْرُهُمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" نظر! فلم يثبت الرفع عن أيوب، وفي الرواية عن البقية نظر!

·       هل سمع محمد بن سيرين من سلمان بن عامر الضبيّ؟

فالذي أميل إليه أن المحفوظ عن ابن سيرين عن سلمان موقوف، وحتى لو ثبت الرفع فهل سمع ابن سيرين من سلمان بن عامر؟

وقد صحح الحديث ابن عبدالبر في «التمهيد» (4/306) فقال: "حَديث ثَابِت".

وسلمان بن عامر الضِّبِّيّ، لَهُ صحبة، وسكن البصرة، وليس له إلا هذا الحديث، ولعل قول البغوي في «معجم الصحابة» (3/174): "وروى سلمان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أحاديث صالحة" يقصد ما جاء مفرقاً من حديثه هذا؛ لأن الرواة رووه في ثلاثة أحاديث، والأصل أنه حديث واحد.

وقد ذكر أهل العلم في كتبهم أن محمد بن سيرين روى عنه اعتماداً على هذه الرواية، ولم يتعرض أحد منهم لمسألة ثبوت سماعه منه أم لا!

قال مسلم بن الحجاج عن سلمان بن عامر: "لم يكن في الصحابة ضبيّ غيره، روى عنه: مُحَمَّد، وحفصة ولدا سيرين، وأم الرائح الرباب بنت صليع بن عامر بنت أخي سلمان".

وقال ابن مَنده في «معرفة الصحابة» (ص: 727): "روى عنه: محمد بن سيرين، وعبدالعزيز بن بشير، وغير واحد".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/297): "وروى محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر".

وقال أبو نُعيم الأصبهاني في «معرفة الصحابة» (3/1331): "حَدَّثَ عَنْهُ: مُحَمَّدٌ وَحَفْصَةُ ابْنَا سِيرِينَ".

وقال ابن عبدالبر في «الاستيعاب» (2/194): "رَوَى عَنه محمد بن سيرين".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (11/245): "رَوَى عَنه: محمد بن سيرين، وأخته حفصة بنت سيرين".

وقال الذهبي في «الكاشف» (1/451) (2018): "عنه - يعني: سلمان -: ابن سيرين".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (3/118): "وروى عنه: ابن سيرين، وأخته حفصة بنت سيرين".

وقد اختلف في سنة وفاته!

فقال الدُّولابي: "قُتل يوم الجمل وهو ابن مائة سنة" = يعني مات سنة (36هـ).

وذكر أبو إسحاق الصريفيني أنه توفي في خلافة عثمان.

وقال خَلِيفَةُ بنُ خَيَّاطٍ: "نَزَلَ البَصْرَةَ، وَلَهُ دَارٌ بِحَضْرَةِ مَسْجِدِ الجَامِعِ، وَبِهَا تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ".

قلت: فهو قد توفي سنة (36هـ) أو في خلافة عثمان ويُحتمل في آخرها للتقريب بين هذا الرأي ورأي من قال بأنه قتل يوم الجمل.

وقد تعقّب ابن حجر قول من قال بأنه توفي في خلافة عثمان، فقال: "وفيه نظر! والصواب أنه تأخر إلى خلافة معاوية".

وقال في «الإصابة» (3/118): "سكن البصرة، ووهم من زعم أنه مات في خلافة عمر، فإن الصواب أنه عاش إلى خلافة معاوية. وعند الصّريفيني أنه مات في خلافة عثمان".

قلت: لا دليل على أنه تأخر إلى خلافة معاوية! وابن حجر نفسه قال في «الإصابة» (3/118): "ووقع في رواية الدّارقطنيّ في كتابه الّذي صنّفه في «الضبّيين»: التصريح بأنه كان في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيخاً" = يعني كان كبيراً.

فإن كان مات في خلافة عثمان - وهو الأقرب - فقطعاً لم يسمع ابن سيرين منه؛ لأن ابن سيرين ولد لسنتين بقيتا من خلافة عُثْمَان = يعني سنة (33هـ).

وإن كان مات في خلافة معاوية يعني قبل سنة (60هـ) فلا ندري هل سمع منه أم لا؟!

وهنا تدخل الاحتمالات! فربما توفي في بداية خلافة معاوية أو بعدها بقليل، وعليه يبقى سماعه منه غير متحقق، ويكون صغيراً!

وإذا كان لم يثبت سماع حفصة أخته من سلمان، وهي أكبر منه، فكيف يسمع هو منه؟

·       هل سمعت حفصة بنت سيرين من سلمان بن عامر؟

وقد ورد في بعض طرق الحديث رواية حفصة له عن سلمان دون واسطة!

قال ابن سعد في «الطبقات» (8/352): "حفصة بنت سيرين أخت محمد بن سيرين، وهي أم الهذيل. روت عن سلمان بن عامر...".

قال المزي في «تهذيب الكمال» (35/152) في ترجمة «حفصة بنت سيرين»: "روت عن... وسلمان بن عامر الضبيّ إن كان محفوظاً".

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (12/409): "وقيل إنها روت عن سلمان بن عامر الضبي".

وقال مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (5/438): "وفي قول المزي: (روت عنه حفصة بنت سيرين) نظر؛ لأن الطبراني ذكر من غير ما طريق رواية حفصة عنه بواسطة الرباب، وكذا ذكره البغوي في «معجمه» زاد: روى عنه أبو نعامه وكان جده لأمه عن أشياخ من قومه ونسوة من خالاته عنه".

قلت: الحديث ترويه حفصة عن سلمان بواسطة الرباب، وهي لم تسمع منه، وهي أكبر من أخيها محمد، وتعقّب مغلطاي للمزي فيه نظر؛ لأنه ذكر في ترجمة «حفصة بنت سيرين» أنها روت عن سلمان بن عامر الضبيّ إن كان محفوظاً، فهو لم يجزم بذلك.

فالراجح أن محمد بن سيرين سمع الحديث من أخته حفصة، ولما حدّث به لم يسنده عنها ولا عن أم الرباب، وإنما رواه عن سلمان مباشرة، وهذا يؤيد من وقفه، وكأنه لم يره صحيحاً مرفوعاً فلم يُسنده، والله أعلم.

·       الرواية التي دلّت على أن سلمان بن عامر كان شيخاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم!

سبق قول ابن حجر في «الإصابة» (3/118): "ووقع في رواية الدّارقطنيّ في كتابه الّذي صنّفه في «الضبّيين»: التصريح بأنه كان في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيخاً".

وهذه الرواية ذكرها ابن ناصر الدّين في «توضيح المشتبه» (1/538)، قال أَبُو الحسن عَليّ بن عمر فِي كتاب «الضبّيين»: حَدثنَا ابنا المحَامِلِي قَالَا: حَدثنَا يَعْقُوب الدَّوْرَقِي، قال: حَدثنَا أَبُو عَاصِم، قال: حَدثنَا أَبُو نعَامَة، قال: حَدثنَا عبدالعَزِيز بن بشير، عَن جدّه سلمَان بن عَامر الضَّبِّيّ: أَن سلمَان بن عَامر جَاءَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيَفِي بِالذَّمَّةِ، وَلَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ، فَهَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ: «لَا»، فَلَمَّا وَلَّيْتُ، قَالَ: عَلَيَّ بِالشَّيْخِ، فَقَالَ لِي: «يَكُونُ ذَلِكَ فِي عَقِبِكَ، فَلَنْ يَذِلُّوا أَبَدًا، وَلَنْ يُخْزَوْا أَبَدًا، وَلَنْ يَفْتَقِرُوا أَبَدًا».

وهذا الحديث مشهور عن أبي عاصم الضَّحَّاكِ بنِ مَخْلَدٍ، رواه البخاري في «التاريخ الكبير» في ترجمة «سلمان بن عامر» (4/136)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/363) (1135)، ويعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/321)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (11/150) (4362)، والحاكم في «المستدرك» (3/706) (6560) من طُرقٍ عن أَبي عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَمْرو بن عِيسَى العَدَوِيّ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ بُشَيْرٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، به.

قال ابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص: 110): "هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ! أخرجه أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ القَدَرِ المُفْرَدِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَاصِمٍ بِهَذَا الْإِسْنَاد".

قلت: فكون سلمان جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر عن حال أبيه في الجاهلية، فدلّ ذلك على أنه كان شيخاً لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وهناك تتمة لهذا الحديث يدل أيضاً على ذلك.

رواه البغوي في «معجم الصحابة» (3/173) (1091) عن أحمد بن عبدة البصري، قال: حدثنا زُهَيْرُ بنُ هُنَيْدٍ العَدَوِيُّ، قال: حدثنا أبو نَعامة العدويّ، عن أشياخ من قومه ونسوة من خالاته، عن سلمان بن عامر الضبي - وكان جده لأمه -: «أن بَنِي طُهَيَّةَ استعدت عليه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يارسول الله! إن سلمان أغار علينا في الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سلمان فأتاه فقال: يا سلمان! ما تقول هؤلاء. قال: ما يقولون يارسول الله؟ قال: يقولون إنك أغرت عليهم في الإسلام. قال: لا، يا رسول الله! أغرت عليهم في الجاهلية وأسلمت المال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى المال فإن كان مخضرماً فهو لسلمان، وإن كان غير مخضرم فهو لبني طُهَية، فنظروا فإذا هو مخضرم فأحرزه سلمان.

قال سلمان: فقلت: يارسول الله! إن أبي كان يقري الضيف ويكرم الجار ويفي بالذمة ويعطي في النائبة فما ينفعه ذلك؟ قال: مات مشركاً؟ قلت: نعم. قال: لا ينفعه ذلك. فوجم لها سلمان وولى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ردوا الشيخ فرجع فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أما أنها لا تنفعه، ولكنها تكون في عقبه إنهم لن يخزوا أبداً، ولن يُذلوا أبداً، ولن يفتقروا أبداً».

قال أبو القاسم البغوي: "وهذا حديث غريب لم يروى إلا من هذا الوجه"!

[العدوي في كلا الاسمين تحرّف في المطبوع إلى: السعديّ، وهو خطأ، وأبو نعامة السعدي آخر اسمه: عبد ربه].

وقوله إنه أغار عليهم في الجاهلية يعني أنه كان كبيراً، ولعل هذا مستند الدولابي أنه لما قتل بصفين كان عمره مائة سنة!

لكن الحديث غريب لا يصح.

وقد رُوي عن أَبي نعَامَة العدوي عمرو بن عيسى، على وجهين:

فرواه أَبُو عَاصِم عن أَبي نعَامَة، عن عبدالعَزِيز بن بُشَير، عَن سلمَان بن عَامر.

ورواه زُهَيْرُ بنُ هُنَيْدٍ العَدَوِيّ، عن أبي نَعامة، عن أشياخ من قومه ونسوة من خالاته، عن سلمان بن عامر.

وأبو نعامة: صدوق.

وثقه ابن معين والعجلي وأحمد بن صالح، ونقل النسائي توثيقه عن ابن معين، ومشّاه أبو حاتم، وضعّفه ابن سعد، وكان قد اختلط بأخرة كما قال الإمام أحمد.

·       تعقّب صاحبي «التحرير» لابن حجر! والرد عليهما!

وقال ابن حجر في «التقريب»: "صدوقٌ اختَلَطَ".

فتعقبه صاحبا «التحرير» (3/103) (5089) بقولهما: " بل: ثقةٌ، وثقه مطلقًا ابن معين، والنسائي، والعجلي، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في «الثقات». وضعفه ابن سعد وحده. ولم يصفه أحد بالاختلاط قبل موته غير أحمد، ولذا مرّضه الذهبي بقوله: قيل: تغير بأخرة".

قلت: بل هو كما قال ابن حجر: "صدوق اختلط"، ومن تتبع حديثه وصل لهذه النتيجة.

ومن وثقه مطلقاً لا عيب عليهم في ذلك، فهو حقيقة ثقة، إلا أن له بعض الأخطاء والأوهام التي تنزله إلى رتبة الصدوق، مع ما وصفه به الإمام أحمد من اختلاطه بأخرة، وربما لهذا ضعّفه ابن سعد.

وأما توثيق النسائي له فقد تبعوا في ذلك المزي، وتبعه أيضاً الذهبي وغيره، وقد تعقّبه مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (10/244) فقال: "وفي قول المزي: (قال ابن معين والنسائي: ثقة) نظر، لما ذكره النسائي - رحمه الله تعالى - في كتاب «الكنى» من أنه إنما أخذ توثيقه عن ابن معين رواية.

قال: أبو نعامة عمرو بن عيسى بن سويد العدوي بصري.

أنبأنا معاوية بن صالح، عن يحيى بن معين أنه قال: (أبو نعامة عمرو بن عيسى: بصريٌّ، ثقةٌ).

ولئن قلنا: إنه ذكره في موضع آخر استقلالًا علم أنه إنما أخذه منه؛ فالقولان على هذا واحد. والله تعالى أعلم".

قلت: بيّن مغلطاي أن النسائي لم يوثقه استقلالاً، وإنما نقل توثيقه عن ابن معين، فالأصح أن لا نقول: "وثقه النسائي"، وإنما نقول: "وذكر النسائي توثيقه عن ابن معين في كتابه «الكنى»".

وقول أبي حاتم: "لا بأس به" لا يعني التوثيق المطلق، وإنما هذا المصطلح عنده تمشية لحاله = أي هو صدوق.

وأما ذكر ابن حبان له في «الثقات» فهذا أمر طبيعي، فهو على شرطه، بل ذكره ابن شاهين، وابن خلفون أيضاً في «الثقات».

وقولهما: "ولم يصفه أحد بالاختلاط قبل موته غير أحمد، ولذا مرّضه الذهبي بقوله: قيل: تغير بأخرة"! كأنه رد لقول أحمد، ولذا استعانا بقول الذهبي في ذكره لهذه الصيغة التي تعني التمريض في الغالب! وليس كذلك.

ونسألهما: هل أخطأ الإمام أحمد في وصفه له بالاختلاط؟ وما دليل ذلك؟ فمن رد قول أحمد هذا عليه أن يرده بالدليل العلمي، ثم وصفه بالاختلاط لا ينافي الأصل أنه ثقة أو صدوق، فكم من ثقة اختلط بأخرة.

قال عبدالله بن أحمد في «العلل ومعرفة الرجال» سمعت أَبِي يقول: "أبو نَعَامَة العَدَوِي، أكبر سنًّا من أَبِي نَعَامَة السَّعْدِي، إلا أن أبا نَعَامَة العَدَوِي تغير في آخر عُمَره - يعني كبر. وأبو نَعَامَة العَدَوِي، اسمه: عَمْرو بن عِيْسَى. وأبو نَعَامَة السَّعْدِي، اختلف في اسمه".

وقول الذهبي الذي بصيغة التمريض لم يعنِ بها تضعيف هذا القول كما فهما!

فعبارة الذهبي في «الكاشف» (2/85) مختصرة كما هي عادته في ذلك الكتاب، قال: "ثقة. قيل تغير بآخره".

فقوله: "قيل" لا يعني أنه أراد تضعيف هذا القول، وإنما أراد ذكر تغيره دون نسبة القول لقائله اختصاراً كعادته في استخدام هذه اللفظة في كتابه، فهو يستخدمها في ذكر هذه الأقوال، ولا يعني أنه يضعفها بهذه الطريقة.

وها هو قد نسب الأقوال لقائليها كعادته في «الميزان» (3/283) (6418) فقال فيه: "وثقه ابن معين، والنسائي. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وروى الأثرم، عن أحمد: ثقة، لكنه اختلط قبل موته".

فلمَ لمْ يُمرّض قول أحمد هنا؟

بل قال عنه في «تاريخ الإسلام» (4/267): "بصري صدوق... وثّقه ابن معين، وغيره. وقال أَحْمَد: ثقة، إلا أَنَّهُ اختلط قبل موته".

فوصفه هنا بأنه «صدوق» كما وصفه ابن حجر، ونقل قول أحمد فيه، ولم يضعفه.

·       الحكم على الحديث:

قد نقلت حكم ابن حجر على الإسناد الأول، وحكم البغوي على الثاني بالغرابة، وهو كذلك! فهذا الحديث بهذين الإسنادين غريب جداً، وكلا الإسنادين ضعيف.

وقد رواه أبو نَعامة على وجهين:

أما الأول: ففيه «عبدالعزيز بن بشير» وهو مجهول، لا يُعرف إلا في هذا الحديث!

قال ابن المديني في «العلل» (ص: 87) (139): "عَبْدُالعَزِيزِ بنُ بُشَير بنِ كَعْبٍ: رَوَى عَنْهُ: أَبُو نَعَامَةَ، رَوَى عَن سُلَيْمَان بنِ عَامِرِ: «أنّ بني طُهَيَةَ اسْتَعدت عَلَيْه»، فقَالَ: مَجْهُولٌ لَا نعرفه".

قلت: فهذا يدلّ على أن رواية أبي عاصم عن أبي نعامة كانت مختصرة، اختصرها فيما يبدو من رووها عنه، وإلا فقد رواها أبو نعامة عن عبدالعزيز بن بُشير هذا عن سلمان بذكر قصة من استعدى عليه من بني طُهية، كما رواها زُهَيْرُ بنُ هُنَيْدٍ العَدَوِيّ، عن أبي نَعامة، عن أشياخ من قومه ونسوة من خالاته، عن سلمان بن عامر.

وقد ذكر ابن حبان «عبدالعزيز» في «الثقات» (5/125) (4167) قال: "عَبْدالعَزِيز بن بُشير: يَرْوِي عَن سلمَان بن عَامر. رَوَى أَبُو عَاصِم عَن أبي نعَامَة عَنْهُ، وَقد قيل: بَشير".

قلت: كأنه لم يقف على تعديل أو تجريح فيه فذكره كعادته في «الثقات»! لكنه مجهول لا يُعرف كما قال ابن المديني.

قال ابن حجر في «تقريب التهذيب»: "عبدُالعزيز بن بُشَيْر، بالضم، ابن كعب العدوي، البصري: مجهول، مِن الثالثة. (قد)".

وقال في «الأمالي المطلقة» (ص: 128) عن الحديث: "وأَبُو نَعَامَةَ اسْمُهُ: عَمْرُو بنُ عِيسَى، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحِ، وَكَذَا سَائِرُ رُوَاتِهِ إِلَّا عَبْدَالعَزِيزِ بنَ بُشَيْرِ، فَقَالَ عَلِيُّ بن المَدِينِيّ: إِنَّه مَجْهُول".

ثم قال: "وأَمَّا ابنُ حَبَّانَ فَذَكَرَهُ فِي ثِقَاتِ التَّابِعِينَ، وحَكَى فِي اسْمِ أَبِيهِ الفَتْحَ والضَّمَ والمَشْهُورُ عِنْدَ غَيْرِهِ الفَتْحُ. وقَدْ صَحَحَ الحَاكِمُ الحَدِيثَ المَذْكُورَ فَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَاصِمٍ أَيْضًا، وَمُقْتَضَاهُ تَوْثِيقُ عَبْدِالعَزِيزِ عِنْدَهُ، واللَّهُ أَعْلَمُ".

قلت: الحاكم لم ينصّ على تصحيحه كعادته في كتابه، وإنما أخرجه فقط في ذكر ما يتعلق بسلمان بن عامر، فالقول بأنه ذلك اقتضى توثيق عبدالعزيز عنده فيه نظر، والله أعلم.

وأما الإسناد الثاني: فهو مجهول أيضاً، فقد رواه عن أشياخ من قومه ونسوة من خالاته، عن سلمان بن عامر، ولا نعرف من هؤلاء الأشياخ والنسوة!!

فالحديث ضعيف، ورواه أبو نعامة على وجهين مجهولين! وهذا ربما يؤيد قول أحمد بأنه كان قد اختلط، والله أعلم.

·       عبدالعزيز بن بشير، هل هو ضبيّ أم عدويّ؟

وقد جعل المزي «عبدالعزيز بن بشير» من أشياخ أبي نعامة الذين لم يُسمهم في الإسناد الآخر!

قال في «تهذيب الكمال» (35/121): "(قد) = أبو داود في «القدر»: أبو نعامة العدوي. عَن: نسوة من خالاته، وأشياخ من قومه، عن جدّه لأمّه سلمان بن عامر الضبي: أن بني طهية استعدت عليه... الحديث.

من الأشياخ: عبدالعزيز بن بشير بن كعب العدوي (قد)".

وتبعه على ذلك: ابن كثير في «التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات والضعفاء والمجاهيل» (4/204)، وابن حجر في «تهذيب التهذيب» (12/395) (2715).

قلت: ما جعل المزي يعدّه من أشياخ قومه = أي من أشياخ قوم أبي نعامة رواية أبي نعامة له أيضاً عن عبدالعزيز بن بشير، ونسبه عدوياً؛ لأنه جاء في الرواية: "عن أشياخ من قومه" وأبو نعامة عدوي.

وكذا ما جاء في بعض الروايات أنه روى عن "جدّه سلمان بن عامر الضبي" كما رواه يَعْقُوب الدَّوْرَقِي، عن أَبي عَاصِم عن أَبي نعَامَة، عنه.

لكن جاء في رواية إِبْرَاهِيم بن مَرْزُوقٍ، عن أَبي عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ.

فالرجل من بني ضبة لا من قوم أبي نعامة، وما جاء في بعض الروايات: "عن جده" أي: "جدّه لأمّه"، وجاء هنا في هذه الرواية: "عن نسوة من خالاته"، فيكون جده من قِبل أمّه كما سيأتي في حديث العقيقة الآتي من روايته.

وعليه فيُشكل على ما ذكره المزي ومن تبعه أنهم نسبوا عبدالعزيز هذا عدوياً، وسلمان ضبياً، وعبدالعزيز رجل من قومه!

والضبي غير العدوي.

فالعدوي من بني عدي بن عبد مناة بن أدّ بن طابخة [وَطَابِخَةُ اسْمُهُ: عَمْرو].

والضبي من بني ضَبَّة بنِ أُدّ بنِ طَابِخَةَ.

وسلمان بن عامر الضبي هذا هو: سَلْمَانُ بنُ عَامِرِ بنِ أَوْسِ بنِ حَجَرِ بنِ عَمْرِو بنِ الحَارِثِ بنِ تَيْمِ بنِ ذُهْلِ بنِ مَالِكِ بنِ سَعْدِ بنِ بَكْرِ بنِ ضَبَّةَ بن أدّ بن طابخة بن إلياس بن مُضَر بن نزار بن مَعد بن عدنان.

فهما يلتقيان في "أد بن طابخة"، فلا يُقال عن «العدوي»: «الضبّي» ولا العكس.

·       هل ابن المديني هو من نسب عبدالعزيز، ووهم في ذلك؟!

والصواب أن عبدالعزيز بن بشير هذا رجلٌ من بني ضبة، وليس عدوياً! ولم أجد أحداً نسبه قبل ابن المديني!

قال عليّ بن المديني في «العلل»: "عبدالعزيز بن بشير بن كعب: روى عنه أبو نعامة، روى عن سليمان بن عامر: «أن بني طهية استعدت عليه»".

قال: "مجهولٌ، لا نعرفه. وبشير بن كعب: معروف، عدويّ".

قلت: الظاهر أن ابن المديني هو من نسبه؛ لأنه جاء في كل الروايات دون نسبة «ابن كعب»، ولولا ما نقله ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/378) لقلنا بأن النسبة فيها نظر!

قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: أخبرنا محمد بن أحمد بن البراء قال: قال علي بن المديني: "عبدالعزيز بن بشير بن كعب: مجهول لا نعرفه، وبشير بن كعب معروف".

لكن هل ذِكْرُه لبشير بن كعب يدلّ على أنه قصد أن عبدالعزيز هذا ابنه؟!

الجواب: هذا محتمل؛ لأنه نسبه في البداية: "عبدالعزيز بن بشير بن كعب"، وقوله بعد تجهيل عبدالعزيز بأن بشيرًا معروف.

وكأن ابن المديني وقع له إسناد فيه نسبته "ابن كعب"، فحكم بجهالته، ثم نبّه إلى أن "بشير بن كعب" معروف، وهو عدوي، ولا أظن أنه أراد بيان أنه ابنه، بل الظاهر أنه أراد التنبيه لئلا يُعتقد ذلك، وأنه لا صلة بينهما، فبشير بن كعب عدوي معروف، وذاك مجهول، وليس بعدوي، والله أعلم.

وقد تبع غالب أهل العلم ابن المديني في نسبته هكذا!!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/378) (1768): "عبدالعزيز بن بشير بن كعب: روى عن سلمان بن عامر، روى عنه: أبو نعامة عمرو بن عيسى العدوي. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (18/115) (3436): "(قد): عبدالعزيز بن بشير بن كعب العدوي البَصْرِيّ. رَوَى عَن: سلمان بن عامر الضبي (قد) حديث: إن أبي كان يقري الضيف، ويصل الرحم. رَوَى عَنه: أبو نعامة العدوي (قد).

قال علي بن المديني: عبد العزيز بن بشير بن كعب: مجهول لا نعرفه، وبشير بن كعب معروف". وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات».

روى له أبو داود في كتاب «القَدَر» هذا الحديث الواحد، ووقع عنده: عبدالعزيز بن بشير الضبي، والصواب: العدوي، كما كتبنا" انتهى.

وقال بن حجر في «تهذيب التهذيب» (6/332): "عبدالعزيز بن بشير بن كعب العدوي البصري. ووقع عند أبي داود «الضبي» بدل «العدوي»".

قلت: هو «الضبي» كما وقع عند أبي داود، وما قاله المزي وغيره خطأ! فهو ليس بعدويّ!

وقد دخل عليهم ذلك بسبب أن أبا نَعامة «عدوي» من بني عدي بن عبد مناة (= عدي الرباب) ابن أد بن طابخة، فجعلوا عبدالعزيز «عدوياَ»! وليس بصحيح، وإنما هو من بني ضَبَّةَ بن أدّ بن طابخة.

ولم يتعرض البخاري، ولا ابن حبان لنسبة عبدالعزيز عند الترجمة له، ولا كذلك أهل كتب «الأنساب».

قال ابن ماكولا في «الإكمال» (1/300): "عبدالعزيز بن بشير: روى عن جدّه سلمان بن عامر الضبيّ. حدّث عنه: أبو نعامة العدوي، وقد روى أبو عاصم عن أبي نعامة".

والمصيبة أن بعض أهل الجهل الذين يتقحمون علم الحديث جمعوا بين النسبتين!! كصاحب كتاب «المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير الطبري» فإنه قال (1/298) (2196) - [37757]: "(قد) عبدالعزيز بن بشير - بالضم مصغر - ابن كعب، الضبي، العدوي، البصري، من الثالثة، مجهول. (تس)".

والخلاصة أن الحديث ضعيف للجهالة في إسناده.

·       رواية أبي نَعامة عن خالته عن جدها سلمان!

وقد روى أبو نعامة حديث العقيقة عن خالةٍ له عن جدّها لأمّها سلمان.

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/274) (6203) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثنا حَبَّانُ بنُ هِلَالٍ، قال: حَدَّثَنَا الجَرَّاحُ بنُ مَخْلَدٍ، قال: أَخبرنَا أَبُو هَمَّامٍ الخَارِكِيُّ، قال: حدثنا عَبْدُالوَاحِدِ بنُ وَاصِلِ الحَدَّادُ، قال: حدثنا أَبُو نَعَامَةَ العَدَوِيُّ، قال: حَدَّثَتْنِي خَالَتِي صُمَيْتَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ جَدِّي سَلْمَانَ بْنَ عَامِرٍ الضَّبِّيَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ مَوْلُودٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

قلت: خالة أبي نعامة هذه مجهولة لا تُعرف إلا في هذا الحديث.

وذكرها ابن حبان في «ثقاته» على عادته في ذكر من جاء في إسناد ما، ولا يوجد فيه جرح ولا تعديل.

قال في «ثقات التابعين من النساء» (4/386) (3490): "صميتة خَالَة أَبِي نعَامَة العَدْوي: تَرْوِي عَن جدّها سلمَان بن عَامر. رَوَى عَنْهَا: أَبُو نعَامَة العَدْوي".

قلت: والإسناد بصريّ، وأَبُو هَمَّامٍ الخَارَكِيُّ هو: الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ، وهو ثقة من شيوخ الإمام البخاري.

وعبدالواحد بن واصل، أبو عُبيدة الحدّاد بصريّ مشهور.

وثقه ابن معين، والعجلي، ويعقوب بن شيبة، ويعقوب بن سفيان، وأبو داود، والدارقطني، والخطيب البغدادي، وذكره ابن حبان في «الثقات».

قال ابن معين: "كان من المتثبتين، ما أعلم أنا أخذنا عليه خطأ ألبتة".

وخرّج له البخاري في الصلاة فقرنه بآخر!

وقال أحمد بن حنبل: "أخشى أن يكون ضعيفاً".

وقال أبو بكر الأثرم: قال أبو عبدالله: "أبو عبيدة كان صاحب شيوخ".

قيل لأبي عبدالله: أبو داود أين هو من أبي عبيدة؟ فقال: "أبو داود أعرف بالحديث، وأبو عبيدة لم يكن صاحب حفظ، إلا أن أبا عبيدة كان كتابه صحيحاً".

وحكى الأزدي عن عبدالله بن أحمد عن أبيه أنه ضعفه، ثم قال الأزدي: "ما أقرب ما قال أحمد؛ لأن له أحاديث غير مرضية عن شعبة وغيره، إلا أنه في الجملة قد حمل عنه الناس، ويحتمل لصدقه". [تهذيب التهذيب (6/440)].

وقال الساجي: "يحتمل لصدقه، وقد روى عنه الناس". [إكمال تهذيب الكمال (8/367)].

قلت: هو صدوق، لكن لا يقبل حديثه الذي يتفرد به.

والحديث ضعيف لجهالة صميتة خالة أبي نعامة، والكلام الذي في أبي نعامة أيضاً!

·       رواية أخرى للحديث من طريق أبي نَعامة!

وقد رُوي عن أبي نعامة بإسناد آخر!

رواه أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (1/533) (685) من طريق هُبَيْرَة بن حُدَيْرٍ أَبي الْأَسْوَدِ، قال: حَدَّثَنِي جَدِّي أَبُو نَعَامَةَ أَبُو أُمِّي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَرِيقُوا عَنْهُ دَمًا وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى».

قلت: هُبيرة بن حُدير العدوي: ضعيف، لا يُحتج به.

قال يحيى بن معين: "هبيرة العدوي: لا شيء".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هبيرة العدوي، فقال: "شيخ".

ووثقه العجلي.

قلت: إن صحت رواية هبيرة عن جده أبي نعامة، فيكون الخلط في الحديث من أبي نعامة، والله أعلم.

·       رواية منكرة عن قتادة عن حفصة بنت سيرين!

وروى الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/87) (8048) قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ هَارُونَ، قال: حدثَنَا طَالُوتُ بنُ عَبَّادٍ الصيرفيّ، قال: حدثنا سُوَيْدٌ أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَتَهُ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ الدَّمَ، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وَالصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَصَدَقَتُكَ عَلَى قَرَابَتِكَ صَدَقَتَانِ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ إِلَّا سُوَيْدٌ أَبُو حَاتِمٍ! وَرَوَاهُ غَيْرُهُ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ".

قلت: هذا من مناكير سويد عن قتادة!

وسويد هو: ابن إبراهيم الجحدري، أَبُو حاتم الحناط البَصْرِيّ، وهو ضعيف، لا يُحتج به.

قال مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى القَطَّانُ: سَأَلْتُ أَبَا سَلَمَةَ عَنْ حَدِيثٍ لِسُوَيْدٍ أَبِي حَاتِمٍ، فَقَالَ: "لَمْ يَكُنْ سُوَيْدٌ بِالصَّافِي".

وقال مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: "مَا سَمِعْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ سُوَيْدٍ أَبِي حَاتِمٍ". [الضعفاء الكبير للعقيلي (2/158)].

وقال الدَّارِمي: قلتُ ليحيى بن مَعين: سُوَيد أَبو حاتم، ما حاله في قَتادة؟ فقال: "أرجو أن لا يكون به بأسٌ".

وقال إِسحاق بن مَنصور الكوسج، عن يحيى بن مَعين: "سُوَيد بن إِبراهيم: صالحٌ".

وقال أَبو يَعلَى: سأَلتُ يحيى بن مَعين، عن سُوَيد أَبي حاتم، صاحب الطعام؟ فقال: "ليس به بأس".

وقال أَبو داود: "سمعتُ يحيى بن مَعين يُضَعِّفُهُ".

وقال في موضعٍ آخر، عن يحيى: "ضعيف. [تهذيب الكمال: 12/243].

وقال عليّ بن المديني: ذاكرت يحيى القطان بحديثه، فقال: "هات غير ذا".

وقال أبو زرعة: "سويد أبو حاتم ليس بالقوي، يشبه حديثه حديث أهل الصدق".

وقال النسائي في «الضعفاء» (ص: 51) (261): "سُوَيْد بن إِبْرَاهِيم أَبُو حَاتِم: ضَعِيف".

وقال في «الكنى»: "ليس بثقة".

ولما ذكره البزار في «مسنده» عرّفه بصاحب الطعام، قال: "وليس به بأس".

وخرج الحاكم حديثه في «مستدركه»!

وقال البرقاني في «سؤالاته» (207): سمعت الدارقُطني يقول: "سويد بن إبراهيم الطحان أَبو حاتم: بصري، ليس يُعتَبَر به".

وجاء في بعض المصادر كإكمال مغلطاي وغيره: "لين، يعتبر به"!

وذكره الدارقُطني في «الضعفاء والمتروكين».

وذكره أبو العرب في «جملة الضعفاء».

وذكره ابن شاهين في «الثقات»، وكذلك ابن خلفون.

وقال الساجي: "أبو حاتم سويد صاحب الطعام فيه ضعف، حدث عن قتادة بحديث منكر" - يعني حديث البرغوث. [إكمال تهذيب الكمال (6/163)].

وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/350): "يَرْوِي الموضوعات عَن الْأَثْبَات، وَهُوَ صَاحب حَدِيث البرغوث. رَوَى عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلا يَسُبُّ بُرْغُوثًا، فَقَالَ: لَا تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ نَبَّهَ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ لِصَلاةِ الصُّبْحِ»".

وقال ابن عدي في «الكامل» (5/575) بعد أن أورد له بعض المناكير: "ولسويد غير ما ذكرت من الحديث عن قَتادَة وعن غيره، بعضها مستقيمة، وبعضها لا يتابعه أحد عليها، وإنما يخلط على قتادة ويأتي بأحاديث عنه لا يأتي بها أحد عنه غيره، وهو إلى الضعف أقرب".

ومن مناكيره أيضاً عن قتادة ما يتعلق بجزء الصدقة أيضاً من هذا الحديث!

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/275) (6209) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيُّ، قال: حدثنا يُوسُفُ بنُ مُوسَى القَطَّانُ، قال: حدثنا العَلَاءُ بنُ عَبْدِالجَبَّارِ، قال: حدثنا سُوَيْدٌ أَبُو حَاتِمٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْقَرِيبِ - أَوْ قَالَ: ذِي الرَّحِمِ - صَدَقَتَانِ، وَعَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ».

قلت: وهذا أيضاً منكر عن قتادة! لم يروه قتادة عن حفصة كما سيأتي بيانه لاحقاً إن شاء الله.

·       حديث مرسل!

ورواه تمّام في «فوائده» (2/293) (1781) من طريق سُلَيْمَان بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الدمشقيّ،عن إسماعيل بن عَيَّاشٍ، عن الوَلِيد بن عَبَّادِ، عنِ الفَضْلِ بنِ صَالِحٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ عَميرة بنِ يَثْرِبِيٍّ الضَّبِّيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَوْلُودُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ فَعُقُّوا عَنْهُ، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وَصَدَقَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ خَيْرٌ لَهُ فِيهَا أَجْرًا، وَصَدَقَتُهُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ لَهُ فِيهَا أَجْرَانِ».

في المطبوع: "عُمير بن يثربيّ"! والظاهر أنه سقطت منه التاء المربوطة، فتحرّف الاسم.

وهذا الحديث مرسل! عميرة بن يثربي الضبي قاضي البصرة تابعيّ، روى عَنْهُ أنس بن سيرين.

والفضل بن صالح ذكره العقيلي في «الضعفاء» وذكر حديثه عن عَطاء بن السائِب، عن أَبيه، عن عَبدالله بن عَمرو، قال: قال رسول الله صَلى الله عَليه وسَلم: «احثُوا في وجُوه المَداحين التُّرابَ».

قال العقيلي: "حَديثه غَير مَحفُوظ، والراوي عنه فيه مَقالٌ"، والراوي عنه: الوليد بن عباد.

وترجم له ابن عساكر في «تاريخه» (48/317): "الفضل بن صالح بن علي بن عبدالله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أظنه يكنى أبا العباس الهاشمي، ولي إمرة دمشق في خلافة المنصور والموسم وولي مصر للمهدي".

والوليد بن عباد ذكره ابن عدي في «الكامل» (10/284) (2014) قال: "الوليد بن عباد: يُحدّث عنه إسماعيل بن عياش، ليس بمستقيم الحديث".

ثم أورد له بعض الأحاديث التي لم يُتابع عليها، ثم قال: "والوليد بن عباد عامة ما يرويه قد ذكرته، ولا يروي عنه غير إسماعيل بن عياش، والوليد بن عباد ليس بالمعروف، وقد روى عن قوم ليس بالمعروفين أَيضًا، وروى عن الفضل بن صالح وعرفطة وليسا بمعروفين".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/551) (11426) قال: "الوَلِيد بن عباد الْأَزْدِيّ: يروي عَنِ الحسن. رَوَى عَنْهُ: إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش".

وقال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/722) (6859): "الوَلِيد بن عباد: روى عَنهُ إسماعيل بن عَيَّاش الحِمصِي: مَجْهُول".

قلت: فالحديث مرسل ضعيف الإسناد.

·       حديث الصَّدَقَة:

رواه هشام بن حسان، وعاصم الأحول، وعبدالله بن عون، وأَبُو نَعَامَةَ العَدَوِيُّ، كلهم عن حفصة بنت سيرين.

أما حديث هشام:

فرواه أحمد في «مسنده» (26/171) (16233)، و(29/416) (17884) عن يَزِيد بن هَارُونَ.

و(26/171) (16234)، و(29/411) (17871) عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ القطان.

وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/363) (1137) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن عبدالله بن نُمَيْرٍ.

وابن زنجويه في كتاب «الأموال» (2/775) (1339) عن النَّضْر بن شُميل، وسَعِيد بن عَامِرٍ الضُّبَعِيّ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (6/275) (6206) عن مُعَاذ بن المُثَنَّى، عن مُسَدَّد، عن يَحْيَى القطان.

كلهم (يزيد، والقطان، وابن نُمير، والنضر، والضبعي) عَنْ هِشَام بن حسّان، عن حَفْصَة بنت سِيرين، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «صَدَقَتُكَ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ».

كذا رواه هشام دون ذكر «الرَّبَاب» بين حفصة وسلمان، ورفعه أيضاً.

ورواه أحمد في «مسنده» (26/169) (16232) عن عَبْدالرَّزَّاقِ.

والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ص: 105) (283) من طريق عَبْداللَّهِ بن بَكْرٍ السَّهْمِيّ.

كلاهما (عبدالرزاق، والسهمي) عن هِشَام بن حَسَّانَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنِ امْرَأَةٍ، يُقَالُ لَهَا الرَّبَابُ مِنْ بَنِي ضَبَّةَ، عَنْ عمّها سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثله.

ذكر هشام هنا «الرَّبَاب»، ورفع الحديث.

وأما حديث عاصم:

فرواه أحمد في «مسنده» (26/164) (16226)، و(29/412) (17873).

والحميدي في «مسنده» (2/72) (844). [ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/276) (6210) عن بِشْر بن مُوسَى، عن الحُمَيْدِيّ].

وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/363) (1138) عن يَعْقُوب بن حُمَيْدٍ.

والترمذي في «جامعه» (2/39) (658) عن قُتَيْبَة بن سعيد.

والدارمي في «سننه» (2/1046) (1723) عن مُحَمَّد بن يُوسُفَ.

وابن خزيمة في «صحيحه» (2/1148) (2385) عن عَلِيّ بن خَشْرَمٍ.

كلهم (أحمد، والحميدي، ويعقوب، وقتيبة، ومحمد بن يوسف، وابن خشرم) عن سُفْيَان بن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمِ بنِ سُلَيْمَانَ الأحول، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ الرَّبَابِ، عَنْ سَلْمَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثله.

ورواه الدارمي في «سننه» (2/1046) (1723) عن مُحَمَّد بن يُوسُفَ، عَنْ ابنِ عُيَيْنَةَ.

وابن خزيمة في «سننه» (2/1148) (2385) عن ابن خَشْرَمٍ، عن وَكِيع.

كلاهما (ابن عيينة، ووكيع) عن سُفْيَان الثوري، عَنْ عَاصِمٍ، به.

وأما حديث ابن عَون:

فرواه أحمد في «مسنده» (26/166) (16227)، وأَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ في «مسنده» (2/345) (848) كلاهما عن وَكِيع بن الجرّاح. [ورواه ابن ماجه في «سننه» (3/51) (1844)، وابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/363) (1136) كلاهما عن ابن أَبِي شَيْبَةَ. ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (6/276) (6212) عن عُبَيْد بن غَنَّامٍ، عن ابن أَبِي شَيْبَةَ].

وابن ماجه في «سننه» (3/51) (1844) عن عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ الطنافسيّ، عن وَكِيع.

وأحمد في «مسنده» (26/172) (16235)، والحسين بن حرب في «البر والصلة» (ص: 90) (170) كلاهما عن مُحَمَّد بن أَبِي عَدِيٍّ.

والدارمي في «سننه» (2/1046) (1722) عن أَبي حَاتِمٍ البَصْرِيّ أَشْهَل بنِ حَاتِمٍ.

وابن خزيمة في «صحيحه» (2/1148) (2385) عن مُحَمَّد بن عَبْدِالْأَعْلَى الصَّنْعَانِيّ. والطبراني في «المعجم الكبير» (6/276) (6211) عن مُعَاذ بن المُثَنَّى، وابن حبان في «صحيحه» (8/132) (3344) عن الفَضْل بن الحُبَابِ، كلاهما (معاذ، والفضل) عن مُسَدَّد بن مُسَرْهَدٍ، كلاهما (الصنعاني، ومسدد) عن بِشْر بن المُفَضَّلِ الرقاشيّ.

وابن خزيمة في «صحيحه» (2/1148) (2385) عن عَلِيّ بن خَشْرَمٍ المروزيّ، عن عِيسَى بن يُونُس ابن أبي إسحاق السبيعيّ.

وعن يَحْيَى بن حَكِيمٍ، عن مُعَاذ بن مُعَاذٍ العَنبريّ.

وأبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (3/1332) (3359) من طريق عَلِيّ بن الفَضْلِ، عن يَزِيد بن هَارُونَ.

وفي «حلية الأولياء» (8/189) من طريق عَبْدالحَمِيدِ بنِ صَالِحٍ البُرْجُمِيّ، عن عَبْداللهِ بن المُبَارَكِ.

والحاكم في «المستدرك» (1/564) (1476) عن أَبي العَبَّاسِ مُحَمَّد بن يَعْقُوبَ، عن الحَسَن بن مُكْرَمٍ البَزَّار، عن عُثْمَان بن عُمَرَ بن فارس. [ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (5/102) (3153) عن الحاكم].

كلهم (وكيع، وابن أبي عدي، وأبو حاتم البصري، وبشر، وعيسى، ومعاذ، ويزيد بن هارون، وابن المبارك، وعثمان بن عمر) عن ابنِ عَوْنٍ، عن حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.

وأما حديث أَبي نَعَامَةَ:

فرواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/363) (1139). والطبراني في «المعجم الكبير» (6/275) (6207) عن مُوسَى بن هَارُونَ، كلاهما (ابن أبي عاصم، وموسى) عن حُمَيْد بن مَسْعَدَةَ السّاميّ، عن زُهَيْر بن هُنَيْدٍ أَبي الذَّيَّالِ العَدَوِيّ. [تحرّف اسم "حميد بن مسعدة" في مطبوع الطبراني إلى "حُمَيْد بن مَسْعُودٍ الشَّامِيّ"!].

والطبراني في «المعجم الكبير» (6/275) (6208) من طريق أَبي حَفْصٍ عَمْرو بن عَلِيٍّ، عن غَالِب بن قُرَّانَ العَنْبَرِيّ.

كلاهما (أبو الذّيال، وغالب) عن أَبي نَعَامَةَ العَدَوِيّ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.

·       هل هناك خطأ في «المعجم الأوسط» أو في «المعجم الكبير» للطبراني؟

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/39) (3556) قال: حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ سَلْمٍ الضَّبِّيُّ البَصْرِيُّ قَالَ: حدثنا نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ قَالَ: حدثنا غَالِبُ بنُ قُرَّانَ الهُذَلِيُّ قَالَ: حدثنا أَبُو نَعَامَةَ العَدَوِيُّ عَمْرُو بْنُ عِيسَى قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ الرَّائِحِ بِنْتِ صُلَيْعٍ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «صَدَقَةُ ذِي الرَّحِمِ عَلَى ذِي رَحِمِهِ صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، إِلَّا غَالِبُ بْنُ قُرَّانَ، تَفَرَّدَ بِهِ: نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ".

كذا قال!

لكنه رواه في «المعجم الكبير» كما سبق من طريق أبي الذيّال، ثم أتبعه بإسناده في «الأوسط» إلا فيمن روى عن قران!

قال: حَدَّثَنَا خَلَفُ بنُ عُبَيْدِاللهِ الضَّبِّيُّ، قال: حدثنا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، قال: حدثنا غَالِبُ بْنُ قُرَّانَ العَنْبَرِيُّ، قال: حدثنا عَمْرُو بنُ عِيسَى أَبُو نَعَامَةَ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، به.

ففي «الأوسط»: «نصر بن عليّ»، وفي «الكبير»: «أبو حفص عمرو بن علي»! وعمرو بن عليّ هو الفلاّس المعروف.

فهل تحرف أحدهما من الآخر؟ «نصر» إلى «عمرو» أو العكس؟!

بحثت عن ترجمة خلف بن عبيدالله البصري شيخ الطبراني فلم أجد له ترجمة، وقد روى الطبراني عنه في كتبه عن نصر بن علي الجهضمي، وكذلك عنه عن عمرو بن علي الفلاس، ونصر وعمرو كلاهما بصري، ومن طبقة واحدة، وماتا قريباً من بعضهما سنة 249 و250هـ، فالظاهر أنه كان يروي عنهما، فيكون الحديث عنهما عن غالب بن قران هذا.

وعليه فقول الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ، عَنْ أَبِي نَعَامَةَ، إِلَّا غَالِبُ بْنُ قُرَّانَ، تَفَرَّدَ بِهِ: نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ"، ليس بصحيح.

فالظاهر أن عمرو بن علي تابع نصر بن علي عليه عن غالب، وتابعه عليه أبو الذّيال عن أبي نعامة.

وقد ذكر المزي «غالب بن قران الهذلي» في شيوخ «نصر بن علي» في ترجمته من «تهذيب الكمال» (29/357).

وقد اعتمد أهل العلم رواية نصر بن عليّ في الترجمة لغالب بن قران.

قال ابن الجوزي في «الضعفاء» (2/245) (2674): "غَالب بن قرَان الهُذلِيّ: روى عَنهُ نصر بن عَليّ الجَهْضَمِي. قَالَ الْأَزْدِيّ: مَجْهُول ضَعِيف".

وقال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (2/505) (4858)، وفي «ميزان الاعتدال» (3/332) (6649): "غَالب بن قرَان شيخ لنصر بن عَليّ الجَهْضَمِي. قَالَ الْأَزْدِيّ: مَجْهُول ضَعِيف".

وقال في «ديوان الضعفاء» (ص: 315) (3321): "غالب بن قران: شيخ لنصر بن علي الجهضمي، لا يُعرف".

قلت: كذا عندهم «غالب بن قُران» آخره نون، وجاء في بعض الكتب برائين.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/49) (280): "غالب بن قُرَار الهذلي: روى عن أبي نعامة. روى عنه: نصر بن علي".

قال: سألت أبي عنه، فقال: "هو شيخ".

وقال ابن ماكولا في «الإكمال» (7/85): "وأما قُرار: فهو غالب بن قرار، لعله ابن قُران المتقدم".

وقال عبدالغني بن سعيد الأزدي في «المؤتلف والمختلف في أسماء نقلة الحديث وأسماء آبائهم وأجدادهم» (2/606) في باب «قُرَار وقُران»: "فأما قُرَارٌ، بالقاف وراءين مهملتين، فهو: غالب بن قرار".

ورجّح أنه برائين الحافظ ابن قُطْلُوبُغَا، وقال بأن «قران» بالنون، مصحفة.

قال في «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» (7/478) (8771): "غالب بن قرار الهذلي. روى عن أبي نعامة. روى عنه نصر بن علي.

قال أبو حاتم: شيخ.

وحكى الرازي عن العجلي أنه قال: ثقة.

كذا وجدته في أصلي من ابن أبي حاتم وهو مُعتمد مَرَّ عليه جماعة من الحفاظ، وقد ضبطه عبدالغني بن سعيد بالقاف ورائين مخفف، فالله أعلم.

وقال الأزدي: مجهول ضعيف.

قلت: وقد رأيته في كتاب ابن الجوزي: غالب بن قران، بالقاف وآخره نون، وهو تصحيف، تبعه عليه الذهبي في «الميزان»" انتهى.

قلت: نقل ابن قطلوبغا ما حكاه ابن أبي حاتم عن العجلي أنه وثقه.

وزاد ابن حجر في «لسان الميزان» (6/300) (5982): "وقال العجلي: ثقة، حكاه الدَّاني".

لكن نقل ابن قطلوبغا هذا عن «الرازي» كما سبق، وصرّح بأنه كذا وجده في أصله من كتاب ابن أبي حاتم الرازي! = يعني «الداني» مصحفة!

والعجب كيف يكون هذا في كتاب ابن أبي حاتم! وينسب هذا للرازي، وهو أصلاً لا ينقل في كتابه عن العجلي!! فلا أدري كيف حصل هذا لابن قطلوبغا! 

وقد علّق عبدالفتاح أبو غدة محقق «اللسان» على هذا النقل، فقال: "عندي في صحة هذا النقل عن العجلي توقف. ففي «غاية النهاية» في ترجمة «غالب بن فائد»، صاحب الترجمة السابقة: (قال أحمد بن صالح: هو ثقة، وكان جاراً لسفيان الثوري). وهذا الذي أُرَى أنه الصواب، فالموثِّق هو أحمد بن صالح المصري لا أحمد بن عبدالله بن صالح العجلي، والموثَّق غالب بن فائد لا ابن قران، والله أعلم" انتهى.

قلت: هذا الذي ذكره أبو غدة وجيه، والله أعلم.

·       تنبيه:

ذكر صاحب كتاب «إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني» نايف المنصوري، بتقديم د. سعد الحميد، ومراجعة أبي الحسن المأربي (ص: 303) "[440] خلف بن عبيدالله بن سلم أبو حبيب الضبي البصري.

حدث عن: خالد بن يوسف السمتي، نصر بن علي الجهضمي، وعمرو بن علي الصيرفي، وعمرو بن الوضي بن نصر البصري، وعمرو بن علي الفلاس...".

قلت: العجب من الباحث وممن قدّم له وراجع كيف غاب عنهم أن عمرو بن علي الصيرفيّ هو نفسه عمرو بن علي الفلاّس!!!

·       رواية محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر:

وقد رُوي هذا الحديث عن محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر.

رواه البغوي في «معجم الصحابة» (3/173) (1090) عن عبدالواحد بن غياث أبي بحر المربدي.

والطبراني في «المعجم الكبير» (6/274) (6204) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ البغوي، عن حَجَّاج بن المِنْهَالِ.

كلاهما (عبدالواحد، وحجاج) عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، وَهِشَام بن حسان، وحَبِيب بن الشهيد، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْقَرَابَةِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ».

ورواه الطبراني أيضًا في «المعجم الكبير» (6/275) (6205) عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن سَلْمٍ الرَّازِيّ، عن نُوح بن أَنَسٍ المُقْرِئ، عن الصَّبَّاح بن مُحَارِبٍ، عن أَشْعَث بن عَبْدِالمَلِكِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، بنحوه.

قلت: أما رواية حماد فقد سبق الكلام على أوهامه عند الجمع بين الشيوخ! وقد تفرد بهذه الرواية عن هؤلاء الشيوخ عن ابن سيرين بهذا الإسناد!!

وأما رواية أشعث فقد تفرد بها عنه: الصباح بن محارب الكوفي الرازي! وأشعث تكلموا فيه، والصباح صدوق يُعتبر بحديثه، فلا يُقبل تفرده.

قال أبو حاتم وأبو زرعة: "صدوق".

وقَال عَبْدالرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان: "رأيت كتابه، وكان صحيح الكتاب".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (13/108) (2847) في ترجمة «صباح بن محارب التَّيْمِيّ الكوفي»: "وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب «الثقات»".

فتعقبه مغلطاي في «الإكمال» (6/351) فقال: "وينبغي أن يُتثبت في قول المزي: (ذكره ابن حبان في «الثقات») فإني حرصت على وجدانه في كتاب «الثقات» فلم أجده، ولا أستبعده، فيُنظر".

قلت: قد ذكره ابن حبان في كتاب «الثقات» فيمن روى عن أَتبَاع التَّابِعين (8/323) (13680): "الصَّباح بن محَارب التَّيْمِيّ، من أهل الكُوفَة: يروي المقاطيع، روى عَنهُ أهل بَلَده".

وقَالَ العُقَيْلِيُّ: "يُخَالِفُ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ".

وقال البرقاني: سمعت الدارقُطني يقول: "الصباح بن محارب، رازي، يُعتَبَر به".

وقال ابن حجر: "صدوق ربما خالَفَ".

فهذا الجزء من الحديث لا يثبت عن ابن سيرين عن سلمان، والله أعلم.

وحديث حفصة عن الرباب عن سلمان قد رواه عاصم الأحول، وهشام بن حسان، وعبدالله بن عون، وأبو نعامة عنها.

قال الترمذي: "حَدِيثُ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ".

وقال أبو نُعيم الأصبهاني في «الحلية»: "ثَابِتٌ مَشْهُورٌ، رَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ: سَعِيدٌ، وَبِشْرُ بنُ المفضْلِ، وَمُعَاذُ بنُ مُعَاذٍ، وَوَكِيعٌ، وَيَزِيدُ بنُ هَارُونَ فِي آخَرِينَ".

وقال في «معرفة الصحابة»: "رَوَاهُ هِشَامٌ، وَأَبُو نَعَامَةَ العَدَوِيُّ، وَعَاصِمٌ، وَقَتَادَةُ فِي آخَرِينَ، عَنْ حَفْصَةَ. وَرَوَاهُ أَشْعَث بن عَبْدالمَلِكِ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ".

قلت: أما عن قتادة فلا يصح، وقد سبق الكلام على ذلك، وأما حديث أشعث فلا يصح كذلك.

والحديث وإن ثبت عن حفصة عن الرباب عن سلمان، فالمشكلة في رفعه، وهناك من وقفه كما بينا الخلاف في ذلك في الأجزاء السابقة من الحديث.

وإن صح الرفع، فتبقى المشكلة في حال الرّباب هذه! فهي لا تُعرف إلا في هذا الحديث! ولم يرو عنها إلا حفصة بنت سيرين!

·       ترجمة الرَّبَاب بنت صُلَيْع:

هي: الرَّبَاب - بفتح الراء، وتخفيف الباء الموحدة، وآخره موحدة - بنت صُلَيْع - بصاد، وعين مهملتين، مُصغر -، أم الرايح - بياء مثناة من تحت، وحاء مهملة -، الضَّبِّية البَصْرية.

قال ابن سعد في «الطبقات» (8/352) (4676): "الرَّبَابُ أُمُّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ. رَوَتْ عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، وَرَوَتْ عَنْهَا: حَفْصَةُ بِنْتُ سِيرِينَ".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/463) (2374): "أم الرائح، اسمها: الرباب. سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك".

قال ابن أبي حاتم: "روت عنها حفصة بنت سيرين، وهي ابنة صُليع، تروي عن سلمان بن عامر الضبيّ".

وذكرها ابن حبان في «الثقات» (4/244) (2729) قال: "أم الرَّائِح بنت صُليعٍ، اسْمهَا: الربَاب، من أهل البَصْرَة. تروي عَن عَمها سلمَان. رَوَت عَنْهَا: حَفْصَة بنت سِيرِين".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (35/171) (7836): "الرباب بنت صليع أم الرائح الضبية البَصْرِيّة. روت عَن: عمها سلمان بن عامر الضبي. روت عنها: حفصة بنت سيرين. استشهد بها البخاري. وروى لها الباقون سوى مسلم".

وذكرها الذهبي في «فصل في النسوة المجهولات»، وقال: "وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها" من «الميزان» (4/606) (10954) قال: "الرباب بنت صليع عن عمها سلمان بن عامر، لا تُعرف إلا برواية حفصة بنت سيرين عنها".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 747) (8582): "مقبولة من الثالثة".

قلت: المقبول عند ابن حجر بحسب مقدمة كتابه إذا توبع على حديثه، وإذا لم يُتابع فهو ليّن الحديث، والرباب لم تُتابع على حديثها، فهي ليّنة الحديث بحسب تعريف ابن حجر.

وهي مجهولة الحال، لا تُعرف إلا بهذه الرواية، وإيراد ابن حبان لها في «ثقاته» على قاعدته في عدم وجود جرح فيها، ولا يُعرف لها سماعٌ من سلمان بن عامر!

وقد يقبل بعض أهل العلم حديثها في هذه الطبقة سيما إذا كان الراوي عنها ثقة كحفصة بنت سيرين، لكن وقع اختلاف في أسانيد هذا الحديث، مما يجعلنا لا نقبله، وأقوى طرقه ما جاء عن سلمان موقوفا، وجمع هذه المتون في حديث واحد مظنة الإرسال أو الوقف لمن تدبّر حال الرواية!

فهذا الحديث هو حقيقة ثلاثة أحاديث، فكيف تتفرد الرباب بها عن عمها دون غيرها في البصرة، ولا يسمع منها إلا حفصة؟!

فالحديث ضعيف، والله أعلم.

والمشهور في البصرة والصحيح في العقيقة حديث الحَسَنِ البصري، عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسَمَّى».

وقد ثبت سماع الحسن له من سمرة.

فلعل أصل حديث سَلْمَان بن عَامِرٍ الضَّبِّيّ في العقيقة: «الغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ الدَّمَ، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى»، هو حديث الحسن عن سمرة، والله أعلم.

وحديث الصدقة المعروف المشهور الصحيح هو حديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود - وكانت تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِاللَّهِ، وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا - فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ».

وكأن حديث سلمَانَ بنِ عَامِرٍ: «صَدَقَتُكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» مأخوذ منه، والله أعلم.

وأما حديث سلمان: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ»، فلا يوجد إلا من هذا الطريق، وهو يُشبه الأحاديث الموقوفة، والله أعلم.

·       وَهَمٌ شديدٌ لابن حبان!

قال ابن حبان في كتاب «الثقات» (4/244): "وَمِمَّنْ روى عَن أَصْحَاب رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّن ابْتَدَأَ اسْمه على الرَّاء".

ثم ذكر (2724): "رَبَاب: شيخ يروي عَن سلمَان بن عَامر الضَّبِّيّ. رَوَت عَنهُ: حَفْصَة بنت سِيرِين. نسبه أَن يكون من أهل البَصْرَة".

قلت: وهذا وهمٌ شديد منه - رحمه الله - فرباب هذه امرأة، وهو نفسه ذكرها بعد خمس تراجم (2729) فقال: "أم الرَّائِح بنت صليعٍ، اسْمهَا: الربَاب، من أهل البَصْرَة، تروي عَن عَمها سلمَان. رَوَت عَنْهَا: حَفْصَة بنت سِيرِين".

·       طُرق أخرى لحديث أنس بن مالك:

وقد رُوي حديث الإفطار على التمر عن أنس من طرق أخرى:

رواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/371) (3304) عن مُوسَى بن حِزَامٍ التِّرْمِذِيّ.

والفريابي في كتاب «الصيام» (ص: 66) (68). والطبراني في «المعجم الأوسط» (5/348) (5517) عن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، كلاهما (الفريابي، ومحمد بن عثمان) عن الحَسَن بن عَلِيٍّ الحُلْوَانِيِّ أَبي مُحَمَّدٍ. [ورواه الضياء المقدسي في «المختارة» (4/397) (1570) من طريق الفريابي].

كلاهما (موسى، والحلواني) عن يَحْيَى بن آدَمَ، عن يَزِيد بن عَبْدِالعَزِيزِ، عَنْ رَقَبَةَ بْنِ مَصْقَلَةَ، عَنْ بُرَيْدِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْدَأُ إِذَا أَفْطَرَ بِالتَّمْرِ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ رَقَبَةَ إِلَّا يَزِيدُ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ، تَفَرَّدَ بِهِ: يَحْيَى بْنُ آدَمَ".

وقال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في أطراف محمد بن طاهر المقدسي (1/160) (667)]: "تَفَرَّدَ بهِ يزيد بن عَبدالعزيز بن سياه عن رقبة، عَن بُريد"..

قلت: أعلّه النسائي بالإرسال، فقال بعد أن رواه: "هذا الحَدِيثُ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ بُرَيْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَشُعْبَةُ أَحْفَظُ مِمَّنْ رَوَى هَذَا الحَدِيثَ".

وسئل عنه الدارقطني في «العلل» (12/19) (2355)، فقال: "يَرْوِيهِ رَقَبَةُ بنُ مَصْقَلَةَ، عَنْ بُرَيْد بن أبي مريم، عَنْ أَنَسٍ.

وَخَالَفَهُ شُعْبَةُ، فَرَوَاهُ عَنْ بُرَيْدٍ أَنَّهُ ذَكَرَ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... مُرْسَلٌ. وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ رَقَبَةُ حَفِظَهُ".

وذكره الألباني في «صحيحته» (5/153) (2117) ونقل كلام النسائي، ثم قال: "قلت: وخالفه الدارقطني فرجح الموصول، فقال كما نقله الضياء: (ويشبه أن يكون رقبة حفظه). قلت: وهذا هو الصواب؛ لأن رقبة - وهو ابن مصقلة - ثقة مأمون كما في «التقريب» واحتج به الشيخان، فلا يضره إرسال شعبة إياه؛ لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ. ويزيد بن عبدالعزيز هو ابن سياه الأسدي الحماني، وهو ثقة أيضًا من رجال الشيخين. وبريد بن أبي مريم تابعي ثقة، فالإسناد صحيح".

قلت: الدارقطني مال إلى أن رقبة ربما حفظه كونه ثقة، لكن تعليل النسائي هو الأقرب؛ لأن رقبة - وإن كان ثقة - لكن لا يصل لمرتبة شعبة في الإتقان، ثم من السهل أن يسلك رقبة الجادة في هذا الحديث: "بريد عن أنس"، وقد ضبطه شعبة، ولا يقال هنا: حفظه رقبة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ كما قال الألباني!!

فترجيح الحفظ هنا يحتاج لدليل، ولا يوجد! وقول الدارقطني فيه ميل لا جزم.

وشعبة إمام الحفاظ والمتقنين لا يقارن برقبة هذا! ورقبة قد تكلّم عليه بعضهم.

فلما ذكره ابن خلفون في «الثقات» قال: قال أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي: قلت ليحيى: ما تقول في رقبة، روى عن سليمان التيمي شيئاً؟ فقال: "رقبة ضعيف، ما يبالي عمن روى".

قال ابن خلفون: وهو ثقة. قاله سعيد بن عثمان وغيره. [إكمال تهذيب الكمال (4/400)].

وقال حاتم الرازي: "صالح".

قلت: و«صالح» عند أبي حاتم يعني أنه يُعتبر بحديثه، ومقتضاه أنه لا يحتج بما انفرد به، فكيف إذا خالف جبل الحفظ شعبة بن الحجاج!

والدارقطني نفسه قد رجّح حديث غيره عليه في «العلل».

ومن ذلك (7/237) (1318) أنه سئل عن حديث طارق بن شهاب، عن أَبِي مُوسَى: «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ تَتَّخِذُهُ عِيدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صُومُوهُ أَنْتُمْ».

فَقَالَ: "يَرْوِيهِ أَبُو عُمَيْسٍ، وَصَدَقَةُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى. وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُمَا.

وَرَوَاهُ رَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ طَارِقٍ مُرْسَلًا، لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبَا مُوسَى.

والمُتَّصِلُ الصحيح".

قرقبة هنا رواه مرسلاً، وغيره وصله، فرجّح الدارقطني من وصله.

فالصواب رواية شعبة المرسلة، وقد وهم رقبة في وصل روايته.

·       طريق أخرى:

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»، باب: مَنْ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يُفْطِرَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، (6/348) (9882) عن حُسَيْن بن عَلِيٍّ الجُعْفِيّ، عَنْ زَائِدَةَ بن قُدامة، عَنْ حُمَيْدٍ الطويل، عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ».

ورواه الفريابي في كتاب «الصيام» (ص: 67) (69)، وأبو يعلى في «مسنده» (6/424) (3792) عن ابن أَبِي شَيْبَةَ.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (8/274) (3504) و(3505) عن أبي يعلى.

ورواه الضياء المقدسي في «المختارة» (6/36) (1197) من طريق جَعْفَر بن مُحَمَّدٍ الفِرْيَابِيّ. ورواه أيضاً (6/37) (1998) من طريق أَبي يَعْلَى. ورواه أيضاً (1999) من طريق أَحْمَد بن عَمْرِو بنِ أَبِي عَاصِمٍ، عن أَبي بَكْر ابن أبي شيبة.

قال ابن حبان: "خَبَر غَرِيب"!

وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان: "إسناده صحيح على شرط الشيخين. زائدة: هو ابن قدامة الثقفي، وهو في مسند أبي يعلى 3792".

قلت: العجب كيف يترك كلام ابن حبان الذي أمامه ويصحح إسناده!

قال ابن حبان: "أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عَلِيِّ بنِ المُثَنَّى بِخَبَرٍ غَرِيبٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ....".

نعم، إسناده ظاهره الصحة، لكنه غريب كما قال ابن حبان!

ولو صح الحديث لما دلّ على أصل المسألة التي نتكلم عليها في هذا البحث، بل أقصى ما فيه أنه صلى الله عليه وسلم كان يفطر على أي شيء قبل أن يصلي المغرب، ولهذا بوّب عليه ابن حبان بقوله: "ذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ لِلصُّوَّامِ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ".

ثم وجدت ابن خزيمة يرويه في «صحيحه» تحت "بَاب اسْتِحْبَاب الفِطْرِ عَلَى الرُّطَبِ إِذَا وُجِدَ، وَعَلَى التَّمْرِ إِذَا لَمْ يُوجَدِ الرُّطَبُ".

قال (2/992) (2065): حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانَ، قال: حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ عَبْدالرَّحْمَن التُّجِيبِيُّ، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ صَائِمًا لَمْ يُصَلِّ حَتَّى نَأْتِيَهُ بِرُطَبٍ وَمَاءٍ، فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ، إِذَا كَانَ الرُّطَبُ، وَأَمَّا الشِّتَاءُ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى نَأْتِيَهُ بِتَمْرٍ وَمَاءٍ».

قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُحْرِزٍ، عَنْ حُسَيْنِ بنِ عَلِي الجُعْفِيّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، بِهَذَا.

قلت: فرواية محمد بن محرز متابعة لابن أبي شيبة.

ويحيى بن أيوب تابع زائدة عليه! لكن هل صحت رواية يحيى بن أيوب؟

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/157) (3861) عن عَلِيّ بن سَعِيدٍ الرَّازِيّ، عن زَكَرِيَّا بن يَحْيَى بنِ أَبَانَ أبي عليٍّ الواسطيّ المصريّ، به.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ إِلَّا يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ، وَلَا عَنْ يَحْيَى إِلَّا مِسْكِينُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، تَفَرَّدَ بِهِ: زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى"!

وقال الهيثمي في «مَجمع الزوائد» (3/156): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ، وَفِيهِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ".

قلت: تفرد به زكريا بن يحيى المصري، وسيأتي رواية أخرى له للحديث بإسناد آخر.

قال مسلمة: "كان ينزل نسلهم في أرض مصر، وبها توفي في ذي القعدة سنة ستين ومائتين، وله إحدى وثمانون سنة، وكان حافظاً، أخبرنا عنه عَلَّان".

وقال ابن يونس: "كان حسن الحديث، يكنى أبا علي، توفي يوم الثلاثاء لعشر خلون من شعبان سنة ستين ومائتين، يروي عن سعد بن عيسى بن تليد وغيره". [الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة للقاسم بن قُطْلُوبُغَا (4/325)].

وقد وهم صاحب كتاب «المعجم الصغير لرواة الإمام ابن جرير» فجعله اثنين! فقال (1/173) (1207) - [4351]: "أبو علي، زكريا بن يحيى بن أبان، المصري، شيخ الطبري، توفي في جمادى الأولى، سنة ستين ومائتين، من الحادية عشرة، لم أعرفه، ولم أجد له ترجمة، ولم يعرفه الشيخ شاكر قبلي (5973)، ولعله (الوقار)، ولم يتعرض له الشيخ التركي في تحقيقه (3/759) بشيء. (تس، تخ، تهـ، تق)".

ثم قال: (1208) - [4351]" تمييز، زكريا بن يحيى بن أبان الواسطي، من نفس الطبقة، روى عنه ابن خزيمة".

قلت: هما واحد، لكن أنّى لمن أقحم نفسه في علم الحديث وهو ليس من أهله أن يدرك ذلك!

وشيخه مسكين مجهول لا يُعرف إلا في هذا الحديث، وبه ذكره ابن حبان في «ثقاته» (9/194) (15958) قال: "مِسْكين بن عبدالرَّحْمَن التجِيبِي، من أهل مصر، يروي عَن يحيى بن أَيُّوب.

حَدثنَا ابن خُزَيْمَةَ: حدثَنَا زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ: حدثَنَا مِسْكِينُ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ: حدثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ صَائِمًا لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِرُطَبٍ وَمَاءٍ فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ إِذَا كَانَ الرطب وَإِذا كَانَ النِّسَاء لَمْ يُصَلِّ حَتَّى يَأْتِيَهُ بِتَمْرٍ وَمَاء".

[في المطبوع زيادة في الاسم: (يَحْيَى بنُ) زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ]! و"يحيى بن" زائدة.

وذكره الذهبي في «تاريخه» (5/458) (402) في طبقة من توفوا بين سنة (211 - 220 هـ) قال: "مسكين بن عبدالرحمن التُّجَيْبيّ المِصْريُّ، أبو الأسود. عَنْ: الليث بن سعد، وخالد بن حُمَيْد، ويحيى بن أيّوب. توفي سنة خمس عشرة ومائتين".

قلت: روايته عن الليث في «شرح مشكل الآثار» (2/321) (857).

والخلاصة أن الإسناد غريب، وقد تفرد به مسكين، ولا تعرف حاله! وربما يكون مستور الحال، لكن أخطأ في إسناده زكريا بن يحيى، والله أعلم.

والحديث لا يُعرف عن حميد الطويل! ولا عن أنس!

وقد رواه الحارث بن أبي أسامة في «مسنده» [كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (1/415) (325)] عن رَوْح، عن ابن جُرَيْجٍ قَالَ: حُدِّثْتُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُصَلِّي فِي الصَّيْفِ الْمَغْرِبَ إِذَا كَانَ صَائِمًا حَتَّى آتِيَهُ بِرُطَبٍ فَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ ثُمَّ يَقُومَ فَيُصَلِّي وَإِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَتَمْرٌ فَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي».

قلت: فهذا يدلّ على أن الحديث كان معروفاً بالإرسال عن أنس، والتفردات الغريبة للإسنادين السابقين عن حميد عن أنس تدلّ على الوهم الذي حصل في هذه الأسانيد، والله أعلم.

·       طريق ثالث عن أنس:

وقد رُوي عن أنس من طريق ثالث:

رواه البزار في «مسنده» (13/410) (7127)، وأَبو سَعِيد ابن الْأَعْرَابِيّ في «معجمه» (1/331) (637) كلاهما عن مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ الصَّغَانِيّ - الصَّاغَانِيّ -. والعقيلي في «الضعفاء» (3/472) عن الحَسَن بن عَلِيِّ بنِ شَبِيبٍ المَعْمَرِيّ، كلاهما (الصغاني، والمعمري) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ الوَرْكَانِيّ.

وابن خزيمة في «صحيحه» (2/991) (2063) عن مُوسَى بن سَهْلٍ الرَّمْلِيّ، عن مُحَمَّد بن عَبْدالعَزِيزِ الرَّمْلِيّ.

كلاهما (الوركاني، ومحمد بن عبدالعزيز) عن القَاسِمِ بنِ الغُصْنِ، عن سَعِيدِ بنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى المَغْرِبَ قَطُّ، وهُو صَائِمٌ حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ».

قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إلاَّ مِنْ هَذَا الوَجْهِ بهذ الإِسْنَادِ! والقَاسِمُ بنُ الغُصْنِ لَيْسَ بِالقَوِيِّ فِي الحَدِيثِ، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ مِنْ حَدِيثِهِ مَا لا يُحْفَظُ عَنْ غَيْرِهِ".

وذكر العقيلي هذا الحديث في منكرات «القاسم بن غًصن»، وقال: "لا يُتابَع على حَديثه".

وساق قول أَحمد فيه: "يُحَدِّث بِأَحاديث مَناكيرَ".

وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (5/498): قلت - أي لأبيه وأبي زرعة - ما حال القاسم؟ قَالا: "لَيْسَ بقَوِيٍّ".

وقال في «الجرح والتعديل» (7/116): سألت أبا زرعة عن القاسم بن غصن؟ فقال: "ليس بقوي".

وسألت أبي عن القاسم بن غصن؟ فقال: "ضعيف الحديث".

وقال أبُو داود: سئل عنه وكيع فقال: "لا بأس به".

وذكره الساجي، والعقيلي، وابن شاهين، وَابن الجارود، والفسوي، والحربي، والدولابي في الضعفاء. [لسان الميزان (6/380)].

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/339) (10348): "القَاسِم بن غُصْن يروي عَنْ سُلَيْمَان التَّيْمِيّ. روى عَنهُ: مُحَمَّد بن عبدالعَزِيز الرَّمْلِيّ، وَأهل فلسطين".

وقال في «المجروحين» (2/212) (878): "القَاسِم بن غُصْن: أَصله من العرَاق، سكن الشَّام. يروي عَن مسعر، وَدَاوُد بن أبي هِنْد. روى عَنهُ: مُحَمَّد بن عبدالعَزِيز الرَّمْلِيّ، وَأهل فلسطين. كَانَ مِمَّن يروي المَنَاكِير عَن المَشَاهِير، ويقلب الْأَسَانِيد حَتَّى يرفع المَرَاسِيل ويسند المَوْقُوف، لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد، فَأَما فِيمَا وَافق الثِّقَات فَإِن اعْتبر بِهِ مُعْتَبر لم أر بذلك بَأْسًا".

قال ابن حجر في «اللسان»: "وفي ثقات ابن حبان: القاسم بن غصن، يروي عن سليمان التيمي، وعنه محمد بن عبدالعزيز الرملي وأهل فلسطين، وهو هو فقد وصفه البخاري، وَابن أبي حاتم، وَغيرهما برواية محمد بن عبدالعزيز عنه، فهو ممن تناقض ابن حبان فيه".

قلت: وقد صحح هذا الحديث بعض المعاصرين لوجود متابعة للقاسم عن ابن أبي عروبة!

رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (2/991) (2063) عن زَكَرِيَّا بن يَحْيَى بنِ أَبَانَ المصري. [ورواه الحاكم في «صحيحه» (1/597) (1577) من طريق ابن خزيمة].

وابن الأعرابي في «معجمه» (3/1038) (2233) عن أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ دَاوُدَ القَنْطَرِيِّ.

والطبراني في «المعجم الأوسط» (8/335) (8793) عن مُطَّلِب بن شُعَيْبٍ.

والبيهقي في «السنن الكبرى» (4/402) (8132) من طريق عَبْداللهِ بن حَمَّادٍ الْآمُلِيّ.

أربعتهم (زكريا، والقنطري، ومُطلب، والآملي) عن مُحَمَّد بن عَبْدالعَزِيزِ الرَّمْلِيُّ الوَاسِطِيّ، قال: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، مثله.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَتَادَةَ إِلَّا سَعِيدٌ، ولَا عَنْ سَعِيدٍ إِلَّا شُعَيْبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ: مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ".

وقال البيهقي: "تَابَعَهُ القَاسِمُ بنُ غُصْنٍ عَنِ ابنِ أَبِي عَرُوبَةَ".

وأورده الألباني في «صحيحته» (2110) وعلّق على قول الطبراني بتفرد الرملي به: "قلت: وهو صدوق يهم، وكانت له معرفة، احتج به البخاري وبقية الرجال ثقات رجال الشيخين لكن شعيباً سماعه عن ابن أبي عروبة بآخرة كما في «التقريب» فالسند من أجل هذا ضعيف، فلا تغتر بقول الهيثمي (3/155): (رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح). قلت: وكذلك رجال الأوسط كما علمت، فلا داعي لتخصيص أبي يعلى بالذكر! ثم قد علمت أيضا أن سماع شعيب من ابن أبي عروبة في حالة اختلاطه. فتنبه. ثم وجدت له طريقا آخر عن أنس، أخرجه الضياء في المختارة (101/1-2) من طريق أبي يعلى وغيره عن أبي بكر بن أبي شيبة: أخبرنا حسين بن علي عن زائدة عن حميد عن أنس به. وقال: (أخرجه ابن حبان عن أبي يعلى الموصلي). قلت: وهذا سند صحيح، وهو في موارد الظمآن (890) وهذا يبين أن طريق أبي يعلى غير طريق الطبراني التي فيها ذاك المختلط، فكان على الهيثمي أن يبين ذلك. ثم وجدته في المصنف لابن أبي شيبة (2/184) من هذا الوجه. وأخرجه ابن عدي (25/1) عن أبان عن أنس، لكن أبان - وهو ابن أبي عياش - متروك، ومن طريقه رواه أبو العباس الأصم في حديثه (ج 3 رقم 84)" انتهى.

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: "وتضعيف الشيخ ناصر لسند ابن خزيمة بالقاسم بن غصن فيه نظر؛ لأنه قد تابعه عليه عنده شعيب بن إسحاق، فهو عنده من طريقين عن سعيد بن أبي عروبة. وذكره الهيثمي في المجمع 3/155 وقال: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط، ورجال أبي يعلى رجال الصحيح".

قلت: الحديث تفرد به مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ الرَّمْلِيّ عَنْ شُعَيْب بن إِسْحَاقَ! ومحمد هذا ليس بالقويّ، لا يُحتج بما انفرد به!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/8): سمعت أبي يقول: "أدركته ولم يقض لي السماع منه، كان عنده غرائب، ولم يكن عندهم بالمحمود، هو إلى الضعف ما هو".

وقال: سألت أبا زرعة عنه، فقال: "ليس بالقوي".

وقال البزار: "مُحَمد بن عَبدالعَزِيزِ لَمْ يَكُنْ بِالحَافِظِ".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (9/81) وقال: "رُبمَا خَالف".

وقال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (5/445): "وكان يُغرب".

وقال العجلي: "ثِقَة".

وقال يعقوب الفسوي: "كان حافظاً".

وقال ابن حجر في «التقريب»: "صدوق يهم".

وقال في «مقدمة الفتح»: "روى لَهُ البُخَارِيّ حديثين، أَحدهمَا فِي تَفْسِير سُورَة النِّسَاء عَنهُ، عَنْ حَفْصِ بنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ حَدِيث الشَّفَاعَة، وَأخرجه فِي التَّوْحِيد مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ زَيْدِ بنِ أَسْلَمَ. وَثَانِيهمَا فِي الِاعْتِصَام بِهَذَا الْإِسْنَاد «لتتبعن سنَن من كَانَ قبلكُمْ» الحَدِيث، وَأخرجه فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ".

قلت: يعني خرّج له البخاري حديثين قد توبع عليهما.

وأغلب الظنّ أنه وهم في هذا الحديث، فقد رواه هو عن القَاسِمِ بنِ الغُصْنِ، عن سَعِيدِ بنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - كما سبق -، وكأنه أخطأ فيه فرواه عن شُعَيْب بن إِسْحَاقَ، عن سَعِيد بن أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنس!!

فالحديث حديث القاسم بن الغصن، فرجع الحديث إليه.

وعليه فلا يصح هذا الحديث بمتابعة القاسم لشعيب ولا العكس؛ لأن الحديث واحد، وهم محمد بن عبدالعزيز في إسناده!

ولا يصح تصحيحه بالأحاديث السابقة؛ لأنها ضعيفة أيضاً، ولا يصح هذا الحديث عن أنس من أي طريق.

وتعليل الألباني للحديث بأن سماع شُعَيْب بن إِسحاق بن عبدالرحمن الأُمَوي البصري، ثم الدمشقي من ابن أبي عروبة بأَخَرَةٍ، فيه نظر! لأن هذا يعني أنه سمعه من ابن أبي عروبة، والمشكلة من ابن أبي عروبة نفسه؛ لأنه حدث به زمن اختلاطه! وليس كذلك! فالحديث لا يعرف أن ابن أبي عروبة حدّث به أصلاً! والأولى تعليله بالرملي لا بعلة الاختلاط!

·       حديث جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ الأنصاريّ:

وقد رُوي الحديث من طريق آخر عن جابر بن عبدالله.

رواه عبد بن حُميد في «مسنده» [كما في «المنتخب» منه (2/202) (1142)] عن عَبْدالمَلِكِ بن عَمْرٍو أبي عامرٍ العَقَديّ، عن زَمْعَة بن صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرُّطَبُ لَمْ يُفْطِرْ إِلَّا عَلَى الرُّطَبِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الرُّطَبُ لَمْ يُفْطِرْ إِلَّا عَلَى التمر».

قلت: هذا حديث منكر!

زمعة بن صالح الجَندي: ضعيف الحديث، لا يُحتج به.

ضعفه ابن معين، وأحمد، وأبو داود.

وقال ابن معين - مرة: "صويلح الحديث".

وقَال عَمْرو بن علي الفلاّس: "فيه ضعف في الحديث، وقد روى عنه الثوري وابن مهدي، وما سمعت يحيى ذكره قط، وهو جائز الحديث مع الضعف الذي فيه".

وقال البخاري: "يخالف في حديثه، تركه ابن مهدي أخيراً".

وقال أبو زرعة: "لين، واهي الحديث".

وقال النسائي: "ليس بالقوي، كثير الغلط عن الزهري".

وذكره العقيلي، والبلخي في «جملة الضعفاء».

وقال الساجي: "ليس بحجة في الأحكام".

وقال ابن حبان: "وكَانَ رجلاً صَالحاً يهم وَلَا يعلم، ويخطىء وَلَا يفهم، حَتَّى غلب فِي حَدِيثه المَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن المَشَاهِير. كَانَ عَبْدالرَّحْمَنِ يُحدّث عَنْهُ ثُمَّ تَركه".

وقال ابن عدي: "وحديثه كله كأنه فوائد، ورُبما يهم في بعض ما يرويه، وأرجو أن حديثه صالح لا بأس به".

وأخرج له مسلم مقروناً بآخر.

وبعض أهل جابر لا يُعرف من هم!

وذهب بعض المعاصرين - كمصطفى العدوي في تحقيقه للمنتخب من «مسند عبد بن حُميد» (2/202)، ومُحقق الجزء من «المطالب العالية» (10/766) بإشراف سعد الشثري - إلى أن محمد بن أبي سليمان هذا هو: محمد بن عبيدالله بن أبي سليمان العزرمي نسب إلى جده، وهو ضعيف!

وفي هذا نظر!

فإن العزرمي هذا يروي عنه أبو عامر العقدي الذي يروي عن زمعة أيضاً، فالعزرمي من طبقة زمعة، وكلاهما ماتا سنة بضع وخمسين ومائة (ما بين سنة 151 - 159هـ).

فالأظهر أنه مجهول لا يُعرف.

وقد روى الطيالسي في «مسنده» (3/319) (1871) عن زَمْعَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ جَابِرٍ، عَنْ جَابِرٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْكُلُ الْخِرْبِزَ - يَعْنِي الْبِطِّيخَ - بِالرُّطَبِ، وَيَقُولُ: هُمَا الْأَطْيَبَانِ».

وهذا الحديث يتعلق بالرطب أيضاً، وبالإسناد نفسه، وهذا يُبين مدى ضعف زمعة بن صالح.

·       ما علاقة تبويب الإمام البخاري في «صحيحه» على هذه المسألة بهذه الأحاديث؟

وقد بوّب الإمام البخاري في «صحيحه» (3/36): «بَابٌ: يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ المَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ»، ثم ساق حديث عَبْدَاللَّهِ بنَ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، فَنَزَلَ فَجَدَحَ ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ.

قال العيني في «عمدة القاري» (11/65): "أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ يفْطر الصَّائِم بِأَيّ شَيْء يتهيأ ويتيسر عَلَيْهِ، سَوَاء كَانَ بِالمَاءِ أَو بِغَيْرِهِ".

وقال ابن حجر في «الفتح» (4/198): "أَيْ سَوَاءٌ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ مَخْلُوطًا، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ «بِالمَاءِ» وَذكر فِيهِ حَدِيث ابن أَبِي أَوْفَى، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَا تَرْجَمَ لَهُ، وَلَعَلَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ فِي قَوْلِهِ: «مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا فَلْيُفْطِرْ عَلَى المَاءِ» لَيْسَ عَلَى الوُجُوبِ، وَهُوَ حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ الحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ، وابن حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، وَقَدْ شَذَّ ابن حَزْمٍ فَأَوْجَبَ الفِطْرَ عَلَى التَّمْرِ وَإِلَّا فَعَلَى المَاءِ".

قلت: اتفق العلماء على أن الإفطار يكون على الماء أو التمر من باب الاستحباب، ولهذا نبّه ابن حجر على شذوذ فتوى ابن حزم بقوله بوجوب الفطر على التَّمْر إِن وجده. فَإِن لم يجده فعلى المَاء، وَإِن لم يفعل فَهُوَ عاصٍ، وَلَا يبطل صَوْمه بذلك!

وقول البخاري "بما تيسر من الماء وغيره" يدخل فيه كلّ شيء، ولهذا أورد حديث الجَدح، والجَدْح: "أن يُخاضَ السَّوِيقُ بالمَاءِ ويُحرَّك حتَّى يَسْتَوِي وكذلك الّلبنُ ونَحوهُ"، والسويق ما يًصنع من دقيق القمح أو الشعير بخلطه بالسمن والعسل.

قال العيني: "مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الجدح هُوَ تَحْرِيك السويق بِالمَاءِ وتخويضه، وَفِيه المَاء وَغَيره، والترجمة بِالْمَاءِ وَغَيره".

فإفطاره صلى الله عليه وسلم على السويق، وهو ما خلط بالماء وغيره فيه دليل على أنه يجوز الإفطار بكلّ ما يتيسر؛ لأنه لم يفطر على الماء وحده أو على اللبن وحده أو على التمر أو الرطب وحده.

لكن العلماء استحبوا ذلك للأحاديث الأخرى في هذا الباب كحديث أنس، وحديث سلمان، لكن لما تبيّن لنا ضعف هذه الأحاديث، وأن الأمر على السعة والتيسير، فكأن الإمام البخاري أراد بهذه الترجمة والحديث الذي أورده تحتها الإشارة إلى تضعيف كلّ أحاديث الباب في هذه المسألة، وهو ما حققناه بفضل الله تعالى.

وما جاء في الإفطار أحياناً على الماء أو التمر فهذا مما كان يتوفر لديهم، وقد وردت بعض الآثار في ذلك، ومنها ما رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/350) (9891) عن وَكِيع، عَنْ عَبْدِالوَاحِدِ بنِ أَيْمَنَ، عَنْ أَبِيهِ أيمن الحبشي المكيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدريّ، قَالَ: «دَخَلْت عَلَيْهِ فَأَفْطَرَ عَلَى تَمْرٍ».

وما رواه أيضاً (9892) عن جَرِير بن عبدالحميد الضبيّ، عَنْ مُغِيرَةَ بن مقسم الضبيّ، عَنْ أُمِّ مُوسَى قَالَتْ: «كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يُفْطِرُوا عَلَى البُسْرِ، أَوِ التَّمْرِ».

وأم موسى كوفية تابعية، وهي سرية لعليّ بن أبي طالب، وثقها العجلي، وقال الدارقطني: "يُخَرَّجُ حَدِيْثها اعْتِبَارًا".

قلت: هذا ليس بحديث مرفوع، وإنما هو أثر فيُقبل منها.

·       خلاصة وفوائد:

1- حديث جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ، عن ثَابِت البُنَانِيّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ رُطَبَاتٌ، فَتَمَرَاتٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» منكر! استنكره الرازيان.

وقد تفرد به جعفر عن ثابت، وروى عنه مراسيل ومنكرات!

2- ذكر «اللبن» في الحديث: «... أَنْ يُفْطِرَ عَلَى لَبَنٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَتَمْرٍ...» شاذ، وقد تفرد به إِسْحَاقُ بنُ الضَّيْفِ، وهو صدوق يخالف ويَهم في حديثه.

3- الحديث حسّنه الترمذي مع الغرابة، وصححه الألباني دون لفظ «اللبن»، وحسّنه مقبل الوادعي!

4- جعفر بن سليمان الضبعي البصري، كان متشيعاً، حجّ، وتوجه إلى اليمن سنة ثنتين وخمسين ومائة، وحدث بها حديثاً كثيراً، فَصَحِبَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ، وَأَكْثَرَ عَنْهُ، وعنه أخذ التشيع، وكان أمّيا ليس عنده كتاب، فحدّث من حفظه فوهم في حديثه، وتفرد بأحاديث لا تعرف إلا من روايته.

ونكارة الحديث جاءت من وهمه فيه، فإنه أدخل متناً في آخر، وإنما كان هذا في فطره صلى الله عليه وسلم على تمرات قبل الخروج إلى صلاة العيد، فقد روى البخاري في «صحيحه»، وغيره، عن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَغْدُو يَوْمَ الفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ»، فكأن هذا الحديث كان عند جعفر، ولما حدّث به وهم فجعله في الفطر من الصيام، والصواب أنه كان يفطر على تمرات قبل أن يخرج للعيد. والله أعلم.

5- الأحاديث في الإفطار على تمرات أو رطب ليّنة، ولا يصح في هذا الباب شيء!

وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يُفطرون على تمر أو رطب أو ماء؛ لأن ذلك كان غالب قوتهم.

6- أشهر الأحاديث في هذا الباب حديث حَفْصَة بِنْت سِيرِينَ، عَنِ الرَّبَابِ أُمّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ، فَإِنَّهُ طَهُورٌ»، ورواه عن حفصة: عاصم الأحول، وهشام بن حسّان.

7- الحديث رواه شُعْبَة، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ وهشام، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، ولم يذكر «الرَّبَاب».

8- قال سُفْيَانُ بن عُيينة في روايته: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ»، وقد تفرد بزيادة لفظة: «فإنه بركة»! ولم يروها الجماعة عن عاصم.

وكأنه زادها وهماً في مقابلة ما ذكر عن الماء «فإنه طهور» فقال في مقابل التمر «فإنه بركة»؛ لأن التمر بركة، فوهم في ذلك؛ لأن هذا الحرف ليس محفوظاً في حديث عاصم ولا غيره!

9- رواه هِشَام بن حسان، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ الرَّبَابِ الضَّبِّيَّةِ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى الْمَاءِ، فَإِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ»، موقوفاً.

وفي بعض الروايات: "قالَ هِشَامٌ: وَحَدَّثَنِي عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ: أَنَّ حَفْصَةَ رَفَعَتْهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

فرفع الحديث لَمْ يَسْمَعْهُ هِشَامٌ مِنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ عَنْهَا، فكان هشام بن حسان يرويه عن حفصة موقوفاً، لكنه سمع من عاصم الأحول أن حفصة كانت ترفعه، فكأنه رفعه بعد ذلك، وهذا يُفسر لنا ما جاء عنه من روايات مرفوعة.

ويبدو أن حفصة بنت سيرين كانت تقفه أحياناً، وترفعه أحياناً!

10- روى سَعِيد بن عَامِرٍ الضُّبَعِيّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ وَجَدَ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ؛ فَإِنَّهُ طَهُورٌ» فوهم فيه حيث سلك الجادة، ونصّ أهل العلم على توهيمه فيه، لكنهم لم يذكروا أنه حدّث به مرة فأصاب فيه، وإنما رجّحوا عليه ما رواه بعض أصحاب شعبة عنه عن عاصم الأحول، إلا النسائي فإنه صحح الإسناد الآخر: "سَعِيد بن عَامِر، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ".

11- وهم الحاكم فصحح حديث سعيد الضبعي عن شعبة عن عبدالعزيز على شرط الشيخين! والبخاري نفسه أعلّه كما نقل الترمذي عنه.

12- قال الترمذي في حديث حفصة عن الرباب عن سلمان بن عامر: "حَدِيثُ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ"، وقال في موضع آخر: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

وهذا منه ينسف الفكرة التي أتى بها بعض المعاصرين أن الترمذي يقصد بقوله في الأحاديث التي يُخرّجها في «جامعه»: «حديث حسن» أنها معلولة أو لها علّة؟!

13- حديث حفصة لم يصححه أحد قبل الترمذي! وصححه الحاكم، وحسنه الجورقاني!

14- نقل ابن حجر أن أبا حاتم الرازي صحح الحديث! وتعجب الألباني من تصحيحه له مع شدته في التصحيح! والصحيح أن أبا حاتم لم يصححه، وإنما وهم في ذلك ابن حجر!

والذي حصل أن ابن أبي حاتم سأل أباه عن الحديث وذكر رواية أخرى له فصححهما، ومن هنا نسب ابن حجر القول له بأنه يصحح الحديث!

فأبو حاتم بقوله: "جميعا صحيحين" يقارن بين الأسانيد ويصححها، لا أنه يصحح الحديث من أصله = أي متنه، فرواية حماد بن سلمة عن عاصم مرسلة ليس فيها ذكر الاتصال بين "الرباب" و"سلمان"، ورواه هشام بن حسان وغيره وفيه الاتصال بين الرباب وسلمان، ومن هنا قال بأن حماد بن سلمة قصّر في ذكر ذلك، وكلا الإسنادين صحيحين.

15- صحح الألباني حديث حفصة، ثم رجع عن ذلك وضعفه.

16- مال شعيب الأرنؤوط إلى تصحيح الحديث في تعليقه على «صحيح ابن حبان»، ثم صرّح بتضعيفه في تعليقه على «مسند أحمد»! ولم يُشر إلى هذا التراجع!

17- حديث الرَّبَابِ، عَنْ عَمِّهَا سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ في الفطر فيه أيضاً «ومَعَ الغُلَامِ عَقِيقَتُهُ فَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وأَرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الْقَرَابَةِ ثِنْتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ»، فهذه ثلاثة أحاديث كانت ترويها الرباب عن عمها في سياق واحد، وكان بعض الرواة يقتصر على بعضها.

18- عرض البخاري في «صحيحه» للجزء المتعلق بالعقيقة والاختلاف فيه على محمد بن سيرين وحفصة، واختلاف الرواة فيه ما بين الوقف والرفع. وأطال ابن حجر النفس في بيان هذه الطرق وخلص إلى أنها تقوي بعضها بعضاً، والحديث مرفوع لا يضره رواية من وقفه!

والأظهر أن البخاري رجّح الرواية الموقوفة كما هو الظاهر من سياق إيراده للاختلاف في الحديث، ولهذا قال الإسماعيلي: "لم يُخرّج البخاري في الباب حديثاً صحيحاً على شرطه".

19- أصح الروايات عن محمد بن سيرين رواية حماد بن زيد، ويَزِيد بن إِبْرَاهِيمَ التستري البصري، كلاهما عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدٍ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، موقوفا.

ورواية جَرِير بن حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ، مرفوعا، وهم فيها جرير؛ لأنه حدث في مصر وكان يهم في حديثه هناك، وهذا منها، فرفع الحديث، والمحفوظ عن أيوب الوقف.

ورواية أَبي حُذَيْفَةَ موسى بن مسعود النهدي، عن سُفْيَان الثوريّ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، مرفوعا، وهم فيها أبو حذيفة وكان يُخطئ على سفيان.

ورواية حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عن أَيُّوب، وَحَبِيب، وَيُونُس، وَقَتَادَة، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِرٍ، هذه مما كان يجمعه حماد بن سلمة بين الشيوخ، وكان لا يُحسن ذلك، فيروي الحديث بلفظ واحد ويجمع معه غيره، أو يكون الحديث وقفه واحد، ورفعه آخر، فيسوق كلا الروايتين بالرفع، وقد نبّه أهل العلم على فعله هذا وضعفوه في ذلك.

20- ذكر أهل العلم في كتب الرجال أن محمد بن سيرين وأخته حفصة رووا عن سلمان بن عامر الضبيّ بحسب بعض أسانيد الحديث، وظاهر تصرفهم إثبات صحة سماعهما منه! ولم أجد من اعترض على ذلك أو تكلّم عليه!

والصحيح أنهما لم يسمعا منه.

فحفصة قد روت الحديث عنه بواسطة الرباب كما هو المشهور فيه، وقد مرّض المزي القول برواية حفصة عنه، وجزم مغلطاي بعدم صحة ذلك لوجود الواسطة بينهما.

وقد اختلف في سنة وفاة سلمان: فقيل: قُتل يوم الجمل وهو ابن مائة سنة" = يعني مات سنة (36هـ)، وقيل: توفي في خلافة عثمان = يعني توفي في آخر خلافة عثمان أو بعدها بقليل، وابن سيرين ولد لسنتين بقيتا من خلافة عُثْمَان = يعني سنة (33هـ)، وهذا يعني أنه لم يسمع منه، وكان طفلاً لما مات سلمان، وجاء في بعض الروايات أن سلمان كان شيخاً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

وإذا كان لم يثبت سماع حفصة أخته من سلمان، وهي أكبر منه، فكيف يسمع هو منه؟

21- تعقّب ابن حجر قول من قال بأن سلمان بن عامر توفي في خلافة عثمان، فقال: "وفيه نظر! والصواب أنه تأخر إلى خلافة معاوية"!

وقوله هذا لا دليل عليه، فلا يوجد ما يدلّ أو يثبت أنه تأخر إلى خلافة معاوية! وابن حجر نفسه قال في «الإصابة» (3/118): "ووقع في رواية الدّارقطنيّ في كتابه الّذي صنّفه في «الضبّيين»: التصريح بأنه كان في حياة النبي صلّى اللَّه عليه وسلم شيخاً" = يعني كان كبيراً.

وحتى لو أنه مات في خلافة معاوية يعني قبل سنة (60هـ) فلا ندري هل سمع منه أم لا؟! فربما توفي في بداية خلافة معاوية أو بعدها بقليل، وعليه يبقى سماعه منه غير متحقق، ويكون صغيراً!

22- الراجح أن محمد بن سيرين سمع الحديث من أخته حفصة، ولما حدّث به لم يسنده عنها ولا عن أم الرباب، وإنما رواه عن سلمان مباشرة، وهذا يؤيد من وقفه، وكأنه لم يره صحيحاً مرفوعاً فلم يُسنده، والله أعلم.

23- حديث سلمان بن عامر الضبي: «أن بَنِي طُهَيَّةَ استعدت عليه عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله! إن سلمان أغار علينا...»، وفيه: «إِنَّ أَبِي كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيَفِي بِالذَّمَّةِ، وَلَمْ يُدْرِكِ الْإِسْلَامَ، فَهَلْ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ؟ قَالَ: لا، فَلَمَّا وَلَّيْتُ، قَالَ: عَلَيَّ بِالشَّيْخِ، فَقَالَ لِي: يَكُونُ ذَلِكَ فِي عَقِبِكَ، فَلَنْ يَذِلُّوا أَبَدًا، وَلَنْ يُخْزَوْا أَبَدًا، وَلَنْ يَفْتَقِرُوا أَبَدًا» حديث غريبٌ لا يصح، وإسناده فيه جهالة!

وقد رواه أَبُو عَاصِم الضحاك عن أَبي نعَامَة، عن عبدالعَزِيز بن بُشَير، عَن سلمَان بن عَامر.

ورواه زُهَيْرُ بنُ هُنَيْدٍ العَدَوِيّ، عن أبي نَعامة، عن أشياخ من قومه ونسوة من خالاته، عن سلمان بن عامر.

وأبو نَعامة عَمْرو بن عِيسَى العَدَوِيّ: صدوق، وثقه بعض أهل العلم، ومشّاه أبو حاتم، وضعّفه ابن سعد، وكان قد اختلط بأخرة.

24- عبدالعزيز بن بُشير الذي يروي عنه أبو نَعامة رَجُل مِنْ بَنِي ضَبَّةَ، فهو ضبيّ، وليس بعدويّ، وقد وهم من عده عدوياً، وكأن سبب ذلك أن الراوي عنه "أبو نعامة": "عدوي".

وجاء على الصواب: «الضبي» عند أبي داود، وما قاله المزي وغيره: «العدوي» خطأ! وقد دخل عليهم ذلك بسبب أن أبا نَعامة «عدوي» من بني عدي بن عبد مناة (= عدي الرباب) ابن أد بن طابخة، فجعلوا عبدالعزيز «عدوياَ»! وليس بصحيح، وإنما هو من بني ضَبَّةَ بن أدّ بن طابخة.

وعبدالعزيز مجهول لا يُعرف، جهله ابن المديني، ووهم ابن حبان فذكره في ثقاته!

25- عبدالعزيز لم ينسبه أحد قبل ابن المديني، فقال في «العلل»: "عبدالعزيز بن بشير بن كعب: روى عنه أبو نعامة، روى عن سليمان بن عامر: «أن بني طهية استعدت عليه»". قال: "مجهولٌ، لا نعرفه. وبشير بن كعب: معروف، عدويّ".

فابن المديني هو من نسبه؛ لأنه جاء في كل الروايات دون نسبته «ابن كعب»، وتبعه على ذلك أبو حاتم وابنه، والمزي، وابن حجر، وغيرهم، ولم يتعرض البخاري، ولا ابن حبان لنسبة عبدالعزيز عند الترجمة له، ولا كذلك أهل كتب «الأنساب».

والظاهر أن ابن المديني لم يقصد أن عبدالعزيز هو ابن بشير بن كعب العدوي المعروف، بل أراد التنبيه على أنه لا صلة له به؛ لأن بشير بن كعب معروف، وذاك مجهول.

26- روى أَبُو نَعَامَةَ العَدَوِيُّ عن خَالَته صُمَيْتَة، عن جَدها سَلْمَان بن عَامِرٍ الضَّبِّيّ، وصميتة مجهولة لا تعرف إلا في هذه الرواية، وأوردها ابن حبان في «ثقاته» كعادته في ذكر من لا يوجد فيه جرح!

27- لم يثبت أن قَتَادَةَ روى حديث العقيقة عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ سَلْمَانَ بنِ عَامِر! وقد رواه عنه: سُوَيْدٌ أَبُو حَاتِمٍ، وهو يروي عن قتادة المناكير!

28- الرَّبَاب - بفتح الراء، وتخفيف الباء الموحدة، وآخره موحدة - بنت صُلَيْع - بصاد، وعين مهملتين، مُصغر -، أم الرايح - بياء مثناة من تحت، وحاء مهملة -، الضَّبِّية البَصْرية، وهي مجهولة الحال لا تُعرف إلا في هذا الحديث، وقد تفردت بالرواية عنها حفصة بنت سيرين، ولم يرو عن سلمان بن عامر إلا هي! ولا يُعرف لها سماع منه!

وإيراد ابن حبان لها في «ثقاته» على قاعدته في عدم وجود جرح فيها.

وقد وقع اختلاف في أسانيد هذا الحديث، وأقوى طرقه ما جاء عن سلمان موقوفا، وجمع هذه المتون في حديث واحد مظنة الإرسال أو الوقف لمن تدبّر حال الرواية وعرف كيفيتها!

فهذا الحديث هو حقيقة ثلاثة أحاديث، فكيف تتفرد الرباب بها عن عمها دون غيرها في البصرة، ولا يسمع منها إلا حفصة؟!

فالحديث ضعيف، والله أعلم.

29- المشهور في البصرة والصحيح في العقيقة حديث الحَسَنِ البصري، عَنْ سَمُرَةَ بنِ جُنْدَبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ السَّابِعِ، وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ، وَيُسَمَّى».

وقد ثبت سماع الحسن له من سمرة.

فلعل أصل حديث سَلْمَان بن عَامِرٍ الضَّبِّيّ في العقيقة: «الغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ الدَّمَ، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى»، هو حديث الحسن عن سمرة، والله أعلم.

وحديث الصدقة المعروف المشهور الصحيح هو حديث زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِاللَّهِ بن مسعود - وكانت تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِاللَّهِ، وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا - فقال النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَهَا أَجْرَانِ، أَجْرُ القَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ».

وكأن حديث سلمَانَ بنِ عَامِرٍ: «صَدَقَتُكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ صَدَقَةٌ، وَعَلَى ذِي الرَّحِمِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ» مأخوذ منه، والله أعلم.

وأما حديث سلمان: «إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ»، فلا يوجد إلا من هذا الطريق، وهو يُشبه الأحاديث الموقوفة، والله أعلم.

30- رُوي عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْدَأُ إِذَا أَفْطَرَ بِالتَّمْرِ»، وهذا لا يصح من كلّ طرقه، وهي معلولة.

31- رُوي عَنْ أَنَسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لاَ يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ، وَلَوْ بِشَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ»، ولا يصح أيضاً من كل طرقه، وهي معلولة.

32- رُوي عن جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ الرُّطَبُ لَمْ يُفْطِرْ إِلَّا عَلَى الرُّطَبِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنِ الرُّطَبُ لَمْ يُفْطِرْ إِلَّا عَلَى التمر»، وهذا منكر معلول!

33- بوّب البخاري في «صحيحه»: «بَابٌ: يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ مِنَ المَاءِ، أَوْ غَيْرِهِ»، ثم ساق حديث عَبْدَاللَّهِ بنَ أَبِي أَوْفَى - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صَائِمٌ، فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ؟ قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا، قَالَ: «انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا»، فَنَزَلَ فَجَدَحَ ثُمَّ قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ»، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ المَشْرِقِ.

فإفطاره صلى الله عليه وسلم على السويق، وهو ما خلط بالماء وغيره فيه دليل على أنه يجوز الإفطار بكلّ ما يتيسر؛ لأنه لم يفطر على الماء وحده أو على اللبن وحده أو على التمر أو الرطب وحده.

لكن العلماء استحبوا ذلك للأحاديث الأخرى في هذا الباب كحديث أنس، وحديث سلمان، لكن لما تبيّن لنا ضعف هذه الأحاديث، وأن الأمر على السعة والتيسير، فكأن الإمام البخاري أراد بهذه الترجمة والحديث الذي أورده تحتها الإشارة إلى تضعيف كلّ أحاديث الباب في هذه المسألة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

وكتب: د. خالد الحايك.

1 مُحرّم 1442هـ.

شاركنا تعليقك