الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (26). قولُ عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ: «قَدْ كَتَبْتُ كُتُبَ عَبْدِالوَارِثِ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِالصَّمَدِ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ أَكْتُبَهَا عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ».

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (26).

قولُ عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ: «قَدْ كَتَبْتُ كُتُبَ عَبْدِالوَارِثِ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِالصَّمَدِ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ أَكْتُبَهَا عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ».

 

عبدالوارث بن سَعِيد بن ذكوان التميمي العنبري، مولاهم، التنوري، أبو عُبَيدة البَصْرِيّ (ت180هـ).

كان ثقة، حافظاً، متقناً، إلا أنه كان قدرياً. وروى عنه جماعة، منهم: ابنه عبدالصمد، وأبو مَعمر المُقعد.

وأَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ هو الإِمَامُ، الحَافِظُ، المُجَوِّدُ عَبْدُاللهِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي الحَجَّاجِ المِنْقَرِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ.

وحَدَّثَ عَنْ عَبْدِالوَارِثِ فَأَكْثَرَ وَجَوَّدَ كما يصفه الإمام الذهبي. وقال فيه: "وهو راوية كتبه". وقال: "وَلَيْسَ هُوَ بِالمُكْثِرِ، لَكِنَّهُ مُتْقِنٌ لِعِلْمِهِ، وَكَانَ عَدْلاً، ضَابِطاً، إِلاَّ أَنَّهُ قَدَرِيٌّ، مِنْ غِلْمَانِ عَبْدِالوَارِثِ فِي ذَلِكَ".

وقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: "كَانَ ثِقَةً، ثَبْتاً، صَحِيْحَ الكِتَابِ، وكَانَ يَقُوْلُ بِالقَدَرِ، وَكَانَ غَالباً عَلَى عَبْدِالوَارِثِ".

وأما عَبْدُالصَّمَدِ بنُ عَبْدِالوَارِثِ بنِ سَعِيْدِ بنِ ذَكْوَانَ التَّمِيْمِيُّ مُحدّث البصرة، فهو إمام، حافظ، ثقة.

حَدَّثَ عَنْ أَبِيْهِ بِتَصَانِيْفِهِ.

قال أبو حاتم: "صدوق صالح الحديث".

وقال الحاكم: "ثقة مأمون".

وقال ابن قانع: "ثقة يخطئ".

ونقل ابن خلفون توثيقه عن ابن نُمير.

وقال علي بن المديني: "عبدالصمد ثبت في شعبة".

قلت: أبو مَعمر وعبدالصمد رويا كتب عبدالوارث، لكن الأئمة قدّموا حديث أبي معمر في عبدالوارث على حديث عبدالصمد في أبيه!

وقَالَ أَبُو دَاوُدَ: بَلَغَنِي عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: "أَبُو مَعْمَرٍ فِي عَبْدِالوَارِثِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ عَبْدِالوَارِثِ فِي رِجَالِهِ".

وقال أبو عُبيد الآجري في «سؤالاته لأبي داود»: سمعت أبا دَاوُد يَقُول: "أَبُو مَعْمَر أثبت من عَبْدالصمد مرارًا".

وقال: سمعتُ أَبا داود يقول: "كان عبدالصمد بن عبدالوارث يحتمل التلقين".

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: "قَدْ كَتَبْتُ كُتُبَ عَبْدِالوَارِثِ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِالصَّمَدِ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ أَكْتُبَهَا عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ".

قال الذهبي في «السير» (10/623) معلقاً على قول ابن المديني: "قُلْتُ: يَقُوْلُ عَلِيٌّ مِثْلَ هَذَا القَوْلِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ لَقِيَ أَيْضاً عَبْدَالوَارِثِ، وَسَمِعَ مِنْهُ جُمْلَةَ أَحَادِيْثَ".

قلت: رحم الله الإمام الذهبي، فقول عليّ هذا؛ لأنه كان يرى أن في كتب عبدالوارث التي كتبها عن عبدالصمد بعض الأوهام! بخلاف المشهور عن أبيه! فاشتهى أن يكتبها عن أبي معمر لثقة كتابه عن عبدالوارث، ولهذا كان يقدّم أبو مَعمر على عبدالصمد.

وكذا قدّمه يحيى بن معين.

قال ابن مُحرِز: سمعتُ يحيى بن مَعين، وسُئل عن أَبي مَعمَر، فقال: "صاحب عبدالوارث، كان لا بأس به، ثَبتٌ، صحيحُ الكتاب، كان أثبت من عبدالصَّمَد، وقد كتبتُ عن عبدالصَّمَد، ولكن لا أحكي".

وقال أيضاً: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ يَقُولُ: "لَيْسَ الْحَافِظ عندنا إلا من كَانَ في كتابه: «حَدَّثَنَا»، فيَقُولُ: «حَدَّثَنَا»، فإِذَا لَمْ يَكُنْ في كتابه: «حَدَّثَنَا»، وقَالَ: «حَدَّثَنَا»، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ".

ثم قال: سَمِعْتُ يَحْيَى بن مَعِيْنٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عبدالصَّمَد بن عبدالوَارِث يَقُولُ في كتبه كلها: «حَدَّثَنَا»، ولَمْ يَكُنْ في أصل كتابه: «حَدَّثَنَا»، رَأَيْت كتابه فلَمْ يَكُنْ فيه: «حَدَّثَنَا»، وكَانَ هو يقرأ، وكَانَ والله ثِقَةً".

قلت: مع أن ابن معين أسقط من يقول «حدثنا» وليس في كتابه «حدثنا»، وكان عبدالصمد يفعل ذلك، إلا أنه لم يستطع إسقاطه، وصاح بثقته.

فعبد الصمد ثقة، إلا أنه كان يُخطئ في بعض الأحاديث على أبيه من كتابه، ولهذا اشتهى ابن المديني لو يكتب كتب عبدالوارث عن أبي معمر؛ لأنه متقن فيه، وليكشف الأحاديث التي وهم فيها عبدالصمد على أبيه.

قال يحيى بن معين [كما في رواية ابن مُحرز عنه (ص: 402) (1660)]: سَمِعْتُ عَلِيَّ بن المَدِيْنِيَّ يذكر عن عبدالصَّمَد - يَعْنِي: ابن عبدالوَارِث -، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن أَبِي كَثِيْر، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَة بن عبدالرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسر بن سَعِيْد، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْد بن خَالِد، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا»، و«مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا».

قلت: فهذه إشارة من إمامين من أئمة العلل إلى أن الحديث عند عبدالصمد في تجهيز الغازي عن أبيه، إلا أنه كان يزيد فيه: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا»!!!

فهما يُنبهان على أن هذا الحديث لا يُروى بهذا الإسناد! وكان عبدالصمد يهم في ذلك!

فحديث تفطير الصائم رواه يَزِيد بن هارون، عن حُسَيْن المعلّم، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ».

فهو معروف من رواية حسين المعلم بهذا الإسناد، والظاهر أن عبدالصمد لما كتب حديث تجهيز الغازي عن أبيه، عن حسين المعلم، يُحتمل أن حديث تفطير الصائم كان أيضاً موجوداً عند أبيه، فأدخلهما بالإسناد نفسه في حديث واحد! لأن حديث تفطير الصائم فيه ما يتعلق بتجهيز الغازي أيضاً وإن اختلف عن حديثنا هذا في مسألة الأجر، ولفظه: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْءٌ، وَمَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ إِلَّا أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْغَازِي شَيْءٌ».

وإشارة ابن المديني تدل على أنه وقف عليه عند عبدالصمد لا أن عبدالصمد حدّث به، فهو أخذ ذلك من كتابه عن أبيه؛ فأراد التنبيه عليه، ولهذا نقل ابن معين عنه أنه ذكر عن عبدالصمد، فذكر ابن معين ذلك لتلاميذه لما كان يتكلم على النقد والعلل مُنبهاً على ذلك أيضاً.

وحديث تجهيز الغازي رواه البخاري في «صحيحه» (4/27) (2843) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَارِثِ، قال: حَدَّثَنَا الحُسَيْنُ، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ خَالِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا».

وحديث تجهيز الغازي ليس فيه ما يتعلق بتفطير الصائم من حديث عبدالوارث عن حسين المعلم، وأبو معمر من أوثق الناس في عبدالوارث، وهو صاحبه، ولم يذكر ذلك.

وقد توبع عبدالوارث على حديثه دون ذكر ما يتعلق بتفطير الصائم.

وقد رواه يزيد بن زُريع، ورَوح بن عبادة، عن حُسَيْن المُعَلِّم، به دونها أيضاً.

ويرويه أيضاً بُكَيْر بْن الْأَشَجِّ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَهُ فِي أَهْلِهِ بِخَيْرٍ، فَقَدْ غَزَا».

وحديث حسين المعلم عن عطاء عن عائشة في تفطير الصائم رواه أيضاً جماعة عن عطاء بن أبي رباح عن زيد بن خالد، وهو منقطع؛ لأن عطاءاً لم يسمع من زيد. وقد فصّلت ذلك في موضع آخر.

·       من أوهام عبدالصمد عن أبيه! وترجيح رواية أبي مَعمر عليه! وتصحيح بعض المعاصرين للرواية المعلولة!

وروى أحمد في «مسنده»، «مسند عبدالله بن عمر» (10/190) (5983).

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده»، «مسند ابن عمر» (10/131) (5758) عن أَبي خَيْثَمَةَ زهير بن حرب.

وأبو داود في «سننه» (7/397) (5058)، والنسائي في «سننه الكبرى» (7/138) (7647) كلاهما عن عليّ بن مسلمٍ الطوسيّ.

والنسائي في «سننه الكبرى» (9/294) (10566) عن عَمْرو بن يَزِيدَ الجرميّ.

وابن حبان في «صحيحه» (12/349) (5538) عن الحَسَن بن سُفْيَانَ، عن مَحْمُود بن غَيْلَانَ.

والبيهقي في «الدعوات الكبير» (1/513) (398) عن أَبي زَكَرِيَّا بن أَبِي إِسْحَاقَ المُزَكِّي، عن أَبي الحُسَيْنِ أَحْمَد بْن عُثْمَانَ بْنِ يَحْيَى الْأَدَمِيّ، عن أَبي قِلَابَةَ الرَّقَاشِيّ عَبْدالمَلِكِ بن مُحَمَّدٍ.

كلهم (أحمد، وأبو خيثمة، وعليّ بن مسلم، وعمرو بن يزيد، ومحمود بن غيلان، وأبو قِلابة الرقاشي) عن عَبْدِالصَّمَدِ بْنِ عَبْدِالْوَارِثِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ - هو: المعلّم-، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا ثَوَى مَضْجَعَهُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَلَيَّ وَأَفْضَلَ، وَالَّذِي أَعْطَانِي وَأَجْزَلَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَلِيكِ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَهِ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَكَ كُلُّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ».

وصححه الألباني في «صحيح سنن أبي داود» (4229).

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على «مسند أحمد» (10/191)، وفي تعليقه على «صحيح ابن حبان» (12/349): "إسناده صحيح على شرط الشيخين".

وقال في تعليقه على «سنن أبي داود» (7/397): "إسناده صحيح".

وأورده مقبل الوادعي في «الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين» (1/584) (730)!

قلت: كذا صححوه، وهو معلول! ولا مدخل لابن عمر فيه!

فقد رواه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ص: 313) (964) قال: حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الْقُلُوسِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَارِثِ، قال: حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَأَوَانِي، وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَمَنَّ عَلَيَّ فَأَفْضَلَ، وَأَعْطَانِي فَأَجْزَلَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ».

قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَرَائِطِيُّ: فَقَالَ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ العَنَزِيُّ: كُنْتُ حدّثت بِهِ مَرَّةً، فَقُلْتُ: «ابْنَ عُمَرَ»، فَقَالَ: "ذَاكَ خَطَأٌ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَقَالَ: اجْعَلْهُ ابْنَ عِمْرَانَ".

قال الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف» (5/443) - بعد أن أورد رواية الخرائطي -: "قلت: وابن عمران ما عرفته، وهذا علة قادحة، فإنّ أبا معمر أثبت من عبدالصمد، وعبدالصمد أقدم سماعاً من أبيه من أبي معمر. وقد أخرجه أبو عوانة في «صحيحه» من طريق عبدالصمد، وهو من زياداته على «مسلم»".

وقال في «نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار» (3/67): "هذا حديث حسن"، ثم قال: "وفي الحكم بصحته نظر؛ لأن أبا معمر عبدالله بن عمرو رواه عن عبدالوارث بهذا السند. أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق، عن يعقوب بن إسحاق، عن أبي معمر، فوقع في روايته حدثني ابن عمران، فقيل له: كنت حدثت به مرة فقلت: ابن عمر، فقال: هذا خطأ، وأنكر ذلك، وقال: اجعله ابن عمران. وأبو معمر من شيوخ البخاري. وهذا الكلام يتوقف معه في وصل الحديث، فإن ابن عمران لا صحبة له".

وقد رواه الخطيب في «الكفاية في علم الرواية»، بَاب فِيمَنْ خَالَفَهُ أَحْفَظُ مِنْهُ، فَحَكَى خِلَافَهُ لَهُ فِي رِوَايَتِهِ، (ص: 225) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ عَبْدُالوَاحِدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْبَزَّازُ، وَأَبُو الْفَتْحِ هِلَالُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ الْحَفَّارُ، قَالَا: أخبرنا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، قال: حدثنا عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قال: حدثنا أَبُو مَعْمَرٍ، قال: حدثنا عَبْدُالْوَارِثِ، قال: حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ.

قَالَ أَبُو مَعْمَرٍ: "وَعَبْدُالصَّمَدِ بْنُ عَبْدِالْوَارِثِ يَقُولُ فِي هَذَا: حَدَّثَنِي ابن عُمَرَ، وَأَنَا أَقُولُ فِي هَذَا: حَدَّثَنِي أَبُو عِمْرَانَ".

فها هو أبو معمر نفسه يُنبه على خطأ عبدالصمد فيه على أبيه!

وجاء هنا: «أبو عمران»، وجاء في بعض الروايات: «ابن عمران». والصحيح: «ابن عمران».

وقد رجعت للمخطوطة التي اعتمدها د. ماهر الفحل في تحقيق كتاب الخطيب، وفيها «أبو»، لكن الظاهر أن الصواب «ابن» لا «أبو» والرسم واحد، والتحريف واضح. وفي المخطوط: «وعبدالصمد... حدثني أبو عمر وأنا أقول...»! وأثبته المحقق كذلك! وهو خطأ، وإنما هو «ابن عمر» لا «أبو عمر» وهذا يدل على أن التحريف في هذه النسخة واضح من «ابن» إلى «أبو»!

وذكر الدكتور الفحل في تخريج الرواية (ص477) أن الخرائطي أخرجه في «مكارم الأخلاق» (536) عن أبي عمران، به! وأخطأ في ذلك! فالرواية عند الخرائطي: "عن ابن عمران" كما سبق بيانها.

وكأنه كان في كتاب عبدالصمد عن أبيه: «عن ابن عمر  ان» فجعل الحديث «عن ابن عمر عن»، والصواب: «عن ابن عمران»، وهذا يؤكد حرص ابن المديني على كتابة حديث عبدالوارث من كتب أبي معمر.

وقال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (5/366) (2049): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ عبدالصمد بن عبدالوارث، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّم، عَنِ ابْنِ بُرَيْدة؛ قَالَ: حَدَّثَنِي ابن عمر، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إِذَا دَخَلَ مَضْجَعَه: «الحَمْدُ للهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوانِي...»، وَذَكَرَ الحديثَ.

وَرَوَاهُ أَبُو مَعْمَر المِنْقَري، عن عبدالوارث، عَنْ حُسَيْنٍ المُعَلِّم، عَنِ ابْنِ بُرَيْدة؛ قَالَ: حدَّثني ابنُ عِمْرَانَ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم.

قلتُ لأَبِي: أيُّهما أصحُّ؟

قَالَ: حَدِيثُ أَبِي مَعْمَر أشبهُ.

قلتُ لأَبِي: ابنُ عمران من هو؟

قَالَ: لا أدري.

قلتُ: فابنُ بُرَيْدة أدركَ ابنَ عُمَرَ؟

قَالَ: أَدركَهُ، ولم يَبِنْ سماعُهُ منه.

قلت: فها هو أبو حاتم رجّح رواية أبي معمر عن عبدالوارث على رواية عبدالصمد عن أبيه عبدالوارث.

وهذا يؤيد ما ذكرته آنفاً من أن علي بن المديني كان يرى أن في كتب عبدالصمد عن أبيه بعض الأوهام، ولهذا كان يتمنى أن يكتب حديث عبدالوارث عن أبي معمر.

·       خلاصة وفوائد:

1- أَبُو مَعْمَرٍ المُقْعَدُ عَبْدُاللهِ بنُ عَمْرِو بنِ أَبِي الحَجَّاجِ المِنْقَرِيُّ مَوْلاَهُمْ، البَصْرِيُّ من حفاظ البصرة، ومن أثبت الناس في حديث عبدالوارث بن سعيد العنبري.

وقدّمه أئمة العلل على عبدالصمد بن عبدالوارث في أبيه.

2- عبدالصمد بن عبدالوارث محدث البصرة من الثقات إلا أنه كان يُخطئ أحياناً.

3- قول عَلِيّ بن المَدِيْنِيِّ: "قَدْ كَتَبْتُ كُتُبَ عَبْدِالوَارِثِ عَنْ وَلَدِهِ عَبْدِالصَّمَدِ، وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ أَكْتُبَهَا عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ" = يعني أنه كان يرى أن في كتب عبدالوارث التي كتبها عن عبدالصمد بعض الأوهام! بخلاف المشهور عن أبيه! فاشتهى أن يكتبها عن أبي معمر لثقة كتابه عن عبدالوارث، ولهذا كان يقدّم أبو مَعمر على عبدالصمد.

4- من الأوهام التي نبّه إليها ابن المديني لعبدالصمد ما قاله ابن معين: سَمِعْتُ عَلِيَّ بن المَدِيْنِيَّ يذكر عن عبدالصَّمَد - يَعْنِي: ابن عبدالوَارِث -، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عن الحُسَيْن، قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بن أَبِي كَثِيْر، قَالَ: حَدَّثَنِي أبو سَلَمَة بن عبدالرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنِي بُسر بن سَعِيْد، قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْد بن خَالِد، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا»، و«مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا».

فهذه إشارة منه أن الحديث عند عبدالصمد في تجهيز الغازي عن أبيه، إلا أنه كان يزيد فيه: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا»!! والحديث يرويه أبو معمر عن عبدالوارث دون هذه الزيادة!

وهذه الزيادة يرويها حسين المعلم عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة، من قولها، فربما كان هذا الحديث عند عبدالوارث عن حسين المعلم، فوهم عبدالصمد في إدخاله في حديث تجهيز الغازي!

5- ذكر ابن معين هذا عن ابن المديني يدلّ على تعليل هذه الزيادة؛ لأنهم كانوا يتذاكرون العلل ويوردوها في كتبهم.

6- لم يثبت أن عبدالصمد حدّث بهذا الحديث، لكن إشارة ابن المديني له لأنه رآه في كتابه عن أبيه؛ وكأنه رأى فيه أخطاءً أخرى، ولهذا كان يشتهي أن يكتب كتب عبدالوارث من أبي معمر لإتقانه في عبدالوارث.

7- روى عَبْدالصَّمَدِ بن عَبْدِالوَارِثِ، عن أَبِيه، عن حُسَيْن المعلّم، عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابنُ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا ثَوَى مَضْجَعَهُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَفَانِي وَآوَانِي وَأَطْعَمَنِي وَسَقَانِي، وَالَّذِي مَنَّ عَلَيَّ وَأَفْضَلَ، وَالَّذِي أَعْطَانِي وَأَجْزَلَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، الْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ كُلِّ شَيْءٍ، وَمَلِيكِ كُلِّ شَيْءٍ، وَإِلَهِ كُلِّ شَيْءٍ، وَلَكَ كُلُّ شَيْءٍ، أَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ».

وهذا الحديث جعله بعض المصنفين في «مسند ابن عمر»، وقد صححه بعضهم لظاهر الإسناد! وهو معلول كما بينه أبو معمر المقعد.

فرواه أَبُو مَعْمَرٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَارِثِ، قال: حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ عِمْرَانَ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَوَّأَ مَضْجَعَهُ...».

وقد نصّ أبو معمر على أن عبدالصمد كان يخالفه فيه ويُخطئ!

8- الحديث أعلّه أبو حاتم، وابن حجر بعدم معرفة "ابن عمران" هذا! فهو مجهول لا يُعرف إلا في هذه الرواية.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك.

13 رمضان 1441هـ.

شاركنا تعليقك