الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

بيان ضعف رأي «د. بشار عواد معروف» في أنّ مُخرِّج المَشيخة يعتمد على ثَبَت المُخرَّج له!

بيان ضعف رأي «د. بشار عواد معروف» في أنّ مُخرِّج المَشيخة يعتمد على ثَبَت المُخرَّج له!

 

قال بشار معروف في مقدمة تحقيقه لكتاب «معجم الشيوخ لتاج الدين السبكي» (ت771هـ) - تخريج الحافظ شمس الدين أبي عبدالله بن سعد الصالحي الحنبلي (ت759هـ) تحت عنوان «معنى التخريج» (ص6-7):

"وقد يظن البعض أن عمل «المُخرِّج» هو تخريج الأحاديث والأخبار، فتكون صياغة الترجمة لصاحب المشيخة و«التخريج» للمخرِّج، ولكن يُعكر على هذا عدم وجود ما يُخَرَّج في بعض التراجم، فماذا يكون عمل «المُخرِّج» عندئذ؟

وقبل بضع سنوات قدح في ذهني أن «المُخرِّج» كان يستقي المعلومات من «ثَبَت» صاحب «المعجم» أو «المشيخة» ثم يعيد صياغتها بأسلوبه على لسان المُخرَّج له، ولم يكن عندي يومئذ من دليل ملموس سوى خبرتي في هذا الشأن. ثم هيأ الله ووقفت على نص يؤيد ما ذهبتُ إليه، فقد قال الذهبي في ترجمة منصور بن محمد الصاعدي النيسابوري المتوفى سنة 552هـ: «وقال عبدالرحيم ابن السمعاني في «معجمه» وهو كلام أبيه على لسان عبدالرحيم: كان إماماً، فاضلاً، عالماً، مهيباً، وقوراً، قصير اليد عن أموال الناس، غير أنه كان شديد الميل إلى مذهب أهل العدل، يعني المعتزلة، قرأ والدي عليه جزءاً ضخماً بجَهْدٍ، وسمعت منه الأول من «تاريخ نيسابور» للحاكم بروايته عن موسى بن عمران عنه. توفي في ربيع الآخر».

ونحن نعلم يقيناً بأن أبا سعد عبدالكريم محمد السمعاني صاحب كتاب «الأنساب» المتوفى سنة 562هـ قد خرّج لابنه أبي المظفر عبدالرحيم معجماً لشيوخه، قال الذهبي في ترجمة عبدالرحيم هذا من وفيات سنة 617هـ: «وخرَّج له أبوه معجماً في ثمانية عشر جزءاً»، ثم تأمل قول أبي سعد على لسان ابنه عبدالرحيم كيف يقول: «قرأ والدي عليه جزءاً... إلخ».

فهذا من أقوى دليل على ما ذهبتُ إليه، وقد حَدّثت به بعض تلامذتي فذكره بعضهم قبل مدة منسوباً إليَّ". انتهى.

قلت:

ما ذكره د. بشار ليس بصحيح! فإذا كان عند الذي تُخرَّج له المشيخة ثَبَت أو مشيخة فما الداعي لأن يأتي المخرِّج فيعيد صياغتها بأسلوبه على لسان المُخرَّج له كما ادّعى د. بشار؟!

والدليل الذي أتى به من عند الذهبي وأيّد به رأيه هذا فيما فعله السمعاني عندما خرّج مشيخة لابنه هو حقيقة دليل ضدّه لا معه!

فالكلام في «معجم السمعاني» كلام السمعاني وبشار نفسه قال ذلك وأنه على لسان ابنه، فإذن أين المشيخة أو الثبت الذي اعتمده السمعاني ليعمل هذا المعجم لابنه؟

أبو المظفر أحضره والده عند الشيوخ وهو صغير، وهو لا يعلم عن هؤلاء الذين ترجم لهم أبوه في معجمه شيئاً، فكيف يكون هذا دليلاً على ما ذهب إليه من رأي فاسد؟!

فالقضية أن السمعاني أراد أن يُعرِّف بهؤلاء المحدّثين؛ لأن ابنه لا يعرفهم، فإذا كبُر فمن أين له تراجمهم؟ فأراد والده أن يكون ابنه على علم بهؤلاء الذين استجاز له منهم.

فلا دليل في هذا على تأييد الفكرة التي في رأس بشار!

والتخريج هنا بمعنى الإظهار والانتقاء، ولهذا يقولون: "مشيخة فلان - تخريج فلان"، فالمخرِّج يأتي إلى كتب وأجزاء الشيخ التي سمعها من شيوخه، فيظهر هؤلاء الشيوخ في هذه المشيخة، وينتقي حديثاً لكل واحد، ويحرص في الغالب على انتقاء الأحاديث التي في الصحيحين، وأحيانا يُعلّق ببعض الفوائد، ثم يذكر المخرّج ولادة ووفاة الشيخ ونحو ذلك من الاختصار.

ويعتمد المُخرِّج أيضاً على طِباق السماعات في الكتب والأجزاء المشهورة التي كان يحرص أهل العلم أن يُسمعوا أولادهم لها وهم صغار، ويُسجلون أسماءهم فيها.

وأما الشبهة التي ساقها بشار وهي: "عدم وجود ما يُخَرَّج في بعض التراجم، فماذا يكون عمل «المُخرِّج» عندئذ"! فهي شبهة واهية؛ لأنه يقول هنا: "في بعض التراجم" وهذا يدل على القلة والنُدرة في الغالب، وهذا يؤكد ما قلناه بأن المخرِّج يعتمد على طباق السماعات، ولو كان يعتمد على ثَبَت عند الشيخ المخرَّج له لوجد عنده أحاديث لتلك التراجم فيما سمعه من كتب وأجزاء.

وقد تكون بعض الأجزاء ضاعت وما بقي منها إلا طباق السماع، وعلى ذلك نحمل عدم وجود روايات لذلك الشيخ في الترجمة، أو قد يذكر الشيخ أنه سمع على فلان كتاب كذا أو جزء كذا لكنه مفقود، والله أعلم.

ولو كان هناك «ثَبَت» لصاحب المشيخة فعلى الأقل لوجدنا له ذكراً في مصنفاته سيما لهؤلاء العلماء الكبار كالتاج السبكي، كثبت الحافظ الضياء المقدسي الذي ذكر فيه الضياء مسموعاته من الكتب والأجزاء على الشيوخ.

ولو كان عند التاج «ثَبَت» لما نبّه المُخرِّج على أنه قد يكون فاته بعض الشيوخ لأن شيوخه بالسماع والإجازة في القاهرة ودمشق كثيرة.

والملاحظ أن «المُخرِّج» وهو ابن سعد الحنبلي (703 - 759هـ) وهو أكبر من صاحب المشيخة التاج السبكي (727 - 771هـ)! وهذا يعني أن ابن سعد توفي وعمر المخرَّج له (32 سنة).

وقد قال د. بشار معروف في ترجمة ابن سعد (ص15) أنه بدأ بطلب العلم سنة (721هـ) أي وعمره (18) سنة. وقال بأنه دار على الشيوخ وسمع منهم، وممن ذكر أنه سمع منهم: تاج الدين السبكي صاحب المشيخة.

وهذا غريب جداً أن يكون مثل ابن سعد وهو يطلب العلم ونحن نعرّف بطلبه للعلم أنه يسمع من إنسان لم يولد بعد وهو التاج السبكي!

والأولى أن يقول بأنه سمع من التاج وهو كبير، لا أن يذكره وهو يتحدث عن طلبه الأولي للعلم.

والظاهر أن عمر التاج السبكي يوم خرج له ابن سعد هذه المشيخة كان نحو (30) سنة؛ لأنه انتهى منها سنة (757هـ) وقرأها على التاج وأفاده ببعض الإفادات كما قال المحقق بشار مما هو موجود في تعليقات على النسخة.

ومما قاله المحقق أن المخرِّج اعتمد على كتاب التاج السبكي «طبقات الشافعية الكبرى»! لكن لا يوجد دليل على أن السبكي كان قد انتهى منها وهو في ذلك العمر؟!!

نعم جاء في المشيخة في ترجمة الإمام الذهبي (ص345) جزءٌ من كلام السبكي الذي ذكره في ترجمته من الطبقات، لكن هذا لا يعني أن السبكي كان قد انتهى من كتابه بدليل أنه ذكر في ترجمته أشياء لم يذكرها المخرِّج في المشيخة، فلعلها مما أملاه السبكي على المخرِّج لما قرأها عليه.

فالشيخ كما ذكر المحقق كان محباً لتخريج المشيخات للعلماء، فخرّج هذه المشيخة للتاج السبكي وهو لا يزال شاباً، واعتمد على سماعاته في الأثبات وغير ذلك.

وهو نفسه قال في مقدمة مشيخته (ص26): "وذكرت ترجمة الشيخ وبعض شيوخه ومولده ووفاته وبعض مسموعاته عليه حسب ما تيسر من ذلك، فإن شيوخه بالسماع والإجازة في القاهرة ودمشق كثيرة، ولم يمكن الاطلاع على أكثر من ذلك، فإن وُجِد بعد تخريج هذه المشيخة شيء من شيوخ السماع أو من عوالي شيوخ الإجازة خُرِّج عنهم في جزء مُفرد وجُعل كالذيل على المشيخة".

فها هو المخرِّج يُنبه إلى أنه ربما يكون هناك شيوخ سمع منهم التاج السبكي ولم يقف عليه لإدخاله في هذه المشيخة، فإن وقف عليه أحد فتجعل في جزء مفرد كالذيل على هذه المشيخة، وهذا يعني أنه لم يكن يعتمد ثبتاً عند الشيخ كما ذهب إليه بشار معروف!

فالشيخ قد اجتهد في تتبع سماعات التاج من الشيوخ، وترجم لهم، وخرّج لبعضهم في هذه المشيخة.

وهو كما نقل بشار في ترجمته عن أهل العلم كان متخصصاً في تخريج المشيخات لمعرفته الجيدة بالأجزاء والطباق وشيوخ الرواية.

قال ابن رافع في «الوفيات»: "وَكتب الطباق وقرأ بِنَفسِهِ، وَخرج المشيخات والمتباينات، وَأكْثر من الشُّيُوخ والمسموعات، وَكتب بِخَطِّهِ كثيراً".

وقال ابن حجر في «الدرر الكامنة»: "وخطه مليح قوي إِلَى الغَايَة، وَكَانَ جيد الْمعرفَة بالأجزاء والطباق وشيوخ الرِّوَايَة".

ولا أستبعد أن يكون أحد أشار عليه أن يجمع هذه المشيخة للتاج السبكي أو التاج نفسه طلب ذلك؛ لأنه كان في سن الثلاثين منشغلاً بالقضاء حيث كان ينوب عن والده، ولم يكن متفرغاً للتصنيف، والله أعلم.

وكتب: د. خالد الحايك.

شاركنا تعليقك