الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

دعوى اتفاق نُقّاد الحديث على تصحيح أو تضعيف بعض الأحاديث!

دعوى اتفاق نُقّاد الحديث على تصحيح أو تضعيف بعض الأحاديث!

 

سُئلت عن هذه القاعدة التي كتبها بعضهم:

"إذا اتفق نقاد الحديث على تصحيحٍ أو تضعيفٍ فلا سبيل إلى قبول أي كلامٍ مخالف لكلامهم، وإذا اختلفوا كان غيرهم في سعة، ووسِعَة أن يختار من أقوالهم أوثقها في نفسه"؟!

ما مدى صحتها؟

 

فأجبت بعد التوكل على الله:

هذه قاعدة غير مستقيمة، وأحسب أن قائلها لا يعرف النقد ولا مناهج النقاد!

فأولاً يجب أن نفكك هذه العبارة أو القاعدة المنهجية - على زعم قائلها- ليتبين أنه مقلد لغيره فيها، وأنه لم يعرف النقد ولا الحديث.

قال: "إذا اتفق نقاد الحديث"...

فعندنا هنا اتفاق أي توافقوا على تصحيح حديث أو تضعيفه...

وهذا الاتفاق من "النقاد" = أي جمع ناقد...

فعندنا هنا أكثر من ناقد، فقد يكون الاتفاق من اثنين فأكثر على أقل الجمع..

لكن من هم هؤلاء النقاد؟ وما المراد بـ (الـ) هنا؟! أهي للعهد الذهني مثلا..؟! فهذا مما وقع بين الناس اختلاف كبير في تحريره.

ثم متى اجتمعوا على هذا الاتفاق؟ وكيف كان هذا الاتفاق؟ وهل اطلعوا على كل الأحاديث واتفقوا على أنها صحيحة أو ضعيفة؟

وهل هناك منهج لكل واحد منهم؟ وما هي الأسس التي انطلقوا منها في هذا الاتفاق؟!

فمن المعلوم أن نقّاد الحديث كانوا في عصر الحديث الذهبي وهو ما بعد منتصف القرن الثاني الهجري حتى منتصف أو القرن الرابع الهجري تقريباً، فظهر: شعبة بن الحجاج، وابن معين، ويحيى القطان، وعبدالرحمن بن مهدي، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبو حاتم، وأبو زرعة، وأبو داود، ومسلم، والنسائي، والترمذي، وختموا بالدارقطني رحمهم الله جميعاً.

وغالب هؤلاء النقاد إنما تكلموا في الرّجال لا في التصحيح والتضعيف، على اختلاف بينهم في كثير من الرواة ما بين توثيق وتجريح وتوسط في ذلك، واتفاق في بعض الرواة أيضاً.

والقاعدة التي سماها صاحبها بالقاعدة المنهجية تنقسم لقسمين:

الأول: فيما اتفقوا عليه في التصحيح والتضعيف بحسب قوله.

الثاني: فيما اختلفوا فيه، وهنا يختار المشتغل بالحديث أحد هذه الاختلافات التي يرتاح لها قلبه!

وحصره هذه القاعدة بهذين القسمين إلغاء لعمل النقد لمن جاء بعدهم تماما! فإما أن توافق على الاتفاق المزعوم، أو تختار بين ما اختلفوا فيه! وعليه فلنغلق كتب الحديث وجامعاته ورسائله ولنبحث فقط عن آرائهم وانتهى العلم!

وهنا سؤال:

تلك الأحاديث الكثيرة المتكاثرة التي لا نجد فيها اتفاقا أو كلاما في تصحيحها أو تضعيفها ماذا نفعل بها؟

وكيف نتعامل معها؟

ونرجع إلى التقسيم القائم على غير أساس...

كم هي الأحاديث التي اتفق على تصحيحها النقاد؟ وكيف تم الاتفاق بينهم؟

وما هي الأحاديث التي اتفقوا على ضعفها؟ وكيف تم الاتفاق على ضعفها؟

من تعمق في علم النقد والعلل يجد أنه لا يوجد ثمة اتفاق بين كل النقاد على تصحيح حديث أو تضعيفه فيما نعلم!

نعم، نجد منهم من صحح حديثاً ما، وغيره ضعفه؟ فنجد أحمد يضعف حديثاً يصححه البخاري؟ ونجد البخاري يضعف حديثاً يصححه مسلم، وهكذا؟

ونجد أبا حاتم وأبا زرعة يتفقان على تضعيف بعض الأحاديث لوجود ملكة النقد عندهم التي تقتضي الاتفاق على تضعيف هؤلاء الرواة الذي رووا هذه الأحاديث التي اتفقوا على تضعيفها وطريقة تعليل الأحاديث.

فتطبيق هذه القاعدة على هؤلاء دونها خرط القتاد! لكن هذه القاعدة ظهرت قبل أن يذكرها هذا القائل وقد نشأت لارتباطها بمسألة أن الأمة تلقت صحيحي البخاري ومسلم بالقبول! فجعلوا ما فيهما اتفاقاً من أهل النقد على صحة ما فيها، ولا يجوز الخوض فيهما!

وعليه أقول:

ما المقصود من تلقي الأمة لهما بالقبول؟ العوام أو أهل العلم؟

فالأرجح أن المقصود أهل العلم، لكن هذا الاتفاق كيف حصل؟ ومتى حصل؟

قد نظر بعض الأئمة النقاد ممن جاء بعدهم في هذين الكتابين وانتقدوا بعض الأحاديث فيها، ولسنا بصدد بيان من كان معه الحق في ذلك، وهل كل ما لم ينتقدوه يُعد إجماعاً على قبوله؟ فهذا لا يقوله عاقل، وهو إلزام ما لا يلزم!

نعم، الصحيحان لهما منزلة كبيرة، وما وصل إليه البخاري ومسلم فيهما نتاج منهج عظيم جمعا فيه ما لم يجمعه غيرهما، وهما لم يقولا بأنهما وصلا إلى الغاية في التصحيح حتى نقوّلهما ما لم يقولاه!

عدا عن الاختلاف في قضايا العلل فيهما وهل يخرجان المعلول لبيان علته كما أشار مسلم في مقدمة صحيحه؟

في النهاية هما اجتهدا وفق ما تعلماه من علم النقد والعلل، وكما اختلفا مع من قبلهم يمكن أن يختلف معهم من بعدهم ضمن المنهج الحديثي والقواعد النقدية التي أصلوها هم ومن كان قبلهم رحم الله الجميع.

ومن هنا نقول إنه لا يجوز لمن لم يعرف النقد والعلل أن يتكلم في أحاديثهما حتى هؤلاء الذين يحملون شهادات الدكتوراه في "علم الحديث"، فليس كل واحد منهم مؤهل للخوض في العلل والنقد! فغالب هذه الشهادات متخصصة في مسألة في الحديث لا علاقة لها بعلم العلل والنقد، بل كثير من الرسائل التي في العلل والنقد هي رسائل وصفية لا تعكس مناهج أئمة النقد والعلل ولا تحذو حذوها.

وكتب: د. خالد الحايك.

شاركنا تعليقك