الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديث: «يَا أُمَّ رَافِعٍ، إِذَا قُمْتِ إِلَى الصَّلَاةِ فَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَهَلِّلِيهِ عَشْرًا...»!

حديث: «يَا أُمَّ رَافِعٍ، إِذَا قُمْتِ إِلَى الصَّلَاةِ فَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَهَلِّلِيهِ عَشْرًا...»!

سئلت: ما صحة حديثٍ رواه ابن السني: حديث عَطَّاف بن خَالِدٍ، حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أُمِّ رَافِعٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَأْجُرُنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ. قَالَ: «يَا أُمَّ رَافِعٍ، إِذَا قُمْتِ إِلَى الصَّلَاةِ فَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَهَلِّلِيهِ عَشْرًا، وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا، وَكَبِّرِيهِ عَشْرًا، وَاسْتَغْفِرِيهِ عَشْرًا، فَإِنَّكِ إِذَا سَبَّحْتِ عَشْرًا قَالَ: هَذَا لِي، وَإِذَا هَلَّلْتِ قَالَ: هَذَا لِي، وَإِذَا حَمِدْتِ قَالَ: هَذَا لِي، وَإِذَا كَبَّرْتِ قَالَ: هَذَا لِي، وَإِذَا اسْتَغْفَرْتِ قَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكِ»؟

فأجبت: هذا الحديث رواه عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ، وأبو اليمان الحكم بن نافع، كلاهما عن عَطَّاف بن خَالِدٍ، قال: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ أُمِّ رَافِعٍ - رضي الله عنها - أنها قالت: يا رسول الله، دلني على عمل يأجرني الله عليه، فقال: «يا أم رافعٍ إذا قمت إلى الصلاة فسبحي الله عشراً، وهلليه عشراً، واحمديه عشراً، وكبريه عشراً، واستغفريه عشراً، فإنك إذا سبحت قال: هذا لي، وإذا هللت قال: هذا لي، وإذا حمدت قال: هذا لي، وإذا كبرت قال: هذا لي، وإذا استغفرت قال: قد غفرت لك».

وتابعه عليه بُكَيْرُ بنُ مِسْمَارٍ، فرواه عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَلْمَى أُمِّ بَنِي أَبِي رَافِعٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ.

وخالفهما هشام بن سعد المدني فيما رُوي عن اللَّيْث بن سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عُبَيْدِاللهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أُمِّ رَافِعٍ نَحْوَهُ.

فزاد في الإسناد رجلاً.

وهشام بن سعد ليس بالقوي، والأرجح رواية عطّاف وبُكير دون زيادة "عبيدالله بن وهب" كما في المطبوع!

قال الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار»: "هذا حديث حسن، أخرجه ابن السني من طريق علي بن عياش عن عطاف بن خالف، ورجاله موثقون، لكن في عطاف مقال يتعلق بضبطه، وقد تابعه بكير بن مسمار عن زيد بن أسلم، وسمى أم رافع فقال: عن سلمى أم بني أبي رافع، فذكر الحديث نحوه".

ثم ساقه من كتاب ابن منده في «الصحابة»، قال: أخبرنا عبدالله بن محمد بن جعفر، قال: حدثنا يحيى بن أيوب، قال: حدثنا يحيى بن بكير، قال: حدثنا الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبدالله بن وهب، عن أم رافع أنها قالت: يا رسول الله أخبرني بعمل أفتتح به صلاتي، فذكر الحديث نحوه.

قال ابن حجر: "وأفادت رواية هشام بن سعد زيادة راوٍ بين زيد بن أسلم وأم رافع، والله أعلم".

وقال في «الإصابة»: "رواه عطاف بن خالد، عن زيد، عن أم رافع، ولم يذكر بينهما واحدا".

وذكره الألباني في «صحيحته» (3338) وقال بعد أن ذكر كلام ابن حجر في «النتائج»: "قلت: يشير إلى (عبد الله بن وهب)، ولم يتكلم الحافظ عنه بشيء، ولا أستبعد أنه (عبد الله بن وهب بن زمعة بن الأسود بن المطلب الأسدي الأصغر)؛ فإنه مدني من هذه الطبقة، وروى عن أم سلمة، وروى عنه جمع، وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/48)، وحسن له الترمذي (3873). وقال الحافظ في "التقريب ": ثقة" انتهى كلامه.

قلت: وقع في بعض المطبوعات "عبيد الله بن وهب" مصغراً، وفي بعضها "عبدالله بن وهب" مُكبراً، وأياً كان فهو مجهول لا يُعرف، وما ذهب إليه الألباني فيه بُعد!

على أنه بدا لي أنه ربما وقع خطأ في إسناد الحديث.

فالحديث كما تقدم يرويه: يحيى بن أيوب بن بادي المصري العلّاف، عن يحيى بن عبدالله بن بُكير، عن الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم، عن عبدالله بن وهب، عن أم رافع.

فيُحتمل أن الحديث يرويه يحيى بن بُكير [عن عبدالله بن وهب]، عن الليث، عن هشام، عن زيد بن أسلم، عن أم رافع.

فاضطرب الإسناد في نسخة من حدث به! وعبدالله بن وهب من شيوخ يحيى بن بكير، وابن وهب من تلاميذ الليث، وكذلك روى ابن بكير عن الليث.

فالذي يظهر لي أن هناك خطأ في نسخة ربما يحيى العلاف، وهو صالح الحديث روى له النسائي فقط.

فإن صح ذلك فرجع الحديث إلى زيد بن أسلم عن أم رافع، وهو الصواب.

ويحيى بن بُكير، قال فيه أَبُو حاتم: "يكتب حَدِيثه ولا يحتج بِهِ، وكَانَ يفهم هذا الشأن".

وَقَال النَّسَائي: "ضعيف".

وَقَال في موضع آخر: "ليس بثقة".

وقال الذهبي في "السير": "كَانَ غَزِيْرَ العِلْمِ، عَارِفاً بِالحَدِيْثِ وَأَيَّامِ النَّاسِ، بَصِيْراً بِالفَتْوَى، صَادِقاً، دَيِّناً، وَمَا أَدْرِي مَا لاَحَ لِلنَّسَائِيِّ مِنْهُ حَتَّى ضَعَّفَهُ، وَقَالَ مَرَّةً: لَيْسَ بِثِقَةٍ. وَهَذَا جَرْحٌ مَرْدُوْدٌ، فَقَدْ احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخَانِ، وَمَا عَلِمتُ لَهُ حَدِيْثاً مُنْكَراً حَتَّى أُورِدَهُ".

قلت: لم يضعفه النسائي بهوى! وقول أبي حاتم يعضد كلام النسائي فهو ممن يُكتب حديثه ولا يحتج بما تفرد به.

وكلام النسائي الآخر فيه بأنه ليس بثقة فنعم فيه نظر!

فالرجل يخطئ وله أغلاط، لكنه لا يتعمد ذلك.

فرجع الحديث إلى زيد بن أسلم عن أم رافع، ولا نعرف لزيد سماعاً من أم رافع!

وزيد يرسل عن كثير من الصحابة كجابر، ورَافِعَ بْنِ خُدَيْجٍ، وأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وغيرهم، فكلّ ذلك مرسل.

ولا نعرف متى توفيت أُمُّ رافع، مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه!

فالحديث مرسل.

وله شاهد من حديث أمّ سليم، ولا يصح.

رواه عَبْدُاللهِ بنُ الْمُبَارَكِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ بنُ عَمَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ، غَدَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي صَلاَتِي، فَقَالَ: كَبِّرِي اللَّهَ عَشْرًا، وَسَبِّحِي اللَّهَ عَشْرًا، وَاحْمَدِيهِ عَشْرًا، ثُمَّ سَلِي مَا شِئْتِ، يَقُولُ: نَعَمْ نَعَمْ.

وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وغيرهم.

وقال الترمذي: "حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ".

ونقل ابن حجر عنه في «النتائج» أنه صححه! وليس كذلك! وإنما قال فيه: "حسن غريب" كما نقل عنه المزي في «التحفة».

وهذا الحديث تفرد به بهذا الإسناد عكرمة بن عمار اليمامي، وهو صدوق له أوهام وأخطاء، وقد أكثر مسلم الاستشهاد به.

قال الحافظ ابن حجر في «النكت الظراف» (1/85) في تعليقه على هذا الحديث: "قلت: قال ابن أبي حاتم عن أبيه: رواه الأوزاعي عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أم سليم - وهو مرسل. وهو أشبه من حديث عكرمة بن عمار".

قلت: أبو حاتم لم يكن يتكلم على هذا الحديث، وإنما كان كلامه عن حديث آخر.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/637) (163): وسمعتُ أَبِي - وذكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، عَنْ عِكْرِمَة بْنِ عمَّار، عن إسحاق بن عبدالله بْنِ أَبِي طَلْحة، عَنْ أَنَسٍ؛ قَالَ: جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْم - وَهِيَ جَدَّةُ إِسْحَاقَ - إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَتْ: يَا رسولَ اللَّهِ، المرأةُ تَرَى مَا يَرَى الرَّجُلُ فِي الْمَنَامِ؛ بأنَّ زوجَها جامَعَها، أتغتَسِلُ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: إِذَا وَجَدَتِ المَاءَ، فَلْتَغْتَسِلْ.

وَرَوَى الأوزاعيُّ، عن إسحاق بن عبدالله ابن أَبِي طَلْحة، عَنْ جَدَّته أُمِّ سُلَيم؛ قَالَتْ: دخلَتْ أُمُّ سُلَيم عَلَى أُمِّ سَلَمة، فَدَخَلَ عَلَيْهَا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فقالتْ لَهُ أمُّ سُلَيم: أرأيتَ إِذَا رأتِ المرأةُ...؟

قَالَ أَبِي: "إسحاقُ بن عبدالله بْنِ أَبِي طَلْحة، عَنْ أُمِّ سُلَيم، مُرسَلٌ، وعِكرِمَة بْنُ عمَّار روى عَنْ إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ: أنَّ أم سُلَيم... وحديثُ الأوزاعيِّ أشبَهُ مُرسَلًا من الموصول" انتهى.

فالظاهر أن ابن حجر وهم في كلامه السابق، فأبو حاتم كان يتكلم على حديث آخر رواه الأوزاعي وعكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة!

ولا نعلم أن الأوزاعي روى حديثنا هذا عن إسحاق! وقد تفرد به عكرمة، ولا يُحتج بما انفرد به.

وكأن هذا الحديث مرسل، فوهم فيه عكرمة فوصله بذكر أنس فيه كما فعل في الحديث السابق الذي تكلم عليه أبو حاتم، وأرسله الأوزاعي.

فالحديث ضعيف من كل طرقه، والله أعلم.

 

شاركنا تعليقك