الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

الكلام على الحَجّاج بن يوسف الثقفي - لعنه الله-!

الكلام على الحَجّاج بن يوسف الثقفي - لعنه الله -!

أرسل لي أحد الإخوة، قال:

"شيخنا: تقبل نصيحتي لأني والله أحبك في الله، وأدافع عنك أمام كل أهل البدع والأهواء، وتقبل كلامي وإن كان فيه خطأ من أخيك الصغير وخادمك، تكلمت على الحجاج بن يوسف ولعنت الحجاج، ولكن مهما كان فسقه فهو رجل مسلم ولم يخرج من دائرة الإسلام، ولما نتكلم على رجل نذكر محاسنه وسيئاته، ونحن أهل السنة يجب أن نتكلم ما له وعليه، هو رجل ظالم وقتل الكثير، ولكن يبقى رجل مسلم له سيئات وله حسنات، ومن حسناته: صك العملة، وعرّب الدواوين، ونقط القرآن، وعمل كثيرا من الأمور للقرآن الكريم، وفتح بلادا كثيره، وأنهى الفتن، ووحد أمة الاسلام تحت أمير مؤمنين واحد بعد ما كانت متفرقة، وأجمع علماء المسلمين من المتقدمين أن لا نلعنه ولا نحبه، ويبقى رجلا مسلما له حسنات وسيئات".

فقلت: حيّاكم الله أخي الكريم، وجزاك الله خيراً على ذبّكم عن العبد الفقير، ونصيحتكم نتلقاها بالورود والمحبة...

أما كلامي عن الهالك الخبيث الحجاج فليس بِدعاً من القول! وأنت حكمت عليه بالإسلام مع إقرارك بفسقه إلا أن بعض السلف كفّروه، وسأسوق لك بعض كلامهم فيه مما ربما لم تقف عليه من قبل.

يقول الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (2/210) في ترجمة «الحجاج»: "وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرض على الناس في كل ما يرويه ويجادل على ذلك! وخرج عليه ابن الأشعث ومعه أكثر الفقهاء والقراء من أهل البصرة وغيرها، فحاربه حتى قتله، وتتبع من كان معه فعرضهم على السيف، فمن أقر له أنه كفر بخروجه عليه أطلقه، ومن امتنع قتله صبراً، حتى قال عمر بن عبدالعزيز: «لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم». وأخرج الترمذي من طريق هشام بن حسان، قال: «أحصينا من قتله الحجاج صبراً فبلغ مائة ألف وعشرين ألفاً»، وقال زاذان: «كان مفلساً من دينه»، وقال طاوس: «عجبت لمن يُسميه مؤمناً».

وكفّره جماعة، منهم: سعيد بن جبير، والنخعي، ومجاهد، وعاصم بن أبي النجود، والشعبي، وغيرهم" انتهى.

قلت:

وسئل مجاهد عنه، فقال: "تسألوني عن الشيخ الكافر؟!".

وقال القاسم بن مخيمرة: "كان الحجاج ينقض عُرى الإسلام عروة عروة".

وقيل لسعيد بن جبير: خرجت على الحجاج؟ قال: "إي والله، وما خرجت عليه حتى كفر".

وقال الشعبي: "الحجاج مؤمن بالجبت والطاغوت كافر بالله العظيم".

وقال عاصم بن أبي النجود: "ما بقيت لله تعالى حرمه إلا وقد انتهكها الحجاج".

وقال أبو وائل: "اللهم أطعمه طعاماً من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع".

ولما سئل عنه إبراهيم النخعي، قال: "ألم يقل الله تعالى {ألا لعنة الله على الظالمين}". [إكمال تهذيب الكمال (3/407-408)].

وقال الحاكم أبو أحمد: "ليس بأهل أن يروي عنه، ومما يحكي عنه من الموبقات قوله لأهل السجن {إخسؤوا فيها ولا تكلمون}".

يقول الإمام المعلمي اليماني [كما في مجموع آثاره (3/706)]: "وفي فهرست ابن النديم عند ذكر ديانات أهل الهند: (ومنهم أهل ملَّةٍ يُقال لها: الراجمرتيَّة، وهم شيعة الملوك، ومن سننهم في دينهم معونة الملوك، قالوا: الله الخالق تبارك وتعالى ملَّكهم، وإن قُتِلنا في طاعتهم مضينا إلى الجنَّة).

وفيها في مذاهب أهل الصين، قال: (وعامَّتهم يعبدون الملِك، ويعظِّمون صورته، ولها بيتٌ عظيمٌ في مدينة بغران).

أقول: قد اشتهر قريبٌ من هذا في رعاع الشام بالنسبة إلى خلفاء بني أميَّة، كانوا يزعمون أن الخليفة لا يحاسَب ولا يعاقَب، وأنَّ طاعته فريضةٌ على الناس وإن أمر بمعصية الله عزَّ وجلَّ.

وفي ترجمة الحجَّاج من تهذيب الكمال للمزِّيِّ: (وكان يزعم أن طاعة الخليفة فرضٌ على الناس في كلِّ ما يرومه، ويجادل على ذلك).

قلت: وعن هذا - والله أعلم - كفَّره أئمَّة السلف" انتهى كلامه.

قلت: ذهل المعلمي – رحمه الله- هنا، فالمزي لم يترجم للحجاج، وإنما ذكره ابن حجر في «تهذيب التهذيب» تمييزاً، فهو المقصود هنا.

وسبق ابن حجر في ذكره الحافظ مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (3/408) فذكره، وقال في نهاية ترجمته مستدركاً على الحافظ المزي: "قال البخاري في «صحيحه» - في كتاب الحج -: حدثنا مسدد، عن عبدالواحد، قال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت الحجاج بن يوسف على المنبر يقول: السورة التي تذكر فيها البقرة. وساق الحديث، لم يذكره المزي، ولم ينبه عليه".

وقال الخطَّابيِّ في «غريب الحديث» (3/181-182): "وقد اختلفوا فى السبب الذي من أجله استجاز القرَّاء الخروج عليه، فقال ابن المبارك: إنما استحلُّوا الخروج عليه لكفره بقراءة عبدالله بن مسعودٍ، ولقوله: إنها رجزٌ من أراجيز العرب... وقال بعضهم: إنما فعلوا ذلك لإعظامه القول عند ذكر قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا}، وتقديمه طاعة ظَلَمة بني أميَّة على طاعة الله عزَّ وجلَّ".

قَالَ أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِم بن بَهدلة المُقرئ: سَمِعْتُ الحَجَّاجَ، وَذَكَرَ هَذِهِ الآيَةَ: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا}، فَقَالَ: "هَذِهِ لِعَبْدِ اللَّهِ، لِأَمِينِ اللَّهِ وَخَلِيفَتِهِ، ليس فيها مثنوية، وَاللَّهِ لَوْ أَمَرْتُ رَجُلا يَخْرُجُ مِنْ بَابِ هَذَا الْمَسْجِدِ، فَأَخَذَ مِنْ غَيْرِهِ لَحَلَّ لِي دَمُهُ وَمَالُهُ، وَاللَّهِ لَوْ أَخَذْتُ رَبِيعَةَ بِمُضَرَ لَكَانَ لِي حَلالا، يَا عَذيري مِنْ عَبْدِ هُذَيْلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَقْرَأُ قُرْآنًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، مَا هُوَ إِلا رَجْزٌ مِنْ رَجِزِ الأَعْرَابِ ما أنزلها الله عز وجل على نبيه، وَاللَّهِ لَوْ أَدْرَكْتُ عَبْدَ هذيل لضربت عنقه، وعذيري من هذه الحمر أيزعم أحدهم أنه يرمي بالحجر فيقول إلى أن يقع الحجر حدث أمر فو الله فلأدعنهم كالأمس الدابر".

قال الذهبي مُعقباً على هذا: "قَاتَلَ اللَّهُ الْحَجَّاجُ مَا أَجْرَأَهُ عَلَى اللَّهِ، كَيْفَ يَقُولُ هَذَا فِي الْعَبْدِ الصَّالِحِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ!".

وقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: ذَكَرْتُ قَوْلَهُ هَذَا لِلأَعْمَشِ، فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ.

وَرَوَاهَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، فَزَادَ: "وَلا أَجِدُ أَحَدًا يَقْرَأُ عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ إِلا ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَلأَحُكَّنَّهَا مِنَ الْمُصْحَفِ وَلَوْ بضلع خنزير".

ورواها ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ.

وقَالَ الصَّلْتُ بنُ دِينَارٍ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: "ابْنُ مَسْعُودٍ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ، لَوْ أَدْرَكْتُهُ لأَسْقَيْتُ الأَرْضَ مِنْ دَمِهِ".

وروى داود بن سليمان، عن شَريك، عن سليمان الأعمش قال: جمعت مع الحجاج، قال: فخطب فذكر نحو حديث أبي بكر بن عياش، قال فيها: "اسمعوا واطيعوا لخليفة الله ولصفيه عبد الملك بن مروان، وساق الحديث".

وروى جعفر بن سليمان الضبعي، عن عوف الأعرابي، قال: سمعت الحجاج يخطب وهو يقول: "إن مثل عثمان عند الله كمثل عيسى بن مريم، ثم قرأ هذه الآية يقرأها ويفسرها {إذ قال الله يا عيسى أني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا}" - ويشير إلينا، وإلى أهل الشام.

وَرَوَى شَرِيكٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بن عمير. ورواه صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا الْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَمْ يَكُنْ مِنْ ذُرِّيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ: كَذِبْتَ أَيُّهَا الأَمِيرُ، فَقَالَ: لَتَأْتِيَنِّي عَلَى مَا قُلْتُ ببينةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ لأَقْتُلَنَّكَ. فَقَالَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ} إِلَى قَوْلِهِ: {وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى} فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عِيسَى مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ بِأُمِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ، فَمَا حَمَلَكَ عَلَى تَكْذِيبِي فِي مَجْلِسِي؟ قَالَ: مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ {لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ}. قَالَ: فَنَفَاهُ إِلَى خُرَاسَانَ.

وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في «الكامل في اللغة والأدب» (1/179): "ومما كفرت به الفقهاء الحجاج بن يوسف قوله: (والناس يطوفون بقبر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنبره إنما يطوفون بأعوادٍ ورمةٍ)".

فأين هذا الإجماع المزعوم الذي ذكرته أخي؟ فهل من يقول بأن ابن مسعود رأس المنافقين، ويُنكر قراءته، ويُحرّف آيات القرآن، ويستحل الدماء والأموال، فهل يكون مسلماً مهما فعل للإسلام؟!

وأرى أن كثيراً ممن يذهب لمذهبك هذا أعجبه قول الإمام الذهبي فيه حيث قال: "وَكَانَ ظَلُوْماً، جَبَّاراً، نَاصِبِيّاً، خَبِيْثاً، سَفَّاكاً لِلدِّمَاءِ، وَكَانَ ذَا شَجَاعَةٍ، وَإِقْدَامٍ، وَمَكْرٍ، وَدَهَاءٍ، وَفَصَاحَةٍ، وَبَلاَغَةٍ، وَتعَظِيْمٍ لِلْقُرَآنِ. قَدْ سُقْتُ مِنْ سُوْءِ سِيْرَتِهِ فِي (تَارِيْخِي الكَبِيْرِ)، وَحِصَارِهِ لابْنِ الزُّبَيْرِ بِالكَعْبَةِ، وَرَمْيِهِ إِيَّاهَا بِالمَنْجَنِيْقِ، وَإِذْلاَلِهِ لأَهْلِ الحَرَمَيْنِ، ثُمَّ وِلاَيَتِهِ عَلَى العِرَاقِ وَالمَشْرِقِ كُلِّهِ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَحُرُوْبِ ابْنِ الأَشْعَثِ لَهُ، وَتَأْخِيْرِهِ لِلصَّلَوَاتِ إِلَى أَنِ اسْتَأْصَلَهُ اللهُ، فَنَسُبُّهُ وَلاَ نُحِبُّهُ، بَلْ نُبْغِضُهُ فِي اللهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِيْمَانِ. وَلَهُ حَسَنَاتٌ مَغْمُوْرَةٌ فِي بَحْرِ ذُنُوْبِهِ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ، وَلَهُ تَوْحِيْدٌ فِي الجُمْلَةِ، وَنُظَرَاءُ مِنْ ظَلَمَةِ الجَبَابِرَةِ وَالأُمَرَاءِ".

فغفر الله للإمام الذهبي.

 

شاركنا تعليقك