الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديث: «لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».

حديث: «لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ».

سئلت: ما صحة حديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تسمعون يا معشر‏ ‏قريش، ‏أما والذي نفس‏ ‏محمد بيده‏ ‏لقد جئتكم بالذبح». رواه الإمام أحمد؟

فأجبت: هذا حديث حسن.

أخرج البخاري في «صحيحه» (5/46) من طريق الوَلِيد بْن مُسْلِمٍ الدمشقي، قال: حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، قال: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَمْرِو بْنِ العَاصِ: أَخْبِرْنِي بِأَشَدِّ شَيْءٍ صَنَعَهُ المُشْرِكُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي حِجْرِ الكَعْبَةِ، إِذْ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ فِي عُنُقِهِ، فَخَنَقَهُ خَنْقًا شَدِيدًا» فَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَخَذَ بِمَنْكِبِهِ، وَدَفَعَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ} [غافر: 28] الآيَةَ.

قال البخاري: "تَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، قُلْتُ: لِعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرٍو.

وَقَالَ: عَبْدَةُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، قِيلَ لِعَمْرِو بْنِ العَاصِ.

وَقَالَ: مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ العَاصِ" انتهى.

قلت:

أشار الإمام البخاري هنا إلى المتابعات لهذا الحديث ورواتها ليسوا على شرطه، لكن هي مما يقويه.

والبخاري روى هذا الحديث مختصراً، وفي المتابعات الأخرى زيادات على ما ذكره البخاري، ومنها هذا اللفظ المسؤول عنه.

وهذه القصة معروفة مشهورة رواها محمد بن إسحاق في «السيرة»، وغيره.

قال ابن إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ قَالَ: قُلْتُ لِعَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: مَا أَكْثَرُ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا كَانَتْ تُظْهِرُهُ مِنْ عَدَاوَتِهِ؟ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ وَقَدِ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالُوا: مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ قَطُّ: سَفَّهَ أَحْلَامَنَا، وَشَتَمَ آبَاءَنَا، وَعَابَ دِينَنَا، وَفَرَّقَ جَمَاعَتَنَا وَسَبَّ آلِهَتَنَا، وَصَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ أَوْ كَمَا قَالُوا، فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ طَلَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى اسْتَلَمَ الرُّكْنَ، ثُمَّ مَرَّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ، غَمَزُوهُ بِبَعْضِ الْقَوْلِ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَضَى فَلَمَّا مَرَّ بِهِمُ الثَّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا فَعَرَفْتُهَا فِي وَجْهِهِ، فَمَضَى، ثُمَّ مَرَّ الثَّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا، فَوَقَفَ، ثُمَّ قَالَ: «أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ؟ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذَّبْحِ»، فَأَخَذَتِ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتَّى مَا مِنْهُمْ مِنْ رَجُلٍ إِلَّا وَكَأَنَّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ حَتَّى إِنَّ أَشَدَّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنَ الْقَوْلِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَقُولُ: انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ رَاشِدًا فَمَا أَنْتَ بِجَهُولٍ. فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ حَتَّى إِذَا بَادَأَكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ، فَبَيْنَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ طَلَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَثَبُوا إِلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ: أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا؟ لِمَا كَانَ يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ، فَيَقُولُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ، أَنَا الَّذِي أَقُولُ ذَلِكَ» فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمَجَامِعِ رِدَائِهِ وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَبْكِي دُونَهُ وَيَقُولُ: وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ: رَبِّيَ اللهُ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنْهُ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَأَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا بَلَغَتْ مِنْهُ قَطُّ.

قال البيهقي: "وفِي هَذَا الْحَدِيثِ: أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْعَدَهُمْ بِالذَّبْحِ، وَهُوَ الْقَتْلُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْحَالِ، ثُمَّ صَدَقَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهَ بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ، فَقَطَعَ دَابِرَهُمْ، وَكَفَى الْمُسْلِمِينَ شَرَّهَمْ".

قلت: محمد بن إسحاق قد ضعفه بعض أهل العلم في المرفوعات، وحسّن حديثه بعضهم، وهو إمام في المغازي والسيّر، وهذا مما يتعلق بالسيرة، فمثله يُقبل منه سيما والبخاري روى أصل القصة. وقد تُوبع في روايته على هذا اللفظ.

فقد روى الْبُخَارِيُّ فِي «خَلْقِ أَفْعَالِ العِبَادِ»، وأَبُو يعلى وابن حِبَّانَ عَنْهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو بن علقمة، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: مَا رَأَيْتُ قُرَيْشًا أَرَادُوا قَتْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا يَوْمًا رأيتهم وَهُمْ جُلُوسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عِنْدَ الْمَقَامِ، فَقَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ، فَجَعَلَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ، ثُمَّ جَذَبَهُ حَتَّى وَجَبَ لِرُكْبَتَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَصَايَحَ النَّاسُ، فَظُنُّوا أَنَّهُ مَقْتُولٌ، قَالَ: وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَشْتَدُّ حَتَّى أَخَذَ بِضَبْعَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَائِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ، ثُمَّ انْصَرَفُوا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ مَرَّ بِهِمْ وَهُمْ جُلُوسٌ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ إِلَّا بِالذَّبْحِ»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: يَا مُحَمَّدُ، مَا كُنْتَ جَهُولًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْتَ مِنْهُمْ».

قال ابن حجر في «الفتح» (7/169): "وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لَقَدْ ضَرَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلَ يُنَادِي وَيْلَكُمْ أَتَقْتُلُونَ رجلاً أن يَقُول رَبِّي الله فَتَرَكُوهُ وَأَقْبَلُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ. وَهَذَا مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ مُطَوَّلًا مِنْ حَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُمْ قَالُوا لَهَا مَا أَشَدُّ مَا رَأَيْتِ الْمُشْرِكِينَ بَلَغُوا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْو سِيَاق ابن إِسْحَاقَ".

والملاحظ الاختلاف بين الرواة في تسمية صحابي الحديث: منهم من قال: عبدالله بن عمرو بن العاص، ومنهم من قال: عمرو بن العاص، ولعل البخاري أراد الإشارة إلى ذلك بالتعليقات التي ذكرها بعد اعتماده أن الحديث من مسند عبدالله الابن لا الأب، وأياً كان الصواب فلا يضر.

وقد رواه البيهقي في «دلائل النبوة» من طريق خَالِد بْن مَخْلَدِ الْقَطَوَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ: حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: فذكر نحوه.

ورواه عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حدثَنَا عَبدة بن سُلَيْمَان، عَن هِشَام، عَن أَبِيه قَالَ: قيل لعَمْرو بن الْعَاصِ: مَا أَشد مَا رَأَيْت قُريْشًا بلغُوا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الحَدِيث نَحْو حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو.

رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي كتاب التَّفْسِير عَن هناد بن السّري عَن عَبدة.

وَخَالَفَهُمَا مُحَمَّد بن فليح فَرَوَاهُ عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عبدالله بن عَمْرو. [تغليق التعليق (4/87)].

قال العيني في «عمدة القاري» (16/307): "أي: تَابع عَيَّاش بن الْوَلِيد مُحَمَّد بن إِسْحَاق فِي رِوَايَته عَن يحيى بن عُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام عَن أَبِيه عُرْوَة. قلت: لعبدالله بن عَمْرو وَكِلَاهُمَا قَالَا: عبدالله بن عَمْرو، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة أَحْمد فِي (مُسْنده): من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن سعد عَن ابْن إِسْحَاق إِلَخ نَحوه.

وقالَ عَبْدَةُ عنْ هِشَامٍ عنْ أبِيهِ قِيلَ لعَمْرِو بنِ العَاصِ، أَي: قَالَ عَبدة بن سُلَيْمَان، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن أَبِيه عُرْوَة، قيل لعَمْرو بن الْعَاصِ: هَكَذَا خَالف هِشَام بن عُرْوَة أَخَاهُ يحيى ابْن عُرْوَة فِي إسم الصَّحَابِيّ، فَإِن يحيى قَالَ: عبدالله بن عَمْرو، وَقَالَ هِشَام: عَمْرو بن الْعَاصِ، وَتَعْلِيق عَبدة أسْندهُ أَبُو عبدالرَّحْمَن فِي كِتَابه عَن هناد عَنهُ بِهِ من مُسْند عَمْرو بن الْعَاصِ فِي كتاب التَّفْسِير.

وقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرو عنْ أبِي سلَمَةَ: حدَّثنِي عَمْرُو بنُ العاصِ، أَي: قَالَ مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة اللَّيْثِيّ الْمدنِي: عَن أبي سَلمَة بن عبدالرَّحْمَن بن عَوْف، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي خلق أَفعَال الْعباد".

والخلاصة أن هذا الحديث حسن.

 

شاركنا تعليقك