الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

حديث: «قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يَجِدُونَ صُحُفًا فِيهَا كُتُبٌ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا».

حديث: «قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يَجِدُونَ صُحُفًا فِيهَا كُتُبٌ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا».

سئلت: ما صحة هذا الحديث «قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يَجِدُونَ صُحُفًا فِيهَا كُتُبٌ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا»؟، وهل يصح استدلال بعضهم به على أن أخذ العلم من الصحف في بعض الأزمنة أفضل من أخذه من أهل العلم لضلالهم؟ - بحسب زعمهم-؟

فقلت: هذا الحديث منكرٌ!!

وقد أخرجه ابن عرفة في «جزئه» برقم (19) قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ الحِمْصِيُّ، عَنِ المُغِيرَةِ بنِ قَيْسٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَيُّ الْخَلْقِ أَعْجَبُ إِلَيْكُمْ إِيمَانًا؟»، قَالُوا: المَلَائِكَةُ، قالَ: «ومَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، وَهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ؟»، قَالُوا: فَالنَّبِيُّونَ، قالَ: «وَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ، والوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ؟»، قَالُوا: فَنَحْنُ، قَالَ: «وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ، وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ؟»، قالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ أَعْجَبَ الْخَلْقِ إِلَيَّ إِيمَانًا لَقَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يَجِدُونَ صُحُفًا فِيهَا كُتُبٌ يُؤْمِنُونَ بِمَا فِيهَا».
وأخرجه اللالكائي في «شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» برقم (1670) من طريق عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي حَاتِمٍ والحُسَيْن بن يَحْيَى بنِ عَيَّاشٍ.

وأخرجه قاضي المرستان - محمد بن عبدالباقي الكعبي- في «المشيخة الكبرى» برقم (511)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/538) من طريق إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّدٍ الصَّفَّار.

وأخرجه قَوام السنة في «الترغيب والترهيب» برقم (48) من طريق أبي علي إسماعيل بن محمد البغدادي.

كلهم عن الحَسَن بن عَرَفَةَ، به.

قال ابن حجر في «الأمالي المطلقة» (ص: 39): "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ! وَمُغِيرَةُ بنُ قَيْسٍ بَصْرِيٌّ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مُنْكِرُ الْحَدِيثِ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ رِوَايَتُهُ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيَيْنِ ضَعِيفَةٌ وَهَذَا مِنْهَا، لَكِنَّهُ يَعْتَضِدُ بِالَّذِي قَبْلِهِ الْمُرَادُ بِالْأَفْضَلِيةِ الَّتِي قَبْلِهِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَقَدْ أَخْرَجَ إِسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْهَ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَمْرُ مُحَمَّدٍ بيِّنًا لِمَنْ رَآهُ وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ ما آمن مُؤْمِنٌ أَفْضَلُ مِنْ إِيمَانٍ بِغَيْبٍ ثُمَّ قَرَأَ {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا ريب فِيهِ} إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى {يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} وَهَذَا شَاهِدٌ قَوِّيٌ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ الحَدِيثَ الْأَوَّلَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَامر وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَغَلْطٌ لِأَجْلِ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَخْرَجَ الْأَخِيرَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهَ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قلت: عضده ابن حجر بهذه الأحاديث الضعيفة؛ لأنه حمل الحديث على أن المقصود بالصحف فيه هو "القرآن" كما في الأحاديث الأخرى! وقد أورده البيهقي ضمن الأحاديث التي فيها بأن قوماً يؤمنون به ولم يروه تحت باب "مَا جَاءَ فِي إِخْبَارِهِ بِقَوْمٍ لَمْ يَرَوْهُ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ".

ومن يحتج بقول ابن حجر هذا فلا يجوز له أن يحتج بالحديث على أنه في أخذ العلم من الصحف!! لأن المقصود هنا "القرآن".. ومع ذلك فقول ابن حجر من التساهل الذي سلكه المتأخرون في عضد الأحاديث الضعيفة بمثلها!!

والحديث ذكره الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» برقم (647).

قلت: تفرد به إسماعيل بن عياش عن مغيرة بن قيس، وروى عنه مناكير!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/326): "مغيرة بن قيس سَمِعَ عَمْرو بْن شعيب، روى عنه العقدي".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/227): "مغيرة بن قيس، بصري. روى عن عمرو بن شعيب. روى عنه أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي. سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو منكر الحديث".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (9/168) فقال: "مُغيرَة بن قيس يروي عَن عَمْرو بن شُعَيْب، رَوَى عَنْهُ أَبُو عَامر العَقدي".

قلت: لا يثبت له سماع من عمرو بن شعيب، وقول البخاري "سمع عمرو بن شعيب" كأنه اعتمد على رواية العقدي التي رواها عنه! ولهذا ذكره ابن حبان في ثقاته؛ لأنه عادة يتبع البخاري في إيراده أمثاله في الثقات!

وقال الذهبي في «المغني» (2/674): "مُغيرَة بن قيس، حجازي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب: لا يُعرف، أَتَى عَنهُ اسماعيل بن عَيَّاش بمناكير".

قلت: قوله "حجازي" كأنه قاله لأنه يروي عن عمرو بن شعيب وهو مدني، والأقرب للصواب أنه بصري لرواية العقدي عنه، والعقدي بصري.

وقول ابن حجر السابق: "وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ رِوَايَتُهُ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيَيْنِ ضَعِيفَةٌ، وهذا منها" قول صحيح، فقد ضعّف أهل العلم رواية ابن عياش عن غير الشاميين، لكن الذي أراه أن العهدة في هذا الحديث على مغيرة هذا، والمناكير منه، ولا يُعلّ الحديث بأنه من رواية إسماعيل بن عياش عن غير أهل بلده وهذا منه!! فهذه القاعدة تطبّق عند الاختلاف مع غيره، وعند التفرد إذا كان تفرده عن ثقة، ولكن أن يتفرد عن مجهول أو ضعيف، فتكون العهدة على ذلك المجهول أو الضعيف.

وقد روى الأزرقي في «أخبار مكة» (2/4) عنه حديثاً منكراً أيضاً!

رواه من طريق سَعِيدِ بنِ سَالِمٍ، عن إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ قَيْسٍ التَّمِيمِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ أَتَى الرُّكْنَ يَسْتَلِمُهُ خَاضَ فِي الرَّحْمَةِ، فَإِنِ اسْتَلَمَهُ فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، غَمَرَتْهُ الرَّحْمَةُ، فَإِذَا طَافَ بِالْبَيْتِ كَتَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِكُلِّ قَدَمٍ سَبْعِينَ أَلْفَ حَسَنَةٍ، وَحَطَّ عَنْهُ سَبْعِينَ أَلْفَ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ سَبْعِينَ أَلْفَ دَرَجَةٍ، وَشَفَعَ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَإِذَا أَتَى مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَلَّى عِنْدَهُ رَكْعَتَيْنِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا؛ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كَعِتْقِ أَرْبَعَةِ عَشَرَ مُحَرَّرًا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَخَرَجَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ، وَأَتَاهُ مَلَكٌ فَقَالَ لَهُ: اعْمَلْ لِمَا بَقِيَ فَقَدْ كُفِيتَ مَا مَضَى».

فلا أظن المناكير إلا من مغيرة! ولهذا وصفه أبو حاتم الرازي بمنكر الحديث.

ولما نظر بعض أهل العلم إلى أن المقصود بالحديث هو الإيمان بما وجدوه في القرآن عضدوه ببعض الأحاديث الأخرى! ومنها: ما رواه البزار في «مسنده» (288)، والحاكم في «المستدرك» (6993) من طريق مُحَمَّدِ بنِ أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتَدْرُونَ أَيُّ أَهْلِ الْإِيمَانِ أَفْضَلُ إِيمَانًا؟» قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَلَائِكَةُ؟ قَالَ: «هُمْ كَذَلِكَ وَيَحِقُّ ذَلِكَ لَهُمْ وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا بَلْ غَيْرُهُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَالْأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ؟ قَالَ: «هُمْ كَذَلِكَ وَيَحِقُّ لَهُمْ ذَلِكَ وَمَا يَمْنَعُهُمْ وَقَدْ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ الْمَنْزِلَةَ الَّتِي أَنْزَلَهُمْ بِهَا بَلْ غَيْرُهُمْ» قَالَ: قُلْنَا: فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَقْوَامٌ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ فَيُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي وَيَجِدُونَ الْوَرَقَ الْمُعَلَّقَ فَيَعْمَلُونَ بِمَا فِيهِ فَهَؤُلَاءِ أَفْضَلُ أَهْلِ الْإِيمَانِ إِيمَانًا».

قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

وتعقبه الذهبي في «تلخيصه» فقال: "بل محمد بن أبي حميد ضعفوه".

وقال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ عُمَرَ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ".

ثم أخرجه من طريق المِنْهَال بن بَحْرٍ، عن هِشَام الدَّسْتُوَائِيّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ.

ثم قال: "وحَدِيثُ المِنْهَالِ بنِ بَحْرٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُمَرَ إِنَّمَا يَرْوِيهِ الحُفَّاظُ الثِّقَاتُ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ يَحْيَى عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عُمَرَ مُرْسَلًا، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَمُحَمَّدٌ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ، قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ جَمَاعَةٌ ثِقَاتٌ وَاحْتَمَلُوا حَدِيثَهُ، حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَدَّثَ أَيْضًا بِآخَرَ لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ".

قلت: فهذا الحديث لا يصح، والصواب فيه الإرسال.

وعليه ففي قول حاتم العوني نظر! إذ قال في تعليقه على الحديث أثناء تحقيقة لمشيخة قاضي المارستان بعد أن ضعّف إسناده: "وللحديث شواهد تؤكد أن للحديث أصلاً"!! وأشار لرواية البزار وضعيفة الألباني!!

وقد تراجع الألباني عن تضعيفه! فذكره في «سلسلة الأحاديث الصحيحة» برقم (3215).

والحديث له طرق أخرى كلها معلولة!!

والخلاصة أن الحديث منكر! ولا يجوز الاستدلال به على صحة تفضيل الأخذ من الصحف في زمن ما لذهاب بعضهم إلى أنه لا يوجد علماء إلا من أهل البدع ونحوهم!!

 

شاركنا تعليقك