الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (20). قولُ الإِمام أَبي زُرْعَةَ الرازي في حديث: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إِلَّا المَكْتُوبَةُ»: "باطل"! وترجيحه في موضع آخر بين الرفع والوقف وقوله: "المو

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (20).

قولُ الإِمام أَبي زُرْعَةَ الرازي في حديث: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إِلَّا المَكْتُوبَةُ»: "باطل"! وترجيحه في موضع آخر بين الرفع والوقف وقوله: "الموقوفُ أصحُّ".

سألني بعض الإخوة عن كلام للحارث الحسني - هداه الله- حول حديث: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ»، والتمثيل به على الحديث الباطل وعرّفه بأنه "ما اشتد ضعفه وعظمت نكارته"! وأن أبا زُرعة قال عنه باطل - أي مرفوعاً؛ لأنه رجّح وقفه في «علل ابن أبي حاتم»، وأن مسلماً أخرجه في «صحيحه» معلولاً، أي لبيان علته!

فقلت للأخ: ما دليله على أن مسلماً أخرجه معلولا؟

فأجابه: "سياق مسلم يدلّ على ذلك"!

وقال له من باب الفائدة: "إن مالكاً خرّجه موقوفاً على أبي هريرة" انتهى كلامه.

أقول:

إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أما كان لكثير من الإخوة التوقف عن العبث بعلم الحديث! فما أراه حقيقة في أيامنا هذه من كثير من المشتغلين بالحديث أنهم يسيؤون للحديث ولا يخدمونه!

وإنما أُتي هؤلاء من ظنّهم أنهم قد أتقنوا هذا العلم، فأصبح لهم الحق في الكلام فيه!

والإشكال الذي نواجهه مع أمثالهم أننا إذا بينّا لهم ما يقعون فيه من أخطاء - وليست أي أخطاء مع المكانة التي رفعهم إليها تلاميذهم- لا تجدهم يلتفتون إلى ذلك! ولو كان عندهم شيئا لصاحوا به! بل تأخذهم العزة بالإثم ويقولون: نحن لا نرد على أحد!

فيا أيها المشايخ، المسألة ليست شخصية في الرد على شخص فلان أو علان! سواء كنت تحبه أم تكرهه! المسألة متعلقة بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو أمانة في أعناقنا، ولا يجوز التلاعب بهذا العلم، فأين تقوى الله؟

اتقوا الله والزموا غرزكم! وما ضركم أن تتراجعوا عن أخطائكم، أو تبينوا صحة كلامكم بالأدلة العلمية.

والله بيننا وبينكم وهو خير الحاكمين.

وعودة إلى كلام ذاك الشيخ - هداه الله-:

أولاً: لا يصلح أن يبدأ المرء في مرحلة تعليم المبتدئين علم الحديث بضرب أمثلة لا تنطبق على ما أصّل له في التعريف!

فهو عرّف الحديث "الباطل" بأنه "ما اشتد ضعفه وعظمت نكارته"، وضرب مثالاً عليه هذا الحديث المشار إليه: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ».

وإنما أخذ الكاتب لفظ "باطل" من قول أبي زرعة الرازي فيما نقله عنه البرذعي في سؤالاته حول هذا الحديث، فأخذ هذا المثال على تطبيق "الباطل" عند الأئمة المتقدمين - بحسب رأيه-!

وبيّن للسائل أن أبا زرعة قد رجّح وقفه على أبي هريرة كما في «علل ابن أبي حاتم»، فدلّ ذلك عنده على أن البطلان هنا يعني مرفوعاً، وإلا فقد صح موقوفاً عن أبي زرعة!

وهذا كلام باطل كلّه!

فهو قد عرّف الباطل بأنه ما اشتد ضعفه وعظمت نكارته، فأين شدة الضعف وعِظم النكارة هنا في هذا الحديث الذي مثّل به؟ والخلاف إنما هو في رفع الحديث أو وقفه؟!

ثانياً: لم يفهم الشيخ مقصود أبي زرعة من كلامه! ولو بقينا على فهمه بأنه حكم على الحديث بأنه باطل، وقد رجح الوقف، فهذا فيه تناقض! ولا يصلح أن نقول هنا: عنى بالبطلان: الوقف!! لأنه لو كان يرى الرفع باطل لما قال: "والوقف أصح"، ولصرح بالبطلان دون المفاضلة!

ولما انتزع الكاتب كلام أبي زرعة من سياقه لم يفهم مقصوده هنا بالبطلان!

ونسوق كلامه كاملاً ثم نبين مقصوده إن شاء الله.

·       السياق الذي جاء فيه كلام أبي زرعة حول هذا الحديث:

قال سَعِيدُ بنُ عَمْرٍو البَرْدَعِيُّ في «سؤالاته لأبي زرعة» (2/572): ذَاكَرْتُ أَبَا زُرْعَةَ بِأَحَادِيثَ سَمِعْتُهَا مِنْ جَعْفَرِ بنِ عَبْدِالوَاحِدِ الهَاشِمِيّ قَاضِي القُضَاةِ فَأَنْكَرَهَا، وقَالَ: "لا أَصْلَ لَهَا".

فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّهُ حَدَّثَنَا عَنِ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَعَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ. وَعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ ثُمَامَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ أَحَبَّ الأَنْصَارَ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ».

فَقَالَ لي أَبُو زُرْعَةَ: "مَا لِوَاحِدٍ مِنَ الثَّلاثَةِ أَصْلٌ، وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ ثَلاثَتُهَا" - أَوْ نَحْوَ هَذَا مِنَ الْكَلامِ.

قُلْتُ: إِنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ هَارُونَ بنِ إِسْمَاعِيلَ الْخَزَّازِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ»، فَقَالَ: "بَاطِلٌ".

قُلْتُ: وَحَدَّثَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الْهُنَائِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى قَبْرٍ».

قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِقَتَادَة: سَمِعْتَهُ مِنَ الشَّعْبِيِّ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، قَالَ شُعْبَةُ: فَقُلْتُ لِعَاصِمٍ الأَحْوَلِ: سَمِعْتَهُ مِنَ الشَّعْبِيّ؟ فَقَالَ: حَدَّثَنِي الشَّيْبَانِيُّ.

فَقَالَ: "مَا خَلَقَ اللَّهُ لِهَذَا أَصْلا"، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، لَقُدْ كُنْتُ أَرَى جَعْفَرًا هَذَا وَأَشْتَهِي أَنْ أُكَلِّمَهُ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْوَقَارِ؛ وَنَسَبُهُ فِي الْعُنَقَاءِ رَجُلٌ تَصْلُحُ لَهُ الْخِلافَةُ مِنْ وَلَدِ الْعَبَّاسِ، يَرْجِعُ إِلَى حَفْظٍ وَفِقْهٍ، قَدْ خَرَجَ إِلَى مِثْلِ هَذَا؟ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّتْرَ وَالْعَافِيَةَ"، ثُمَّ قَالَ لِي: "مَا أَخْوَفَنِي أَنْ تَكُونَ دَعْوَةُ الشَّيْخِ الصَّالِحِ أَدْرَكَتْهُ"، قُلْتُ: أَيُّ شَيْخٍ؟ قَالَ: "الْقَعْنَبِيُّ، بَلَغَنِي أَنَّهُ دَعَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ افْضَحْهُ، لا أَحْسِبُ مَا بُلِيَ بِهِ إِلا بِدَعْوَةِ الشَّيْخِ"، قُلْتُ: كَيْفَ دَعَا عَلَيْهِ؟ قَالَ: "بَلَغَنِي أَنَّهُ أَدْخَلَ عَلَيْهِ حَدِيثًا، أَحْسِبُهُ عَنْ ثَابِتٍ، جَعَلَهُ عَنْ أَنَسٍ، فَلَمَّا فَارَقَهُ رَجَعَ الشَّيْخُ إِلَى أَصْلِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَاتَّهَمَهُ فَدَعَا عَلَيْهِ".

قُلْتُ: إِنَّهُ حَدَّثَنِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ ابْنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ»، فَقَالَ: "بَاطِلٌ وَزُورٌ، لا أَصْلَ لَهُ".

ثُمَّ جَعَلَ يَرْغَبُ إِلَى اللَّهِ فِي السَّتْرِ وَالْعَافِيَةِ.

عَنَى أَبُو زُرْعَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ: أَنَّ لا أَصْلَ لَهُ مَرْفُوعٌ.

وَقَدْ رَوَاهُ جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فقَطُّ، رَوَى عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ فَلا أَدْرِي لَمْ يَحْفَظْهُ أَبُو زُرْعَةَ، أَوْ قَالَ: لا أَصْلَ لَهُ أَصْلا، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَحْفَظُهُ عَنِ ابْنِ عُمَر مَوْقُوفًا" انتهى كلام البرذعي.

قلت:

فالبرذعي سأل أبا زرعة عن أحاديث سمعها من "جعفر بن عبدالواحد بن جعفر بن سُلَيْمَان بن عَلِيّ بن عَبْدِاللَّهِ بْنِ العباس بن عبد المطلب"، وكان السياق أنه بيّن أن هذه الأحاديث التي سأله عنها البرذعي "لا أصل لها".

وإنما قال عن حديثنا هذا "باطل"؛ أي إسناده هذا؛ لأنه لا يُعرف أن يحيى بن أبي كثير روى عن عمرو بن دينار شيئاً! فحكم على هذه الطريق بالبطلان أي لا أصل لها من طريق يحيى عن عمرو. فهو لم يحكم بالبطلان على الحديث ولا على الرفع كما توهم الشيخ! وإلا فهو يعلم اختلاف الرواة على عمرو فيه بين الوقف والرفع، فرجح الوقف كما في «علل ابن أبي حاتم».

وقد ذكر الخطيب البغدادي كلام البرذعي كله في ترجمة جعفر في «تاريخ بغداد».

·       تفسير البرذعي لكلام أبي زرعة في حديث آخر!

وقد يقول قائل: هذا الحديث الأخير حديث جُوَيْرِيَةَ بنِ أَسْمَاءَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ"، قال عنه أبو زرعة "بَاطِلٌ وَزُورٌ، لا أَصْلَ لَهُ".

ثم بين البرذعي أنه "عَنَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ فِي حَدِيثِ جُوَيْرِيَةَ أَنَّ لا أَصْلَ لَهُ مَرْفُوعٌ"؛ لأن جُوَيْرِيَة، رواه عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فقَطُّ، أي موقوفا كما رواه عَنْهُ جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ.

فهنا فسر البطلان عن الرفع لا إسناد الحديث، وهذا يشبه حديثنا؟

أقول:

البرذعي - رحمه الله - نعم فسَّر ذلك لأنه وجد تلك الرواية الموقوفة عن جويرية، لكنه في الوقت نفسه قال: "فَلا أَدْرِي لَمْ يَحْفَظْهُ أَبُو زُرْعَةَ، أَوْ قَالَ: لا أَصْلَ لَهُ أَصْلا، وَأَمَّا أَنَا فَإِنِّي أَحْفَظُهُ عَنِ ابْنِ عُمَر مَوْقُوفًا".

يعني أن تفسيره هذا ليس قطعياً، وإنما محاولة لفهم كلام أبي زرعة، وإلا فقد يكون حكم عليه بأنه لا أصل له أصلا! أما هو فيحفظه عن ابن عمر موقوفا.

وعلى كل حال، فهذا الحديث يختلف عن حديثنا؛ لأن هذا الحديث لا اختلاف فيه بين الرفع والوقف كما في حديثنا، سيما وأن حديث جعفر أصلاً مردود عند أبي زرعة، فالظاهر أنه حكم عليه بأنه لا أصل له أصلاً، وربما لم يقف على الرواية الموقوفة، وربما لم يعتبرها أصلاً؛ لأن جعفر بن سليمان الضبعي له تفردات منكرة غير مقبولة، وكان معروفاً بجمع الرقائق، وجالس زهاد البصرة فحفظ عنهم الكلام الرَّقِّيّق في الزهد.

وهذه الرواية التي ذكرها البرذعي لا توجد في كتاب! ولا تعرف رواية لجعفر عن جويرية إلا فيما ذكره البرذعي هنا! ولا يُعرف الحديث عن نافع، وعليه فيكون كلام أبي زرعة في أنه باطل لا أصل له من حديث نافع عن ابن عمر أصلاً.

وعموماً، فرأي أبي زرعة هنا بالبطلان أن هذه الأحاديث لا أصل لها بهذه الأسانيد التي ساقها جعفر الهاشمي، وهو منكر الحديث، متّهم!

قال فيه ابن عدي: "منكر الحديث عَنِ الثقات، وكان يتهم بوضع الحديث".

وقال الدارقطني: "متروك". وقال مرة: "كذاب، يضع الحديث".

ولو أراد أبو زرعة بالبطلان الرفع في حديثنا لبيّن البرذعي ذلك كما حاول بيانه في حديث جويرية!

·       الاختلاف في الحديث بين الرفع والوقف!

ثانياً: الحديث فيه اختلاف كثير على عمرو بن دينار، فرواه عنه جماعة مرفوعاً، ورواه جماعة عنه موقوفاً.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/185): وسمعتُ أَبَا زُرْعَةَ وسُئِلَ عَنْ حديثِ غُنْدَر، عَنْ شُعْبَة، عَنْ وَرْقاء، عَنْ عَمَرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاء بنِ يَسَار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ المَكْتُوبَةُ».

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ زكريَّا بنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاء بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

ورواه ابنُ عُيَينة، وحمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وحمَّادُ بنُ سَلَمة، وأبانُ العطَّارُ، كلُّهم عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ.

وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ أيُّوب، عَنْ عَمْرِو بْنِ دينار، عن عَطَاء بْنِ يَسَار، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفٌ؟

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "الموقوفُ أصحُّ".

وقد أفاض البزار في بيان الاختلاف فيه في "مسنده". وكذا الدارقطني في «العلل» (11/83).

وكذا الخليلي في «الإرشاد» في عدة مواضع: (1/320)، و(2/499).

وخرّجه مرفوعاً الإمام مسلم في «صحيحه»، والترمذي في «جامعه» وقال: "حديث حسن"، ثم قال: "والحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ أَصَحُّ عِنْدَنَا"، ورجح في «العلل» الرفع أيضاً، وقال: "وَمَرْفُوعٌ أَصَحُّ".

وتوقف ابن معين فيه.

قال ابن طهمان: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُولُ: "حديث عن أَبِي هُرَيْرَة، عَنِ الْنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةَ»، يَرْفَعْهُ قَوْمٌ، وَيَوُقِفْهُ قَوْمٌ، جَمِيْعُ الَّذِيْنَ رَوُوْهُ لَيْسَ بِهِمْ بَأَسٌ".

وقال أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (8/138): "صَحِيحٌ مَشْهُوَرٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرٍو رَوَاهُ عَنْهُ الجَمُ الغَفِيرُ".

وقال ابن عبدالبر في «التمهيد» (22/69): "والقَوْلُ قَوْلُ مَنْ رَفَعَهُ وَهُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ".

وقال ابن رجب الحنبلي في «فتح الباري» (6/55): "وقد اختلف فِي رفعه ووقفه، واختلف الأئمة فِي الترجيح، فرجح الترمذي رفعه، وكذلك خرجه مُسْلِم فِي «صحيحه»، وإليه ميل الإمام أحمد، ورجح أبو زُرْعَة وقفه، وتوقف فِيهِ يَحْيَى بْن معين، وإنما لَمْ يخرجه البخاري لتوقفه، أو لترجيحه وقفه. والله أعلم".

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (2/149): "(قَوْلُهُ بَابُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا المَكْتُوبَةَ): هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لَفْظُ حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ مُسلم وَأَصْحَاب السّنَن وابن خُزَيْمَة وابن حِبَّانَ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَاخْتُلِفَ عَلَى عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ، وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ هُوَ السَّبَبُ فِي كَوْنِ البُخَارِيِّ لَمْ يُخَرِّجْهُ، وَلَمَّا كَانَ الحُكْمُ صَحِيحًا ذَكَرَهُ فِي التَّرْجَمَةِ، وَأَخْرَجَ فِي البَابِ مَا يُغْنِي عَنْهُ لَكِنَّ حَدِيثَ التَّرْجَمَةِ أَعَمُّ مِنْ حَدِيثِ البَابِ لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا وَحَدِيثُ الْبَابِ يَخْتَصُّ بِالصُّبْحِ".

هكذا اختلف الأئمة في الحكم على هذا الحديث بين الرفع والوقف والتوقف!

الحديث رواه وَرْقَاءُ بنُ عُمَرَ اليَشْكُرِيُّ، والحسين بن المُعلِّم، ومحمد بن جُحادة، ومُحَمَّدُ بنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، وزياد بن سعد، وَمَعْقِل بن عُبيدالله الجزري، وعَبْدُالعَزِيزِ بْنُ حُصَيْنٍ، وَعُمَرُ بْنُ قَيْسٍ، وَبَحْرٌ السَّقَّا، وعَبْدالعَزِيزِ بنِ رَفِيعٍ، والحَسَنُ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْجَفْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ المَكِّيُّ، كلهم عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ المكيّ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقالوا: رواه ابن جُرَيْجٍ، والثَّوْرِيِّ، وسُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، وحَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، وأَيُّوب، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عن عَطَاء بن يَسَارٍ، عن أَبي هُرَيْرَةَ، موقوفاً.

لكن بيّن الدارقطني أن رواية أَيُّوب السِّخْتِيَانِيّ، وابنِ عُيَيْنَةَ، وحَمَّادِ بنِ سَلَمَةَ، وحَمَّادِ بنِ زَيْدٍ، وزَكَرِيَّا بن إِسْحَاقَ، وإبْرَاهِيم بن إِسْمَاعِيلَ بنِ مُجَمِّعٍ، وأَبَانٍ العَطَّارِ، وابن جريجٍ، والثوريّ، اختلف عليهم في الرفع والوقف.

فروي عن هؤلاء بالرفع والوقف.

فمثلاً رواية أيوب السختياني:

رَفَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ عَنْهُ.

وَتَابَعَهُ مَعْمَرٌ، وَأَبُو حَمْزَةَ السُّكَّرِيُّ، وَدَاوُدُ بْنُ الزِّبْرِقَانِ، رَوَوْهُ عَنْ أيوب مرفوعاً.

ورَوَاهُ شُعْبَةُ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ، وَيَزِيدُ بْنُ زريع، وعبدالوارث بن سعيد، وعبدالوهاب الثقفي، عَنْ أَيُّوبَ مَوْقُوفًا.

ورواه ابن عُلَيَّةَ، واختلف عليه: رَوَاهُ فَتْحُ بْنُ هِشَامٍ التُّرْجُمَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، مرفوعاً، وَوَقَفَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ!

وَاخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، فَرَوَاهُ أَبُو الْأَشْعَثِ أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَالْعَلَاءُ بْنُ هِلَالٍ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، مَرْفُوعًا، وَوَقَفَهَ غَيْرُهُمْ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ.

وَاخْتُلِفَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَرَفَعَهُ مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْهُ، وَوَقَفَهُ غَيْرُهُمَا.

وَاخْتُلِفَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، فَرَفَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْهُ وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ.

وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبَانٍ الْعَطَّارِ، فَرَفَعَهُ الْبِرْتِيُّ، عَنْ مُسْلِمٍ عَنْهُ، وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ.

وَرَوَاهُ الْحَجَّاجُ بْنُ الْحَجَّاجِ، وَرَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ مَوْقُوفًا.

وَاخْتُلِفَ عَنِ الثَّوْرِيِّ، فَرَفَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ بِهْرَامٍ، عَنْ إِسْحَاقَ الْأَزْرَقِ عَنْهُ.

وَتَابَعَهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ الْيَمَامِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الثَّوْرِيِّ.

وَاخْتُلِفَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، فَرَفَعَهُ ابْنُ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ، وَرَفَعَهُ أَيْضًا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرٍو، وَالْمَحْفُوظُ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرٍو. [علل الدارقطني (11/87-92)].

وقد روى الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/316) الحديث من رواية حُمَيْد بن مَسْعَدَةَ، ويَزِيد بن هَارُونَ، كلاهما عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، موقوفاً، ولَمْ يَرْفَعوه.

قَالَ حَمَّادٌ: "فَكَانَ أَيُّوبُ يَرْفَعُهُ عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ".

ثم رواه من طريق سَعِيد بن مَنْصُورٍ، عن سُفْيَان، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، موقوفاً.

قَالَ سَعِيدٌ: فَقُلْتُ لِسُفْيَانَ: أَمَرْفُوعٌ؟ قَالَ: "يَرَى عَمْرٌو أَنَّهُ مَرْفُوعٌ".

وروى البيهقي في «السنن الكبرى» (2/679) (4224) الحديث من طريق زَكَرِيَّا بن عَدِيٍّ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، موقوفاً.

قَالَ زَكَرِيَّا: قَالَ حَمَّادٌ: قَالَ عَلِيُّ بنُ الحَكَمِ: "حَدَّثَ بِهَذَا عَمْرٌو مَرَّةً فَرَفَعَهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ لَمْ تَكُنْ تَرْفَعُهُ قَالَ: بَلَى، قال: لا، واللهِ، قَالَ: فَسَكَتَ".

وعليه فجزم بعض أهل العلم بأن أيوب أو ابن عيينة وغيرهما رووه بالرفع خطأ! فالرواية عنهم مختلفة.

ويُشبه أن الاختلاف من عمرو بن دينار نفسه، كان يرفعه ويقفه! وكثير ممن رواه عنه من الوجهين من الأئمة الكبار، ولهذا توقف ابن معين في الترجيح بين الوجهين.

وكأن عمرو بن دينار كان يقفه أولاً، ثم حدّث به بعد فرفعه، وما نقله حماد عن علي بن الحكم ومراجعة بعضهم لعمرو أنه لم يكن يرفعه، فسكت دليل على أنه ربما وهم فيه بعد فرفعه، والثابت أنه كان يقفه من قبل.

والذي أميل إليه إلى أن الراجح في هذا الحديث هو الوقف، فهو يُشبه الموقوفات، والله أعلم.

·       دعوى أن مسلماً أخرج الحديث في «صحيحه» لإعلاله!

ثالثاً: ودعوى الشيخ أن مسلماً خرّجه لإعلاله دعوى لا دليل عليها! وزعمه بأن السياق يدل على ذلك حجة عليه لا له!

فمن قال بأن مسلماً يخرّج بعض الأحاديث لبيان علتها قالوا إنه يفعل ذلك بتأخير الرواية المعلولة، ويتبين ذلك من خلال السياق، وهذه مسألة طويلة لا أريد الخوض فيها، لكن هنا السياق يدلّ على أنه رجح الرفع، لا أنه أراد تعليل الرواية كما زعم الشيخ!

وهو إنما زعم هذا الزعم؛ لأنه جاء بحكم أبي زرعة عليه بالبطلان وترجيحه للوقف في مكان آخر، وهو ممن يُقدّم صحيح مسلم على صحيح البخاري! فأراد الدفاع عن تخريج مسلم له فقال بأنه أخرجه لتعليله!

ومن قال بتقديم صحيح مسلم على صحيح البخاري لم يعرف البخاري ولا صحيحه، فأين صحيح مسلم من صحيح البخاري؟!

والسياق عند مسلم يدل على أنه يراه مرفوعاً ولم يخرجه لبيان علته فهو بدأ الباب به ثم أخرج بعده حديث ابن بُحَينة الذي أخرجه البخاري في الباب، فلو أن مسلما أخره لربما قلنا إنه خرجه لبيان علته، بل هو أشار إلى أن عمرواً وقفه مرة، لكن عمله يدل على أنه يرجح المرفوع.

قال مسلمٌ - رحمه الله-: حَدَّثَنَي أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ».

قال: وحَدَّثَنِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، وَابْنُ رَافِعٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، حَدَّثَنِي وَرْقَاءُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ.

وحَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَبِيبٍ الْحَارِثِيُّ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، يَقُولُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةُ».

وحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.

وحَدَّثَنَا حَسَنٌ الْحُلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ. قَالَ حَمَّادٌ: «ثُمَّ لَقِيتُ عَمْرًا، فَحَدَّثَنِي بِهِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ».

ثم قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: "عَبْدُاللهِ بنُ مَالِكٍ ابْنُ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ".

قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ: "وَقَوْلُهُ «عَنْ أَبِيهِ» فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَطَأٌ".

فلا أدري كيف السياق هنا يدل على أن مسلماً إنما خرجه لتعليله؟!

فهو بدأ به الباب وثنّى بحديث ابن بحينة، فهو يرى صحة المرفوع. وهذا ما صرح به ابن رجب أن مسلماً رجح رفعه كما سبق نقل كلامه.

فربما لأجل هذا الاختلاف لم يُخرّجه البخاري، وإنما استفاد منه في الترجمة، فترجم به: "بابٌ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلَّا المَكْتُوبَةَ". وساق حديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ.

والميل إلى أن البخاري لم يخرجه لأنه يُرجّح وقفه، والله أعلم.

وعليه فقد أخطأ الكاتب في فهم كلام أبي زرعة! وكذا في زعمه بأن مسلمًا خرجه لتعليله!

رابعاً: وكذا وهم الكاتب في قوله إن مالكاً خرجه موقوفًا على أبي هريرة! فمالك لم يخرجه أبداً!

وأنصح هذا الكاتب وغيره بأن يتقوا الله في علم الحديث.

·       هل تفرد غُندر برواية الحديث عن شعبة؟

أخرج أبو نُعيم في «الحلية» (9/222) الحديث من طريق الإمام أحمد، عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ غُندر، عن شُعْبَة، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ».

قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ وَرْقَاءَ، قِيلَ: إِنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ غُنْدَرٌ عَنْهُ".

قلت: بل توبع غندر عليه، تابعه أبو الوليد الطيالسي.

رواه ابن بشران في «أماليه» - الجزء الثاني (1245) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ زِيَادٍ القطان، قال: حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْيَمَانِ، قال: حدثنا أَبُو الوَلِيدِ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ وَرْقَاءَ، به.

قال ابن بشران: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَهُوَ حَدِيثٌ عَالٍ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ وَرْقَاءَ".

ورواه الخطيب في «تاريخه» في ترجمة «جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ اليَمَانِ الصِّرَائِيّ» - وكان ثقة - (8/93) قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ابن شاذان، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْقَطَّانِ، به.

وقد تقدمت رواية مسلم عن الإمام أحمد أيضاً، ثم ساقه من حديث شَبَابَة، عن وَرْقَاء، وهذه متابعة لشعبة أيضاً.

·       زيادة منكرة في متن الحديث: «ولا رَكْعَتَيِ الفَجْرِ»!

روى ابن عدي في «الكامل» في ترجمة «يحيى بن نصر بن حاجب» (18605) قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ إِسْمَاعِيلَ المَرْوَزِيُّ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بنُ سَيَّارٍ، قال: حدثنا يَحْيَى بنُ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ الْمَرْوَزِيُّ، قال: حدثنا مُسْلِمُ بنُ خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ولا رَكْعَتَيِ الفَجْرِ؟ قَالَ: «ولا رَكْعَتَيِ الفَجْرِ».

قال ابن عدي: "وهذا الحديث يرويه عن عَمرو بن دينار جماعة بهذا الإسناد، ولا أعلم ذكر هذه الزيادة في متنه: «قيل: يا رسول الله، ولا ركعتي الفجر»، غَير يحيى بن نصر، عن مسلم بن خالد، عن عَمرو".

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/679) (4225) من طريق ابن عدي، ثم قال: "وقَدْ قِيلَ: عَنْ أَحْمَدَ بنِ سَيَّارٍ، عَنْ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ، وَهُوَ وَهْمٌ، وَنَصْرُ بنُ حَاجِبٍ المَرْوَزِيُّ لَيْسَ بِالقَوِيِّ، وَابْنُهُ يَحْيَى كَذَلِكَ، وَفِيمَا احْتَجَجْنَا بِهِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كِفَايَةٌ، عَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةِ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ".

وقال البرقاني في «سؤالاته للدارقطني» (628): سألت الحافظ الكبير أبا الحَسَن على بن عُمَر بن أَحْمَد بن مَهْدِيٍّ الدَّارَقُطْنِيَّ، فقُلْتُ: في حَدِيْث عَمْرو بن دِيْنَار عن عَطَاء بن يسار عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إذَا أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ الْمَكْتُوبَةُ» زِيَادة: قِيْلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَلاَ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ؟ قَالَ: «وَلاَ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ»؟

فقَالَ: "ما رواها إلا مُسْلِم بن خَالِد، وعنه نَصْر بن حَاجِب"، ثم قَالَ لِي: "فهذا نَصْر بن حَاجِب، أيش هو؟ قُلْتُ: قَالَوا: إِنَّهُ مَرْوَزِىٌّ".

وقال ابن حجر في «الفتح» (2/149): "وَزَادَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، قَالَ: وَلَا رَكْعَتي الْفجْر» أخرجه ابن عَدِيٍّ فِي تَرْجَمَةِ يَحْيَى بْنِ نَصْرِ بْنِ الْحَاجِبِ، وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ".

قلت: غضّ ابن حجر الطرف عن يحيى راويه! ثم حسّنه! وأنّى يكون حسناً، ويحيى ضعيف جداً! ومسلم بن خالد ضعيف جداً أيضاً ولا يُحتج به! والحديث رواه جماعة كبيرة عن عمرو بن دينار دون هذه الزيادة! وهي زيادة منكرة!

قال أبوزرعة: "يَحْيَى بن نصر بن حاجب: ليس بشيء".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سئل أبي عنه؟ فقال: "تكلّم الناس فيه".

وقال العقيلي: "يَحْيَى بْنُ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ الْقُرَشِيُّ: مُنْكَرُ الْحَدِيثِ".

وذكر ابن حبان له في «الثقات» لا يرفع من حاله!

وقول ابن عدي فيه: "أرجو أنه لا بأس به" يعني أنه لا يتعمد الكذب.

وكأن أصل هذه الزيادة في متن هذا الحديث جاءت من الحديث الصحيح الذي يرويه ابن بحينة، وقد تقدم ذكره، وهو: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

·       تنبيه مسلم على خطأ القعنبي في روايته! وتصحيح مسلم له! وهل يجوز إصلاح الوهم في الإسناد؟ وهل وهم القعنبي فيه؟ والاختلاف في اسم راوي الحديث!

قال مسلم: حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا نَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ لِي: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُكُمُ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: "عَبْدُاللهِ بنُ مَالِكٍ ابْنُ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ".

قَالَ أَبُو الْحُسَيْنِ مُسْلِمٌ: "وَقَوْلُهُ «عَنْ أَبِيهِ» فِي هَذَا الحَدِيثِ خَطَأٌ".

قال مسلم: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، قَالَ: أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ، فَرَأَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا يُصَلِّي وَالْمُؤَذِّنُ يُقِيمُ، فَقَالَ: «أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟».

قلت: الظاهر أن القعنبي قال فيه: "عن عبدالله بن مالك بن بحينة عن أبيه"، وهو وهم كما قال الإمام مسلم، ولهذا جعل مسلم روايته "عن عبدالله بن مالك بن بحينة" دون ذكره "عن أبيه" = يعني أنه أصلح روايته وأسقطها من سنده، ثم نبّه على وهمه فيها!

وهذا الفعل من مسلم يدلّ على أنه يجوز إصلاح الإسناد إذا كان فيه وهما! وهذا فيه نظر! فالأصل أن يروي الحديث كما سمعه ثم يُنبه على الوهم فيه.

قال أبو علي الجياني في «تقييد المهمل وتمييز المشكل» (2/589): "وذكر مسلم بن الحجاج أن القعنبي قال في هذا الإسناد: عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن حفص بن عاصم، عن عبدالله بن مالك ابن بحينة، عن أبيه. قال مسلم: قوله: «عَنْ أَبِيهِ» في هذا الإسناد خطأ. وأسقط مسلم في «مسنده» من هذا الإسناد قوله: «عَنْ أَبِيهِ» من رواية القعنبي، ولم يذكره إلا أنه نبه عليه كما ترى".

وقال أبو مسعود الدمشقي في «جوابه للدارقطني عما بين غلط مسلم»: "ثُمَّ قَالَ مُسْلِمٌ فِي آخِرِ حَدِيْثِهِ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ قَالَ: قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيْهِ.

قَالَ مُسْلِمٌ: وَقَوْلُهُ: «عَنْ أَبِيهِ» خَطَأٌ.

وَأَسْقَطَ مُسْلِمٌ «عَنْ أَبِيهِ» فِي أَوْلِ الحَدِيْثِ، فِي نَفْسِ الحَدِيْثِ، وَبَيَّنَهُ فِي عَقِبِهِ".

قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: "وَهَذَا أَخْطَأَ فِيْهِ الْقَعْنَبِيُّ، عَلَى إِبْرَاهِيْمَ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ أَبُو رُوَيْقٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَلَفَ، عَنْ إِبْرَاهِيْمَ، عَنْ أَبِيْهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيْهِ، وَلَمْ يُتَابِعْ الْقَعْنَبِيّ فِي قَوْلِهِ عَنْ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ سَعْدٍ. عَلَى هَذَا أَخْطَأَ فِيْهِ، كَمَا قَالَ مُسْلِمٌ".

وقال البيهقي في «السنن الكبرى» (2/676): "رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ الْقَعْنَبِيِّ دُونَ ذِكْرِ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ الْقَعْنَبِيُّ: عَبْدُاللهِ بْنُ مَالِكٍ ابْنُ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَوْلُهُ: «عَنْ أَبِيهِ» فِي هَذَا الْحَدِيثِ خَطَأٌ".

وقال ابن رجب في «فتح الباري» (6/59): "وقد رَوَى هَذَا الحَدِيْث القعنبي، عَن إِبْرَاهِيْم بْن سعد، فَقَالَ فِيهِ: عَن عَبْدالله بْن مَالِك ابن بحينة، عَن أَبِيه، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وقوله: «عَنْ أَبِيهِ» وهم -: قاله الإمام أحمد وابن معين وسليمان بن داود الهاشمي ومسلم - ذكره فِي «صحيحه» - وغيرهم".

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (2/151): "وَقَدْ رَوَاهُ الْقَعْنَبِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ مِنَ الوَهْمِ، قَالَ: عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ عَنْ أَبِيهِ! قَالَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: قَوْلُهُ عَنْ أَبِيهِ خَطَأٌ انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَهْلَ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ عَنْ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ ظَنَّ أَنَّ رِوَايَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُرْسَلَةٌ فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أعلم".

·       متابعات للقعنبي:

قلت: ورواية القعنبي هذه رواها أَبُو يُوسُف يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/213) قال: حَدَّثَنَا ابنُ قَعْنَبٍ وَأَبُو صَالِحٍ قَالا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكٍ بْنِ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ: «أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بِرَجُلٍ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا يَدْرِي مَا هُوَ. قَالَ: فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا بِهِ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: قَالَ: يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبعًا».

قلت: يظهر هنا أن القعنبي قد توبع على ذكر «عَنْ أَبِيهِ» في هذه الرواية، تابعه أبو صالح عبدالله بن صالح كاتب الليث! وهو جيد في المتابعات.

وأبو صالح يروي نسخة عن إبراهيم بن سعد، وروايته هذه في الجزء الذي يرويه «من نسخة إبراهيم بن سعد»  (ص: 96) (1468)، ويرويها عن أبي صالح: أبو الحسن محمد بن عبدالسلام بن أبي السوار السراج.

وتابعهما أيضاً مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَاسِطِيُّ.

أخرج حديثه الطبراني في «المعجم الكبير» (19/298) (663) قال: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ المُقْرِئُ الوَاسِطِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ خَالِدٍ الوَاسِطِيُّ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، فذكره.

ورواه أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2475) (6026) عن الطبراني.

ومحمد بْن خَالِد بن عَبْداللَّه بْن يزيد الواسطيّ الطحان ضعّفه أبو زرعة واتهمه ابن معين.

وقال أبو حاتم: "هو على يدي عدل" = يعني هالك.

وَقَال أَبُو أَحْمَد ابن عَدِيّ: "أشد ما أنكر عليه يحيى بن مَعِين وأَحْمَد روايته عَن أبيه عن الأعمش. ثم له من الحديث المنفرد الذي أنكرت عليه غير ما ذكرت أحاديث عداد".

وذكره ابنُ حِبَّان فِي كتاب «الثقات» (9/90)، وقَال: "يُخطئ ويُخالف".

قلت: هو ضعيف بمرة، ولا يُحتج به، لكن في باب المتابعات يُعتبر به، ومتابعته هنا للقعنبي وأبي صالح لا بأس بها.

وسيأتي أنه وقع في رواية عند ابن منده أنّ يونس بن محمد المؤدب وافق القعنبي فيه كما نقله عنه ابن حجر في «الإصابة»، وهذه متابعة ثالثة.

وقد تقدم فيما ذكره أبو مسعود الدمشقي أن أَبا رُوَيْقٍ عَبْدالرَّحْمَنِ بن خَلَفَ رواه عن إبراهيم كما رواه القعنبي، فهي متابعة رابعة.

وأبو رُويق بصري ليس به بأس، توفي سنة (279هـ)، ترجم له الخطيب في «تاريخه» (11/564).

لكن هذه الرواية قد يكون فيها سقط! فإن إبراهيم بن سعد توفي سنة (185هـ)، فينبغي أن يكون بينه وبين أبي روق واسطة.

وعموماً فهؤلاء أربعة (أبو صالح، ومحمد الواسطي، وأَبو رُوَيْق، ويونس المؤدب) تابعوا القعنبي عليه، فهو لم يهم فيه وإنما أدّاه كما سمعه.

·       وهم الإمام مسلم في نسبة الوهم للقعنبي! وإنما هو من إبراهيم بن سعد!

وعليه فإن نسبة الوهم للقعنبي فيها نظر! والذي يظهر لي أن الوهم في ذكر «عن أبيه» في الرواية من إبراهيم بن سعد، وهو ثقة لكنه ربما أخطأ في الحديث.

ثم وجدت ابن معين يُشير إلى أن الخطأ في هذا من إبراهيم بن سعد.

قال عباس الدوري في «تاريخه» (3/148): سَمِعت يحيى يَقُول: "يرْوى عَن عبدالله بن مَالك بن بُحَيْنَة وَهُوَ الَّذِي رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَإِنَّمَا يرْوي عَن عبدالله بن مَالك بن بُحَيْنَة عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِبْرَاهِيم بن سعد، وهَذَا خطأ لَيْسَ يرْوى أَبوهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا، إِنَّمَا هُوَ الَّذِي رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم".

قَالَ يحيى: "بُحَيْنَة هي أمّه".

قلت: فهنا ذكر ابن معين أن من يذكر في الرواية «عن أبيه» هو إبراهيم بن سعد.

وهنا أُنبه على أن قول ابن رجب المتقدم: "وقوله: «عَنْ أَبِيهِ» وهم -: قاله الإمام أحمد وابن معين وسليمان بن داود الهاشمي" لا يقصد أنهم وهّموا القعنبي؛ لأنه ذكر هذا عنهم بعد ذكره لرواية القعنبي عند مسلم، وإنما قصد بيان أن «عَنْ أَبِيهِ» في الإسناد خطأ، وتبيّن لنا أن ابن معين نسب الوهم لإبراهيم بن سعد، وعليه يُحمل أيضاً قول أحمد وسليمان الهاشمي، والله أعلم.

والعجب من ابن حجر كيف فسّر كيفية وقوع الوهم للقعنبي فيما نقلناه عنه آنفاً مُسلِّماً أنه وهم فيه! وليس كذلك!

·       الاختلاف في اسم راوي الحديث!

والاختلاف في هذا الحديث إنما هو في جعله من رواية "مالك بن بحينة" أو من رواية ابنه "عبدالله بن مالك بن بحينة"؟

والحديث رواه البخاري في «صحيحه» (1/133) (663) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بنُ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ، قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ. [ح]

وَحَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابْنَ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلًا مِنَ الأَزْدِ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَثَ بِهِ النَّاسُ، وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الصُّبْحَ أَرْبَعًا، الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

قال البخاري: "تَابَعَهُ غُنْدَرٌ، وَمُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ فِي مَالِكٍ.

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: عَنْ سَعْدٍ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ ابْنِ بُحَيْنَةَ.

وَقَالَ حَمَّادٌ: أَخْبَرَنَا سَعْدٌ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ مَالِكٍ".

قلت: بيّن البخاري اختلاف الرواة في تسميته!

فرواه عَبْدُالعَزِيزِ بنُ عَبْدِاللَّهِ الأويسي، عن إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ.

ورواه حماد بن سلمة، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص، عَنْ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ.

ورواه ابنُ إِسْحَاقَ، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ حَفْصٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُحَيْنَةَ.

ورواه بهز، وغُنْدَرٌ، وَمُعَاذٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص، عن مَالِك بن بحينة.

ورواه حَجَّاجٌ، والْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، ووَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، وشَبَابَةُ، وأَبُو النَّضْرِ، ويحيى بن سعيد، كلهم: عن شُعْبَة، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ.

ورواه يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، وأبو داود الطيالسي، وهَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ.

فبَعْضُ الرواة عن شعبة قالوا: "عَنِ ابْنِ بُحَيْنَةَ" دون تسميته، وَأَكْثَرُهُمْ عنه قَالُوا: "مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ".

وقد تقدم أن حماد بن سلمة رواه عن سعد، عن حفص، عن مالك بن بحينة كما رواه الأكثرية عن شعبة.

قال البيهقي في «السنن الكبرى» (2/677): "والصَّحِيحُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: عَبْدُاللهِ بنُ مَالِكٍ ابْنُ بُحَيْنَةَ، وَهُوَ عَبْدُاللهِ بْنُ مَالِكِ بْنِ القَشِبِ مِنْ أَزِدِ شَنُوءَةَ، وَأُمُّهُ بُحَيْنَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ، قَالَهُ عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ".

وقال أبو علي الغساني الجياني في «تقييد المهمل» (2/588): "ورواية عبدالعزيز الأويسي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن حفص بن عاصم،، عن عبدالله بن مالك ابن بحينة، عندهم أصح من رواية شعبة".

قَالَ أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي: "أهل الْعرَاق مِنْهُم شُعْبَة وَحَمَّاد وَأَبُو عوَانَة يَقُولُونَ: مَالك بن بُحَيْنَة، وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ: عبدالله بن مَالك بن بُحَيْنَة، وَهُوَ الصَّوَاب. وَذكر البُخَارِيّ فِي تَارِيخه تَرْجَمَة عبدالله بن مَالك بن بُحَيْنَة ثمَّ قَالَ: وَقَالَ بَعضهم: مَالك بن بُحَيْنَة، وَالْأول أصح".

وقال أبو نُعيم في «معرفة الصحابة» (5/2474): "مَالِكُ ابْنُ بُحَيْنَةَ: رَوَى حَدِيثَهُ سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ، عن مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، وَصَوَابُهُ عَبْدُاللهِ بْنُ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ".

وقال ابن رجب في «فتح الباري» (6/58): "وقد أشار البخاري إلى الاختلاف فِي اسم «ابن بحينة»، فخرّجه من طريق إبراهيم بن سعد، عَن أبيه، وسمى الصحابي: «عَبْدالله بْن مَالِك ابن بحينة»، وذكر أن ابن إسحاق قالَ: عن سعد «عن عبدالله بن بحينة»، وخرجه من طريق شعبة، وسماه: «مَالِك ابن بحينة»، وذكر أن حماداً رواه عَن سعد كذلك، وحماد هُوَ: ابن سَلَمَة. وكذا رواه أبو عوانة، عَن سعد - أيضاً. وقيل عَنْهُ: «عَن ابن بحينة» غير مُسمى.

والصحيح من ذَلِكَ: عَبْدالله بْن مَالِك ابن بحينة -، قاله أبو زُرْعَة والنسائي والترمذي والبيهقي، وغيرهم.

وهُوَ: عَبْدالله بْن مَالِك ابن القشب من أزد شنوءة، حليف لبني عَبْد المطلب، وبُحينة أمه، وهي بحينة بِنْت الحارث بْن عَبْد المطلب -: قاله ابن المديني وابن سعد والترمذي والبيهقي وغيرهم".

·       هل وهم شعبة ومن تابعه في اسم الصحابي؟

وقال ابن حجر في «فتح الباري» (1/352) بعد أن ذكر قول أبي مسعود الدمشقي المتقدم في الاختلاف بين أهل العراق وأهل الحجاز في تسميته: "قلت: وهَذَا لَا يُعل هذَا الخَبَر؛ لِأَن أهل النَّقْد اتَّفقُوا على أَن رِوَايَة أهل العرَاق لَهُ عَن سعد فِيهَا وهم، والظَّاهِر أَن ذَلِك من سعد بن إِبْرَاهِيم إِذْ حدث بِهِ بالعراق، وَقد اغْترَّ ابن عبدالبر بِظَاهِر هَذَا الْإِسْنَاد فَقَالَ لعبدالله بن بُحَيْنَة ولأبيه مَالك صُحْبَة، والله أعلم".

وقال في موضع آخر (2/149): "يُقَال لَهُ: مَالك بن بُحَيْنَةَ هَكَذَا يَقُولُ شُعْبَةُ فِي هَذَا الصَّحَابِيِّ، وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ: أَبُو عَوَانَةَ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَحَكَمَ الحُفَّاظُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ، والبُخَارِيّ، وَمُسلم، وَالنَّسَائِيّ، والإسماعيلي، وابن الشَّرْقِي، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ وَآخَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالوَهْمِ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بُحَيْنَةَ وَالِدَةُ عَبْدِاللَّهِ لَا مَالِكٍ، وَثَانِيهُمَا: أَنَّ الصُّحْبَةَ وَالرِّوَايَةَ لِعَبْدِاللَّهِ لَا لِمَالِكٍ، وَهُوَ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَالِكِ بْنِ الْقِشْبِ -بِكَسْرِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ - وَهُوَ لَقَبٌ، وَاسْمُهُ جُنْدُبُ بن نَضْلَة بن عبدالله. قَالَ ابن سَعْدٍ: قَدِمَ مَالِكُ بْنُ الْقِشْبِ مَكَّةَ - يَعْنِي فِي الْجَاهِلِيَّةِ - فَحَالَفَ بَنِي الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، وَتَزَوَّجَ بُحَيْنَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ وَاسْمُهَا عَبْدَةُ، وَبُحَيْنَةُ لَقَبٌ، وَأَدْرَكَتْ بُحَيْنَةُ الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ وَصَحِبَتْ، وَأَسْلَمَ ابْنُهَا عَبْدُاللَّهِ قَدِيمًا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مَالِكًا فِي الصَّحَابَةِ إِلَّا بَعْضٌ مِمَّنْ تَلَقَّاهُ مِنْ هَذَا الْإِسْنَادِ مِمَّنْ لَا تَمْيِيزَ لَهُ، وَكَذَا أَغْرَبَ الدَّاوُدِيُّ الشَّارِحُ فَقَالَ: هَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يَضُرُّ فَأَيُّ الرَّجُلَيْنِ كَانَ فَهُوَ صَاحب، وَحكى ابن عَبْدِالْبَرِّ اخْتِلَافًا فِي بُحَيْنَةَ هَلْ هِيَ أُمُّ عَبْدِاللَّهِ أَوْ أُمُّ مَالِكٍ؟ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا أُمُّ عَبْدِاللَّهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَيَنْبَغِي أَن يكْتب ابن بُحَيْنَةَ بِزِيَادَةِ أَلِفٍ وَيُعْرَبَ إِعْرَابَ عَبْدِاللَّهِ كَمَا فِي عَبْداللَّهِ بن أُبَيِّ ابنِ سَلُولٍ وَمُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ ابنِ الْحَنَفِيَّةِ".

ثم قال بعد أن تكلّم على اختلاف الرواة في اسمه كما بيّنه البخاري: "فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّهْوُ فِيهِ مِنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ بِالْعِرَاقِ".

قلت: في الموضع الأول صحح ابن حجر قول شعبة ومن تابعه، وجعل الوهم من سعد بن إبراهيم نفسه، ولكن في الموضع الثاني قال بأن الحفاظ وهّموا شعبة ومن تبعه في ذلك! ثم رجع وقال بأنه يحتمل أن يكون السهو من سعد بن إبراهيم لما حدّث به في العراق! فكأنه اضطرب في ذلك!

وما قاله ابن حجر في الموضع الأول هو الصواب، فلا يمكن توهيم ثلاثة من الثقات الأثبات في ذلك، فتعيّن أن يكون الوهم من سعد بن إبراهيم نفسه، فكان يضبط الاسم في الحجاز في بلده، ولما نزل العراق وحدّث به لم يضبط اسمه، وقال ابن حجر إن أهل النقد اتفقوا على أن رواية أهل العراق عن سعد فيها وهم، والوهم منه، وقد صرّح أبو مسعود الدمشقي أن أهل العرَاق مِنْهُم شُعْبَة وَحَمَّاد وَأَبُو عوَانَة يَقُولُونَ: «مَالك بن بُحَيْنَة»، وَأهل الْحجاز يَقُولُونَ: «عبدالله بن مَالكٍ ابن بُحَيْنَة»، وهُوَ بتنوين مَالك وإعراب ابن بُحَيْنَة إِعْرَاب ابن مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا أَبُوهُ، وَبُحَيْنَةَ أُمُّهُ.

قال النووي في «شرح مسلم» (4/210): "الصَّوَابُ فِيهِ أَنْ يُنَوِّنَ مَالِكٍ وَيَكْتُبَ بن بالألف؛ لأن بن بُحَيْنَةَ لَيْسَ صِفَةً لِمَالِكٍ بَلْ صِفَةٌ لِعَبْدِاللَّهِ لِأَنَّ عَبْدَاللَّهِ اسْمُ أَبِيهِ مَالِكٍ وَاسْمُ أُمِّ عَبْدِاللَّهِ بُحَيْنَةُ فَبُحَيْنَةُ امْرَأَةُ مَالِكٍ وَأُمُّ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكٍ".

·       هل أصاب ابن حجر فيما نسبه للأئمة من وهم شعبة ومن تبعه؟ ومتابعة شعيب الأرنؤوط ورفاقه له!

تقدم نسبة ابن حجر توهيم الأئمة لشعبة ومن تبعه في موضعين، فقال: "وَحَكَمَ الحُفَّاظُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ، والبُخَارِيّ، وَمُسلم، وَالنَّسَائِيّ، والإسماعيلي، وابن الشَّرْقِي، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ وَآخَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالوَهْمِ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بُحَيْنَةَ وَالِدَةُ عَبْدِاللَّهِ لَا مَالِكٍ، وَثَانِيهُمَا: أَنَّ الصُّحْبَةَ وَالرِّوَايَةَ لِعَبْدِاللَّهِ لَا لِمَالِكٍ"!

وتبعه على ذلك شعيب الأرنؤوط ورفاقه، فقالوا في تعليقهم على «مسند أحمد» (38/9): "وقد وَهمَ شعبة في هذا الصحابي فقال: مالك ابن بُحينة، وتابعه على ذلك حماد بن سلمة، وقد حكم الحُفَّاظ: يحيى بنُ معين وأحمد والبخاري ومسلم والدارقطني وغيرهم - كما قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" 2/149- عليهما بالوهم فيه في موضعين: أحدهما: أن بحينة والدة عبد الله لا مالك، وثانيهما: أن الصحبة والرواية لعبد الله لا لمالكٍ".

قلت: هؤلاء الحفاظ - رحمهم الله - لم يحكموا على شعبة ومن تبعه بالوهم! وإنما بيّنوا أن الصواب في الإسناد هو: «عبدالله بن مالك ابن بحينة» لا «مالك بن بحينة»، والرواية لعبدالله لا لأبيه مالك، ولم يصرحوا بوهم شعبة ومن تابعه، فقول ابن حجر فيه نظر! لأنهم لم يوهموا شعبة ومن تبعه!

وكذا قول الأرنؤوط ورفاقه في متابعة ابن حجر على ذلك دون تحقيق!

وشعبة وحماد وأبو عوانة رووه كما سمعوه، والوهم ليس منهم. والذي وهم فيه سعد بن إبراهيم لما حدّث به في العراق.

وكان قد حدّث به على الصواب في المدينة كما عند أحمد في «مسنده» (38/12) (22926) عن يَعْقُوب بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ... الحديث.

·       فائدة نفيسة في ضبط وقراءة بعض الأسماء في الأسانيد:

تعرض النووي في «شرحه لمسلم» (2/101) في رواية: "عَطَاءٌ: أَنَّ عُبَيْدَاللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ: أَنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو بن الْأَسْوَدِ الْكِنْدِيَّ.."، فقال: "إِنَّ الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْأَسْوَدِ قَدْ يُغْلَطُ فِي ضَبْطِهِ وَقِرَاءَتِهِ وَالصَّوَابُ فِيهِ أَنْ يُقْرَأَ: «عمرٍو» مجروراً مُنوناً، و«ابنَ الْأَسْوَدِ» بِنَصْبِ النُّونِ وَيُكْتَبُ بِالْأَلْفِ؛ لِأَنَّهُ صِفَةٌ للمقداد، وهو منصوب فينصب، وليس «بن» ها هنا وَاقِعًا بَيْنَ عَلَمَيْنِ مُتَنَاسِلَيْنِ، فَلِهَذَا قُلْنَا تَتَعَيَّنُ كتابته بالألف ولو قرئ «بنِ الأسود» بجر «بن» لفسد المعنى وصار عمرو بن الْأَسْوَدِ وَذَلِكَ غَلَطٌ صَرِيحٌ، وَلِهَذَا الِاسْمُ نَظَائِرٌ منها: «عبدالله بن عمرو بن أُمِّ مَكْتُومٍ» كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ آخِرَ الْكِتَابِ فِي حَدِيثِ الْجَسَّاسَةِ، و«عَبْدُاللَّهِ بن أبيّ بن سلول»، و«عبدالله بن مالك بن بُحينة»، و«محمد بن علي بن الحنفية»، و«إسماعيل بن إبراهيم بن عُلَّية»، و«إسحاق بن إبراهيم بن راهويه»، و«محمد بن يزيد بن ماجه»، فكل هؤلاء ليس الأب فيهم ابناً لمن بعده فيتعين أن يكتب «بن» بِالْأَلِفِ، وَأَنْ يُعْرَبَ بِإِعْرَابِ الِابْنِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا، فَأُمُّ مَكْتُومٍ زَوْجَةُ عَمْرٍو، وَسَلُولُ زَوْجَةُ أُبَيٍّ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ... وَبُحَيْنَةُ زَوْجَةُ مَالِكٍ، وَأُمُّ عَبْدِاللَّهِ، وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ زَوْجَةُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعُلَيَّةُ زَوْجَةُ إِبْرَاهِيمَ، وَرَاهَوَيْهِ هُوَ إِبْرَاهِيمُ وَالِدُ إِسْحَاقَ، وَكَذَلِكَ مَاجَهْ هُوَ يَزِيدُ فَهُمَا لَقَبَانِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمُرَادُهُمْ فِي هَذَا كُلِّهِ تَعْرِيفُ الشَّخْصِ بِوَصْفَيْهِ لِيَكْمُلَ تَعْرِيفُهُ فَقَدْ يَكُونُ الْإِنْسَانُ عَارِفًا بِأَحَدِ وَصْفَيْهِ دُونَ الْآخَرِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَهُمَا لِيَتِمَّ التَّعْرِيفُ لِكُلِّ أَحَدٍ وَقَدَّمَ هُنَا نِسْبَتَهُ إِلَى عَمْرٍو عَلَى نِسْبَتِهِ إِلَى الْأَسْوَدِ لِكَوْنِ عَمْرٍو هُوَ الْأَصْلَ وَهَذَا مِنَ الْمُسْتَحْسَنَاتِ النَّفِيسَةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

·       مالك والد عبدالله ابن بُحينة لا صحبة له!

تبيّن من خلال ما سبق أن الصحبة لعبدالله بن مالك لا لوالده مالك، وقد أخطأ من ذكر مالكاً في الصحابة كابن عبدالبر.

قال ابن عبدالبر في «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» (3/404) (2285): "مالك ابن بُحينة: هو مالك بن القشب الأزدي، من الأزد والد عبدالله بن مالك بن بحينة، لم أجد أحدًا منهم يزيد في نسب مالك هذا شيئاً، وأجمعوا أنه أزدي وأن أمه بحينة قرشية مطلبية من بني المطلب بن عبد مناف إلا أن منهم من يقول: إن بحينة أم ابنه عبدالله بن مالك ابن بحينة. وسنذكر عبدالله بن مالك بن بحينة في بابه إن شاء الله تعالى، لأن لعبدالله بن مالك ولأبيه جميعًا صحبة، وتوفي ابن بحينة في آخر خلافة معاوية".

قلت: وهم ابن عبدالبر في ذلك، وقد اعتمد على إثبات الصحبة لمالك والد عبدالله على الحديث السابق الذي جاء فيه «عن مالك ابن بحينة»!

وذكر الطبراني في «المعجم الكبير» (19/298): "مَالِكُ بنُ بُحَيْنَةَ الْأَزْدِيُّ أَبُو عَبْدِاللهِ، وَبُحَيْنَةُ أُمُّهُ، وَهِيَ بُحَيْنَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، أُخْتُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ مَالِكُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْقِشْبِ مِنْ أَزْدِ شَنُوءَةَ".

ثم روى عن يُوسُف بن يَعْقُوبَ المُقْرِئ الوَاسِطِيّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: مَرَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، فَكَلَّمَهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا بِهِ نَقُولُ: مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟، قَالَ: قَالَ: «يُوشِكُ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

قلت: ذكره الطبراني كعادته في ذكر مسانيد من وقف عليهم في الأسانيد دون النظر في صحة ذلك أم لا!

وقد سبق أن تبين لنا أن هذا الحديث لعبدالله، وما جاء فيه «عن أبيه» وهم!

وذكر المزي في «تحفة الأشراف» (8/335) قال: ومن مسند مالك بن بُحَينَةَ - إن كان محفوظاً - عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (11181) - حديث: أتصلي الصبح أربعاً؟".

والمزي هنا قال: "إن كان محفوظاً"، وهذا ليس بمحفوظ كما سبق بيانه.

وقد حرر ابن حجر ما يتعلق بمن ذكر مالكا في الصحابة وكيف وقع الوهم في ذلك في «الإصابة» (5/527) فقال: "مالك بن بحينة: قال ابن عبدالبرّ: لعبداللَّه ولأبيه صحبة، وبحينة أم مالك، ومنهم من يقول: إنها أمّ ولده عبداللَّه قال: وتوفي ابن بحينة في أيام معاوية. انتهى.

ولم يُصرح بالمراد، ولكن إيراده إياه في ترجمة مالك قد يُشعر بأن مراده مالك، لكنه صرح في ترجمة عبداللَّه بأنه مراده، وهو الصواب، فقد أرّخه الجمهور في عمل مروان على المدينة، وكان ذلك في خلافة معاوية بلا ريب، وقيّد بعضهم بسنة ستّ وخمسين.

ولا أعرف لمالك شيئا يتمسك به في أنه صحابي إلا حديثين اختلف بعض الرواة فيهما هل هما لعبداللَّه أو لمالك؟ ولا ترجم البخاري، ولا ابن أبي حاتم، ولا من تبعهما لمالك في الصحابة حتى إنّ ابن أبي حاتم رتّب آباء من اسمه مالك على الحروف، فلما ترجم حرف الباء الموحّدة بيّض، ولم يذكر أحداً.

وأوّل من ترجم لمالك بن بحينة ابن شاهين، فقال: «مالك بن بحينة»، ولم يزد على ذلك ولم يورد له شيئاً، فتبعه ابن عبد البر كعادته، وزاد عليه ما رأيت. وها أنا أذكر شبهة من ذكره في الصحابة.

قال ابن مندة: مالك بن بحينة روى حديثه سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن مالك بن بحينة. والصواب عبداللَّه بن مالك بن بحينة.

وأخرج البخاري من طريق بهز بن أسد، عن شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص بن عاصم، عن مالك بن بحينة أنّ النبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلم رأى رجلا يصلّي ركعتين، وقد أقيمت الصلاة، فقال: «أتصلّي الصّبح أربعا»؟

وقال بعده: تابعه غندر، ومعاذ عن شعبة.

وقال ابن إسحاق، عن سعد بن إبراهيم، عن حفص، عن عبداللَّه، وقال حماد، عن سعد، عن حفص، عن مالك.

وأخرجه مسلم عن القعنبي، عن إبراهيم بن سعد، عن أبيه.

ومن طريق أبي عوانة عن سعد كلاهما عن حفص، عن ابن بحينة: وقال بعده: قال القعنبي: عبداللَّه بن مالك بن بحينة، عن أبيه، وقوله: عن أبيه خطأ، بحينة هي أم عبداللَّه.

قال أبو مسعود حذف مسلم في روايته عن القعنبي قوله: عن أبيه أوّلا، ثم نبّه عليها ليبين خطأها. وأهل العراق شعبة وحماد بن سلمة وأبو عوانة وغيرهم يقولون: عن سعد، عن حفص، عن مالك بن بحينة، وأهل الحجاز يقولون: عبداللَّه بن مالك بن بحينة، وهو الأصح.

قلت: ورواية حماد بن سلمة في هذا وقعت لنا بعلو في المعرفة لابن منده، واختلافهم موضعين: أحدهما هل بحينة والدة مالك أو والدة عبداللَّه، وهذا لا يستلزم إثبات صحبة مالك ولا نفيها. والثاني هل الحديث عند حفص عن مالك بن بحينة بلا واسطة، أو عن عبداللَّه بن مالك عن أبيه أو عن عبداللَّه بغير واسطة سواء نسبه إلى أبيه أو إلى أمه؟

أقوال أصحّها الثالث وبه جزم البخاري.

وقال النّسائي بعد أن أخرج الحديث من طريق وهب بن جرير، عن شعبة، وفيه: عن مالك بن بحينة: هذا خطأ، والصواب عن عبداللَّه بن مالك بن بُحينة.

وقال أبو مسعود أيضا خطأ والقعنبي حيث قال في روايته عن عبداللَّه بن مالك ابن بحينة عن أبيه.

قلت: لكن وقع عند ابن منده أنّ يونس بن محمد المؤدب وافق القعنبي، وكذا أخرجه أبو نعيم في المعرفة من طريق محمد بن خالد الواسطي، كلاهما عن إبراهيم بن سعد، ثم قال ابن مندة: والمشهور عن عبداللَّه بن مالك بن بحينة. انتهى.

وأخرجه ابن ماجة عن أبي مروان العماني، عن إبراهيم بن سعد، فلم يقل فيه عن أبيه، ووقع الاختلاف في حديث آخر هل هو عبداللَّه أو عن مالك؟ ففي الصحيحين من طرق عن الأعرج، عن عبداللَّه بن بحينة حديث السهو عن التشهد الأول، منها رواية الزهري، وجعفر بن ربيعة عنه، وهي عند أصحاب السنن الثلاثة أيضاً.

ومنها رواية يحيى بن سعد الأنصاري، عن الأعرج أيضا من طريق مالك عند البخاري، ومن طريق حماد بن زيد، وابن المبارك في آخرين، وكلّهم عنه، وعند النسائي من طريق عبد ربه بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان، عن مالك بن بحينة.

قلت: وكذلك أخرج الدارميّ من طريق حماد بن سلمة، وأبو نعيم في المعرفة من طريق حماد بن زيد، كلاهما عن يحيى بن سعيد، عن الأعرج، عن مالك بن بحينة، قال النّسائيّ: هذا خطأ والصواب عن عبداللَّه بن مالك بحينة. واللَّه أعلم".

·       رواية جعفر الصادق لهذا الحديث ووهمه فيه!

قال عبدالله بن أحمد كما في «المسند» (38/16) (22934): وَجَدْتُ فِي كِتَابِ أَبِي بِخَطِّ يَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَكْرٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قال: أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَابْنُ الْقِشْبِ يُصَلِّي، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَهُ وَقَالَ: «يَا ابْنَ الْقِشْبِ تُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا، أَوْ مَرَّتَيْنِ؟». ابْنُ جُرَيْجٍ يَشُكُّ.

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/124) (1458) عن أَحْمَد بن الْمِقْدَامِ، عن مُحَمَّد بن بَكْرٍ البرساني، به.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ".

قلت: بل تابعه مخلد بن يزيد القرشي.

رواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (2/217) (915) عن أَبي سَلَمَةَ بن السَّبَّاكِ.

والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (10/309) (4116) من طريق يَعْقُوب بن كَعْبٍ الحَلَبِيّ.

كلاهما (أبو سلمة، ويعقوب) عن مَخْلَد بن يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، به.

وفي آخره عند الطحاوي: "شَكَّ مَخْلَدٌ".

ورواه الحاكم في «المستدرك» (3/486) (5818) من طريق خَالِد بن مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيّ، عن سُلَيْمَان بن بِلَالٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، به. وذكر فيه «أربعا»، ولم يذكر الشك «أو مرتين».

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/678) برقم (4219) عن الحاكم.

فهذا الحديث رواه ابن جريج وسليمان بن بلال عن جعفر الصادق، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ.

وخالفهما حفص بن غِياث، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، فرووه عن جعفر عن أبيه مرسلاً.

أما حديث حفص فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (4/395) (6491) قال: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ وَأَخَذَ بِلاَلٌ فِي الإِقَامَةِ، فَقَامَ ابْنُ بُحَينةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَهُ، وَقَالَ: «يَا ابْنَ الْقِشْبِ، تُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا».

وأما حديث الثوري فرواه البيهقي في «السنن الكبرى» (2/677) (4218) من طريق أُسَيْد بن عَاصِمٍ، عن الحُسَيْن بن حَفْصٍ الأصبهاني، عَنْ سُفْيَانَ، عن جعفر، به.

وأما حديث يحيى بن سعيد، فعند مُسَدَّدٌ في «مسنده» كما في «إتحاف الخيرة المهرة» (1/495).

وقد رجّح أبو حاتم الطريق المرسل.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/350) (425): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ الوليد بن مُسْلِمٍ، عَنِ ابنِ عُيَينة، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن عبدِاللهِ بنِ مالكٍ ابنِ بُحَيْنَةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مرَّ وابنُ القِشْبِ يصلِّي - وَقَدْ أقيمَتِ الصَّلاة - فَقَالَ: يَا ابْنَ القِشْبِ، أَتُصَلِّي الصُّبْحَ أرْبَعًا؟!..؟

قَالَ أَبِي: "هَذَا خطأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ: جعفرٌ، عَنْ أَبِيهِ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم... مُرسَلً، وَلَيْسَ لابنِ بُحَيْنَةَ أصلٌ".

قلت: هكذا رواه جماعة عن جعفر متصلاً، ورواه جماعة عنه مرسلاً، وقد أصاب في ترجيحه - رحمه الله - والاختلاف في ذلك من جعفر نفسه، وكان - رحمه الله - يروي بعض الأحاديث أحياناً فيرسلها ثم يصلها وتكون هي أصلاً مرسلة، وقد أفضت في بيان ذلك في موضع آخر: [سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (12) قال يحيى القطّان: «كانَ جَعفَر - هو: الصَّادق - إذا أخذت منه العفو، لم يكن به بأسٌ، وإذا حَملتَه حَمَلَ على نفسه»].

وقول أبي حاتم: "وَلَيْسَ لابنِ بُحَيْنَةَ أصلٌ" يعني أن القصة لا أصل لها لابن بحينة، فلم تحدث معه وهو ابن القشب، وإنما هو الذي يروي القصة التي حصلت لرجل آخر.

فوهم جعفر الصادق في ذكره أن القصة حصلت لابن بحينة وهذا لا أصل له كما قال أبو حاتم.

·       تعليق شعيب الأرنؤوط ورفاقه على هذه الرواية التي أخرجها أحمد! والتعليق عليهم!

قال شعيب الأرنؤوط ورفاقه في تعليقهم على رواية أحمد المتقدمة (38/17): ["إسناده صحيح على شرط مسلم. جعفر بن محمد: هو جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، المعروف بالصادق.

وأخرجه أبو يعلى (915) من طريق مخلد بن يزيد، عن ابن جريج، بهذا الإسناد. وأخرجه البيهقي في "السنن" 2/482 من طريق سليمان بن بلال، عن جعفر ابن محمد، به.

وأخرجه مرسلاً ابن أبي شيبة 2/252 عن حفص بن غياث، والبيهقي 2/482 من طريق سفيان، كلاهما عن جعفر، عن أبيه: أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دخل ... فذكره

وانظر ما سلف برقم (22921) .

قال السندي: قوله: "وابن القِشْب" هو بكسر القاف وسكون المعجمة ثم موحَّدة، وهو جدُّ عبد الله ابن بُحينة، فأراد بقوله: "وابن القشب" نفسَه، ونسب نفسه إلى جدِّه، والله تعالى أعلم." انتهى] انتهى كلامهم.

قلت:

أولاً: لم يتنبهوا لإعلال أبي حاتم للحديث بالإرسال!

ثانياً: رجحوا الطريق المتصل في ظاهرة، ولم يلتفتوا لرواية حفص المرسلة، ولم يُفسروا ترجيحهم!

ثالثاً: كيف يكون على شرط مسلم وهو منقطع وإن قلنا بثبوت "عبدالله بن مالك بن بحينة" في إسناده!

فعبدالله ابن بحينة مات في ولاية مروان بن الحكم الأخيرة على المدنية، وكانت ولايته تلك من سنة أربع وخمسين إِلَى ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين.

ومحمد بن علي بن الحسين لم يسمع من عبدالله بن بحينة، بل لم يدركه! ومحمد كان مولده سنة ست وخمسين كما قال ابن البرقي.

فالإسناد منقطع على كل الأحوال.

رابعاً: أحالوا على رواية أحمد المتقدمة من طريق شُعْبَة، عن سَعْد بن إِبْرَاهِيمَ، عن حَفْص بن عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، ولم يلتفتوا إلى أن ابن بحينة هو راوي القصة ولم تحصل معه، وزادوا الطين بِلة لما احتجوا بكلام السندي في أنها حصلت معه وهو يرويها عن نفسه ونسب نفسه إلى جدّه!! وهذا من أعجب العجب!!!!

فالرواية التي أحالوا عليها وبقية الروايات واضحة بأن ابن بحينة يروي القصة التي حدثت لرجل لم يُسم، ولم تحدث له هو نفسه! لكن غرّهم كلام السندي في حاشيته على مسند أحمد دون تفكّر!!

خامساً: رواية البيهقي إنما رواها عن شيخه الحاكم وهي في «المستدرك»  (3/486) (5818) فالعزو له أولى.

ووثقوا من كتاب البيهقي (2/482)! وهو خطأ! فالموضع المشار إليه إتما هو لحديث ابن بحينة في السهو، والصواب (2/678).

·       نتائج وفوائد:

1- البَرْدَعِيُّ سأل أبا زرعة عن حديث جَعْفَرِ بنِ عَبْدِالوَاحِدِ الهَاشِمِيّ، عَنْ هَارُونَ بنِ إِسْمَاعِيلَ الْخَزَّازِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلا الْمَكْتُوبَةُ»؟

فَقَالَ: "بَاطِلٌ".

وقصد هنا بالبطلان أي من طريق يحيى بن أبي كثير عن عمرو بن دينار، فلا يُعرف ليحيى رواية عن عمرو.

فلا أصل له من حديث يحيى عن عمرو.

فلم يحكم بالبطلان على متن الحديث، ولا على رفعه.

2- اختلف في حديث: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ، فَلاَ صَلاَةَ إلاَّ المَكْتُوبَةُ» اختلافاً كثيراً، فرفعه جماعة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ووقفه جماعة على أبي هريرة من قوله.

3- خرّجه الإمام مسلم في «صحيحه» مرفوعاً، وكذا الترمذي في «جامعه» وقال: "حديث حسن"، ثم قال: "والحَدِيثُ المَرْفُوعُ أَصَحُّ عِنْدَنَا"، ورجح في «العلل» الرفع أيضاً، وقال: "وَمَرْفُوعٌ أَصَحُّ".

ومال أحمد وأبو داود إلى ترجيح رفعه، وصححه ابن خُزَيْمَة وابن حِبَّانَ.

ورجح رفعه أيضاً أبو نُعيم الأصبهاني، وابن عبدالبر.

ورجح أبو زرعة الوقف.

وتوقف ابن معين فيه؛ لأن جماعة ثقات رووه مرفوعاً، وجماعة ثقات رووه موقوفاً.

4- عدم تخريج البخاري له فيه دلالة على أنه يرى وقفه، وليس من أجل الاختلاف فيه.

واستفاد منه في الترجمة، فترجم به: "بابٌ: إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلَّا المَكْتُوبَةَ".

5- بعض أهل العلم وضعوا بعض الرواة فيمن روى الرفع، وبعضهم فيمن روى الوقف! والحقيقة أن بعضهم قد اختلف عليه في الرفع والوقف كأيوب السختياني وابن عيينة وغيرهما.

وعليه فجزم بعض أهل العلم بأن أيوب أو ابن عيينة وغيرهما رووه بالرفع خطأ! فالرواية عنهم مختلفة.

6- الاختلاف في هذا الحديث من عمرو بن دينار نفسه. والذي ظهر لي أنه كان يقفه أولاً، ثم حدّث به بعد فرفعه، وما نقله حماد عن علي بن الحكم ومراجعة بعضهم لعمرو أنه لم يكن يرفعه، فسكت دليل على أنه ربما وهم فيه بعد فرفعه، والثابت أنه كان يقفه من قبل.

7- الذي أميل إليه إلى أن الراجح في هذا الحديث هو الوقف، فهو يُشبه الموقوفات، والله أعلم.

8- دعوى أن مسلماً خرّجه لإعلاله دعوى لا دليل عليها! والزعم بأن السياق يدل على ذلك حجة على قائل ذلك لا له!

فالسياق عند مسلم يدل على أنه يراه مرفوعاً ولم يخرجه لبيان علته فهو بدأ الباب به ثم أخرج بعده حديث ابن بُحَينة الذي أخرجه البخاري في الباب، فلو أن مسلما أخره لربما قلنا إنه خرجه لبيان علته، بل هو أشار إلى أن عمرواً وقفه مرة، لكن عمله يدل على أنه يرجح المرفوع.

وقد صرّح ابن رجب بأن مسلماً رجح الرفع بتخريجه له في «صحيحه».

9- قال بعض أهل العلم إن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ غُندر تفرد برواية الحديث عن شُعْبَة، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ.. وليس كذلك، فقد تابعه عليه: أبو الوليد الطيالسي فرواه عن شعبة أيضاً.

10- روى يَحْيَى بنُ نَصْرِ بْنِ حَاجِبٍ المَرْوَزِيُّ هذا الحديث عن مُسْلِم بن خَالِدٍ الزَّنْجِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا الْمَكْتُوبَةَ».

وزاد فيه: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ولا رَكْعَتَيِ الفَجْرِ؟ قَالَ: «ولا رَكْعَتَيِ الفَجْرِ».

وهذه الزيادة حسنها ابن حجر! وأخطأ في ذلك! فهي منكرة، فالحديث رواه جماعة كبيرة من أهل العلم الثقات ولم يذكروا هذه الزيادة! ويحيى بن نصر منكر الحديث، ومسلم بن خالد ضعيف جداً لا يُحتج به!

وكأن أصل هذه الزيادة في متن هذا الحديث جاءت من الحديث الصحيح في قصة يرويها عبدالله ابن بحينة وحصلت في صلاة الفجر، وهي: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِرَجُلٍ يُصَلِّي، وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْح..

11- خرَّج الإمام مسلم رواية القَعْنَبِيُّ، عن إِبْرَاهِيم بن سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ...

ثم بيّن أن القعنبي كان يرويه: عن عبدالله بن مالك ابن بحينة عن أبيه"، ثم قال: "وقَوْلُهُ «عَنْ أَبِيهِ» فِي هَذَا الحَدِيثِ خَطَأٌ".

فقال مسلم بوهم القعنبي فيه وحذف الوهم من الرواية لما ساقها في «صحيحه»!

وتبع أهل العلم مسلماً في هذا ونقلوا كلامه كأبي علي الغساني، وأبي مسعود الدمشقي، والبيهقي، وابن رجب، وابن حجر!

والصحيح أن القعنبي لم يهم فيه، بل توبع على زيادة «عن أبيه» في الإسناد، تابعه أبو صالح كاتب الليث، ومحمد بن خالد الواسطي، وأبو رُويق عبدالرحمن بن خلف البصري، ويونس بن محمد المؤدب.

والوهم في هذه الزيادة «عن أبيه» من إبراهيم بن سعد. وقد نصّ ابن معين على أنه هو من روى هذه الرواية بهذه الزيادة.

12- ما كان ينبغي للإمام مسلم أن يذكر رواية القعتبي ويحذف منها ما اعتقد أنه وهم من القعنبي! وإن بيّن بعد ذكره الرواية أن القعنبي وهم فيه!

فالأصل أن يذكر الرواية ثم يبين الوهم الذي ظنّه! فكيف إذا تبيّن لنا أن القعنبي لم يهم فيه أصلاً؟

13- قول ابن رجب: "وقوله: «عَنْ أَبِيهِ» وهم -: قاله الإمام أحمد وابن معين وسليمان بن داود الهاشمي".. لا يقصد أنهم وهّموا القعنبي؛ لأنه ذكر هذا عنهم بعد ذكره لرواية القعنبي عند مسلم، وإنما قصد بيان أن «عَنْ أَبِيهِ» في الإسناد خطأ، وتبيّن لنا أن ابن معين نسب الوهم لإبراهيم بن سعد، وعليه يُحمل أيضاً قول أحمد وسليمان الهاشمي، والله أعلم.

14- تفسير ابن حجر لكيفية وقوع الوهم للقعنبي بقول: "وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى أَهْلَ العِرَاقِ يَقُولُونَ عَنْ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ ظَنَّ أَنَّ رِوَايَةَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مُرْسَلَةٌ فَوَهِمَ فِي ذَلِكَ، وَاللَّهُ أعلم" بناه على أن القعنبي وهم فيه! وليس كذلك! وتفسيره هذا عجيب! فما أدراه أن القعنبي رأى رواية أهل العراق فظن أن رواية أهل المدينة مرسلة؟

15- وقع الاختلاف في رواية الحديث بين أهل العراق وأهل الحجاز، فرواه أهل العراق ومنهم: شعبة، وحماد بن سلمة، وأبو عوانة، فقالوا: "مالك بن بحينة"، ورواه أهل الحجاز وقالوا: "عبدالله بن مالك ابن بحينة".

ورجّح الأئمة، ومنهم: البخاري، وأبو زُرْعَة، والنسائي، والترمذي، والبيهقي، أن الصواب: "عبدالله بن مالك ابن بُحينة".

16- اضطرب ابن حجر الاختلاف الواقع في هذا الحديث! فمرة قال بأن الوهم فيه من سعد بن إبراهيم لما حدّث به في العراق.

ومرة قال بأن الخطأ من شعبة ومن تابعة وأن الحُفَّاظُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ، والبُخَارِيّ، وَمُسلم، وَالنَّسَائِيّ، والإسماعيلي، وابن الشَّرْقِي، وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ وَآخَرُونَ حكموا عَلَيْهِمْ بِالوَهْمِ فِيهِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ بُحَيْنَةَ وَالِدَةُ عَبْدِاللَّهِ لَا مَالِكٍ، وَثَانِيهُمَا: أَنَّ الصُّحْبَةَ وَالرِّوَايَةَ لِعَبْدِاللَّهِ لَا لِمَالِكٍ.

ثم رجع وقال بأنه يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ السَّهْوُ فِيهِ مِنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ لَمَّا حَدَّثَ بِهِ بِالعِرَاقِ!

والصحيح أن شعبة ومن تابعه لم يهموا فيه، وإنما هكذا سمعوه من سعد بن إبراهيم، وسعد وهم فيه لما حدث به في العراق، وكان حدث به على الصواب في الحجاز.

وهؤلاء الحفاظ الذين ذكرهم ابن حجر ونسب لهم توهيمهم لشعبة ومن معه لم يقولوا ذلك! وإنما هم رجّحوا أن الصواب "عبدالله بن مالك بن بحينة"، فبنى ابن حجر على ذلك توهيم شعبة ومن تابعه، وليس كذلك.

17- الصَّوَابُ فِي "عبدالله بن مالك ابن بحينة" أَنْ يُنَوِّنَ مَالِكٍ وَيَكْتُبَ بن بالألف؛ لأن بن بُحَيْنَةَ لَيْسَ صِفَةً لِمَالِكٍ بَلْ صِفَةٌ لِعَبْدِاللَّهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَاللَّهِ اسْمُ أَبِيهِ مَالِكٍ وَاسْمُ أُمِّ عَبْدِاللَّهِ بُحَيْنَةُ فَبُحَيْنَةُ امْرَأَةُ مَالِكٍ وَأُمُّ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَالِكٍ.

وقد وقع في كثير من المطبوعات في تشكيل هذا خطأ! "عبدالله بن مالكِ بنِ بحينة"! وهذا يُفسد المعنى.

18- مالك والد عبدالله لا صحبة له، وبُحينة والدة عبدالله لا مالك، وقد وهم ابن عبدالبر في إثباته الصحبة لمالك، وإنما الصحبة لابنه عبدالله.

19- روى ابن جُريج وسليمان بن بلال عن جَعْفَر الصادق، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ، وَابْنُ الْقِشْبِ يُصَلِّي، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْكِبَهُ وَقَالَ: «يَا ابْنَ الْقِشْبِ تُصَلِّي الصُّبْحَ أَرْبَعًا؟».

ورواه حفص بن غِياث، وسفيان الثوري، ويحيى بن سعيد القطان، وسفيان بن عيينة، عن جعفر الصادق، عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.

20- الاختلاف فيه من جعفر الصادق، وكان يضطرب فيه! رواه متصلاً، ورواه مرسلاً.

ورجّح أبو حاتم الإرسال، وهو الصواب.

21- قال أبو حاتم في الحديث: "وَلَيْسَ لابنِ بُحَيْنَةَ أصلٌ"، ويعني بذلك أن القصة لا أصل لها لابن بحينة، فلم تحدث معه وهو ابن القشب، وإنما هو الذي يروي القصة التي حصلت لرجل آخر.

فوهم جعفر الصادق في ذكره أن القصة حصلت لابن بحينة وهذا لا أصل له كما قال أبو حاتم.

22- لم يلتفت شعيب الأرنؤوط ورفاقه لتعليل أبي حاتم له بالإرسال وصححوا إسناده على شرط مسلم!

وهذا خطأ منهم! فلو ثبت أنه منصلاً لكان منقطعاً.

فعبدالله ابن بحينة مات في ولاية مروان بن الحكم الأخيرة على المدنية، وكانت ولايته تلك من سنة أربع وخمسين إِلَى ذي القعدة من سنة ثمان وخمسين.

ومحمد بن علي بن الحسين لم يسمع من عبدالله بن بحينة، بل لم يدركه! ومحمد كان مولده سنة ست وخمسين كما قال ابن البرقي.

23- أحال شعيب ورفاقه على رواية أحمد المتقدمة من طريق شُعْبَة، عن سَعْد بن إِبْرَاهِيمَ، عن حَفْص بن عَاصِمٍ، عَنْ مَالِكِ ابْنِ بُحَيْنَةَ، ولم يلتفتوا إلى أن ابن بحينة هو راوي القصة ولم تحصل معه، وزادوا الطين بِلة لما احتجوا بكلام السندي في أنها حصلت معه وهو يرويها عن نفسه ونسب نفسه إلى جدّه!! وهذا من أعجب العجب!!!

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك

28 ربيع الثاني 1441هـ.

 

شاركنا تعليقك