الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تحرير التقريب» للشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار معروف (6): الفهم الأَعوج لصاحبي التحرير!

«تحرير التقريب» للشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار معروف (6). الفهم الأَعوج لصاحبي التحرير!

 

قال ابن حجر «التقريب»: "عُبيدُالله بن عمرو بن أبي الوليد الرقيّ، أبو وهب الأسدي: ثقةٌ فقيه ربما وَهِمَ، مِن الثامنة، مات سنة ثمانين، عن ثمانين إلَّا سنة.(ع)".

فتعقّبه صاحبا «تحرير التقريب» (2/412) (4327) بقولهما: "قوله: «ربما وهم» اقتبسها من ابن سعد، وقد انفرد بها، فلا يُعتد بها، فقد أطلق توثيقه يحيى بن معين، والنسائي، وأبو حاتم - وقال: صالح الحديث، ثقة، صدوق، لا أعرف له حديثًا منكرًا -، والعجلي، وابن حبان، وابن شاهين، وابن نُمير".

قلت:

أولاً: لا دليل عندهما على أن ابن حجر اقتبس «ربما وهم» من ابن سعد، وإن كان ابن سعد قالها بعدما وثقه.

قال في «الطبقات الكبرى» (7/336) (3973): "عبيدالله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولى لهم. ويكنى أبا وهب. وكان ثقة صدوقاً كثير الحديث وربما أخطأ...".

وما أدراهما أن قول ابن سعد، وكذا قول ابن حجر نابع منهما من خلال استقراء حديثه!

وكلمة «ربما وهم» لا تقدح في ثقته، بل نص ابن حجر ومن قبله ابن سعد على أنه ثقة، لكن له أخطاء، وهي قليلة، ولا يُعارض ذلك من أطلق توثيقه فيه.

ثانياً: استدلالهما بقول أبي حاتم «لا أعرف له حديثاً منكراً» لم يقصد أنه لا يوجد له أحاديث أخطأ فيها! ففرق بين قول أبي حاتم، وبين «ربما وهم»، فأبو حاتم قال بأنه لا يعرف له حديثاً منكراً = بمعنى النكارة المتعلقة بالمتون.

وليس معنى قوله إنه لا يخطئ في حديثه، بل هو نفسه قد بيّن له بعض الأخطاء في ذلك، منها:

- قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/444) (502): وسألتُ أَبِي عن الحديث الذي رواه عُبَيدالله بن عَمْرٍو، عَنْ أيُّوب، عَنْ أَبِي قِلابَة، عَنْ أَنَسِ بنِ مالك، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ في القراءة خَلْفَ الإمامِ؟

قالَ أَبِي: "وَهِمَ فيه عُبَيدالله بن عمرو، والحديثُ: ما رواه خَالِدٍ الحَذَّاء، عَنْ أَبِي قِلابَة، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عائِشَة، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النبيِّ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن أبي حاتم في «العلل» (3/129) (751): وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رواه عُبَيدالله بن عمرو، عن عبدالملك بْنِ عُمَير، عَنْ جُنْدب بنِ سُفْيان، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَام بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ: المُحَرَّمُ»؟

قَالَ أبي: "أخطأَ فيه عُبَيدالله؛ الصَّوابُ: مَا رَوَاهُ زَائِدَةُ وغيرُه، عن عبدالملك بنِ عُمير، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنتَشِر، عن حُمَيد بن عبدالرحمن؛ منهم من يَقُولُ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَمِنْهُمْ مِنْ يُرْسِلُه؛ يَقُولُ: حُمَيد، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم. والصَّحيحُ مُتَّصِلٌ: حُمَيدٌ، عَنْ أَبِي هريرة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم".

فهنا يقول أبو حاتم: "وهم"، "أخطأ"، وهذا موافق لكلام ابن سعد وابن حجر.

- وسُئِلَ الدارقطني في «العلل» (14/347) (3693) عَنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: «إِنَّ هَذَا الدِّينَ مَتِينٌ فَأَوْغِلْ فِيهِ بِرِفْقٍ، وَلَا تُكَرِّهْ عِبَادَةَ اللهِ إِلَى عِبَادِهِ فَإِنَّ الْمُنْبَتَّ لَا يَقْطَعُ سَفَرًا وَلَا يَسْتَبْقِي ظَهْرًا»؟.

فقال: "يرويه محمد بن سوقة، واختلف عنه:

فرواه عبيدالله بن عمرو الرقي، عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن عائشة.

وخالفه أبو عقيل يحيى بن المتوكل؛ فرواه عن محمد بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر.

ورواه شهاب بن خراش، عن شيبان النحوي، عن محمد بن سوقة، عن الحارث، عن علي.

ورواه عنبسة بن عبدالواحد، عن ... بن سوقة، عن محمد بن المنكدر، مرسلا، وقيل: عن ابن سوقة، عن محمد بن المنكدر، عن الحسن البصري، مرسلا، وقيل عن ابن سوقة، عن ابن المنكدر...

ليس فيها حديث ثابت".

فهذا رواه عُبَيْدُاللهِ بنُ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ أَبُو عُقَيْلٍ يَحْيَى بْنُ الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ.

وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا وهُوَ الصَّحِيحُ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ [شعب الإيمان (5/394)].

فعبيدالله بن عمرو ثقة، ولم يتفرد بحديث منكر، وإنما ربما وقع له الخطأ في بعض الأسانيد، كرفع مرسل، أو إبدال راو بآخر، وهذا يقع فيه غالب أهل الحديث، وخاصة إذا كان مُكثراً من الحديث كعبيدالله - رحمه الله -.

وهناك بعض الأحاديث ذكرها الدارقطني في «العلل» اختلف فيها الرواة عليه، فربما يكون الخطأ منه أو يكون من الرواة عنه، والله أعلم.

 

شاركنا تعليقك