الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الدُّرُ الثمين» في عدم سماع عبدالله بن بُريدة من عائشة أمّ المؤمنين!

«الإِفادات» في بعض السماعات (2)

«الدُّرُ الثمين» في عدم سماع عبدالله بن بُريدة من عائشة أمّ المؤمنين!

·       هل سمع عبدالله بن بُريدة من عائشة؟

رُوي عن عبدالله بن بريدة عن عائشة حديثين، ولم أجد من تعرض لمسألة سماعه من عائشة من الأئمة المتقدمين، وكأن ذلك بسبب قلة الأحاديث التي رواها عنها، وكان الأئمة يروون حديثه عنها في كتبهم دون التعرض لها، وأول من تكلّم عن نفي سماعه منها هو الإمام الدارقطني.

قال الدارقطني في «سننه» (4/336): "ابن بُريدة لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ شَيْئًا".

وتبعه على ذلك البيهقي في «المعرفة» (10/48) فقال: "ابنُ بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، قاله الدارقطني".

وتعقبهم ابن التركماني في «الجوهر النقي» (7/118) فقال: "ابن بريدة ولد سنة خمس عشرة وسمع جماعة من الصحابة، وقد ذكر مسلم في مقدمة كتابه أن المتفق عليه أن إمكان اللقاء والسماع يكفي للاتصال، ولا شك في إمكان سماع ابن بريدة من عائشة، فروايته عنها محمولة على الاتصال، على أن صاحب الكمال صرح بسماعه منها".

قلت: أما المعاصرة فلا شك فيها، لكن لم يثبت أنه سمع منها!

فإذا كان البخاري لم يثبت سماعه عموماً من أبيه الذي عاش في معه في بيته وتوفي سنة (63هـ) وسمع منه حديثاً واحداً، فكيف يكون سمع من عائشة التي توفيت سنة (57هـ) وكانت في المدينة، وهو كان في مرو؟!!

فمن أثبت سماعه من عائشة لا يوجد عنده دليل إلا المعاصرة!

ومن القرائن على أن عبدالله بن بريدة لم يسمع من عائشة: أنه يروي عنها بواسطة.

فقد روى دَاوُدُ بنُ أَبِي الفُرَاتِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ، أَنَّ عَائِشَةَ، أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ الطَّاعُونِ، فَقَالَ: «كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ شَاءَ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلْدَةٍ يَكُونُ فِيهِ فَمَكَثَ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْبَلَدِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».

أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/743) (1353) عن النَّضْر بن شُمَيْلٍ.

ورواه البخاري في «صحيحه» (8/127) (6619) عن إِسْحَاق بن راهويه.

وأخرجه إسحاق أيضاً في «مسنده» (3/1016) (1761)، وأحمد في «مسنده» (42/118) (25212) عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن يزيد المقرئ.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (40/417) (24358) عن يُونُس بن مُحَمَّدٍ المؤدب.

وفيه أيضاً (43/235) (26139) عن عَبْدالصَّمَدِ بن عبدالوارث.

وأخرجه البخاري في «صحيحه» (4/175) (3474) عن مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ التبوذكي.

وفيه أيضاً (7/131) (5734) عن إِسْحَاق، عن حَبَّان بن هلال.

كلهم (النضر، والمقرئ، ويونس، وعبدالصمد، وموسى، وحبان) عن دَاوُد بن أَبِي الفُرَاتِ، به.

والأحاديث التي رواها عبدالله بن بريدة عن عائشة دون واسطة حديثين، وقد تفرد بها عنها! فأين من أكثر عن عائشة من الحفاظ الثقات عن هذه الأحاديث؟!!

وسأسوق هذين الحديثين اللذين رواهما عبدالله بن بريدة عن عائشة:

الحديث الأول: حديث: «قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

هذا الحديث من أشهر الأحاديث التي تُروى عن عبدالله بن بريدة عن عائشة.

·       رواية كهمس بن الحسن البصري عن عبدالله بن بريدة:

رواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/748) (1361) عن النَّضْر بن شُميل.

وأحمد في «مسنده» (42/236) (25384) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ غُندر.

وفيه (42/317) (25497) عن يَزِيد بن هارون.

وفيه أيضاً (42/483) (25741) عن وَكِيع بن الجراح.

والترمذي في «جامعه» (5/416) (3513)، والنسائي في «السنن الكبرى» (9/322) (10642) كلاهما عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ، عن جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيّ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (7/146) (7665)، و(9/323) (10643) عن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُودٍ، عن خَالِد بن عبدالله.

وابن ماجه في «سننه» (5/20) (3850) عن عَلِيّ بن مُحَمَّدٍ، عن وَكِيع.

كلهم (النضر، وغندر، ويزيد، ووكيع، وجعفر، وخالد) عن كَهْمَس بن الحَسَنِ البصري.

·       رواية أبي مسعود سعيد بن إياس الجُريري البصري عن عبدالله بن بريدة:

ورواه أحمد في «مسنده» (42/315) (25495) عن يَزِيد بن هارون.

وفيه (42/321) (25505) عن عَلِيّ بن عَاصِمٍ.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/749) (1362) عن عَمْرو بن مُحَمَّدٍ القُرَشِيّ العَنْقَزِيّ، عن سُفْيَان الثوري.

والنسائي في «السنن الكبرى» (9/323) (10645) عن يُونُس بن عَبْدِالْأَعْلَى، عن ابن وَهْبٍ، عن سَعِيد بن أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مَرْزُوقٍ.

وفيه (9/323) (10646) عن عَبْدالحَمِيدِ بن مُحَمَّدٍ، عن مَخْلَد، عن سُفْيَان.

والقُضاعي في «مسند الشهاب» (2/335) (1475) من طريق ابن الْأَعْرَابِيِّ، عن أَبي سَعِيدٍ الحَارِثِيّ، عن عَلِيّ بن قَادِمٍ، عن الثَّوْرِيّ.

كلهم (يزيد، وعلي بن عاصم، والثوري، وعبدالرحمن بن مرزوق) عَنِ أبي مسعودٍ الجُرَيْرِيِّ.

كلاهما (كهمس، والجُريري) عَنِ عبدالله بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ مَاذَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

وفي بعض الروايات: «أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي عَلِمْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، مَا كُنْتُ أَدْعُو بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ: مَا كُنْتُ أَسْأَلُهُ؟».

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

·       الاختلاف على يزيد بن هارون في إسناده ولفظه!

وقد تقدمت رواية يزيد بن هارون عن كهمس كرواية الجماعة.

ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (5/281) (3426) من طريق الحَسَن بن مُكْرَمٍ، عن يَزِيد بن هَارُونَ، مثله.

وفي آخره: "قالَ يَزِيدُ: لا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ: ثَلَاثًا".

لكن خالفهم ابن أبي شيبة في إسناده ولفظه عن يزيد!!

فرواه في «مصنفه» (6/24) (29189) عن يزيد بن هارون، قال: أخبرنا كهمس بن الحسن، عن عبدالله بن بريدة، قال: قالت عائشة: «لو علمت أي ليلة ليلة القدر كان أكثر دعائي فيها أسأل الله العفو والعافية».

فوقفه على عائشة، وخالف في لفظه!

·       رواية مُعتمر بن سليمان عن كهمس مرسلة!

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (9/323) (10644) عن مُحَمَّد بن عَبْدِالْأَعْلَى، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، قَالَ: سَمِعْتُ كَهْمَسًا، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ، قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللهِ، مُرْسَلٌ.

·       ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ على سُفْيَانَ الثوريّ فِي هذا الحَدِيثِ، ووهم الأشجعي فيه!

وقد اختلف على سفيان الثوري في إسناده:

فقد تقدمت رواية عَمْرو بن مُحَمَّدٍ القُرَشِيّ العَنْقَزِيّ، ومَخلد بن يزيد الحرّانيّ، وعليّ بن قادم، عن سفيان، عن الجريري، عن عبدالله بن بريدة، عن عائشة.

وخالفهم عُبيد الله بن عبدالرحمن الأشجعي، فرواه عنه عن علقمة بن مَرثد، عن ابن بريدة، عن عائشة!

رواه أحمد في «مسنده» (43/277) (26215).

والنسائي في «السنن الكبرى» (9/324) (10647) عن العَبَّاس بن عَبْدِالعَظِيمِ العنبري البصري.

وأبو يعلى الموصلي في «معجمه» (43) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي النَّضْرِ هاشم بن القاسم.

والقضاعي في «مسند الشهاب» (2/336) (1478) من طريق حَجَّاج بن يُوسُفَ الشَّاعِر.

والحاكم في «المستدرك» (1/712) (1942) من طريق أَبي بَكْرِ بن أَبِي العَوَّامِ الرِّيَاحِيّ.

كلهم (أحمد، والعباس، وابن أبي النضر، وحجاج، وابن أبي العوام) عن أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم.

ورواه الطبراني في «الدعاء» (916) عن مُحَمَّد بن عُثْمَانَ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، عن فُرَات بن مَحْبُوبٍ السكونيّ الكوفي أبي بحر.

كلاهما (أبو النضر، وفرات) عن الْأَشْجَعِيّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: قُولِي: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ولَمْ يُخَرِّجَاهُ".

قلت: هذا إسناد خطأ! وليس بصحيح.

وهم فيه الأشجعي، مع أنه من أعلم الناس بحديث سفيان! فسلك فيه الجادة: "الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة"!!

والصواب ما رواه الجماعة كما تقدّم عن سفيان، ولا معنى لعلقمة، وسليمان في هذا الحديث.

·       وهم لعبدالحميد بن واصل فيه!

ورواه عبدالحميد بن واصل عن الجريري، فوهم في إسناده!

رواه الطبراني في «الدعاء» (915) قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ المُعَافَى بنِ سُلَيْمَانَ، قال: حدثنا أَبِي، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ الباهلي الحرّاني، عَنْ أَبِي الوَاصِلِ عَبْدِالحَمِيدِ بنِ وَاصِلٍ الباهلي، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: لَمَّا حَضَرَ رَمَضَانُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ حَضَرَ رَمَضَانُ، فَمَا أَقُولُ؟ قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (5/545) (6354)]: "تفرد بِهِ أَبُو وَاصل عبدالحميد بن وَاصل عَن الجريرِي عَن أبي عُثْمَان الهِنْدِيّ، وقَالَ غيره: عَن الجريرِي عَن عبدالله بن بُرَيْدَة، لم يروه عَن أبي وَاصل غير مُحَمَّد بن سَلمَة".

قلت: بل رواه غير محمد بن سلمة، رواه الوليد بن عمرو بن السكين البصري.

رَوَاهُ أَحْمَدُ بنُ مَنِيعٍ في «مسنده» [كما في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (2/407) (1786)] عن عَلِيّ بن ثَابِتٍ الجَزَرِيُّ، عَنِ الوَلِيدِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ وَاصِلٍ، أَوْ أَبِي وَاصِلٍ، عَنْ عَائِشَةَ، به.

وأخرجه القضاعي في «مسند الشهاب» (2/336) (1476) من طريق أَبي جَعْفَرٍ مُحَمَّد بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيّ، عن أَحْمَد بن مَنِيعٍ، به.

كذا فيه! وكأنه سقط من النسخة "عن الجريري عن أبي عثمان النهدي"!

وقد وَهِم فيه عبدالحميد، وقد ذكره ابن حبان في «الثقات»، ولم يذكر فيه أحد جرحاً ولا تعديلاً، وهو إلى جهالة الحال أقرب!

والمحفوظ كما رواه الثقات عن الجريري، عن عبدالله بن بريدة، عن عائشة.

ولفظ عبدالحميد غريب! لم يضبطه!

فخالف في إسناد الحديث، ومتنه!

·       كلام الدارقطني على الاختلاف في أسانيد هذا الحديث:

وقد سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (15/88) (3860) عَنْ هذا الحَدِيثِ؟

فقال: "يرويه الجريري، وكهمس بن الحسن، واختلف عنهما، فأما الجريري فرواه عنه الثوري، واختلف عنه:

فقال إسحاق الأزرق: عن الثوري، عن الجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عائشة.

وخالفه الأشجعي؛ فَرَوَاهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بنِ مَرْثَدٍ، عَنْ عائشة.

وقول الأزرق أصح.

ورواه ابن واصل عبدالحميد، عن الجريري، فوهم فيه فقال: عن الجريري، عن أبي عثمان النهدي، عن عائشة.

والصحيح عن الجريري، عن ابن بريدة.

فأما كهمس فرواه علي بن غراب...، عن كهمس، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عن عائشة ووهم في قوله: عن أبيه.

والصحيح عن ابن بريدة، عن عائشة" انتهى.

قلت: اتفق الجريري، وكهمس بن الحسن في روايته عن عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عن عائشة.

وكانَ كهمس بن الحسن هُوَ والجريري فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ، وكانا يذهبان للسماع من بعض الشيوخ مع بعضهما.

وكهمس أضبط من الجُريري، فإن صح أنهما سمعا هذا الحديث كما هو من عبدالله بن بريدة بهذا اللفظ، فتكون علّة الحديث هي الانقطاع بين عبدالله بن بريدة وعائشة، فهو لم يسمع من عائشة.

ويكون عبدالله سمعه من بعضهم هكذا، فأدّاه كما سمعه! سيما وقد تابعهما عليه أبو هلال الراسبي كما سيأتي، لكم خالفهم في لفظه!

ويُحتمل أن أحدهما كهمس أو الجريري كتب الحديث وأخذه الآخر منه، وكان في أصل من كتبه خطأ؛ لأن هناك روايات موقوفة على عائشة، وهي تخالف لفظهما أيضاً!

بل هناك رواية عن كهمس موقوفة، ولفظها مختلف أيضاً كما سيأتي.

·       متابعة لكهمس والجريري:

وقد روى هذا الحديث أيضاً عن عبدالله بن بريدة: أبو هلال الراسبي البصري.

أخرجه أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (610) قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الحَارِثُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي أُسَامَةَ التَّمِيمِيُّ، قال: حدثنا أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ الْأَسْوَدُ بنُ عَامِرٍ وَلَقَبُهُ شَاذَانُ، قال: حدثنا أَبُو هِلَالٍ - يَعْنِي الرَّاسِبِيَّ -، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، قَالَ: قَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: - قَالَ أَبُو هِلَالٍ أَحْسَبُهُ، قَالَ عَائِشَةُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ بِمَا أَدْعُو؟، قَالَ: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ والعَافِيَةَ».

وأخرجه ابن نُقطة في «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 261)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (27/126) من طريق أبي بكر الشافعي.

قال ابن عساكر: "غريب اللفظ".

قلت: أَبُو هِلالٍ الرَّاسِبِيُّ واسمه محمد بن سليم ليس بالقوي، وفيه ضعف. ولفظه مخالف لكهمس والجريري، ولهذا قال ابن عساكر بأنه غريب!

لكن هذا اللفظ له ما يؤيده في رواية أخرى عن كهمس، وكذا ما رُوي من موقوفات على عائشة، لكن رفع هذا اللفظ لا يصح.

·       تحريف في رواية الطبراني!

وقد أخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/66) (2500) قال: حدثنا أَبُو مُسْلِمٍ قَالَ: حدثنا أَبُو عُمَرَ الضَّرِيرُ قَالَ: حدثنا أَبُو هِلَالٍ الرَّاسِبِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا أَسْأَلُ اللَّهَ؟ قَالَ: «سَلِيهِ الْعَافِيَةَ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِي هِلَالٍ إِلَّا أَبُو عُمَرَ".

قلت: «عبدالله بن يزيد» محرفة! والصواب: «عبدالله بن بريدة»! وكأن هذا التحريف في أصول الطبراني، والله أعلم.

ولم يتفرد به أبو عمر الضرير، بل تابعه شاذان كما سبق بيانه.

·       الروايات الموقوفة على عائشة:

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/24) (29189) عن يزيد بن هارون، قال: أخبرنا كهمس بن الحسن، عن عبدالله بن بريدة، قال: قالت عائشة: «لو علمت أي ليلة ليلة القدر كان أكثر دعائي فيها أسأل الله العفو والعافية».

فوقفه يزيد هنا على عائشة، وخالف في لفظه! وقد تقدم أنه رُوي عن يزيد بهذا الإسناد مرفوعاً، وباللفظ المتقدم.

فالله أعلم، هل الاختلاف كان من كهمس نفسه، أم من يزيد بن هارون!!

·       رواية شُريح بن هانئ الكوفي عن عائشة:

وروى ابن أبي شيبة أيضاً في «مصنفه» (6/24) (29187) عن أبي معاوية الضرير.

والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص: 195) عن جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بنِ نُصَيْرٍ الخُلْدِيّ، عن أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ بنِ رِشْدِينَ، عن يُوسُف بن عَدِيٍّ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيّ.

كلاهما (أبو معاوية، والمحاربي) عن أبي إسحاق الشيباني الكوفي، عن العباس بن ذَرِيح الكوفي، عن شريح بن هانئ، عن عائشة، قالت: «لو عرفت أي ليلة ليلة القدر ما سألت الله فيها إلا العافية».

قلت: وهذا إسناد صحيح.

وشريح بن هانئ أبو المقدام من كبار أصحاب عليّ رضي الله عنه، وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره، وقدم إلى عائشة وسألها.

·       رواية مسروق عن عائشة:

وروى النسائي في «السنن الكبرى» (9/324) (10648) قال: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ جُبَيْرٍ - وكَانَ شَرِيكَ مَسْرُوقٍ عَلَى السِّلْسِلَةِ -، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «لَوْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ لَكَانَ أَكْثَرَ دُعَائِي فِيهَا أَنْ أَسْأَلَ اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ».

وهذا الإسناد ذكره بَحشل في «تاريخ واسط» (ص: 37) قال: حدثنا تميم بن المنتصر، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قَالَ: حدثنا حميد الطويل عن عبدالله بن حنين - وكان شريك مسروق على السلسلة.

كذا وقع في المطبوع "حنين"، وعند النسائي: "جبير"، فإحداها مصحفة عن الأخرى.

والمشهور في التابعين ممن اسمه "عبدالله بن جبير" هو: عَبداللَّهِ بن جُبَيْر الخزاعي، رَوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ مُرْسلاً، وعَن أَبِي الفيل. رَوَى عَنه: سماك بن حرب، ولَمْ يرو عَنْهُ غيره. وقد ذكره بعض اهل العلم في الصحابة، والصحيح أنه تابعي.

قال أَبُو حاتم: "شيخ مجهول".

وذكره ابنُ حِبَّان فِي كتاب «الثقات».

والمشهور من التابعين ممن اسمه "عبدالله بن حُنين" هو: عبدالله بن حنين المَدَنِيُّ، توفي ما بين سنة (101 – 110هـ) مَوْلَى العَبَّاسِ، وَيُقَالُ: مَوْلَى عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ.

رَوَى عَنْ: عَلِيٍّ، وَأَبِي أَيُّوبَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، والمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ. وَعَنْهُ: ابنه إبراهيم، ومحمد بن المنكدر، وشريك بن أبي نمر، وأسامة بن زيد، وآخرون. وحديثه في الأصول الستة.

وقد ذكرهما العجلي في «الثقات»، فقال (2/22): "عبدالله بن جُبَير: مدنِي، تَابِعِيّ ثِقَة".

ثم قال (2/26): "عبدالله بن حنين: مدنِي تَابِعِيّ ثِقَة".

لكن لم يذكر أهل العلم في ترجمتيهما أنهما كانا مع مسروق على السلسلة كما جاء في الإسناد! ولهذا لا نستطيع الجزم بأنه أحدهما!

والسلسلة هي سلسلة واسط، وكانت بصريفين، وكانت تسمى "المآصر"، والمآصر: سلسلة ممتدة، أو حبل يُشد معترضاً في النهر أو البحر يمنع السفن من المضي إلا بإذن، ويكون عليها عشاراً يجبي المال من هذه السفن للمرور. [مفاتيح العلوم للخوارزمي، ص95].

وكان زياد بن أبيه بعث مسروقا على السلسلة، وأقام هناك سنتين، فجاء بعشرين ألفا. فقال زياد: ما جئت به؟ قَالَ: جئت بعشرين ألفا. قَالَ: هي لك. فلم يقبلها.

فعبدالله بن جبير أو حنين كان شريك مسروق على السلسلة، فهو على الأقل الأحوال رجل مستور، وهو يروي هذا الأثر عن مسروق، والراوي عنه حميد الطويل البصري من كبار الثقات، فلا بأس بهذا الخبر إن شاء الله، وله شاهد من حديث شُريح بن هانئ الذي تقدم، وبه يزداد صحة هذا الخبر أنه من قول عائشة رضي الله عنها، وأن المرفوع لا يصح.

والرواية المرفوعة حقيقة فيها نكارة!!

ففيها أن عائشة تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيت إِنْ وَافَقْتُ - أو لو أني علمت - لَيْلَةَ القَدْرِ مَاذَا أَقُولُ - أو: مَا كُنْتُ - أَدْعُو بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ: مَا كُنْتُ أَسْأَلُهُ؟».

فهذا يعني أنها قد تعرف أو تعلم أي ليلة هي ليلة القدر!! وهذا غير صحيح، فلا يعلمها أحد! وكان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر عنها إلا أنها رُفعت لما تلاحى رجلان في المسجد كما في الصحيح، وهناك بعض الإشارات التي صححها بعض أهل العلم يمكن من خلالها معرفة ليلة القدر بعد مضيها!!

لكن ما جاء في الروايات الموقوفة أصح ولا نكارة فيها لأن عائشة تقول: «لَوْ عَرفتُ - أو عَلِمْتُ - أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ لَكَانَ أَكْثَرَ دُعَائِي فِيهَا أَنْ أَسْأَلَ اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ».

ويؤيد هذا اللفظ ما جاء في إحدى الروايات عن يزيد بن هارون عن كهمس، وكذا لفظ حديث أبي هلال الراسبي.

فهي رضي الله عنها لو كانت تعرف هذه الليلة لأكثرت من سؤال الله العفو والعافية، وفي هذا إشارة إلى الإكثار من ذلك في كل ليالي العشر.

والخلاصة أن الحديث المرفوع معلول بالانقطاع بين عبدالله بن بريدة وعائشة، والصواب الوقف على عائشة، ونكارة اللفظ المرفوع، وصواب الموقوف.

وهنا فائدة مهمة:

وهي أن الحديث الموقوف من قول الصحابي أحياناً يُصبح مرسلاً - أي منقطعاً – عنه، ويُرفع للنبيّ صلى الله عليه وسلم، ويُزاد فيه قصة!

فالحديث أصله من قول عائشة، فانتشر هذا عنها، فوصل عبدالله بن بريدة وهو لم يسمع من عائشة، فهو مرسل، لكن وصله كقصة فيها أن عائشة سألت النبي صلى الله عليه وسلم إن هي أدركت ليلة القدر ماذا تقول! فكأن من نشر هذا توهم القصة فذكرها، فانتشرت مرفوعة؛ لأن القلب متعلق به صلى الله عليه وسلم، وهذا تقوله عائشة، ومن هي عائشة، إنها زوجه المقربة منه، وهي راوية حديثه.

فانتشار مثل ذلك بالإرسال بين الناس تحوّل قول عائشة إلى سؤال ثم لجواب منه صلى الله عليه وسلم، وهذا يحدث فيما يسمى عندي بـ «لغة المراسيل»، أي يدخل الحديث المرسل أشياء ليست من أصل الحديث بسبب تناقل الناس له وانتشاره بينهم.

·       رواية الحسن عن عائشة قولها.

وقد رُوي هذا الحديث عن الحسن البصري عن عائشة من قولها أيضاً.

أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (7/97) (3160) في ترجمة «إبراهيم بن محمد بن خالد بن يزيد بن عيسى بن عبدالحميد يعرف بالمروزي» عنه عن يَحْيَى بن أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَعْرُوفٌ أَبُو مَحْفُوظٍ العَابِدُ - وهو الكرخي -، قَالَ: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بنُ صَبِيحٍ، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَوْ أَدْرَكْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ مَا سَأَلْتُ اللَّهَ إِلا العَفْوَ والعَافِيَةَ».

قلت: الربيع بن صبيح ضعيف، وربما دلّس، والحسن لم يسمع من عائشة، لكن هذا الأثر المرسل يدلّ على أن هذا القول كان معروفاً عن عائشة، وهو موافق للروايات الموقوفة الصحيحة عنها.

·       ميل ابن حجر لرأي الدارقطني في عدم سماع ابن بريدة من عائشة.

قال الحافظ ابن حجر - كما نقل عنه ابن علان الصديقي في «الفتوحات الربانية على الأذكار النواوية» (4/346) -: "أخرجه الترمذي والنسائي عن قتيبة عن جعفر بن سليمان، والنسائي أيضًا عن محمد بن عبدالأعلى عن معتمر، وابن ماجه عن علي بن محمد عن وكيع ثلاثتهم عن كهمس. قال الترمذي: حسن صحيح، وأخرجه الحاكم من الوجهين وصححه، وفي ذلك نظر؛ فإن البيهقي جزم في كتاب الطلاق من السنن بأن عبدالله بن بريدة لم يسمع من عائشة".

·       تصحيح الألباني للحديث!

وقد صحح الألباني هذا الحديث في عدة مواضع من كتبه، وكان يرى ضعفه بالانقطاع، ثم تراجع عن ذلك، وأورده في «صحيحته» (7/1008) (3337)، وقال: "أخرجه الترمذي (08 25) والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (872 - 875)، ومن طريقه ابن السني (246/763)، وابن ماجه (0 385)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (3/338- 339)، و"الأسماء والصفات" (ص55)، والأصبهاني في "الترغيب" (2/728/1772)، وأحمد (6/170 و182 و183 و208) من طرق عن ابن بريدة - وقال بعضهم: عبدالله بن بريدة- عن عائشة قالت: قلت: يا رسول الله! أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر؛ ما أقول فيها؟ قال:... فذكره.

والسياق للنسائي والترمذي، وقال: "حديث حسن صحيح".

وأقره المنذري في "الترغيب " (4/ 144)، والنووي في "الأذكار"، و"المجموع" (6/447)، وهو حري بذلك؛ فإن عبدالله بن بريدة ثقة من رجال الشيخين.

وقد أعلّ بما لا يقدح، فقال الدارقطني في "سننه" (3/233) - وتبعه البيهقي (7/118) - في حديث آخر لعبدالله بن بريدة: "لم يسمع من عائشة شيئاً"!

كذا قالا! وقد كنت تبعتهما برهة من الدهر في إعلال الحديث المشار بالانقطاع، في رسالتي "نقد نصوص حديثية" (ص45)، والآن؛ فقد رجعت عنه؛ لأني تبينت أن النفي المذكور لا يوجد ما يؤيده، بل هو مخالف لما استقر عليه الأمر في علم المصطلح أن المعاصرة كافية لإثبات الاتصال بشرط السلامة من التدليس، كما حققته مبسطاً في تخريج بعض الأحاديث، وعبدالله بن بريدة لم يرم بشيء من التدليس، وقد صح سماعه من أبيه كما حققته في الحديث المتقدم (2904) وغيره، وتوفي أبوه سنة (63)، بل ثبت أنه دخل مع أبيه على معاوية في "مسند أحمد" (5/347)، ومعاوية مات سنة (60)، وعائشة ماتت سنة (57)، فقد عاصرها يقيناً، ولذلك أخرج له الشيخان روايته عن بعض الصحابة ممن شاركها في سنة وفاتها أو قاربها، مثل عبدالله بن مغفل، وقريب منه سمرة بن جندب مات سنة (58). بل وذكروه فيمن روى عن عبدالله بن مسعود المتوفى سنة (32)، ولم يعلوها بالانقطاع، ولعله - لما ذكرت- لم يعرج الحافظ المزي على ذكر القول المذكور، إشارة إلى توهينه، وكذلك الحافظ الذهبي في "تاريخه"، ونحا نحوهما الحافظ العلائي في "جامع التحصيل" (252/338)، فلم يذكره بالإرسال إلا بروايته عن عمر، وهذا ظاهر جدّاً؛ لأنه ولد لثلاث خلون من خلافة عمر.

وما تقدم من التحقيق ونفي الانقطاع يقال، لو لم يكن هناك ما يمكن دعم الحديث به؛ فكيف وثمة أمران:

أحدهما: أن بعض الرواة سمى (ابن بريدة): (سليمان) كما وقع في "النسائي" (500/877) و"المستدرك" (1/530) من طريق علقمة بن مرثد عنه، وقال: "صحيح على شرط الشيخين"، ووافقه الذهبي، وأقره المنذري.

لكن تعقبه الحافظ في "تخريج الأذكار"- كما قال ابن علان في "الفتوحات" (4/346) - بقوله: "وفي ذلك نظر؛ فإن البيهقي جزم في كتاب الطلاق من "السنن" أن عبدالله بن بريدة لم يسمع من عائشة"!

وأقول: سبق الجواب عن هذا، وكان الأولى أن يكون النظر من جهة أن سليمان بن بريدة ليس من رجال البخاري، وأن الأشهر- كما نقله ابن علان أيضاً من قبل عن الحافظ- أنه عن أخيه (عبدالله).

ثم إن قوله: "كتاب الطلاق" سبق قلم، وإنما هو "كتاب النكاح"، وقد تقدمت الإشارة إلى موضعه منه جزء وصفحة.

على أن الإمام أحمد أخرج الحديث (6/258) من الطريق المذكورة دون تسمية ابن بريدة، وكذلك رواه الطبراني في "الدعاء" (2/1228/916). فيبدو لي أن الحديث حديث عبدالله، وأن ذكر (سليمان) شاذ. والله أعلم.

وكان الغرض من ذكر الحديث من روايته دفع الإعلال بالانقطاع؛ لأن (سليمان) لم يقل فيه أحد ما قالوا في أخيه، ولكن ما دام أنه لم يصح ذكره؛ فلم يتحقق الغرض، فحسبنا ما تقدم ويأتي.

والأمر الآخر: أنه ثبت عن عائشة أنها قالت: لو علمت أي ليلة ليلة القدر؛ لكان أكثر دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية.

رواه النسائي (878)، والبيهقي في "الشعب" (3702) من طريقين عنها، ومن الظاهر أنها لا تقول ذلك إلا بتوقيف. والله أعلم" انتهى.

قلت:

على كلام الألباني ملاحظات:

أولاً: محل النزاع في تصحيح الحديث من عدمه ليس في مسألة المعاصرة، فالمعاصرة متحققة ولا شك فيها، ولكن المسألة في ثبوت السماع! فهل ثبت سماع عبدالله بن بريدة من عائشة؟

ثانياً: تقريره بأن من ضعف الحديث بعدم السماع "خالف ما استقر عليه الأمر في علم المصطلح أن المعاصرة كافية لإثبات الاتصال بشرط السلامة من التدليس"! كلام مردود!

فلا نحاكم أقوال أهل النقد في نفي السماعات بما استقر عليه أصحاب المصطلح المتأخرين!!

فكم من راو عاصر آخر وروى عنه، ولا يُعرف عنه أي تدليس، ومع ذلك أعلّ أهل النقد رواياتهم بالانقطاع لعدم السماع! كما يفعل البخاري كثيراً في "تاريخه الكبير".

فمسألة المعاصرة ليست كافية سيما إذا تباعدت مواطن الرواة، فعبدالله سكن مرو، وعائشة كانت في المدينة، ولم يُنقل أنه حج أو اعتمر وهي حية وأنه دخل عليها أو سمع منها، ومثل هذا كان يحرص على ذكره أمثال عبدالله وينقله عنه الناس.

ثالثاً: وأما صحة سماعه من أبيه، فهذا البحث أصلاً جاء من أجل تحقيق هذه المسألة، وقد أثبت أنه سمع منه حديثاً واحدا وهو الذي خرجه الإمام البخاري له، ورأى ونقل عنه بعض الأشياء، وهذا لا يُستدل به في أنه سمع من عائشة!

والمشكلة أن الشيخ كغيره يرى صحة هذا الكمّ الكبير من الأحاديث التي رُويت عن عبدالله عن أبيه كما ناقشته من قبل، وبينت أن هذا خلل كبير عنده في هذه المسألة.

وعلى فرض أنه سمع من أبيه وأكثر عنه، فتبقى المسألة قائمة في ثبوت سماعه من عائشة؟

أين سمع منها، وكيف؟ وما قرائن ذلك؟

رابعاً: قوله بأنهم ذكروه فيمن روى عن عبدالله بن مسعود المتوفى سنة (32)، ولم يعلوها بالانقطاع!! ليس بدليل على إثبات سماعه من عائشة!

فكتب الرجال تذكر من له رواية عن أي أحد، ويعتنون برواية التابعين كعبدالله بن بريدة وروايته عن الصحابة، وذكر ذلك وعدم إعلال السماع لا يعني أنهم يثبتون السماع!

وكذا كتب المراسيل، فعدم ذكر ذلك لا يعني عكسه وهو إثبات سماعه من ابن مسعود! وما هذا إلا لأنه لا توجد له إلا رواية واحدة عنه، وهي مضطربة معلولة أصلا، ومن هنا لم يذكروا ذلك.

فروى سَعِيد بن أبي عروبة، عن قَتادَةَ، عن ابنِ بُرَيدَةَ، عن ابنِ مَسعودٍ أنَّه كان يقولُ: "أربَعٌ مِنَ الجَفاءِ؛ أن يَبولَ الرَّجُلُ قائمًا، وصَلاةُ الرَّجُلِ والنّاسُ يَمُرّونَ بَينَ يَدَيه ولَيسَ بَينَ يَدَيه شَىءٌ يَستُرُه، ومَسحُ الرَّجُلِ التُّرابَ عن وجهِه وهو فى صَلاتِه، وأَن يَسمَعَ المُؤَذِّنَ فلا يُجيبُه فى قَولِهِ".

وكَذَلِكَ رواه الجُرَيرِىُّ عن ابنِ بُرَيدَةَ عن ابنِ مَسعودٍ.

ورواه سَعيدُ بنُ عُبَيدِاللَّهِ بنِ زيادِ بنِ جُبَيرِ بنِ حَيَّةَ، عن عبدِاللَّه بنِ بُرَيدَةَ، عن أبيه، عن النبىِّ صلى اللَّه عليه وسلم، بمَعناه، إلا أنَّه قال: "والنَّفخُ في الصَّلاةِ". بَدَلَ المُرورِ، ولَم يَقُلْ: أربَعٌ.

قال البخاري: "هذا حَديثٌ مُنكَرٌ يَضطَرِبونَ فيهِ".

والصواب عن ابن بريدة ما رواه وكيع، عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة، قال: كان يقال: "أربع من الجفاء: أن تمسح جبهتك قبل أن تنصرف أو تبول قائما أو تسمع المنادي ثم لا تجيبه أو تنفخ في سجودك".

خامساً: الشيخ عنده خلل في تتبع طرق الحديث وبيان عللها! ومع أنه ذكر ما روي عن "سليمان بن بريدة" وأنها شاذة، إلا أنه أتى بها لتأييد دفع نفي السماع؛ لأن أهل العلم لم يقولوا في سليمان ما قالوه في أخيه عبدالله! ثم لما لم تصح رواية سليمان أعرض عنها!

وطالما الأمر كذلك فلم يكن عليه أن يذكرها أصلا!!

سادساً: أثبت الألباني ما روي عن عائشة أنها قالت: "لو علمت أي ليلة ليلة القدر؛ لكان أكثر دعائي فيها أن أسأل الله العفو والعافية".

وهذا عنده "أنها لا تقول ذلك إلا بتوقيف"!!

وهذا فيه من الخلل ما فيه في الفهم والاستدلال!!

ففرق كبير بين المرفوع الوارد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: قولي كيت وكيت، وبين ما قالته هي من باب الاجتهاد أنها لو علمت أي ليلة ليلة القدر لسألت الله العفو والعافية! لكنها لا تعلم هذه الليلة، فهي لم تقل شيئا لا يُقال إلا بتوقيف!!

يعني لو قال إنسان: لو علمت ليلة القدر لدعوت الله بكذا، وأن يرزقني بكذا، وووو، أيكون ذلك مما لا يُقال بالرأي ولا بد أن يكون توقيفاً!!

وأنبه على مسألة مهمة وهي أن الألباني لا يُعل المرفوع بالموقوف! وهذه مسألة مهمة في العلل، وهو لا يُعرّج عليها إلا نادرا، ولو ذكرها يذكرها من باب الذكر فقط لا من باب الإعلال!

الحديث الثاني: حديث: «إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ...».

هذا الحديث رواه كَهْمَسُ بن الحسن القَيْسِيُّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ بُرَيْدَةَ قالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَقَالَتْ: «إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِهَا خَسِيسَتَهُ، وَإِنِّي كَرِهْتُ ذَلِكَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: اقْعُدِي حَتَّى يَأْتِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاذْكُرِي ذَلِكَ لَهُ، فَجَاءَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لَهُ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَبِيهَا، فَلَمَّا جَاءَ أَبُوهَا جَعَلَ أَمْرَهَا إِلَيْهَا، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّ الْأَمْرَ قَدْ جُعِلَ إِلَيْهَا قَالَتْ: إِنِّي قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ وَالِدِي إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَعْلَمَ هَلْ لِلنِّسَاءِ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَمْ لا».

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/459) (15981) عن عبدالله بن إدريس.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/747) (1360) عن النَّضْرِ بنِ شُمَيْلٍ.

والدارقطني في «سننه» (4/335) (3556) من طريق عَوْن بن كَهْمَسٍ.

والبيهقي في «السنن الكبرى» (7/190) (13676) من طريق عَبْدِالوَهَّابِ بن عَطَاءٍ.

كلهم (عبدالله، والنضر، وعون، وعبدالوهاب) عن كهمس، عن عبدالله بن بريدة: «جاءت فتاة إلى عائشة...»، مرسلاً.

·       من رواه عن كهمس، عن عبدالله بن بُريدة، عن عائشة:

ورُوي عن كهمس، عن عبدالله بن بريدة، عن عائشة: قالت: «جاءت فتاة إلى..»!

أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/747) (1359)، وأحمد في «مسنده» (41/492) (25043) عن وَكِيع.

والنسائي في «السنن الكبرى» (5/177) (5369) عن زِيَاد بن أَيُّوبَ دَلُّوَيْهِ، عن عَلِيّ بن غُرَابٍ.

والطبراني في «المعجم الأوسط» (7/58) (6842) عن مُحَمَّد بن مُعَاذٍ، عن مُحَمَّد بن كَثِيرٍ العَبْدِيّ.

والدارقطني في «سننه» (4/335) (3557) من طريق أَحْمَد بن مَنْصُورٍ الرَّمَادِيّ. وأبو نُعيم في «الحلية» (6/214) من طريق يَحْيَى بن مُطَرِّفٍ، كلاهما عن أَبي ظُفُرٍ عَبْدالسَّلَامِ بن مُطَهَّرٍ.

كلاهما (محمد بن كثير، وأبو ظفر) عن جَعْفَر بن سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيّ.

كلهم (وكيع، وعلي بن غراب، وجعفر الضبعي) عن كَهْمَس بن الحَسَنِ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قالتْ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره.

قال الطبراني: "لَمْ يُجَوِّدْ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ كَهْمَسٍ إِلَّا جَعْفَرُ بنُ سُلَيْمَانَ، ووَكِيعُ بنُ الجَرَّاحِ".

قلت: يعني بتجويدهما هنا أي أنهما قالا فيه: "عن ابن بريدة عن عائشة" فصار كالمتصل، وغيرهما يرويه "عن ابن بريدة: جاءت فتاة إلى عائشة" مرسلاً.

وجوّده كذلك مثلهما عليّ بن غراب، وبه يستدرك على الطبراني في قوله.

·       خطأ لهَنَّاد بن السَّرِي!

ورواه ابن ماجه في «سننه» (3/73) (1874) قال: حَدَّثَنَا هَنَّادُ بنُ السَّرِي، قال: حَدّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ كَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عن أَبِيهِ، قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ... فذكره.

قلت: وهذا وهم من هناد! زاد فيه "عن أبيه"!

ورواه إسحاق بن راهويه، وأحمد عن وَكِيع، دون هذه الزيادة كما تقدّم.

·       خطأ في «مسند أَحْمَد بن عُبَيْدٍ الصَّفَّار»!

روى البيهقي في «معرفة السنن والآثار» (10/48) (13592) قال: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ بنِ عَبْدَانَ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابنُ أَبِي قِمَاشٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ظُفُرٍ عَبْدُالسَّلَامِ بنُ مُطَهَّرٍ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره.

قال البيهقي: "هَكَذَا وجَدْتُ هذا الحَدِيثَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بنِ عُبَيْدٍ مَوْصُولًا بِذِكْرِ «يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ» فِي إِسْنَادِهِ!

وقَدْ رَوَاهُ ابنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ غَالِبٍ تَمْتَامٍ، عَنْ عَبْدِالسَّلَامِ، دُونَ ذِكْرِ «يَحْيَى بنِ يَعْمَرَ» فِيهِ، وكَذَلِكَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، عَنْ عَبْدِالسَّلَامِ، وكَذَلِكَ رَوَاهُ وَكِيعٌ، وَعَلِيُّ بنُ غُرَابٍ، عَنْ كَهْمَسِ بنِ الحَسَنِ، وَرَوَاهُ عَبْدُالوَهَّابِ بنُ عَطَاءٍ، وعَوْنُ بنُ كَهْمَسٍ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى عَائِشَةَ.

وَبِمَعْنَاهُ رَوَاهُ القَوَارِيرِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسٍ، وَفِي إِجْمَاعِ هَؤُلَاءِ عَلَى إِرْسَالِ الحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى خَطَأِ رِوَايَةِ مَنْ وَصَلَهُ، واللَّهُ أَعْلَمُ".

·       كلام الدارقطني على الاختلاف في أسانيد الحديث، وترجيحه للرواية المرسلة.

وقد سُئِلَ الدارقطني في «العلل» (15/89) (3861) عَنْ هذا الحَدِيثِ؟

فقال: "يرويه كهمس بن الحسن، واختلف عنه:

فرواه جعفر بن سليمان الضبعي، وعلي بن غراب، ووكيع، عن كهمس، عن ابن بريدة، عن عائشة.

وخالفهم عبدالله بن إدريس، ويزيد بن هارون، وعون بن كهمس، رووه عن كهمس، عن ابن بريدة: أن فتاة أتت عائشة، فقالت: إن أبي زوجني، ولم يستأمرني، فجاء النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ له...، فيكون مرسلا في رواية هؤلاء الثلاثة، وهو أشبه بالصواب" انتهى.

قلت: هكذا رجّح الدارقطني الرواية المرسلة.

والرواية الأخرى: "عن عبدالله بن بريدة عن عائشة" مرسلة أيضاً؛ لأن عبدالله لم يسمع من عائشة.

لكن ترجيح الدارقطني للرواية المرسلة لأن الرواية الأخرى تبدو متصلة، ولهذا صحح بعضهم رواية ابن بريدة عن عائشة.

فعلى فرض صحة ذلك؛ فإن هذا الحديث معلول بالإرسال؛ لأن عبدالله بن بريدة لم يروه عن عائشة، وإنما قال: «جاءت فتاة إلى عائشة...»، وهذه الرواية أرجح من الرواية الأخرى التي توهم الاتصال!!

قال النسائي في «سننه» بعد أن ساق رواية عليّ بن غُراب: "هذَا الحَدِيثُ يُرْسِلُونَهُ".

وقال الدارقطني في «سننه» بعد أن ساق رواياته: "هذِهِ كُلُّهَا مَرَاسِيلُ، ابنُ بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ شَيْئًا".

وتبعه البيهقي في «سننه الكبرى» وقال: "وهَذَا مُرْسَلٌ، ابنُ بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا".

وقال في «معرفة السنن والآثار»: "وهَذَا مُنْقَطِعٌ، ابنُ بُرَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، قَالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ".

قلت: فالحديث مرسل على كل الأحوال.

وصحح إسناده بعض المتأخرين والمعاصرين!

قال البوصيري في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه» (2/102): "هذَا إِسْنَاد صَحِيح رِجَاله ثِقَات"!

قلت: صحح إسناده مع أن رواية ابن ماجه فيها وهم!!

وقال ابن حجر في «إتحاف المهرة» (17/5) بعد أن ساق كلام الدارقطني السابق بأنها كلها مراسيل، وابن بريدة لم يسمع من عائشة، قال: "قلت: صحح له الترمذي حديثه عن عائشة في القول ليلة القدر، من رواية جعفر بن سليمان، بهذا الإسناد، ومقتضى ذلك أن يكون سمع منها، ولم أقف على قول أحد وصفه بالتدليس".

قلت: أخطأ الترمذي في تصحيحه؛ فهو منقطع، ولم يسمع عبدالله من عائشة كما بينته سابقاً.

ورواية عبدالله بن بريدة عن عائشة وإن كان لم يسمع منها فهذا لا يعني أنه مُدلّس! بل هذا إرسال، والإرسال كان منتشراً في زمن التابعين كما اشتهر به الحسن البصري.

وقال الشوكاني في «نيل الأوطار» (6/152): "حَدِيثُ عَبْدِاللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ".

قلت: هو معلول كما تقدم بيانه.

وقال شعيب الأرنؤوط ورفاقه أثناء تعليقهم على «مسند أحمد»: "حديث صحيح، وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين"، ثم ذكروا الاختلاف في الأسانيد!

قلت: ليس بصحيح! وهو مرسل على كل الأحوال.

والأصح في هذا الباب ما رواه البخاري في «صحيحه» (7/18) (5138) من حديث مَالِك، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ القَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ، وَمُجَمِّعٍ، ابْنَيْ يَزِيدَ بنِ جَارِيَةَ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَرَدَّ نِكَاحَهُ».

وبعد، فهذين الحديثين فقط ما وجدته من رواية عبدالله بن بريدة عن عائشة - رضي الله عنها -، ولا يوجد فيهما ما يدلّ على سماعه منها ابتداء، وكلاهما معلول، وصح قول من قال بأن عبدالله بن بريدة لم يسمع من عائشة، وكان عبدالله يُرسل عنها.

·       أحاديث منكرة رُويت عن عبدالله بن بريدة عن عائشة!

·       الحديث الأول:

روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/367) (2250) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ الجَوَارِبِيُّ، قَالَ: حدثنا عَمِّي عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثنا قَبِيصَةُ بنُ عُقْبَةَ، قَالَ: حدثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ صَالِحِ بنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ يَتَسَانَدُ إِلَيْهِ، فَمَرَّ رُومِيٌّ، فَقَالَ: لَوْ دَعَانِي مُحَمَّدٌ فَجَعَلْتُ لَهُ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهِ مِنْ هَذَا، قَالَتْ: فَدُعِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَعَلَ لَهُ الْمِنْبَرَ أَرْبَعَ مَرَاقِيَ، فَصَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَ، فَحَنَّ الْجِذْعُ كَمَا تَحِنُّ النَّاقَةُ، فَنَزَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكَ؟ إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ فَرَدَّكَ إِلَى مُحْتَبَسِكَ، وَإِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ فَأَدْخَلَكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ فَأَثْمَرْتَ فِيهَا، فَأَكَلَ مِنْ ثَمَرَتِكَ أَنْبِيَاءُ اللَّهِ الْمُرْسَلُونَ، وَعِبَادُهُ الْمُتَّقُونَ» قَالَ: فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «نَعَمْ» فَغَارَ الْجِذْعُ، فَذَهَبَ.

روى أبو نُعيم الأصبهاني في «دلائل النبوة» (310) عن عَبْداللَّهِ بن مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، عن مُحَمَّد بن أَحْمَدَ بنِ سُلَيْمَانَ، عن عَلِيّ بن أَحْمَدَ الجَّواربِيّ، به.

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا ابنُ بُرَيْدَةَ، وَلَا عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ إِلَّا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ، وَلَا عَنْ صَالِحٍ إِلَّا حِبَّانُ، وَلَا عَنْ حِبَّانَ إِلَّا قَبِيصَةُ، تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ بنُ أَحْمَدَ الجَوَارِبِيُّ".

وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» (6/145): "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ إِسْنَادًا وَمَتْنًا".

قلت: علي بن أحمد الجواربي الواسطي البغدادي ثقة.

والحديث منكر!

وحبان بن علي العنزي الكوفي ضعيف جداً!

قَال عَبْدالرَّحْمَنِ بن يُوسُف بن خراش: قال يَحْيَى بْن مَعِين: "حبان ومندل صدوقان".

وَقَال الدورقي عن يَحْيَى: "ليس بهما بأس".

وَقَال أَبُو بَكْر بْن أَبي خيثمة عن يَحْيَى: "حبان ليس حديثه بشيءٍ".

وقَال عَبدالله بن علي ابن المديني: سَأَلتُ أبي عن حبان ابن علي فضعفه، وَقَال: "لا أكتب حديثه".

وقَال البُخارِيُّ: "ليس عندهم بالقوي".

وقَال مُحَمَّد بْن عَبداللَّهِ بْنِ نمير: "في حديثه وحديث أخيه مندل بعض الغلط".

وَقَال أبو زُرْعَة: "لين".

وقَال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ".

وَقَال أَبُو عُبَيد الأجري، عَن أَبِي داود: "لا أحدث عن حبان ابن عَلِيٍّ، ولا عن مندل بْن علي".

وَقَال مُحَمَّد بْن سعد، والنَّسَائي: "ضعيف".

وَقَال الدَّارَقُطْنِيُّ: "حبان ومندل متروكان".

وَقَال مرة أخرى: "ضعيفان، ويخرج حديثهما".

وَقَال أبو أحمد بن عدي: "له أحاديث صالحة، وعامة حديثه إفرادات وغرائب، وهو ممن يحتمل حديثه ويكتب".

وصالح بن حيان الكوفي منكر الحديث!

قال عَبَّاس الدوري: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: "صَالِحُ بنُ حَيَّانَ ضَعِيفُ الحَدِيثِ".

وقال مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: "صَالِحُ بنُ حَيَّانَ صَاحِبُ ابْنِ بُرَيْدَةَ لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ".

وقال عثمان بن سَعِيد: قلتُ ليحيى بن مَعِين: فما حال صالح بن حيان؟ قال: "ضعيف".

وقال ابن أبي يَحْيى: سمعت يَحْيى بن مَعِين يقول: "صالح بن حيان ضعيف الحديث.

وقال المروذي: وسألته - يعني أحمد - عن صالح بن حيان؟ فقال: "لَيْسَ هُوَ بِذَاكَ"، وَأنكر حَدِيثه.

وقال أَحْمَدُ بنُ خَالِدٍ الخَلَّالُ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ، عَنْ صَالِحِ بنِ حَيَّانَ، عَنِ ابنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: شَرِبْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الطِّلَّيُّ عَلَى النِّصْفِ!

فَغَضِبَ أَحْمَدُ قَالَ: "لا يُرَى هَذَا فِي كِتَابٍ إِلَّا خَرَقْتُهُ أَوْ حَكَكْتُهُ، مَا أَعْلَمُ فِي تَحْلِيلِ النَّبِيذِ حَدِيثًا صَحِيحًا، اتَّهِمُوا حَدِيثَ الشُّيُوخِ".

وقال البُخارِيّ: "صالح بن حيان القرشي الكوفي: فيه نظر".

وقال النسائي: "صالح بن حيان يحدث عنِ ابن بريدة، ليس بثقة".

وقال أبو إسحاق الحربي في كتاب «العلل»: "وهم زهير في اسمه وله أحاديث منكرة، روى عن ابن بريدة عن أبيه «أن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلاة»" - قال الحربي: "الصلاة فرض والعقيقة تطوع".

وقال ابن عدي: "وعَامَّةُ ما يرويه غير محفوظ".

وقال ابن حبان: "يَرْوِي عَن الثِّقَات أَشْيَاء لَا تشبه حَدِيث الْأَثْبَات لَا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بِهِ إِذَا انْفَرد".

·       الحديث الثاني:

وروى الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/173) (7196)، وفي «المعجم الصغير» (2/124) (896) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مَحْمَوَيْهِ الجَوْهَرِيُّ الْأَهْوَازِيُّ، قال: حدثنَا مَعْمَرُ بنُ سَهْلٍ الْأَهْوَازِيُّ، قال: حدثنَا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ تَمَّامٍ، عَنْ سَعِيدٍ الجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ وَلُوعًا، وَمِنَ الْجُوعِ ضَجِيعًا».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الجُرَيْرِيِّ إِلَّا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ تَمَّامٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: مَعْمَرُ بْنُ سَهْلٍ، وَلَا يُرْوَى عَنْ عَائِشَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ".

قلت: هذا حديث منكر! والعهدة فيه على عبيدالله بن تمام فهو منكر الحديث.

قال البخاري: "عنده عن خالد الحذاء ويونس عجائب".

وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي، ضعيف الحديث، روى أحاديث منكرة".

وسئل أبو زرعة عنه، فقال: "ضعيف الحديث"، وأمر بأن يضرب على حديثه.

وقال ابن عدي: "وفي بعض رواياته مما يرويه مناكير".

وقال ابن حبان: "كَانَ مِمَّن ينْفَرد عَن الثِّقَات بِمَا لَا يعرف من أَحَادِيثهم حَتَّى يشْهد من سَمعهَا مِمَّن كَانَ الحَدِيث صناعته أَنَّهَا معمولة أَو مَقْلُوبَة لَا يحل الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ".

وقال الدارقطني: "يَرْوِي أَحَادِيثَ مَقْلُوبَةَ وهُوَ ضَعِيفٌ".

ونقل عن إِبْرَاهِيم بن أَحْمد، قال: "حدّث عبيداللَّه بن تَمام عَن يُونُس، وخَالِد، وَدَاوُد بمناكير، وكَانَ كذابا، حدّث عَنهُ معمر بن سُهَيْل، شيخ بالأهواز، صَدُوق".

·       الخلاصة والفوائد:

لقد خلصت في هذا البحث إلى كثير من النتائج والفوائد، ومن أهمها:

1- نفى الدارقطني والبيهقي سماع عبدالله بن بريدة من عائشة، وهو الصواب. فعبدالله بن بريدة كان بمرو، وعائشة كانت في المدينة.

ومن القرائن على عدم ثبوت السماع أن عبدالله يروي عنها حديثاً بواسطة يحيى بن يعمر، وكذلك لم يسمع عبدالله من ابن عباس (ت 68هـ) وهو بمكة ويروي عنه بواسطة، فكيف سمع من عائشة (ت 57هـ) بالمدينة؟!!

2- من صحح حديث عبدالله بن بريدة عن عائشة صححه بالمعاصرة! وهذا مردود! فالأصل ثبوت اللقاء والسماع.

3- روى كهمس بن الحسن البصري عن عبدالله بن بريدة عن عائشة حديثين ولا يُعرف أن عبدالله روى عنها إلا هما:

الأول: في ليلة القدر: «قُولِي اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي».

والثاني: في المرأة التي زوجها أبوها ابن أَخِيهِ لِيَرْفَعَ بِهَا خَسِيسَتَه!

4- وهم عُبيد الله بن عبدالرحمن الأشجعي في رواية حديث ليلة القدر عن سفيان الثوري مع أنه من أعلم الناس بحديث سفيان! فرواه عن الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن عائشة! والصواب أنه عن سفيان عن الجريري، عن عبدالله بن بريدة، عن عائشة.

5- في إحدى روايات يزيد بن هارون لهذا الحديث خالف غيره فيه!

فرواه يزيد بن هارون، عن كهمس بن الحسن، عن عبدالله بن بريدة، قال: قالت عائشة: «لو علمت أي ليلة ليلة القدر كان أكثر دعائي فيها أسأل الله العفو والعافية».

فوقفه على عائشة، وخالف في لفظه.

6- المحفوظ في حديث ليلة القدر هو وقفه على عائشة بلفظ: «لو عرفت - أو علمت - أي ليلة ليلة القدر ما سألت الله فيها إلا العفو والعافية».

رواه عنها: شُريح بن هانئ وهو من كبار أصحاب عليّ، وكان قدم إليها وسألها رضي الله عنها عن أشياء.

ورواه أيضاً عنها مسروق بن الأجدع.

ورواه الحسن عن عائشة أيضاً من قولها. والحسن لم يسمع من عائشة.

7- الرواية المرفوعة عن عائشة فيها نكارة! ففيها أن عائشة تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: «أرأيت إِنْ وَافَقْتُ - أو لو أني علمت - لَيْلَةَ القَدْرِ مَاذَا أَقُولُ - أو: مَا كُنْتُ - أَدْعُو بِهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ: مَا كُنْتُ أَسْأَلُهُ؟»، وهذا يعني أنها قد تعرف أو تعلم أي ليلة هي ليلة القدر!! وهذا غير صحيح، فلا يعلمها أحد! وكان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يخبر عنها إلا أنها رُفعت لما تلاحى رجلان في المسجد كما في الصحيح، وهناك بعض الإشارات التي صححها بعض أهل العلم يمكن من خلالها معرفة ليلة القدر بعد مضيها!

وما جاء في الروايات الموقوفة أصح ولا نكارة فيها لأن عائشة تقول: «لَوْ عَرفتُ - أو عَلِمْتُ - أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ لَكَانَ أَكْثَرَ دُعَائِي فِيهَا أَنْ أَسْأَلَ اللهَ العَفْوَ والعَافِيَةَ».

ويؤيد هذا اللفظ ما جاء إحدى الروايات عن يزيد بن هارون عن كهمس، وكذا لفظ حديث أبي هلال الراسبي، فهي رضي الله عنها لو كانت تعرف هذه الليلة لأكثرت من سؤال الله العفو والعافية.

8- الحديث المرفوع عن عائشة في ليلة القدر معلول بالانقطاع بين عبدالله بن بريدة وعائشة، والصواب الوقف على عائشة، ونكارة اللفظ المرفوع، وصواب الموقوف.

9- لا يجوز محاكمة أقوال أهل النقد في نفي السماعات بما استقر عليه أصحاب المصطلح المتأخرين! فكم من راو عاصر آخر وروى عنه، ولا يُعرف عنه أي تدليس، ومع ذلك أعلّ أهل النقد رواياتهم بالانقطاع لعدم السماع! كما يفعل البخاري كثيراً في "تاريخه الكبير".

10- حديث المرأة التي زوجها أبوها لابن أخيه الصواب فيه عن كهمس، عن عبدالله بن بريدة: «جاءت فتاة إلى عائشة...»، مرسلاً.

11- رُوي عن عبدالله بن بريدة عن عائشة حديثين آخرين مُنكرين لم يصحا! ولم يروهما عبدالله.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وكتب: أبو صهيب خالد الحايك

وكان البدء بهذا البحث في رمضان لسنة 1439هـ في فترات متقطعة، والانتهاء منه في التاسع من رمضان لسنة 1440هـ.

 

شاركنا تعليقك