الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«إِسعافُ السائلين» عن سماع عكرمة من عائشة أم المؤمنين.

«الإفادات» في بعض السماعات (4)

«إِسعافُ السائلين» عن سماع عكرمة من عائشة أم المؤمنين.

 

الحمد لله مُعيد النّعم، ومُبيد النقم، والصلاة والسلام على سيّد الأُمم، وعلى آله وصحبه الجبال القِمم، وبعد:

فقد سألني الحبيب النجيب أبو فاطمة الأريب عن حديث رواه البخاري عن عكرمة عن عائشة في طلاق رِفاعة لزوجته ورغبتها في الرجوع إليه، فصار بيننا نقاش طويل حول ما حوى هذا الحديث من ألفاظ تزيد على حديث الزهري عن عروة عن عائشة وهو الحديث المشهور، وعرجنا على سماع عكرمة من عائشة، فيممت نظري، وشحذت قلمي للبحث في سماع عكرمة من عائشة.

والله تعالى أسأل العون والسداد.

·       عدد روايات عكرمة عن عائشة!

روى عكرمة مولى ابن عباس عن عائشة - رضي الله عنها - عدّة أحاديث.

قال أبو موسى المدينيّ في «ذكر الإمام أبي عبدالله بن مَنده» (ص: 37) (10): وذَكَرَ شَيْخُنَا حَمْزَةُ الصُّوفِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَلِيٍّ الحُسَيْنَ بنَ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَنْجَوَيْهِ، يَقُولُ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِاللَّهِ مُحَمَّدَ بنَ إِسْحَاقَ الحَافِظَ عَنْ رِوَايَاتِ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ؟ فقالَ: "خَمْسُونَ حَدِيثًا".

قلت: يقصد الحافظ أبو عبدالله ابن منده بهذا العدد مجموع ما رُوي عنه، لا أن الذي صحّ عنه عنها خمسون حديثاً! فبعض مما رُوي عنه عنها لا يصح للاختلاف في إسناده ومخالفة بعض الرواة لغيرهم أو ضعف بعض الرواة.

فقد سُئِل الدارقطني في «العلل» (14/380) (3729) عن حديث عكرمة، عن عائشة: «رأيت في المنام ثلاثة أقمار وقعن في حجري... الحديث»؟

فقالَ: "يَرْوِيهِ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، واخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ الحسن بن أبي جعفر الجُفْري، عن أيوب، عن عكرمة، عن عائشة.

حدثناه ابن صاعد، قال: حدثنا عبدالكريم بن الهيثم، قال: حدثنا داود بن معاذ، قال: حدثنا الحسن بن أبي جعفر.

وخالفه حماد بن سلمة، فرواه عن أيوب، عن نافع، أو ابن سيرين: أن عائشة.

وخالفهم عبيدالله بن عمر الرَّقِّيُّ، فَرَوَاهُ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ: أن عائشة قالت.

وأرسله فضيل بن عياض، فرواه عن هشام بن حسان، عن أيوب: أن عائشة".

فهذا الحديث اختلف فيه على أيوب السختياني، وجاء في بعض رواياته أنه رُوي عن عكرمة، عن عائشة، وهو ما سئل عنه الدارقطني؟ فبيّن أن ذكر عكرمة فيه لا يصح، أخطأ فيه الحسن بن أبي جعفر الجُفْري البصري، وهو ضعيف الحديث! ويُروى مرسلاً من طرق أخرى عن عائشة!!

فالذي يسلم من هذه الأحاديث وصحّ أن عكرمة رواها عن عائشة عدد قليل جداً.

·       اختلاف العلماء في سماع عكرمة من عائشة!

وقد اختلف أهل العلم في سماع عكرمة من عائشة!

·       قول ابن معين:

فلم يثبت ابن معين سماعه منها أو ينفيه !

قال عبّاس الدوري [كما في تاريخ ابن معين - رواية الدوري: (3/100)]: قيل ليحيى: عِكْرِمَة عَن عَائِشَة، سمع مِنْهَا؟

قال: "لا أدري".

·       رأي ابن المديني:

وتناقض النقل عن ابن المديني في ذلك!!

فنقل الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/13) عن ابن المَدِيْنِيِّ أنه قال في سماع عكرمة: "سَمِعَ مِنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي قَتَادَةَ، وعَبْدِاللهِ بنِ عَمْرٍو، وابنِ عُمَرَ".

وخالفه العلائي فقال في «جامع التحصيل» (ص: 239): قَالَ عَليّ بن المَدِينِيّ: "لا أعلمه سمع من اُحْد من أزواج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا".

·       رأي البخاري:

وقد ذهب البخاري إلى أن عكرمة سمع من عائشة.

قال في «التاريخ الكبير» (7/49): "عكرمة مولى ابن عَبَّاس أَبُو عَبْداللَّه الهَاشِمِيّ: سَمِعَ ابْن عَبَّاس، وأبا سَعِيد، وعَائِشَة...".

وكأنه تبع شيخه ابن المديني في ما نقل عنه! لكن بينا أن هناك رأي آخر له نفى سماعه من أحد من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة منهن.

وقد خرّج له في «صحيحه» عن عائشة ثلاثة أحاديث، وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله.

·       رأي أبي حاتم الرازي:

وقد اختلف قول أبي حاتم الرازي في سماع عكرمة من عائشة، فحكى عنه الكناني في كتاب «التاريخ»، قال عبدالعزيز الكناني: قلت لأبي حاتم، عكرمة عن عائشة هو مسند؟ قال: "نعم".

وفي كتاب «الجرح والتعديل» (7/7) قال أبو محمد: قيل لأبي: سمع عكرمة من عائشة؟ قال: "نعم".

وقال في كتاب «المراسيل» (ص:158) (583): وسَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "لَمْ يَسْمَعْ عِكْرِمَة مِنْ عَائِشَةَ".

قلت: كأن أبا حاتم تبع البخاري فيما أورده عنه ابنه في «الجرح والتعديل» لأنه غالباً يتبعه في ذلك في الرواة!

·       تنبيه على اختلاف في نسخ كتاب ابن أبي حاتم!

كأن ما نقله ابن أبي حاتم عن أبيه في «الجرح والتعديل» من سماع عكرمة من عائشة موجود في بعض النسخ، وليس موجوداً في بعضها!

ففي المطبوع: "عكرمة مولى ابن عباس: سمع ابن عباس، وابن عمر، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة، وعائشة - قيل لأبي: سمع من عائشة؟ فقال نعم.

روى عنه: عمرو بن دينار، وقتادة، وأبو إسحاق، وأيوب السختياني. سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: روى عن عكرمة من أهل المدينة...".

وساقه ابن عساكر من كتابه وليس فيه ما يتعلق بسماعه من عائشة!

قال في «تاريخ دمشق» (41/77): أخبرنا أبو الحسين القاضي - إذنا -، وأبو عبدالله الأديب - شفاها - قالا: أخبرنا أبو القاسم بن منده، قال: أخبرنا أبو علي إجازة [ح].

وأخبرنا أبو طاهر، قال: أخبرنا علي، قالا: أخبرنا أبو محمد بن أبي حاتم قال: "عكرمة مولى ابن عباس: سمع ابن عباس، وابن عمر، وأبا سعيد الخدري، وأبا هريرة، وعائشة.

روى عنه: عمرو بن دينار، وقتادة، وأبو إسحاق، وأيوب السختياني. سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: روى عن عكرمة من أهل المدينة...".

قلت: فلا أدري هل سقط ذلك النص من كتاب ابن عساكر مع استبعادي ذلك! لأنه روى هذا من نسختين من كتاب ابن أبي حاتم!

أو أنه كان في بعض النسخ، ثم حذفه أبو محمد ابن أبي حاتم لما سأله عن ذلك ونفى سماعه منه كما في كتاب «المراسيل»! والله أعلم.

·       رأي أبي داود:

قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: "سمع عكرمة من عائشة".

ونقل مغلطاي الاختلاف في قول أبي حاتم في «إكمال تهذيب الكمال» (9/267)، ثم قال: "وإلى الأول نحا البخاري وأبو داود وغيرهما" - أي قوله في إثباته سماعه منها.

·       رأي أَبي أَحْمَدَ الحَاكِم:

وقد أثبت أبو أحمد الحاكم سماعه من عائشة.

فروى الحاكم في «تاريخ دمشق» (41/80) من طريق أَبي بَكْرٍ أَحْمَد بن عَلِيِّ بنِ مَنْجَوَيْه، عن أبي أحمد، قال: "أبو عبدالله عكرمة مولى ابن عباس القرشي، أصله بربري من أهل المغرب: سمع ابن عباس، وأبا سعيد الخدري، وعائشة أم المؤمنين. روى عنه: جابر بن زيد الجرمي، والشعبي، ومحمد بن مسلم الزهري. احتج بحديثه عامة الأئمة القدماء لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من خبر الصحاح".

·       الخلاصة:

من خلال أقوال أهل العلم: نجد أن ابن معين لم يثبت ولم ينف سماع عكرمة من عائشة.

واختلف القول عن ابن المديني، فنقل عنه إثبات ذلك، ونفيه! وكذا عن أبي حاتم الرازي!

وأثبت ذلك البخاري، وروى حديثه في «صحيحه»! وكذا أثبته أبو أحمد الحاكم.

ولم يتعرض ابن حجر لذلك في شرحه! مع أنه وافق الدارقطني في حديث أخرجه البخاري بأنه مرسل - كما سيأتي -!! وهذا منه إقرار بأنه لم يسمع منها!

 ورجّح بعض أهل العلم سماعه بتخريج البخاري لحديثه عنها في «صحيحه».

وبعد أن عرض المنذري في «جزء حال عكرمة» للاختلاف في سماعه من عائشة، قال: "وأخرج البخاري في صحيحه من حديث عكرمة عن عائشة ثلاثة أحاديث. وأخرج حديثه عن عائشة أيضًا أبو داود السجستاني، وأبو عيسى الترمذيُّ، وأبو عبدالرحمن النسائي، وأبو عبدالله محمَّد بن يزيد بن ماجه القزويني، في كتبهم. ويشبه أن يكون أبو حاتم الرازي تحقَّق سماعَه من عائشة فأثبته بعد أن كان نفاه".

قلت: نعم، تخريج البخاري لحديثه عنها منه ذهاب إلى إثبات السماع، والقول بأن أبا حاتم يمكن أن يكون تحقق عنده السماع بعد أن كان نفاه فيه نظر!! فيحتمل أنه أثبته ثم تحقق له عدم سماعه فنفاه، وعادة ما يرجح ما يذكره عنه ابنه في كتاب «المراسيل» لأن الكتاب مخصص لذلك، والله أعلم.

وقال ولي الدين أبو زرعة العراقي في «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» (ص: 232): بعد أن نقل قولي أبي حاتم: "فهَذَا تنَاقض! وَرُجِّح سَمَاعه مِنْهَا أن رِوَايَته عَنْهَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ".

وقال البوصيري في «إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة» (6/455): "اختلف في سماع عكرمة من عائشة، وفي سماعه منها أن روايته عنها في صحيح البخاري".

وقال في «مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه» (2/114) في حديث: "هذَا إِسْنَاد صَحِيح إِن كَانَ عِكْرِمَة مولى ابن عَبَّاس سمع من عَائِشَة فقد تنَاقض فِيهِ قَول أبي حَاتِم، فَقَالَ فِي الْمَرَاسِيل: لم يسمع من عَائِشَة، وَقَالَ فِي الجرْح وَالتَّعْدِيل: سمع مِنْهَا، وَرجح سَمَاعه مِنْهَا أَن رِوَايَته عَنْهَا فِي صَحِيح البُخَارِيّ، قَالَه شَيخنَا أَبُو زرْعَة، وَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ: لَا أعلمهُ سمع من أحد من أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْئا".

والذي أراه أنه لم يسمع منها! فلا يوجد أي تصريح للسماع منها في أيّ حديث رواه!

ولا نسقط ما نقل عن ابن المديني وأبي حاتم لتناقض ما نقل عنهما، بل نقول بأن النفي يقضي على الإثبات، فيكون رأيهما السابق أنه سمع منها، ثم ثبت عندهما أنه لن يسمع فنفيا ذلك، والنفي في الكلام على سماعات الرواة يكون بعد الإثبات غالباً لا العكس.

وعندما ذكر مسلم عكرمة في «الكنى والأسماء» (1/469) (1793) لم يذكر أنه سمع من عائشة! مع أنه يتبع البخاري في كتابه هذا!

قال: "أبو عبدالله عكرمة مولى ابن عباس: سمع ابن عباس، وأبا هريرة. روى عنه: قتادة، وأيوب، وداود بن أبي هند".

وحاصل رأي الدارقطني أنه لم يسمع من عائشة؛ لأنه حكم على حديثه عنها بالإرسال كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

وكذا مال الحافظ ابن رجب، فإنه لما تعرض لبعض حديث عكرمة عن عائشة في «فتح الباري» (2/79) قال: "وهذه الرواية ليسَ فيها تصريح برفعه، فإنه ليسَ فيها أن ذَلِكَ كانَ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أنَّهُ كانَ معها. وفي إسناده اختلاف أيضاً؛ فإن عبدالوهاب الثقفي رواه، عَن خالد، عَن عكرمة: أن عائشة قالت.

وهذه الرواية تشعر بأنَّهُ لَم يسمعه منها".

·       أحاديث عكرمة عن عائشة في «صحيح البخاري»:

روى البخاري لعكرمة عن عائشة في «صحيحه» ثلاثة أحاديث، وهي:

·       الحديث الأول:

أخرج البخاري في «صحيحه»، كتاب اللباس، بَابُ ثِيَابِ الخُضْرِ، (7/148) (5825) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَهَّابِ، قال: أَخْبَرَنَا أَيُّوبُ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ، فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ الزَّبِيرِ القُرَظِيُّ، قَالَتْ عَائِشَةُ: وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ، فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى المُؤْمِنَاتُ؟ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا.

قَالَ: وَسَمِعَ أَنَّهَا قَدْ أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنَانِ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا، قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا لِي إِلَيْهِ مِنْ ذَنْبٍ، إِلَّا أَنَّ مَا مَعَهُ لَيْسَ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذِهِ، وَأَخَذَتْ هُدْبَةً مِنْ ثَوْبِهَا، فَقَالَ: كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ، تُرِيدُ رِفَاعَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَإِنْ كَانَ ذَلِكِ لَمْ تَحِلِّي لَهُ، أَوْ: لَمْ تَصْلُحِي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ " قَالَ: وَأَبْصَرَ مَعَهُ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: «بَنُوكَ هَؤُلاَءِ» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللَّهِ، لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالغُرَابِ».

وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/371) (14301) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ المُقْرِئُ، قال: أنبأنا الحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا يُوسُفُ بنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، قال: حدثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَعَلَيْهَا خِمَارٌ أَخْضَرُ فَشَكَتْ إِلَيْهَا زَوْجَهَا وَأَرَتْهَا ضَرْبًا بِجِلْدِهَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَقَالَتْ: مَا تَلْقَاهُ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، وَقَالَتْ لَلَّذِي يَجْلِدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ خِمَارِهَا.

قَالَ عِكْرِمَةُ: والنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا.

وَجَاءَ الرَّجُلُ فَقَالَتْ: مَا الَّذِي عِنْدَهُ بِأَغْنَى عَنِّي مِنْ هَذَا، وَقَالَتْ بِطَرَفِ ثَوْبِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللهِ وَاللهِ إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الْأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ - تُرِيدُ رِفَاعَةَ، وَكَانَ رِفَاعَةُ زَوْجَهَا قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَ ذَلِكَ -، فَقَالَ: «إِنَّهُ إِنْ كَانَ كَمَا تَقُولِينَ لَمْ تَحِلِّي لَهُ حَتَّى يَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ وَتَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ».

هذا الحديث رواه أيوب السختياني عن عكرمة، وكان عكرمة دخل البصرة فحدّث أهلها.

روى الحميدي، عن سفيان، عن أيوب، قال: "لما أتانا عكرمة، فحدثنا قال: يُحسن حسنكم مثل هذا؟!".

وروى ابن عُلية قال: ذكر أيوب عكرمة، فقال: "كان قليل العقل! أتيناه يوما، فقال: والله لأحدثنكم، فلبثنا ساعة، فجعل يحدثنا، ثم قال: أيحسن حسنكم مثل هذا؟! قال: وبينا أنا يوما عنده وهو يحدثنا إذ رأى أعرابيا، فقال: هاه، لم أرك بأرض الجزيرة أو غيرها، فأقبل عليه، وتركنا".

وهذا الحديث رواه عن أيوب السختياني البصري: عبدالوهاب بن عبدالمجيد الثقفي، وحماد بن زيد، ووُهيب بن خالد.

ورواية وُهيب في «فَوَائِد أَبِي عَمْرِو بنِ السَّمَّاكِ».

قال ابن حجر في «الفتح» (10/282): "قَوْلُهُ: «والنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا» جُمْلَةٌ مُعْتَرَضَةٌ، وَهِيَ مِنْ كَلَامِ عِكْرِمَةَ، وَقَدْ صَرَّحَ وُهَيْبُ بنُ خَالِدٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَيُّوبَ بِذَلِكَ، فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ «لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ خِمَارِهَا» قَالَ عِكْرِمَةُ: «والنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا»، رُوِّينَاهُ فِي فَوَائِدِ أَبِي عَمْرِو بنِ السَّمَّاكِ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ عَنْ وُهَيْبٍ".

وقد ذكره الدارقطني في «الإلزامات والتتبع» (ص: 352) (193) وأعلّه بالإرسال! فقال: "وأخرج البخاري حديث الثقفي عن أيوب عن عكرمة: قصة أم رفاعة. وفيه ذكر عائشة ولكنه مرسل. وكذلك رواه حماد بن زيد عن أيوب".

وقال الحميدي في «الجمع بين الصحيحين» (4/33): "قَالَ الإِمَام أَبُو بكر البرقاني: هكَذَا رَوَاهُ البُخَارِيّ مُرْسلا عَن بنْدَار، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ حَمَّاد بن زيد، ووهيب عَن أَيُّوب مُرْسلا. وَقد أسْندهُ سُوَيْد بن سعيد عَن عبدالوَهَّاب الثَّقَفِيّ فَقَالَ فِيهِ: عَن ابْن عَبَّاس: أَن رِفَاعَة طلق امْرَأَته، فَتَزَوجهَا عبدالرَّحْمَن بن الزبير... وَذكر الحَدِيث".

·       وهم لسويد بن سعيد الحدثاني!

قلت: رواية سويد بن سعيد خطأ! وهم فيها، وسلك الجادة وذكر «ابن عباس»، وسويد في حفظه شيء! وخالفه من هو أوثق منه بكثير وهو محمد بن بشار، ورواية محمد بن بشار عن عبدالوهاب أصح؛ لأنه توبع على إرساله، كما في رواية حماد بن زيد، ووهيب بن خالد.

قال ابن حجر في «الفتح» (10/282): "فِي رِوَايَةِ أَبِي يَعْلَى: حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ بِسَنَدِهِ، وَزَاد فِيهِ: عَن ابن عَبَّاسٍ... وَفِي قَوْلِهِ: «قَالَتْ عَائِشَةُ» مَا يُبَيِّنُ وَهَمَ رِوَايَةِ سُوَيْدٍ! وَأَنَّ الحَدِيث من رِوَايَة عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ".

ولما ساق ابن حجر قول الدارقطني في «مقدمة الفتح» (1/377) قال: "قلت: سِيَاقه يَقْتَضِي أَنه من رِوَايَة عِكْرِمَة عَن عَائِشَة، فَإِن لَفظه عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَتَزَوَّجَهَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بن الزبير القرظِيّ قَالَت عَائِشَة وَعَلَيْهَا خمار أَخْضَر فَذكره، فَهَذَا ظَاهر فِي ذَلِك إِلَّا أَن أَكثر السِّيَاق صورته الْإِرْسَال، وإِنَّمَا قصد البُخَارِيّ مِنْهُ ذكر الثِّيَاب الخضر؛ لِأَنَّهُ أوردهُ فِي بَاب الثِّيَاب الْخضر، وَأما أصل قصَّة رِفَاعَة وَامْرَأَته فمخرجة عِنْده فِي النِّكَاح فِي مَكَانهَا مِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، والله أعلم".

·       طرق أخرى للحديث عن أيوب:

وقد سئل الدارقطني في «العلل» (15/109) (3868) عن حديث عكرمة، عن عائشة؛ في قصة رفاعة،... الحديث، وفيه: «لا حتى تذوقي عسيلته، ويذوق عسيلتك»؟

فقالَ: "يَرْوِيهِ أَيُّوبُ السَّخْتِيَانِيُّ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ عبدالعزيز بن الحصين، عن أيوب، عن عكرمة، عن عائشة.

ورواه ابن علية، والحارث بن عمير، عن أيوب، عن عكرمة، مرسلا، والمرسل أولى بالصواب".

قلت: فهذه روايات أخرى للحديث عن أيوب.

ورواية عبدالعزيز بن الحصين عن أيوب موافقة للروايات الثلاثة المتقدمة = رواية عبدالوهاب الثقفي، وحماد بن زيد، ووهيب بن خالد.

وكأن الدارقطني - مع علمه بهذه الروايات لأنه ذكر ثنتين منها في الإلزامات  كأنه لم يستحضرها عندما تكلّم على هذا الحديث هنا!!

والمفهوم من كلامه هنا أن رواية عبدالعزيز متصلة بذكر عائشة فيها، والصواب دون ذكرها كما رواه ابن علية، والحارث بن عُمير!

وعلى كلا الحالين فهو مرسل عنده.

وعليه فيكون الاختلاف على أيوب منه نفسه! لا من الرواة عنه!!

فرواه عبدالوهاب، وحماد بن زيد، ووهيب بن خالد، وعبدالعزيز بن الحصين، كلهم عن أيوب، عن عكرمة، عن عائشة.

وخالفهم ابن علية، والحارث بن عمير، فروياه عن أيوب، عن عكرمة، مرسلا.

فالاختلاف من أيوب نفسه، وهو على جميع الأحوال مرسل.

·       رواية عبدالعزيز بن الحصين، وقول ابن عدي فيها!

ورواية عبدالعزيز رواها ابن عدي في «الكامل» (6/501) في ترجمة «عَبدالعزيز بن الحصين بن الترجمان»، قال: حَدَّثَنَا مُحَمد بنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَزِيدَ الأَنْطَاكِيُّ بِدِمْيَاطَ، قال: حَدَّثَنا الهيثم بن جميل، قال: حَدَّثَنا عَبدالعَزِيزِ بن الحُصَيْنِ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكرمَة، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «جَاءَتِ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي كُنْتُ عِنْدَ رِفَاعَةَ وَإِنَّهُ طَلَّقَنِي فَأَبَتَّ طَلاقِي، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبدالرَّحْمَنِ بنَ الزَّبَيْرِ، فَوَاللَّهِ مَا مَعَهُ إلاَّ مِثْلُ الْهُدْبَةِ! فقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ فَقَالَتْ نَعَمْ. قَال: لاَ حَتَّى تَذُوقِي مِنْ عُسَيْلَتِهِ وَيَذُوقَ مِنْ عُسَيْلَتِكِ».

قَالَ ابن عدي: "وهذا من حديث أيوب غريب لا أَعْلَمُ يَرْوِيهِ عَنْ أَيُّوبَ غَيْرُ عَبدالعزيز هَذَا".

قلت: عَبدالعزيز بن الحصين بن الترجمان وإن كان ضعيفا ليس بالقوي، إلا أنه لم يتفرد بروايته عن أيوب كما قال ابن عدي! بل قد توبع عليه كما سبق بيانه.

·       نكارة بعض الألفاظ في رواية أيوب عن عكرمة عن عائشة!

حديث امرأة رفاعة حديث مشهور من حديث ابْنِ شِهَابٍ الزهري، عن عُرْوَة بن الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قالت: أَنَّ امْرَأَةَ رِفَاعَةَ القُرَظِيِّ جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ رِفَاعَةَ طَلَّقَنِي فَبَتَّ طَلاَقِي، وَإِنِّي نَكَحْتُ بَعْدَهُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ القُرَظِيَّ، وَإِنَّمَا مَعَهُ مِثْلُ الهُدْبَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّكِ تُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ، حَتَّى يَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ».

وليس في هذا الحديث ما رواه عكرمة عن عائشة:

"فَشَكَتْ إِلَيْهَا وَأَرَتْهَا خُضْرَةً بِجِلْدِهَا، فَلَمَّا جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالنِّسَاءُ يَنْصُرُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا، قَالَتْ عَائِشَةُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا يَلْقَى المُؤْمِنَاتُ؟ لَجِلْدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ ثَوْبِهَا".

وفي رواية:

"فَشَكَتْ إِلَيْهَا زَوْجَهَا وَأَرَتْهَا ضَرْبًا بِجِلْدِهَا، فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ ذَلِكَ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَقَالَتْ: مَا تَلْقَاهُ نِسَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ، وَقَالَتْ لَلَّذِي يَجْلِدُهَا أَشَدُّ خُضْرَةً مِنْ خِمَارِهَا".

فقد تفرد عكرمة بهذا القول عن عائشة!! وفيه نكارة من حيث أن هذه المرأة جاءت تشتكي أمر زوجها عبدالرحمن في مسألة الوطء! ولو أن عائشة أخبرته بهذه الوحشية الواردة هنا من زوجها في شدة ضربه لها بحيث ترك أثر الضرب على جلدها خضرة!! لما سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك!!

ووجه النكارة أيضاً ما جاء فيه أن هذا ما كانت نساء المسلمين يلقينه من أزواجهنّ!! وهذا لا يُعرف عنهم رضي الله عنهم، فقد كانوا يمتثلون أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم في الإحسان إلى زوجاتهم، لا أن يضربوهن بهذه الوحشية حتى يكون مكان الضرب من شدته أشد خضرة من خمار المرأة!!!

على أنه يجوز ضرب المرأة أحياناً لكن ضربا ليس مبرحاً، ولا مؤذياً! فهل هذا الضرب الوارد في هذا الحديث يرضاه صلى الله عليه وسلم؟!!

والشكوى لرسول الله صلى الله عليه وسلم من ضرب زوجها أولى من الشكوى من عجزه عن إتيانها!!

ومن النكارة أيضاً في هذه الرواية أن هذه المرأة عندما جاءت تشتكي زوجها عبدالرحمن قالت بأنه لم يمسها! لكن في هذه الرواية كذّبها زوجها:

"فَقَالَ: كَذَبَتْ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَأَنْفُضُهَا نَفْضَ الأَدِيمِ، وَلَكِنَّهَا نَاشِزٌ".

وهذا يُناقض قولها! والصحيح أن قولها هو الصواب، ففي الصحيح وغيره في رواية: «أَنَّ رِفَاعَةَ القُرَظِيَّ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَتْ لَهُ أَنَّهُ لاَ يَأْتِيهَا، وَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ هُدْبَةٍ، فَقَالَ: لاَ، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ».

وبوّب عليه البخاري: "بَابِ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ زَوْجًا غَيْرَهُ فَلَمْ يَمَسَّهَا".

وهذا يناقض ما جاء في حديث عكرمة من أنه كان ينفضها نفض الأديم! وكذلك لو كان كلامه صحيحاً لما كان لقوله صلى الله عليه وسلم «لا، حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» معنى!! لأنه أخبر هنا أنه لا يحلّ لها أن ترجع لزوجها السابق حتى يذوق زوجها الحالي عُسيلتها وهذا كناية عن الجِماع.

والعجيب أني لم أر أحداً من الشرّاح تعرض لهذا التناقض!! بل ذهب بعضهم في تأكيد دعوى كذب المرأة بما جاء من ذكر الابنين لعبدالرحمن!! وقوله: «هَذَا الَّذِي تَزْعُمِينَ مَا تَزْعُمِينَ، فَوَاللَّهِ، لَهُمْ أَشْبَهُ بِهِ مِنَ الغُرَابِ بِالْغُرَابِ»!

قال العيني في «عمدة القاري» (22/7): "قَوْله: «فوَاللَّه لَهُم أشبه بِهِ» أَي للابنين أشبه بِهِ، أَي بِعَبْدالرَّحْمَن من الْغُرَاب بالغراب، وَأثبت النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فِيهِ الحكم بِالدَّلِيلِ حَيْثُ اسْتدلَّ بشبههما لَهُ على كذبهَا ودعواها. وَفِيه أَن للزَّوْج ضرب زَوجته عِنْد نشوزها عَلَيْهِ، وَإِن أثر ضربه فِي جلدهَا، وَلَا حرج عَلَيْهِ فِي ذَلِك، وَفِيه أَن للنِّسَاء أَن يطالبن أَزوَاجهنَّ عِنْد الإِمَام بقلة الوطىء وَلَا عار عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِك، وَفِيه أَن للزَّوْج إِذا ادّعى عَلَيْهِ بذلك أَن يخبر بِخِلَافِهِ ويعرب عَن نَفسه، أَلا ترى إِلَى قَوْله يَا رَسُول الله وَالله إِنِّي لأنفضها نفض الْأَدِيم وَهَذِه الْكِنَايَة من الفصاحة العجيبة وَهِي أبلغ فِي المَعْنى من الحَقِيقَة".

قلت: العجيب أن العيني مشى على هذا، وأن المرأة كانت ناشزاً! وهذا تخالفه الروايات الأخرى عن عائشة أنه لم يمسها، ولهذا اشتكته، وأرادت الرجوع لزوجها السابق.

·       الحديث الثاني:

أخرج البخاري في «صحيحه»، كتاب الطهارة، بَابُ اعْتِكَافِ المُسْتَحَاضَةِ، (1/69) (309) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ»، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ، وَزَعَمَ أَنَّ عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ العُصْفُرِ، فَقَالَتْ: كَأَنَّ هَذَا شَيْءٌ كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجِدُهُ.

وقال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ، فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي».

وقال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ بَعْضَ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ».

وأعاد حديث قتيبة بن سعيد في كتاب الصوم، بَابُ اعْتِكَافِ المُسْتَحَاضَةِ، (3/50) (2037).

فهذا الحديث رواه البخاري من طريق خالد الطحان، ويزيد بن زُريع، ومعتمر بن سليمان، ثلاثتهم عن خالد الحذّاء البصري، عن عكرمة، عن عائشة.

ورواه أبو داود في «صحيحه»، كتاب الصوم، باب المستحاضةُ تعتكف، (4/133) (2476) عن محمد بن عيسى، وقتيبة بن سعيد.

والنسائي في «سننه الكبرى»، كتاب الاعتكاف، اعتكاف المستحاضة، (3/381) (3332) عن قتيبة، وأبي الأشعث العجلي، ومحمد بن عبدالله بن بَزيع.

وابن ماجه في «سننه»، كتاب الصوم، بَابُ المُسْتَحَاضَةِ تَعْتَكِفُ، (1/566) (1780) عن الحسن بن محمد بن الصباح، عن عفان بن مسلم.

خمستهم عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ، به.

قال ابن رجب في «فتح الباري» (2/79) في رواية البخاري الأخيرة: "وهذه الروية ليسَ فيها تصريح برفعه، فإنه ليسَ فيها أن ذَلِكَ كانَ في زمن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا أنَّهُ كانَ معها. وفي إسناده اختلاف أيضاً؛ فإن عبدالوهاب الثقفي رواه، عَن خالد، عَن عكرمة: أن عائشة قالت. وهذه الرواية تشعر بأنَّهُ لَم يسمعه منها.

ورُوي عَن معتمر، عَن خالد، عَن عكرمة عَن ابن عباس، وهو وهم: قاله الدارقطني". - يعني زيادة "ابن عباس" فيه.

قال الدارقطني في «العلل» (14/366) (3713) وسئل عن هذا الحديث: "يَرْوِيهِ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ يزيد بن زريع، ومعتمر، وخالد بن عبدالله، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن عائشة، وقال الثقفي: عن خالد، عن عكرمة: أن عائشة قالت...

وقيل: عن معتمر، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أن بعض أمهات المؤمنين كانت تعتكف مع النبي صلى الله عليه وسلم وهي تستحاض ...

ذكر ابن عباس فيه وهم من قائله، والأول هو الصواب".

قلت: وفيه اختلاف آخر لم يذكره الدارقطني ولا ابن رجب!

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/340) (9700) عن إسماعيل ابن عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ بَعْضَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَهِيَ عَاكِفَةٌ».

وفِي «السُّنَنِ» لِسَعِيدِ بنِ مَنْصُورٍ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حَدَّثَنَا خَالِدٌ - هُوَ: الحَذَّاءُ -، عَنْ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ مُعْتَكِفَةً وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ».

قَالَ - أي: ابن علية -: وَحَدَّثَنَا بِهِ خَالِدٌ مَرَّةً أُخْرَى عَنْ عِكْرِمَةَ: «أَنَّ أُمَّ سَلَمَةِ كَانَتْ عَاكِفَةً وَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَرُبَّمَا جَعَلَتِ الطَّسْتَ تَحْتَهَا».

ذكره ابن حجر في «فتح الباري» (1/412)، ثم قال: "قُلْتُ: وَهَذَا أَوْلَى مَا فَسَّرَتْ بِهِ هَذِهِ الْمَرْأَةُ لِاتِّحَادِ المَخْرَجِ. وَقَدْ أَرْسَلَهُ إِسْمَاعِيلُ بنُ عُلَيَّةَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَوَصَلَهُ خَالِدٌ الطَّحَّانُ، وَيَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، وَغَيْرُهُمَا بِذِكْرِ عَائِشَةَ فِيهِ، وَرَجَّحَ البُخَارِيّ المَوْصُول فَأخْرجهُ، وَقد أخرج ابن أَبِي شَيْبَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ هَذَا الْحَدِيثَ كَمَا أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ بِدُونِ تَسْمِيَةِ أُمِّ سَلَمَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قلت: يبدو أن خالد الحذاء كان يضطرب فيه، فكان يرسله عن عكرمة، وكان يصله عن عكرمة عن عائشة! وهو مرسل على كلّ الأحوال.

·       الحديث الثالث:

أخرج البخاري في «صحيحه»، كتاب المغازي، بَابُ غَزْوَةِ خَيْبَرَ، (5/140) (4242) قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ، قال: حَدَّثَنَا حَرَمِيٌّ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -، قَالَتْ: «لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الآنَ نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ».

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (43/324) من طريق يَحْيَى بن محمّد بن صَاعِدٍ، عن مُحَمَّد بْنِ بَشَّارٍ بُندار، به.

ورواه تمّام في «فوائده» (1/346) (887) من طريق مُحَمَّد بن يَزِيدَ الْأَسْفَاطِيّ، وأَحْمَد بن صَالِحٍ الرُّوَاسِيّ، قَالَا: حدثنا حَرَمِيُّ بنُ عُمَارَةَ، به، بلفظ: «قَالَتْ: لَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْنَا خَيْبَرَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ؟».

كذا رواه عُمارة بن أبي حفصة عن عكرمة عن عائشة بهذا اللفظ!

وخالفه الحكم بن أبان فرواه عنه بلفظ آخر.

رواه أبو نُعيم في «الحلية» (3/ 347) عن أَحْمَد بن جَعْفَرِ بْنِ حَمْدَانَ، عن عَبْداللهِ بْن أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حدثنا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، قال: حدثنا الحَكَمُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا: «مَا شَبِعْنَا مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ حَتَّى أَجْلَى اللهُ النَّضِيرَ وَأَهْلِكَ قُرَيْظَةَ».

وذكره الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (5/448) 6018)]، وقال: "تفرد بِهِ الحكم بن أبان عَن عِكْرِمَة".

وفي المطبوع! "تفرد بِهِ الحكم بن أبان [عَن أَبِيه] عَن عِكْرِمَة"! وهذا خطأ، فلو كان الراوي عن الحكم هو ابنه إبراهيم لصح أن يُقال: "تفرد به إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه عن عكرمة"! لكن هذا الحديث لم يروه إبراهيم عن أبيه، وإنما رواه يزيد بن أبي حكيم عنه.

والحكم بن أبان العدني صالح عابد ليس بالقويّ في الحديث.

ورُوي عن عمرة عن عائشة بنحوه.

رواه ابن حبان في «صحيحه» (2/460) (684) عن عُمَر بْن مُحَمَّدٍ الْهَمْدَانِيّ، عن عَبْداللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عن عمّه، عن أبيه، عن محمد بن إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّا كُنَّا نَشْبَعُ مِنَ التَّمْرِ فَقَدْ كَذَبَكُمْ فَلَمَّا افْتَتَحَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْظَةَ أصبنا شيئا من التمر والودك».

قلت: فيه ابن إسحاق، ولا يُحتج بما انفرد به.

والصحيح عن عائشة ما رواه الشيخان وغيرهما من حديث مَنْصُور بن عَبْدِالرَّحْمَنِ الحَجَبِيُّ، عَنْ أُمِّهِ صَفِيَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حِينَ شَبِعَ النَّاسُ مِنَ الْأَسْوَدَيْنِ: التَّمْرِ وَالمَاءِ».

فهذه هي الأحاديث الثلاثة التي أخرجها البخاري لعكرمة عن عائشة! تفرد بها عكرمة عنها، ولم يُتابع عليها!

حديثان في إسنادهما اختلاف، والأصح فيهما الإرسال! والحديث الثالث تفرد به عنها، لم يروه غيره!

والملاحظ أن الذين رووا هذه الأحاديث عن عكرمة هم من أهل البصرة! فهو حدّث بهذه الأحاديث لما نزل البصرة.

·       الأحاديث الأخرى التي رواها أصحاب السنن لعكرمة عن عائشة:

·       الحديث الأول:

أخرج الترمذي في «جامعه»، أبواب البيوع، بَابُ مَا جَاءَ فِي الرُّخْصَةِ فِي الشِّرَاءِ إِلَى أَجَلٍ، (2/509) (1213)، والنسائي في «سننه الكبرى»، كتاب البيوع، البَيْعُ إِلَى الْأَجَلِ المَعْلُومِ ، (6/65) (6179) عن أَبي حَفْصٍ عَمَرو بنِ عَلِيٍّ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِكْرِمَةُ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَوْبَانِ قِطْرِيَّانِ غَلِيظَانِ، فَكَانَ إِذَا قَعَدَ فَعَرِقَ، ثَقُلاَ عَلَيْهِ، فَقَدِمَ بَزٌّ مِنَ الشَّامِ لِفُلاَنٍ اليَهُودِيِّ، فَقُلْتُ: لَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِ، فَاشْتَرَيْتَ مِنْهُ ثَوْبَيْنِ إِلَى المَيْسَرَةِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا يُرِيدُ، إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِمَالِي أَوْ بِدَرَاهِمِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَذَبَ، قَدْ عَلِمَ أَنِّي مِنْ أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ، وَآدَاهُمْ لِلأَمَانَةِ».

قال الترمذي: "حَدِيثُ عَائِشَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

وقال: "وفِي البَاب عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وأَنَسٍ، وأَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ. وقدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ أَيْضًا، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي، حَفْصَةَ.

وسَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ فِرَاسٍ البَصْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ الطَّيَالِسِيَّ يَقُولُ: سُئِلَ شُعْبَةُ يَوْمًا عَنْ هَذَا الحَدِيثِ، فَقَالَ: لَسْتُ أُحَدِّثُكُمْ حَتَّى تَقُومُوا إِلَى حِرْمِيِّ بْنِ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، فَتُقَبِّلُوا رَأَسَهُ. قَالَ: وَحَرَمِيٌّ فِي القَوْمِ. أَيْ إِعْجَابًا بِهَذَا الحَدِيثِ".

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (2/28) (2207) من طريق مُحَمَّد بنِ المِنْهَالِ، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ، به.

قال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِي وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ مُخْتَصَرًا".

ثم ساقه من طريق عَمْرو بن مَرْزُوقٍ، وعَمْرو بن حَكَّامٍ، ومُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، ثلاثتهم عن شُعْبَة، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ثَوْبَاكَ غَلِيظَانِ فَلَوْ نَزَعْتَهُمَا وَبَعَثَتْ إِلَى فُلَانٍ التَّاجِرِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْكَ ثَوْبَيْنِ إِلَى المَيْسَرَةِ، قَالَ: «فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ ابْعَثْ إِلَيَّ ثَوْبَيْنِ إِلَى الْمَيْسَرَةِ! فَأَبَى».

وأخرجه الطيالسي في «مسنده» (3/117) (1629) عن شُعْبَة، عَنْ عُمَارَةَ بنِ أَبِي حَفْصَةَ.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/624) (1200) عن النَّضْر. وأحمد في «مسنده» (42/70) (25141) عن مُحَمَّد بن جَعْفَرٍ، كلاهما عن شُعْبَة، به.

·       وهم لأبي نُعيم الأصبهاني! واستغرابه للحديث!

ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (3/347) من عُبَيْداللهِ بن عُمَرَ القَوَارِيرِيّ، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ، به.

قال: "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُمارة وعِكْرِمَةَ، لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ فِيمَا أَعْلَمُ إِلَّا يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ".

ثم قال: "وفِي هَذَا اليَوْمِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَلْبَسَ أَحَدُكُمْ مِنْ رِقَاعٍ شَتَّى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْتَدِينَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ»".

قلت: وهم أبو نُعيم في قوله: "لم يروه عنه إلا يزيد بن زريع"!! بل رواه تابعه شعبة عن عمارة كما سبق تخريجه.

والحديث الذي ذكره أبو نُعيم وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله ذاك اليوم ضعيف!

رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (7/379) (5158) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِاللهِ الْحَافِظُ، قال: حدثنا أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحَافِظُ، قال: أخبرنا الحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عن يَحْيَى بنِ اليَمَانِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَلْبَسَ الرَّجُلُ مِنْ أَلْوَانٍ شَتَّى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْتَدِينَ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ قَضَاؤُهُ».

قَالَ أَبُو عَبْدِاللهِ: قُلْتُ لِأَبِي عَلِيٍّ: "مَنْ أَبُو عُمَارَةَ هَذَا؟ قَالَ: طِلَابُ بْنُ حَوْشَبٍ الشَّيْبَانِيُّ أَخُو الْعَوَّامِ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ غَيْرُ يَحْيَى بنُ الْيَمَانِ".

ورواه الدولابي في «الكنى والأسماء» (3/1133) (1975) من طريق مُحَمَّد بْن يَحْيَى بْنِ مَنْدَهْ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ، - وَاسْمُ أَبِي هَانِئٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيفَةَ -، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي عُمَارَةَ الْبَصْرِيِّ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ يَلْبَسَ العَبْدُ المُؤْمِنُ أَوِ المَرْأَةُ المُؤْمِنَةُ أَلْوَانًا مِنْ شَتَّى، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ فِي أَمَانَتِهِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ».

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (5/204) (1924) وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ سعيدُ بن أبي هانئٍ إسماعيلَ بنِ خليفةَ قَاضِي أَصْبَهَانَ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي هَانِئٍ، عَنْ سفيانَ الثوريِّ ، عَنْ أَبِي عُمَارة، عَن النَّضْر بْن أَنَسٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ؟

فسمعتُ أَبِي يَقُولُ: "رَوَى هَذَا الحديثَ يَحْيَى بنُ يَمَانٍ، عَنِ الثَّوريِّ، عَنْ أَبِي عمَّار، عَنِ أنس، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَبُو عمَّار هَذَا يُشبِهُ أَنْ يكونَ زيادَ بنَ مَيمونٍ، وزيادُ بنُ مَيمون متروكُ الْحَدِيثِ".

قلت: فكأن أبا حاتم يرى أن أصل هذا الحديث هو ما رواه يحيى بن يمان! وفيه أنه «عن أبي عمّار» لا «عن أبي عمارة» كما تقدم في رواية البيهقي التي فيها قول أبي علي أنه «طلاب بن حوشب»!!

على أن كنية طلاب ليست «أبا عمارة» وإنما «أَبا رُوَيْم أو يَريم».

فالصواب ما قاله أبو حاتم.

ويحيى بن يمان مضطرب الحديث.

قال أبو حاتم: "مضطرب الحديث، في حديثه بعض الصنعة، ومحله الصدق".

وقال ابن عدي: "ولابن يمان عن الثَّوْريّ غير مَا ذَكَرْتُ، وَعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ غير محفوظ، وابن يمان في نفسه لا يتعمد الكذب إلا أنه يخطئ ويشتبه عليه".

وسَعِيدُ بْنُ أَبِي هَانِئٍ رَوَى عَنْ أَبِيهِ وِجَادَةً لَا سَمَاعًا كما قال أبو نُعيم الأصبهاني، فلعله أخطأ في رواية هذا الحديث عن أبيه! ولهذا قال أبو حاتم رواه يحيى بن يمان عن سفيان.

وأبوه قاضي أصبهان محله الصدق.

قال ابن أبي حاتم: سألت يونس بن حبيب عن أبي هاني إسماعيل بن خليفة؟ فقال: "محله الصدق، كتب عنه مشايخنا".

وذكره ابن حبان في «ثقاته» وقال: "كَانَ يخطىء".

فالحديث ضعيف على كل الأحوال.

ولا يصح في الباب شيء من الشواهد التي أشار إليها الترمذي آنفاً.

وحديث عكرمة عن عائشة فيه نكارة!! كيف يتجرأ هذا اليهودي على حبيبنا صلى الله عليه وسلم ويصفه بذاك الوصف!!!

وهل كان يجرؤ أحفاد القردة والخنازير على الكلام في نبينا صلى الله عليه وسلم وحوله أصحابه الأُسود!!

·       الحديث الثاني:

أخرج النسائي في «السنن الكبرى»، كتاب عشرة النساء، إِبَاحَةُ الرَّجُلِ لِزَوْجَتِهِ النَّظَرَ إِلَى اللَّعِبِ، (8/183) (8909) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ العَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ - وهُوَ ابْنُ أَبِي إِيَاسٍ -، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ قَرَظَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ خَوْخَةٍ لِي فَدَنَا مِنِّي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعْتُ يَدَيَّ عَلَى مَنْكِبِهِ وَجَعَلْتُ أَنْظُرُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خُذْنَ بَنَاتِ أَرْفِدَةَ، فَمَا زِلْتُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، وَيَزْفِنُونَ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْتَهَيْتُ».

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (9/121) (9303) عن هَاشِم بن مَرْثَدٍ، عن آدَم بْن أَبِي إِيَاسٍ، به.

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ قَرَظَةَ إِلَّا إِسْرَائِيلُ، تَفَرَّدَ بِهِ آدَمُ".

قلت: لم يتفرد به! بل توبع عليه.

رواه القاضي الشريف أبو الحسن علي بن عبدالله الهاشمي العيسوي في «فوائده - تخريج أبي الفتح بن أبي الفوارس – الجزء الأول» (13) قال: حدثنا محمد بن عَمْرٍو، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأُمَوِيُّ عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ أَبَانٍ، قال: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَرَظَةَ الْحَارِثِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، به.

لكن عبدالعزيز هذا متروك! كان يأخذ حديث الناس ويُحدّث به!!

وقُرظة هذا مجهول لا يُعرف!!

قال الذهبي في «الميزان» (3/387): "قرظة [س] عن عكرمة، عن عائشة في لعب الحبشة. لا يُعرف. روى عنه إسرائيل".

وقد ذكر المزي في ترجمته من كتابه أنه "قرظة بن أرطأة الذي يروي عن كثير بن شهاب، ويروي عنه أبو إسحاق السبيعي".

وهذا محتمل، ففي حديث عبدالعزيز - وإن كان متروكاً - أن قرظة حارثياً، وكثير بن شهاب حارثياً.

فإن صح ذلك فيكون الحديث حديث أبي إسحاق السبيعي، رواه عنه إسرائيل حفيده، فسقط ذكر أبي إسحاق منه أو تحرف الإسناد!

"إِسْرَائِيل بن يُونُسَ عن أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ قَرَظَةَ"، فتحرفت "عن" فصارت "بن" فصار الإسناد: "إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق" وهو كذلك فأبو إسحاق جدّه.

وإن صح ذلك فيبقى قرظه هذا مجهولاً! فيكون من الشيوخ المجاهيل الذين روى عنهم أبو إسحاق السبيعي، والله أعلم.

وما جاء في متن الحديث: «خُذْنَ بَنَاتِ أَرْفِدَةَ» منكر!! يخالف الرواية الصحيحة المشهورة.

فقصة لعب الحبشة في المسجد مشهورة من حديث عُرْوَة بن الزُّبَيْرِ، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي وَالحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي المَسْجِدِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ».

وفي رواية: «وكَانَ يَوْمَ عِيدٍ، يَلْعَبُ السُّودَانُ بِالدَّرَقِ وَالحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِمَّا قَالَ: تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ، فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ، خَدِّي عَلَى خَدِّهِ، وَهُوَ يَقُولُ: دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ. حَتَّى إِذَا مَلِلْتُ، قَالَ: حَسْبُكِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبِي».

·       الحديث الثالث:

أخرج ابن ماجه في «سننه»، كتاب الطهارة، بَابُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَتَوَضَّآنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، (1/249) (383) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى - هو الذهلي -، قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ، قال: حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرَمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُمَا كَانَا يَتَوَضَّآنِ جَمِيعًا لِلصَّلَاة» - أيّ من إناء واحد.

ورواه ابن عدي في «الكامل» (3/309) في ترجمة «حبيب بن أبي حبيب» من طريق روح بن عبادة، قال: حَدَّثَنا حَبِيْبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ هَرِمٍ، عَنْ عِكرمَة: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ. أَخْبَرَتْ عَائِشَةَ أَنَّهُمَا تَوَضَّآ جَمِيعًا لِلصَّلاةِ.

ثم رواه من طريق حبان بن هلال، قال: حَدَّثَنا حَبِيْبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ هَرِمٍ، قَال: قَال عِكرمَة: أَخْبَرَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ أَنَّهُمَا توضأ جميعًا للصلاة.

قال مغلطاي في «شرح ابن ماجه» (1/217): "هذا حديث صحيح الإِسناد متصل، وإن كان ابن أبي حاتم في كتاب المراسيل خالف ذلك بقوله: سمعت أبي يقول: عكرمة لم يسمع من عائشة، فغير صواب، وخالف ذلك في كتابه الجرح والتعديل، قيل لأبي أسمع عكرمة من عائشة فقال: نعم، وكذلك قاله البخاري، وخرَّج حديثه عنها في صحيحه، وكذلك الترمذي وصححه، وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: سمع عكرمة من عائشة، ورواه عن عائشة - رضي الله عنها - جماعة منهم: أبو سلمة، ومعاذة، وحفصة عند مسلم، وعطاء عند عبدالرزاق، وعبيد بن عمير عند الدارقطني، ومسروق وأم منصور بن عبدالرحمن عند الطحاوي، وابن المسيب عند ابن عبدالبر، وإبراهيم - على انقطاعه - عند ابن أبي شيبة، وأبو أمامة الأنصاري...".

قلت: لم يسمع عكرمة هذا من عائشة، وإنما هو أخبر عنها فقط كما في الروايات السابقة، ويزيد ذلك بياناً ما رواه ابن عدي بعد أن ساق الروايتين السابقتين قال:

حَدَّثَنَا عُمَر بن سهل، قال: حَدَّثَنا يوسف، قال: حَدَّثَنا داود بن شبيب، قال: حَدَّثَنا حَبِيْبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرو بْنِ هَرِمٍ قَالَ: «سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، هَلْ يَغْتَسِلُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا يَفْضُلُ وُضُوءَ الآخَرِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، لا بَأْسَ بِذَلِكَ، لَيْسَ عَلَى الْمَاءِ جَنَابَةٌ وَلَكِنَّهُ طَهُورٌ مِنَ الْجَنَابَةِ.

وَقَدْ قَالَ عِكرمَة أفتى ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ.

وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ أَنَّهُمَا اغْتَسَلا جَمِيعًا مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ وَتَوَضَّآ جَمِيعًا لِلصَّلاةِ وأحدهما يفضل غسل الآخر».

قلت: فهذا التفصيل من عمرو بن هرم يُبين أن هذا الحديث لم يروه عكرمة عن ابن عباس!

فروى حبيب عن عمرو بن هرم أن عكرمة قال: أفتى ابن عباس بما أفتى به جابر بن زيد، ثم قال: "وأخبرت عائشة..."، فهو ينقل قول عائشة لا أنه يرويه عن عكرمة عنها!

وحتى لو صح أنه يروي ذلك عن عكرمة عن عائشة، فالذي فيه كما في رواية روح بن عبادة وحبان بن هلال عن حبيب أن عكرمة يُخبر بذلك عن عائشة لا أنه سمع ذلك منها، وحديث عائشة مشهور صحيح في مسألة الاغنسال من إناء واحد.

رواه عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ».

وزاد حبيب بن أبي حبيب على الغسل الوضوء!

وحبيب فِيهِ لِينٌ! وقد غَمَزَهُ أَحْمَدُ، وَقَدَحَ فِيهِ يَحْيَى القَطَّانُ. وَنَهَى يَحْيَى بنُ مَعِينٍ عَنْ كِتَابَةِ حَدِيثِهِ. وكان عنده كتاب فيه كلام! فيه "سئل وسئل فلان"!!

روى العقيلي من طريق الحَسَن بن عَلِيٍّ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَالصَّمَدِ عَنْ أَمْرِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؟ قَالَ: دَفَعَ إِلَيَّ كِتَابَهُ وَكَتَبْتُهُ، فَإِنَّمَا كَانَ فِي كِتَابِهِ: وَسُئِلَ وَسُئِلَ، فَحَدَّثَنِي وَقَالَ حَبِيبٌ يَعْنِي جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ، ثُمَّ بَلَغَنِي بَعْدُ أَنَّهُ كَتَبَ نُسْخَةً آخَرَى: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فقال: التَّنُّورِيُّ أَمَرَنِي بِهَذَا فَكَتَبْتُ أَيْضًا مَرَّةً أُخْرَى عَلَى هَذِهِ النُّسْخَةِ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ فَسَمِعْتُهُ أَنَا وَدَاوُدُ بْنُ شَبِيبٍ.

قَالَ عَبْدُالصَّمَدِ: كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالْمَنَاسِكِ فَهُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ لَيْسَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ.

قَالَ عَبْدُالصَّمَدِ: قُلْتُ لِحَبِيبٍ: عَمْرُو بْنُ هَرِمٍ لَمْ يَرْوِ عَنْهُ أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي بِشْرٍ فَكَيْفَ رَوَيْتَ أَنْتَ عَنْهُ كُلَّ هَذَا؟ فقالَ: كُنْتُ جَارًا لَهُ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِيفًا، وَكَانَ لَهُ عَطَاءٌ، وَكُنْتُ مُوسِرًا فَكُنْتُ أُسَلِّفُهُ إِلَى أَنْ يَتَيَسَّرَ عَطَاؤُهُ، فَقَالَ لِي مَرَّةً: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أُكَافِيكَ إِلَّا أَنَّ عِنْدِيَ كِتَابًا أُمْلِهِ عَلَيْكَ فَأَخْرَجَ إِلَيَّ هَذَا الْكِتَابَ فَأَمْلَاهُ عَلَيَّ.

وقال صَالِحُ بنُ أَحْمَدَ بن حنبل: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِاللَّهِ المديني، قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى - يعني ابن معين - عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ صَاحِبِ عَمْرِو بْنِ هَرِمٍ، قُلْتُ: كَتَبْتَ عَنْهُ شَيْئًا؟ قَالَ: "نَعَمْ أَتَيْتُهُ بِكِتَابِهِ فَقَرَأَهُ عَلَيَّ فَرَمَيْتُ بِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَجُلًا مِنَ التُّجَّارِ وَلَمْ يَكُنْ بِذَاكَ فِي الحَدِيثِ".

وقال ابن أبي خيثمة: كان معنا كتاب حبيب بن أبي حبيب عن داود بن شبيب، فنهانا يحيى بن معين أن نسمعه منه - يعني من داود.

وقال عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: سَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ؟ فَقَالَ: "هُوَ كَذَا، كَانَ ابْنُ مَهْدِيٍّ يُحَدِّثُ عَنْهُ".

وقال أبو داود: قلت لِأَحْمَد، حبيب بن أبي حبيب؟ قَالَ: "هَذَا أَرْجُو أَن يكون صَالح الحَدِيث، كَانَ عبدالرَّحْمَن يُحدِّث عَنهُ".

وقال الأثرم: سمعت أبا عبدالله يقول: "ما أعلم بحبيب بن أبي حبيب بأسا".

ولما ذكره أبو حفص بن شاهين في «جملة الثقات» قال: "صالح".

وقال الساجي: "ضعيف. حدث عنه ابن مهدي".

وذكره العقيلي وأبو العرب في «جملة الضعفاء».

·       حديث الاغتسال من إناء واحد عن عكرمة عن عائشة!

وقد رُوي حديث الاغتسال في إناء واحد عن عكرمة عن عائشة من طريق آخر:

رواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/626) (1203) عن عَبْدالْأَعَلَى.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (8/285) (4872) عن مُحَمَّد بن المِنْهَالِ، عن يَزِيد بن زُرَيْعٍ.

كلاهما عن أَبَان بن صَمْعَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، يَبْدَأُ قَبْلِي».

قلت: أَبَانُ بنُ صَمْعَةَ الأَنْصَارِيُّ البَصْرِيُّ مِن كِبَارِ المُحَدِّثِيْنَ، لكنه كان قد اختلط!

قال الدوري، والدارمي، وإسحاق بن منصور عن يحيى بن معين، قال: "أبان بن صمعة: ثقة".

وقال صَالِحُ بنُ أَحْمَد بن حنبل: حَدَّثَنا عَلِيّ بن المديني، قال: سَمِعْتُ يَحْيى بن سَعِيد يَقُولُ: "كانَ أَبَان بن صمعة تغير بأخرة".

وقال صالح: حَدَّثَنا علي، قال: سَمِعْتُ عَبدالرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ يَقُولُ: "أتيت أَبَان بْن صمعة وقد اختلط ألبتة"، قلت لعبدالرَّحْمَنِ: قبل أن يموت بكم؟ قالَ: "بزمان".

وقال عَبداللَّهِ بن أحمد، عَن أبيه وسألته عَن أَبَان بْن صمعة؟ قَالَ: "صَالِح"، قلت لَهُ: أليس تغير بأخرة؟ قَال: "نَعم".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: "أبان بن صمعة صدوق".

وقال النسائي: "ثقة"، وقال في موضع آخر: "لَيْسَ بِهِ بَأْس إِلَّا أَنه كَانَ اخْتَلَط".

وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا دَاوُد عَن أبان بْن صَمعَة؟ فقالَ: "أنكر في آخر عمره".

وقال العجلي: "أبان بن صمعة ثِقَة".

وذكره العقيلي في «الضعفاء».

وذكره ابن حبان في «الثقات».

وقال ابن عدي: "وأبان بْن صمعة لَهُ من الروايات قليل، وإِنَّما عيب عَلَيْهِ اختلاطه لما كبر، ولم ينسب إلى الضعف؛ لأن مقدار ما يرويه مستقيم، وقد روى عنه البصريون مثل سهل بْن يوسف هَذَا، وَمُحمد بن أَبِي عدي، وأَبُو عاصم وغيرهم بأحاديث وكلها مستقيمة غير منكرة إلا أن يدخل فِي حديثه شيء بَعْدَ مَا تغير واختلط".

قال ابن حجر في «التقريب»: "أبان بن صَمْعَة، بمهملتين مفتوحتين، الأنصاريُّ: بَصْريٌّ، صدوقٌ، تَغَيَّر آخِرًا، من السابعة، وحديثُه عند مُسلم متابعة".

وقد تعقّب صاحبا «التحرير» (1/81) ابن حجر في قوله، فقالا: "* بل: ثقةٌ، فقد وَثَّقَه ابنُ معين والنسائي وأبو داود وابنُ حبان، وقال أحمد وأبو حاتم: صالح الحديث. ولعلهما قالا ذلك بسبب ما ثبت عنه من اختلاطٍ في آخر عمره، فقد دَرَس ابنُ عدي حديثه ووجد أحاديثه المروية مستقيمةً عمومًا، وأنه لم يتهم بضعف، وإنما بالتغيُّر، والظاهر أن رواية كثير من كبار البصريين عنه رواية مستقيمة، منهم: سهل بن يوسف الأنماطي، وأبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل، ومحمد بن أبي عدي .. ولعلَّ مما يوثقه ويقويه رواية يحيى بن سعيد القطان عنه، كما وقعت عند مسلم، وهو المعروف بشدة تَحَرِّيه".

قلت: بل كلام ابن حجر هو الصواب، وكلامهما لا قيمة له!!!

نعم، وثقه ابن معين، والنسائي في موضع، لكنه قال في موضع آخر: "لا بأس به، إلا أنه قد اختلط"!

وأبو داود لم يوثقه، بل قال إنه أُنكر في آخر عمره!

وأبو حاتم قال فيه: "صدوق" لا كما نقلاه!!!

وجمعاً بين كلام أهل العلم ممن وثقه، ومن قال عنه "صدوق" أو "صالح" أن حديثه يُكتب للاعتبار ولا يُحتج به لأنه اختلط، فإذا علمنا أن ما رواه قبل الاختلاط احتج به، وإلا فلا!

وأما قول ابن عدي فليس فيه أنه سبر حديثه كله فعرف ما روي عنه قبل اختلاطه وما رواه بعده!

وقد دلّسا في نقلهما لقول ابن عدي، حيث حذفا منه شيئا وأشارا إليه بوضع نقاط "..."!!

وتتمة كلامه: "وكلها مستقيمة غير منكرة إلا أن يدخل فِي حديثه شيء بَعْدَ مَا تغير واختلط"!

فكيف نعرف أن هذا مما رواه بعدما اختلط؟!! فالحالة هذه تجعلنا لا نقبل حديثه الذي ينفرد به!

وأما قولهما أن رواية يحيى القطان عنه مما يعدّ توثيقا وتقوية له كما وقع عند مسلم، وهو - أي القطان - المعروف بشدة تحريه!! قول لا قيمة له! فيحيى نفسه قد قال بأنه قد تغيّر، وقد رَوَى له مُسْلِمٌ حديثاً واحداً مُتَابَعَة!! فأين التقوية والتوثيق بهذا؟!!!

فحديثه هذا انفرد به عن عكرمة عن عائشة! ولم يُتابع عليه عن عكرمة!! فإن كان ضبطه فتكون علته الانقطاع بين عكرمة وعائشة، والحديث مشهور صحيح عن عائشة كما بينته آنفاً.

·       الحديث الرابع:

أخرج ابن ماجه في «سننه»، كتاب النكاح، بَابُ الرَّجُلِ يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، (3/134) (1958) قال: حَدَّثَنَا حُبَيْشُ بْنُ مُبَشِّرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا».

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/320) (2099) عن أَحْمَد بن زُهَيْرٍ التُّسْتَرِيّ.

و(6/9) (5642) عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ الحَضْرَمِيّ.

وأخرجه الدارقطني في «سننه» (4/434) (3739) عن يَحْيَى بن مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، وَمُحَمَّد بْن مَخْلَدِ بْنِ حَفْصٍ.

كلهم عن أَبي عَبْدِاللَّهِ حُبَيْشُ بن مُبَشِّرٍ الفَقِيه، به.

وأخرجه الدارقطني أيضاً في «سننه» (4/434) (3740) عن يَحْيَى بن مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، وَابن مَخْلَدٍ، كلاهما عن مُحَمَّد بن الحُسَيْنِ بنِ المُبَارَكِ - يُعْرَفُ بِالْأَعْرَابِيِّ -، عن يُونُس بن مُحَمَّدٍ المؤدب، به.

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَيُّوبَ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وتَفَرَّدَ بِهِ يُونُسُ الْمُؤَدِّبُ".

قلت: لم يرو هذا الحديث إلا يونس بن محمد المؤدب البغدادي، وهو ثقة حافظ، لا أعلم فيه أيّ كلام!

فإن كان حفظه عن حماد بن زيد بهذا الإسناد فهو غريب من حديث عائشة!! تفرد به عنها عكرمة! ولم يروه عنها أحد ممن أكثر من الرواية عنها كابن أختها عروة بن الزبير، وعمرة بنت عبدالرحمن!

والحديث مشهور صحيح من حديث أنس بن مالك.

فهذه هي الأحاديث الأربعة التي أخرجها بقية أصحاب السنن لعكرمة عن عائشة، وتبيّن لنا أنها لا تصح عن عائشة!

والملاحظ أن الرواة في هذه الأحاديث عن عكرمة هم من أهل البصرة: عمارة بن أبي حفصة البصري، وعمرو بن هرم البصري، وأَبَان بن صَمْعَةَ الأَنْصَارِيّ البَصْرِيّ، وأيوب السختياني البصري.

وقرظة مجهول!

·       الأحاديث الأخرى لعكرمة عن عائشة مما ليس في الكتب الستة:

ومما وجدت من الأحاديث التي رُويت عن عكرمة عن عائشة خارج الكتب الستة:

·       الحديث الأول:

أخرج أحمد في «مسنده» (42/379) (25590) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ - هو القطان -، عَنْ حَبِيبِ بنِ شَهِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَلَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ».

قلت: حبيب بن الشهيد البصري ثقة. ولم يذكر عكرمة سماعاً من عائشة، والحديث صحيح مشهور عنها رضي الله عنها.

وروى ابن عدي في «الكامل» (3/567) في ترجمة «داود بن الزبرقان» من طريق دَاوُد بْن الزِّبْرَقَانِ عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكرمَة عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «أَن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ قَبَّلَهَا، وَهو صَائِمٌ وَيُبَاشِرُهَا، وَهو صَائِمٌ».

قال ابن عدي: "وهذا الحديث عن أيوب يرويه داود بن الزبرقان بهذا الإسناد وقد روى حبيب بن الشهيد هذا الحديث، عن عِكرمَة عن عائشة".

قلت: لم يُتابع داود عليه، وهو ضعيف!

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/152) (3846) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَرْدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ، وَأَيُّكُمْ كَانَ أَمْلَكَ لِإِرْبِهِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ إِلَّا عَدِيُّ بْنُ الْفَضْلِ، تَفَرَّدَ بِهِ: وَرْدُ بنُ عَبْدِاللَّهِ".

قلت: عدي بن الفضل البصري متروك الحديث!

ورواه الطبراني أيضاً في «المعجم الأوسط» (9/179) (9471) قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْرَائِيلَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ إِلَّا مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ وعُبَيْدَةُ بْنُ حُمَيْدٍ".

قلت: محمد بن جابر اليمامي ليس بشيء!! ولم أقف على رواية عبيدة بن حميد التي أشار إليها الطبراني!

وربما وهم الطبراني في قوله هنا: "وعبيدة بن حميد"!

فإن صح أن عبيدة بن حميد رواه عن عبدالعزيز بن رُفيع المكي عن عكرمة، فتكون روايته متابعة لحبيب بن الشهيد عن عكرمة، والله أعلم.

·       الحديث الثاني:

أخرج أحمد في «مسنده» (43/326) (26297)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/299) عن عَبِيدَة بن حُمَيْدٍ التَّيْمِيّ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قال: قالت عائشة - رضي الله عَنْهَا -: «كانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِي الْقِدْرَ فَيَأْخُذُ الذِّرَاعَ مِنْهَا فَيَأْكُلُهَا. ثُمَّ يُصَلِّي وَلا يَتَوَضَّأُ وَلا يُمَضْمِضُ».

قلت: تفرد به عبيدة بن حُميد التيمي الكوفي، وهو لا بأس به! وثقه بعض أهل العلم، وتكلم فيه آخرون.

قال أَحْمَدُ بنُ سَعْدٍ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: "ثِقَةٌ".

وَرَوَى عُثْمَانُ بنُ سَعِيْدٍ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: "مَا بِهِ المِسْكِيْنُ مِنْ بَأْسٍ، لَيْسَ لَهُ بَخْتٌ".

وَقَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي عُثْمَانَ الطَّيَالِسِيُّ: عَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ: "لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، كَانَ يَنْزِلُ فِي دَرْبِ المُفَضَّلِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى قَصْرِ وَضَاحٍ، فَعَابُوْهُ أَنَّهُ يَقعُدُ عِنْدَ أَصْحَابِ الكُتُبِ".

وقالَ عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: "أَحَادِيْثُه صِحَاحٌ، وَمَا رَوَيتُ عَنْهُ شَيْئاً. وَضَعَّفَهُ". وَقَالَ مَرَّةً: "مَا رَأَيْتُ أَصَحَّ حَدِيْثاً مِنْ عَبِيْدَةَ الحَذَّاءِ، وَلاَ أَصَحَّ رِجَالاً".

وقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: "لَمْ يَكُنْ مِنَ الحُفَّاظِ المُتْقِنِيْنَ. ذَكَرَهُ: سَعْدَوَيْه يَوْماً، فَقَالَ: كَانَ صَاحِبَ كِتَابٍ، وَكَانَ مُؤَدِّباً لِلأَمِيْنِ، وَكَانَ حَذَّاءً".

وقال عبدالله بن أحمد بن محمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: "عبيدة بن حميد صالح الحديث"، قيل له: عبيدة بن حميد أحبّ إليك أو زياد البكائي؟ فقال: "عبيدة أحبّ إلى وأصلح حديثاً منه".

وقال أبو داود: سَمِعت أَحْمد - قيل لَهُ عُبَيْدَة بن حميد؟ قال: "لَيْسَ بِهِ بَأْس".

وقَالَ ابنُ عَمَّارٍ الموصلي: "ثِقَةٌ".

وقالَ زَكَرِيَّا السَّاجِيُّ: "ليْسَ بِالقَوِيِّ، هُوَ مِنْ أَهْلِ الصِّدْقِ، كَانَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ يَقُوْلُ: هُوَ قَلِيْلُ السَّقَطِ، وَأَمَّا التَّصحِيْفُ، فَلَيْسَ تَجِدُه عِنْدَهُ، وَرَفَعَ أَمرَهُ جِدّاً".

وقَالَ النَّسَائِيُّ: "لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ".

وقال ابن سعد: "وكان ثقة صالح الحديث".

وقال ابن شاهين: "عُبَيْدَة بن حميد لم يكن بِهِ بَأْس، وإنما عابوه أنه كَانَ يقْعد عِنْد أَصْحَاب الكتب".

وقال العجلي: "عُبَيْدَة بن حميد الكوفي الحذاء لا بَأْس بِهِ".

فإن ضبط عبيدة هذا الحديث عن عبدالعزيز بن رُفيع المكي، فتكون علّة هذا الحديث عدم سماع عكرمة من عائشة!

·       تناقض المعلقين على مسند أحمد!!!

قال المعلقون على «مسند أحمد» (43/326) عن هذا الحديث: "حديث صحيح، وهذا إسناد فيه انقطاع، عكرمة لم يسمع هذا الحديث من عائشة، وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير عَبيدة بن حميد الضبي، فقد أخرج له البخاري، وهو حسن الحديث".

وقالوا في موضع آخر (41/394): "وعكرمة لم يسمع من عائشة".

قلت: جزموا هنا بأن عكرمة لم يسمع من عائشة! وأثبتوا سماعه منها في مواضع أخرى!

قالوا في (42/70) عن حديث لعكرمة عن عائشة: "إسناده صحيح على شرط البخاري. عُمارة بنُ أبي حفصة من رجاله، وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين. عكرمة: هو مولى ابن عباس، وقد أثبتَ البخاريُّ سماعَه من عائشة، حيث أخرج له من روايته عنها".

وقالوا في موضع آخر (42/379): "إسناده صحيح على شرط الشيخين: يحيى بن سعيد: هو القطان، وحبيب بن الشهيد: هو الأزدي أبو محمد البصري، وعكرمة - وهو مولى ابن عباس- قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" 7/7: قيل لأبي: سمع من عائشة؟ قال: نعم، ومع ذلك نسب في المراسيل إلى أبيه أنه لم يسمع منها، لكن أثبت سماعه منها البخاري، فأخرج من روايته عنها".

قلت: هكذا يتناقضون! فمرة يحكموا على إسناد عكرمة عن عائشة بالانقطاع لعدم السماع! ومرة يجكموا عليه بالصحة لإثبات البخاري سماعه منها!!!

·       متابعة لعكرمة!

وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/53) (546)، وأحمد في «مسنده» (42/168) (25282) عن حُسَيْن بن عَلِيٍّ الجُعفيّ.

ورواه البزار في «مسنده» (18/226) (235) عن أَحْمَد بن مَنْصُورِ بنِ سَيَّارٍ، عن يَحْيَى بن يَعْلَى.

كلاهما عَنْ زَائِدَةَ بن قُدامة، عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرُّ بِالْقِدْرِ، فَيَتَنَاوَلُ مِنْهَا الْعَرْقَ، فَيُصِيبُ مِنْهُ، ثُمَّ يُصَلِّي وَلَمْ يَتَوَضَّأْ، وَلَمْ يَمَسَّ مَاءً».

ورواه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (7/427) (4449) عن أَبي بَكْر ابن أبي شيبة، به.

لكن وقع عنده: "عَنْ عَبْدِالعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ"!!

وكذا هو في «المقصد العلي في زوائد أبي يعلى الموصلي» (1/91) (152)! وهو خطأ!! فكأنه سقط منه حرف الواو وصارت "عن"!!

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (1/253): "رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالْبَزَّارُ، وَرِجَالُهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ".

قلت: تقدّم أن عَبِيدَة بن حُمَيْدٍ التَّيْمِيّ رواه عن عَبْدالعَزِيزِ بن رُفَيْعٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عن عائشة.

ورواه زائدة بن قدامة، عن عبدالعزيز بن رُفيع، عن ابن أبي مليكة وعكرمة، عن عائشة!

فزاد في إسناده: «ابن أبي مُليكة»!! فصار متابعاً لعكرمة فيه!

وعبدالله بن عبيدالله بن أبي مُليكة المكي قد سمع من عائشة! لكن هذا الحديث لا يُعرف عنها إلا من هذا الطريق!!

وقد تفرد زائدة بذكر «ابن أبي مليكة»، وزائدة ثقة! لكنه فرد غريب!!

·       ورود سماع ابن أبي مليكة وعكرمة لهذا الحديث من عائشة!

وجاء في بعض الروايات تصريح ابن أبي مليكة وعكرمة بسماع هذا الحديث من عائشة!

رواه أَبو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ يُوسُفَ الأَصَمُّ في «جزئه» (12) عن جَعْفَر بن مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ الصائغ.

ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (8/19) (5440) عن أَبي عَبْدِاللهِ الحَافِظ، وأَبي مُحَمَّدِ بن أَبِي حَامِدٍ المُقْرِئ، كلاهما عن الأصمّ.

ورواه أيضاً في «السنن الكبرى» (1/239) (716) من طريق مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ الصَّغَانِيّ.

كلاهما (جعفر الصائغ، والصغاني) عن يَحْيَى بنِ يَعْلَى بنِ الحَارِثِ المُحَارِبِيّ، قال: حدثنا زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ، قال: حدثنا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ رُفَيْعٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَبْدِاللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَا: سَمِعْنَا عَائِشَةَ تَذْكُرُ: «أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمُرُّ عَلَى الْقِدْرِ فَيَأْخُذُ مِنْهَا الْعَرْقَ فَيَأْكُلُ مِنْهُ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ وَلَا يُمَضْمِضُ».

قلت: كذا جاء هنا التصريح بالسماع!!

وقد تقدمت رواية البزار عن أَحْمَد بن مَنْصُورِ بنِ سَيَّارٍ، عن يَحْيَى بن يَعْلَى، ولم يذكر فيها السماع!

ورواية حسين الجعفي عن زائدة ليس فيه السماع أيضاً!

ولا نستطيع الاعتماد على السماعات المذكورة في الكتب المتأخرة! سيما والحديث رُوي في كتب أقدم منها من الطريق نفسها دون ذكر السماع!

والكتب المتأخرة يدخل فيها الخلل في ذكر السماعات في الأسانيد وهما أو من تصرفات النساخ، ونحو ذلك.

فلا يُعتمد ما جاء هنا في إثبات أن عكرمة سمع من عائشة!

وذكر ابن أبي مليكة تقدّم أن زائدة تفرد به، والحديث لا يُعرف عن عائشة، والله أعلم.

وقد تفرد عبيدة بن حميد، وزائدة بحديثين آخرين عن عبدالعزيز بن رفيع، عن عكرمة، عن عائشة!! وهما الآتيان.

·       الحديث الثالث:

حَدِيث: «دَعَا رَسُول الله على رجل فَبَكَيْت فَقَالَ: أما شَعرت ... الحَدِيث».

ذكره الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (5/446) (6011)].

قال الدارقطني: "تفرد بِهِ عُبَيْدَة بن حميد، عَن عبدالعَزِيز بن رفيع، عَن عِكْرِمَة، عَنْهَا".

قلت: هذا حديث فرد غريب! تفرد به عبيدة بن حميد، عن عبدالعزيز بن رفيع، عن عكرمة، عن عائشة!!

فإن صحّ فتكون علته الانقطاع بين عكرمة وعائشة!

·       الحديث الرابع:

حَدِيث: «إِن رَسُول الله كَانَ يَأْمر بِالنذرِ ... الحَدِيث».

ذكره الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (5/446) (6012)].

قال الدارقطني: "تفرد بِهِ زَائِدَة، عَن عبدالعَزِيز بن رفيع، عَن عِكْرِمَة وَابْن أبي مليكَة عَنْهَا، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يحيى بن يعلى عَن زَائِدَة أَيْضا".

قلت: هذا حديث فرد غريب!! تفرد به زائدة بن قدامة، عن عبدالعزيز، عن عكرمة وابن أبي مليكة، عن عائشة!!

ولم أجد لعبدالعزيز بن رُفيع عن عكرمة عن عائشة إلا هذه الأحاديث الأربعة!! وكلها غريبة! تفرد باثنين منها عن عبدالعزيز: عبيدة بن حميد! وتفرد بالآخرين: زائدة بن قدامة، وزاد مع عكرمة: ابن أبي مليكة!! وهذا غريب جداً أن يكون الحديث عند ابن أبي مليكة عن عائشة ولا نجده إلا من هذه الطرق الأفراد الغريبة!!!

·       الحديث الخامس:

أخرج عبدالرزاق في «مصنفه» (2/251) (3248) - عَنْ إِسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (43/64) (25883) عن عَبْدالرَّزَّاقِ.

وأخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/627) (1204) عن النَّضْر بن شُميل. وأخرجه أحمد في «مسنده» (41/472) (25016) عن عَفَّان بن مسلم، وَبَهْز بن أسد. وفي (43/285) (26232) عن يونس بن محمد المؤدب.

كلهم (النضر، وعفان، وبهز، ويونس) عن حمّاد بن سلمة.

وأخرجه أحمد أيضاً (43/278) (26218) عن عَفَّان بن مسلم. وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (610) عن مُسَدَّد بن مُسرهد. و(613) عن الصَّلْت بن محمد الخاركي. وأخرجه أبو يعلى في «مسنده» (8/78) (4606) عن مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيّ.

أربعتهم (عفان، ومسدد، والصلت، والمقدمي) عن أَبي عَوَانَةَ الوضاح اليشكري.

ثلاثتهم (إسرائيل بن يونس، وحماد بن سلمة، وأبو عوانة) عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ يَدْعُو حَتَّى إِنِّي لَأَسْأَمُ لَهُ مِمَّا يَرْفَعُهُمَا: «اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَذِّبْنِي بِشَتْمِ رَجُلٍ شَتَمْتُهُ أَوْ آذَيْتُهُ».

وفي رواية أبي عوانة: عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهَا -، أَنَّهَا رَأَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاقِبْنِي، أَيُّمَا رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ فَلَا تُعَاقِبْنِي فِيهِ».

قلت: تفرد به سماك بن حرب الكوفي عن عكرمة!

وسماك في أصله من أهل الصدق، إلا أنه كان يضطرب في حديثه، وأكثر أهل النقد على تضعيفه، سيما في أحاديث عن عكرمة! فإنه كان يروي عنه التفسير، وكان ربما وصله عنه عن ابن عباس، وربما رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم!

قَال يعقوب بْن شَيْبَة: قلت لعلي بْن المديني: رواية سماك عَنْ عكرمة؟ فقال: "مضطربة، سُفْيَان وشعبة يجعلونها عَنْ عكرمة، وغيرهما يقول: عَنِ ابن عباس، إسرائيل وأَبُو الأَحوص".

وَقَال زكريا بْن عدي، عن ابن المبارك: "سماك ضعيف فِي الحديث".

قال يعقوب: "وروايته عَنْ عكرمة خاصة مضطربة، وهو فِي غير عكرمة صالح، وليس من المتثبتين. ومن سمع من سماك قديما مثل شعبة وسفيان فحديثهم عنه صحيح مستقيم، والذي قاله ابن المبارك إنما يرى أَنَّهُ فيمن سمع منه بأخرة".

فلا تُعتمد رواية سماك عن عكرمة! وفي حديثه هذا بعض النكّرة! وهو: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ يَدْعُو حَتَّى إِنِّي لَأَسْأَمُ لَهُ مِمَّا يَرْفَعُهُمَا»! أي أنه كان دائماً يدعو بذلك!!

وإنما الذي في «صحيح مسلم» وغيره عن عائشة في هذا الحديث، كما رواه مَسْرُوق، عَنها، قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ، لَا أَدْرِي مَا هُوَ فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا، وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا، مَا أَصَابَهُ هَذَانِ، قَالَ: وَمَا ذَاكِ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا، قَالَ: أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي؟ قُلْتُ: اللهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا».

وقد رواه أيضاً أبو هريرة، وجابر بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو هذا.

·       الحديث السادس:

أخرج أبو داود الطيالسي في «مسنده» (3/134) (1653) عن أبي الأحوص سَلَّام بن سُليم، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدَّمْتُ إِلَيْهِ لَحْمًا أَوْ عَظْمًا، فَقُلْتُ: هَذَا مِمَّا أَتَتْنَا بِهِ بَرِيرَةُ، فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ وَهُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ».

قلت: كذا رواه أبو الأحوص عن سماك!

وخالفه زائدة بن قدامة.

رواه مسلم في «صحيحه» (2/1143) (1504) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن حُسَيْن بن عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ مِنْ أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَاشْتَرَطُوا الْوَلَاءَ، فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْوَلَاءُ لِمَنْ وَلِيَ النِّعْمَةَ»، وَخَيَّرَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ زَوْجُهَا عَبْدًا، وَأَهْدَتْ لِعَائِشَةَ لَحْمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ صَنَعْتُمْ لَنَا مِنْ هَذَا اللَّحْمِ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، فَقَالَ: «هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ».

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (5/179) (5002) من طريق مُعَاوِيَة بن عَمْرٍو، عن زَائِدَة، به.

ثم قال: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ إِلَّا زَائِدَةُ".

والحديث خرّجه مسلم في المتابعات لأنه خرجه قبل من طريق هِشَام بن عُرْوَةَ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، بنحوه.

والظاهر أن سماك بن حرب كان يضطرب فيه!

وقد رواه قَتَادَةُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: تُصُدِّقَ عَلَى بَرِيرَةَ بِصَدَقَةٍ فَأَهْدَتْ مِنْهَا لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هُوَ لَنَا هَدِيَّةٌ، وَلَهَا صَدَقَةٌ».

ورُي عن عكرمة عن عائشة من طريق آخر!

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/322) (2103) من طريق حَبِيب بنِ بِشْرٍ - أَخي أَبِي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيِّ لِأُمِّهِ -، عن حَمَّاد بن مَسْعَدَةَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ البصري، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ فِي بَرِيرَةَ أَرْبَعَةٌ مِنَ السُّنَّةِ: طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَكَانَ عَبْدًا، فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ الْحُرَّةِ» وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ تُطْعِمُونَا؟» قَالُوا: لَا، إِلَّا شَيْءٌ مِنْ لَحْمٍ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ، أَهْدَتْهُ لَنَا، فَقَالَ: «هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَلَنَا هَدِيَّةٌ» ، فَأَكَلَ مِنْهَا وَاشْتَرَطَ مَوَالِيهَا أَنْ لَا يَبِيعُوهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلَاءُ لَهُمْ، فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْطَى الْمَالَ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ إِلَّا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ".

وقال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (5/447) (6016)]: "تفرد بِهِ حَمَّاد بن مسعدة، عَن عمرَان بن حدير، عَن عِكْرِمَة. ولَا أعلم حدث بِهِ عَنهُ غير حبيب بن بشر بن أبي خِدَاش العَتكِي".

قلت: حبيب بن بشر مجهول الحال، ولم أجد من ترجم له!!!

·       الحديث السابع:

أخرج أبو داود الطيالسي في «مسنده» (3/135) (1655) قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: «أَعِنْدَكِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: لَا، قَالَ: «إِذَا أَصُومُ» وَدَخَلَ عَلَيَّ يَوْمًا آخَرَ، فَقَالَ «عِنْدَكِ شَيْءٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِذًا أُفْطِرُ وَإِنْ كُنْتُ فَرَضْتُ الصَّوْمَ».

وأخرجه البيهقي في «سننه الكبرى» (4/342) (7916)، و(4/457) (8343) من طريق أبي داود الطيالسي.

قال البيهقي: "وهذا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ".

قلت: تفرد به سليمان بن معاذ البصري، وهو ضعيف!

وقد ذكره ابن عدي في «الكامل» (4/267) وساق له بعض الأحاديث عن سماك وغيره، ثم قال: "ولسليمان بْن معاذ غير هذا من الحديث، وأحاديثه متقاربة، ولم أر للمتقدمين فيه كلام، وفي بعض ما يرويه مناكير، وعامة ما يرويه إنما يروي عنه أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، وَهو بصري".

وذكره العقيلي في «الضعفاء» (2/136) ونقل فيه قول يَحْيَى بن معين: "سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ لَيْسَ بِشَيْءٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ عَنْهُ".

وذكره ابن حبان في «المجروحين» (1/333) قال: "سُلَيْمَان بْن معَاذ شيخ من أهل الْبَصْرَة، يَرْوِي عَن الْبَصرِيين والمدنيين. روى عَنْهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، يُخَالف الثِّقَات فِي الْأَخْبَار".

ثم نقل فيه قول ابن معين: "ليس بشيء".

وكان ذكره في «الثقات» (6/392): "سُلَيْمَان بن معَاذ الضَّبِّيّ يروي عَن سماك بن حَرْب روى عَنهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ".

وقد فرّق ابن عدي، والعقيلي، وابن حبان، ومن قبلهم البخاري بين «سليمان بن معاذ» الذي يروي عنه الطيالسي، وبين «معاذ بن قرم»!! وجمع بينهما أبو حاتم وغيره.

قال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (4/214): "وممن فرق بينهما ابن حبان تبعاً للبخاري، ثم ابن القطان، وذكر عبدالغني بن سعيد في إيضاح الإشكال أن من فرق بينهما فقد أخطأ! وكذا قال الدارقطني وأبو القاسم الطبراني، وقال ابن حبان: كان رافضيا غاليا في الرفض ويقلب الأخبار مع ذلك، وقال في الثقات: سليمان بن معاذ يروي عن سماك، وعنه أبو داود، وجزم ابن عقدة بأنه سليمان بن قرم، وأن أبا داود الطيالسي أخطأ في قوله سليمان بن معاذ. قال الآجري عن أبي داود: كان يتشيع وذكره الحاكم في باب من عيب على مسلم إخراج حديثهم، وقال: غمزوه بالغلو في التشيع وسوء الحفظ جميعا أعني سليمان بن قرم، والحاصل أن أحدا لم يقل سليمان بن معاذ إلا الطيالسي وتبعه ابن عدي فإن كان معاذ اسم جده فلم يخطىء، والله أعلم".

قال الدارقطني: "سُلَيْمَان بْن معَاذ هُوَ سُلَيْمَان بْن قرم، وَلَكِن أَبَا دَاوُد من بَين الروَاة عَنهُ أَخطَأ فِي نسبه، فقَالَ: سُلَيْمَان بْن معَاذ".

وسُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ الضَّبِّيُّ ضعيف أيضاً.

قَال مُحَمَّد بْن عوف الطائي، عَنْ أَحْمَد بْن حنبل: "لا أرى به بأساً، لكنه كَانَ يفرط فِي التشيع".

وَقَال عَباس الدُّورِيُّ، عَن يحيى بْن مَعِين: "ضعيف".

وَقَال فِي موضع آخر: "ليس بشيءٍ".

وَقَال أَبُو زُرْعَة: "ليس بذاك".

وقَال أَبُو حاتم: "ليس بالمتين".

وقَال النَّسَائي: "ضعيف".

·       الحديث الثامن:

أخرج إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/625) (1201)، و(3/931) (1633) عن إِبْرَاهِيم بنِ الحَكَمِ بن أبان، عن أَبِيه.

وأخرجه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (8/283) (4870) عن مُحَمَّد بن المِنْهَالِ الضرير، عن يَزِيد بن زُريع، عن عُمَارَة بن أَبِي حَفْصَةَ.

كلاهما (الحكم، وعمارة) عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ ابْنِ جُدْعَانَ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا كَانَ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: كَانَ يَنْحَرُ الْكَوْمَاءَ، وَيُكْرِمُ الْجَارَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَيُوفِي بِالذِّمَّةِ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَيُؤَدِّي الْأَمَانَةَ. قَالَ: هَلْ قَالَ يَوْمًا وَاحِدًا: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ؟ قَالَتْ: لا. وَمَا كَانَ يَدْرِي مَا جَهَنَّمُ. قَالَ: فلا. إِذًا».

قلت: هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ عن عَائِشَةَ!! وعكرمة لم يسمع منها!

ورُوي عن عائشة من طرق أخرى لكنها كلها معلولة!!!

·       رواية عُبيد بن عُمير عن عائشة!

أخرج أحمد في «مسنده» (41/381) (24892) عن عَفَّان بن مسلم الصفّار.

والترمذي في «العلل الكبير» (708)، والبزار في  «مسنده» (18/204) (196) كلاهما عن بِشْر بن مُعَاذٍ العَقَدِيّ.

وأبو يعلى الموصلي في «مسنده» (8/132) (4672) عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، عن أَبي رَبِيعَةَ.

وابن حبان في «صحيحه» (2/39) (330) عن الحَسَن بْن سُفْيَانَ، عن القَوَارِيرِيّ.

والطحازي في «شرح مشكل الآثار» (11/148) (4358) عن مُحَمَّد بن عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ، عن عَفَّان بن مُسْلِمٍ.

وعن ابن أَبِي دَاوُدَ، عن عِيسَى بن إِبْرَاهِيمَ.

وأبو نُعيم في «حلية الأولياء» (3/278) عن أَبي عَمْرِو بن حَمْدَانَ، عن الحَسَن بن سُفْيَانَ، عن أَبي كَامِلٍ الجحدري، وعُبَيْداللهِ بنِ عُمَرَ القواريري.

كلهم عن عَبْدالوَاحِدِ بن زِيَادٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ جُدْعَانَ كَانَ يُقْرِي الضَّيْفَ وَيُحْسِنُ الْجِوَارَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَكُفُّ الْأَذَى، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ شَيْئًا؟ قَالَ: لَا يَا عَائِشَةُ إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا قَطُّ: رَبِّ اغْفِرْ لِي يَوْمَ الدِّينِ».

·       من مناكير عبدالواحد بن زياد العبدي!

قال الترمذي: سَأَلْتُ مُحَمَّدًا - يعني البخاري - عَنْ هَذَا الحَدِيثِ؟ فقالَ: "هَذَا حَدِيثُ عَبْدِالوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، وَلَمْ يَعْرِفْهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِهِ". قَالَ: "وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا".

وقال أبو نُعيم: "هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عُبَيْدٍ عَنْ عَائِشَةَ، لَمْ نَكْتُبْهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَصَحِيحٌ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ".

قلت: وَهِم في قوله "صحيح متفق عليه من حديث عروة بن الزبير عن عائشة"!! فالبخاري لم يروه مطلقاً، ومسلم رواه عن مسروق عن عائشة كما سيأتي!

والحديث تفرد به عبدالواحد بن زياد العبدي! ولم يتابعه أحد عليه عن الأعمش! وهو من مناكيره!!

وعبدالواحد وثقه بعض أهل العلم، وجرّحه آخرون!

قال صَالِح بن أحمد بن حنبل: حَدَّثَنَا عَلِيّ بن المديني، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ القطان يَقُولُ: "مَا رَأَيْتُ عَبْدَالوَاحِدِ بْنَ زِيَادٍ يَطْلُبُ حَدِيثًا قَطُّ بِالْبَصْرَةِ وَلَا بِالْكُوفَةِ". قَالَ يَحْيَى: "وَكُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِهِ يَوْمَ الجُمُعَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ أُذَاكِرُهُ حَدِيثَ الْأَعْمَشِ لَا يُعْرَفُ مِنْهُ حَرْفًا".

وقال عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: سَمِعْتُ أَبَا دَاوُدَ، وَذُكِرَ عَبْدُالوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ فَقَالَ: "عَمِدَ إِلى أَحَادِيثَ كَانَ يُرْسِلُهَا الْأَعْمَشُ فَوَصَلَهَا كُلَّهَا، يَقُولُ: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُجَاهِدٌ فِي كَذَا وَكَذَا".

وقال عُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ الدارمي: سَأَلْتُ يَحْيَى بن معين عَنْ عَبْدِالوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ، فَقَالَ: "لَيْسَ بِشَيْءٍ".

وقال أبو حاتم وأبو زرعة: "ثقة".

وقال العجلي: "ثقة حسن الحديث".

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال البزار: "كان متعبدا وأحسبه كان يذهب إلى القدر، مع شدة عبادته، وليس بالقوي".

وذكره أبو جعفر العقيلي في جملة الضعفاء.

وذكره ابن عدي في «الكامل» (6/523)، ثم قال: "وعبدالواحد من أجلة أهل البصرة، وقد حدث عَنْهُ الثقات المعروفون بأحاديث مستقيمة، عَنِ الأَعْمَش وغيره، وَهو ممن يصدق فِي الروايات".

وقال الدارقطني: "ثقة مأمون".

وقال ابن عبدالبر: "اجمعوا لا خلاف بينهم أن عبدالواحد بن زياد ثقة".

قلت: كلام ابن عبدالبر فيه نظر! فلم يجمعوا على ثقته! بل ضعفه بعضهم كما تقدّم.

وقال ابن القطان الفاسي: "ثقة لم يعتل عليه بقادح".

وقال الذهبي في «الميزان» (2/672): "أحد المشاهير، احتجا به الصحيحين، وتجنبا تلك المناكير التي نقمت عليه".

وقال في «من تكلم فيه وهو موثق»: "صدوق ذو مناكير، وقد وُثق".

وقال ابن حجر في «التقريب»: "ثقة في حديثه عن الأعمش وحده مقال".

قلت: حديثه هذا تفرد به عن الأعمش!!! وهو من منكراته!

·       رواية مسروق عن عائشة!

وأخرج مسلم في «صحيحه» (1/196) (214) قال: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عن دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ابْنُ جُدْعَانَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُطْعِمُ الْمِسْكِينَ، فَهَلْ ذَاكَ نَافِعُهُ؟ قَالَ: «لا يَنْفَعُهُ، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ».

وأخرجه ابن حبان في «صحيحه» (2/40) (331) عن الحَسَن بن سُفْيَانَ، عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، به.

وأخرجه ابن منده في «الإيمان» (2/892) (969) عن مُحَمَّد بن يُونُسَ، عن حُسَيْن بن مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ.

وعن مُحَمَّد بن عُبَيْدِاللَّهِ، عن مُوسَى بن هَارُونَ.

كلاهما عن أَبي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، به.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (41/169) (24621) عن عَبْداللهِ بن مُحَمَّدٍ، عن حَفْص، به.

·       من أوهام حفص بن غياث!

قال ابن منده: "رَوَاهُ غَيْرُ حَفْصٍ مُرْسَلًا".

قلت: وممن رواه مرسلاً عن داود: عبدالأعلى بن عبدالأعلى السامي البصري.

رواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/931) (1631) قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالْأَعْلَى، قال: حدثنا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ، فذكره.

وقد سئل الدارقطني في «العلل» (14/290) (3632) عن هذا الحديث؟ فقال: "يرويه داود بن أبي هند، واختلف عَنْهُ:

فَرَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، عن حفص، عن داود، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة، وغيره يرويه، عن داود، عن الشعبي، عن عائشة، مرسلا، ويشبه أن يكون حفص قد حفظه".

قلت: تفرد بوصله حفص بن غياث! وخالفه غيره فأرسلوه! ولا يوجد ما يدلّ على أنه حفظه!

وحفص ثقة إلا أنه ساء حفظه لما تولى القضاء.

وثقه ابن معين، والعجلي.

وقال يعقوب بن شيبة: "ثقة ثبت إذا حدث من كتابه، ويتقى بعض حفظه".

وقال ابن معين: "جميع ما حدث به حفص ببغداد والكوفة إنما هو من حفظه، كتبوا عنه ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف من حفظه".

وقال أبو زرعة: "حفص بن غياث ساء حفظه بعد ما استقضي فمن كتب عنه من كتابه فهو صالح وإلا فهو كذا".

وقال داود بن رشيد: "حفص بن غياث كثير الغلط".

وقال ابن حبان في «المشاهير»: "وكان يهم في الأحايين".

وهذا الحديث رواه عنه أبو بكر بن أبي شيبة وقد سمع من حفص بالكوفة، وما حدّث به حفص بالكوفة فهو من حفظه، وطالما أنه وُجد من خالفه، فيكون هذا مما وهم فيه، والصواب هو المرسل.

ولحفص عدة أحاديث وهم فيها، فوصلها وغيره أرسلها.

·       رواية أبي سلمة عن عائشة!

وأخرج الحاكم في «مستدركه» (2/439) (3524) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحِ بْنِ هَانِئٍ، قال: حدثنا السَّرِيُّ بْنُ خُزَيْمَةَ، قال: حدثنا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حدثنا وهَيْبُ بْنُ خَالِدٍ، قال: حدثنا أَبُو وَاقِدٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ كَانَ يُقْرِي الضَّيْفَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَفْعَلُ وَيَفْعَلُ أَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا قَطُّ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ».

قال الحاكم: "صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ".

قلت: بل ضعيف الإسناد!!

أبو واقد هو: صالح بن محمد بن زائدة المدني الليثي، وهو ضعيف الحديث!

وهذا الحديث يرويه عنه وُهيب بن خالد البصري، وقد تركه.

قال صَالِح بن عبدالله بن أحمد: حَدَّثَنَا عَلِيّ بن المديني قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بنَ مَهْدِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي وُهَيْبٌ - يعني ابن خالد - قَالَ: قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو وَاقِدٍ اللَّيْثِيُّ الْبَصْرَةَ، - يَعْنِي صَالِحَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ - قَالَ: فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، فَلَوْ شِئْتُ أَنْ أَكْتُبَ، عَنْهُ مَا شِئْتُ، قَالَ: فَتَرَكْتُهُ.

وكان وهيب إذا حدّث عنه كنّاه!

قَال يعقوب بن سفيان: "كان سُلَيْمان بن حرب سمع من وهيب له أحاديث، فكنّاه وهيب، وجهله سُلَيْمان، وكان لا يُحدّث عنه بالبصرة، ولما استقضي على مكة - يعني سليمان -، والتقى مع المدنيين، أثنوا عليه، وعرفوا حاله، وقَالوا: كان من خيارنا، ومن زهادنا، صاحب غزو وجهاد، فحدّث عنه بمكة".

لكن الأئمة على تضعيفه في الحديث وإن كان خيّراً في نفسه وصدوقاً!

قَال عَبداللَّهِ بْن أَحْمَد بْن حنبل، عَن أبيه: "ما أرى به بأسا".

قلت: يعني يُكتب حديثه.

وَقَال عَباس الدُّورِيُّ، عَنْ يحيى بْن مَعِين: "ضعيف، وليس حديثه بذاك".

وَقَال المفضل بن غسان الغلابي، وعبداللَّهِ بْن أَحْمَدَ الدورقي عن يحيى بْن مَعِين: "ليس بذاك".

وَقَال معاوية بن صالح، وأحمد بْن سعد بْن أَبي مريم، وأبو بكر بْن أَبي خيثمة، وعبدالله بن شعيب الصابوني عَن يحيى بْن مَعِين: "ضعيف الحديث".

وَقَال يعقوب بن شَيْبَة: "كان علي ابن المديني فيما بلغنا يضعفه".

وقَال العجلي: "يكتب حديثه، وليس بالقوي".

وقَال البُخارِيُّ: "منكر الحديث، تركه سُلَيْمان بن حرب".

ونقل عنه الترمذي أنه قال فيه: "مُنْكَرُ الحَدِيثِ ذَاهِبٌ لَا أَرْوِي عَنْهُ".

وَقَال أبو داود: "لم يكن بالقوي في الحديث".

وَقَال النَّسَائي: "ليس بالقوي".

وَقَال سَعِيد بْن عَمْرو البَرذعي عَن أبي زرعة وأبي حاتم: "ضعيف الحديث".

وَقَال عَبْدالرَّحْمَنِ بْن أَبي حاتم، عَن أبيه: "ليس بقوي، تركه سُلَيْمان بن حرب، وكان صاحب غزو، منكر الحديث".

وَقَال أَبُو أَحْمَد بْن عدي: "بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها فيه إنكار، وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم".

وَقَال الدَّارَقُطْنِيُّ: "ضعيف".

وقال مُحَمَّد بن سعد، عن الواقدي: "قد رأيته ولم أسمع منه شيئا، وكان صاحب غزو، وله أحاديث، وهو ضعيف".

والخلاصة أن هذا الحديث في السؤال عن حال ابن جدعان ضعيف من كلّ طرقه ولا يصح عن عائشة، وهو مرسل!

·       الحديث التاسع:

أخرج إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/627) (1205) قال: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ الحَكَمِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: «يَرْحَمُ اللَّهُ عُمَرَ، قَالَ: يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ذَلِكَ اليَهُودِيُّ مَاتَ وَأَهْلُهُ يَنْدُبُونَهُ، فَقَالَ: مَا يُغْنِي عَنْهُ هَذَا الَّذِي يَنْدُبُونَهُ، وَهَذَا هُوَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ».

قال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف (5/448) (6019)]: "غَرِيب من حَدِيثه عَنْهَا - أي عائشة - تفرد بِهِ الحكم بن أبان عَنهُ، وَلم يروه عَنهُ غير ابْنة إِبْرَاهِيم".

قلت: وإبراهيم ضعيف جداً لا يُحتج به!!

قال ابن محرز: سألت يحيى عن إبراهيم بن الحكم بن أبان؟ فقال: "ليس بشيء".

وقال أحمد بن سعد بْنِ أَبِي مَرْيَمَ: سَمِعْتُ يَحْيى بن مَعِين يقول: "إبراهيم بن الحكم بن أَبَان: ضعيف ليس بشَيْءٍ".

وقال عباس الدوري: سمعت يَحْيى يقول: "إبراهيم بن الحكم بن أَبَان ضعيف".

وقال عَبداللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: سَألتُ يَحْيى بْنَ مَعِين عن إبراهيم بن الحكم بن أَبَان؟ فقال: "ليس بشَيْءٍ، ليس بثقة".

قال: وسألت أبي عنه؟ فقال: "وقتما رأيناه لم يكن به بأس، ثم قال: إني أظن كان حديثه يزيد بعدنا، ولم يحمده".

وقال المروذي: سَأَلته - أي أحمد - عَن إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان؟ فَقَالَ: "لَيْسَ بِذَاكَ، قد كتبت عَنهُ، وأقمت عَلَيْهِ أَيَّامًا".

وقال مُحَمَّدُ بنُ مُوسَى النَّهْرَتِيرِيُّ: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ سُئِلَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، فقال: "مَا أَدْرِي، خَلَطَ".

وقال الأثرم: سمعت أبا عبدالله يقول: "في سبيل الله دراهم أنفقناها في الذهاب إلى عدن إلى إبراهيم بن الحكم".

وقال أَحْمَدُ بنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ: قُلْتُ لِمُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ: إِبْرَاهِيمُ بنُ الحَكَمِ؟ قالَ: بِعَهْدِنَا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ، وَلَكِنِ اخْتَلَطَ بَعْدُ.

وقال البُخَارِيَّ: "إِبْرَاهِيمُ بْنُ الحَكَمِ سَكَتُوا عَنْهُ".

وقال أبو زرعة: "ليس بقوي ضعيف".

وقال النسائي: "إِبْرَاهِيم بن الحكم بن أبان مَتْرُوك الحَدِيث".

وقال الجوزجاني: "إبراهيم بن الحكم بن أبان ساقط".

وقال ابن حبان: "وكَانَ يخطىء لا يُعجبنِي الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذا انْفَرد".

وقال ابن عدي - بعد أن ذكر له بعض المنكرات -: "ولإبراهيم بن الحكم غير هذه الأحاديث، عن أبيه، وبلاؤه مما ذكروه أنه كان يوصل المراسيل، عن أبيه، وعامة ما يرويه لاَ يُتَابَعُ عَليه".

وحديث إبراهيم هذا يخالف في بعض متنه ما هو معروف عن عائشة! فعائشة وجّهت ذلك الكلام لابن عمر.

فقد روى مسلم في «صحيحه» (2/642) (931) من حديث هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ قَوْلُ ابنِ عُمَرَ: الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: رَحِمَ اللهُ أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ، سَمِعَ شَيْئًا فَلَمْ يَحْفَظْهُ، إِنَّمَا مَرَّتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَنَازَةُ يَهُودِيٍّ، وَهُمْ يَبْكُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «أَنْتُمْ تَبْكُونَ، وَإِنَّهُ لَيُعَذَّبُ».

وفي رواية مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ: أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: وَذُكِرَ لَهَا أَنَّ عَبْدَاللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ»، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: «إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا».

والخلاصة أن الحديث لم يثبت أن عكرمة رواه عن عائشة! ولو ثبت أنه رواه عنه لكان منقطعاً؛ لأنه لم يسمع منها.

·       الحديث العاشر:

أخرج إسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/628) (1206) قال: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ الحَكَمِ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعِكْرِمَةُ، وَأَزْدَادُ بْنُ فَسَوَيْهِ جُلُوسًا، فَذَكَرَ أَزْدَادُ أَنَّ ابْنًا لِمُحَمَّدٍ أَوْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَ صَاحِبَ شَرَابٍ، فَلَمَّا حَضَرَهُ المَوْتُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَسْتُ ثَرِيًّا فَأَعْتَذِرَ، وَلَا ذُو قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ لَا تَطْعَمَ ابْنَ أَخِي النَّارُ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ: «يَا عَمِّ، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ لَكَ بِهَا يَوْمَ القِيَامَةِ»، فَأَجَابَهُ عِكْرِمَةُ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: اسْتَغْفِرُوا لَهُ، فَإِنَّمَا يَسْتَغْفِرُ لِلْمُسِيءِ مِثْلُهُ.

وأخرجه ابن خزيمة في «التوحيد» (2/806) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى، عن إِبْرَاهِيم بن الحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، به. وعنده «يَزداد»!

قلت: تفرد به إبراهيم بن الحكم عن أبيه!!

وهو غريب فلا يُعرف أن ابناً لمحمد أو عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق كان صاحب شراب!!

وأزداد أو يَزداد بن فَسويه هذا مجهول العين! وليس له ذكر إلا في هذه الرواية!! وهو صاحب الرواية عن عائشة! وعكرمة لا يروي هذا عن عائشة، وإنما يروي آخره عن أبي هريرة، وهو قد سمع من أبي هريرة، لكن هذا المروي هنا لا يُعرف إلا في هذا الحديث!!!

وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمّه أبي طالب لما حضره الموت يرويه سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِيهِ، ولا يُعرف عن عائشة!!!

·       الحديث الحادي عشر:

أخرج الطحاوي في «شرح معاني الآثار» (2/202) (3925)، وفي «شرح مشكل الآثار» (6/222) (2433) قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ، قَالَ: حدثنا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حدثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ بن يونس، عَنْ زَيْدِ بنِ الحَسَنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- أَنَّهَا قَالَتْ: «أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِالحَجِّ، ومَنْ شَاءَ فَلْيُهْلِلْ بِالعُمْرَةِ. قَالَتْ: كُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَحِضْتُ، وَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَنِي أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي، وَأَمْتَشِطَ، وَأَدَعَ عُمْرَتِي».

ثم رواه أيضاً عن إِبْرَاهِيم بن أَبِي دَاوُدَ البُرُلُّسِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ الجُمَحِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ.

قلت: هذا الحديث رواه يوسف بن عدي عن يحيى بن زكريا ابن أبي زائدة بإسنادين!!

ولا يُحفظ واحد منهما! وكلاهما غريب!! ومن البعيد أن يكون محفوظاً عن الراوي نفسه بإسنادين وخاصة في طبقة متأخرة مثل طبقة ابن أبي زائدة!!

والإسناد الأول فيه «زيد بن الحسن»! ولم أعرفه! ولم أجده فيمن روى عن عكرمة، أو فيمن روى عنهم إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي!!

والحديث مشهور من طريق عُرْوَة بن الزبير، عَنْ عَائِشَةَ.

·       الحديث الثاني عشر:

أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/342) (2170) من طريق مُحَمَّد بن عُثْمَانَ بْنِ كَرَامَةَ قَالَ: حدثنا عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُوسَى، قَالَ: حدثنا إِسْرَائِيلُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّهَا قَدِمَتْ وَهِيَ مُعْتَمِرَةٌ، فَحَاضَتْ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهَا أَنْ تُهِلَّ بِالْحَجِّ، فَلَمَّا قَضَتْ نُسُكَهَا. قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَرْجِعُ أَخَوَاتِي بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَرْجِعُ بِحَجَّةٍ؟ فَقَالَ: اخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ، فَخَرَجَتْ مَعَهُ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَبْطَحِ يَنْتَظِرُهَا، فَصَارَتْ سُنَّةَ النَّاسِ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ زِيَادِ بنِ فَيَّاضٍ إِلَّا إِسْرَائِيلُ، تَفَرَّدَ بِهِ: عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ مُوسَى".

قلت: عُبيدالله بن موسى الكوفي من كبار الثقات، لكنه كان غالباً في التشيع فضعفه بعض أهل العلم بسبب ذلك، وبعضهم تركه!!

قال عثمان الدارمي عن ابن معين: "ثقة، ما أقربه من يحيى بن يمان، ويحيى بن يمان أرجو أن يكون صدوقا وليس حديثه بالقوي".

وقال المروذي: وسَأَلْتُهُ - يعني أحمد - عَنْ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ مُوسَى، أخرجت عَنهُ شَيْئا؟ قَالَ: "رُبمَا أخرجت عَنهُ، وَرُبمَا ضربت عَلَيْهِ، حدث عَن قوم غير ثِقَات، فَإِن كَانَ من حَدِيث الْأَعْمَش فعلى ذَاك".

وقال الميموني: ذكر عبيدالله عند أحمد بن حنبل فأنكره، وقال: "إنه صاحب تخليط، حدث بأحاديث سوء".

وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبيدالله بن موسى؟ فقال: "صدوق حسن الحديث، وأبو نعيم أتقن منه، وعبيدالله أثبتهم في إسرائيل، كان إسرائيل يأتيه فيقرأ عليه القرآن، وهو ثقة".

وهذا الحديث يرويه عبيدالله عن إسرائيل، فإن صح فتكون علته الانقطاع بين عكرمة وعائشة.

والحديث مشهور من طريق عُرْوَة، والأسود، عَنْ عَائِشَةَ، بنحوه. وليس فيه: «فَصَارَتْ سُنَّةَ النَّاسِ»!

·       الحديث الثالث عشر:

أخرج ابن الأعرابي في «معجمه» (1/81) (117) عن محمد بنِ المُنَادِي، قال: حدثنا يُونُسُ بنُ مُحَمَّدٍ الْمُؤَدِّبُ، قال: حدثنا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ وَهُوَ مُحْرِمٌ».

قلت: تفرد به عن حماد بهذا الإسناد: يونس بن محمد المؤدب! وخالفه غيره فرووه عن حماد، وجعلوه من مسند «ابن عباس» لا «عائشة»!

·       وهم ليونس المؤدب!

رواه الترمذي في «جامعه» (2/193) (843) عن قُتَيْبَة بن سعيد.

وأبو داود في «سننه» (3/241) (1844) عن مُسدد.

والدارقطني في «سننه» (4/392) (3664) من طريق عَبَّاس بن الوَلِيدِ النَّرْسِيّ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (11/318) (11863) من طريق سُلَيْمَان بن حَرْبٍ.

كلهم عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ».

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

ورواه البخاري في «صحيحه» (5/142) (4258) عن مُوسَى بن إِسْمَاعِيلَ، عن وُهَيْب بن خالد، عن أَيُّوب، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَاتَتْ بِسَرِفَ».

فالحديث حديث عكرمة عن ابن عباس، وقد وهم يونس المؤدب فيه فجعله عن عكرمة عن عائشة!!

·       الحديث الرابع عشر:

أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/37) (2394)، والعقيلي في «الضعفاء» (1/272) عن أَبي مُسْلِمٍ إِبْرَاهِيم بن عَبداللَّهِ الكشّي، عن أَبي عُمَرَ الضَّرِير، قَالَ: حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ السَّائِبِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ طُهْرِ الحَيْضِ، فَقَالَ: خُذِي سَكْبَتَكِ. فَقَالَتْ: أَصْنَعُ بِهَا مَاذَا؟ فَاسْتَحْيَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: هَلُمِّي إِلَيَّ أُخْبِرْكِ، أَمِرِّيهَا عَلَى مَخْرَجِ الدَّمِ».

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ عَطَاءٍ إِلَّا حَمَّادٌ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو عُمَرَ".

وأورده العقيلي في ترجمة «حفص بن عمر أبي عمر الضرير»، وقال: "ولا يُتَابَعُ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ! وَإِنَّمَا يُرْوَى هَذَا عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ فِي الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ بِخِلَافِ هَذَا اللَّفْظِ".

وساق عن أَحْمَد بن مُحَمَّدٍ الحَضْرَمِيّ، قَالَ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ الضَّرِيرِ؟ قالَ: "لا يُرْضَى".

وحديث مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ: «أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنَ المَحِيضِ، فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ، قَالَ: خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ، فَتَطَهَّرِي بِهَا. قَالَتْ: كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: تَطَهَّرِي بِهَا، قَالَتْ: كَيْفَ؟، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي. فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ، فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ». وهو في الصحيحين وغيرهما.

وقول االعقيلي: "بخلاف هذا اللفظ" أي بخلاف لفظ حديث أبي عمر الضرير، وقصده لا يعني المخالفة التي تعني التناقض، وإنما بلفظ آخر بنفس المعنى.

ولهذا قال الذهبي في «الميزان» (1/565) في ترجمة «حفص بن عمر»: "ثم ساق له العقيلي حديثاً محفوظ المتن. وهو صدوق حافظ من كبار العلماء المتفننين".

قلت: لكن هذا الحديث لا يُعرف عن عكرمة عن عائشة إلا من حديثه! ولم يروه عن حماد بن سلمة إلا حفص بن عمر الضرير!! فإسناده ليس بمحفوظ، ومتنه بهذه العبارات كذلك لا يُحفظ وإن كان معناه محفوظا عن عائشة من طريق آخر.

·       الحديث الخامس عشر:

أخرج أبو بكر القَطيعيّ في «جزء الألف دينار» (266) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن يونس الكُدَيْميّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بنُ عُمَارَةَ العَبْدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».

قلت: تفرد به عون عن شعبة بهذا الإسناد!!

وقد خالفه محمد بن بكر البُرْسَاني البصري، فرواه عن شُعْبَة، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. فجعلوه من مسند «ابن عباس» لا «عائشة».

رواه ابن خزيمة في «صحيحه» (1/48) (91) عن أَحْمَد بن المِقْدَامِ العِجْلِيّ، ومُحَمَّد بن يَحْيَى القُطَعِيُّ، كلاهما عن مُحَمَّد بن بَكْرٍ، عن شُعْبَة، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

ورواه الحاكم في «المستدرك» (1/262) (565) من طريق أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، ومُحَمَّد بن يَحْيَى القطعي، وأَحْمَد بن المِقْدَامِ، ثلاثتهم عن مُحَمَّد بن بَكْرٍ، به.

فالحديث وهم فيه عون بن عمارة البصري، وهو ضعيف جداً!

قال البُخارِيّ: "عون بن عمارة بصري: تعرف وتنكر".

وقال أبو حاتم: "وكان منكر الحديث ضعيف الحديث".

وقال أبو زرعة: "منكر الحديث".

وقال ابن حبان: "كَانَ صَدُوقًا مِمَّن كثر خَطؤُهُ حَتَّى وجد فِي رِوَايَته المقلوبات فَبَطل الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا وَافق الثِّقَات".

وقال ابن عدي: "ولعون بن عمارة أحاديث يرويها عن شُعْبَة وعن غيره، ومع ضعفه يكتب حديثه".

وقال الساجي: "صدوق فيه غفلة يهم".

وقال الحاكم أبو أحمد: "في حديثه بعض المناكير".

والحديث معروف عن سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ من غير هذا الطريق مما تؤيد رواية محمد بن بكر عن شعبة.

رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه» (1/109) (396، 397) عَنِ سفيان الثَّوْرِيِّ، وإسرائيل بن يونس.

وأبو يعلى في «مسنده» (4/301) (2411) عن أَبي مَعْمَرٍ، عن أَبي الْأَحْوَصِ سلام بن سُليم.

ثلاثتهم عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، به.

·       تنبيه:

حديث إسرائيل جاء في مطبوع «مصنف عبدالرزاق»: عَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ!!

وقد سقط منه «سماك» بين إسرائيل وعكرمة! فإسرائيل يروي عن سماك، ولا يروي عن عكرمة.

·       تصحيح الحاكم للحديث! والرد عليه!

قال الحاكم عن الحديث: "قَدِ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِأَحَادِيثِ عِكْرِمَةَ، وَاحْتَجَّ مُسْلِمٌ بِأَحَادِيثِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، وَهَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ فِي الطَّهَارَةِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ، وَلَا يُحْفَظُ لَهُ عِلَّةٌ".

قلت: هذا منهج تلفيقي من الحاكم!! فالبخاري ومسلم لم يخرجا لسماك عن عكرمة!! وعلّة الحديث: سماك بن حرب، وهو مضطرب الحديث! وقد تفرد به.

ويُروى عن عكرمة من قوله.

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/132) (1521) عن هُشَيْم، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قالَ: «المَاءُ طَهُورٌ لا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ».

ورواه عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (1/78) (257) عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ، وَالْمَاءُ طَهُورٌ».

ورواه أيضاً (265) عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: عَنْ رَجُلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «إِنَّ الْمَاءَ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ أَبَدًا، يُطَهِّرُ وَلَا يُطَهِّرُهُ شَيْءٌ»، إِنَّهُ قَالَ: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48].

·       الحديث السادس عشر:

أخرج القاسم بن موسى الأشيب في «جزئه» (7) عن حَوْثَرَة.

وابن العسكري في «جزئه» (81) عن مُحَمَّد بن الحُسَيْن، عن القَاسِم بن بشر.

كلاهما عن أَبي دَاوَد الطَّيَالِسِيّ، عن زَمْعَة، عَنْ سَلَمَةَ بنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «أَنِمْتِ عَنْ عِشَائِكِ، لا نَامَت عَينا مَنْ نَامَ عَنْ عِشَائِهِ».

قلت: هذا حديث منكر! تفرد به زمعة بن صالح المكيّ عن سلمة بهذا الإسناد! وكلاهما ضعيف!!

أما زَمعة:

فقال العَبَّاس الدوري، عَن يَحْيى بن معين: "زمعة بْن صالح: ضعيف".

وقال مرة: "صويلح".

وقال البخاري: "يخالف في حديثه، تركه ابن مهدي أخيراً".

وقال الترمذي عن البخاري قال: "زَمْعَة بن صَالِحٍ: هُوَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ كَثِيرُ الغَلَطِ"، وَذَكَرَ أَحَادِيثَهُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَعَلَ يَتَعَجَّبُ مِنْهُ. وقَال: "ولا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا، وَمَا أَرَاهُ يَكْذِبُ، وَلَكِنَّهُ كَثِيرُ الغَلَطِ".

وقال أبو زرعة: "لين واهي الحديث".

وقال النسائي: "ليس بالقوي، كثير الغلط".

وقال أبو داود: "ضعيف".

وقال عَمْرو بن علي الفلاّس: "زمعة بْن صالح فيه ضعف في الحديث، وقد روى عنه عَبدالرحمن، وسفيان الثَّوْريّ، وما سمعت يَحْيى ذكره قط، وشيوخ من البصريين قد رووا عن زمعة مثل عَبدالرحمن، وأَبُو داود، وبشر بْن السري، وأَبُو عامر، وَهو جائز الحديث مع الضعف الذي فيه".

وقال السعدي: "زمعة بْن صالح متماسك".

وقال ابن عدي بعد أن ذكر له بعض الأحاديث في ترجمته: "وحديثه كله كأنه فوائد، ورُبما يهم في بعض ما يرويه، وأرجو أن حديثه صالح لا بأس به".

وأما سلمة بن وهرام:

فوثقه ابن معين، وأبو زرعة.

وقال عبدالله بن أحمد: سَأَلته - يعني أباه - عَن سَلمَة بن وهرام؟ فقالَ: "روى عَنهُ زَمعَة أَحَادِيث مَنَاكِير، أخْشَى أَن يكون حيدثه حَدِيثا ضَعِيفا".

وقال أبو داود: "ضعيف".

وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال: "يعْتَبر بحَديثه من غير رِوَايَة زَمعَة بن صَالح عَنهُ".

وسرد له ابن عدي بعض الأحاديث، ثم قال: "ولِسَلَمَةَ، عن عِكرمَة، عنِ ابن عباس أحاديث التي يرويها زمعة عنه قد بقي منه القليل وقد ذكرت عامته، وأرجو أنه لا بأس برواياته هذه الأحاديث التي يرويها عنه زمعة".

·       الحديث السابع عشر:

أخرج ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (4/107) قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبدالباقي الأنصاري، قال: أنبأنا أبو الحسن عليّ بن إبراهيم بن عيسى الباقلاني - قراءة عليه وأنا حاضر -، قال: حدثنا أبو بكر بن مالك - إملاء -، قال: حدثنا محمد بن الحسن بن هارون الموصلي، قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عمّار، قال: حدنا المعافى بن عمران، عن جهضم بن عبدالرحمن التميمي، عن عكرمة، عن عائشة، قالت: «لو أردتُ أَن أُخبِرَكُم بِكُلِّ شبعَةٍ شَبِعَها رسول الله صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم حتى مات لَفَعَلتُ».

قلت: هذا حديث منكرٌ غريبٌ! تفرد به جهضم بن عبدالرحمن هذا عن عكرمة!! وهو مجهول الحال!

وقد ترجم له البخاري، وذكر له هذا الحديث في ترجمته.

قال في «التاريخ الكبير» (2/247): "جَهضم، أَبو مُعاذ: سَمِعَ عِكرمة، قَولَهُ، رَوى عَنْهُ مُحَمد بْن يزيد، وعَبّاد بْن العوام.

وقالَ مُعافَى بن عِمران: حدَّثنا جَهضم بْن عَبدالرَّحمَن التَّمِيميّ: سَمعت عِكرمة، قالت عَائِشَةُ: لَو شِئتُ أَن أُخبِرَكُم بِكُلِّ شبعَةٍ شَبِعَها النَّبيُّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم لَفَعَلتُ".

وتبعه على هذا من جاء بعده.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/534): "جهضم بن عبدالرحمن أبو معاذ: روى عن عكرمة. روى عنه: محمد بن يزيد، وعباد بن العوام، ومعافى بن عمران. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال مسلم في «الكنى والأسماء» (2/775): "أبو معاذ جهضم بن عبدالرحمن: سمع عكرمة، روى عنه محمد بن يزيد، وعباد بن العوام".

وقال ابن حبان في «الثقات» (6/156): "جَهْضَم بن عَبْدالرَّحْمَن التَّميمِيّ: يَرْوِي عَن عِكْرِمَة. روى عَنهُ: المعَافى بن عمرَان، وَأَحْسبهُ جهضما أَبَا معَاذ الّذِي روى عَنهُ عباد بن العَوام".

·       هل جهضم بن عبدالرحمن هو جهضم أبو معاذ؟!

قلت: جهضم أبو معاذ الذي يروي عنه محمد بن يزيد، وعباد بن العوام هو: أبو معاذ الحذّاء، وليس هو الذي يروي عنه المعافى بن زكريا!

فالمعافى موصلي، ومحمد بن يزيد، وعباد بن العوام واسطيان، نعم هم في الطبقة نفسها، لكن ليس هناك أيّ دليل أو قرينة تدلّ على أن الذي روى عنه المعافى هو الذي روى عنه أهل واسط!!!

قال ابن محرز كما في «تاريخه عن ابن معين» (2/114): "أبو معاذ الحذاء: حدث عنه: محمد بن يزيد الواسطي، اسمه جهضم. سمعت يحيى بن معين يذكر ذلك".

وله رواية في «تاريخ واسط» (ص: 60)، قال أسلم: حدثثنا عبدالرحيم بن سلام بن المبارك الواسطي، قَالَ: حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حدثنا جَهْضَمٌ أَبُو مُعَاذٍ الحَذَّاءُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «مِنَ السُّنَّةِ أَنْ تَأْخُذَ من شاربك وأظفارك يوم الجمعة».

قلت: فالذي أراه أن جهضم أبا معاذ الحذّاء الواسطي غير جهضم بن عبدالرحمن التميمي الذي يروي عنه المعافى الموصلي، والله أعلم.

ولعل البخاري وقف على رواية لجهضم أبي معاذ هذا عن عكرمة؛ لأنه قال: "جَهضم، أَبو مُعاذ: سَمِعَ عِكرمة، قَولَهُ"، أي سمع منه شيئاً من قوله ليس مسنداً!

ولم يورده البخاري هنا، ولعل هذا ما جعله يورد رواية المعافى عن جهضم بن عبدالرحمن في ترجمته هنا دون الجزم بذلك! وهذه طريقة الإمام البخاري - رحمه الله - بعدم جزمه في أن هذا الحديث هو لصاحب هذه الترجمة، وإلا لعيّن اسمه في الترجمة! ومن عاصره من أهل العلم ومن جاء بعده أحياناً لا يقفون على مراد البخاري في كيفية صياغة الترجمة وما يورد فيها، فجعلوا من الرواة عن جهضم أبي معاذ الواسطي: المعافى بن زكريا! مع أن البخاري لم يجزم بذلك، ولو كان يرى ذلك جزماً لذكره في أصل الترجمة!

وتبقى المسألة على الاحتمال، والله أعلم.

·       الحديث الثامن عشر:

أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/276) (3170) قال: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: أَأُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ؟ قَالَتْ: «نَعَمْ، وَخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ».

قلت: كذا رواه سماك عن عكرمة! وسماك مضطرب الحديث!

والمحفوظ عن عكرمة ما رواه البخاري في «صحيحه» (1/81) (360) من حديث  يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُهُ - أَوْ كُنْتُ سَأَلْتُهُ - قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ طَرَفَيْهِ».

·       الحديث التاسع عشر:

أخرج البخاري في «الأدب المفرد» (792)، وابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/290) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ.

وأبو يعلى في «مسنده» (8/358) (4945) عن مُحَمَّد بن بَكَّارٍ.

وأبو نُعيم في «تاريخ أصبهان» (2/125) من طريق مُحَمَّد بن سُلَيْمَانَ لُوَيْن.

ثلاثتهم عن الوَلِيدُ بنُ أَبِي ثَوْرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هَلْ سَمِعْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ شِعْرًا قَطُّ؟ فَقَالَتْ: أَحْيَانًا، إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ يَقُولُ: «وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ».

قلت: الوليد بن أبي ثور واهي الحديث!

ضعفه أحمد، وصالح جزرة، وغيرهما.

وقال محمد بن عبدالله بن نمير: "ليس بشيء كذاب".

وقال ابن معين: "ليس بشيء".

وقال أبو حاتم: "يكتب حديثه، ولا يحتج به".

وقال أبو زرعة: "منكر الحديث، يهم كثيرا". وقال - مرة: "في حديثه وهاء".

وقد خولف في حديثه هذا، والمحفوظ عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس! وقد وهم فيه وجعله عن عائشة!

·       رواية عكرمة عن ابن عباس!

رواه ابن أبي شيبة في «المصنف» (5/272) (26014) عن أَبي أُسَامَةَ، عَنْ زَائِدَةَ.

وأبو الشيخ الأصبهاني في «أمثال الحديث» (13) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى، عن ابن حُمَيْدٍ، عن إِبْرَاهِيم بن المُخْتَارِ، عَنْ عَنْبَسَةَ بنِ الْأَزْهَرِ.

كلاهما عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ مِنَ الْأَشْعَارِ:

سَتُبْدِي لَكَ الْأَيَّامُ مَا كُنْتَ جَاهِلًا ... وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ

قلت: سماك مضطرب الحديث وخاصة عن عكرمة، ولا يُحتج به!

·       رواية أخرى عن عائشة!

وروى أحمد في «مسنده» (41/516) (25071) عن وَكِيع. و(42/131) (25231) عن أَبي النَّضْرِ هاشم بن القاسم، و(43/51) (25862) عن حَجَّاج الأعور.

والبخاري في «الأدب المفرد» (867) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاحِ.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (3/898) (1582) عن يَحْيَى بن آدَمَ.

والترمذي في «جامعه» (4/436) (2848)، والنسائي في «السنن الكبرى» (9/367) (10769) عن عَلِيّ بن حُجْرٍ.

والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (8/374) (3319) من طريق أَبي الوَلِيدِ الطَّيَالِسِيّ، وأَبي غَسَّانَ.

كلهم عن شَرِيك بن عبدالله القاضي، عَنِ المِقْدَامِ بْنِ شُرَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَ: قِيلَ لَهَا: هَلْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: كَانَ يَتَمَثَّلُ بِشِعْرِ ابْنِ رَوَاحَةَ وَيَقُولُ: «وَيَأْتِيكَ بِالأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ».

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ". وقال: "وفِي البَابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ".

قلت: مداره على شَريك القاضي، وهو ضعيف، ولا يُحتج بما انفرد به! وحديث ابن عباس الذي أشار إليه الترمذي ضعيف كذلك، وقد تقدّم.

·       رواية ثالثة عن عائشة!

وروى أحمد في «مسنده» (40/24) (24023)، و(42/65) (25134) عن هُشَيْم قَالَ: أَخْبَرَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اسْتَرَاثَ الخَبَرَ، تَمَثَّلَ فِيهِ بِبَيْتِ طَرَفَةَ: وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ».

قلت: وهذا منقطع! الشعبي لم يسمع من عائشة!

قال أبو حاتم: "والشَّعْبِيُّ عَنْ عَائِشَةَ مُرْسَلٌ، إِنَّمَا يُحَدِّثُ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ".

·       رواية أخرى عن ابن عباس!

وروى البخاري في «الأدب المفرد» (793) قال: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «إِنَّهَا كَلِمَةُ نَبِيٍّ: وَيَأْتِيكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ».

قلت: وهذا ضعيف! ليث بن أبي سُليم ضعيف، لا يُحتج به.

·       الحديث العشرون:

أخرج الحسين بن حرب في «البر والصلة» (277) عن عَبْداللَّهِ بن المبارك، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ عِيسَى الثَّقَفِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ: «تَصَدَّقِي يَا عَائِشَةُ وَلَوْ بِتَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ، وَتُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ».

قلت: كذا في كتاب الحسين بن حرب المروزي عن ابن المبارك أنه قال ذلك لعائشة!! لكن في كتاب «الزهد» لابن المبارك برواية الحسين بن حرب (651): أَخْبَرَنَا عَبْدُالمَلِكِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِتَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ، وَتُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ، كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ».

فلم يذكر فيه «عائشة»!

·       طريق آخر عن عائشة!

وروى أحمد في «مسنده» (41/49) (24501) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِاللهِ، قال: حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِاللهِ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «يَا عَائِشَةُ، اسْتَتِرِي مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنَّهَا تَسُدُّ مِنَ الْجَائِعِ مَسَدَّهَا مِنَ الشَّبْعَانِ».

قلت: وهذا مرسل! فالمطلب لم يدرك من عائشة!

قال أبو حاتم: "المُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا".

·       الحديث الحادي والعشرون:

أخرج أبو علي ابن شاذان في «الثاني من حديثه» (35) من طريق مُحَمَّد بن سَعِيدِ بْنِ سَابِقٍ، قَالَ: حدثنا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: مَنْ أَجْنَبَ مِنَ اللَّيْلِ فَلَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى يُصْبِحَ فَلا صَوْمَ لَهُ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: «لا تَقُلْ شَيْئًا، قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَخْرُجُ إِلَى الْفَجْرِ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، ثُمَّ يُتِمُّ صَوْمَهُ».

قلت: تفرد به عمرو بن أبي قيس عن سماك!

وعمرو صدوق يهم في الحديث.

قال أبو داود: "لا بأس به، في حديثه خطأ".

وقال ابن شاهين: "عَمْرو بن أبي قيس، رازي، لا بَأْس بِهِ كَانَ يهم فِي الحَدِيث قَلِيلا".

وقال الذهبي: "صدوق، له أوهام".

وروى أحمد في «مسنده» (43/326) (26298) عن عَبِيدَة، عن مَنْصُور، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، قَالَ: «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ، أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِالرَّحْمَنِ إِلَى عَائِشَةَ يَسْأَلُهَا، فَقَالَ لَهَا: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَنْ أَصْبَحَ جُنُبًا فَلَا صَوْمَ لَهُ؟ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: قَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْنِبُ، ثُمَّ يُتِمُّ صَوْمَهُ. فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُجْنِبُ ثُمَّ يُتِمُّ صَوْمَهُ " فَكَفَّ أَبُو هُرَيْرَةَ».

فالحديث مشهور لكن لا يعرف عن عكرمة إلا من طريق سماك، وهو مضطرب الحديث، ولا يُعرف رواه عن سماك إلا عمرو بن أبي قيس الرازي، وهو يهم في حديثه!

·       الحديث الثاني والعشرون:

أخرج أبو علي ابن شاذان في «الثاني من حديثه» (50) من طريق عَلِيّ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِالمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، قَالَ: حدثنا الجُمحيُّ، عن حَمَّاد بن زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلامٍ، فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ».

قلت: كذا رواه ابن أبي الشوارب عن الجُمحيّ!

ورواه الطبراني في «المعجم الصغير» (366)، وفي «المعجم الأوسط» (3/376) (3444)  قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الحَجَّاجِ الْأَنْصَارِيُّ حِمَّصَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، قال: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ - يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ-، حَدَّثَنَا أَيُّوبٌ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الرِّشْكِ، عَنْ مُعَاذٍ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ احْتِلَامٍ , ثُمَّ يَغْتَسِلُ , وَيَصُومُ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِهِ عَنْ أَيُّوبَ إِلَّا حَمَّادٌ، تَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ".

وقال في الموضع الثاني: "لَمْ يَرْوِ أَيُّوبُ عَنْ يَزِيدَ غَيْرَ هَذَا، وَلَمْ يَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الشَّيْخِ".

قلت: الظاهر أن عبدالله بن معاوية هذا كان يضطرب فيه!! وهو صدوق له أوهام!

قال الترمذي: "هو رجل صالح"

وقال عباس العنبري: "اكتبوا عنه فإنه ثقة".

وقال مسلمة بن قاسم: "ثقة، روى عنه من أهل بلدنا بقي بن مخلد".

وذكره ابن حبان في ثقاته، وقال: "رُبمَا أَخطَأ".

·       الحديث الثالث والعشرون:

أخرج ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/57) قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالْوَهَّابِ بْنُ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أُخْبِرْتُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: «كَانَتْ عائشة وأزواج النبيّ، صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، يَخْتَضِبْنَ بِالْحِنَّاءِ وَهُنَّ حُرُمٌ وَذَلِكَ بَعْدَ وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله وَسَلَّمَ، وَيَحْجُجْنَ فِي الْمُعَصْفَرَاتِ».

قلت: هذا منقطع! لم يذكر ابن جريج من أخبره به!! وهو مدلّس.

·       الحديث الرابع والعشرون:

أخرج ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (8/58) قال: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ عَبْدِالمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ: «كَانَتْ عَائِشَةُ تَحْتَجِبُ مِنْ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ. قَالَ: فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ دُخُولَهُمَا عَلَيْهَا لَحِلٌّ».

قلت: محمد بن عمر هو الواقدي، وهو متروك! وابن أبي سبرة هو: أبو بكر بن عَبدالله بْن أَبي سبرة العامري، وهو منكر الحديث، متهم بالوضع!!

·       الحديث الخامس والعشرون:

أخرج ابن إسحاق في «المغازي» (ص: 297) عن يُونُس بن بُكَيْرٍ، عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قال: لما كان شأن بني قريظة بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً، وجاء جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس أبلق، قالت عائشة: «فكاني أنظر إلى رسول صلى الله عليه وسلم يمسح الغبار عن وجه جبريل. فقلت: هذا دحية الكلبي يا رسول الله؟ قال: هذا جبريل».

قلت: تفرد به عنبسة عن سماك! ولا يحتج بهما!

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عنبسة، فقال: "لا بأس به، يكتب حديثه ولا يحتج به".

وقال أبو داود: "لا بأس به".

وذكره ابن حبان في «الثقات»، وقال: "كَانَ يخطىء".

وقال في «المشاهير»: "يَهم كثيرًا".

·       الخلاصة والنتائج:

وبعد هذه الرحلة في الأحاديث التي رُويت عن عكرمة عن عائشة، وكلام أهل العلم في سماعه منها، خلصت إلى نتائج، أهمها:

1- ذكر الحافظ أبو عبدالله بن مَنده أن لعكرمة عن عائشة (50) رواية.

وقصده بهذا العدد مجموع ما رُوي عنه، لا أن الذي صحّ عنه عنها (50) حديثاً! فبعض مما رُوي عنه عنها لا يصح للاختلاف في إسناده ومخالفة بعض الرواة لغيرهم أو ضعف بعض الرواة. والذي سلم من هذه الأحاديث وصحّ أن عكرمة رواها عن عائشة عدد قليل جداً.

2- لم يثبت ابن معين ولم ينف سماع عكرمة من عائشة.

3- اختلف النقل عن ابن المديني في مسألة سماع عكرمة من عائشة، فنقل عنه إثبات ذلك، ونفيه! وكذا عن أبي حاتم الرازي!

والأرجح عندي أن أبا حاتم يذهب لعدم السماع؛ لأن النقل عنه في ذلك كان في كتاب «المراسيل» المخصص لهذه المسائل في السماعات، وهي محررة. وأما ابن المديني فيحتمل أنه نفى سماع عكرمة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أثبت سماعه من عائشة، ويُحتمل العكس، والله أعلم.

4- أثبت البخاري سماع عكرمة من عائشة، وروى حديثه عنها في «صحيحه»! وكذا أثبته أبو أحمد الحاكم.

5- مال الدارقطتي وابن رجب إلى نفي سماع عكرمة من عائشة.

6- لم يتعرض ابن حجر لمسألة السماع في شرحه! مع أنه وافق الدارقطني في حديث أخرجه البخاري بأنه مرسل!

7- رجّح بعض أهل العلم سماع عكرمة من عائشة بتخريج البخاري لحديثه عنها في «صحيحه» كالمنذري، وأبي زرعة العراقي، والبوصيري، ومغلطاي، ومن جاء بعدهما إلى عصرنا.

8- روى البخاري لعكرمة عن عائشة في «صحيحه» ثلاثة أحاديث، تفرد بها عكرمة عنها، ولم يُتابع عليها! حديثان منها في إسنادهما اختلاف، والأصح فيهما الإرسال! والحديث الثالث تفرد به عنها، لم يروه غيره! وفي بعض ألفاظها نكارة!

9- روى أصحاب السنن لعكرمة عن عائشة أربعة أحاديث لم تصح، وفي بعضها نكارة، وبعض رواتها مجاهيل!!

10- وجدت (25) حديثاً رُويت عن عكرمة عن عائشة خارج الكتب الستة، ولا يصح منها شيء! وكثير منها لم يصح إلى عكرمة، وما صح عنه عن عائشة فيه بعض الألفاظ المنكرة لا توجد في الصحيح المعروف عنها، وهكذا هي المراسيل تكون فيها منكرات! وتُصاغ بطريقة تختلف عن الحديث الأصل المعروف! وهذا يؤكد أن عكرمة لم يسمع هذه الأحاديث من عائشة، وإنما تكون هذه الأحاديث منتشرة عنها فتروى بين أهل العلم ويدخلها ما يدخلها من ألفاظ فيها نكارة، وبأسلوب يختلف عن الأحاديث الأصول!

11- غالب من روى أحاديث عكرمة التي صحت إليه عن عائشة من أهل البصرة. وكان نزل البصرة وحدّث بها فسمع منه أهلها.

12- كلّ ما وجدت من الأحاديث التي تُروى عن عكرمة عن عائشة في الكتب (32) حديثاً، وتفصيلها كالآتي:

* حديثان صحا عن عكرمة مرسلا دون ذكر عائشة! اختلفت الأسانيد على من روى عنه.

* تسعة أحاديث صحت عن عكرمة وأنه رواها عن عائشة، ثلاثة منها تفرد بها ثقات في طبقات متأخرة، اثنان منها معروفة مشهورة وصحيحة عن عائشة من طرق أخرى. وستة في بعضها نكارة ومخالفة للمعروف عن عائشة، وبعضها غريب لم يتابع عكرمة عليها!

* واحد وعشرون حديثاً لم تصح عن عكرمة = لم يروها عكرمة عن عائشة، وإنما هي من رواية الضعفاء والمجاهيل، وبعضها وهم في أسانيدها بعض الثقات!!!

13- لم يصح سماع عكرمة من عائشة، وما صح أنه رواه عنها فهو منقطع، وهو قليل!

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وكتب: خالد الحايك.

10 جمادى الثانية 1440هـ.

 

شاركنا تعليقك