الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (14). قَالَ أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: «سَأَلْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابنَ مَهْدِيٍّ - عَنْ حَدِيثٍ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَاقَهُ فَذَهَبْتُ أَكْتُبُهُ

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (14).

قَالَ أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى: «سَأَلْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابنَ مَهْدِيٍّ - عَنْ حَدِيثٍ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَاقَهُ فَذَهَبْتُ أَكْتُبُهُ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَصْنَعُ؟ فَقُلْتُ: أَكْتُبُهُ. فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا. فَقُلْتُ: قَدْ جِئْتَ بِهِ، فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ وَحْدَكَ لَحَدَّثْتُكَ بِهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَؤُلَاءِ».

روى الخطيب البغدادي في «الجامع» (2/36) (1110) من طريق إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّدٍ الكِنْدِيُّ، قال: أخبرنا أَبُو مُوسَى مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى، قالَ: «سَأَلْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ - يَعْنِي ابْنَ مَهْدِيٍّ - عَنْ حَدِيثٍ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَاقَهُ، فَذَهَبْتُ أَكْتُبُهُ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ تَصْنَعُ؟ فَقُلْتُ: أَكْتُبُهُ. فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا. فَقُلْتُ: قَدْ جِئْتَ بِهِ فَقَالَ: لَوْ كُنْتَ وَحْدَكَ لَحَدَّثْتُكَ بِهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَؤُلَاءِ».

قال الخطيب: "كَانَ أَبُو مُوسَى مِنَ المُلَازِمِينَ لِعَبْدِالرَّحْمَنِ، فَقَوْلُهُ: «لَوْ كُنْتَ وَحْدَكَ لَحَدَّثْتُكَ بِهِ»: أَرَادَ أَنَّهُ مَتَى بَانَ لَهُ أَنَّ الحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ مَا حَدَّثَهُ بِهِ أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكَهُ لِإِصْلَاحِ غَلَطَهُ ولَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ مَعَ الغُرَبَاءِ الَّذِينَ حَضَرُوا عِنْدَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ يُحَرِّجُ عَلَى أَصْحَابِهِ أَنْ يَكْتُبُوا عَنْهُ فِي المُذَاكَرَةِ شَيْئًا".

روى أَبُو عَلِيٍّ عَبْدُاللَّهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ البَلْخِيُّ الحَافِظُ، قَالَ: سَمِعْتُ بَكْرَ بنَ خَلَفٍ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَالرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ، يَقُولُ: «حَرَامٌ عَلَيْكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا، عَنِّي فِي الْمُذَاكَرَةِ حَدِيثًا لِأَنِّي إِذَا ذَاكَرْتُ تَسَاهَلْتُ فِي الحَدِيثِ».

قلت: مع تثبت هؤلاء الأئمة من رواياتهم إلا أنهم لا يأذنون لأحد من رواية حديثهم في المذاكرة احتياطا وورعا، ومع حصول الخطأ أحياناً؛ لأن الخطأ لا ينجو منه أحد، وحال المذاكرة يختلف عن حال التحديث الذي يكون فيه الشيخ متيقظاً وكتابه معه، ويُقرأ عليه منه.

وقد وقع الخطأ في الحديث لبعض الشيوخ أثناء المذاكرة!

قال إِسْحَاق بن مَنْصُورٍ: "صِرْتُ أَنَا وَرَجُلٌ خُرَاسَانِيٌّ وَآخَرُ بَصْرِيٌّ إِلَى وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ، فَحَدَّثَنَا بِحَدِيثٍ وَهِمَ فِيهِ فَإِذَا أَنَا فِي المَنْزِلِ، إِذْ أَتَانِي فَقَالَ لِي وَأَصْلَحَ ذَلِكَ الحَدِيثَ: اكْفِنِي الخُرَاسَانِيَّ وَأَنَا أَكْفِيكَ البَصْرِيَّ".

يعني: اذهب إلى الخراساني وصحح له الخطأ، وأنا أذهب للبصري وأصحح له الخطأ.

وقال أَبو أُسَامَةَ عَبْدُاللَّهِ بنُ أُسَامَةَ الكَلْبِيُّ: قَالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مَهْدِيٍّ: "كَانَ سُفْيَانُ يُخْطِئُ فَيَرْجِعُ مِنْ يَوْمِهِ، وَكَانَ شُعْبَةُ يُخْطِئُ فَيَمْكُثُ الْأَيَّامَ حَتَّى يُقَالَ لَهُ فَيَرْجِعُ عَنْهُ".

ولهذا ذهب كثير من أهل العلم إلى نهي التلاميذ عن حمل الأحاديث عنهم أثناء المذاكرة.

قَالَ عَبْدُاللَّهِ بنُ الْمُبَارَكِ: "لا تَحْمِلُوا عَنِّي فِي المُذَاكَرَةِ شَيْئًا".

وقَالَ أَبُو زُرْعَةَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: "لا تَحْمِلُوا عَنِّي فِي الْمُذَاكَرَةِ شَيْئًا".

وقال أَبُو زُرْعَةَ: "لا تَحْمِلُوا عَنِّي فِي الْمُذَاكَرَةِ شَيْئًا".

وقال عَبْداللَّهِ بن إِسْحَاقَ بنِ سَيَامَرْدَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ فِي مَنْزِلِ أَبِي حَاتِمٍ يَقُولُ: "أُحَرِّجُ عَلَى مَنْ كَتَبَ عَلَيَّ فِي المُذَاكَرَةِ شَيْئًا".

وأجاز بعض أهل العلم إذا أراد الراوي الرواية عن الشيخ في المذاكرة أن يُقيد ذلك بأنه سمع ذلك في المذاكرة إذا حدّث بما سمعه منه في مجالس المذاكرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك.

 

شاركنا تعليقك