الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

مناقشة الحارث بن علي الحسني في منشوراته حول الدفاع عن الصحيحين!

مناقشة الحارث بن علي الحسني في منشوراته حول الدفاع عن الصحيحين!

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

فقد سئلت عن مجموعة من المنشورات، نشـرها الأخ الشيخ الحارث بن علي الحسني - وفقنا الله وإياه لما يحب ويرضى - حول الدفاع عن صحيحي الإمامين البخاري ومسلم وعنون لها بقوله (فوائد وأصول في صحيحي البخاري ومسلم)، وقد ظهر لي أن فيها ما يوجب التنبيه عليه من الأغلاط والأوهام والإطلاقات، وبعض الإطلاقات لا يمكن أن يصل لها المرء إلا بعد اشتغال طويل بالصحيحين وتخريج كل ما فيهما، بل إن الحافظ ابن حجر ؒ قد اشتغل بصحيح البخاري نحو أربعين سنة فما أطلق بعض هذه الإطلاقات!

وأهم إشكالية في إطلاقات الأخ الحسني - وفقنا الله وإياه لما يحب ويرضى - أنها لا تقوم على أصول علمية واضحة أو بحوث منهجية ودراسات متكاملة تبين أدلة هذه النتائج التي يطرحها وتثبت ما وصل إليه من هذه الإطلاقات، ومع تتبعي لبعض ما كتب الأخ الحسني فلم أجد له تخريجا موسعا أو بحثا مطولا في شيء من كتاباته، وإنما هي أحكام مجردة ومختصـرات ونتائج بلا بحوث، وتقريرات عارية عن الأدلة العلمية المؤصلة.

ومناقشة الدعاوى المرسلة بلا أدلة تعسـر من جهة أن الرادَّ عليها لا يجد سوى كلاما إنشائيا يرد عليه، ولو كانَ ثَمَّ حجج لناقشها وفندها أو قبلها.

ولا يماري أحد أن الصحيحين هما العمدة في الحديث الصحيح، وأن منهج الإمامين كان منهجا فريدا.

وسأتناول منشوراته التي تتضمن ملحوظات بالتعليق إن شاء الله، من باب النصح للأمة والدفاع عن العلم، ولولا أنه نشـرها علانية ما رددنا عليها علانية، وقد كان هذا الرد جاهزا من يوم التاسع عشـر من ربيع الأول، وقد راسلت الأخ الحسني -وفقنا الله وإياه- على هاتفه الخاص مرتين وأعلمته بأنني سأرد عليه ولم أجد منه أي رد أو إجابة -على غير عادته- وقد مرَّ أزيَدُ مِنْ ثلاثةِ أسابيع على ذلك، فبدا لي نشـره والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، وجزى الله خيرا من قام بتنسيق هذه الورقات وتجهيزها للنشر.

???? قال الحسني: (1) الصَّحيحَانِ خُلاصَةُ صَنِيعِ الأئمَةِ النُّقَّادِ فِي مَنهَجِهِم فِي إستَخلَاصِ الحَدِيثِ الصَّحيحِ البُخَاريُّ فِي أصُولِ الإستِدلَالِ وَمُسلمٌ فِي أصُولِ الإعلَالِ.

·       قلت:

في هذا أن هؤلاء النقاد كانوا يسيرون في طريق تتابعوا عليه لاستخلاص هذه الأحاديث الصحيحة التي أودعها البخاري ومسلم في صحيحهما، وليس الأمر كذلك، فلو أراد ابن القطان أو ابن المديني أو أحمد أو غيرهم استخلاص الأحاديث الصحيحة لفعل كل واحد منهم ما فعله البخاري ومسلم، لكن هؤلاء الأئمة قعدوا قواعد لاستخلاص الحديث الصحيح، وجاء بعدهما البخاري ومسلم فخطا لأنفسهم منهجا في استخلاص الصحيح.

والتفريق بين البخاري ومسلم بحجة أصول الاستدلال وأصول الإعلال كلام غير صحيح، فمسلم لا يبلغ مرتبة البخاري لا في الإعلال ولا الاستدلال، ومن أدمن النظر في الصحيحين لا يحيد عن هذه الحقيقة قيد أنملة، وصدق من قال: "لولا البخاري ما جاء مسلم ولا راح".

وقد قال أبو أحمد الحاكم في الكنى: "عبد الله بن الديلمى أَبُو بسـر وَقَالَ البخاري وَمُسلم فِيهِ أَبُو بشـر بشين مُعْجمَة قَالَ الْحَاكِم وَكِلَاهُمَا أَخطَأ في علمي، إِنَّمَا هُوَ أَبُو بسـر، وخليق أَن يكون مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل مَعَ جلالته ومعرفته بِالْحَدِيثِ اشْتبهَ عَلَيْهِ فَلَمَّا نَقله مُسلم من كِتَابه تَابعه على زلته، وَمن تَأمل كتاب مُسلم في الْأَسْمَاء والكنى علم أَنه مَنْقُول من كتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل حَذْو القذة بالقذة حَتَّى لَا يزِيد عَلَيْهِ فِيهِ إِلَّا مَا يسهل عده، وتجلد فى نَقله حق الجلادة إِذْ لم ينْسبهُ إِلَى قَائِله، وَكتاب مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل في التَّارِيخ كتاب لم يسْبق إِلَيْهِ وَمن ألف بعده شَيْئا من التَّارِيخ أَو الْأَسْمَاء أَو الكنى لم يسْتَغْن عَنهُ فَمنهمْ من نسبه إِلَى نَفسه مثل أَبي زرْعَة وأبي حَاتِم وَمُسلم وَمِنْهُم من حَكَاهُ عَنهُ فَالله يرحمه فَإِنَّهُ الذي أصَّل الْأُصُول.

وَذكر الْحَاكِم أَبُو أَحْمد كلَاما سوى هَذَا.

(هو في مخطوط الكنى لأبي أحمد الحاكم ونقله الذهبي في تاريخ الإسلام وابن السبكي في طبقاته وابن حجر في تهذيب التهذيب).

 

???? قال الحسني: (٢) مَا صَنَّفَ الإمَامَانِ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ كِتَابَيهِمَا الصَّحِيحَ لِمَن جَاءَ بَعدَهُمَا مِمَّن بَنَى عَلَى أصُولِ الفُقَهَاءِ وَالمُتَكَلِمَةِ. إنَّمَا صَنَّفَاهُمَا عَلّى أصولِ أهلِ زَمَانَهمَا.

·       قلت:

قلَّبْت النظرَ مراراً لأجد ما الذي يريده الحسني من هذه العبارة فلم أُفلح! فلا علاقة بين ما أودعه البخاري ومسلم من أحاديث صحيحة في كتابيهما ضمن شرطِ كل واحد منهما، وبين ما مشى عليه المتأخرون من اتباعٍ لقواعد المصطلح الواهية التي أصلها المتأخرون من الفقهاء والمتكلمين!!!

نعم البخاري ومسلم صنفا كتابيهما على أصول أهل زمانهما، ولم يدع أحد أن ما مشى عليه المتأخرون هو منهج الشيخين!!!

فلا علاقة بين كلام الحسني الأول والأخير!!

 

???? قال الحسني: (٣) صَحِيحَا البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ مِقَدَّمَانِ عِنْدَ المُتَأخِرينَ وَمُوَطَّأ مَالِكٍ أعظَمُ وَأجّلُّ عِنْدَ الأئمةِ الأُوَلِ حَتَى فِي وِجدَانِ البُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ وَمَن ظَنَّ غَيرَ هَذَا فَقَد جَهِلَ مَرَاتِبَ المُصَنَّفَاتِ.

·       قلت:

وهل صرّح أحد من المتأخرين بغير ذلك؟!! هذا أمر مفروغ منه! وأما ما يتعلق بالموطأ فظاهر كلام الأخ الحسني أنه يقدمه على الصحيحين!! فإن كان كذلك فهذا غلط منه لا ممن رماهم هو بالجهل!! وكأنه بنى ذلك على مسلّمة عنده أن مالكا لا يروي إلا الصحيح!! وهذا ليس بصحيح، بل فيه الصحيح وفيه الضعيف، ولا يخدش ذلك مكانة الإمام مالك وجلالته وإمامته وفضله.

نعم البخاري ومسلم صنفا كتابيهما على أصول أهل زمانهما، ولم يدع أحد أن ما مشى عليه المتأخرون هو منهج الشيخين! فلا علاقة بين كلام الحسني الأول والأخير!!

 

???? قال الحسني: (٤) الصَّحيحَانِ بِلَا إسنَادٍ لَا يجزِئ فِيهِمَا مُسَمَى الصَّحِيحِ. وَمَن حَذَفَ أسَانِيدَهُمَا فَقَد أسَاءَ وَتعَدَّى وَظَلَم. وَمَن حَفِظَ الصَّحيحَينِ بِلَا إسنَادٍ وُلَو حَفِظَ مُتُونَهُمَا حَرفًا حَرفًا فَلَا يُعَدُّ حَافظًا وَإن سَمَّاهُ مَن سَمَّاه.

·       قلت:

هذه مجازفة في الكلام!! واتهام لمن اختصـر الصحيحين من أجل سهولة الحفظ بالإساءة والتعدي والظلم! وقد اختصـره عدد من الحفاظ والأئمة والعلماء كالحميدي وابن أبي جمرة والمهلب بن أبي صفرة والمنذري والزبيدي وغيرهم. فكلامه مردود. ولا بأس باختصارهما من أجل الحفظ، ومن حفظ المختصـر الذي حوى عامة أحاديثهما فهو حافظ لهما إن شاء الله، فالأصل في الحديث هو المتن الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم.. فإذا حُفظ المتن الصحيح فلا حاجة بعد استقرار الأسانيد وضبطها في الكتب لأن يحفظ إسناده إلا لمن قوي حفظه ووجد سعة من أمره وانكب على الاشتغال بالحديث، والمسألة اجتهادية ولكل وجهة هو موليها.

 

???? قال الحسني: (٥) لَم يَستَوعِبْ صَاحِبَا الصَّحيحِ الصَّحيحَ كُلَّهُ وَمَا قَالَ أحَدٌ مِنهُمَا ذَلِك وَلَقَد فَاتَ الصَّحِيحَينِ نَحوٌ مِن ألفِ صَحِيحَةٍ.

·       قلت:

نعم، لا نزاع في أنهما لم يستوعبا كل الصحيح، لكن دعوى بأنه فاتهما فقط ألف صحيحة وهم من قائله!! وهذا يحتاج لسبر واستقراء كبير لا يمكن أن يفي به عمر إنسان، إذ كتب السنة تحوي عشـرات الآلاف من طرق الأحاديث، والكلام في عدد ما بقي من الصحيح خارج الصحيحين في نظري لغو لا ثمرة له.

 

???? قال الحسني: (٦) أصُولُ أحَادِيثِ الأحكَام كُلُّهَا فِي صَحيحَيّ البُخَارِي وَمُسلِم قَلَّ أن يَفُوتَهُمَا مِنهَا شَيئَا وَمَا كَانَ مِمَّا لَا بُدَّ مِنهُ وَاحتَجَّ بِه أهلُ زَمَانِهِمَا وَمَا قَبلَهُ فَمَا تَركَاهُ.

·       قلت:

هذا في الجملة صحيح، وقد قرره كثير من أهل العلم.

 

???? قال الحسني: (٧) كَثيرٌ مِمَّا ذُكِرَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالصَّحِيحَينِ فِي كُتُبِ المتَأخِرينَ خُصُوصًا مَا يُسَمَّى كُتُبَ المُصطَلَحِ لَا يَستَقِيمُ وَحَقِيقَةَ الصَّحِيحَينِ وَإنَّمَا وَلَجَتِ الآفَةُ عَلَى النَّاسِ مِن هَذِهِ الكُتُبِ.

·       قلت:

هذا كلام عام يحتاج لتدليل وبيان. نعم، نحن لا نستطيع أن نحكم على الصحيحين من خلال ما في كتب المصطلح، لكن هي محاولات لفهم ما فيهما لا يمكن إهدارها بالكلية واطراحها وعدم اعتبارها.

وإذ ضلّت البوصلة عند كثير من المتأخرين فهذا لا يعني عدم الاستفادة مما في هذه الكتب لمعرفة مصطلحات القوم.

 

???? قال الحسني: (٨) كَثِيرٌ مِمَا نُقِلَ مِنَ القَصَصِ عَنِ الصَّحِيحَينِ لَا يَثبُتُ كَسَبَبِ تَصنِيفِ صَحِيحِ البُخَارِيِّ أو عَرضِ البُخَارِيِّ صَحيحَه عَلَى أحمَدَ وَابنِ المَدينِيِّ وَغَيرِهِمَا. أو مَا وَضَعَ البُخَارِيُّ حَدِيثًا حَتَى يَغتَسِل وُيُصَلِي رَكعَتَين أو عَرضِ مِسلِمٍ صَحيحَه عَلَى أبِي زِرعَة.

·       قلت:

هذا فيه خلط من قائله، وكان ينبغي أن يدلل عليه لا أن يخلط الأمور!!

فقوله: "كثير.." يعني هناك ما صح.. فهلا ذكر لنا ما صح من ذلك؟!!

والتنبيه على هذه القصص بفضل الله فصَّلتُ فيه قديما ونشـرته فيما يتعلق بالقصص حول الكتب الستة عموماً.. وإلى ما قبل نشـري ذلك في قناتي في برنامج «تيلجرام» لم أجد أحدا من أهل العلم أو طلبته سبقني في التنبيه إليه!

بل لما كنا نناقش بعض مشاريع الجامعات حول ما يتعلق بالجمع بين الكتب الستة، وكان الطلبة يذكرون هذه القصص كنت أنبه على ضعفها في المناقشات حتى استغرب بعض الأساتذة.. فإذا ما جاء دور بعضهم للمناقشة اتصلوا بي وأمليت عليهم عللها ثم بينوها في المناقشة وأنا حاضر دونما تنبيه أو شكر وكأنهم هم من اكتشفوا عللها..!

والخلاصة أن بعضها منكر لا يصح! مثل قصة عرض البخاري صحيحه على ابن المديني وابن معين وأحمد! قال العقيلي: "لما ألف البخاري كتابه في صحيح الحديث عرضه على علي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم فامتحنوه، فكلهم قال له: كتابك صحيح إلا أربعة أحاديث". قال العقيلي: "والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة".

قلت: هذه قصة منكرة!

والقصة ذكرها ابن خير الإشبيلي في "فهرسته" قال: قال مسلمة بن قاسم: سمعت من يقول عن أبي جعفر العقيلي... وذكرها.

وهذا إسناد مجهول!

بل إن العقيلي نفسه قد أعلّ في كتابه في "الضعفاء" بعضَ الأحاديث التي في صحيح البخاري كحديث «أقرع وأبرص وأعمى» وغيره.

ثم هل كان هؤلاء الأئمة عندهم الوقت للنظر فيما صنفه البخاري؟! بل إن العلاقة بين البخاري وبينهم لا يوجد في تفاصيلها أخبارٌ تُذكر!!! وهذا من أعجب العجب!!

وأما قصة سبب تأليف البخاري لصحيحة فهي ثابتة لا كما زعم الأخ الحارث -وفقنا الله وإياه- من عدم ثبوتها!!

فقد روى الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/326) قال:

أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ شَيْبَةَ، قَالَ: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ نُعَيْمٍ الضَّبِّيُّ، قَالَ: سمعت خَلَف بن محمد الخيَّام البخاريّ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيْمَ بنَ مَعْقِلٍ النسفي، سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ يَقُوْلُ: "كُنْتُ عندَ إِسْحَاقَ بنِ رَاهْوَيْه، فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: لَوْ جمعتُم كِتَاباً مختصِراً لسُنَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلبِي، فَأَخذتُ فِي جمعِ هَذَا الكِتَابِ".

وهذا إسناد صحيح مسلسل بالأئمة.

وروى أيضا قال:

حَدَّثَنِي أبو الحسين علي بن محمد بن جعفر العطار الأصبهاني بالري، قَالَ: سمعت أبا الهيثم الكشمهيني، يقول: سمعت محمد بن يوسف الفربري، يقول: قَالَ لي محمد بن إسماعيل البخاري: "ما وضعت في كتاب الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين".

وهذا إسناد صحيح أيضا رواته أئمة.

وأما قصة عرض مسلم كتابه على أبي زرعة:

فقد رويت عن مَكِّيّ بن عبدَان قال: سَمِعْتُ مسلماً يَقُوْلُ: عرضت كِتَابِي هَذَا (المُسْنَد) عَلَى أَبِي زُرْعَةَ، فُكُلُّ مَا أَشَار عليّ فِي هَذَا الكِتَاب أَن لَهُ عِلَّة وَسبباً تركته، وَكُلّ مَا قَالَ: إِنَّهُ صَحِيْح لَيْسَ لَهُ علَّة، فَهُوَ الَّذِي أَخرجت. وَلَوْ أَنَّ أَهْل الحَدِيْث يَكْتُبُوْنَ الحَدِيْث مَائَتَي سنَة، فمدَارهُم عَلَى هَذَا (المُسْنَد).

قلت: نعم، هذه القصة رويت بلاغاً عن مكي ولا إسناد لها!

لكن الأخ الحسني يقدّم أبا زرعة ومسلما على البخاري حسب ما يفهم من بعض إطلاقاته! فلم لا يرى صحتها لإثبات تقدم أبي زرعة على البخاري في العلل؟!! مع أن البخاري مقدم عليهما في كل شيء.

قال إِبْرَاهِيْمَ الخَوَّاصَ، مُستملِي صَدَقَةَ: رَأَيْتُ أَبَا زُرْعَةَ كَالصَّبيِّ جَالِساً بَيْنَ يَدِي مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ، يَسْأَلُهُ عَنْ عِلَلِ الحَدِيْثِ.

ولو صحت تلك القصة بين مسلم وأبي زرعة فتُحْمَلُ على أنه عرض عليه جزءا من كتابه، وقد رُوي نحو ذلك عنه أنه عرض عليه بعض الأحاديث.

 

???? قال الحسني: (٩) كَثِيرٌ مِمَّا يُنسَبُ لِلصَّحِيحَينِ فِي المَقَاطِعِ الصَّوتِيَّةِ أو المَنشُورَاتِ عِبرَ وَسَائِلِ التَّوَاصل الإجتِمَاعِي كَذِبٌ وَزُورٌ وَقَد يَكُونُ فِيهِمَا وَلكِن يُخلَطُ بِمَا لَيسَ مِنهُمَا فَتَنَبهُوا لَا يَغِشَّنَّكُم الضَالّون.

·       قلت:

هذا التنبيه يحتاج لبيان أمثلة على ذلك!! وإلا كيف سننبه العوام على مثل هذا الكذب؟!!

ثم كيف يكون كذبا وزورا ثم يقال: "وقد يكون فيهما..."إلخ!!هذا يحتاج لبيان وتوضيح.

 

???? قال الحسني: (١٠) مُسلِمٌ ألصَقُ بِأصُولِ يَحيَى القَطَّانِ وَأحمَد وأبِي زُرعَةَ الرَّازِي.  وَالبُخَاريُّ ألصَقُ بِأصُولِ ابنِ المَدِينِي وأبِي زُرعَةَ الدِّمَشقِيِّ. وَصَنعَةُ النُّقَادِ فِي صَحِيحِ مُسلِم أظهَرُ وَأبيَنُ.

·       قلت:

هذا كلام لا يوافق التحقيق في أصول أهل النقد! وذلك لعدة أمور:

أولاً: ينبغي على الأخ الحسني - وفقنا الله وإياه - أن يُبيّن لنا ما هي أصول يحيى القطان وأحمد وأبي زرعة التي ادعاها! حتى نعرف كيف كانت أصول مسلم ألصق بها؟!!

نعم أُلْصِقَ أَصْل معرفة السماع وثبوت اللقاء بالبخاري وأن هذا صنيع شيخه ابن المديني.. لكن ما الذي أُلصق بمسلم من أصول هؤلاء الأئمة؟!

ثانياً: ما هي أصول أبي زرعة الدمشقي حتى نلصق البخاري به؟ مع أن البخاري من أقرانه فإن ولادة البخاري في سنة (194هـ) وذكر الذهبي في ترجمة أبي زرعة الدمشقي أن مولده قبل المائتين!! بل لقد تأخرت وفاة أبي زرعة الدمشقي عن البخاري بعقود! فمات سنة (281 هـ).

ولا نعرف للبخاري رواية في كتبه عن أبي زرعة الدمشقي، ولم يُذكر البخاري فيمن سمع من أبي زرعة الدمشقي، ولو سمع منه لذكر الناس ذلك فإن هذا مما يحرص عليه، كما فعل الترمذي في ذكر الحديث الذي سمعه منه البخاري والتنصيص عليه.

وأما ما يردده بأن صناعة النقاد في صحيح مسلم أظهر وأبين! فهذا فيه نظر! وهل كان يعجز البخاري أن يقول: هذا لفظ فلان، وفلان زاد كذا، وفلان قال أخبرني، وفلان قال حدثني، ونحو ذلك مما يستخدمه الرواة في رواياتهم!! بل البخاري ابنُ بجدة هذه الصنعة وأبو عذرتها ومحققها وناقدها.. لكنَّ كتابه يختلف في ترتيبه ومقصده عن كتاب مسلم فاحتاج مسلم لسـرده الأحاديث في مكان واحد أن يبين مثل هذه الأمور، مع أن البخاري يركز على مسألة السماعات والتحديث أكثر من مسلم لأن شرطه يتعلق به وإن رغم أنف من ينكر هذا الشرط.

 

???? قال الحسني: (١١) لَيسَ لِلبُخَارِيِّ وَمُسلِمٍ شَرطٌ زَائِدٌ عَلَى شَرطِ أئِمَةِ النُّقَادِ الأُوَلِ، وَكُلُّ مَن جَاءَ بَعدَهُمَا بِنَصٍّ عَلَى شَرطٍ لَهُمَا فَقَد ظَنَّ أو تَوَهَّمَ.

·       قلت:

الأصل أن الأئمة النقاد يتطلبون تحقق اتصال الإسناد وعدم وجود العلة في الحديث لتصحيحه.. لكن من خلال تتبع أحوال هؤلاء الأئمة وجدنا بينهم الاختلاف في بعض ذلك.

وإنما ظهر هذا بين الإمامين البخاري ومسلم لما تعلق بمسألة تحقق السماع واللقاء والمعاصرة، وهذا ظاهر لمن خبر الصحيحين وأن مسلما صحح الأحاديث بناء على المعاصرة وخالف الأئمة في ذلك.

 

???? قال الحسني: (١٢) دَعوَى تَقدِيمِ شَرطِ البُخَارِيِّ عَلَى شَرطِ مُسلِمٍ دَعوَى ضَعِيفَةٌ يُبطِلُهَا مُقَارَنةُ أسَانِيدِ وَمُتُونِ الكِتَابَينِ. بَلِ النَّاظِرُ مَلِيًّا كَثِيرًا مَا يَرَى عُلُوَ شَرطِ مُسلَمٍ.

·       قلت:

بل هي دعوى صحيحة يؤيدها من خَبُرَ الصحيحين واختلطت أسانيدهما بدمه ولحمه، وأتحدى أحدا أن يُبين لنا علو شرط مسلم على البخاري في تصحيحه أحاديث ضعيفة بالمعاصرة وقد أعلها البخاري بعلل بينةٍ بعدم السماع وغيره.

 

???? قال الحسني: (١٣) البُخَارِيُّ غَلَّبَ الاستِدلَالَ فَتَوَسَّعَ فِي الشَّرطِ شَيئًا خُصُوصًا فيِمَا  كَانَ مِنَ الأحكَامِ مِمَّا يُحتَمَلُ وَيُحتَاجُ فِي البَابِ إليهِ، وَمُسلِمٌ غَلَّبَ التَدقِيقَ عَلَى الألفَاظِ فَرَاعَى صَنعَةَ التَّعلِيلِ.

·       قلت:

هذا كلام مرسل لا يقبل، بل يجب أن يبيّن لنا كيف توسع في الشرط؟!!

فهل يقصد بكلامه هذا أنه نزل عن شرطه لأنه احتاج لبعض الأحاديث في الباب فنزل عن شرطه؟! إن كان كذلك فهذا كلام لا يقبل عن صحيح البخاري! وأين صنعة التعليل عند مسلم بسبب التدقيق على الألفاظ؟! وما دخل التدقيق في الألفاظ بأبواب التعليل؟! التدقيق على الألفاظ: هذا لفظ فلان لا علاقة له بصنعة التعليل!!

بل إن أهل العلم إلى الآن لم يضبطوا مسألة التعليل عند الإمام مسلم في صحيحه!! ولا زال الكثير يتخبطون حول هذه المسألة، لأن أصلها متنازع فيه ابتداء ولعدم وجود معالم واضحة لها ثانيا!

 

???? قال الحسني: (١٤) أصَحُّ رُوَايَةٍ عِندَ البُخَارِي فِيمَا يُكَرِّرُهُ أوَّلُهَا إيرَادَا وَيُخرِجُ مُسلِمُ فِي آخِرِ البَابِ مَا يُعَلُّ عِندَ الحُفَّاظِ.

·       قلت:

هذا ليس على إطلاقه! فالبخاري لا مقارنة في مروياته التي يكررها من ناحية الصحة.! وتخريج مسلم في آخر الباب ما يعل عند الحفاظ فيه إطلاق ويحتاج لتقييد! فما هو الضابط الذي نعرف به ما خرجه تعليلا؟! وكيف نعرف أن هذا معلول عند الحفاظ؟ وهل هذا يعني أنه تبع الحفاظ في تعليله؟

 

???? قال الحسني: (١٦) لَم يُقَدِّم البُخَارِي لِكِتَابِهِ سُوى حَدِيثَ النِيَّةِ وَقَدَّمَ مُسلِمٌ فَأبَانَ عَن شَرطِهِ وَأوضَحَ أقسَامَ كِتَابِه وَجَلَّى مَرَاتِبَ مَروِيَّاتِهِ.

·       قلت:

البخاري لم يحتج لأن يبينَ منهجه في مقدمة كتابه لأن كتابه الصحيح مرتبط بتاريخه الكبير، وهو إنما جعل كتابه لمن يعرف الحديث على أصوله فقطع الطريق على الدخلاء فيه. وأما مسلم فلا زال أهل العلم مختلفين فيما ذكره في مقدمة كتابه! وهل وفّى بما قاله؟!

من تعمق في صحيح مسلم وكانت المقدمة حاضرة بين عينيه عرف أن هناك مشكلة في ذلك، ومن هنا اختلف أهل العلم في التوفيق بين ما قاله مسلم نظريا وبين ما وجدناه عمليا في كتابه!

 

???? قال الحسني: (١٧) الإجمَاعُ عَلَى تَلَقِي الأُمَّةِ لِلصَّحِيحَينِ بِالقَبُولِ يَنبَغِي أن يَكُونَ مُقَيَّدًا بِمَا لَم يُنتَقَد عَلَيهِمَا وَالمُنتَّقَدُ عَلَيهِمَا فِيِهِ مَا يُقبَلُ النّقدُ فِيِهِ وَفِيهِ مَا لَا يُقبَل.

·       قلت:

كلام وجيه جيد، لكن هل نقف على ما انتقد عليهما قديماً أم أن الباب لا يزال مفتوحاً لمن أتقن هذه الصنعة وتكلم بالأدلة وعرض ما عنده بالحجة على وفق منهج الأئمة لا منهج العلمانيين والزنادقة المعاصرين؟!!

 

???? قال الحسني: (٢١) لَيسَ لِمَن جَاءَ بَعدَ الدَّارَقُطنِيّ إلَّا النَّظَرُ فِيمَا انتُقِدَ عَلى الصَّحِيحَينِ. وَلَا يُرَجِّحُ شَيئَا عَلَى شيء إلَّا بِأصُولِ الأوَائِلِ وَضَوَابِطِهِم وَمَنهَجِهِم.

·       قلت:

هذا كلام مرسل! فقد انتقد عدد من الأئمة والعلماء ممن جاء بعد الدارقطني أحاديث في الصحيحين، يطول بتعدادهم المقال.

 

???? قال الحسني: (٢٢) لَقَد ذَبَّ أقوَامٌ عَن أحَادِيثَ انتُقِدَت عَلَى الصَّحِيحَينِ بِأصولِ غَيرِ النُّقَّادِ الأُوَلِ فاضطُرُوا لِلتَكَلُّفِ وَأتَوا أحيَانًا بِمَا لَا يَستَقِيمُ فَمَا أحسَنُوا الذَّبَّ وَعَلَى هَذَا كَافَّةُ الشُّـرَّاحِ المُتَأخِرينَ. إلَّا مَا كَانَ مِن ابنِ رَجَبٍ.

·       قلت:

كأنه يغمز الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في هذا! نعم، هناك شيء من التكلف أحيانا عند الحافظ ابن حجر في دفاعه عما انتقد على البخاري خاصة، لكنه كان الأسَد في أجمة هذا الباب فرحمه الله رحمة واسعة. وليت الأخ الحسني - وفقنا الله وإياه - يبين لنا شيئاً لابن رجب في كيفية دفاعه عما انتقد على الصحيحين.!!

والعجب من الأخ الحارث الحسني - هدانا الله وإياه للصواب - أنه يطعن بالحافظ ابن حجر - رحمه الله - ويكاد يقول القائل: إنَّه يُفْهَمُ مِن بعض عباراته تكفيره تبعا لما يصـرح به من موقفه من الأشاعرة = ومع ذلك نجد أنَّه في مقدمة كتابه الجامع المسند الصحيح* [1/28] ذكر أسانيده في رواية كتب السنة فإذا به يرويها كلها من طريق الحافظ زكريا الأنصاري الشافعي عن الحافظ ابن حجر! وبعضها يرويها من طريق الحافظ ابن عساكر!

فهل تحل الرواية عن كافر؟! أو إن لم يكن يكفره فهل يستحل الرواية عن من يعتبره إماما من أئمة الضلال..؟!!

 

* مع التحفظ على ما في كتابه هذا من تقريرات، فتبقى المشكلة قائمة في أننا لا نستطيع الرد على أحكامه وتقريراته تفصيلا؛ لأننا لا نعلم كيف حكم على هذه الأحاديث بالصحة وما هو منهجه في استبعاد ما استبعده، وعلى أي أساس حكم عليه بالضعف، فليس في كتابه هذا إلا سرد أحاديث ادعى صحتها دون أن يأتي بدليل على ذلك! ولا يخلو بعض ما ذكره من تعليل ونقد، لكنَّ الأهَمَّ من ذلك أننا لا يمكن أن نعلم مِنْ كتابه هذا ولا مِن أي مِنْ كتبه ومنشوراته منهجَه في البحث الحديثي لنقده نقدا علميا موسعا.

 

???? قال الحسني: (٢٤) حَصـرُ المُنتَقَدِ عَلَى الصَّحِيحَينِ بِمَا نَقَدَهُ الدَّارَقُطنِيُّ وَالجَيَّانِي وَابنُ عَمّارٍ حَصرٌ قَاصِرٌ فَإنَّ المُنتَقَدَ عَلَيهِمَا أكبَرُ وَأكثَرُ. وَالمُنتَقِدونَ مِنهُم مَن هُوَ أَعلَى مِن طَبَقَةِ الشَّيخَينِ وَمِنهُم مَن هُوَ مِن طَبَقَتِهِمَا، وَمِنهُم مَن هُوَ مِن طَبَقَةٍ قَريبَةٍ جَاءَت بَعدَهُمَا.

·       قلت:

حاصل هذا الكلام أن هناك من انتقد أحاديث في الصحيحين ممن كان في عصـرهما؟! فإن صح هذا، فمن هم؟ وما الذي انتقدوه عليهما؟ ومن بين هؤلاء المنتقدون من هم الذين هم أعلى من طبقة الشيخين؟ أعطنا أسماء لهم؟ ومَن هم في طبقتهما؟ ومن ممن جاء بعدهم؟

مثل هذه الإطلاقات تحتاج بحوثا مطولة مدللة على كل هذه الأمور ولا يصح إرسال الكلام على عواهنه بلا زمام أو خطام أو حجة.

 

???? قال الحسني: (٢٥) لَا يَصلُحُ لِأحَدٍ تَصنيفُ كِتَابٍ يَجمَعُ فِيِهِ المُنتَقَدَ عَلَى الصَّحِيحَينِ وَلَو ذَبَّ فِيِهِ كُلَّ الذَّبِ حَتَّى لَا يكُونَ مَادَّةً مُتَاحَةً لِمَن أرَادَ المَسَاسَ بِالصَّحِيحَينِ، وَإنَّمَا يُصَنِّفُ كِتَابًا عَامًا فِي عِلَلِ الأحَادِيثِ فَيُضَمِّنُهَا إيَّاهُ.

·       قلت:

هذه وجهة نظر نخالفك فيها! سيما أنك قلت: إنه قد يسلّم للمنتقد انتقاده وقد لا يسلّم له!

فكل واحد له جهده وأدواته وفهمه، فقد يصل واحد لما لا يصل إليه غيره، فالعلم رزق من الله، ومن خبثت نيته وساء مقصده وأوحى إليه إبليس فلن يعجزه البحث عن الشبهات ليتوصل بها للطعن في مسلمات الشريعة والله ناصرٌ دينه وأولياءه.

 

???? قال الحسني: (٣٠) شَرَحَ الصَّحِيحَينِ أقوَامٌ وَأشهَرُ الشُّرُوحِ شَرحُ ابنِ حَجَرٍ لِصَحيحِ البُخَارِي وَشَرحُ النَّوَوِي لِصَحيحِ مُسلِم، وَفِي الشَّـرحَينِ مُخَالَفَاتٌ لأعتِقادِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ وَكَذا المُخَالَفَاتُ فِي صَنعَةِ الحَدِيث فَقَد مَضَيَا فِيهَا عَلَى أصُولِ الفُقَهَاءِ وَسَلَكُوا فِي أصُولِ الفِقهِ مَسَالِكَ المُتَكَلِّمِين وَثَمَّ مَا يكثُرُ تَتَبُّعُه وَتعَقُّبُه وَنَقدُهُ.

·       قلت:

الأخ الحسني - هدانا الله وإياه- أفصح عن رأيه في ابن حجر وكلامه على شرحه ونقده بأنه ليس بفتح لما فيه من مخالفات عقدية في شرحه! وقد تحدثت من قبل معه حول ذلك وكانت النصيحة بأن لا يرسل كلامه هكذا، وأذكر أنه حذف كلامه حينها فلعله بدا له شيء آخر الآن.

لكن نقول: نعم، هناك مخالفات عقدية مشى عليها الحافظ في شرحه للأحاديث وتأول بعضها على منهج الأشاعرة لأنه تربى على ذلك المنهج، وكذا الإمام النووي. ولست بصدد الكلام عن ذلك.

وأما الدعوى بالمخالفات في صنعة الحديث، فهذا موجود أيضا؛ لكن هناك أشياء كثيرة على صنعة الحديث وخاصة عند الحافظ ابن حجر، أما النووي فلم يعتن بذلك كثيرا وشرحه مختصر ويغلب عليه الجانب الفقهي.

فأما الحافظ ابن حجر فقد أبدع في صنعة الحديث، وإن كنَّا نخالفه في شيء مما ذكره في كتابه وخاصة الحكم على الأحاديث بالمتابعات والشواهد، لكن له تحريرات نفيسة لم يسبق إليها لا ينكرها إلا من ظلم وأجحف!! فيجب أن نفصل ما في هذه الشـروح مما يتعلق بالكلام على الحديث من رجال وأحكام ونحو ذلك، وما يتعلق بشـرح الأحاديث بحسب منهج الأصوليين والمتكلمين!

 

???? قال الحسني: (٣١) أجوَدُ وُأزكَى شُروحِ البُخَارِيِّ فَتحُ البَارِي لابنِ رَجَبٍ وَلَم يَتُمَّ وَاحَسـرَتَاه، وَيَبقَى شَرحُ صَحِيحِ البُخَارِيِّ دَينَا فِي عُنُقِ الأمَّةِ حَتَى يَقضِيَهِ عَنهَا مَن يُتِمُّ شَرحَ ابنِ رَجَبٍ عَلَى نهجٍ مِمَّا صَنَعه.

·       قلت:

لا شك في جودة شرح الحافظ ابن رجب ويا ليته تم، لكن قد وفّى بهذا الدَّين من ناحية الصنعة الحديثية الحافظ ابن حجر في مواضع كثيرة جدا، ولا نهضمه حقه! ورأي الحسني في الحافظ وكتابه معروف ونخالفه فيه، وصدقت كلمة العلامة الشوكاني رحمه الله: "لا هجرة بعد الفتح".

 

هذا ما تيسـر إيراده على عجل، ونرجو من الأخ الحارث أن يظهر لنا بحوثه الموسعة التي قادته إلى النتائج السابقة حتى ننظر فيها نحن وغيرنا من المشتغلين بعلم الحديث، فما كان من حق فعلى العين والرأس نقبله خاضعين للحجة والدليل، وما كان غير ذلك رددنا عليه بحجة ودليل إن شاء الله، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

19/ربيع الأول/1440هـ

 

وبعد نشر هذه التعليقات:

راسلني الحارث الحسني - دون أن يبدأ بالسلام وتحية أهل الإسلام - معاتبا بعبارات لا ينقضي منها العجب ولا يظهَرُ منها حفظُ الأخوَّة ولا حسنُ الأدَب، قائلا: "ليت الذي كتبتَه كان ردا علميا لكان الأمر هينا.. الحسني عمره ما ردّ على أحد"..!!

قلت:

فيا سبحان الله .. لا ندري أعدم ردك بطر للحق أم غمط للناس.. أم عِيٌّ وانعدام للحجة.. أم الثلاثة مجتمعة..؟!!

وقد بينا الرد تفصيلا في مسائل عدة كقصة تصنيف الإمام البخاري للصحيح وغيرها فأبن لنا ما عندك فيها إظهارا للحق بين طلبة العلم!! والعجيب أنه لم ينبس ببنت شفة ولا برد السلام منذ أن وصلته رسالتي الأولى منذ ثلاثة أسابيع، وسمة طالبِ الحق أن يكون حريصا على معرفة غلطه ليرجع عنه أو لينبِّه مَن غلَّطه، ولو كان الحسني كذلك لسأل عن الرد من يومها لا بعد أن نشرته على العلن!!

وأستغرب ممن نصب نفسه قاضيا على الأئمة والعلماء ومتكلما في أعقد فنون علم الحديث وعلله ونراه يقلل من شأن الإمام البخاري ويلمز في النووي ويطعن في ابن حجر ثم نحن نجتهد أن نبحث له عن بحث واحد أو حديث مخرج بتوسع فلا نجد!

فأبرز لنا علمك هذا حتى نعرف قدرك في ميزان العلماء، وقد كتبنا الرد عليك بتلطف وإحسان رجاء النفع وقبول الحق وحفظا لسابق المعرفة، ومن قرأ ردودنا على غيرك علم عادتنا فيها.. فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان!!

وهب أن ما كتبناه في ردنا عليك ليس بعلم، فها نحن نقول لك -كما قال غيرنا-: أنت تقرر نتائج وافتراضات وأوهام ولم تأت عليها بدليل واحد.. فهات بحوثك وأدلتك على نتائجك المتوهمة فإن كانت حقا رضخنا للحق بإذن الله وإن كانت باطلا بيَّنَّا بطلانها بالحجة والبرهان! أم أن الوحي نزل عليك من السماء بها..؟!

وما أحسن ما رواه الحافظ ابن عساكر رحمه الله بإسناد صحيح عن الحافظ أبي بكر البرقاني أنه قال: "ما رأيت بعد أبي الحسن الدارقطني أفهم بالحديث من عبد الغني الحافظ، وسمعت عبد الغني يقول: (لما رددت على الحاكم أبي عبد الله الأوهام في مدخل الصحيح بعث إلي يشكرني ويدعو لي فعلمت أنه رجل عاقل)"

فهذه صفة العلماء الأثبات والمحدثين الثقات.. لا إطلاق العبارات بلا زمام وزعم الدعاوى بلا برهان أو خطام.. وما أرى هذا التستر بالورع البارد إلا كقول العرب: (يُسِرُّ حَسْوًا فِي ارْتِغَاءٍ)..

والله المستعان!

جواب على سؤال:

ثم بعد ذلك هداه الله صار يُخبر الناس بأني أريد أن افتعل خصومة معه!! فأرسل لي الأخ الحبيب "أبو فاطمة" يستفسر عن ذلك:

طالعت ما دبج يراع شيخنا ضياء السالك ومنير الحوالك أبي صهيب خالد الحايك في مناقشته للشيخ الحارث الحسني في إطلاقاته ودعاويه، فوجدته كشف ما فيها من خلل وتمويه..

ثم بلغني من بعض الفضلاء من إخواننا أن الحسني يراسل بعض معارفه قائلا: "الحسني لا يشتغل بالردود"! و"بعضهم يفتعل الخصومة".. فأشكل علي ذكر الخصومة وادعاؤها! ولو كان كل نقاش علمي خصومة لادعى الناس الخصومة بين الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم!! فما من متكلم بالعلم إلا واعترض عليه معترض ورد هو على معارض.. فسألت شيخنا عن حقيقة هذه الخصومة مستفهما..؟

فأجاب - أغزر الله وبله وسدد في كبد الحقيقة نبله -:

نحن لا نفتعل خصومات!! ولم نفتعلها؟!!! فهذا دين..

وكنت قد تواصلت مع الشيخ قبل فترة أنصحه في أمر فاستجاب.. فلا خصومة بيننا ولا افتعال لذلك.. إنما هو العلم فقط.

فالرجل تكلم بأشياء رددنا عليه فيها بالدليل، وكثير من عباراته ونتائجه أطلقها دون أدلة! وطالبناه بأدلته على ذلك بكل أدب واحترام! فهل في هذا افتعال لخصومة؟!! ما هكذا تورد الإبل!! إن كان قد توصل إلى ما أطلقه بعلم فليدلل عليه! وأما أن يقول: "أنا لا أشتغل بالردود" فهذا ليس من منهج أهل العلم! فنحن لا نطالبه برد!! بل نطالبه بأدلته على إطلاقاته فإن وجدنا ما ذهب إليه صحيحا مدعما بمنهجية علمية قائمة على أدلة راسخة سلمنا له وشكرناه ودعونا له.. وإن جانبت الصواب كنا لها -بعون الله ثم بحجة العلم- بالمرصاد لتصحيح الفهوم، وهذا حق الأئمة علينا وأمانة العلم التي أخذها الله علينا...

والعلم مُقدّم على الأمور الشخصية والعلاقات الدنيوية.. فبعض الأئمة النقاد تكلم في أبيه، وبعضهم تكلم في ابنه فهذا العلم دين، والله الهادي للصواب.

 

شاركنا تعليقك