الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الرسالة العَاشورية في الركعات الأربع العِشائية».

«الرسالة العَاشورية في الركعات الأربع العِشائية».

سؤال عن «الآثار الواردة في أن صلاة أربع ركعات بعد العشاء يَعْدِلْنَ بِقَدْرِهنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ»!

سألني بعض الإخوة عن الآثار الواردة في صلاة أربع ركعات بعد العشاء وما جاء فيهنّ من الأجر، وتصحيح بعض أهل العلم لها، وأنها من السنن المهجورة!

فأجبت:

بعد الحمد لله، والثناء عليه، فهو أهل الثناء على ما أنعم وتفضل، والصلاة على رسوله الأمين، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدّين:

فكثيراً ما نسمع طلبة العلم يصححون هذه الآثار! ويعدونها من قبيل الحديث المرفوع! ويشجعون الناس على العمل بها، وينشرونها! وأنها من السنن المهجورة!!

قال الألباني بعد إيراده حديثاً مرفوعاً في ذلك في «سلسلته الضعيفة» (11/103): "لكن الحديث قد صح موقوفاً عن جمع من الصحابة؛ دون قوله: (قبل أن يخرج من المسجد)؛ فأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/72/1)، وابن نصر أيضاً عن عبدالله بن عمرو قال: من صلى بعد العشاء الآخرة أربع ركعات؛ كن كعدلهن من ليلة القدر.

قلت: وإسناده صحيح.

ثم أخرج ابن أبي شيبة مثله عن عائشة، وابن مسعود، وكعب بن ماتع، ومجاهد، وعبدالرحمن بن الأسود موقوفاً عليهم.

والأسانيد إليهم كلهم صحيحة - باستثناء كعب -، وهي وإن كانت موقوفة؛ فلها حكم الرفع؛ لأنها لا تقال بالرأي؛ كما هو ظاهر" انتهى.

والصحيح أن هذه الآثار كلها معلولة! ولا يصح منها شيء!!

أما أثر عبدالله بن عمرو:

فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» في باب «في أربع ركعات بعد العشاء» (2/127) (7273) قال: حدثنا ابن إدريس، عن حصين، عن مجاهد، عن عبدالله بن عمرو، قال: «من صلى أربعاً بعد العشاء كن كقدرهنّ من ليلة القدر».

كذا رواه عبدالله بن إدريس عن حصين بن عَبْدالرحمن السلمي!

وخالفه خلف بن خليفة فرواه عن حصين عن مجاهد من قوله! ولم يذكر: «عبدالله بن عمرو»!!

رواه سعيد بن منصور، عن خلف بن خليفة، قال: سمعتُ هِلاَلَ بن خَبّاب، وحصين يحدِّثَانِ، عَنْ مُجاهد، قال: «أَرْبَعُ رَكَعاتٍ بَعْدَ عِشَاءِ الآخِرَةِ يَعْدِلْنَ بِقَدْرِهنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ». [أخبار الصلاة لعبدالغني المقدسي (ص: 33) (51)].

والمحفوظ عن مجاهد من قوله كما رواه عنه: هلال بن خباب والأعمش.

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/127) (7278) عن يَعْلَى بن عُبَيد الطنافسي.

وعبدالله بن أحمد في زياداته على كتاب «الزهد» (2222) من طريق عَبْداللَّهِ بن عَبْدِالقُدُّوسِ.

كلاهما عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قال: «أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بَعْدَ العِشَاءِ الْآخِرَةِ تَعْدِلُهُنَّ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ».

فهذا الأثر رواه عن مجاهد من قوله: حصين بن عبدالرحمن، وهلال بن خباب، والأعمش.

واختلف على حصين، فرواه عنه: ابن إدريس وزاد فيه: "عن عبدالله بن عمرو"!

وخالفه خلف بن خليفة فوقفه على مجاهد كما هي رواية الجماعة.

ولا يصح عن عبدالله بن عمرو بن العاص.

ويُحتمل أن الذي في إسناد ابن إدريس «عبدالله بن عُمر» تحرّف إلى «عَمرو»! وعلى كلا الحالين لا يصح ذكره في الإسناد.

وأما أثر عائشة:

فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/127) (7274) عن محمد بن فُضيل، عن العلاء بن المسيِّب، عن عبدالرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «أربع بعد العشاء يعدلن بمثلهن من ليلة القدر».

قلت: لا يُعرف عن عائشة إلا بهذا الإسناد! تفرد به العلاء بن المسيب! ولم يروه عنه إلا ابن فضيل!

ورواية العلاء بن المسيب عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن الأسود بن يزيد بن قيس النَّخَعِيّ قليلة جداً غالبها موقوفة عليه، وليست مسندة.

وقد خالفه بُكير بن عامر، ووقفه على عبدالرحمن بن الأسود، ولم يذكر فيه: "عن أبيه عن عائشة"!!

ورواية بكير بن عامر عن عبدالرحمن بن الأسود أيضاً قليلة جداً، وغالبها موقوفة عليه.

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/127) (7279) عن أبي نُعيم الفضل بن دُكين، عن بكير بن عامر، عن عبدالرحمن بن الأسود، قال: «من صلى أربع ركعات بعد العشاء الآخرة، عدلن بمثلهن من ليلة القدر».

والحاصل أن هذا الأثر رواه عن عبدالرحمن بن الأسود: العلاء بن المسيب وبُكير بن عامر، فوقفه بكير على عبدالرحمن، وزاد عليه العلاء: "عن أبيه عن عائشة"!

وكلاهما ممن اختلف فيه أهل النقد بين مُوثّق ومُضعّف!

أما العلاء بن المسيب:

فقال عنه ابن معين: "ثقة مأمون".

وقال أبو حاتم: "صالح الحديث".

وقال ابن عمّار: "ثقة يحتج بحديثه".

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال العجلي: "ثقة، وأبوه من خيار التابعين".

وقال يعقوب بن سفيان: "كوفي ثقة".

وقال ابن سعد: "كان ثقة".

وقال الحاكم: "له أوهام في الإسناد والمتن".

وقال الأزدي: "في بعض حديثه نظر".

وتعقّبه النباتي العشّاب بأنه كان يجب أن يذكر ما فيه النظر!

وذكره الذهبي في «المغني في الضعفاء» وقال: "صَدُوق مَشْهُور. أخْبرت عَن بعض الحفاظ أَنه يهم كثيرا، وما أعلم هذا! وحَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ. قال الأَزْدِيّ: فِي بعض حَدِيثه نظر".

وذكره أيضاً في «الميزان» وقال: "صدوق، ثقة، مشهور. وقال بعض العلماء: كان يَهم كثيرا. وهذا قول لا يعبأ به، فإن يحيى قال: ثقة مأمون".

قلت: هو صدوق، قليل الرواية، وغالب حديثه غير مرفوع. وخرّج له البخاري حديثين عن أبيه، وخرّج له مسلم حديثين: أحدهما في المتابعات، والآخر استنكر فيه على غيره!

وهو يصلح في المتابعات والشواهد ولا يُحتج بما انفرد به إلا بقرينة تدلّ على ضبطه لحديثه.

وأما بُكير بن عامر:

فقد اختلفوا فيه أيضاً، والأكثر على تضعيفه.

قال عبدالله بن أحمد الدورقي، عن يَحْيَى بن مَعِين: "ضعيف. تركه حفص بن غياث".

وقال عباس الدوري: سَمِعْتُ يَحْيى يَقُولُ: قيل ليحيى بن سَعِيد: ما تقول فِي بُكَير بن عامر؟ فقالَ: "كَانَ حفص بن غياث تركه، وحسبه إذا تركه حفص".

قَال يَحْيى: "كَانَ حفص يروي عَن كل أحد".

وقال العباس الدوري: سَمِعْتُ يَحْيى بن مَعِين يَقُولُ: "بُكَير بن عامر: ضعيف".

وقال معاوية بن صَالِح عَنْ يحيى بن مَعِين: "ليس بشيءٍ".

وقال عَبداللَّهِ بن أَحْمَد: سألت أَبِي عَن بُكَير بن عامر؟ فقالَ: "لَيْسَ بالقوي فِي الحَدِيث".

وذكر عَبدالمَلِكِ الميموني عَنْ عَبداللَّهِ بن أحمد، عن أبيه قال: بُكَير بن عامر: صَالِح الحَدِيث، لَيْسَ به بأس".

وقَال عَمْرو بن علي الفلاس: "ما سمعت يَحْيَى ولا عَبْدالرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا عنه بشيءٍ قط".

وَقَال أَبُو زُرْعَة: "ليس بقوي".

وقال النَّسَائي: "ضعيف". وقَال في موضع آخر: "ليس بثقة".

وقال ابن سعد: "وكان ثقة إن شاء الله".

وقال الآجري: سألت أبا داود عنه؟ فقال: "ليس بالمتروك".

وخرّج الحاكم حديثه في «صحيحه»، وقال: "وبكير بن عامر هذا ثقة".

وفي كتاب أبي محمد بن الجارود: "ضعيف".

وقال ابن عدي: "اضطرب فيه قول أحمد بن حنبل".

وقال أبو الحسن العجلي: "لا بأس به"، وفي موضع آخر: "كوفي يكتب حديثه".

وذكره أبو القاسم البلخي، وأبو العرب والعقيلي في «جملة الضعفاء».

وذكره أبو حاتم البستي في «جملة الثقات».

وقال الساجي: "ضعيف الحديث".

وذكره أبو حفص ابن شاهين في كتاب «الثقات».

وزعم اللالكائي، والإقليشي في كتاب «الانفراد»، والحبّال والصريفيني: أن مسلماً خرج حديثه في «صحيحه» من غير تقييد، وأما الحاكم فإنه قال: ذكره مسلم مستشهدا به في حديث الشعبي، ولم ينبه المزي على شيء من ذاك. [إكمال تهذيب الكمال (3/29)].

وقال ابن عدي: "وبُكَيْرُ بنُ عَامِرٍ هَذَا لَيْسَ بِكَثِيرِ الرِّوَايَةِ، وَرِوَايَاتُهُ قَلِيلَةٌ وَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَتْنًا مُنْكَرًا، وَهو مِمَّنْ يُكْتَبُ حديثه".

وذكره الذهبي في كتابه «من تكلم فيه وهو موثق» ونقل قول أبي زرعة فيه: "ضعيف"، ثم قال: "خرج له مسلم مستشهداً به".

وفي «تهذيب ابن حجر»: "ووقع في سند أثر ذكره البخاري في المزارعة عن عبدالرحمن بن الأسود".

قلت: هو صالح الحديث يُكتب حديثه للاعتبار، فلا يقبل حديثه المرفوع إلا إذا تُوبع عليه، وحديثه قليل جداً، ويُستشهد بما يرويه من الموقوفات.

فالخلاف بين راويين فيهما كلام!

فإما أن نضعّف كلا الروايتين! وإما أن نرجّح بينهما!

والذي يترجح لي رواية بكير بن عامر عن عبدالرحمن الموقوفة؛ لأن وقفه لها يدلّ على ضبطه، ولا تقبل رواية العلاء؛ لأن الأثر لا يُعرف عن الأسود بن يزيد والد عبدالرحمن، ولا عن عائشة - رضي الله عنها -.

وقد تُوبع بكير بن عامر عليه، تابعه مُحارب بن دِثار فوقفه على عبدالرحمن.

رواه عبدالله بن أحمد في زياداته على كتاب «الزهد» (2100) عن أَحْمَد بن إِبْرَاهِيمَ، عن أبي أحمد الزبيريّ مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ الْأَسَدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ العِشَاءِ كُنَّ كَمِثْلِهِنَّ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ». قُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ؟ قالَ: "إِنْ كُنَّ كَذَا وإِلَّا فَهُنَّ صَوَالِحُ".

فالأثر من قول عبدالرحمن بن الأسود، ولا يصح عن عائشة.

وقد جزم المروزي بوقف هذا على مجاهد وعبدالرحمن بن الأسود وعلقمة والأسود.

قال في «مختصر قيام الليل وقيام رمضان وكتاب الوتر» (ص: 92): "وعَنْ عَلْقَمَةَ، والْأَسْوَدِ، ومُجَاهِدٍ، وعَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الْأَسْوَدِ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ العِشَاءِ كُنَّ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ أَوْ يَعْدِلْنَ بِمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ أَوْ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِنَّ لَيْلَةَ القَدْرِ».

قلت: وهذا يدلّ على أنه مشهور من أقوال التابعين لا عن الصحابة، وخاصة في الكوفة.

وأما أثر ابن مسعود:

فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/127) (7275) عن وكيع، عن عبدالجبار بن عباس، عن قيس بن وهب، عن مرة، عن عبدالله، قال: «من صلى أربعاً بعد العشاء لا يفصل بينهن بتسليم، عدلن بمثلهن من ليلة القدر».

قلت: هذا إسناد ضعيف! لا أعلم يرويهِ عَن قيس بن وهب غير عبدالجبار هذا، ولَيْسَ بِذَاكَ! وقد وثقه بعضهم، وضعفه آخرون، بل واتّهم.

قال ابن معين وأحمد وأبو داود: "ليس بِهِ بأس".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عبدالجبار بن العباس الشبامي؟ فقال: "ثقة"، قلت: لا بأس به؟ قال: "ثقة".

وقال البزار: "أحاديثه مستقيمة إن شاء الله تعالى".

وقال العجلي: "صويلح، لا بأس به".

وقال أَبُو نعيم الملائي: "لم يكن بالكوفة أكذب مِنْهُ".

وقال البخاري: حدثنا أبو نعيم عنه، وبلغني بعدُ أنه كان يرميه.

وقال ابن حبان: "كانَ مِمَّن ينْفَرد بالمقلوبات عَن الثِّقَات، وكَانَ غاليا فِي التَّشَيُّع. وَكَانَ أَبُو نعيم يَقُول: لم يكن بِالكُوفَةِ أكذب من عبدالجَبَّار بن العَبَّاس وأبي إِسْرَائِيل الملَائي".

وقال العقيلي: "لا يُتابَع عَلَى حديثه. يُفرْط فِي التشيُّع".

وقال ابن عدي بعد أن ذكر له بعض المنكرات: "ولعبدالجبار هذا غير مَا ذَكَرْتُ، وعَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ مما لا يُتَابَعُ عَليه".

قلت: مثله لا يُحتج بما انفرد به.

وفي «قوت القلوب» (1/61) لأبي طالب المكيّ: "وقال مجاهد: قال عبداللَّه بن [عمرو]: من صلّى أربعاً بعد العشاء كن كعدلهن من ليلة القدر، وقال حصين: فذكرت ذلك لإبراهيم، فقال: كان عبداللَّه بن مسعود يكره أن تتبع كل صلاة بمثلها، وكانوا يصلون العشاء، ثم يصلون ركعتين، ثم أربعاً، فمن بدا له أن يوتر أوتر ومن أراد أن ينام نام".

قلت: فما نُقل عن ابن مسعود هنا - إن صح - يرد ما يُروى عنه في فضل هذه الأربع!

أصل هذه الآثار:

وأصل هذه الآثار عن كعب الأحبار!

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (2/127) (7276) عن وكيع بن الجرّاح.

والدارقطني في «سننه» (2/461) (1878) من طريق أَبي أُسَامَةَ حماد بن أسامة.

والدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (7/39) (2888) من طريق أَبي نُعَيْمٍ الفضل بن دُكين.

ثلاثتهم عن عَبْدالوَاحِدِ بن أَيْمَنَ المكيّ مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ، عن أَبِيه، عَنْ تُبَيْعٍ ابنِ امْرَأَةِ كَعْبٍ؛ أَنَّ كَعْبًا كَانَ يَقُولُ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ العِشَاءِ الآخِرَةِ يُحْسِنُ فِيهَا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؛ كَانَ أَجْرُهُ فِيهِنَّ كَأَجْرِ مَنْ صَلَّى لَيْلَةَ القَدْرِ».

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7277) عن عَبدة بن سليمان الكلابي الكوفي.

والنسائي في «السنن الكبرى» (7/32) (7400) من طريق خَالِد بن الحَارِثِ، وإِسْحَاق الأزرق.

والبيهقي في «السنن الكبرى» (2/671) (4189) من طريق إِسْحَاق بن يُوسُفَ الأَزْرَق.

ثلاثتهم عن عبدالملك بن أبي سليمان العرزميّ.

والنسائي في «السنن الكبرى» (7/33) (7401) من طريق ابن جُرَيْجٍ.

كلاهما (عبدالملك وابن جريج) عن عطاء، عن أَيْمَنَ مَوْلَى ابنِ عُمَرَ، عَنْ تَبِيعٍ، عَنْ كَعْبٍ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الْآخِرَةَ، وَصَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ يَعْلَمُ مَا يَقْتَرِئُ فِيهِنَّ كَانَ لَهُ، أَوْ قَالَ: كُنَّ لَهُ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةِ القَدْرِ».

قلت: رواه عبدالواحد بن أيمن، وعطاء بن أبي رباح كلاهما عن أيمن الحبشي المكيّ، عن تُبيع، عن كعب بن ماتع، قوله.

ورواه عبدالرزاق الصنعاني في «مصنفه» (3/45) (4727) عَنْ هِشَامِ بنِ حَسَّانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ تُبَيْعٍ قَالَ: «مَنْ صَلَّى بَعْدَ العِشَاءِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ يُحْسِنُ فِيهِمَا الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».

فجعله هشام عن عطاء عن تبيع، قوله! فلم يذكر فيه: "أيمن" ولا "كعبا"!!

ورواية عبدالملك بن أبي سليمان وابن جريج عن عطاء أصح، وهي موافقة لرواية عبدالواحد بن أيمن عن أبيه.

وتُبَيع الحِميري ابن امرأة كعب الأحبار، من التابعين، قرأ الكتب القديمة وحدّث عن كعب كثيراً من الأخبار، وهو صاحب الملاحم، وأخباره منكرة ومكذوبة!

وذكر البيهقي في «السنن الكبرى» (2/671) (4189) حديث ابن عباس الآتي، ثم قال بأن المَشْهُور هو قول كعب.

وذكر العراقي أيضاً بعض طرق الحديث المرفوعة، ثم جزّم بأنه مشهور عن كعب الأحبار.

قال في «طرح التثريب في شرح التقريب» (3/32): "والمَشْهُورُ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ صَلَّى العِشَاءَ الْآخِرَةَ وَصَلَّى بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَسُجُودَهُنَّ يَعْلَمُ مَا يَقْتَرِئُ فِيهِنَّ فَإِنَّ لَهُ أَوْ كُنَّ لَهُ بِمَنْزِلَةِ لَيْلَةِ القَدْرِ»".

أثر ابن عمر!

وقد رُوي هذا الأثر عن ابن عمر أيضاً:

رواه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب «الآثار» (111)، وأبو يوسف القاضي في «الآثار» (414) كلاهما عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُ قالَ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ الْآخِرَةِ فِي المَسْجِدِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ عَدَلْنَ مِثْلَهُنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ».

وخالفهما إسحاق الأزرق، فرواه عن أبي حنيفة بهذا الإسناد مرفوعاً!

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (13/130) (13800)، وفي «المعجم الأوسط» (5/254) (5239) عن مُحَمَّد بن الفَضْلِ السَّقَطِيّ، عن مَهْدِيّ بن حَفْصٍ، عن إِسْحَاقَ الْأَزْرَق، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ، وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، كَانَ كَعِدْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنِ ابنِ عُمَرَ إِلَّا مُحَارِبُ بنُ دِثَارٍ، ولا عَنْ مُحَارِبٍ إِلَّا أبو حَنِيفَةُ، تَفَرَّدَ بِهِ: إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ".

قلت: يقصد مرفوعاً، وإلا قد رواه محمد بن الحسن وأبو يوسف عن أبي حنيفة موقوفاً.

ورواه أبو نُعيم الأصبهاني في «مسند أبي حنيفة» (ص: 223) عن الطبراني، ثم قال: "لَمْ يَرْوِهِ عَنِ ابنِ عُمَرَ إِلَّا مُحَارِبٌ، ولا عَنْهُ إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ، تَفَرَّدَ بِهِ إِسْحَاقُ، عَنِ ابنِ عمر مَرْفُوعًا. وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمُ الحَسَنُ بنُ الفُرَاتِ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَأَسَدٌ وَسَعِيدُ بنُ أَبِي الجَهْمِ، وَأَيُّوبُ وَالصَّلْتُ بنُ حَجَّاجٍ الْكُوفِيُّ، وَعَبْدُالحَمِيدِ الحِمَّانِيُّ، وَعَبْدُاللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ، ومُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ".

قلت: هؤلاء كلهم يروونه عن أبي حنيفة موقوفاً، ويخالفهم إسحاق الأزرق فيرويه مرفوعاً، والصواب عن أبي حنيفة ما رواه الجماعة.

وأبو حنيفة ضعيف في الحديث! وقد خولف فيه! خالفه الحافظ الثقة مِسعر بن كِدام.

رواه عبدالله بن أحمد في زياداته على «الزهد» (2100) من طريق أبي أحمد الزبيري، قال: حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ، عَنْ مُحَارِبِ بنِ دِثَارٍ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعًا بَعْدَ العِشَاءِ كُنَّ كَمِثْلِهِنَّ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ».

فمحارب بن دثار يرويه عن عبدالرحمن بن الأسود قوله، وأخطأ فيه أبو حنيفة فرواه عن محارب بن دِثار عن ابن عمر!!

طرق أخرى مرفوعة عن بعض الصحابة!

وقد رُوي هذا الحديث مرفوعاً من حديث أنس بن مالك، والبراء بن عازب، وابن عباس! وأسانيدها منكرة!

أما حديث أنس بن مالك:

فرواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/141) (2733) من طريق مُحْرِز بن عَوْنٍ، عن يَحْيَى بن عُقْبَةَ بنِ أَبِي العَيْزَارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ كَعِدْلِهِنَّ بَعْدَ العِشَاءِ، وَأَرْبَعٌ بَعْدَ العِشَاءِ كَعِدْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنْ مُحَمَّدِ بنِ جُحَادَةَ إِلَّا يَحْيَى".

قلت: يحيى بن عُقْبة بن أبي العَيْزار، أبو القاسم الكوفيُّ  مُنْكَر الحديث، ليس بثقة، وكذّبه ابن مَعِين.

وأما حديث البراء بن عازب:

فرواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/254) (6332) من طريق سَعِيد بن مَنْصُورٍ، عن نَاهِض بن سَالِمٍ البَاهِلِيّ، عن عَمَّار أَبي هَاشِمٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بنِ لُوطٍ، عَنْ عَمِّهِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَأَنَّمَا تَهَجَّدَ بِهِنَّ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَمَنْ صَلَّاهُنَّ بَعْدَ العِشَاءِ كُنَّ كَمِثْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ، وَإِذَا لَقِيَ المُسْلِمُ المُسْلِمَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وهُمَا صَادِقَانِ، لَمْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يُغْفَرَ لَهُمَا».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحَدِيثَ عَنِ الرَّبِيعِ بنِ لُوطٍ إِلَّا عَمَّارٌ أَبُو هَاشِمٍ، تَفَرَّدَ بِهِ نَاهِضُ بنُ سَالِمٍ".

قلت: لم يتفرد به ناهض بن سالم، لكن سقط من إسناده رجلا، وهو مجهول!

وقد ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (3/271) في ترجمة «رَبِيع بن لُوطٍ ابن أَخِي البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ الأَنْصَارِيّ».

قال: وقال هِلالُ بنُ بِشْرٍ: حدثنا أَبُو عَتَّابٍ - هُوَ سَهْلٌ - قَالَ: حدثنا أَبُو هَاشِمٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْصُورٌ، عَنْ رَبِيعِ بنِ لُوطٍ عَنْ عَمِّهِ البَرَاءِ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَصَافَحَا».

وقال الجُعْفيُّ: حدثنا العَقْدِيُّ: حدثنا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ مَنْصُورِ بنِ عَبْدِاللَّهِ حَدَّثَ أَبُو لُوطٍ: أَنَّ البَرَاءَ بنَ عَازِبٍ حَدَّثَهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا.

وقال عَمْرُو بنُ مَنْصُورٍ: حدثنا أَبُو هَاشِمٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زُبَيْرِ بنِ لُوطٍ، عَنْ عَمِّهِ البَرَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ البخاري: "ولا أَرَاهُ يَصِحُّ: الزُّبَيْرُ".

قال: حَدَّثَنِي عَبْدَةُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالصَّمَدِ قَالَ: حدثنا أَبُو هَاشِمٍ، قَالَ: حدثنا مَنْصُورٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بنِ لُوطٍ، عَنِ البَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ صَلَّى».

قلت: فتبيّن من هذا أن الصحيح بين أبي هاشم الزعفراني والربيع بن لوط: منصور بن عَبدالله.

وأَبُو هاشم الزَّعفرانيُّ هو: عمار بن عُمارة، بصري معروف بالكنية.

وثقه ابن معين.

وقَالَ أَبُو حاتم: "صالح".

وروى آدم بن موسى عَن البخاري قالَ: "فِيهِ نظر".

ومنصور بن عبدالله شيخه مجهول!

قال البخاري في  «التاريخ الكبير» (7/344): "منصور بن عَبْداللَّه عَنْ أَبِي لُوطٍ عَنِ البَرَاءِ، قَالَهُ العَقَدِيُّ عَنْ عَمَّارِ بنِ عُمَارَةَ. وَقَالَ عَمْرُو بنُ مَنْصُورٍ عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بنِ لُوطٍ، عَنْ عَمِّهِ البَرَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَافَحَ سَقَطَ ذَنْبُهُ".

فالحديث ضعيف.

وأما حديث ابن عباس:

فرواه محمد بن نصر المروزي في «قيام الليل» (ص: 92) عن مُحَمَّد بن يَحْيَى.

والطبراني في «المعجم الكبير» (11/437) (12240) عن يَحْيَى بن عُثْمَانَ بنِ صَالِحٍ.

كلاهما عن سَعِيد بن أَبِي مَرْيَمَ، عن عَبْداللهِ بن فَرُّوخ: حَدَّثَنِي أَبُو فَرْوَةَ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، يَرْفَعُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ خَلْفَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ قَرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ}، و{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ}، و{ألم تَنْزِيلُ} السَّجْدَةَ، كُتِبْنَ لَهُ كَأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ».

قال البيهقي في «السنن الكبرى» (2/671): "تَفَرَّدَ بِهِ ابنُ فَرُّوخَ المِصْرِيُّ".

قلت: له مناكير! وخالف أحاديثه غير محفوظة.

قال البُخارِيّ: "تعرف وتنكر".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/336) وقال: "رُبمَا خَالف".

وقال الهيثمي: "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ، وَفِيهِ يَزِيدُ بنُ سِنَانٍ أَبُو فَرْوَةٍ الرُّهَاوِيُّ، ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وابنُ المَدِينِيِّ وابنُ مَعِينٍ. وقَالَ البُخَارِيُّ: مُقَارِبُ الحَدِيثِ، وَثَّقَهُ مَرْوَانُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَحِلُّهُ الصِّدْقُ وَكَانَتْ فِيهِ غَفْلَةٌ".

قلت: أبو فروة لا يُحتج به.

فلا يصح هذا عن ابن عباس. ويُروى أن سعيد بن جبير كان يصلي أربع ركعات بعد العشاء.

رواه محمد بن نصر المروزي في «تعظيم قدر الصلاة» (114) من طريق القَاسِمِ بنِ أَبِي أَيُّوبَ الأصبهاني، قالَ: «كَانَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ يُصَلِّي بَعْدَ العِشَاءِ الْآخِرَةِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَأُكَلِّمُهُ وَأَنَا مَعَهُ فِي البَيْتِ فَمَا يُرَاجِعُنِي الكَلَامَ».

والخلاصة أن أثر «صلاة أربع ركعات بعد العشاء كَعِدْلِهِنَّ مِنْ لَيْلَةِ القَدْرِ» لا يصح، لا مرفوعاً ولا موقوفاً! وإنما يُروى من قول كعب الأحبار (35هـ)! وصحّ من قول عبدالرحمن بن الأسود النخعيّ (99هـ)، ومُجاهد بن جبر (104هـ)، وأصل قولهما يرجع لقول كعب الأحبار.

والله أعلم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك

العاشر من محرم لسنة 1440 هـ.

 

شاركنا تعليقك