الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تُحفةُ أَهلِ المَعْرفَة» ببيان ضَعفِ حديث: «أَفْضَل الدُّعَاءِ دُعَاء يَوْمِ عَرَفَة».

«تُحفةُ أَهلِ المَعْرفَة» ببيان ضَعفِ حديث: «أَفْضَل الدُّعَاءِ دُعَاء يَوْمِ عَرَفَة».

 

·       أشهر طرقه مُرسل الإمام مالك!

هذا الحديث ذَكَرَه مَالِكٌ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ «مُوَطَّئِهِ»، أَحَدُهُمَا آخِرُ كِتَابِ الصَّلَاةِ (1/214) (32)، والثاني في كِتَابِ الحَجِّ (1/422) (246) عَنْ زِيَادِ بنِ أَبِي زِيَادٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ كَرِيزٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ».

وهذا المرسل هو المشهور في هذا الحديث.

فطلحة بن عبيدالله بن كَريز تابعي بصري ثقة، عداده في أهل المدينة، ونزل الشام. يروي عَنْ: ابنِ عُمَرَ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ؛ وَأَرْسَلَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. ووفاته ما بين سنة (121 - 130هـ).

وكان قليل الحديث، ويروي المراسيل في الأدعية.

وزِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ هُوَ: زِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ يُكْنَى أَبَا جَعْفَرٍ، وَاسْمُ أَبِي زِيَادٍ مَيْسَرَةُ.

وكَانَ زِيَادٌ هَذَا أَحَدَ الفُضَلَاءِ العُبَّادِ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ.

قَالَ ابنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: "كَانَ زَيْدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَابِدًا، وَكَانَ يَلْبَسُ الصُّوفَ، وَكَانَ يَكُونُ وَحْدَهُ يذكر الله، وَلَا يُجَالِسُ أَحَدًا".

وكانت له بدمشق دار بناحية القلانسيين كما قال ابن عساكر.

وكان فقيهاً ثقة زاهداً عابداً، قليل الحديث.

قال الذهبي: "لَهُ فِي الكُتُبِ ثَلاَثَةُ أَحَادِيْثَ".

مات سنة (135هـ).

فزياد وطلحة من الطبقة نفسها = الطبقة الثانية من التابعين، وكلاهما من العباد الزهاد، وأحاديثهما قليلة، ويُرسلان الحديث، وهذه سمة موجودة فيمن اشتهروا بالعبادة والزهد، وتجدهم يرسلون أحاديث الزهد والدعاء مثل هذا الحديث في دعاء عرفة.

·       أحاديث مرسلة في الدعاء والزهد!

·       حديث أول:

وقد روى طَلْحَةَ بن عُبَيْدالله بن كَرِيْز: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما رُؤِيَ الشَّيْطانُ يَوْمًا هو فيهِ أَصغَرَ، ولا أَدْحَرَ ولا أَحْقَرَ ولا أَغْيَظَ منهُ يومَ عَرَفَةَ، وما ذاكَ إلاَّ لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وتَجَاوُزِ الله تعالَى عنِ الذُّنُوبِ العِظامِ، إلاَّ ما كانَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ، فقيلَ: وما رَأَى مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ؟، فقال: إنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ وهو يَزَعُ الملائِكَةَ»، وهذا مُرسَلٌ.

رواه مالك في «الموطأ» (1/422) (245) عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ، فذكره.

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (1/115): "هَكَذَا هَذَا الحَدِيثُ فِي الْمُوَطَّأِ عِنْدَ جَمَاعَةِ الرُّوَاةِ لَهُ عَنْ مَالِكٍ، وَرَوَاهُ أَبُو النَّضْرِ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ العجلي عن مالك، عن إبراهيم ابن أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَلَمْ يَقُلْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ «عَنْ أَبِيهِ» غَيْرُهُ، وَلَيْسَ بِشَيْءٍ".

ورواه البيهقي في «شعب الإيمان» (5/498) (3775) من طريق أَيُّوب بن سُوَيْدٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عن طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً.

فهذه متابعة لمالك عليه، وقد وقع لمالك هكذا مرسلاً، ولهذا لم يجدوا له طريقًا موصولاً عن طلحة مثل الحديث الأول.

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (1/116): "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي فَضْلِ شُهُودِ ذَلِكَ المَوْقِفِ المُبَارَكِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى التَّرْغِيبِ فِي الحَجِّ، وَمَعْنَى هَذَا الحَدِيثِ مَحْفُوظٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ شَهِدَ تِلْكَ الْمَشَاهِدَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَفِيهِ أَنَّ شُهُودَ بَدْرٍ أَفْضَلُ مِنْ كُلِّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ بَعْدَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ نَفْلًا كَانَ أَوْ فَرْضًا؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ كَانَ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَفِيهِ الْخَبَرُ عَنْ حَسَدِ إِبْلِيسَ وَعَدَاوَتِهِ لَعَنَهُ اللَّهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَسُودَ يَجِدُ في ذِلَّةً لِعَدَمِهِ مَا أُوتِيَهُ الْمَحْسُودُ".

ثم ذكر ابن عبدالبر بعض الأحاديث في المغفرة لمن شهد عرفة، ولا يصح منها شيء!

ثم قال: "وَأَهْلُ العِلْمِ مَا زَالُوا يُسَامِحُونَ أَنْفُسَهُمْ فِي رِوَايَةِ الرَّغَائِبِ وَالْفَضَائِلِ عَنْ كُلِّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا كَانُوا يَتَشَدَّدُونَ فِي أَحَادِيثِ الْأَحْكَامِ".

قلت: التسامح في الرواية شيء، والاحتجاج بها شيء آخر، فتنبه.

قال البيهقي في «فضائل الأوقات» (ص: 355): "هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، وَرُوِيَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ضَعِيفٍ عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

وقال في «شعب الإيمان» (5/498) (3776): أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الْحَافِظُ، فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، قَالَ: وَقَدْ كَتَبْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مُتَّصِلًا، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الحَافِظُ، أَخْبَرَنَاهُ عَبْدُاللهِ بنُ وَهْبٍ الدَّيْنُورِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحمّدُ بنُ أَيُّوبَ بنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ.

قلت: كذا رواه محمد بن أيوب بن سويد عن أبيه! وخالفه إِبْرَاهِيمُ بنُ مُنْقِذٍ الخَوْلَانِيُّ، فرواه عن أَيُّوب بن سُوَيْدٍ، عن ابن أَبِي عَبْلَةَ، عن طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، وهو الصواب.

وذكر "أبي الدرداء" فيه وهمٌ من محمد بن أيوب! وهو متروك مُتّهم! وكان يزيد في كتب أبيه!

وأَيُّوب بن سُوَيْد الرَّمْلِي مستور الحال، وأكثر أهل العلم على تضعيفه، وقد اتهمه ابن معين بالسرقة! وهذا فيه نظر! وإنما أُتي في حديثه من سوء حفظه.

قال الدارقطني: "مُحَمَّد بن أَيُّوب بن سُوَيْد الرَّمْلِي، مَتْرُوكٌ، وأبوه يُعْتَبَرُ بِهِ".

وذكر ابن حبان أيوب في «الثقات» (8/125) وقال: "وكَانَ رَدِيء الحِفْظ، يُتقى حَدِيثه من رِوَايَة ابْنه مُحَمَّد بن أَيُّوب عَنهُ؛ لِأَن أخباره إِذا سبرت من غير رِوَايَة ابْنه عَنهُ وجد أَكْثَرهَا مُسْتَقِيمَة".

وقال ابن عدي في «الكامل» (2/227): "ويقع في حديثه ما يوافقه الثقات عليه، ويقع فيه ما لا يوافقونه عليه، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء".

قلت: وهذا الحديث مما وافق الثقات عليه.

ورُوي عن ابن أبي عبلة بإسناد آخر باطل!

رواه ابن قانع في «معجم الصحابة» (2/107) قال: حَدَّثَنَا فَضْلُ بنُ الْحَسَنِ الْأَهْوَازِيُّ، قال: أخبرنا زَيْدُ بنُ الحَرِيشِ الْأَهْوَازِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ الزِّبْرِقَانِ، عَنْ مَرْوَانَ بنِ سَالِمٍ، عَنْ إِبرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرِو بْنِ أُمِّ حَرَامٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا قَطُّ أَصْغَرَ وَلَا أَذَلَّ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ».

قلت: مَرْوَان بن سَالم الجَزرِي ليس بثقة، كان يَضع الحَدِيث.

والمحفوظ عن ابن أبي عبلة، عن طلحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً كما تقدّم.

·       حديث ثان:

وروى طلحة بن عبيدالله بن كَريز أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ وَمَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا»، وهذا مرسلٌ.

رواه مَعمر في «جامعه» [المطبوع مع مصنف عبدالرزاق] (9/38) (21067).

والبخاري في «التاريخ الكبير» (4/347)، والحاكم في «المستدرك» (1/112) (153) من طريق سُفْيَان الثوري.

وابن أبي الدنيا في «مكارم الأخلاق» (ص: 19) (7) من طريق عَبْدالعَزِيزِ بن أَبِي حَازِمٍ.

ثلاثتهم (معمر، وسفيان، وعبدالعزيز) عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ كَرِيزٍ الخُزَاعِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذكره.

قالَ مَعْمَرٌ: وَبَلَغَنِي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يُعْطِي بِحُسْنِ الخُلُقِ دَرَجَةَ القَائِمِ الصَّائِمِ».

·       تعقّب الحاكم!

وكان الحاكم قد أخرج في «مستدركه» (1/111) حديث حَجَّاج بن سُلَيْمَانَ بنِ القَمَرِيِّ، عن أَبي غَسَّانَ المَدَنِيّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مثله.

ثم خرّج حديث أَحْمَد بن يُونُسَ، عن فُضَيْل بن عِيَاضٍ، عن مُحَمَّد بن ثَوْرٍ الصَّنْعَانِيّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، مرفوعاً.

قال الحاكم: "هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادَيْنِ جَمِيعًا، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَحَجَّاجُ بْنُ قَمَرِيٍّ شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، وَلَعَلَّهُمَا أَعْرَضَا عَنْ إِخْرَاجِهِ بِأَنَّ الثَّوْرِيَّ أَعْضَلَهُ".

ثم ساق حديث الثوري، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ كَرِيزٍ الخُزَاعِيِّ، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.

ثم قال: "وهَذَا لَا يُوهِنُ حَدِيثَ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ عَلَى مَا قَدَّمْتُ ذِكْرَهُ مِنْ قَبُولِ الزِّيَادَاتِ مِنَ الثِّقَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قلت: هكذا زعم الحاكم أن حديث سفيان لا يُعلّ حديث ابن القمري، وحديث أحمد بن يونس!

والصواب أنه يُعلهما، فكيف إذا تابع سفيان عليه: معمر، وعبدالعزيز بن أبي حازم؟!

وَحَجَّاجُ بنُ قَمَرِيّ لم يوثقوه كما فعل الحاكم!! بل هو منكر الحديث!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/162) (687): "حجاج بن سليمان بن القمري: روى عن الليث بن سعد. روى عنه محمد بن سلمة المرادي. سألت أبي عن حجاج بن سليمان بن القمرى هذا؟ فقال: هذا شيخ معروف".

ثم ذكر ابن أبي حاتم: "حجاج بن سليمان الرعيني: روى عن ابن لهيعة، روى عنه: يونس بن عبدالأعلى، قيل ذلك لأبي زرعة وسئل عنه؟ فقال: منكر الحديث".

قلت: كذا فرّق بينهما ابن أبي حاتم، وتبعه على ذلك بعض أهل العلم كالدارقطني، والذهبي.

قال الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/316): "ذكر وهم لأبي الْحسن عَليّ بن عمر الدَّارَقُطْنِيّ".

ثم قال: قَالَ أَبُو الحسن الدَّارَقُطْنِيّ فِيمَا حَدثنِي عبيدالله بن أبي الْفَتْح أَنه سَمعه مِنْهُ فِي «تَسْمِيَة الروَاة عَن مَالك بن أنس»: حجاج بن سُلَيْمَان بن أَفْلح الرعيني أَبُو الْأَزْهَر، مصري، وسَاق لَهُ حَدِيثا مُسْندًا عَن مَالك، ثمَّ قَالَ: حجاج بن سُلَيْمَان بن الْقمرِي وسَاق لَهُ حِكَايَة عَن مَالك.

قال الخطيب: "فَوَهم فِي التَّفْرِيق بَين هَاتين الترجمتين؛ لِأَن الْمَذْكُور فيهمَا رجل وَاحِد، وَقد وهم فِيهِ عبدالرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ من قبل كوهم أبي الحسن الدَّارَقُطْنِيّ.."، وذكر كلام ابن أبي حاتم المتقدم.

ثم قال: "وَهَذَا الرجل قد ذكره أَبُو سعيد عبدالرَّحْمَن بن يُونُس ابْن عبدالْأَعْلَى الصَّدَفِي فِي كتاب «تَارِيخ المصريين» الَّذِي ذكر لي أَحْمَد بن مُحَمَّد العتيقي أَنه سَمعه من عَليّ بن أبي سعيد بن يُونُس عَن أَبِيه فَقَالَ: حجاج بن سُلَيْمَان بن أَفْلح الرعيني يكنى أَبَا الْأَزْهَر، يعرف بِابن القمرِي، يُحدّث عَن حَرْمَلَة بن عمرَان، وَمَالك بن أنس، وَاللَّيْث، وَابْن لَهِيعَة، وَفِي حَدِيثه خطأ ومناكير، توفّي فِي السراجين فَجْأَة وَهُوَ على حِمَاره يَوْم السبت لست بَقينَ من جُمَادَى الأولى سنة سبع وَتِسْعين وَمِائَة".

وذكر الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/462) (1737): "حجاج بن سليمان الرعيني، أبو الأزهر"، ثم ذكر (1738): "حجاج بن سليمان المعروف بابن القمري".

فتعقبه ابن حجر في «لسان الميزان» (2/562) قال: "وقد أوهم سياق المؤلف أنهما اثنان وليس كذلك بل واحد. وقد أورد ابن عَدِي هذين الحديثين في ترجمة الرعيني وقال: إنه يعرف بابن القمري".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (8/202) (12985) وقال: "حجاج بن سُلَيْمَان الرعيني من أهل مصر، يروي عَن ابن لَهِيعَة، روى عَنهُ: يُونُس بن عبدالْأَعْلَى الصَّدَفِي. يُعْتَبر بحَديثه إِذا روى عَن الثِّقَات".

وأورده ابن عدي في «الضعفاء» (3/301) وقال: "يُحدِّث عن الليث، وابن لَهِيعَة أحاديث منكرة".

قلت: وهذا الحديث من مناكيره! خالف فيه المحفوظ عن أبي حازم! فرواه عن أَبي غَسَّانَ المَدَنِيّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، عن النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فوهم في ذلك.

والمحفوظ عن معمر كما رواه عبدالرزاق، وقد تفرد أحمد بن يونس بإسناده هكذا: عن فُضَيْل بن عِيَاضٍ، عن مُحَمَّد بن ثَوْرٍ الصَّنْعَانِيّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بنِ سَعْدٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم!!

وأحمد بن يونس هو: أَحْمَد بن عَبداللَّهِ بن يونس أَبُو عَبْداللَّهِ الكوفي من الأئمة الثقات، وقد وهم في هذا الحديث!

فالصواب عن أبي حازم عن طلحة، مرسلاً، ووهم من رواه عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، والظاهر أن من رواه هكذا سلك فيه الجادة: "أبو حازم، عن سهل بن سعد"!

·       زيادة خطأ عند ابن عساكر من تاريخ البخاري!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/347) (3081): "طلحة بن عبيد الله بْن كريز الخزاعي المَدَنِيّ: سَمِعَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ.

حدثني بشر: أخبرنا عبدالله: أخبرنا سُفْيَانَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ كُرَيْزٍ الخُزَاعِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ".

ونقله ابن عساكر في «تاريخه» (25/127) وزاد: "وقال موسى: حدثنا حِبَّانُ بنُ يَسَارٍ: حدثنا طلحة بن عبيدالله بن كريز الخزاعي: حدثتني أم الدرداء أنه دخل عليها بالشام فقالت: كان أبو الدرداء يقوله".

قلت: حصل هنا خلط! ولا أدري هل هو من نسخ كتاب ابن عساكر أم هو من ابن عساكر نفسه!!

فهذه الزيادة ذكرها البخاري في ترجمة أخرى في حديث آخر!

قال البخاري في «تاريخه» (3/88) (307): "حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ أَخُو مَنْدَلٍ العنزِيِّ أَبُو عَلِيٍّ الْكُوفيُّ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَهُمْ.

وَقال مُحَمَّدُ بْنُ صَبَّاحٍ: حدثنا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ الْعنزِيُّ: حدثنا سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قالتِ الْمَلائِكَةُ: وَلَكَ بِمِثْلِ.

وَقال أُمَيَّةُ: حدثنا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ رَوْحٍ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقال مُوسَى: حدثنا حبان بن يَسَارٍ قَالَ: حدثنا طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ الْخُزَاعِيُّ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا بِالشَّامِ فَقالتْ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُهُ. وَقال النَّضْرُ...".

فتبين أن ما ذكره ابن عساكر في ترجمة «طلحة بن عبيدالله» عند حديث الكرم ليس بصحيح! وإنما ذكر البخاري هذا القول في ترجمة «حبان بن علي» في حديث الدعاء للأخ بظهر الغيب.

وكأنه التبس على ابن عساكر أو ربما النسّاخ لوجود «حبان بن يسار» - وقد تحرفت في المطبوع إلى حسّان - مع ذكر البخاري لها في ترجمة «حبان بن علي»! والله أعلم.

·       حديث ثالث:

وروى ابن المبارك في كتاب «الزهد» (1/252) (723) عن مُحَمَّد بن سُوقَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ كَرِيزٍ قَالَ: "مَا تَحَابَّ مُتَحَابَّانِ فِي اللَّهِ إِلَّا كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللَّهِ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ، وَإِنَّ مِمَّا لَا يُرَدُّ مِنَ الدُّعَاءِ دُعَاءَ المَرْءِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، وَمَا دَعَا لَهُ بِخَيْرٍ إِلَّا قَالَ المَلَكُ المُوَكَّلُ: وَلَكَ مِثْلُهُ".

قلت: هذا من قول طلحة، وهو يُبين لنا عنايته بالزهد والعبادة.

وقد روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (5/267) (5279) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ البَرَاءِ قَالَ: حدثنَا المُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حدثنَا مُوسَى بنُ أَعْيَنَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ سُوقَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ كُرَيْزٍ - وَكَانَ جَلِيسَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ - يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءِ، تَرْفَعُهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ، إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، يَرْفَعْهُ أَبُو الدَّرْدَاءِ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ إِلَّا كَانَ أَحَبُّهُمَا إِلَى اللَّهِ أَشَدَّهُمَا حُبًّا لِصَاحِبِهِ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ إِلَّا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ"!

قلت: بل تابعه عليه: أصبغُ بن محمد بن عمرو الرقيّ ابن أخي عُبيدالله بن عمرو.

رواه ابن شاهين في «الترغيب في فضائل الأعمال وثواب ذلك» (ص: 142) (495) من طريق عَمْرو بن عُثْمَانَ الكِلَابِيُّ، قال: حدثنا أَصْبَغُ بنُ مُحَمَّدٍ الرَّقِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ، به.

فقد تفرد به جعفر بن برقان، وقد وثقه ابن معين، وأحمد، والعجلي، وغيرهم.

وقال الساجي: "عنده مناكير".

وذكره العقيلي وأبو القاسم البلخي في جملة «الضعفاء».

وقد وهم في هذا الحديث، والصواب عن محمد بن سوقة، عن طلحة، قوله كما رواه ابن المبارك عن محمد بن سوقة.

والشطر الثاني من الحديث رُوي عن طلحة مسنداً، واختلف فيه بين الرفع والوقف!

رواه مسلمٌ في «صحيحه» (4/2094) (2732) قال: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ الوَكِيعِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ».

قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بنُ شُمَيْلٍ، قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ سَرْوَانَ المُعَلِّمُ، قال: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللهِ بنِ كَرِيزٍ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ، قَالَتْ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ، وَلَكَ بِمِثْلٍ».

قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ - وهُوَ ابْنُ عَبْدِاللهِ بْنِ صَفْوَانَ، وَكَانَتْ تَحْتَهُ الدَّرْدَاءُ -، قَالَ: قَدِمْتُ الشَّامَ، فَأَتَيْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فِي مَنْزِلِهِ، فَلَمْ أَجِدْهُ وَوَجَدْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَقَالَتْ: أَتُرِيدُ الحَجَّ الْعَامَ، فَقُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: فَادْعُ اللهَ لَنَا بِخَيْرٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ». قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى السُّوقِ فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذَلِكَ يَرْوِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قلت: بدأ مسلم برواية فُضيل بن غَزوان، ثم ثنّى برواية موسى المعلم، كلاهما عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم ختم برواية صَفْوَان بن عَبْدِاللهِ بنِ صَفْوَانَ زوج الدرداء، عن أبي الدرداء، عن عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

فمسلم خرّج المرفوع عن طلحة، ثم ساق قصة صفوان ليدلل على صحة المرفوع.

لكن البخاري أشار إلى الاختلاف في هذا الحديث في ترجمة «حِبان بن عليّ العنزي الكوفي» في «التاريخ الكبير» (3/88).

قال حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ العنزِيُّ: حدثنا سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَعَا لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ قالتِ الْمَلائِكَةُ: وَلَكَ بِمِثْلِ».

وقال رَوْح بن القاسم عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ طَلْحَةَ الخُزَاعِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقال حبان بن يَسَارٍ: حدثنا طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ الخُزَاعِيُّ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ الدَّرْدَاءِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهَا بِالشَّامِ فَقالتْ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُهُ.

وقال مُوسَى بن ثَرْوَانَ: حدثنا طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ: سَمِعَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ: حَدَّثَنِي سَيِّدِي، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَقَالَ ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقَالَ عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي سُلَيْمَان، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بن صَفْوَانَ: سَمِعَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فذكر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقال أَبُو مَكِينٍ نُوحُ بنُ رَبِيعَةَ: حدثنا عَوْنُ بنُ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: حَدَّثَتْنَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ - قَوْله.

قلت: بيّن البخاري أولاً وهم حبان بن عليّ فيه وسلوكه الجادة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، مرفوعاً.

وخالفه رَوْح بن القاسم، فرواه عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ طَلْحَةَ الخُزَاعِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، مرفوعاً.

ثم بيّن مخالفة حبان بن يَسَارٍ رواه عن طَلْحَة بن عُبَيْدِاللَّهِ، عن أُمّ الدَّرْدَاءِ، عن أَبي الدَّرْدَاءِ، قوله = موقوفاً.

ثم مخالفة مُوسَى بن ثَرْوَانَ - أو سروان - وفُضَيْلٍ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، مرفوعاً.

ثم رواية عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي سُلَيْمَان، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بن صَفْوَانَ، عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فذكر عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم رواية عَوْن بن عَبْدِاللَّهِ، عن أُمّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ - قَوْله.

قلت: فالإمام مسلم اقتصر على رواية المرفوع وصححه، لكن الإمام البخاري لم يخرجه في «صحيحه» للاختلاف في رفعه ووقفه، لكنه كعادته في الأحاديث المختلف فيها، فإنه لا يخرجها في «الصحيح» لكنه يخرج بعضها في «الأدب المفرد» وغيره مما لا يشترط فيه الصحة، وفي البال جمع الأحاديث التي أشار البخاري إلى الاختلاف فيها في «التاريخ الكبير» وخرجها في كتاب «الأدب»، يسر الله لنا ذلك بمنّه وكرمه.

وقد بين الدارقطني أيضاً الاختلاف في أسانيد هذا الحديث، فقال في «العلل» (6/226) (1092): "يَرْوِيهِ طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ بنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فِي رَفْعِهِ، فَرَوَاهُ فُضَيْلُ بنُ غَزْوَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ - وَاخْتُلِفَ عَنْهُ -؛ ومُوسَى بنُ ثَرْوَانَ المُعَلِّمُ، عَنْ طَلْحَةَ، فَرَفَعُوهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِلَّا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سُوقَةَ رَوَاهُ عَنْهُ الوَلِيدُ بنُ أَبِي ثَوْرٍ وعيسى بنُ يُونُسَ مَوْقُوفًا. وَرَفَعَهُ عَنْهُ: جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ، ومُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَلَى اخْتِلَافِ عَنْهُ.

ورَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، قَوْلَهَا، لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ.

وَرَوَاهُ ابنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ طَلْحَةَ، قَوْلَهُ، لَمْ يُجَاوِزْ بِهِ.

وَرَوَاهُ سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ أبَا الدَّرْدَاءِ، وَرَفَعَهُ، حَدَّثَ بِهِ رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ، عَنْ سُهَيْلٍ.

وَخَالَفَهُ حِبَّانُ بنُ عَلِيٍّ، فَرَوَاهُ عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَهِمَ.

وَرَوَاهُ عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ، وكَهْمَسُ بنُ الحَسَنِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللَّهِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا، والمَوْقُوفُ أَثْبَتُ فِي رواية طلحة.

وقَدْ روي هَذَا الحَدِيثَ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِالمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عبداللَّهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم".

وقال في موضع آخر من «العلل» (13/311) (3190): "يرويه فضيل بن غزوان، وموسى بن ثروان المعلم، وسهيل بن أبي صالح، عن طلحة بن عبيدالله بن كريز، عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سوقة، عن طلحة بن كريز، واختلف عنه: فرواه جعفر بن نوفل، عن محمد بن سوقة، موقوفاً.

ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري، عن طلحة بن كَريز، عن أم الدرداء ولم يبلغ به أبا الدرداء، ولا رفعه.

وقد روي هذا الحديث عن أبي الدرداء من وجه آخر صحيح.

وَرَوَاهُ عَبْدُالمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ أبي الزبير، عن صفوان بن عبدالله بن صفوان، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، ورفعه صحيح".

قلت: الدارقطني رجح الوقف في الرواية عن طلحة بن عبيدالله، لكن صحح المرفوع من الطرق الآخر!

فحديث طلحة بن عبيدالله الصواب فيه الوقف كما رواه جماعة من الثقات عنه، ورواية من رفعه في بعضهم بعض الكلام، وروايتهم لا تقف أمام رواية من وقفه.

وقد رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (15/86) (29770) عن عَبِيدَة بن حُمَيْدٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ طَلْحَةَ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ قَالَتْ: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ وَهُوَ غَائِبٌ لاَ تُرَدُ، قَالَ: وَقَالَتْ: إِلَى جَنْبِهِ مَلَكٌ لاَ يَدْعُو لَهُ بِخَيْرٍ إِلاَّ قَالَ الْمَلَكُ: آمين وَلَكَ».

ورواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» [ط. الخانجي] (4/356) (5644) قال: أَخبَرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي، قال: حَدَّثَنَا عبدالواحد بن زياد، قال: حَدَّثَنَا عاصم الأحول، قال: حَدَّثَنَا طلحة بن عُبيدالله بن كَريز، قال: حدثتنا أم الدرداء قالت: كان أبو الدرداء إذا فرغ من صلاته بالليل دعا لإخوانه، قال: «اللهم اغفر لي ولفلان وفلان، قالت أم الدرداء فقلت له: لو كان هذا الدعاء لك أو قالت لنفسك أليس كان خيرًا؟ قال: إن الملائكة تُؤمّن على دعاء الرجل إذا دعا لأخيه بظهر الغيب، تقول: آمين، ولك بمِثِلٍ، فرغبت في تأمين الملائكة».

قلت: فهذه الرواية فيها أيضاً قصة تدلّ على أن الحديث من كلام أبي الدرداء، ولو كان عنده مرفوعاً لذكره.

وأما رواية عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي سُلَيْمَان، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بن صَفْوَانَ، فقد تفرد بها عبدالملك عن أبي الزبير!

وعبدالملك بن أبي سليمان العرزَمي الكوفي ثقة، وقد استنكر عليه أحمد حديث الشفعة، وقد قال يحيى القطان فيه أنه كان يصل بعض الأحاديث المنقطعة، وكان يقطع بعض الأحاديث المتصلة.

روى ذلك العقيلي في «الضعفاء» (3/32) من طريق أَبي بَكْرِ بن خَلَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى يَقُول: "كان عَبْدُالمَلِكِ بنُ أَبِي سُلَيْمَانَ فِيهِ شَيْءٌ: مُقَطَّعٌ يُوصِلُهُ، وَمُوصَلٌ يَقْطَعُهُ".

ويبدو أن هذا الحديث مما أشار إليه القطان، فالحديث موقوف، وقد رفعه! وأصل القصة التي ساقها عن أبي الزبير عن صفوان بن عبدالله صحيحة لا نستطيع إنكارها، لكن المشكلة في رفع الحديث، فكأنه وهم - رحمه الله - في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو موقوف على أبي الدرداء، والله أعلم.

فالمحفوظ: عن أُمّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءَ - قَوْله، كما رواه عنها: عَوْنُ بنُ عَبْدِاللَّهِ بن عتبة بن مسعود، وطلحة بن عبيدالله بن كّريز.

ورواية عون وطلحة أرجح من رواية عبدالملك عن أبي الزبير عن صفوان!

قال الإمام أبو بكر البرقاني: "وهذه أم الدرداء الصغرى التي روت هذا الحديث وليس لها صحبة ولا سماع من النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما هو من مسند أبي الدرداء، وأما أم الدرداء الكبرى فلها صحبة، وليس لها في الكتابين حديث - والله أعلم" [تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف للمزي (13/78)].

فمراسيل طلحة بن عُبيدالله بن كَريز وأمثاله - وإن كانوا من الثقات - لا يُحتج بها لما عرف من حالهم في العبادة والزهد، وروايتهم الأحاديث في هذا الباب عن كل أحد وإرسالها دون إسنادها!

·       حكم حديث دعاء عرفة:

وقد اتفق أهل الحديث على أن حديث دعاء عرفة مرسل.

قال البيهقي في «السنن الكبرى» (5/190): "هَذَا مُرْسَلٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مَوْصُولًا، وَوَصْلُهُ ضَعِيفٌ".

وقال في «فضائل الأوقات» (ص: 367): "هَذَا مُرْسَلٌ حَسَنٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ مَوْصُولًا بِإِسْنَادٍ آخَرَ فَوَصْلُهُ ضَعِيفٌ".

وقال في «الدعوات الكبير» (2/158): "وهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ مَوْصُولًا وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَالمُرْسَلُ هُوَ المَحْفُوظُ".

·       رواية موصولة وهي خطأ!

قلت: الذي وصله عن مالك هو: عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى المَدَنِيُّ.

ذكره ابن عدي في «الكامل» (7/155) وقال: "حدّث عن الثقات بالمناكير".

ثم ساق له هذا الحديث عن مَالِك بن أَنَسٍ، عَنْ سُمَيٍّ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ قَوْلِي وَقَوْلِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

قال ابن عدي: "وهذا منكر عن مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة، لا يرويه عنه غير عَبدالرحمن بن يَحيي هذا، وعَبدالرحمن غير معروف. وهذا الحديث في الموطأ عن زياد بن أبي زياد، عن طلحة بن عُبيدالله بن كريز، عن النبي عليه السلام، مرسلاً".

ورواه البيهقي في «شُعب الإيمان» (5/500) (3778) وقال: "هَكَذَا رَوَاهُ عَبْدالرَّحْمَنِ بنُ يَحْيَى، وغَلَطَ فِيهِ، إِنَّمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي المُوَطَّأِ مُرْسَلًا".

وقال ابن عساكر في جزء «فضل يوم عرفة» (ص: 158): "تفرَّد بوصله عبدالرحمن، وهو مرسلٌ في الموطأ".

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (6/39): "لا خِلَافَ عَنْ مَالِكٍ فِي إِرْسَالِ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا رَأَيْتَ، وَلَا أَحْفَظُهُ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مُسْنَدًا مِنْ وَجْهٍ يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ، وَقَدْ جَاءَ مُسْنَدًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاصِ، فَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَإِنَّهُ يَدُورُ عَلَى دِينَارٍ أَبِي عَمْرٍو عَنِ ابْنِ الحَنَفِيَّةِ وَلَيْسَ دِينَارٌ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِهِ، وَحَدِيثُ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وليس دون عمرو مَنْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيهِ".

وقال الحافظ ابن حجر في «التلخيص» (2/547): "مَالِكٌ فِي المُوَطَّأِ مِنْ حَدِيثِ طَلْحَةَ بنِ عبيداللَّهِ بنِ كُرَيْزٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ – مُرْسَلًا، وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مَوْصُولًا، ذَكَرَهُ البَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ، وَكَذَا ابْنُ عَبْدِالْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى مَوْصُولَةٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ بِلَفْظِ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ» الحَدِيثُ، وَفِي إسْنَادِهِ حَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَرَوَاهُ الْعُقَيْلِيُّ فِي الضُّعَفَاءِ مِنْ حَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: «أَفْضَلُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» الحَدِيثَ، وَفِي إسْنَادِهِ فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، قَالَ الْبُخَارِيُّ مُنْكَرُ الحَدِيثِ، وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمَنَاسِكِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ نَحْوَ هَذَا وَفِي إسْنَادِهِ قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ".

·       توهيم ولي الدين العراقي للنووي! وهو الواهم!

وقال أبو زرعة العراقي في «تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل» (ص: 159): "طَلْحَة بن عبيدالله بن كريز - بِفَتْح الْكَاف - الخُزَاعِيّ: تَابِعِيّ، روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيث الدُّعَاء بعرفه، وَهُوَ مُرْسل، وَظن النووى فِي مَنَاسِكه أنه طَلْحَة بن عبيدالله أحد العشْرَة فَصرحَ بذلك، وَهُوَ وهم".

قلت: لم يَهم النووي، بل هو نبّه على أنه كان لا بدّ للمصنف من بيان اسم راويه لئلا يختلط بطلحة أحد العشرة.

قال الشيرازي في «المهذب في فقه الإمام الشافعي» (1/411): "ويستحب الإكثار من الدعاء، وأفضله: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لما روى طلحة بن عبيدالله: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له»".

قال النووي في «المجموع شرح المهذب» (8/95): "وأَمَّا حَدِيثُ «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ يَوْمَ عَرَفَةَ» فَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي المُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عبيدالله ابن كَرِيزٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَآخِرُهُ زَايٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ»، هَكَذَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي «المُوَطَّأِ»، وَهُوَ آخِرُ حَدِيثٍ فِي كِتَابِ الحَجِّ مِنْ «الْمُوَطَّأِ»، وَهُوَ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّ طَلْحَةَ هَذَا تَابِعِيٌّ خُزَاعِيٌّ كُوفِيٌّ، وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ: لِمَا رَوَى طَلْحَةُ بنُ عُبَيْدِاللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهُ طلحة بن عبيدالله التميمي أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودُ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ".

والحديث صححه الألباني في «صحيحته» (1503) بمجموع الطرق كعادته في تصحيح الضعيف بالطرق الواهية!

فالحديث مرسل، وهو ضعيف!

·       هل ما ذكره رَزين من زيادة من هذا الحديث؟!

وهناك زيادة في الحديث لم يذكرها مالك في «الموطأ»، ذكرها رَزين بن معاوية العبدري الأندلسي (ت535 هـ) في كتابه «تجريد الصحاح الستة في الحديث = الموطأ، والبخاري، ومسلم، وأبو داود والترمذي، والنسائي».

ذكره ابن الأثير في «جامع الأصول» (9/264) (6867): "(ط) طلحة بن عبيدالله بن كريز: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضلُ الأيام يومُ عرفة إذا وافقَ يوم جُمُعَة وهو أفضل من سبعين حَجَّة في غير يومِ جُمُعة، وأفْضَلُ الدُّعاءِ: دُعَاءُ يومِ عَرَفَةَ، وأفضلَ ما قلتُ أنا والنّبيُّون من قبلي: لا إله إلا الله وحدَه لا شَريكَ له». أخرج «الموطأ» من قوله «أفضل»، والحديث بطوله ذكره رَزين".

ورزين العبدري زاد بعض الأحاديث على الأصول التي اعتمدها في كتابه، فربما وقف على حديث طلحة وفيه هذه الزيادة، وهي تشبه المراسيل.

فإن صحت هذه الزيادة في حديث طلحة فهي منكرة، وهذا يؤيد ضعّف الحديث، وهكذا تكون المراسيل المنكرة!

قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (8/271): "وأَمَّا مَا ذَكَرَهُ رَزِينٌ فِي «جَامِعِهِ» مَرْفُوعًا: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَافَقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ حَجَّةٍ فِي غَيْرِهَا»، فَهُوَ حَدِيثٌ لَا أَعْرِفُ حَالَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ صَحَابِيَّهُ، وَلَا مَنْ أَخْرَجَهُ، بَلْ أَدْرَجَهُ فِي حَدِيثِ المُوَطَّأِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُرْسَلًا عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبيداللَّهِ بْنِ كَريز، وَلَيْسَتِ الزِّيَادَةُ المَذْكُورَةُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْمُوَطَّآتِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ احْتَمَلَ أَنْ يُرَادَ بِالسَّبْعِينَ التَّحْدِيدُ أَوِ الْمُبَالَغَةُ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فَثَبَتَتِ المزية بذلك، وَالله أعلم".

وقال السخاوي في «الأجوبة المرضية فيما سئل عنه من الأحاديث النبوية» (3/1127): "ذكر رزين في جامعه في المرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة إذا وافق يوم جمعة وهو أفضل من سبعين حجة في غيرها»، وهذا شيء انفرد رزين بإيراده، ولم يذكر صحابيه ولا من خرجه، والله أعلم. فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة، وعلى كل حال فتثبت المزيد بذلك، سيما وقد استدل باتفاق كون يوم عرفه في حجة الوداع يوم الجمعة على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام وأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع لما ثبت في صحيح مسلم مرفوعًا: خير يوم طلعت فيه...".

وقال الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي في جزء «فضل يوم عرفة» (ص: 164): "حديث: وقفة الجمعة يوم عرفة: أنها تعدل اثنتين وسبعين حجة، حديث باطل لا يصح".

فهذه الزيادة: «أفضلُ الايام يومُ عَرَفة إذا وَافقَ يَومَ جُمعةٍ وهو أفْضلُ مِنْ سَبْعين حجة في غيرِ يَومِ جُمْعةٍ» لم يخرجها الإمام مالك في «موطئه»! فإن صحّ أن رزيناً وقف عليها من رواية طلحة هذه، فهو حديث منكر!

·       هل تُقبل مراسيل مالك مطلقاً، ويُحتج بها؟!

وقد يحتج بعضهم بأن هذا الحديث وإن كان مرسلاً فيحتج به؛ لأن مراسيل مالك من أقوى المرسلات، وقد قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (24/220): "مَرَاسِيلَ مَالِكٍ أُصُولُهَا صِحَاحٌ كُلُّهَا"؟!

أقول: هذا الإطلاق من ابن عبدالبر فيه نظر! فلو كانت كل مراسيل مالك أصولها صحاح، فلم لم يذكر لنا الأصل الصحيح لهذا المرسل؟!

فهو - رحمه الله - لم يجد شيئاً ليذكره هنا، وهذه العبارة قالها في مواضع أخرى وجد فيها بعض الأصول الصحيحة لبعض مراسيل مالك.

وتفضيل بعض أهل النقد لمراسيل مالك على غيره لا يعني الاحتجاج بها مطلقاً! وهذا التفضيل إنما يكون في مقابل شيء آخر.

قال علي بن المديني: سمعت يحيى بنَ سَعِيدٍ القطان يَقُولُ: "مُرْسَلُ مَالِكٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ مُرْسَلِ سُفْيَانَ". [المعرفة والتاريخ (1/686)].

فيحيى هنا يفضل مرسل مالك على مرسل سفيان؛ لأن مرسل سفيان مثل الريح لا يحتج بشيء منه، فمرسل مالك أفضل من مرسله.

وقَالَ ابن المديني: سمعت يَحْيَى يقول: "مُرْسَلَاتُ ابْنِ عُيَيْنَةَ شِبْهُ الرِّيحِ"، ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: "إِي وَاللَّهِ وَسُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ".

قُلْتُ لِيَحْيَى: فَمُرْسَلَاتُ مَالِكِ بنِ أَنَسٍ؟ قَالَ: "هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ"، ثُمَّ قَالَ يَحْيَى: "لَيْسَ فِي القَوْمِ أَصَحُّ حَدِيثًا مِنْ مَالِكٍ".

قلت: قول القطان: "ليس في القوم أصح حديثاً من مالك" لا يعني الاحتجاج مطلقاً فيما يرويه من مراسيل، وإنما هو يقصد أن حديثه المرسل أصح من هؤلاء الذين ذكرهم: ابن عيينة، والثوري، وكان قال قبلهما: "مُرْسَلَاتُ أَبِي إِسْحَاقَ عِنْدِي شِبْهُ لَا شَيْءٍ، وَالْأَعْمَشِ، وَالتَّيْمِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ".

وقد عقّب الخطيب البغدادي بعد أن نقل كل هذا في «الكفاية» (ص: 387): "والَّذِي نَخْتَارُهُ مِنْ هَذِهِ الجُمْلَةِ سُقُوطُ فَرْضِ العَمَلِ بِالْمَرَاسِيلِ، وَأَنَّ الْمُرْسَلَ غَيْرُ مَقْبُولٍ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ إِرْسَالَ الْحَدِيثِ يُؤَدِّي إِلَى الْجَهْلِ بِعَيْنِ رَاوِيهِ، وَيَسْتَحِيلُ الْعِلْمُ بِعَدَالَتِهِ مَعَ الْجَهْلِ بِعَيْنِهِ".

قال الجديع في «تحرير علوم الحديث»: "فمن قوى مراسيل مالك بن أنس، وهي معضلات إذا كانت مما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك من جهة أن التتبع دلّ على قوتها مع ما عرف عن مالك من التحري، كالشأن في بلاغاته في «الموطأ»، على أنه مع ذلك وجد فيها ما لم يوقف له على أصل".

قلت: وهذا الحديث المرسل من هذه التي لم يوقف له على أصل.

وقد احتج بعض أهل العلم بالمراسيل، وذلك من باب أنها أفضل من رأي الرجال، مع احتمال أنها قد تكون مسندة لكن لم يقفوا لها على إسناد!

قال أبو داود السجستاني: "أما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى، مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها".

قلت: الشروط التي وضعها الإمام الشافعي في الاحتجاج بالمرسل إنما هو للرد على احتجاج الإمام مالك بالمرسل.

والذي عليه أهل النقد أن المرسل ضعيف.

وكان سفيان بن عُيينة يذهب للعمل بهذا الحديث المرسل.

روى الدينوري في «المجالسة وجواهر العلم» (1/339) (48) من طريق الحُمَيْدِيّ، قال: حدثنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ يَوْمًا بِحَدِيثِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي يَوْمَ عَرَفَةَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ». فَقِيلَ لِسُفْيَانَ بنِ عُيَيْنَةَ: يَشْتَغِلُ الْإِنْسَانُ بِهَذَا عَنِ المَسْأَلَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.

وإرشاد ابن عيينة للاشتغال به في عرفة اجتهاد منه - رحمه الله - لعِظم كلمة التوحيد، وليس معناه تصحيحه له.

وهذا الحديث: «أفضل مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» كأنه مأخوذ مما هو محفوظ عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ. لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ».

رواه البخاري في «صحيحه» من حديث سَالِم بن عَبْدِ اللَّهِ، ونَافِعٌ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا رجع من غزوٍ أو حجّ أو عمرة قاله.

ورواه مسلم في «صحيحه» من حديث نافع عن ابن عمر أيضاً.

فلعل بعضهم كان يقوله في عرفة، ووصل لطلحة بن عبيدالله بن كريز أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوله في عرفة فرواه مرسلاً، والصواب ما رواه سالم ونافع عن ابن عمر.

·       هل كان ابن عمر يدعو بهذا الذِّكر في عرفة؟

وقد رُوي أن ابن عمر كان يدعو بهذا الذكر في عرفة.

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8/629) (15364)، و(15/327) (30274) عن جَرِير بن عبدالحميد، عَنْ مَنْصُور بن المُعتمر، عَنْ هِلاَل بن يَساف، عَنْ أَبِي شُعْبَةَ، قَالَ: "كُنْتُ بِجَنْبِ ابنِ عُمَرَ بِعَرَفَةَ، وَإِنَّ رُكْبَتِي لَتَمَسَّ رُكْبَتَهُ، أَوْ فَخِذِي تَمَسَّ فَخِذَهُ، فَمَا سَمِعْتُهُ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الكَلِمَاتِ: «لاَ إلَهَ لاَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، حَتَّى أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ إلَى جَمْعٍ".

ورواه أبو أحمد الحاكم في «الأسامي والكنى» (4/231) (3292) عن أبي العباس الثَّقَفِي - مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ بنِ إِبْرَاهِيْمَ بنِ مِهْرَانَ السَّرَّاج الخُرَاسَانِيّ -، عن مُحَمَّدِ بنِ الصَّبَّاحِ الجَرْجرَائِيِّ، عن جَرِير، عن مَنصُور، عن هِلاَل بن يَساف، عن أبي شُعبَة، رجل من أهل البَصرَة، قال: "صحبت عبدالله بن عُمَر في الطواف، فكان إذا انتهى إلى الركن اليَمانِي قال: «لا إله إلا الله وحده لا شَرِيك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير»، فلا يزال يقول ذلك حَتَّى يبلغ الحجر الأَسوَد".

قلت: الحديث يرويه ابن أبي شيبة ومحمد بن الصباح عن جرير، لكن ابن أبي شيبة ذكر بأن ابن عمر كان يقول ذلك في عرفة، وابن الصباح ذكر أنه كان يقول ذلك في الطواف إذا انتهى إلى الركن اليماني!!

فيُحتمل أنه كان يقول هذا في كلا الموضعين، فحدّث جرير مرة بهذا ومرة بهذا، وهذا أولى من الترجيح، إذ الترجيح صعب هنا، والله أعلم.

وأبو شُعبَة هذا رجلٌ من أهل البَصرَة لا يُعرف إلا في هذا الأثر، وقد ترجم له أصحاب الكتب من خلال هذه الرواية.

وذكر أبو أحمد الحاكم بعده (3293): "أبو شُعبَة: رأى الحَسَن، والحُسَين. رَوَى عنه: أبو بَكر لَيث بن أبي سُلَيم القُرَشِي، وأبو مُعاوِيَة عَمار بن مُعاوِيَة الدُّهنِي.

إن لم يكن هذا الَّذِي أخرجته قبل هذا، فلا أدري من هو؟

أخبرنا أبو جَعفَر محمد بن الحُسَين الخَثعَمِي، قال: حدثنا إِسماعِيل بن مُوسى الفَزارِي، أخبرنا شَرِيك، عن عَمار الدُّهنِي، عن أبي شُعبَة، قال: رأيت الحَسَن والحُسَين طافا بعد العصر وصليا" انتهى.

قلت: فرّق بينهما مع احتمالية أن يكون هذا الذي رأى الحسن والحسين هو نفسه الذي رأى ابن عمر!

وجمع بينهما ابن مَنده، فقال في «فتح الباب في الكنى والألقاب» (ص: 420) (3790): "أَبُو شُعْبَة البكْرِيّ، من أهل البَصْرَة. حدّث عَن: الحسن، والحُسَيْن، وَابْن عمر - رَضِي الله عَنْهُم -. روى عَنهُ: عمّار الدهني، وهلال بن يسَاف".

قلت: قد يكون واحدا، وقد يكونا اثنين! لكن تبقى فيه جهالة، وقد خولف في متن الحديث إذ قال فيه أن ابن عمر التزم هذا الذكر حتى أفاض من عرفة إلى جمع، وهناك من روى أنه لم يكتف بهذا فقط، بل كان يدعو بدعاء آخر!

رواه الطبراني في «الدعاء» (ص: 274) (878) عن عَلِيّ بن عَبْدِالعَزِيزِ البغويّ، عن حَجَّاج بن المِنْهَالِ، عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ الحَارِثِ الأنصاري البصري: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اهْدِنَا بِالْهُدَى، وَزَيِّنَّا بِالتَّقْوَى، وَاغْفِرْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى»، ثُمَّ يَخْفِضُ صَوْتَهُ ثُمَّ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ وَعَطَائِكَ رِزْقًا طَيِّبًا مُبَارَكًا، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَ بِالدُّعَاءِ، وَقَضَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ بِالِاسْتِجَابَةِ، وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ وَعْدَكَ، وَلَا تَكْذِبُ عَهْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا أَحْبَبْتَ مِنْ خَيْرٍ فَحَبِّبْهُ إِلَيْنَا وَيَسِّرْهُ لَنَا، وَمَا كَرِهْتَ مِنْ شَيْءٍ فَكَرِّهْهُ إِلَيْنَا وَجَنِّبْنَاهُ، وَلَا تَنْزِعْ عَنَّا الْإِسْلَامَ بَعْدَ إِذْ أَعْطَيْتَنَا».

قلت: وهذا إسناد صحيح.

والحاصل أن ابن عمر كان يدعو بهذا الذكر وغيره من الدعاء، ولا يرفع ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان يتخيّر من الذكر والدعاء ما يشاء، وهذا ما رُوي عن ابنه سالم، ولو كان هناك شيء مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم لذكروه.

روى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8/629) (15365) عن حُمَيْد بن عبدالرحمن الرؤاسيّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ السَّائِبِ الطائفيّ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي عاصِمٍ الثقفيّ، قَالَ: «وَقَفْت مَعَ سَالِمِ بنِ عَبْدِ اللهِ بِعَرَفَةَ أَنْظُرُ كَيْفَ يَصْنَعُ، فَكَانَ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ حَتَّى أَفَاضَ النَّاسُ».

والخلاصة أن الحديث لم يثبت مرفوعاً، وإنما هو مرسلٌ، وقد عمل به سفيان بن عيينة، ودعا به ابن عمر مع أدعية أخرى.

·       مرسل المُطَّلِب بن عبدالله بن حَنْطَبٍ المَخْزُومِيّ:

وللحديث طريق آخر مرسل من مراسيل المطلب بن حَنطب:

رواه علي بن حجر السعدي في «حديثه» (ص: 429) (369) عن إسماعيل بن جعفر المدني.

والإمام الحافظ أبو القاسم الأصبهاني المعروف بقَوام السنة في «الترغيب والترهيب» (3/271) (2509) من طريق عبدالعزيز بن مُحَمَّد الدَّراوَرْدِيّ المدني.

كلاهما (إسماعيل، والدراوردي) عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن المطلب بن عَبداللَّهِ بن حنطب المخزومي المدني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وإن أفضل ما أقول أنا وما قال النبيون من قبلي: لا إله إلا الله».

وهذا إسناد مدنيّ مرسل أيضاً؛ فالمطلب ثقة لكنه كثير الإرسال عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كثير من الصحابة.

قَال ابن سعد في «الطبقات» (5/332): "كان كثير الحديث، وليس يحتج بحديثه؛ لأنه يرسل عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كثيراً، وليس لَهُ لقي، وعامة أصحابه يُدلسون".

وطلحة بن عبيدالله بن كريز والمطلب تقريباً من الطبقة نفسها على اختلاف بين أهل العلم في تصنيفهما في أيهما أقدم طبقة.

فقد ذكر ابن سعد طلحة في الطَّبَقَة الثَّانية مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنَ التَّابِعِينَ، وذكر المطلب في الطَّبَقَة الثَّالِثَة مِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مِنَ التَّابِعِينَ.

وذكر الذهبي في «تاريخه» (3/314) المطَّلِب في طبقة وفيات سنة (111 - 120هـ)، وذكر (3/435) طَلْحَة في طبقة وفيات (121 - 130هـ)، فقدّم المطلب على طلحة في الطبقة.

وأما ابن حجر فذكر طلحة في الطبقة الثالثة من «تقريبه»، وذكر المطلب في الطبقة الرابعة.

قلت: الذي أراه أن المطلب أقدم طبقة من طلحة كما أشار الذهبي، ويُحتمل أنهما من الطبقة نفسها، وكلاهما مدني، وكلاهما يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وأدركا طبقة الصحابة ممن توفوا بعد سنة (70هـ).

فالحديث منتشر عند بعض التابعين من أهل المدينة بالإرسال، ولا يُستبعد أن يكون طلحة أخذه من المطلب أو العكس! على أن الميل إلى أن أصل الحديث هو مرسل المطلب بن عبدالله بن حنطب، والله أعلم.

·       مرسل عبدالله بن عبدالرحمن ابنِ أَبِي حُسَيْنٍ المكيّ:

ورُوي الحديث من طريق مرسل ثالث!

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8/630) (15367)، و(15/327) (30273) قال: حدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ، عَنِ ابنِ أَبِي حُسَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَةَ؛ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

قلت: وهذا مرسلٌ أيضاً.

وابن أبي حسين هو: عَبْداللَّهِ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ النَّوْفَلِيُّ، القُرَشِيُّ الْمَكِّيُّ، ثقة، يرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وقد أدرك أَبا الطُّفَيْلِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكره الذهبي في «تاريخه» (3/444) في الطبقة التي توفوا ما بين (121 - 130هـ)، وهي الطبقة ذاتها التي ذكر فيها طلحة بن عبيدالله.

وكان ثبتاً، عالماً بالمناسك، وهذا الدعاء يُذكر في مناسك الحج، وإرساله له يدلّ على أنه لا يعرف إلا مرسلاً، وربما أخذه من طلحة بن عُبيدالله بن كَريز فأرسله؛ لأنه مرسل أصلاً، والله أعلم.

·       إستشكالات في الحديث!

·       هل الواو في الحديث للعطف أم استئنافية؟!

الحديث: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ».

إن كانت الواو للعطف فكلّ جملة منفصلة عن الأخرى، فالعطف يقتضي المغايرة.

فقوله: «أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة» = يعني أن دعاء عرفة أفضل الدعاء، أيّ دعاء، فهو على العموم.

وقوله: «وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» معطوفة على الأولى = يعني هذا الذكر أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي، ولا علاقة لهذا بدعاء يوم عرفة.

وهذا عادة يكون في الأحاديث المرسلة، تُجمع فيها بعض الأحاديث في سياق واحد.

وإن كانت الواو استئنافية: فأفضل الدعاء دعاء عرفة، فكأنه قيل: وما أفضل ما يُدعى به يوم عرفة، فقال: أفضله ما قلته أنا والنبيون من قبلي «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ».

والميل إلى أنها عاطفة؛ وهذا يؤيد الحديث المرسل، والله أعلم.

·       ما ذُكر في الحديث ذِكْرٌ وليْسَ فِيهِ دُعَاءٌ!

قوله: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» ذكرٌ، وليس بدعاء، وهذا يؤيد ما سبق أن الواو عاطفة.

وقد استشكل بعض أهل العلم أن هذا ليس بدعاء وأجابوا عن ذلك ببعض الأجوبة!

قال الحُسَيْنُ بنُ الحَسَنِ المَرْوَزِيُّ - وَكَانَ جَاوَرَ بِمَكَّةَ حَتَّى مَاتَ بِهَا: سَأَلْتُ سُفْيَانَ بنَ عُيَيْنَةَ عَنْ تَفْسِيرِ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَكْثَرُ دُعَائِي وَدُعَاءِ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي بِعَرَفَةَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، وَإِنَّمَا هِيَ ذِكْرٌ لَيْسَ فِيهِ دُعَاءٌ؟

فقَالَ سُفْيَانُ: "أَمَا عَلِمْتَ قَوْلَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - حَيْثُ قَالَ: «إِذَا شَغَلَ عَبْدِي ثَنَاؤُهُ عَلَيَّ عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ»؟

قَالَ: قُلْتُ، نَعَمْ أَنْتَ حَدَّثْتَنِي بِذَلِكَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ وَحَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مَالِكِ بنِ الحَارِثِ.

قَالَ: "فَهَذَا تَفْسِيرُهُ".

ثُمَّ قَالَ: مَا عَلِمْتُ قَوْلَ أُمَيَّةَ بنَ أَبِي الصَّلْتِ حِينَ أتى ابن جُدْعَانَ:

أَأَطْلُبُ حَاجَتِي أَمْ قَدْ كَفَانِي // حَيَاؤُكَ إِنَّ شِيمَتَكَ الحَيَاءُ

إِذَا أَثْنَى عَلَيْكَ المَرْءُ يَوْمًا // كَفَاهُ مِنْ تَعَرُّضِكَ الثَّنَاءُ

قَالَ سُفْيَانُ: "هَذَا مَخْلُوقٌ حِينَ يُنْسَبُ إِلَى الِاكْتِفَاءِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَكَيْفَ بِالخَالِقِ - عَزَّ وَجَلَّ -"

وفي رواية: "فهذا مخلوق يُنسب إلى الجود، فقيل له: يكفينا من مسألتك أن نثني عليك ونسكت حتى تأتي على حاجتنا، فكيف بالخالق". [انظر: غريب الحديث للخطابي (1/709)، والاستذكار لابن عبدالبر (2/532)، وفضائل الأوقات للبيهقي (ص: 369)، والأغاني للأصفهاني (8/343)].

وقال الخطّابي في «غريب الحديث» (1/709): "قوله: «أكثرُ دُعائي» يريد أكثر ما أفتتحُ بِهِ دُعائي، وذلك أنّ الدَّاعي يفْتتح دُعاءَه بالثَّناء عَلَى الله ويُقَدّمه أمام مسألته، فسمّى الثّناءَ دعاء إذ كَانَ مُقدّمةً لَهُ وذَرِيعةً إِلَيْهِ عَلَى مذهبهم في تسميةِ الشيء باسم سببه".

وقال البيهقي في «فضائل الأوقات» (ص: 369): "هَذَا وَإِنْ كَانَ ثَنَاءً فَإِنَّمَا سَمَّاهُ دُعَاءً؛ لِأَنَّ الثَّنَاءَ مُقَدِّمَةُ الدُّعَاءِ، فَسَمَّاهُ بِاسْمِهِ".

وقال الطِيبي في «شرح المشكاة» (6/1989): "فإن قيل: هو ذكر وليس دعاء؟ أجيب بوجهين، أحدهما أنه علي سبيل التعريض تجنباً عن التصريح مراعاة للأدب، وقد قيل لسفيان: هذا هو الثناء، فأين الدعاء؟ فأنشد قول أمية بن الصلت في ابن جدعان:

أأذكر حاجتي أم قد كفاني // حياؤك؟ إن شيمتك الحياء

إذا أثنى عليك المرء يوماً // كفاه من تعرضه الثناء

وثانيهما: الاشتغال بخدمة المولي، والإعراض عن الطلب اعتماداً على كرمه، فإنه لا يضيع أجر المحسنين. قال: «من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين». فالفرق بين الوجهين أن الذاكر في الأول وإن لم يصرح بالطلبة فهو طالب بما هو أبلغ من التصريح بخلاف الثاني، قال:

وكلت إلى المحبوب أمري كله // فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا

وأن تكون بمعنى «في» فعلى هذا يعم الدعاء بأي شيء دعا، فيكون قوله: «خير ما قلت» عطفاً على قوله: «خير الدعاء» لا على البيان، بل يجري على المغايرة، والعموم في القول، فيتناول الذكر والدعاء".

وقال ابن تيميّة في كما في «مجموع الفتاوى» (24/234): "فَجَمَعَ فِي هَذَا الحَدِيثِ بَيْنَ أَفْضَلِ الدُّعَاءِ، وَأَفْضَلِ الثَّنَاءِ، فَإِنَّ الذِّكْرَ نَوْعَانِ: دُعَاءٌ وَثَنَاءٌ فقَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْت هَذَا الكَلَامَ». وَلَمْ يَقُلْ أَفْضَلُ مَا قُلْت يَوْمَ عَرَفَةَ هَذَا الكَلَامَ. وَإِنَّمَا هُوَ أَفْضَلُ مَا قُلْت مُطْلَقًا".

·       اختلاف العلماء في أفضل الذكر!

قال ابن عبدالبر في «الاستذكار» (2/532): "وقَدِ اخْتَلَفَ العُلَمَاءُ فِي الذِّكْرِ، فَقَالَ مِنْهم قَائِلُونَ: أَفْضَلُ الكَلَامِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاحْتَجُّوا بِهَذَا الحَدِيثِ وَمَا كَانَ مِثْلُهُ فَإِنَّهَا كَلِمَةُ التَّقْوَى، وقَالَ آخَرُونَ: أَفْضَلُ الذِّكْرِ: الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ".

وقال ابن العربي المالكي في «المسالك في شرح موطأ مالك» (3/469): "وهذا حديثٌ تتعلَّقُ به علومٌ كثيرةٌ، وهي أنّ يقالَ: إنّ أفضلَ الأقوالِ: لا إله إلّا اللهُ. وإنْ كان النّاس قد اختلفوا في هذه المسألة، أَيّها أفضل، «لا إله إلّا الله»، أو «الحمدُ لله ربِّ العالمين»؟ وفيه مآخذ وطرق كثيرة".

ثم قال: "المأخذ الأوّل: نقول: إنّ قولَ «لا إله إلّا اللهُ» أفضلُ من قول «الحمدُ للهِ»، عند التَّفْصيل وعلى الجُمْلَةِ.

وأمّا على الجملة، فإنّ قولَ «لا إله إلا الله» إخبارٌ عن البارئ بصفاته العُلَى وأسمائه الحُسْنَى وأَفْعَالِه وأحكامه وتدبيره وتقديره. وقول «الحمدُ للهِ» إخبارٌ عن اسم من أسماء اللهِ عند فِعلٍ من أفعاله، فصارت «لا إله إلَّا اللهُ» أفضل وأشرف مذكور وأعمر مقصود.

وأمّا عند التّفصيلِ، فقول «لا إله إلا اللهُ» عند النَّظَرِ إلى المُنْعِمِ أفضل من «الحمد لله» عند النَّظَرِ إلى النِّعْمَةِ، فقول «الحمدُ للهِ» أفضل".

قلت: فهذه عدة استشكالات على هذا الحديث، وهي وإن أجاب عنها بعض أهل العلم إلا أن هذا لا يعني تصحيح الحديث والاحتجاج به.

·       روايات الحديث المتصلة:

وقد جاء الحديث من طرق أخرى متصلة، لكنها واهية منكرة!

·       حديث عبدالله بن عمرو بن العاص:

رواه أحمد في «مسنده» (11/548) (6961) عن رَوْح بن عُبادة.

والترمذي في «جامعه» (5/464) (3585) من طريق عَبْدِاللهِ بن نَافِعٍ الصائغ.

والمحاملي في «الدعاء» (ص: 102) (60) من طريق النَّضْر بن شُمَيْلٍ.

والفاكهي في «أخبار مكة» (4/321) (2759) من طريق عَبْدالعَزِيزِ بن مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ.

والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/316) (3489)، و«فضائل الأوقات» (ص: 368) (192) من طريق مُحَمَّد بن مَندَةه الْأَصْفَهَانِيّ، عن بَكْر بن بَكَّارٍ القيسيّ البصري. [وهو في «جزء بكر بن بكار» (ص: 168) من رواية أبي الشيخ، عن أبي إسحق إبراهيم بن سعدان بن إبراهيم، عن بكر].

كلهم عن مُحَمَّد - أو: حَمَّاد - بن أَبِي حُمَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

قال الترمذي: "هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَحَمَّادُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ هُوَ: مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الأَنْصَارِيُّ الْمَدِينِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِالقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ".

كذا ضعفه الترمذي بقوله: "حديث غريب".

وقد نقل بعض أهل العلم عن الترمذي أنه قال فيه: "حديث حسن غريب"! كما فعل المنذري في «الترغيب والترهيب» (2/419).

ونقل الحافظ الدمياطي في «المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح» (ص: 430) عن الترمذي أنه قال: "حديث حسن".

وقال ابن قاضي شهبة في «بداية المحتاج في شرح المنهاج» (1/670): "رواه الترمذي، وحسنه مع الغرابة".

قلت: فلعله جاء في بعض نسخ الترمذي أنه حسنه!

والمعلوم الاختلاف الكبير في نسخ كتاب الترمذي، والعمدة في النقولات عنه ما يورده الحافظ المزي في كتابه «تحفة الأشراف» فإنه قد ضبط النسخ واعتمد الأصح منها.

وقد نقل عنه في هذا الحديث في «التحفة» (6/312) (8698): "وقال: غريب من هذا الوجه، وحماد بن أبي حميد...".

وكذا نقل عنه كثير من أهل العلم.

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (3/252): "رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ".

قلت: هذا حديث منكر! تفرد به حماد بن أبي حميد، وهو ليس بشيء، منكر الحديث! اسْمُهُ «مُحَمَّدٌ»، و«حَمَّادٌ» لقَبُهُ، ولذا تَجِيءُ الرِّوَايَةُ عَنْهُ تَارَةً بِاسْمِهِ، وَتَارَةً بِلَقَبِهِ، وقد وهم من عدّهما اثنين أخوين!

وقد لطّف العبارة فيه الترمذي بقوله: "ليس هو بالقوي عند أهل الحديث"!! ففرق بين هذا المصطلح "ليس بالقوي"، وقولهم: "منكر الحديث" أو "ليس بشيء"!

والعجيب أن الترمذي قال في «العلل» (ص: 255): سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ - وذكر حديثاً له -؟ فَقَالَ: "هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَهُوَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، ذَاهِبُ الحَدِيثِ، لَا أَرْوِي عَنْهُ شَيْئًا".

فكيف خفف الترمذي عبارته فيه؟!

وقد قال فيه أحمد فِي مَوْضِعٍ: "لَيْسَ هُوَ بِقَوِيٍّ فِي الحَدِيثِ"، وهذا مثل ما ذكر الترمذي، فهل لطف أحمد فيه العبارة؟

الجواب: لا؛ لأن أحمد قال عنه في موضع آخر: "مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ أَحَادِيثُهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ".

وقال ابن معين: "مُحَمَّد بن أَبِي حُمَيْد، حَدَّثَ عَنْهُ الدَّرَاوَرْدِيِّ: لَيْسَ بِشَيْءٍ".

وقال مرة: "مُحَمَّد بن أبي حميد القرشِي: لَيْسَ بِثِقَة".

وقال البُخَارِيَّ: "حَمَّادُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ، وَيُقَالُ: مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ المَدِينِيُّ: مُنْكَرُ الحَدِيثِ".

وقال أبو حاتم: "منكر الحديث، ضعيف الحديث".

وقال النسائي: "ليس بثقة".

وقال أبو زرعة: "ضعيف الحديث".

وذكره ابن حبان في «المجروحين» فيمن اسمه «حماد» (1/253) وقال: "حَمَّاد بن أَبِي حميد الزرقي الأَنْصَارِي، من أهل المَدِينَةِ، كنيته أَبُو إِبْرَاهِيم، وهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: مُحَمَّد بن أَبِي حميد. يَرْوِي عَن عَمْرو بن شُعَيْب وَغَيره. روى عَنْهُ النَّاس، كَانَ كثير الخَطَأ، فَاحش الوَهم، يَرْوِي المَنَاكِير عَن المَشَاهِير حَتَّى يسْبق إِلَى الْقلب أَنَّهُ المُعْتَمد لَهَا، لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ".

وذكره أيضاً فيمن اسمه «محمد» (2/271) وقال: "مُحَمَّد بن أبي حميد المدنِي الزرقي، كنيته أَبُو إِبْرَاهِيم، وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ: حَمَّاد بن أبي حميد. يروي عَن: مُوسَى بن وردان، وَعَمْرو بن شُعَيْب. روى عَنهُ العِرَاقِيُّونَ وَأهل بَلَده. كَانَ شيخاً مُغفلاً يقلب الْإِسْنَاد وَلَا يفهم، وَيلْزق بِهِ المَتْن، وَلَا يعلم، فَلَمَّا كثر ذَلِك فِي أخباره بَطل الِاحْتِجَاج بروايته".

وذكره ابن عدي أيضاً في «الضعفاء» فيمن اسمه «حماد» (3/320) وختم ترجمته بقوله: "ولحماد بن أبي حميد غير ما ذكرت من الحديث، وضعفه يبين على ما يرويه".

ثم ذكره فيمن اسمه «محمد» (9/228) وختم ترجمته بقوله: "وحديثه مقارب، وهو مع ضعفه يكتب حديثه".

قلت: حديثه ليس بالمقارب، ولا يُكتب؛ لأنه يروي المناكير، ولا يُتابع عليها!

وقد روى جماعة عنه حديثاً عَنْ مُحَمَّدِ بن المُنكَدِر، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيب، عن أبيه، عن عبد الله بْنِ عَمْرٍو؛ قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الحَاجُّ والعُمَّارُ وَفْدُ اللهِ؛ إنْ سَأَلُوا أُعْطُوا، وَإن دَعَوْا أُجِيبُوا، وَإِنْ أَنْفَقُوا أُخْلِفَ علَيْهِم. وَالَّذِي نَفْسُ أبِي القَاسِمِ بِيَدِهِ، مَا أَهَلَّ مِنْ مُهِلٍّ، وَلاَ كَبَّرَ مِنْ مُكَبِّرٍ عَلَى شَرَفٍ مِنَ الأَرضِ، إِلاَّ أَهَلَّ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَبَّرَ بِتَكْبِيرِهِ، حَتَّى يَنْقَطِعَ مِنْهُ الصَّوْتُ».

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن هذا الحديث فسمعتُه يَقُولُ: "هَذَا حديثٌ مُنكَرٌ".

·       حديث عليّ بن أبي طالبٍ:

رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (8/630) (15366)، وإسحاق بن راهويه في «مسنده» [كما في المطالب العالية (7/17) (1239)]، والمحاملي في «الدعاء» (ص: 101) (59) عن أَبي هَاشِمٍ الرِّفَاعِيّ، ويُوسُف بن مُوسَى.

كلهم (ابن أبي شيبة، وإسحاق، وأبو هاشم، ويوسف) عن وَكِيع بن الجرّاح.

ورواه الخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ص: 349) (1082) عن سَعْدَان بن يَزِيدَ البَزَّار. والبيهقي في «فضائل الأوقات» (ص: 373) (195)، و«السنن الكبرى» (5/190) (9475) من طريق أَحْمَد بن إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيّ، وفي «الدعوات الكبير» (2/160) (537) من طريق أَبي يُوسُفَ يَعْقُوب بن سُفْيَانَ. والخطيب في «تلخيص المتشابه في الرسم» (1/33) من طريق عِيسَى بن جَعْفَرٍ. أربعتهم عن عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى الكوفيّ.

ورواه أبو سعيد الجَندي في «فضائل مكة» (ص: 190) (101) عن محمد بن يوسف الزَّبيديّ، عن أبي قُرّة موسى بن طارق الزَّبيديّ.

كلهم (وكيع، وعبيدالله، وأبو قرّة) عن مُوسَى بن عُبَيْدَةَ الرَّبَذيّ، عَنْ أخيه عَبْدِاللَّهِ بنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمَلِكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِي فِي سَمْعِي نُورًا، وَفِي بَصَرِي نُورًا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي، وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي، وَاشْرَحْ لِي صَدْرِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَسْوَاسَ الصَّدْرِ، وَمِنْ شَتَاتِ الْأَمْرِ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا يَلِجُ فِي اللَّيْلِ وَشَرِّ مَا يَلِجُ فِي النَّهَارِ، وَشَرِّ مَا تَهُبُّ بِهِ الرِّيَاحُ، وَشَرِّ بَوَائِقِ الدَّهْرِ».

وهذا الحديث منكر!

تفرد به موسى الرّبذي، وهو منكر الحديث، لا يُحتج به.

وأخوه عبدالله ضعفه ابن معين فقال: "لَيْسَ بِشَيْءٍ"، وضعفه أيضاً أحمد وابن عدي، وقال السمعاني: "منكر الحديث"، ووثقه يعقوب بن شيبة والدارقطني، ومشّاه النسائي.

وذكره ابن حبان في «الثقات» (5/45) (3776) وقال: "عبداللَّه بن عُبَيْدَة الربذي: يَرْوِي عَن جَابر، وَعقبَة بْن عَامر. روى عَنهُ أَخُوهُ مُوسَى بن عُبَيْدَة، قتلته الحرورية بِقديد سنة ثَلَاثِينَ ومائة".

ثم أعاد ذكره في «المجروحين» (2/4) (523) قال: "عَبْداللَّهِ بن عُبَيْدَة الربذي أَخُو مُوسَى بن عُبَيْدَة: يروي عَن عقبَة بن عَامر. روى عَنهُ أَخُوهُ مُوسَى بن عُبَيْدَة، مُنكر الحَدِيث جداً، فلست أَدْرِي السَّبَب الوَاقِع فِي أخباره من عبدالله أَو من أَخِيه؛ لِأَن أَخَاهُ مُوسَى لَيْسَ بِشَيْء فِي الحَدِيث، وَلَيْسَ لَهُ راو غَيره، فَمن هُنَا اشْتبهَ أمره وَوَجَب تَركه. سَمِعت الحَنْبَلِيّ يَقُول: سَمِعت أَحْمَد بْن زُهَيْر يَقُول: سَأَلت يحيى بن معِين عَن عَبْداللَّهِ بن عُبَيْدَة الربذي، فَقَالَ: هُوَ أَخُو مُوسَى بن عُبَيْدَة، وَلم يرو عَن عبدالله غير مُوسَى، وحديثهما ضَعِيف".

قلت: النكارة في حديثه مما يرويه أخوه موسى عنه، وحديثه هو مستقيم، وهو ثقة قليل الحديث.

·       وهمٌ لابن معين تابعه عليه ابن عدي!

وقد وهم ابن معين في قوله إن موسى أخاه تفرد بالرواية عنه، وتبعه على ذلك ابن حبان، ولهذا أعاد ذكره في «الضعفاء»!

وكذا وهم ابن عدي؛ فإنه ذكره في «الضعفاء» (6/375) واعتمد تضعيف ابن معين له، وأورد له بعض الأحاديث من رواية أخيه موسى عنه، ثم قال: "ولعبدالله بن عُبيدة غير ما ذكرت أحاديث، ولا أعلم يروي عنه إلا أخوه موسى بن عبيدة، وجميعاً يتبين علي حديثهما الضعف".

قلت: هو ثقة، وتضعيف من ضعف بسبب ما يرويه عنه أخوه موسى وهو منكر الحديث لا يعتمد، وقد روى عنه غير موسى، فقد روى له البخاري حديثاً واحداً في التَّعْبِير والمغازي فِي بَاب قصَّة العَنسِي عَن صَالح بن كيسَان عَنهُ عَن عُبَيداللَّهِ بن عبد الله بن عتبَة، عَنِ ابنِ عباس فِي ذكر مسيلمة الكذاب، ورؤيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إنه وضع فِي يديه سواران من ذهب.

قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (8/92)، وفي «التقريب» (ص: 313) (3458): "عَبْدُاللَّهِ ثِقَةٌ".

وعبدالله أدرك بعض الصحابة، وأرسل عن بعضهم.

قال البيهقي عن الحديث: "تَفَرَّدَ بِهِ مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ، وهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَمْ يُدْرِكْ أَخُوهُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ".

قلت: لم يُدرك عبدالله علياً (ت 40هـ)، فقد قتلته الحرورية بِوَقْعَةِ قُدَيْدَ سَنَةَ (130هـ).

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرازي: "عَبْدُاللَّهِ بنُ عُبَيْدَةَ أَخُو مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ".

وقَال أَحْمَد بن إِبْرَاهِيم الدورقي، عن يَحْيَى بْن مَعِين، قال: "مُوسَى بن عُبَيدة، عن أخيه عَبداللَّهِ بن عُبَيدة، عن جابر، مرسل".

وقال العَبَّاس بن مُحَمَّدٍ الدُّورِيّ: سَمِعْتُ يَحْيَى بنَ مَعِينٍ يَقُولُ: "عَبْدُاللَّهِ بنُ عُبَيْدَةَ أَخُو مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ جَابِرٍ، لَمْ يَسْمَعْ مِنْ جَابِرٍ شَيْئًا".

قلت: فإذا كان حديثه عن جابر الذي مات بعد سنة (70هـ) مرسلاً، فكيف بحديثه عن عليّ الذي مات قبله بثلاثين سنة؟!

والخلاصة أن هذا الحديث منكر من منكرات موسى بن عُبيدة الرَّبذي.

·       تنبيه على سقط في أصل كتاب المحاملي! وتحريف في مطبوع ترغيب قوام السنة!

رواية المَحَامِلِيّ السابقة في «الدعاء» من طريق وَكيِع: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، ليس فيها: "عن أخيه عبدالله"، والظاهر أنها سقطت من أصل كتاب المحاملي؛ لأن ابن الجوزي نقل هذه الرواية في كتابه «مثير الغرام الساكن إلى أشرف الأماكن» (ص: 186) من كتاب المحاملي وفيها هذا السقط، وكذا ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه «جامع الآثار في السير ومولد المختار» (6/76). والأصل إثباته كما في رواية ابن أبي شيبة وابن راهويه عن وكيع.

ورواه قوام السنة في «الترغيب والترهيب» (1/253) (385) من طريق المحاملي: حدثنا أبو هشام الرفاعي ويوسف بن موسى قالا: حدثنا وكيع: حدثنا موسى بن عبيدة، عن أنس - رضي الله عنه-!

كذا في المطبوع «عن أنس»!! وهو خطأ! والصواب: «عن عليّ».

·       رواية أخرى للحديث:

وقد رُوِيَ أَيْضًا عَنْ خَلِيفَةَ بنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

رواه الترمذي في «جامعه» (5/421) (3520) من طريق عَلِيّ بن ثَابِتٍ الجزريّ.

وأبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (ص: 495) (611) من طريق عَبْدالصَّمَدِ بنِ النُّعْمَانِ.

وابن خزيمة في «صحيحه» (2/1338) (2841)، والمحاملي في «الدعاء» (ص: 100) (58)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/501) (3779) من طريق عُبَيْداللَّهِ بن مُوسَى العَبْسِيّ.

والطبراني في «الدعاء» (ص: 273) (874)، والبيهقي في «شعب الإيمان» (5/367) (3560) من طريق عَفَّان بن مُسْلِمٍ الصفّار.

وأبو نُعيم الأصبهاني في «تاريخ أصبهان» (1/266) من طريق الحَسَن بن عَطِيَّةَ بن نجيح الكوفيّ.

كلهم عن قَيْس بن الرَّبِيعِ الكوفيّ، عَنِ الْأَغَرِّ بنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ خَلِيفَةَ بنِ حُصَيْنٍ، عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ: «اللَّهُمَّ رَبِّ، الحَمْدُ لَكَ، الحَمْدُ كَمَا نَقُولُ، وَخَيْرُ مَا نَقُولُ، لَكَ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي، وَإِلَيْكَ مَآبِي، وَإِلَيْكَ ثَوَابِي، أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَوَسْوَسَتِهِ، وَشَتَاتِ الْأَمْرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيَاحُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَجِيءُ بِهِ الرِّيَاحُ».

قلت: هذا حديث غَرِيب من حَدِيث خَليفَة بن حُصَيْن عَن عليّ! تفرد بِهِ قيس بن الرّبيع عَن الْأَغر! وَلَا يُعلم حدث بِهِ غير قيس بن الربيع!

قال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِالقَوِيِّ".

وضعّفه ابن خزيمة فقال في تبويبه على الحديث عندما خرّجه: "بَابُ ذِكْرِ الدُّعَاءِ عَلَى المَوْقِفِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ إِنْ ثَبَتَ الخَبَرُ، ولَا أَخَالُ. إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الخَبَرِ حُكْمٌ، وَإِنَّمَا هُوَ دُعَاءٌ، فَخَرَّجْنَا هَذَا الخَبَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ إِذْ هَذَا الدُّعَاءُ مُبَاحٌ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ عَلَى المَوْقِفِ وَغَيْرِهِ".

·       تناقض الألباني!

وتناقض الألباني فضعّفه في «سلسلته الضعيفة» (6/464) (2918)، وذكره في «صحيحته» (4/6) (1503) وقال: "وهذا إسناد لا بأس به في الشواهد، رجاله ثقات غير قيس بن الربيع فهو سيء الحفظ، فحديثه حسن بماله من الشواهد"!!

قلت: هذا حديث منكر! من منكرات قيس بن الربيع. وقيس أكثر أهل العلم على تضعيفه، وكان شعبة رفيقه يدافع عنه! والصواب أنه ضعيف الحديث، لا يحتج به لسوء حفظه وكثرة أخطائه، وله أحاديث منكرة، فلا يُقبل تفرده بالحديث.

قال ابن حبان في «المجروحين» (2/217): "اخْتلف فِيهِ أَئِمَّتنَا: فَأَما شُعْبَة فَحسن القَوْل فِيهِ وحث عَلَيْهِ، وَضَعفه وَكِيع، وَأما ابن المُبَارك ففجع القَوْل فِيهِ، وَتَركه يحيى القطَّان، وَأما يحيى بن معِين فكذّبه، وَحدث عَنهُ عبدالرَّحْمَن بن مهْدي ثمَّ ضرب على حَدِيثه، وَإِنِّي سأجمع بَين قدح هَؤُلَاءِ فِيهِ وضد الجرْح مِنْهُم فِيهِ إِن شَاءَ الله".

ثم قال: "قد سَبرتُ أَخْبَار قيس بن الرّبيع من رِوَايَة القدماء والمتأخرين وتتبعتها، فرأيته صَدُوقًا مَأْمُوناً حَيْثُ كَانَ شَابًّا، فَلَمَّا كبر سَاءَ حفظه، وامتحن بِابْن سوء، فَكَانَ يدْخل عَلَيْهِ الحَدِيث فيجيب فِيهِ ثِقَة مِنْهُ بِابْنِهِ، فَلَمَّا غلب المَنَاكِير على صَحِيح حَدِيثه وَلم يتَمَيَّز اسْتحق مجانبته عِنْد الِاحْتِجَاج، فَكلّ من مدحه من أَئِمَّتنَا، وحثّ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِك مِنْهُم لما نظرُوا إِلَى الْأَشْيَاء المستقيمة الَّتِي حدث بهَا عَن سَمَاعه، وكلّ من وهاه مِنْهُم فَكَانَ ذَلِك لما علمُوا مِمَّا فِي حَدِيثه من المَنَاكِير الَّتِي أَدخل عَلَيْهِ ابْنه وَغَيره. قَالَ عَفَّان: كنت أسمع النَّاس يذكرُونَ قيسا فَلم أدر مَا علته، فَلَمَّا قدمنَا الْكُوفَة أتيناه فَجَلَسْنَا إِلَيْهِ فَجعل ابْنه يلقنه، وَيَقُول لَهُ: حُصَيْن، فَيَقُول: حُصَيْن، فَيَقُول رجل آخر ومغيرة، فَيَقُول: ومغيرة، فَيَقُول آخر: والشيباني، فَيَقُول: والشيباني".

ثم ساق من طريق جَعْفَر بن أبان قال: سَأَلت ابن نُمير عَن قيس بن الرّبيع؟ فقَالَ: "إِن النَّاس قد اخْتلفُوا فِي أمره، وَكَانَ لَهُ ابن، فَكَانَ هُوَ آفته، نظر أَصْحَاب الحَدِيث فِي كتبه فأنكروا حَدِيثه، وظنوا أَن ابْنه غَيرهَا".

قلت: وهذه خلاصة رائعة من ابن حبان - رحمه الله - في التوفيق بين أقوال الأئمة في قيس.

·       حديث ابن عمر:

رواه العقيلي في «الضعفاء» (3/462) عن أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ الجَعْدِ.

والطبراني في «الدعاء» (ص: 274) (875)، و«جزء فضل عشر ذي الحجة» (ص: 56) (52) عن الفَضْل بن هَارُونَ البَغْدَادِيّ صَاحِب أَبِي ثَوْرٍ.

وقوام السنة في «الترغيب والترهيب» (1/253) (386) من طريق أحمد بن داود بن جابر الأحمسي.

وابن عساكر في «جزء فضل يوم عرفة» (ص: 159) (12) من طريق عبدالله بن محمد البغويّ.

كلهم عن أبي عليٍّ أَحْمَد بن إِبْرَاهِيمَ المَوْصِلِيّ، قال: حدثنا فَرَجُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: كَانَ عَامَّةُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ».

وقد أورده العقيلي في ترجمة «فرج بن فضالة» وقال: "لا يُتَابَعُ عَلَيْهِ".

وفَرَجُ بنُ فَضَالَةَ الحِمْصِيُّ هالك.

قال البُخَارِيَّ: "فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ مُنْكَرُ الحَدِيثِ".

وقال عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الفلاّس: "كَانَ عَبْدُالرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ فَرَجِ بنِ فَضَالَةَ، وَيَقُولُ: أحاديثه عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ الأنصاريّ أَحَادِيثٌ مُنْكَرَةٌ مَقْلُوبَةٌ".

·       حديث جابر بن عبدالله الأنصاريّ:

رواه البيهقي في «فضائل الأوقات» (ص: 375) (196)، و«شعب الإيمان» (5/502) (3780) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِاللَّهِ الحَافِظُ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ الحَافِظُ بِهَمَذَانَ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ الحَسَنِ بنِ عَبْدِالصَّمَدِ الطَّيَالِسِيُّ عَلَّانُ الحَافِظُ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدِ الطَّلْحِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ المُحَارِبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَقِفُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِالمَوْقِفِ، فَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَقْرَأَ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ مِائَةَ مَرَّةٍ ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَعَلَيْنَا مَعَهُمْ مِائَةَ مَرَّةٍ إِلَّا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا مَلَائِكَتِي مَا جَزَاءُ عَبْدِي هَذَا سَبَّحَنِي وَهَلَّلَنِي وَكَبَّرَنِي وَعَظَّمَنِي وَعَرَّفَنِي، وَأَثْنَى عَلَيَّ، وَصَلَّى عَلَى نَبِيِّي، اشْهَدُوا مَلَائِكَتِي أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُ وَشَفَّعْتُهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَوْ سَأَلَنِي عَبْدِي هَذَا لَشَفَّعْتُهُ فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ كُلِّهِمْ».

قَالَ البيهقي: "كَذَلِكَ قَالَ شَيْخُنَا: عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ، وَالصَّوَابُ: عَبْدُاللَّهِ".

قلت: يقصد البيهقي أن شيخه الحاكم أخطأ في اسمه، وهو عبدالله بن محمد الطلحي لا عبدالرحمن بن محمد الطلحي.

قال البيهقي في «الشعب»: "هَذَا مَتْنٌ غَرِيبٌ وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الوَضْعِ، وَاللهُ أَعْلَمُ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، عَنْ عَلَّانَ بْنِ عَبْدِالصَّمَدِ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: عَبْدُاللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ، وَكَذَا قَالَ غَيْرُهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِاللهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الطَّلْحِيُّ، وَرُوِيَ عَنْ غَيْرِ الطَّلْحِيُّ أَيْضًا عَنِ المُحَارِبِيِّ".

قلت: يقصد البيهقي أن الطلحي قد توبع عليه.

ومتابعته أخرجها الديلمي قال: أَنْبَأنَا عَبدُوس، قال: أَنْبَأَنَا أَبُو مَنْصُور البَزَّار، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن عَبْدالرَّحِيم الساري بِبَغْدَاد إملاء، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر الغافقي، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن حَمَّاد المَصِّيصيّ، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نَاصح.

وقال ابن النجار: أَنْبَأنَا أَبُو القَاسِم عَبْدالوَاحِد الْأَصْبَهَانِيّ، قال: أَنْبَأَنَا سهل بن مُحَمَّد إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن أَحْمَد بن سَعْدَوَيْه، قال: أَنْبَأَنَا أَبُو الْفَضْل عَبْدالرَّحْمَن بْن أَحْمَد بْن الْحَسَن الرَّازيّ الْمقرئ، قال: أَخْبرنِي أَبُو بَكْر مُحَمَّد بْن أَحْمَد بْن مهْرَان الْبَغْدَادِيّ الْحَافِظ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن قادم بالرملة، قال: حَدَّثَنَا الحَسَن بْن عَلِيّ بْن عَبْدالْوَاحِد، قال: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن نَاصح أَبُو عَبْداللَّه البَغْدَادِيّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدالرَّحْمَن بن مُحَمَّد المحَاربي، به، نحوه.

قَالَ أَبُو بَكْر بن مهْرَان: "تفرد بِهِ المحَاربي عَنْ مُحَمَّد بْن سوقة، واللَّه أَعْلَم". [اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة للسيوطي (2/107)].

وقال السيوطي في «اللآلئ المصنوعة» (2/106): "أوردهُ الحَافِظ ابن حجر فِي «أَمَالِيهِ» وَقَالَ: رُوَاته كلهم موثوقون إِلَّا الطلحي فَإنَّهُ مَجْهُول".

وقال ابن عرّاق الكناني في «تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأخبار الشنيعة الموضوعة» (2/171): "وَقد تَابع الطلحي: أَحْمد بن نَاصح الْبَغْدَادِيّ، أخرجه الديلمي، وَابْن النجار بِزِيَادَة. والحَدِيث المتعقب قَالَ المُحب الطَّبَرِيّ فِي «أَحْكَامه»: أخرجه أَبُو مَنْصُور فِي جَامع الدُّعَاء الصَّحِيح، وَالله أعلم".

قلت: قول ابن حجر في الطلحي "مجهول" مردود! إذ لو كان كذلك لما قال البيهقي في إسناده: "وَلَيْسَ فِي إِسْنَادِهِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى الوَضْعِ"، فقوله هذا يدلّ على أنه معروف.

وقال الألباني في «ضعيفته» (11/178) متعقباً قول ابن حجر: "قلت: لم أر من وصفه بالجهالة، وأنا أظنه الذي في «الجرح والتعديل» (2/2/281): «عبدالرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف. روى عن أبيه. روى عنه يحيى بن آدم. سألت أبي عنه؟ فقال: ليس بالقوي». ونقله عنه - باختصار - الذهبي في «الميزان»، والحافظ في «اللسان»".

قلت: ليس هو الذي ذهب إليه الألباني! والعجب منه كيف يقول هذا، وقد ذكر في الموضع نفسه رواية البيهقي له في «شعب الإيمان»، وقد بيّن البيهقي من خلال ذكر من رواه أن الصواب فيه: «عبدالله بن محمد بن طلحة» لا «عبدالرحمن»، وقد صرّح في «فضائل الأوقات» بأن شيخه الحاكم وهم فيه كما سبق بيانه.

وهو: عبداللَّه بن مُحَمَّد بن عِمْران بنُ إِبْرَاهِيمَ بن مُحَمَّد بن طلحة بن عبيداللَّه أبو مُحَمَّد التيمي من أهل مدينة رسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَّاه هارون الرشيد قضاء المدينة، ومكة، ثم عزله فقدم بغداد، وأقام في ناحية الرشيد، وسافر معه إلى الري فمات بِها سنة (189هـ).

وقد ترجم له ابن سعد في «الطبقات» (5/501) (1453)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (11/253)، وهو ليس بمجهول، بل هو معروف، وكان يُحدّث عن خالد بن إسماعيل بن الوليد المخزومي أحد الوضاعين، وكان يُدلّسه فينسبه إلى جده!

قال الذهبي في «الميزان» (1/644) (2471): "خالد بن الوليد المخزومي، هو ابن إسماعيل، نُسب إلى جده تدليساً لحاله، وهو متهم بالكذب كما قدمنا.

فمن بلاياه: رواية أبي إبراهيم الترجماني، قال: حدثنا عبدالله بن محمد الطلحي، عن خالد بن الوليد المخزومي، عن الزهري، عن أنس، قال: أقبلت امرأة بابن لها، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: نعم، ولك أجر. قالت: فما ثوابه؟ قال: إذا وقف بعرفة يكتب لك بعدد كل من وقف بالموقف بعدد شعر رؤوسهم حسنات".

قلت: فهذا الحديث يرويه أَبُو إِبْرَاهِيمَ التَّرْجُمَانِيُّ إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ البغداديّ عن عبدالله بن محمد الطلحي، وكذا الحديث الذي نحن نتكلم عليه.

فالحديث رواه عبدالله بن محمد بن طلحة، وأَحْمَد بن نَاصح أَبُو عَبْداللَّه البَغْدَادِيّ، كلاهما عن عَبْدالرَّحْمَن بن مُحَمَّد المحَاربي.

وقد تفرد المحاربي به! وهو ثقة إلا أنه كان يُدلّس، وكان يُخطئ، ويروي عن المجاهيل المنكرات!

وقد أورده العقيلي في «الضعفاء» (2/347) وساق له حديثه عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّشْبِيهِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».

قال عبدالله بن أحمد: فَأَنْكَرَهُ أَبِي وَاسْتَفْظَعَهُ، ثُمَّ قَالَ لِي: المُحَارِبِيُّ، عَنْ مَعْمَرٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَأَنْكَرَهُ جِدًّا.

قَالَ عَبْداللَّهِ بن أحمد: "وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ المُحَارِبِيَّ سَمِعَ مِنْ مَعْمَرٍ شَيْئًا، وَبَلَغَنَا أَنَّ المُحَارِبِيَّ، كَانَ يُدَلِّسُ".

وقال عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: قِيلَ لِأَبِي: إِنَّ المُحَارِبِيَّ حَدَّثَ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جَرِيرٍ: «تُبْنَى مَدِينَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ وَدُجَيْلٍ»، فَقَالَ: "كَانَ المُحَارِبِيُّ جَلِيسًا لِسَيْفِ بْنِ مُحَمَّدِ ابنِ أُخْتِ سُفْيَانَ، وَكَانَ سَيْفٌ كَذَّابًا، وَأَظُنُّ المُحَارِبِيَّ سَمِعَهُ مِنْهُ".

قيل لَهُ: إِن عبدالعَزِيز بن أبان رَوَاهُ عَن سُفْيَان؟ فَقَالَ: "كل من حدث بِهِ فَهُوَ كَذَّاب" - يَعْنِي عَن سُفْيَان. قلت لَهُ: إِن لُوينًا حدّثنَاهُ عَن مُحَمَّد بن جَابِر؟ فَقَالَ: "كَانَ مُحَمَّد رُبمَا ألحق فِي كِتَابه أَو يلْحق فِي كِتَابه يَعْنِي الحَدِيث، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ بِصَحِيح أَو قَالَ كذب".

قلت: يعني أحمد أن هذا الحديث سمعه من سيف هذا الكذّاب، فدلّسه ورواه، وهو حديث كذب.

والحديث رواه إسماعيل بن إبراهيم الترجماني قال: حدثنا سَيْفُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ. قَالَ: كُنْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بِقُطْرُبُّلَ. فَقَالَ: مَا اسْمُ هَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ قَالَ قُلْتُ: قُطْرُبُّلُ. قَالَ: ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى الدُّجَيْلِ. قَالَ قُلْتُ: دُجَيْلٌ. قَالَ: ثُمَّ أَوْمَأَ إِلَى دِجْلَةَ. قَالَ قُلْتُ: دِجْلَةَ. قال: ثم أومأ إلى الصراة. قَالَ قُلْتُ: ذَاكَ يُسَمَّى الصَّرَاةَ. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: «تُبْنَى مَدِينَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ وَدُجَيْلٍ وَقُطْرُبُّلَ وَالصَّرَاةِ، يجبى إليها بخزائن الأرض وكنوز الأرض وجبابرتها، تخسف بِأَهْلِهَا فَلَهِيَ أَسْرَعُ ذَهَابًا فِي الأَرْضِ مِنَ الْوَتَدِ الْحَدِيدِ فِي الأَرْضِ الرَّخْوَةِ».

والحديث يرويه أيضاً عَمَّار بن سَيْفٍ، عَنْ سفيان الثوري، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ جَرِيرٍ.

قال يحيى بن معين: "هَذَا مَوْضُوع أَو قَالَ: كذب".

فالحديث يرويه الهلكى والكذابون، ويرويه سَيْف بن مُحَمَّد ابنِ أُخْتِ سُفْيَانَ، وَكَانَ سَيْفٌ كَذَّابًا، والمُحَارِبِيُّ كان جَلِيسًا لِسَيْفِ، فذهب أحمد إلى أن المُحَارِبِيَّ سَمِعَهُ مِنْهُ ثم دلّسه.

وكأن الإمام الذهبي شكك في أن المحاربي رواه! فتعقب ما نقله عبدالله بن أحمد عن أبيه في «السير» (9/137) فقال: "قُلْتُ: لَمْ يَذْكُرْ عَبْدُاللهِ مَنْ حَدَّثَهُ بِهَذَا عَنِ المُحَارِبِيِّ، فَهُوَ - إِنْ صَحَّ أَنَّ المُحَارِبِيَّ حَدَّثَ بِهِ - قَوِيُّ الإِسْنَادِ عَلَى نَكَارَتِهِ".

وقال في «تاريخ الإسلام» (4/1272): "قلت: ما بين عبدالله وبين المُحَاربيّ منقطع، فما صحّ عَنِ المُحَاربيّ هذا".

قلت: غفر الله للذهبي، فعبدالله ينقل عا حصل في مجلس أبيه أنه ذُكر له حديث المحاربي هذا، فعبدالله لم يروه من طريق المحاربي حتى نقول: من حدثه بهذا عن المحاربي، وأنه منقطع فيما بينهما!!

ثم لمَ لمْ يستنكر هذا الإمام أحمد لما ذكروه له في مجلسه؟! وتفسير أحمد تدليس المحاربي له يدلّ على أنه رواه، ولا يجوز التشكيك في مثل هذه الأحاديث التي تُذكر في مجالس الأئمة، فلو لم تكن صحيحة لاستنكروها هم، وهذا سيفتح لنا أبوابا عظيمة من الشر عند الجهّال! فيريدون أسانيد هذه النقول التي تذكر في مجالس كبار الأئمة كأحمد.

وهذا ذكرني بطالب علم - وهو جاهل حقيقة - لما ذكرنا له تعليل البخاري لحديث خلق التربة بقوله: "وقال بعضهم عن أبي هريرة عن كعب، وهو أصح"، قال: "هذا إسناد مجهول! فمن بعضهم؟! وأين الإسناد إلى هؤلاء"! فرد تعليل البخاري ونفى أن يكون هذا مروياً عن أبي هريرة عن كعب!

فالأصل أن نُسلِّم لهؤلاء الأئمة الجهابذة في نقولاتهم هذه وتعليلاتهم لا أن نردها بهذه الطريقة!

وبهذا يتبيّن لنا أن المحاربي يروي عن الثقات أحاديث منكرة! ومن هنا أشار أحمد إلى تدليسه.

وقَالَ يَحْيَى بنُ مَعِيْنٍ: "لَهُ أَحَادِيْثُ مَنَاكِيْرُ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ".

وقال ابن سعد: "وكان شيخاً ثقة، كثير الغلط".

قلت: إشارة ابن سعد يعني أن بعض هذه الأحاديث المنكرة ربما يكون غلط فيها لا أنه دلّسها، وهذا وجيه؛ فهذا الحديث يُحدّث به عن مُحَمَّدِ بنِ سُوقَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ، ومحمد شيخه سمع منه، و"ابن المنكدر عن جابر" جادة معروفة يغلط فيها كثير من الرواة، وكأن المحاربي أخطأ في هذا الإسناد فسلك فيه الجادة.

وقال أبو حاتم الرازي: "صدوق إذا حدّث عن الثقات، ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة فيفسد حديثه بروايته عن المجهولين".

قلت: أما روايته عن المجاهيل فأمره بيّن، لكن المشكلة في روايته عن الثقات أحاديث يتفرد به وهي منكرة، فهذه إنما يؤتى فيها من غلطه.

والمحاربي ثقة، وثقه كثير من أهل العلم، لكنه يهم ويخطئ.

قَالَ عُثْمَان الدَّارمِيّ: "لَيْسَ بِذَاكَ".

وقال العجلي: "لا بأس به".

وقال الساجي: "صدوق يَهم".

وقال الذهبي في «من تُكلّم فيه وهو مُوثق» (ص: 338): "ثقة، لكنه يروي المناكير عن المجاهيل".

وقال في «الكاشف» (1/642): "ثقة يُغْرِب".

وقال ابن حجر في «مقدمة الفتح»: "لَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى حديثين مُتَابعَة".

·       تعقّب صاحبي التحرير على ابن حجر! والرد عليهما!

وقال في «التقريب»: "لا بأسَ به، وكان يُدَلِّسُ، قاله أحمد".

فتعقبه صاحبا «تحرير تقريب التهذيب» (2/346) (3999) فقالا: "بل: ثقةٌ، أطلق توثيقه الأئمة: ابن معين في أصح الروايات عنه، والنسائي، والبزار، والدارقطني، وابن شاهين، وابن حبان، والذهبي. وقال أبو حاتم: صدوقٌ إذا حدَّث عن الثقات، ويروي عن المجهولين أحاديث منكرة فيُفْسِد حديثَهُ بروايته عن المجهولين. أما تدليسه، فقد نقله المُصنِّف في «تهذيب التهذيب» عن أحمد بصيغة: «بلغنا»، قال ذلك؛ لأنه أنكر حديثه عن معمر. وهذا مما تفرَّد به أحمد، على أن المزي لم يذكر أنه روى عن مَعمر أصلًا. أما روايته عن المجاهيل فصحيحة، وتُضعَّف الأحاديث من قبلهم، لا من قِبَله، والله أعلم" انتهى.

قلت: هذا استدراك عليل على الحافظ!

أولاً: إطلاق بعض الأئمة توثيقه لا يعني إهدار الأقوال المقابلة لهذا التوثيق! فمن الأمانة العلمية الإتيان بجميع أقوالهم، ثم الترجيح بينها بالدليل، فهناك من ضعفه أيضاً كما نقلنا سابقاً.

قال ابن شاهين في «تاريخ أسماء الثقات» (ص: 200): "وقال عثمان بن أبي شيبة في عبدالرحمن بن محمد المحاربي: هو صدوق، ولكن هو كذا! - ضعّفه". وفي تهذيب ابن حجر: "كذا - مضطرب".

والنسائي نعم قال فيه: "ثقة"، لكنه قال في موضع آخر: "ليس به بأس" [تهذيب الكمال (17/389)]، ولا شك أن هذه المرتبة أدنى من مرتبة "ثقة"، وهذا أمام صاحبي التحرير في كتاب المصنف الذي ينقلان عنه، فلمَ لمْ ينقلا هذا أيضاً؟ ونقلا فقط التوثيق المطلق عنه؟!

والقصد أن إطلاق بعض الأئمة توثيقه لا يعني التوثيق المطلق، بل ذكروا أيضاً أنه يهم، ويغلط.

ثانياً: قولهما: "ابن معين في أصح الروايات عنه" هل هذا يعني أن هناك روايات أخرى عن ابن معين تكلم فيها عليه، وهي لا تصح أو أقل صحة من هذه التي ذكروها؟

فتوثيقه نقله ابن أبي خيثمة عن ابن معين أنه قال فيه: "ثقة".

وقال عثمان الدارمي: سألت ابن معين عنه، فقال: "ليس به بأس".

قال عثمان: "وعبدالرحمن ليس بذاك". [تهذيب التهذيب (6/266)].

فهذا النص من كتاب ابن حجر الذي ينقلان منه، فلم لم ينقلاه؟ ومعروف أن مصطلح "ليس به بأس" ليس مثل مصطلح "ثقة".

ونقل بعض أهل العلم كالذهبي وغيره أن ابن معين قال فيه: "لَهُ أَحَادِيْثُ مَنَاكِيْرُ عَنِ المَجْهُوْلِيْنَ"، ولم يُسند ذلك.

فكان الأصل بيان كلّ ذلك ذلك.

ثالثاً: أبو حاتم قال عنه: "صدوق" وهذا مثل قول ابن حجر فيه "لا بأس به".

رابعاً: لا يُنازع أحد في ثقته، إلا أن أهل العلم أشاروا إلى غلطه ووهمه، وهذا من باب التراجم المعللة، فأين صاحبا التحرير من قول ابن سعد، والساجي، وعثمان الدارمي مما سبق نقله عنهم؟ أين التحرير؟!

خامساً: قولهما: "أما تدليسه، فقد نقله المُصنِّف في «تهذيب التهذيب» عن أحمد بصيغة: «بلغنا»، قال ذلك؛ لأنه أنكر حديثه عن معمر. وهذا مما تفرَّد به أحمد، على أن المزي لم يذكر أنه روى عن مَعمر أصلًا"! فهذا يدلّ على جهلهما في هذا العلم الشريف!

وقولهما فيه غمز بابن حجر أنه هو من نقل هذا عن أحمد في «تهذيب التهذيب»! وكأنهما يستنكران نقله هذا عن أحمد!

وابن حجر إنما نقل هذا من كتاب عبدالله في «العلل» أو كتاب العقيلي الذي نقله عن عبدالله.

قال عبدالله في «العلل» (3/363) (5597): حَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيثِ المُحَارِبِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ المُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّشْبِيهِ فِي الصَّلَاةِ؟ فَقَالَ: «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدُ ريحًا»، فَأنكرهُ أبي واستعظمه.

قَالَ أَبِي: المُحَارِبِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ؟ قلت: نعم، وَأنْكرهُ جِدًّا.

والحَدِيثُ حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو الشَّعْثَاءِ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ.

قَالَ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ عَبْدُاللَّهِ بنُ أَحْمَدَ: وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ الْمُحَارِبِيَّ سَمِعَ مِنْ مَعْمَرٍ شَيْئًا، وَبَلَغَنَا أَنَّ المُحَارِبِيَّ كَانَ يُدَلَّسُ!

ونقل ذلك العلائي في «جامح التحصيل في أحكام المراسيل» (ص: 55) قال: "عبدالرحمن بن محمد بن زياد المحاربي: قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: لم نعلم أنه سمع من معمر شيئاً، وبلغنا أنه كان يُدلس".

فالذي قال: "بلغنا أن المحاربي كان يدلس" هو عبدالله بن أحمد لا أحمد! كذا هو في كتاب «العلل»، وفي نسخة من كتاب «العقيلي»، وفي بعض مطبوعات كتاب العقيلي: "قال أبو عبدالله" وهو خطأ!!

وقد وهم ابن حجر في نسبة ذلك لأحمد بقوله في «تهذيب التهذيب» (6/266): "وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه: بلغنا أنه كان يدلس، ولا نعلمه سمع من معمر".

وكذا قوله في «التقريب»: "وكان يُدَلِّسُ، قاله أحمد".

فكان ينبغي على صاحبي التحرير أن يحررا ما ينقلانه!

ثم إن قول عبدالله بن أحمد: "بلغنا" لا يعني التضعيف كما توهما! نعم، الأصل في البلاغ أنه تضعيف، لكن في علم الرجال وجدت أن الأصل في ذلك بلوغهم ذلك ممن يثقون به، وإلا لما نقلوه، ولهذا نسب ابن حجر للعقيلي أنه قال: "كان يُدلّس، أنكر أحمد حديثه عن معمر" = يعني لم ينظر إلى كلمة "بلغنا"! ولم يفهم منها التضعيف.

ثم إن إشارة أحمد في أن المحاربي ربما سمع الحديث من ابن أخت سفيان يعني أنه دلسه، وهذا ما فهمه ابن حجر، فإنه لما نقل كلام أحمد قال: "يعني فدلّسه".

فقولهما: "وهذا مما تفرَّد به أحمد" ليس بصحيح، وإنما الذي تفرد بذلك عبدالله بن أحمد.

سادساً: قولهما: "على أن المزي لم يذكر أنه روى عن مَعمر أصلًا" فيه إشارة إلى إنكار كلام أحمد، وأن المحاربي لم يرو عن معمر؛ لأن المزي لم يذكر ذلك! وهذا جهل شديد منهما! لأنه ليس بالضرورة أن يذكر المزي كل من روى عنهم المحاربي، وقد غفل عن ذلك.

وإشارتهما إلى إنكار رواية المحاربي عن معمر بسبب عدم تتبعهما للحديث الذي ذكره أحمد وهو بين أيديهم في الكتب!

بل هو عند ابن ماجه وقد حققه صاحبا التحرير.

قال ابن ماجه في «سننه» (1/322) (514): حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قال: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، قال: أخبرنا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّشَبُّهِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «لَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا».

والعجيب أن الأرنؤوط في تحقيقه حكم على المحاربي بالتدليس في تعليقه على الحديث فقال: "المحاربي - وهو عبدالرحمن ابن محمَّد- لم يسمع من معمر، ثم هو مدلس وقد عنعن. واستنكر هذا الحديث الإمام أحمد كما في «العلل» له 3/363".

وقال بشار في تحقيقه معلقاً على هذا الحديث (1/416): "وذكر العقيلي عن الإمام أحمد أنه كان ينكر حديث المحاربي عن معمر. قال العلائي في المراسيل: قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: لم نعلم أن عبدالرحمن بن محمد المحاربي سمع من معمر شيئا، وبلغنا أنه كان يدلس".

فها هو بشار أحد صاحبي التحرير يقرّ كلام أحمد، وينقل وصفه بالتدليس عن عبدالله بن أحمد، فكيف غفلا عن ذلك؟

وصاحبا التحرير نشرا كتابهما سنة (1997م)، وبشار معروف نشر تحقيقه لسنن ابن ماجه سنة (1998م)، ونشر شعيب تحقيقه لابن ماجه سنة (2009م)، فكان ينبغي لهما التنبه لكلامهما في التحرير، وعدم مخالفته بعد أو التصريح بتغير رأيهما!

وعبدالله بن أحمد لما سال أباه عن الحديث رواه بإسناده.

قال عبدالله بن أحمد: حَدَّثْتُ أَبِي بِحَدِيثِ المُحَارِبِيِّ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ التَّشبه فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: «لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدُ ريحًا»، فَأنكرهُ أبي واستعظمه. قَالَ أَبِي: المُحَارِبِيُّ عَنْ مَعْمَرٍ!! قلت: نعم، وَأنْكرهُ جِدًّا، والحَدِيثُ حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو الشَّعْثَاءِ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا المُحَارِبِيُّ.

·       حديث المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ:

رواه أبو بكر ابن مَردويه الأصبهاني في «أماليه» (ص: 111) (3) قال: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ خَالِدٍ المُقْرِئُ الكُوفِيُّ، قال: أخبرنا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بنِ عَفَّانَ العَامِرِيُّ، أَخُو الحَسَنِ، قال: أخبرنا الحَسَنُ بنُ عَطِيَّةَ، قال: حدثنا أَبُو مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ الدُّعَاءِ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّونَ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ».

قلت: هذا حديث منكر!

تفرد به الحسن بن عطية بن نَجيح القرشي الكوفي - وهو صدوق -  عن أبي مِعشر، وهو: نَجيح بن عَبْدِالرَّحْمَنِ السِّنْدِيّ المَدَنِيّ، وهو ضعيف جداً، لا يُحتج بحديثه.

قَال عَمْرو بن عليّ الفلاّس: كَانَ يَحْيَى بن سَعِيد لا يُحدِّث عَنْهُ، ويضعفه ويضحك إِذَا ذكره، وكَانَ عَبْدالرَّحْمَنِ بن مهدي يُحدّث عنه.

وَقَال عُبَيداللَّهِ بن فضالة: سمعت ابن مهدي يقول: "كَانَ أبو مَعشَر تَعرِف وتُنكِرُ".

وقَال مُحَمَّد بن عثمان بن أَبي شَيْبَة: وسألت علي بن المديني عَن أَبِي معشر المديني، فَقَالَ: "كَانَ شيخاً ضعيفاً ضعيفاً، وكَانَ يحدث عَنْ مُحَمَّدِ بنِ قيس، ويُحدّث عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كعب بأحاديث صالحة، وكَانَ يُحدّث عن المقبري، وعن نافع بأحاديث منكرة".

وقَال عَمْرو بن عَلِيٍّ: "وأَبُو معشر ضعيف، ما روى عن مُحَمَّدِ بْنِ قيس ومحمد بن كعب ومشايخه فهو صالح، وما روى عن المقبري، وهشام بن عروة، ونافع، وابن المنكدر رديئة لا تكتب".

وَقَال أَبُو بَكْر الأثرم: قلتُ لأبي عَبداللَّهِ: أَبُو معشر المدني يُكتب حديثه؟ فَقَالَ: "حديثه عندي مضطرب لا يقيم الإسناد، ولكن أكتب حديثه أعتبر بِهِ".

وَقَال أَحْمَد بْن أَبي يحيى: سمعت أَحْمَد بن حَنْبَلٍ يَقُولُ: "يُكتب من حديث أبي معشر أحاديثه عَنْ مُحَمَّدِ بنِ كعب فِي التفسير".

وَقَال عَبداللَّهِ بن أحمد بن حنبل: سَأَلتُ أبي عَن أبي معشر نجيح، فَقَالَ: "كَانَ صدوقاً، لكنه لا يقيم الإسناد، ليس بذاك".

وقال عَبدالله بن أَحمد: سأَلت يَحيَى عن أَبي مَعشَر المَديني الَّذي كان يُحَدِّث عن سَعيد المَقبُري، ومُحَمد بن كَعب، فقال: "لَيس بِقَوي في الحَديث".

وَقَال أَحْمَد بن سعد بن أَبي مريم عَن يحيى بن مَعِين: "ضعيف، يكتب من حديثه الرقاق، وكَانَ رجلاً أميّاً يتقى أن يروى من حديثه المسند".

وَقَال أحمد بن أَبي يحيى: سمعت يحيى بن مَعِين يَقُولُ: "أَبُو معشر السندي ليس بشيءٍ، كَانَ أمياً".

وَقَال عَباس الدُّورِيُّ، وعثمان بن سَعِيد الدارمي، ومعاوية بن صالح، عن يحيى ابن مَعِين: "ضعيف".

زاد عباس، ومعاوية: "إسناده ليس بشيءٍ، يُكتب رقاق الحديث من حديثه".

وَقَال أَبُو بكر بن أَبي خيثمة، عَن يحيى بن مَعِين: "أَبُو معشر السندي ليس بشيءٍ، أَبُو معشر ريح". قال: وسمعته مرة أخرى يَقُول: "ليس حديثه بشيءٍ".

وَقَال أَبُو بكر بن أَبي خيثمة: سمعت محمد بن بكّار بن الريان يقول: "قد كَانَ أَبُو معشر تغير قبل أن يموت تغيراً شديداً حَتَّى كَانَ يخرج منه الريح ولا يشعر بها".

وقال البُخاريُّ: "أَبو مَعشَر مُنكر الحديث".

وقَال التِّرْمِذِيّ: "قد تَكَّلَمَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ فِي أبي معشر من قبل حفظه. قال مُحَمَّد - يعني: البخاري -: لا أروي عنه شيئاً".

وقال ابن أبي حاتم: سَأَلتُ أبي عَنْهُ، فَقَالَ: "كنت أهاب حديث أبي معشر حَتَّى رأيت أَحْمَد بن حنبل يُحدّث عن رجل عَنْهُ أحاديث، فتوسعت بعد فِي كتابة حديثه، وروى عَبْدِالرَّزَّاقِ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَن أَبِي معشر حديثاً واحداً، وحدثنيه أَبُو نعيم عَنْهُ. قيل لَهُ: هو ثقة؟ قال: صالح، لين الحديث، محله الصدق".

وقال أبو رزعة: "أَبُو مَعْشَرٍ صَدُوقٌ، لَيْسَ بِالقَوِيِّ".

وَقَال أبو داود، والنَّسَائي: "ضعيف".

وقَال صالح بن مُحَمَّد الحافظ المعروف بجَزرة: "لا يسوى حديثه شيئاً".

وقَال ابن عَدِيّ: "وقد حدّث عنه الثوري، وهشيم، والليث بن سَعْدٍ، وغيرهم من الثقات، وهُوَ مَعَ ضعفه يكتب حديثه".

فهذه هي شواهد الحديث المتصلة وكلها واهية منكرة! لا يصح منها شيء!

·       خلاصة وفوائد:

1- حديث: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ» حديث مشهور، ويُروى من مرسل طلحة بن عبيدالله بن كَريز، ومرسل المُطَّلِب بن عبدالله بن حَنْطَبٍ المَخْزُومِيّ، ومرسل عبدالله بن عبدالرحمن ابنِ أَبِي حُسَيْنٍ المكيّ، وأشهرها مرسل طلحة بن عبيدالله بن  كريز، وقد رواه مالكٌ في «مُوَطَّئِهِ»، وهو حديث ضعيف.

2- طلحة بن عُبيدالله بن كَريز تابعي بصري ثقة، عداده في أهل المدينة، ونزل الشام. يروي عَنْ: ابنِ عُمَرَ، وَأُمِّ الدَّرْدَاءِ؛ وَأَرْسَلَ عَنْ عَائِشَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ. ووفاته ما بين سنة (121 - 130هـ)، وكان قليل الحديث، ويروي المراسيل في الأدعية.

3- الحديث يرويه عن طلحة: زِيَادُ بنُ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ، وكان فقيهاً ثقة زاهداً عابداً، قليل الحديث، مات سنة (135هـ).

4- زياد وطلحة من الطبقة نفسها = الطبقة الثانية من التابعين، وكلاهما من العباد الزهاد، وأحاديثهما قليلة، ويُرسلان الحديث، وهذه سمة موجودة فيمن اشتهروا بالعبادة والزهد، وتجدهم يرسلون أحاديث الزهد والدعاء مثل هذا الحديث في دعاء عرفة، ولزياد عدة أحاديث مرسلة في هذا الباب.

5- حديث طَلْحَةَ بن عُبَيْدالله بن كَرِيْز: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما رُؤِيَ الشَّيْطانُ يَوْمًا هو فيهِ أَصغَرَ، ولا أَدْحَرَ ولا أَحْقَرَ ولا أَغْيَظَ منهُ يومَ عَرَفَةَ، وما ذاكَ إلاَّ لِمَا يَرَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وتَجَاوُزِ الله تعالَى عنِ الذُّنُوبِ العِظامِ، إلاَّ ما كانَ مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ، فقيلَ: وما رَأَى مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ؟، فقال: إنَّهُ قَدْ رَأَى جِبْرِيلَ وهو يَزَعُ الملائِكَةَ»، مُرسَلٌ منكر!

رواه مالك في «الموطأ»، ولا يوجد له أصل متصل، وقد حسنه ابن عبدالبر لشواهده؛ ولأنه في الفضائل!

6- حديث طلحة بن عبيدالله بن كَريز، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ وَمَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا»، مرسلٌ منكرٌ!

7- قال الحاكم في «حَجَّاج بن قَمَرِيّ»: "شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ"!! وأخطأ في ذلك! بل هو منكر الحديث!

8- وَهِمَ عبدالرَّحْمَن بن أبي حَاتِم الرَّازِيّ في التفريق بين «حجاج بن سليمان بن القمري» الذي يروي عن الليث بن سعد. ويروي عنه: محمد بن سلمة المرادي، وبين «حجاج بن سليمان الرعيني» الذي يروي عن ابن لهيعة، ويروي عنه: يونس بن عبدالأعلى!!

وتبعه على هذا التفريق والوهم: الدَّارَقُطْنِيّ، والذهبي.

9- روى مسلمٌ في «صحيحه» حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدْعُو لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ، إِلَّا قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ بِمِثْلٍ»، وحديث عَبْدالمَلِكِ بن أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ صَفْوَانَ بن عَبْدِاللهِ بنِ صَفْوَانَ، عن أَبي الدَّرْدَاءِ، وفيه قصة.

وهذا الحديث في أسانيده اختلاف بين الرفع والوقف بيّنها البخاري في «تاريخه الكبير»، ولهذا لم يُخرّجه في «صحيحه».

وقد رجّح الدارقطني رواية الوقف عن طلحة بن عبيدالله، وصحح المرفوع من رواية عبدالملك بن أبي سليمان!

والصحيح أن هذا الحديث لا يصح مرفوعاً، والصواب فيه الوقف من قول أبي الدرداء.

وعبدالملك بن أبي سليمان كان يصل الموقوف، ويقف الموصول كما قال يحيى القطان، وهذا الحديث أصله موقوف، وقد رفعه فأخطأ!

10- الأصل عدم الاحتجاج بالمرسل، وأهل النقد على أن المرسل ضعيف، ومراسيل مالك تدخل في ذلك، وقول ابن عبدالبر فيها: "مَرَاسِيلَ مَالِكٍ أُصُولُهَا صِحَاحٌ كُلُّهَا" ليس بصحيح! فهناك مراسيل منها لا أصل لها مثل مرسلي طلحة بن عبيدالله بن كَريز عن عرفة!

11- تفضيل بعض أهل النقد لمراسيل مالك على غيره لا يعني الاحتجاج بها مطلقاً! وهذا التفضيل إنما يكون في مقابل شيء آخر.

12- احتجاج بعض أهل العلم بالمراسيل من باب أنها أفضل من رأي الرجال، مع احتمال أنها قد تكون مسندة لكن لم يقفوا لها على إسناد لها!

13- كان بعض العلماء يحتج بالمرسل مثل سفيان الثوري، ومالك بن أنس، والأوزاعي، حتى جاء الشافعي فتكلم فيها، والشروط التي وضعها الإمام الشافعي في الاحتجاج بالمرسل إنما هو للرد على احتجاج الإمام مالك بالمرسل.

14- كان سفيان بن عُيينة يذهب للعمل بهذا بحديث دعاء عرفة المرسل، والعمل لا يعني التصحيح!

15- حديث: «أفضل مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» كأنه مأخوذ مما هو محفوظ عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنَ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ. لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ. وَنَصَرَ عَبْدَهُ. وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ».

16- كان ابن عمر يدعو بعرفة والطواف بهذا الذكر «لاَ إلَهَ لاَ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» وغيره من الدعاء، ولا يرفع ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان يتخيّر من الذكر والدعاء ما يشاء، وهذا ما رُوي عن ابنه سالم أيضاً، ولو كان هناك شيء مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم لذكروه.

17- المطلب بن عَبداللَّهِ بن حنطب المخزومي المدني صاحب المرسل الآخر من الحديث ثقة كثير الإرسال عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كثير من الصحابة، وهو وطلحة بن عبيدالله بن كريز من الطبقة نفسها تقريباً على اختلاف بين أهل العلم في تصنيفهما في أيهما أقدم طبقة، والأقرب أنه أقدم طبقة من طلحة، وكلاهما مدني، وكلاهما يُرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وأدركا طبقة الصحابة ممن توفوا بعد سنة (70هـ)، والحديث منتشر عند بعض التابعين من أهل المدينة بالإرسال، ولا يُستبعد أن يكون طلحة أخذه من المطلب أو العكس! على أن الميل إلى أن أصل الحديث هو مرسل المطلب بن عبدالله بن حنطب.

18- عبْداللَّهِ بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حُسَيْنٍ النَّوْفَلِيُّ، القُرَشِيُّ المَكِّيُّ صاحب المرسل الثالث من الحديث ثقة، يُرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة، وقد أدرك أَبا الطُّفَيْلِ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في نفس الطبقة التي ذكر فيها الذهبي طلحة بن عبيدالله، وكان عالماً بالمناسك، وهذا الدعاء يُذكر في مناسك الحج، وإرساله له يدلّ على أنه لا يعرف إلا مرسلاً، وربما أخذه من طلحة بن عُبيدالله بن كَريز فأرسله؛ لأنه مرسل أصلاً.

19- هناك بعض الاستشكالات في حديث: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ»، وهي:

الأول: هل الواو عاطفة أم استئنافية، والأرجح أنها عاطفة.

الثاني: هذا ذكر وليس بدعاء!

وأجيب عن هذا بأن هذا ثناء، وقد سماه دعاء لأنه مقدمة الدعاء، وهذا من باب الأدب مع الخالق.

الثالث: أن هناك من العلماء من قال بأن أَفْضَل الذِّكْرِ: «الحَمْد لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ»، وهذا يُعارض ما جاء في الحديث! ورجّح بعض أهل العلم ما جاء في الحديث أنه أفضل الذكر: «لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ».

20- جاء الحديث من طرق أخرى متصلة، من رواية عبدالله بن عمرو بن العاص، وعلي بن أبي طالب، وابن عمر، وجابر بن عبدالله الأنصاريّ، والمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، وكلها واهية منكرة!

21- عبداللَّه بن عُبَيْدَة الربذي أَخُو مُوسَى بن عُبَيْدَة، قتلته الحرورية بِقديد سنة ثَلَاثِينَ ومائة، ولم يدرك علياً، ولم يسمع من جابر بن عبدالله.

وقد ضعفه ابن معين، وأحمد، والسمعاني، ووثقه يعقوب بن شيبة والدارقطني، ومشّاه النسائي، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وفي «المجروحين»!

والصواب أنه ليس بضعيف، وهو ثقة، قليل الحديث، والنكارة في حديثه من رواية أخيه موسى عنه!

22- ذهب يحيى بن معِين إلى أن مُوسَى بن عُبَيْدَة تفرد بالرواية عَن أخيه عَبْداللَّهِ بن عُبَيْدَة الربذي! وتبعه على ذلك ابن عدي، ووهما في ذلك! فقد روى له البخاري حديثاً واحداً في التَّعْبِير والمغازي فِي بَاب قصَّة العَنسِي عَن صَالح بن كيسَان عَنهُ عَن عُبَيداللَّهِ بن عبد الله بن عتبَة، عَنِ ابنِ عباس فِي ذكر مسيلمة الكذاب، ورؤيا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ إنه وضع فِي يديه سِواران من ذهب.

23- كان عَبْدالرَّحْمَن بن مُحَمَّد المحَاربي يُدلّس، وكان جَلِيسًا لِسَيْفِ بنِ مُحَمَّدِ ابنِ أُخْتِ سُفْيَانَ، وَكَانَ سَيْفٌ كَذَّابًا، وكان المحاربيّ يسمع منه أحياناً ويُدلّس عنه!

والمحاربي صدوق إلا أنه كان كثير الغلط والوهم! ولَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى حديثين مُتَابعَة.

24- قول الحافظ ابن حجر في ترجمة المحاربي في «تهذيب التهذيب»: "وقال عبدالله بن أحمد عن أبيه: بلغنا أنه كان يدلس"، وقوله في «التقريب»: "وكان يُدَلِّسُ، قاله أحمد"! خطأ! فالذي نسبه للتدليس هو عبدالله بن أحمد لا الإمام أحمد كما في «العلل».

25- قول أهل النقد المتقدمين «بلغنا» في أحوال الرجال لا تُحمل على التضعيف كما هو الحال في أسانيد الأحاديث، وهي صحيحة، وإنما يستعملون هذه اللفظة لعدم أخذهم المعلومة مباشرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك

15 رمضان 1439 هـ.

شاركنا تعليقك