الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الإنارَة والاِسْتِنَارَة» فِي بيان الاختلاف بين الإِمامين أحمد والبخاريّ في «حَدِيثِ الِاسْتِخَارَة»!

«الإنارَة والاِسْتِنَارَة» فِي بيان الاختلاف بين الإِمامين أحمد والبخاريّ في «حَدِيثِ الِاسْتِخَارَة»!

بسم الله الرّحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه الطاهرين الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدِّين، أما بعد:

فإنّ «حديث الاستخارة» من الأحاديث المشتهرة بين الناس، وقد أخرجه الإمام البخاريّ في «صحيحه» في عدّة مواضع، ومما لا يعرفه كثير من الناس وطلبة العلم أن الإمام أحمد قد استنكر هذا الحديث! وسأعرض لهذا الاختلاف بين الإمامين وحجّة كلّ واحد منهما - فيما يظهر لنا أو يمكن أن نستدل به لأحد القولين- بعد تخريجه والكلام عليه إن شاء الله تعالى.

 

تخريج الحديث:

رَواهُ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ أَبِي المَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: «إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي " قَالَ: ويُسَمِّي حَاجَتَهُ».

أخرجه البخاري في «صحيحه»، كتاب الصلاة، بَابُ مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى، (2/57) (1172) عن قُتَيْبَة بن سعيد.

وفي كتاب الدعوات، بَاب الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاسْتِخَارَةِ (8/81) (6382) عن مُطَرِّف بن عَبْدِاللَّهِ أَبي مُصْعَبٍ.

وفي كتاب التوحيد، بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ القَادِرُ} [الأنعام: 65]، (9/118) (7390) عن إِبْرَاهِيم بن المُنْذِرِ، عن مَعْن بن عِيسَى.

وأخرجه الترمذي في «جامعه»، كتاب الصلاة، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلاَةِ الاِسْتِخَارَةِ، (1/604) (480) عن قُتَيْبَة.

وأخرجه أبو داود في «سننه»، كتاب الصلاة، باب الاستخارة، (2/640) (1538) عن عبدالله بن مسلمة القَعْنَبيِّ، وعبدالرحمن بن مقاتل خال القعنبيِّ، ومحمد بن عيسى بن الطبَّاع.

وأخرجه النسائي في «سننه الكبرى»، كتاب النكاح، باب الِاسْتِخَارَة، (5/246) (5551)، وفي كِتَاب النُّعُوتِ، عَلَّامُ الغُيُوبِ، (7/152) (7682)، وفي كِتَاب عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، باب مَا يَقُولُ إِذَا هَمَّ بِالْأَمْرِ، (9/185) (10259) عن قُتَيْبَة.

وأخرجه ابن ماجه في «سننه»، كتاب الصلاة، بَابُ مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ، (1/440) (1383) عن أَحْمَد بن يُوسُفَ السُّلَمِيّ، عن خَالِد بن مَخْلَدٍ.

وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد»، بَابُ الدُّعَاءِ عِنْدَ الِاسْتِخَارَةِ، (703) عن مُطَرِّف بن عَبْدِاللَّهِ أَبي المُصْعَبِ.

وأخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه»، الرَّجُلُ يُرِيدُ الحَاجَةَ مَا يَدْعُو بِهِ؟ (6/52) (29403) عن زَيْد بن الحُبَابِ.

ومن طريقه أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» (1/183) (421).

وأخرجه أحمد في «مسنده» (23/55) (14707) عن إِسْحَاق بن عِيسَى، وأَبي سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ.

ورواه عبدالله بن أحمد في «زوائده على المسند» عن مَنْصُور بن أَبِي مُزَاحِمٍ.

وأخرجه عبدُ بن حُميد في «مسنده» [كما في المنتخب (2/168) (1087)] عن خَالِد بن مَخْلَدٍ.

وأخرجه أبو يعلى الموصلي في «مسنده» (4/67) (2086) عن مَنْصُور بن أَبِي مُزَاحِمٍ.

وأخرجه ابن حِبّان في «صحيحه»، ذِكْرُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ لِمَنْ أَرَادَ أَمْرًا إِنَّمَا أُمِرَ بِذَلِكَ بَعْدَ رُكُوعِ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، (3/169) (887) عن الحَسَن بن سُفْيَانَ، عن قُتَيْبَة بن سَعِيدٍ.

وأخرجه الطبراني في «الدعاء» (1303) من طريق سَعِيد بن أَبِي مَرْيَمَ.

وأخرجه الطوسي في «مستخرجه على جامع الترمذي» (2/449) من طريق أبي عَامِر العَقَدِيّ عبدالملك بن عَمْرو، وَبشر بن عُمَرَ الزَّهْرَانِيّ.

كُلُّهم (قُتَيْبَة بن سعيد، ومُطَرِّف بن عَبْدِاللَّهِ، ومَعْن بن عِيسَى، والقَعْنَبيّ، وعبدالرحمن بن مقاتل، ومحمد بن عيسى بن الطبَّاع، وخَالد بن مَخْلَد، وزَيْد بن الحُبَاب، وإِسْحَاق بن عِيسَى، وأَبو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، ومَنْصُور بن أَبِي مُزَاحِمٍ، وسَعِيد بن أَبِي مَرْيَمَ، وأبو عامر العقدي، وبشر الزهراني) عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي المَوَالِي، به، بألفاظ متقاربة.

 

تصحيح الحديث واستنكار الإمام أحمد له!

الحديث صححه جماعة من الأئمة، وتخريج البخاري له في ثلاثة مواضع من كتابه يدلّ على أنه وصل إلى قمة الصحة عنده.

وقال الترمذي: "حَدِيثُ جَابِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي المَوَالِ. وَهُوَ شَيْخٌ مَدِينِيٌّ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ حَدِيثًا، وَقَدْ رَوَى عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الأَئِمَّةِ".

ولا أعرف أحداً تكلّم عليه سوى الإمام أحمد، فإنه استنكره!

روى ابن عدي في «الكامل» في ترجمة «عبدالرحمن بن أبي الموالي» (5/499) قال: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عِصْمَةَ، قال: حَدَّثَنا أبو طالب قال: سألت أحمد بن حنبل عن عَبدالرحمن بن أَبِي المَوَالِي؟ قال: "عَبدالرحمن لا بأس به".

قَال: "كَانَ مَحْبُوسًا فِي المُطْبَقِ حِينَ هُزِمَ هَؤُلَاءِ - يَعْنِي بَنِي حَسَنٍ – قالَ: وَرُوِيَ عَن مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ حَدِيثُ الِاسْتِخَارَةِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يَرْوِيهِ غَيْرُهُ وَهُوَ مُنْكَرٌ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ إِذَا كَانَ حَدِيثٌ غَلَطًا يَقُولُونَ بن الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ يَقُولُونَ ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ يحيلون عليهما".

ثم ساق في ترجمته حديث الاستخارة عن مُحَمد بن الحَسَنِ النحاس، عن مَنْصُور بن أَبِي مُزَاحِمٍ، عنه، ثم ساق له بعض المنكرات، ثم قال: "لعبدالرحمن بن أَبِي الْمَوَالِي أحاديث غير ما ذكرت، وَهو مستقيم الحديث والذي أنكر عليه حديث الاستخارة، وقد روى حديث الاستخارة غير واحد من أصحاب النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ كما رواه ابن أَبِي المَوَالِي".

قلت: وقع في مطبوع ابن عدي: "نَعم ليس يرويه غيره! لا بأس به وأهل المدينة.."، بزيادة "لا بأس به" في النص، وكذا هو في «مختصر الكامل» (ص496)! وكأنه سبق نظر إلى قول أحمد أولاً فيه أنه لا بأس به، ووجوده في آخر النص لا معنى له ولا يستقيم الكلام به، ولما نقل الذهبي هذا النص عن أحمد في «تاريخ الإسلام» (4/682) لم يذكر فيه "لا بأس به" بعد قوله: "ليس يرويه غيره"، وكذا الحافظ مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (8/239) وهذا يدلّ على أنه حصل سبق نظر لمن نسخ كتاب ابن عدي، والله أعلم.

فهنا صرّح الإمام أحمد بنكارة حديث الاستخارة الذي تفرد به عبد الرحمن بن أبي الموالي، وهذا لا يخالف قوله فيه في بداية كلامه أنه لا بأس به، فهو لا بأس به، لكن هذا الحديث الذي رواه عن ابن المنكدر منكر! ثمّ بيّن الإمام أحمد حجته في ذلك وكيف حصل الغلط فيه، وهو أن أهل المدينة إذا غلط بعض الرواة يسلك جادة مشهورة، ومن أشهرها في المدينة: ابن المنكدر عن جابر.

قال ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/693) بعد أن نقل قول أحمد هذا: "ومراد أحمد بهذا: كثرة من يروي عن ابن المنكدر من ضعفاء أهل المدينة، وكثرة من يروي عن ثابت من ضعفاء أهل البصـرة، وسيء الحفظ والمجهولين منهم، فإنه كثرت الرواية عن ثابت من هذا الضـرب، فوقعت المنكرات في حديثه، وإنما أتى من جهة من روى عنه من هؤلاء. ذكر هذا المعنى ابن عدي وغيره. ولما اشتهرت رواية ابن المنكدر عن جابر، ورواية ثابت عن أنس صار كلّ ضعيف وسيء الحفظ إذا روى حديثاً عن ابن المنكدر يجعله عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن رواه عن ثابت، جعله عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم. هذا معنى كلام الإمام أحمد، والله أعلم".

وفي «مسائل حرب» (ص473): قال أحمد مرة: عندما سئل عن ابن أبي الموال: "يروي حديثًا لم يروه أحد - يعني: حديث الاستخارة- عن جابر، وكان يُضعفه".

وقال الدارقطني في «الغرائب والأفراد» [كما في الأطراف: (2/388) (1706)]: "غَرِيب من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الموال [عن محمد] عَن جَابر، وَهُوَ صَحِيح عَنهُ".

وقال الذهبي في «الميزان» (2/592) في ترجمة «عبد الرحمن»: "ثقة مشهور، لكنه خرج مع محمد بن عبدالله بن حسن. وقال أحمد بن حنبل: حديثه في الاستخارة منكر.

قلت: قد أخرجه البخاري، ثم قال أحمد: لا بأس به. وأهل المدينة إذا كان حديث غلطا يقولون: ابن المنكدر عن جابر"، ثم ساق كلام ابن عدي المتقدم، وساق له حديثه عن نافع، عن ثابت، عن عبد الله بن الزبير، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى العشاء ركع أربع ركعات، وأوتر بسجدة، ثم نام حتى يصلى بعد صلاته بالليل».

قال الذهبي: "غريب جداً، منكر".

ثم ساق حديثه عن عبيد الله بن موهب، عن عمرة، عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ستة لعنتهم لعنهم الله، وكل نبي مجاب الدعوة: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله، والمستحل بحرم الله، ومن عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي».

قال أبو زرعة: "هذا خطأ، الصحيح عن ابن موهب عن علي بن الحسين مرسل".

وقال الترمذيُّ: "هكذا روى عبدالرحمن بن أبي الموالي هذا الحديث عن عبيدالله بن عبد الرحمن بنِ مُوهِبٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عائشة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ورواه سفيان الثوري وحفص بن غياث وغير واحد، عن عبيد الله بن عبدالرحمن بنِ مُوهِبٍ، عَنْ عَلِيِّ بنِ حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، وهذا أصحُّ".

قلت: فهذا يدلّ على أن عبد الرحمن بن أبي الموالي يهم في حديثه! ولا يُقبل تفرده خاصة إذا كان عن راوٍ مشهور مثل محمد بن المنكدر.

وأين مالك وسفيان بن عيينة والثوري وشعبة وابن جريج والزهري وهشام بن عروة وغيرهم من أصحاب ابن المنكدر عن هذا الحديث؟!!! بل أين أولاد محمد بن المنكدر: المنكدر ويوسف عنه؟!!

وقد روى البخاري في «صحيحه» (1/83) (370) من طريق ابن أَبِي المَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ: وَهُوَ «يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ، وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ»، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ، قَالَ: نَعَمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الجُهَّالُ مِثْلُكُمْ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي هَكَذَا».

وقد توبع عليه. رواه البخاري أيضاً في «صحيحه» (1/80) (352) من طريق وَاقِد بن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: «صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى المِشْجَبِ»، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟، فَقَالَ: «إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

فابن أبي الموالي إذا توبع على حديثه قُبل، وإلا رُدّ.

قال ابن حجر في «الفتح» (11/184) بعدما نقل كلام أحمد باستنكاره الحديث: "وقَدِ اسْتَشْكَلَ شَيْخُنَا - العراقي-  فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الكَلَامَ وقالَ: مَا عَرَفْتُ المُرَادَ بِهِ فَإِن بن المُنْكَدِرِ وَثَابِتًا ثِقَتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا! قُلْتُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَهُمُ: النُّكْتَةُ فِي اخْتِصَاصِ التَّرْجَمَة الشُّهْرَة وَالكَثْرَة".

قلت: مراد ابن حجر أن ما ذكره أحمد هو التنبيه على هذه التراجم المشهورة التي تروى بها أحاديث كثيرة لا التضعيف!!! وهذا التأويل لكلام الإمام أحمد فيه بُعد!!

 

أقوال العلماء في ابن أبي الموالي:

وهو صدوق يَهم.

قَال ابن مَعِين، والتِّرْمِذِيّ، والنَّسَائي، وأبو داود: "ثقة".

وقَال إسحاق بْن منصور، عَن يحيى بن مَعِين: "صالح".

قلت: "صالح" يعني: يُكتب حديثه للاعتبار.

وَقَال أَبُو زُرْعَة: "لا بأس به. صدوق".

وقَال أَبُو حَاتِم: "لا بأس به، وهو أحبّ إليّ من أَبِي معشر".

وَقَال عَبْدالرَّحْمَنِ بْن أَبي حَاتِم: سئل أَبِي: يَحْيَى بْن أيوب أحب إليك أو ابْن أَبي الموال؟ قال: "يَحْيَى بن أيوب أحب إلي، ومحل يَحْيَى الصدق، يكتب حديثه ولا يحتج بِهِ".

قلت: وهذا يعني أن ابن أبي الموالي "يُكتب حديثه ولا يُحتج به" عند أبي حاتم.

وقَال ابن خراش: "صدوق".

وذكره ابنُ حِبَّان في كتاب "الثقات" وقَال: "يُخطئ".

وقال ابن حجر: "صدوق ربما أخطأ".

قلت: حاصل كلام أهل العلم فيه أنه صدوق يُخطئ، ويُكتب حديثه للاعتبار، ولا يُقبل ما انفرد به، وهو يحتاج لمتابع.

 

هل قصد الإمام أحمد بالنكارة: التفرد؟!

ذهب بعض أهل العلم إلى أن بعض الأئمة المتقدمين قد يطلقون النكارة على بعض الأحاديث، ويقصدون بذلك: "مطلق التفرد"!

قال الحافظ ابن حجر - بعد أن نقل كلام ابن عدي عن الإِمام أحمد: "بأن عبد الرحمن: روى حديثًا منكرًا في الاستخارة" في «النتائج» قال: "وكأنه -أي ابن عدي- فهم من قول أحمد: له منكر: تضعيفه، وهو المتبادر، لكن اصطلاح أحمد إطلاق هذا اللفظ على الفرد المطلق، ولو كان راويه ثقة، وقد جاء عنه ذلك في حديث "إنما الأعمال بالنيات" فقال في رواية محمد بن إبراهيم التيمي: وروى حديثًا منكرًا. ووصف محمدًا مع ذلك بالثقة".

وقد صرّح العيني بأن قول أحمد هو تضعيف للحديث!

قال في «عمدة القاري شرح صحيح البخاري» (7/222): "وقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث جَابر حسن صَحِيح غَرِيب لَا نعرفه إلاَّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي، وَهُوَ شيخ مدنِي ثِقَة، روى عَنهُ سُفْيَان حَدِيثا، وَقد روى عَن عبدالرَّحْمَن غير وَاحِد من الْأَئِمَّة انْتهى. قلت: حكم التِّرْمِذِيّ على حَدِيث جَابر بِالصِّحَّةِ تبعا للْبُخَارِيّ فِي إِخْرَاجه فِي الصَّحِيح، وَصَححهُ أَيْضا ابْن حبَان، وَمَعَ ذَلِك فقد ضعفه أَحْمد بن حَنْبَل، فَقَالَ: إِن حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أبي الموَالِي فِي الاستخارة مُنكر".

 

الخلط بين النكارة والتفرد!!:

وذكر ابن عبدالهادي في «تنقيح التحقيق» (4/231) حديثاً ثم قال: "وَيُوسُفُ بْنُ إسْحَاقَ مِنْ الثِّقَاتِ الْمُخَرَّجِ لَهُمْ فِي «الصَّحِيحَيْنِ» قَالَ: وَقَوْلُ الدَّارَقُطْنِيِّ فِيهِ: غَرِيبٌ تَفَرَّدَ بِهِ عِيسَى عَنْ يُوسُفَ لَا يَضُـرُّهُ"، ثم نقل عن الضياء المقدسي قوله: "فَإِنَّ غَرَابَةَ الحَدِيثِ وَالتَّفَرُّدَ بِهِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصِّحَّةِ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي «حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ»: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ جَابِرٍ، وَفِي حَدِيثِ «رَحِمَ الله رجل سَمْحًا إذَا بَاعَ»: تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو غَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَفِي حَدِيثِ «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»: تَفَرَّدَ بِهِ عَلِيُّ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَكُلُّهَا مُخَرَّجَةٌ فِي «صَحِيحِ البُخَارِيِّ»، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ".

قلت: كلام ابن عبد الهادي والضياء المقدسي على التفرد لا على إطلاق لفظ «المنكر» على الحديث! وما قاله الضياء صحيح في أن غرابة الحديث والتفرد به لا يخرجه عن الصحة، وتطبيق هذا على حديث الاستخارة فيه نظر! لأننا في صدد تفسير قول الإمام أحمد بإطلاق لفظ النكارة عليه! وهما نظرا إلى قول الدارقطني فيه "غريب من حديث عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد عن جابر، وهو صحيحٌ عنه"، أي صحّت روايته عن ابن الموالي لا أنه يُصحح الحديث؛ لأنه قال في بداية كلامه: "غريب من حديث عبد الرحمن.."، فلو كان غريباً عنه بمعنى أنه لم تصح الرواية عنه لما قال: "وهو صحيح عنه" أي صحيح عن عبد الرحمن لا عن جابر.

وفي «تذكرة الموضوعات» للفتني (ص: 48): "فِي المُخْتَصـر «صَلَاة الاستخارة» رَوَاهُ البُخَارِيّ عَن جَابر، وَقَالَ الإِمَام أَحْمد هُوَ حَدِيث مُنكر. قَالَ الحقير: استفتيت فِيهِ بعض أَئِمَّة مَكَّة المشـرفة فِي كِتَابَة فَكتب إِلَيّ الجَواب: بِأَن أَحْمد يُطلق الْمُنكر على الفَرد المُطلق، وَإِن كَانَ رَوَاهُ ثِقَةٌ مَعَ أَن حَدِيث الاستخارة رُوِيَ عَن سِتَّة من الصَّحَابَة غير جَابر".

وفي «سلسلة الأحاديث الصحيحة» للألباني (3/434) ذكر حديثاً، ثم قال: "قال حمدان بن علي: سألت أحمد عن حديث عبد العزيز القسملي: استغنوا عن الناس؟ قال: منكر، ما رأيت حديثا أنكر منه". قلت: ولعله يعني مجرد التفرد الذي لا يستلزم الضعف كما قال في حديث الاستخارة الذي رواه البخاري أنه منكر، وإلا فإسناد حديث الترجمة صحيح على شرط الشيخين".

 

هل وصف الإمام أحمد «محمد بن إبراهيم التيمي» بأنّه يروي المناكير؟!

قلت: هكذا حاول بعض أهل العلم دفع لفظ «منكر» عن حديث الاستخارة بحمل هذا اللفظ من الإمام أحمد على «الفرد المطلق»! واستعانوا بذلك كما صرّح ابن حجر بأن الإمام أحمد أيضاً قال عن أحاديث محمد بن إبراهيم التيميّ بأن فيها نكارة! وهو راوي حديث «إنما الأعمال بالنيات»! فقالوا بأن أحمد يقصد: الفرد الغريب لا النكارة التي يُردّ بها الحديث!!

وهذا فيه نظر شديد! فالذي أراده الإمام أحمد من إطلاق لفظ «منكر» على حديث ما هو نفسه المعنى الذي يطلقه أئمة النقد في ردّ الأحاديث لا الحديث الفرد الغريب المطلق الذي قد يكون صحيحاً!! ومن تابع كلام الإمام أحمد فيما نقله عنه الخلال في «المنتخب من العلل» وجد هذا جلياً: أنه يريد النكارة التي يُرد بها الحديث، وهذا الذي فهمه أهل العلم كابن عدي وغيره، ولم يحملوا كلامه على ما حمله ابن حجر وغيره.

 

لم يطعن الإمام أحمد في محمد بن إبراهيم التيميّ!

وأما استدلال ابن حجر بما نقله عن أحمد في «محمد بن إبراهيم التيمي» مِنْ وصفه أحاديث بأن فيها نكارة! فهذا قد وقع فيه خطأ غاب عن كلّ هؤلاء الأئمة، وهذا أوان بيانه وتوضيح الخلل الذي حدث في كلام الإمام أحمد رحمه الله.

جاء في كتاب «العلل ومعرفة الرجال» (1/566) (1355) قال عبد الله ابن الإمام أحمد: سمعته - يعني أباه - وَذكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ المَدِينِيّ، فَقَالَ: "فِي حَدِيثه شَيْء! يروي أَحَادِيث مَنَاكِير أَو مُنكرَة، وَالله أعلم".

وعلى هذا اعتمد العقيلي فأورده في «الضعفاء» (4/20) (1574) فروى هذا عن عبد الله بن أحمد.

وساق له مِنْ حَدِيثِهِ قال: مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُالعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ وَعَبْدُالعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى رَقَاهُ جِبْرِيلُ، فَقَالَ: «بِاسْمِ اللَّهِ يُبْرِيكَ وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ، مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ».

قلت: لما لم يجد العقيلي حديثاً منكراً لمحمد بن إبراهيم ساق له هذا الحديث الذي أخرجه مسلم في «صحيحه»!

وكذا فعل ابن عَدي في «الكامل» (7/303) فإنه ذكره في كتابه ثم رواه عن ابن حماد، عن عَبداللَّه بن أحمد، عن أبيه.

ثم قال: "وَمُحمد بن إبراهيم التيمي إن كَانَ ابن حنبل أراد به مُحَمد بن إِبْرَاهِيم بن الحارث التيمي مديني، يُحدِّث عَن أَبِي سلمة فهو عندي لا بأس به، ولاَ أعلم له شيئاً منكراً إذا حدث عنه ثقة".

قلت: يستغرب ابن عدي أن يكون الإمام أحمد قال هذا في محمد بن إبراهيم التيمي! ولهذا قال: "إن كان ابن حنبل أراد به محمد بن إبراهيم.."؛ لأنه لا يوجد له أي حديث منكر!!

وكلّ من ترجم لمحمد بن إبراهيم التيمي نقل قول أحمد هذا فيه!

قال يوسف بن عبد الهادي المعروف بابن المِبْرَد في «بحر الدم فيمن تكلم فيه الإمام أحمد بمدح أو ذم» (ص: 133) (874): "محمد بن إبراهيم بن الحارث بن صخر التيمي، أبو عبد الله: قال أحمد: في حديثه شيء يروي أحاديث منكرة".

قلت: لا يمكن أن يقول الإمام أحمد هذه العبارة الشديدة في مثل محمد بن إبراهيم التيمي! بل هو ثقة مطلقاً، ولا يوجد له أي حديث منكر أو فيه نكارة!

 

الإمام أحمد تكلّم في موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي لا في أبيه!

والذي أراه أنه قال ذلك في ابنه «موسى بن محمد بن إبراهيم التيميّ» فسقط من كتاب عبد الله «موسى بن» فصارت العبارة في أبيه «محمد بن إبراهيم التيمي»!

ويدلّ على ذلك عدّة قرائن:

الأولى: أنّ هذا النص من الإمام أحمد كان في سياق بيانه لمنكرات بعض الرواة الضعفاء.

قال عبد الله: "سَمِعت أبي يَقُول وَذكر القَاسِم أَبَا عبدالرَّحْمَن فَقَالَ: قَالَ بعض النَّاس: هَذِه الْأَحَادِيث الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَنهُ جَعْفَر بن زبير وَبشر بن نمير ومطرح.

قَالَ أبي: عَليّ بن يزِيد من أهل دمشق حدث عَنهُ مطرح، وَلَكِن يَقُولُونَ هَذِه من قبل القَاسِم فِي حَدِيث القَاسِم مَنَاكِير مِمَّا يَرْوِيهَا الثِّقَات يَقُولُونَ من قبل القَاسِم.

سَمِعت أبي يَقُول: حبَان أصح حَدِيثا من منْدَل.

سمعته وَذكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ الْمَدِينِيّ فَقَالَ فِي حَدِيثه شَيْء يروي أَحَادِيث مَنَاكِير أَو مُنكرَة، وَالله أعلم".

قلت: فالإمام أحمد يتكلم عن بعض الرواة الضعفاء وما يُروى عنهم من مناكير، فذكر عَليّ بن يزِيد الألهاني (توفي بعد 110هـ)، ثم ذكر حبَان بن علي (ت171هـ) وأنه أصح حديثاً من أخيه منْدَل بن علي (ت167هـ)، ثم ذكر موسى بن محمد بن إبراهيم (ت151هـ).

وهؤلاء الذين ذكرهم من الضعفاء الذين يكثر في رواياتهم المناكير، فيستحيل أنه ذكر معهم «محمد بن إبراهيم التيمي» الحافظ الثقة، وإنما أليق أن يكون ابنه موسى معهم.

الثانية: أنه نُقل عن الإمام أحمد أنه قال هذه العبارة في «موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي».

ذكر المزي في «تهذيب الكمال» (29/139): "مُوسَى بن مُحَمَّد بْن إِبْرَاهِيم بْن الحارث القرشي التَّيْمِيّ، أبو مُحَمَّد المدني"، وساق في ترجمته: وَقَال أَبُو عُبَيد الآجري: سئل أَبُو دَاوُدَ عَنْ مُوسَى بن محمد ابن إِبْرَاهِيمَ، قال: "بلغني عن أَحْمَد بن حنبل أنه كَانَ يضعفه".

ولما ذكر أيضاً (29/18): "(د س): موسى بْن إبراهيم بْن عبدالرَّحْمَنِ بْن عَبداللَّهِ بْن أَبي ربيعة بن عَبداللَّهِ بْن عُمَر بْن مخزوم القرشي المخزومي، وقيل: مُوسَى بن مُحَمَّد بن إبراهيم".

قال: قال أَبُو دَاوُدَ: "مُوسَى ضَعِيفٌ، وهُوَ مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قال: وبَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ كَرِهَ الرِّوَايَةَ عَنْ مُوسَى، قال: ولَهُ أَحَادِيثُ مَنَاكِيرُ. سُئِلَ عَنِ الشَّـرْطِ لِلتَّيَّاسِ فَكَرِهَهُ، وَقَال: لا بَأْسَ بِأَنْ يُهْدَى لَهُ".

قلت: وقول أبي داود: "وبلغني عن أحمد" لا يعني أنه يرويه بصيغة التمريض = التضعيف، وكأنه لما لم يجده في كتاب أحمد في العلل ساق ما سمعه من كلام أحمد في موسى بقوله: "وبلغني"! وأبو داود إذا قال: "بلغني عن فلان" فلا يعني أنه يضعّف القول الذي ينقله، وإنما يقوله بهذه الصيغة لأنه لم يجده في كتب من ينقل عنه القول.

الثالثة: أنّ أقوال أهل النقد في «موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي» توافق القول الذي قاله أحمد ونُسب لأبيه لا له!

قال عباس الدُّورِيُّ، عَن يحيى بْن مَعِين: "ضعيف الحديث".

وَقَال معاوية بْن صالح وأَحمد بْن سعد بْن أَبي مريم، عَنْ يحيى بْن مَعِين: "ليس بشـيءٍ". زاد ابن أَبي مريم عن يَحْيَى: "ولا يكتب حديثه".

وقَال البُخارِيُّ: "حديثه مناكير".

وَقَال أَبُو عُبَيد الآجري: سألت أبا داود عَنْ مُوسَى بْن محمد ابن إِبْرَاهِيمَ، فَقَالَ: "لا يكتب حديثه".

وَقَال إِبْرَاهِيم بْن يعقوب الجوزجاني: "ينكر الأئمة حديثه".

وَقَال أَبُو زُرْعَة: "منكر الحديث".

وَقَال أَبُو حاتم: "ضعيف الحديث، منكر الحديث، وأحاديث عقبة بن خالد التي رواها عَنْهُ من جناية مُوسَى، ليس لعقبة فيها جرم".

قلت: فهذه أقوال أهل النقد في موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي وأن أحاديثه مناكير، وهو الذي قصده أحمد في عبارته التي توافق أقوالهم، ولا يمكن أن يقصد الأب؛ لأن حديث الأب لا نكارة فيه، ولا يخفى هذا عن مثل الإمام أحمد! يتكلّم في الأب ويصف حديثه بالنكارة وهو لا نكارة فيه، ويترك الكلام عن ابنه وهو الذي في حديثه النكارة.

 

سقطٌ من كتاب عبدالله بن أحمد!

وبهذه القرائن يتبيّن لنا أنه حصل سقط في كتاب عبد الله ولا بدّ! سقط منه «موسى بن» فصار الكلام في والده «محمد بن إبراهيم التيمي»! فيُحتمل أن السقط في أصل الكتاب أو من الكتاب الذي أخذ منه أحمد عن أبيه! أو من النسخة المشتهرة عن عبد الله كأن يكون نسخها أحد النساخ، فسقط منها أشياء، ومن حملها عن عبد الله سمع شيئاً منها وأجازه ببقية الكتاب أو أجاز الكتاب لهم دون قراءة كما كانت العادة عندهم، والله أعلم.

ولهذا احتار العقيلي وابن عدي لأنهما نقلا هذا من كتاب عبد الله! فلم يخطر ببالهما أن هناك خلل في النصّ!

فالحمد لله الذي أنعم علينا بهذا بفضله وكرمه.

 

تتابع العلماء وطلبة الحديث على نسبة القول لأحمد بأنه أحياناً يقصد بالمنكر = الفرد المطلق!!

وعليه نقول بأن نسبة القول إلى الإمام أحمد بأنه يقصد «التفرد» في كلامه على بعض الرواة بأن في حديثهم مناكير قول لا يصحّ!

وقد درج طلبة الحديث المعاصرين على هذا المذهب الذي قاله ابن حجر وتابعوه عليه! فلا تكاد تسأل واحداً عن معنى المنكر عند أحمد وغيره من المتقدمين إلا قال لك: "بعض المتقدمين يقصدون بالنكارة الفرد المطلق"! ونسبوا ذلك ليحيى القطان أيضاً!!

والأصل أن مصطلح النكارة هو المعهود عند الجميع ولا يُحمل على مصطلح خاص لبعض الأئمة إلا بوجود القرائن! ولم يأتوا بأية قرينة لما نسبوا هذا لأحمد والقطان! وإنما أحمد والقطان يقولون أحياناً في بعض الأحاديث: "هذا منكر" مع أن الراوي ثقة، وأحياناً يقولون: "فلان أحاديثه مناكير"، فهذا أيضاً يُحمل على ظاهره بعد التأكد من صحة النقل عنهم، وإن تبيّن صحته فيمكن مخالفتهم بالدليل لا أن نحمل ألفاظهم على محمل آخر دون دليل!!

وقد خلط كثير من أهل العلم المتأخرين وطلبة العلم المعاصرين في هذه المسألة!! فحملوا مصطلح "منكر" لبعض الأئمة على الفرد المطلق أو على الغرائب!! وفرقوا بين قولهم: "منكر الحديث" و"يروي أحاديث منكرة"!!

 

هل هناك فرق بين قولهم: «مُنكر الحَدِيث» و«روى مَنَاكِير»؟!

قال الزركشـي في «النكت على مقدمة ابن الصلاح» (3/436): "وَمِمَّا أجمله ابْن الصّلاح قَوْلهم «روى أَحَادِيث مَنَاكِير» قال الشَّيْخ فِي شرح الْإِلْمَام: لَا يَقْتَضِـي بِمُجَرَّدِهِ ترك رِوَايَته حَتَّى تكْثر المَنَاكِير فِي رِوَايَته وَيَنْتَهِي إِلَى أَن يُقَال فِيهِ «مُنكر الحَدِيث» فليتنبه للْفرق بَين قَوْلهم «مُنكر الحَدِيث» و«روى مَنَاكِير». وَقَالَ فِي الْإِلمَام: من يُقَال فِيهِ «مُنكر الحَدِيث» لَيْسَ كمن يُقَال فِيهِ «روى أَحَادِيث مُنكرَة»؛ لِأَن «مُنكر الحَدِيث» وصف فِي الرجل يسْتَحق بِهِ التّرْك لحديثه، والعبارة الْأُخْرَى تَقْتَضِي أَنه وَقع لَهُ فِي حِين لَا دَائِما. وَقد قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل فِي «مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ»: يروي أَحَادِيث مُنكرَة، وَقد اتّفق عَلَيْهِ الشَّيْخَانِ وَإِلَيْهِ المرجع فِي حَدِيث إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ".

قلت: مؤدى عبارة «روى أحاديث مناكير» مثل قولهم «منكر الحديث»، وإلا لِمَ أطلقوا على منكر الحديث هذا المصطلح لولا أنه يروي المناكير!! فلو روى حديثاً منكراً أو اثنين لما قالوا عنه «روى أحاديث مناكير» فإن هذا اللفظ يدلّ على كثرة ما يروي بالنسبة لما عنده من حديث، وقد يكون مُقلاً في الحديث، فيروي أحاديث مناكير بالنسبة لمجموع روايته.

ثم إنّ «محمد بن إبراهيم التيمي» لم نقف على حديث منكر واحد له رواه! فكيف نجعله في صفّ من يضعفه أحمد عندما يقول هذه العبارة في الراوي؟!!

 

سوء فهم لعبارات الإمام أحمد!

قال حرب بن إسماعيل الكِرمانيُّ: قلت لأحمد بن حنبل: قيس بن الربيع، أيُّ شيء ضعَّفه؟ قال: "روى أحاديث منكرة" [الجرح والتعديل (7/98)].

فهذا الإمام أحمد قد أطلق هذه العبارة في قيس، ولما سُئل عن سبب ضعفه قال هذه العبارة، فدلّ ذلك على أنها تضعيف عنده.

وقال عبدالله في «العلل» (3/251): ذكر أبي مُحَمَّد بن كثير المصِّيصِي فضعفه جداً، وَقَالَ: سمع من معمر ثمَّ بعث إِلَى الْيمن فَأَخذهَا فرواها وَضعف حَدِيثه عَن معمر جداً، وَقَالَ: "هُوَ مُنكر الحَدِيث أَو قَالَ يروي أَشْيَاء مُنكرَة".

فنلاحظ أن عبد الله عندما نقل تضعيف أبيه لمحمد بن كثير ساوى بين اللفظين: «مُنكر الحَدِيث» و«يروي أشياء منكرة».

وقال عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "كَانَ أَبُو عِصْمَةَ - وهو نوح بن أبي مريم- يَرْوِي أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الحَدِيثِ بِذَاكَ".

وقال البُخَارِيَّ: "نُوحُ بنُ أَبِي مَرْيَمَ ذَاهِبُ الحَدِيثِ جِدًّا".

وذكر أَحْمَد حديثاً لعمارة بن زاذان، وقال: "هَذَا الحَدِيث كذب مُنكر"، ثم قال: "وعمارَة يروي أَحَادِيث مَنَاكِير".

وقَال أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: "عُمَارَة بْن زَاذَانَ لَا يحْتَج بِهِ".

وقال ابن المديني في «عبد الله بن نافع العدوي مولاهم المدني»: "روى أحاديث منكرة"، وقال أبو حاتم: "منكر الحديث وهو أضعف ولد نافع"، وقال البخاري: "منكر الحديث" [تهذيب التهذيب: (6/53)].

فالذي يظهر لي من خلال تتبع أقوال أهل العلم أنه لا فرق بين العبارتين.

وقد أشكل هذا على بعض المعاصرين كما حصل للمتأخرين بسبب وجود بعض الأقوال التي تدلّ في ظاهرها على الفرق بينهما!

قال الدكتور سعدي الهاشمي في تحقيقه لكتاب «الضعفاء» لأبي زرعة الرازي في أجوبته على أسئلة البرذعي (2/299): "وما دمنا في هذا المقام فلا بدّ من بيان فرق جوهري بين مراد العلماء - ومنهم محدثنا- في قولهم "منكر الحديث" وبين الألفاظ الأخرى المشابهة التي توهم التسوية وأخذها نفس الحكم كقولهم "يروي المناكير أو "حديث منكر، وهذا ما يرد كثيراً على لسان أبي زرعة في تعليله لبعض الأحاديث أو تجريحه لعدد من الرجال، ومن لم يميز هذا زلّ وأضلّ. وقال الحافظ الذهبي في ترجمة أحمد بن عتاب المروزي: "قال أحمد بن سعيد بن معدان: شيخ صالح، روى الفضائل والمناكير. قلت: ما كلّ من روى المناكير يُضعف". وقال السخاوي: "وقد يطلق ذلك - على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء". قال الحاكم: "قلت للدارقطني: فسليمان ابن بنت شرحبيل؟ قال: ثقة". قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يحدث بها عن قوم ضعفاء، أما هو فثقة" انتهى.

قلت: قد يروي الثقة بعض المناكير إما وهماً أو خطأ، ولا يكثر ذلك في حديث، ومن كثر ذلك في حديثه أطلق القول فيه بأنه يروي المناكير أو منكر الحديث.

وأما رواية الثقة المناكير عن الضعفاء فلا يُضعَّف من أجل ذلك لأننا نعرف أن النكارة ليست منه، فلا يستقيم قول السخاوي هنا في أن ذلك يُطلق على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء، ولهذا أجاب الدارقطني الحاكم لما وثّق سليمان ابن بنت شرحبيل وقال له: أليس عنده مناكير! فقال: هو يحدّث بها عن قوم ضعفاء، أما هو فثقة، أي المشكلة ليست منه، وإنما من هؤلاء الضعفاء، وإذا أسند حديثه وبيّن أنه عن ضعفاء فلا نطلق عليه بأنه يروي المناكير! لأن إطلاق أهل النقد هذا القول على من يتفرد برواية المناكير عن الثقات لا عن الضعفاء! ولهذا أيضاً يقولون عنه «مُنكر الحَدِيث»!

قال ابن حبان في «المجروحين» (1/175): "أغلب بن تَمِيم بْن النُّعْمَان السَّعْدِيّ من أهل الْبَصْرَة كنيته أَبُو حَفْص. يروي عَن سُلَيْمَان التَّيْمِي. روى عَنْهُ يَزِيد بْن هَارُون. مُنكر الحَدِيث، يروي عَن الثِّقَات مَا لَيْسَ من حَدِيثهم حَتَّى خرج عَن حد الِاحْتِجَاج بِهِ لِكَثْرَة خطئه".

وقد أورد ابن حبان في كتابه في الضعفاء بعض الرواة وصفهم بقوله: "منكر الحديث" ومع ذلك فحديثهم يُكتب على سبيل الاعتبار، أي إذا تُوبع على حديثه فيقبل ما توبع عليه، ووصفه بمنكر الحديث لا يذهب عنه.

وذكر (1/208): "ثبيت بن كثير الضَّبِّيّ من أهل الْبَصْرَة يَرْوِي عَن يَحْيَى بْن سَعِيد الأَنْصَارِي روى عَنْهُ الْيَمَان بْن عدي الحضـرمي الْحِمصِي. مُنكر الْحَدِيث عَلَى قلته لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِخَبَرِهِ إِذَا انْفَرد".

وذكر (1/267): "حَزوّر أَبُو غَالب من أهل الْبَصْـرَة.. روى عَنهُ ابن عُيَيْنَة والحمادان. مُنكر الحَدِيث عَلَى قلته لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا يُوَافق الثِّقَات، وَهُوَ صَاحب حَدِيث الخَوَارِج".

وذكر (1/376): "صَفْوَان بن أَبِي الصَّهْبَاء شيخ يَرْوِي عَن بُكَيْر بْن عَتيق روى عَنْهُ عُثْمَان بْن زفر. مُنكر الحَدِيث، يروي عَن الْأَثْبَات مَا لا أصل لَهُ من حَدِيث الثِّقَات لَا يَجُوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِلَّا فِيمَا وَافق الثِّقَات من الرِّوَايَات".

والحاصل أن هؤلاء الذين وصفوا بنكارة أحاديثهم إنما يكتب حديثهم للاعتبار ويحتاجون لمُتابع، ولا يُقبل منهم ما تفردوا به.

وأما الثقات فقد يروون بعض المنكرات ولا يقال فيهم: "منكر الحديث"، وإنما ينصّ العلماء على تحديد هذه المنكرات أحياناً كأن يقول بعضهم: "روى حديثاً منكراً"، أو "له ما يُنكر"، أو "له أحاديث مناكير" كما قال الإمام أحمد هذا في "خالد بن مخلد القطواني" وهذه النكارة تكون بسبب الوهم والخطأ.

وهذا المغيرة بن عبد الرحمن القرشي، قال فيه أَبُو دَاوُدَ، وَغَيْرُهُ: "لاَ بَأْسَ بِهِ". وعَنْ يَحْيَى بنِ مَعِيْنٍ، قالَ: "لَيْسَ حَدِيْثُهُ بِشَيْءٍ".

قال الذهبي: "قُلْتُ: احْتَجَّ بِهِ أَربَابُ الصِّحَاحِ، لَكِنْ لَهُ مَا يُنكَرُ".

 

شبهة وجوابها!

وقد يُشكل على بعضهم أن الإمام أحمد أطلق هذا القول في بعض الثقات الذين أخرج لهم البخاري في «صحيحه»!

فأقول: قول الإمام أحمد في مثل هؤلاء الذين أخرج البخاري وغيره حديثهم في الصحيح لا يجعلنا نحيد عن قوله ونخرجه عن مقصده المعروف من أجل تخريج البخاري وغيره لحديثهم!!

فالأصل أن هذه العبارات عند أحمد على ظاهرها المعروف وأنه يرى أن هؤلاء قد رووا الكثير من المناكير عن الثقات.

وقد يخالفه غيره في الاجتهاد فيرى أن بعض ما رواه محتمل ولا يردّ.

قال عبد الله في «العلل» (2/11) (1380) سَمِعت أبي يَقُول: "طَلْحَة بن يحيى أحبّ إِلَيّ من بُريد بن أبي بردة! بُريد يروي أَحَادِيث مَنَاكِير، وَطَلْحَة حدث بِحَدِيث عُصْفُور من عصافير الجنَّة". حَدثنِي أبي قَالَ: حَدثنَا ابن فُضَيْل عَن العَلَاء أَو حبيب بن أبي عمْرَة. قَالَ أبي: "وَمَا أرَاهُ سَمعه إِلَّا من طَلْحَة، يَعْنِي ابن فُضَيْل".

ونقله العقيلي في «الضعفاء» (1/157) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بنُ أَحْمَدَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: طَلْحَةُ بنُ يَحْيَى أَحَبُّ إِلَيّ مِنْ بُرَيْدِ [بنِ عَبْدِاللَّهِ] بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، بُرَيْدٌ يَرْوِي أَحَادِيثَ مَنَاكِيرَ".

وإنما ذكرت ما عند العقيلي لأنه ذكر اسم أبيه "عبد الله"، ولم يُذكر في المطبوع من كتاب "العلل" الذي يرويه عبد الله عن أبيه لبيان أنه قد يحصل هناك بعض السقط في كتاب عبد الله كما بيّنت في أصل الكلام عن محمد بن إبراهيم التيمي.

وكلاهما صواب، فقد يُنسب الراوي إلى جدّه، فبُريد ابن أبي بردة من هذا، وهو: بُريد بن عبد الله بن أبي بردة.

وهنا حكم أحمد على بُريد بأنه يروي أحاديث مناكير، وقدّم عليه طلحة بن يحيى بن طلحة بن عُبيد الله مع ذكره حديثاً منكراً له وهو حديث (عصفور من عصافير الجنة)، وطلحة له أيضاً مناكير وهذا أشهرها! وقال عنه البخاري: "طلحة بن يحيى منكر الحديث".

وقال عبد الله بن أحمد: سألته - يعني أباه - عن طلحة بن يحيى؟ فقال: "كذا وكذا، حدث عنه يحيى"، كأنه ضعّفه.

وقال الميموني: قال أحمد: "طلحة بن يحيى، صالح الحديث". أي يُكتب حديثه للاعتبار ويحتاج لمتابع.

وأما بُريد بن عبد الله بن أبي بردة فكلام أحمد واضح فيه وهو أنه يروي أحاديث منكرة، وهو كقوله "منكر الحديث"، فلا يقبل ما تفرد به ويحتاج لمتابع. والبخاري انتقى له بعض الأحاديث وأودعها في صحيحه.

قال يحيى بن معين: "بريد بن أبي بردة كوفي ثقة".

وقال عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ الصيرفي الفلاس: "لَمْ أَسْمَعْ يَحْيَى، وَلَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثَانِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بِشَيْءٍ قَطُّ".

وقال أبو حاتم الرازي: "بريد روى عنه الثوري فمن دونه، يُكتب حديثه، وليس بالمتين".

قلت: وقول أبي حاتم هذا لا يخالف قول أحمد فيه بأنه يروي أحاديث مناكير، فيكتب حديثه للاعتبار. وحديثه يحتاج لسبر لمعرفة القرائن التي من أجلها خرّج البخاري له بعض الأحاديث التي تفرد بها عن جدّه أبي بردة.

 

خلط شديد لعبدالله الجُديع! ونسبته أشياء للإمام أحمد لم يقصدها بسبب سوء فهم كلامه!

قال عبدالله الجُديع في «تحرير علوم الحديث» (1/616) لما تكلّم عن الحديث المنكر: "ويستثنى من دلالة الاصطلاح في استعمال (منكر الحديث) صورة تحتاج إلى تيقظ، وهي: ما وقع من استعمال بعض المتقدمين هذا الوصف يريد به أن الراوي يتفرد ويُغْرب. وعلى هذا حمل بعض الأئمة قول يحيى بن سعيد القطان في (قيس بن أبي حازم): "منكر الحديث" وذكر له أحاديث مناكير. كما قال يعقوب بن شيبة: "الذين أطْرَوْه يحملون هذه الأحاديث عنه على أنها عندهم غير مناكير، وقالوا: هي غرائب". ولذا قال ابن حجر: "ومراد القطان بالمنكر: الفرد المطلق". وهو استعمال أحمد بن حنبل أيضاً في طائفةٍ من الثقات، لم يكن مرادُهُ يعدو التفرد، مثل: محمد بن إبراهيم التيمي، وزيد بن أبي أنيسة، وعمرو بن الحارث، والحسين بن واقد، وخالد بن مخلد. ومما يُؤيِّد هذا قول أحمد بن حنبل في (الحسين بن الحسن الأشقر): "منكر الحديث، وكان صدوقاً". فوصفه بالصدق مع كونه عنده منكر الحديث".

قلت: هذا خلط كبير منه! فلا القطان قصد الغرائب! ولا أحمد قصد التفرد المطلق!! وإنما هو قلد غيره في هذا كما بينت سابقاً!

وقول القطان وأحمد على ظاهره في معنى المصطلح المعروف عندما يصفون الراوي بالنكارة عموماً.

ويحيى القطان عندما وصف قيس بن أبي حازم بأنه منكر الحديث فهو على اصطلاحهم المعروف لا أنه قصد بذلك شيئاً آخر!!

قَال علي بن المديني: قال لي يحيى بْن سَعِيد: "قَيْس بْن أَبي حازم منكر الحديث - ثُمَّ ذكر له يَحْيَى أحاديث مناكير منها حديث كلاب الحوأب".

فهذا على ظاهره من يحيى القطان، وخالفه أهل العلم في ذلك ووثقوه، لكن ما ذكره يحيى من تلك المناكير أصاب في ذلك، فهي مناكير! وكأنه لما وجد فيها كثرة عنده وصفه بأنه منكر الحديث.

وفَهْمُ عبدِ اللهِ الجديع من عبارة يعقوب بن شيبة: "الذين أطْرَوْه يحملون هذه الأحاديث عنه على أنها عندهم غير مناكير، وقالوا: هي غرائب"، على أن مراد القطان بمنكر الحديث يعني الغرائب! فَهْمٌ غير مستقيم! فقول من قال بأنها "غرائب" لا يعني أنهم حملوا كلام القطان على أن كلمة "منكر الحديث" عنده تعني = الغريب!! وإنما أرادوا مخالفة القطان في رأيه بأنه منكر الحديث، فقالوا: هذه الأحاديث التي يرويها هي من الغرائب!

وكلامه - أي يعقوب بن شيبة- بتمامه: "وقد تكلّم أصحابنا فيه فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من أصح الإسناد، ومنهم من حمل عَلَيْهِ وَقَال: له أحاديث مناكير. والذين أطروه حملوا هذه الأحاديث عنه على إِنَّهَا عندهم غَيْر مناكير، وَقَالوا هِيَ غرائب".

فأين تجد في كلام الحافظ يعقوب أنهم حملوا كلام القطان في قيس بأنه قصد الغرائب؟!! ومنطوق عبارته أنهم خالفوا القطان لا أنهم وجهوا كلامه، فضلا عن أن فكرة توجيه اصطلاحات العلماء وكلامهم لم تعرف في ذاك الزمن المتقدم لعدم استقرار المصطلحات على طريقة المتأخرين بعد.

ثم لما ذكر عبد الله الجديع أن مراد أحمد أيضاً بالمنكر: "الفرد المطلق"، وقد استعمله في طائفةٍ من الثقات، لم يكن مرادُهُ يعدو التفرد، مثل: محمد بن إبراهيم التيمي، وزيد بن أبي أنيسة، وعمرو بن الحارث، والحسين بن واقد، وخالد بن مخلد!! فهذا خلط عجيب منه!!!

فإنَّ الإمام أحمد لم يستخدم لفظ «منكر الحديث» في هؤلاء الذين ذكرهم!! أما محمد بن إبراهيم فقد سبق بيان أنه لم يقصده وإنما قصد ابنه موسى، وعبارته "روى أحاديث منكرة" وهي بمعنى "منكر الحديث" كما حققته آنفاً.

وأما زَيْد بن أَبِي أُنَيْسَةَ الجَزَرِيّ، فقال أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ هَانِئٍ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ: زَيْدُ بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، كَيْفَ هُوَ عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: "إِنَّ حَدِيثَهُ لَحَسَنٌ مُقَارِبٌ، وَإِنَّ فِيهَا لَبَعْضَ النَّكَارَةِ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ حَسَنُ الْحَدِيثِ".

وقال المروذي: وسألته - يعني أحمد- عن زيد بن أبي أنيسة؟ "فحرك يده، فقال: صالح، وليس هو بذاك".

فأين قصد الإمام أحمد بالنكرة في بعض حديثه بالتفرد الذي قد يُقبل عند العلماء؟!!

وأما عمرو بن الحارث، فقَال أَبُو داود: سمعت أحمد يقول: "ليس فيهم - يعني أهل مصـر- أصح حديثاً من الليث، وعَمْرو بن الحارث يقاربه".

وقَال أَبُو بكر الأثرم: سمعت أبا عَبدالله يقول: "ما فِي هؤلاء المِصْـرِيين أثبت من الليث بْن سعد، لا عَمْرو بْن الحارث ولا أحد، وقد كَانَ عَمْرو بْن الحارث عندي ثُمَّ رأيت لَهُ أشياء مناكير".

وَنقَل فِي موضع آخر، عن أحمد: "عَمْرو بْن الحارث حمل عَلَيْهِ حملا شديدا، قال: يروي عن قتادة أحاديث يضطرب فيها ويخطئ".

قلت: فأين أنه قصد الحديث الفرد الذي قد يقبل؟!! وقد بيّن الإمام أحمد أنه كان يضطرب في حديثه عن قتادة ويخطئ، فهذه المناكير في حديثه، وهي مردودة.

وأما الحسين بن واقد، فقَال أَبُو بكر الأثرم: قلت لأحمد بْن حنبل: ما تقول في الحسين بْن واقد؟ فقال: "لا بأس به، وأثنى عليه".

وقال عَبدالله عَن أبيه: "ما أنكر حديث حسين بن واقد وأبي المنيب عن ابن بريدة".

وقَال فِي موضع آخر: ""أحاديث عَبداللَّهِ بْن بريدة الَّذِي روى عنه حسين بْن واقد مَا أنكرها وأبو المنيب أيضا يقولون: كأنها من قبل هؤلاء".

وقال أحمد بن إِبْرَاهِيم بْن خزيمة: سمعت أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ وقيل له في حَدِيثُ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابن عُمَر عن النبي عليه السلام في الملبقة، فأنكره أبو عبد الله! وَقَال: من روى هذا؟ قيل له: الحسين بن واقد. فقال بيده وحرك رأسه كأنه لم يرضه.

وقال أبو بكر الأثرم: ذكر أبو عبد الله: حسين بن واقد، فقال: "وأحاديث حسين ما أدري أي شيء هي، ونفض يده".

قلت: الظاهر أن الإمام أحمد استنكر له ما يرويه عن ابن بريده، وأحاديث أخرى أخطأ فيها، وعلى هذا يُحمل كلامه الأخير الذي نقله الأثرم، وأحمد هنا لم يقصد التفرد المطلق الذي قد يقبله أهل العلم كما زعم الشيخ الجديع وغيره!

وأما خالد بن مخلد فالإمام أحمد قال فيه "لا بأس به"، وإنما وصف الحديث الذي رواه في الاستخارة بأنه منكر، ففرق بين أن يروي الراوي حديثاً منكراً وهو ثقة أو لا بأس به، فالثقة قد يروي المنكر.

 

تفسير قول أحمد في بعض الرواة: "منكر الحديث، وكان صدوقاً"!

وأما احتجاجه بقول أحمد في (الحسين بن الحسن الأشقر): "منكر الحديث، وكان صدوقاً". فوصفه بالصدق مع كونه عنده منكر الحديث" في أنه يقصد بالنكارة = التفرد! فهذا سوء فهم لمراد الإمام أحمد!! فكيف يصف راوياً بأنه منكر الحديث ويحكم عليه بأنه صدوق في الوقت نفسه؟!! فهذا تناقض!

الذي قصده الإمام أحمد من قوله فيه: "وكان صدوقاً"، أي أنه لا يكذب في حديثه، وإن كان حديثه منكر! وهذا مفسرٌ فيما قاله أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَانِئٍ الْأَثْرَمُ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِاللَّهِ: حُسَيْنٌ الْأَشْقَرُ تُحَدِّثُ عَنْهُ؟ كَالمُنْكِرِ لِذَلِكَ، فَقَالَ لِي: "لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مِمَّنْ يُكَذَّبُ فِي الحَدِيثِ".

وحسين الأشقر من شيوخ أحمد فهو لا يتعمد الكذب وهو صادق فيما يرويه، وإنما هذه المناكير في حديثه من قبل سوء حفظه ونحوه لا أنه يتعمدها! فهو منكر الحديث، وقال البخاري فيه: "عنده مناكير"، وَقَال أَبُو زُرْعَة: "منكر الحديث".

وهذه المناكير في حديثه قد تكون ممن روى عنه لا منه كما قال ابن عدي في آخر ترجمته من «الكامل» (3/236): "وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُرْوَى عَنْهُ مِنَ الْحَدِيثِ فِيهِ الإِنْكَارُ يَكُونُ مِنْ قِبَلِهِ، ورُبما كَانَ مِنْ قِبَلِ مَنْ يَرْوِي عَنْهُ لأَنَّ جَمَاعَةً مِنْ ضُعَفَاءِ الْكُوفِيِّينَ يُحِيلُونَ بِالرِّوَايَاتِ عَلَى حُسَيْنٍ الأَشْقَرِ عَلَى أَنَّ حُسَيْنًا هَذَا فِي حَدِيثِهِ بَعْضُ مَا فِيهِ".

 

تعقّب مقبل الوادعي!

وجاء في «المقترح في أجوبة بعض أسئلة المصطلح» (ص: 143) لمقبل الوادعي، (السؤال: 201): ماذا يقصد الإمام أحمد بلفظة: (منكر) في الحديث أو في الرجل؟

فأجاب: "أما إذا قال في الحديث: (منكر) فهو محمول على النكارة وعلى التفرد، فقد يتفرد راو من بين سائر الرواة، وربما أطلق الإمام أحمد النكارة بمعنى التفرد، حتى ولو تفرد به راو ثقة وهو محتج به مثل قوله في محمد بن إبراهيم التيمي: روى مناكير، ومحمد بن إبراهيم التيمي هو حامل لواء حديث ((إنّما الأعمال بالنّيات وإنّما لكلّ أمرئ ما نوى)) فهو يرويه عن علقمة بن وقاص عن عمر بن الخطاب. فربما يطلقها على الثقة وهو يعني أنه يتفرد بأحاديث، ولا يعني أنّها ترد، وهكذا الإمام النسائي - رحمه الله- وربما يطلقها على النكارة التي هي ضد المعروف، فإذا لم يظهر لا ذا ولا ذاك من تصـرفه، حملت على النكارة التي هي ضد المعروف وتوقّف فيه. لكن مثل قوله في محمد بن إبراهيم التيمي: يروي المناكير، ومن كان على شاكلة محمد بن إبراهيم التيمي فهو يعني أنه يتفرد ببعض الأحاديث، والتفرد لا شيء فيه إذا لم يخالف من هو أرجح منه".

قلت: التعقيب على كلام الوادعي كالتعقيب على كلام مَن قبله! فكلهم سلكوا مسلك التقليد في هذا دون تحرير!! ولا يوجد أي دليل على أن الإمام أحمد يقصد أحياناً بالنكارة = التفرد الذي لا يُرَدّ!! وزاد الوادعي هنا نسبة ذلك أيضاً للنسائي! ولا يصح!! وإنما الذي جعلهم يسلكون هذا المسلك هو ما قيل إن أحمد تكلّم في محمد بن إبراهيم التيمي!! وكلهم تبع ابن حجر في ذلك!

 

كلام آخر للحافظ ابن حجر يُقيّد لفظ المنكر الذي هو بمعنى التفرد المردود!

بل إن الحافظ ابن حجر الذي قال ذلك عن الإمام أحمد عند كلامه على حديث الاستخارة نجده يُقيد ذلك في نصّ آخر له!

قال في «النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/674): "أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده".

ثم قال: "وأما ما انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشـيء لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي المنكر، وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث".

قلت: ابن حجر لم يطلق الكلام في أن بعض الأئمة يعنون بالنكارة = التفرد، وإنما قيّده بأن لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده، ولذا حكم على المستور المتفرد أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه حيث لا يوجد له متابع أو شاهد بأنه أحد قسمي المنكر المردود وهذا الذي يوجد في إطلاق كثير من أئمة الحديث.

وعليه فإن ما قصده أحمد في حديث الاستخارة يكون من هذه البابة؛ لأن ابن أبي الموالي تفرد به، وهو ليس ممن يُقبل تفرده.

وقال ابن رجب في «فتح الباري» (4/174): "قاعدته - يعني الإمام أحمد في المنكر-: أن ما انفرد به ثقة، فإنه يتوقف فيه حتى يُتابع عليه، فإن توبع عليه زالت نكارته، خصوصاً إن كان الثقة ليس بمشتهر في الحفظ والاتقان، وهذه قاعدة يحيى القطان وابن المديني وغيرهما".

فالعجب من ابن حجر فإنه لما يؤصل لمسألة ما فإنه يُفصّل فيها كما تقدم عن كلامه في إطلاق لفظ "منكر" على "التفرد" عموماً، لكنه يخالف ذلك عند دفاعه عن حديث ما عند الإمام البخاري!

قال في «هدي الساري» عن عبد الرحمن بن أبي الموالي: "وثقه ابن معين والنسائي وأبو زرعة، وقال أحمد وأبو حاتم: لا بأس به، وقال ابن خراش: صدوق، وقال ابن عدي: مستقيم الحديث. وأنكر أحمد حديثه عن محمد بن المنكدر عن جابر في الاستخارة، قلت: هو من أفراده، وقد أخرجه البخاري، والخطب فيه سهل". وقال: "وقد احتج به البخاري وأصحاب السنن".

وعلّق على كلام ابن عدي في نهاية ترجمة عبد الرحمن: "وقد روى حديث الاستخارة غير واحد مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما رواه ابن أبي الموال".

قال الحافظ في «فتح الباري» (11/184): "قلت: يريد أن للحديث شواهد، وهو كما قال، مع مشاححة في إطلاقة".

 

أصل حديث الاستخارة!

وأصل حديث الاستخارة مرسل!

روى البيهقي في «الأسماء والصفات» (1/316) (242) من طريق مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الوَرَّاق الملقّب بحمدان، عن عَبْداللَّهِ بن رَجَاءٍ الغُدَاني، قال: حدثنا سَعِيدُ بنُ سَلَمَةَ ابن أبي الحسام المدنيّ، قال: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بنُ الهَادِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي سَلْمَةَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ كَمَا يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ يَقُولُ: "إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الشَّـيْءَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ" وَذَكَرَ الحَدِيثَ بِمَعْنَى حَدِيثِ جَابِرٍ.

قال البيهقي: "وهُوَ مُرْسَلٌ".

قلت: نعم، هو مرسل كما قال، وعَبْدُاللَّهِ بنُ أَبِي سَلَمَةَ الماجشون المدني، مَوْلَى آلِ المُنْكَدِرِ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّة، وكان ثقة حافظاً.

فكأن عبدالرحمن بن أبي الموالي كان عنده هذا الحديث المرسل، ولما رواه دخل عليه إسناد في إسناد؛ لأن عبد الله بن أبي سلمة هو مولى لآل المنكدر، فوهم فمشى على الجادة المشهورة في المدينة: "ابن المنكدر عن جابر"! والله أعلم.

ويُروى من طرق أخرى في مكة والكوفة موقوفة على بعض التابعين، ومرسلة! وهذا كان ينتشـر بين الناس لأنهم يستهوونه.

أخرج ابن أبي شيبة في «مصنفه»، باب الرَّجُل يُرِيدُ الحَاجَةَ مَا يَدْعُو بِهِ؟ (6/52) (29404) عن وَكِيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ حَبِيب بن أبي ثابت، عَنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الحَاجَةَ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَرَدْتُهُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي وَخَيْرِ عَاقِبَةٍ، فَيَسِّـرْهُ لِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا، فَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ وَرَضِّنِي بِهِ».

قلت: وهذا موقوف على عُبيد بن عُمير قاصّ أهل مكة وهو ثقة، وتوفي سنة (72هـ)، وليس فيه ذكر للصلاة! ولعل هذا هو أصل كلّ حديث في الاستخارة.

وروى ابن أبي شيبة أيضاً (29402) عن أَبي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بن مسعود: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمُ الحَاجَةَ فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي أَرَدْتُهُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي وَخَيْرِ عَاقِبَتِي فَيَسِّرْهُ لِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا فَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُمَا كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِمَا قَضَيْتَ».

قلت: وهذا منقطع، أوقفوه على ابن مسعود! وليس فيه ذكر الصلاة!

وإبراهيم النخعي لم يسمع من ابن مسعود!

قَالَ عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ: "إِبْرَاهِيمُ الْنَّخَعِيُّ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". [«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص: 9)].

وروى مَعمر بن راشد في «جامعه»، بَابُ الِاسْتِخَارَةِ، (11/164) (20210) عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ، كَانَ يَقُولُ فِي الِاسْتِخَارَةِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَتَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، إِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ خَيْرًا لِي فِي دُنْيَايَ، وَخَيْرًا لِي فِي مَعِيشَتِي، وَخَيْرًا لِي فِي عَاقِبَةِ أَمْرِي، فَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا لِي، فَاقْدِرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، وَأَرْضِنِي بِهِ يَا رَحْمَانُ».

قلت: وهذا مرسل! فقتادة بن دعامة البصري (توفي سنة بضع عشـرة ومائة) لم يدرك ابن مسعود (ت32هـ).

فكأن هذا القول عن ابن مسعود كان منتشـراً في الكوفة والبصـرة يتداولونه بينهم لكنه لا يثبت إليه بإسناد صحيح! ولهذا يُروى مرسلاً عنه.

وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (1/262) (3006) عن هُشَيْم، قَالَ: أَخْبَرَنَا جُوَيْبِرٌ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: «مَا كُنَّا نَكْتُبُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَحَادِيثِ إِلَّا الِاسْتِخَارَةَ وَالتَّشَهُّدَ».

قلت: هذا كذب على ابن مسعود! جُويبر راوي التفسير ليس بشيء، متروك! يروي عن الضحاك بن مُزاحم المناكير! والضحاك (ت 106هـ) لم يدرك ابن مسعود (ت 32هـ)!

والحديث المروي عن ابن مسعود رُوي من طرق أخرى مرفوعة، وذُكر فيها الصلاة! وكأنها هي أصل حديث ابن أبي الموالي المرفوع!!

 

نكارة حديث الاستخارة!

ثم الحديث فيه نكارة واضحة!

وهي: ما جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن! وهذا من شأنه أن يكون مشتهراً بين الصحابة ولم نجده كذلك!! فلا يُروى بسند صحيح عن صحابي! بخلاف حديث «التَّشَهُّد» الذي جاء فيه هذه العبارة، واشتهر من غير طريق.

ففي «صحيح مسلم» من حديث ابنِ عَبَّاسٍ، قالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ».

وعند ابن أبي شيبة من حديث عَبْدِاللَّهِ بن مسعود، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ».

فهذا حديث التشهد قد اشتهر وانتشر بين الصحابة ومن بعدهم بخلاف حديث الاستخارة.

 

شبهة وجوابها!

جاء في رواية الإمام البخاري في كتاب «التوحيد» من «صحيحه» (7390) من طريق مَعْن بن عِيسَى، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي المَوَالِي، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ المُنْكَدِرِ، يُحَدِّثُ عَبْدَاللَّهِ بنَ الحَسَنِ يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرُ بنُ عَبْدِاللَّهِ السَّلَمِيُّ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ.. الحديث.

وكذا جاء في رواية زَيْد بن الحُبَابِ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي المَوَّالِي عند ابن أبي شيبة (29403).

فهنا صرّح عبد الرحمن بن أبي الموالي أنه سمع ابن المنكدر يحدّث بالحديث عبدَالله بن الحسن بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (ت 145هـ) [والد محمد المشهور بالنفس الزكية]، وهو من أقران ابن المنكدر (ت 130هـ). وهذا يدلّ على ضبط عبد الرحمن للحديث، وكأنه بسبب هذا خرّجه البخاري في «صحيحه»؟!

قلت: عبد الرحمن بن أبي الموالي من موالي آل عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو يُحدّث عن عبدالله بن حسن، ولا نشك أنه سمع منه وحضـر مجالسه، بل كان ممن خرج معه على السلطان، وذكره أنه سمع ابن المنكدر يُحدِّث به عبدالله بن الحسن يدلّ على ضبطه للحديث لو كان ممن يُحتج بحديثه! فربما سمعه يُحدثه بحديث آخر ليس عن جابر! فدخل له حديث في حديث! ولو كان هذا الحديث عند ابن المنكدر لوجدناه عند كبار أصحابه وأولاده سيما وأنه مذكور فيه مدى عناية النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم هذه الصلاة والدعاء لأصحابه! فإن كان له هذه الأهمية فكيف لا يعرفه آل البيت وأصحاب ابن المنكدر وأهل بيته؟! ولمَ لمْ يُحدّث به عبدالله بن الحسن عن ابن المنكدر؟!!

ويُحتمل أن هذا الحديث كان عند ابن المنكدر مرسلاً، وله مرسلات كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلما حدّث به عبد الرحمن عنه سلك فيه الجادة فزاد فيه "عن جابر"! والله أعلم.

ويُحتمل أيضاً أن يكون الحديث عند ابن المنكدر عن مُصْعَب بن مُحَمَّدِ بنِ شُرَحْبِيلٍ العَبْدَرِيّ المَكِّيّ (ت ما بين 121 - 130هـ) وهو من أقرانه، فأخطأ فيه عبدالرحمن بن أبي الموالي فرواه عنه عن جابر!

فقد روى البيهقي في «الأسماء والصفات» (1/316) (242) من طريق مُحَمَّد بن عَلِيٍّ الْوَرَّاقُ، عن عَبْداللَّهِ بن رَجَاءٍ، عن سَعِيد بن سَلَمَةَ، عن يَزِيد بن الهَادِ: أَنَّ مُصْعَبَ بنَ شُرَحْبِيلَ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذَا الحَدِيثَ سَوَاءً.

ومصعب هذا يُكتب حديثه ولا يُحتج به، ولم يسمع من أبي هريرة!

 

روى البخاري لعبد الرحمن بن أبي الموالي عن ابن المنكدر عن جابر حديثين في «صحيحه»!

والغريب أنه لم أجد - بحسب استقرائي - لعبد الرحمن بن أبي الموالي عن ابن المنكدر عن جابر إلا حديثين! حديث الاستخارة، وحديث الصلاة في الثوب الواحد. والبخاري روى كلا الحديثين! أما الأول فتفرد به ابن أبي الموالي، وأما الثاني فقد توبع عليه، ورواه البخاري لعلو إسناده، لكن رُوي عنه أيضاً بإسناد مُغاير!!

رواه البخاري في «صحيحه» (353) و(370) عن مُطَرِّف أَبي مُصْعَبٍ، وعَبْدالعَزِيزِ بن عَبْدِاللَّهِ الأويسـيّ، عن ابن أَبِي المَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ: وَهُوَ «يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ، وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ»، فَلَمَّا انْصَـرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ، قَالَ: نَعَمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الجُهَّالُ مِثْلُكُمْ «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي هَكَذَا».

ورواه أحمد في «مسنده» (23/352) (15160) عن أَبي سَعِيدٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي المَوَالي.

ورواه البخاري قبله (352) عن أَحْمَد بن يُونُسَ، عن عَاصِم بن مُحَمَّدٍ، عن أخيه وَاقِد بن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، قَالَ: «صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ عَلَى المِشْجَبِ»، قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِي إِزَارٍ وَاحِدٍ؟، فَقَالَ: «إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

قلت: نعم، تابع واقد بن محمد عبد الرحمن بن أبي الموالي عليه، لكن هل فعلاً سمعه عبد الرحمن من ابن المنكدر؟!! فقد رُوي عن عبد الرحمن بن أبي الموالي من طريق آخر!

رواه أحمد في «مسنده» (19/309) (12297) عن أَبي عَامِرٍ العقدي، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي المَوَّالِ، عَنْ مُوسَى بنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَلَحِّفًا بِهِ، وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا لَهُ: أَتُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ؟ قَالَ: «هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي».

ورواه ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (1/358) عن مُطَرِّف بن عَبْدِاللَّهِ اليساري المدني، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي المَوَالِ، به.

قلت: فيظهر أن عبد الرحمن بن أبي الموالي لم يضبط الحديث! فمرة رواه عن ابن المنكدر عن جابر، ومرة رواه عن موسى بن إبراهيم بن أبي ربيعة، عن أبيه، عن أنس!! وكأنه كان يضطرب فيه! ولا ندري هل سمعه من ابن المنكدر؟!!

والذي أميل إليه أنه سلك الجادة أيضاً في هذا الحديث! فحديث الاستخارة تفرد به، وحديث الصلاة في الثوب الواحد اضطرب في إسناده!!

وحديث وَاقِد بن مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ تفرد به: عَاصِم بن مُحَمَّدٍ عن واقد!

والحديث صحيح عن جابر، رواه فُلَيْحُ بنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ الحَارِثِ: «أَنَّهُ أَتَى جَابِرَ بنَ عَبْدِاللَّهِ، هُوَ وَنَفَرٌ قَدْ سَمَّاهُمْ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَجَدْنَاهُ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ، وَرِدَاؤُهُ قَرِيبٌ مِنْهُ لَوْ تَنَاوَلَهُ أَبْلَغَهُ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمَ سَأَلْنَاهُ عَنْ صَلَاتِهِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: أَفْعَلُ هَذَا لِيَرَانِي الْحَمْقَى أَمْثَالُكُمْ فَيُفْشُوَ عَنْ جَابِرٍ رُخْصَةٌ رَخَّصَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ».

 

شواهد حديث الاستخارة:

ولحديث الاستخارة شواهد عدّة.

قال الترمذي بعد أن خرّج حديث جابر: "وفِي البَابِ عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ".

وقال ابن حجر في «الفتح» (11/184): "قُلْتُ وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ أبي سعيد وَأبي هُرَيْرَة وابن عَبَّاس وابن عمر، فَحَدِيث ابن مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوب أخرجه الطَّبَرَانِيّ وَصَححهُ ابن حِبَّانَ وَالحَاكِمُ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أخرجهما ابن حبَان فِي صَحِيحه، وَحَدِيث ابن عمر وابن عَبَّاسٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ سِوَى حَدِيثِ جَابِرٍ، إِلَّا أَنَّ لَفْظَ أَبِي أَيُّوبَ: اكْتُمِ الْخُطْبَةَ وَتَوَضَّأْ فَأَحْسِنِ الْوُضُوءَ ثُمَّ صَلِّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ الحَدِيثَ، فَالتَّقْيِيدُ بِرَكْعَتَيْنِ خَاصٌّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ".

وتفصيل الكلام على هذه الشواهد:

 

حديث عبدالله بن مسعود:

رُوي عن ابن مسعود من طريقين:

الأول: عن زِر بن حُبَيْش عنه:

رواه البزار في «مسنده» (5/227) (1835) عن الفَضْل بن يَعْقُوبَ، قَالَ: أخبرنا الهَيْثَمُ بنُ جَمِيلٍ، قَالَ: حدثنا مُبَارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، أَحْسَبُهُ، عَنْ زِرِّ بنِ حُبَيْشٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: كُنَّا نُعَلَّمُ الِاسْتِخَارَةَ كَمَا نُعَلَّمُ السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ فَإِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْرًا فَلْيَقُلْ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ.. الحديث».

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (7/222) (7332) عن مُحَمَّد بن العَبَّاسِ، عن الفَضْل بن يَعْقُوبَ، به.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ مُبَارَكِ بنِ فَضَالَةَ إِلَّا الهَيْثَمُ بنُ جَمِيلٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: الفَضْلُ بنُ يَعْقُوبَ".

قلت: مبارك بن فَضالة صدوق يُدلّس، لكنه توبع عليه.

رواه البزار في «مسنده» (5/227) (1836) عن المُنْذِر بن الوَلِيدِ بن عبد الرحمن الجارودي، عن أَبِيه، عَنْ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ بن درهم البصري، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِنَحْوِهِ.

قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ".

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (10/190) (10421) عن العَبَّاس بن حَمْدَانَ الحَنَفِيّ الْأَصْبَهَانِيّ، عن المُنْذِر بن الوَلِيدِ الجَارُودِيُّ، عن أَبِيه، عن سَعِيد بن زَيْد، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللهِ، به.

قلت: كذا فيه "عن أبي وائل"، والرواية التي قبلها: "عن عاصم" وكلا الروايتين "عن سعيد بن زيد"! وسيأتي كلام الدارقطني أن سعيد بن زيد رواه عن أبي وائل!

والحديث تفرد به عاصم بن بهدلة وهو ابن أبي النَّجود القارئ المعروف (ت128هـ)، وهو ضعيف في الحديث لا يُحتج به، يروي المناكير! وكان يضطرب في الحديث!

قال الدارقطني في «العلل» (5/68) (713) لما سُئِلَ عَنْ حَدِيثِ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم في التَّشَهُّدِ: "يَرْوِيهِ عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ:

فَرَوَاهُ الحَكَمُ بْنُ ظُهَيْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ.

وَرَوَاهُ ... عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، أَوْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ.

وَرَوَاهُ أَبَانُ الْعَطَّارُ، وَعِمْرَانُ القَطَّانُ، وَإِبْرَاهِيمُ بنُ طَهْمَانَ، وَحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، وَأَبُو الْأَشْهَبِ جَعْفَرُ بنُ الحَارِثِ، وَسُفْيَانُ مِنْ رواية أبي خَالِدٍ الْقُرَشِيِّ عَنْهُ - أي: عن عاصم-، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ.

وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ.

وَزَادَ فِيهِ حَدِيثًا آخَرَ أَغْرَبَ فِيهِ، وَهُوَ حَدِيثُ الِاسْتِخَارَةِ فِي الْأَمْرِ وَالدُّعَاءِ فِيهِ، وَحَدِيثُ أَنْ يُحَدِّثَ فِي أَمْرٍ أَوْ مَا يُنَافِي التَّسْلِيمَ فِي الصَّلَاةِ.

تَفَرَّدَ بِذَلِكَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ، أَعْنِي حَدِيثَ الِاسْتِخَارَةِ".

قلت: ولا يتوهمّن متوهم أن الحديث كيفما دارَ دارَ على ثقة! سواءاً كان "عن زر" أم عن "أبي وائل"!! فالمشكلة في عاصم نفسه؛ فإنه لا يُقبل حديثه ولا يُحتج به، والحديث لا يُعرف عن زر ولا عن أبي وائل إلا من حديث عاصم بن أبي النجود، وهو منكر الحديث!!!

الثاني: عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود:

رواه مُحَمَّد بن عِمْرَانَ بنِ أَبِي لَيْلَى، عن أَبيه، عَنِ ابنِ أَبِي لَيْلَى - وَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ-، عَنْ فُضَيْلِ بنِ عَمْرٍو، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ...».

أخرجه البزار في «مسنده» (5/26) (1583) عن عَبْداللَّهِ بن أَحْمَدَ بنِ شَبُّوَيْهِ.

والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ص: 299) (917) عن عِمْرَان بن مُوسَى المُؤَدِّب أَبي مُوسَى.

والشاشي في «مسنده» (1/368) (359) عن أَبي بَكْرٍ أَحْمَد بن زُهَيْرٍ.

والطبراني في «الدعاء» (ص: 388) (1301) عن بِشْر بن مُوسَى، ومُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ الحَضْرَمِيّ.

وفي «المعجم الكبير» (10/91) (10052) عن مُحَمَّد بن عَبْدِاللهِ الحَضْرَمِيّ.

والبيهقي في «الأسماء والصفات» (1/300، 315) (224) و(241) من طريق أَبي حَاتِمٍ مُحَمَّد بن إِدْرِيسَ الرَّازِيّ، ومُطَيِّن.

كلّهم عن مُحَمَّد بن عِمْرَانَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، به.

ورواه البيهقي أيضاً (225) من طريق الحَسَن بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي لَيْلَى، عن عِمْرَان بن مُحَمَّدٍ، به.

قال البزار: "وهَذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ مُسْنَدًا".

قلت: تفرد به عمران بن محمد عن محمد بن عبدالرحمن ابن أبي ليلى الأنصاري الكوفي القاضي.

وهذا إسناد ضعيف، فمحمد ابن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ جداً!

·       طريق آخر عن علقمة:

وله طريق آخر: رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/106) (3723) عن عُثْمَان بن خَالِدِ بنِ عَمْرٍو، قالَ: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بن العَلَاءِ قَالَ: حدثنا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأَمْرِ كَمَا يُعَلِّمُ أَحَدَنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ.. الحديث».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، إِلَّا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَيَّاشٍ".

ثم رواه بالإسناد نفسه عن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاشٍ، عَنِ المَسْعُودِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ، وَالحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ فِي الِاسْتِخَارَةِ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الْحَكَمِ إِلَّا المَسْعُودِيُّ".

قلت: الظاهر أن إسماعيل بن عيّاش كان يضطرب فيه! وقد تفرد به، وروايته عن غير أهل بلده فيها تخليط واضطراب، وأبو حنيفة والمسعودي من الكوفة!

·       طريق ثالث عن علقمة:

وله طريق ثالث عن الأعمش، واختلف عليه فيه:

فرواه صَالِحُ بنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، عن الْأَعْمَش، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ، فذكره.

أخرجه البزار في «مسنده» (4/334) (1528) عن إِبْرَاهِيم بن سَعِيدٍ الجَوْهَرِيّ، عن العَبَّاس بن الهَيْثَمِ الْأَنْطَاكِيّ، عن صَالِح بن مُوسَى، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (10/78) (10012)، وفي «الدعاء» (ص: 388) (1302) عن عَبْدَان بن أَحْمَدَ، عن إِبْرَاهِيم بنِ سَعِيدٍ الجَوْهَرِيِّ، به.

قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ أَحَدٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ إِلَّا صَالِحُ بنُ مُوسَى، وَلَمْ نَسْمَعْهُ إِلَّا مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ، وَصَالِحٌ فَلَيْسَ بِالقَوِيِّ".

قلت: بل هو متروك، ليس بشيء!!

وخالفه أبو معاوية محمَّد بن خازم الضـرير فرواه عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قال ابن مسعود: فذكره موقوفاً.

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (6/52) (29402).

قلت: وهو الصواب من حديث إبراهيم النخعي عن إبراهيم، وهو منقطع؛ فإبراهيم لم يسمع من ابن مسعود!

قال عَلِيُّ بنُ المَدِينِيِّ: "إِبْرَاهِيمُ الْنَّخَعِيُّ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". [«المراسيل» لابن أبي حاتم (ص: 9)] وسبق الإشارة إليه.

والخلاصة أن الحديث لم يصح عن ابن مسعود - رضي الله عنه-.

 

حديث أبي أيوب الأنصاريّ:

رواه الوَلِيدُ بنُ أَبِي الوَلِيدِ، عن أَيُّوب بن خَالِدِ بنِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أَيُّوبَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اكْتُمُ الخِطْبَةَ ثُمَّ تَوَضَّأْ فَأَحْسِنْ وضُوءَكَ، ثُمَّ صَلِّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ، ثُمَّ احْمَدْ رَبَّكَ عَزَّ وَجَلَّ جَدُّهُ، ثُمَّ قُلِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي فِي فُلَانَةَ خَيْرٌ وَسَمِّهَا بِاسْمِهَا فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي فَاقْدِرْهَا لِي، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَآخِرَتِي فَاقْضِ لِي بِهَا وَقَدِّرْهَا لِي».

أخرجه أحمد في «مسنده» (38/566) (23597) عن هَارُون بن معروف.

والبخاري في «التاريخ الكبير» (1/413) عن يَحْيَى بن سُلَيْمَانَ.

وابن خزيمة في «صحيحه» (2/226) (1220) عن يُونُس بن عَبْدِالأَعْلَى.

ورواه ابن حبان في «صحيحه» (9/348) (4040) عن ابن خزيمة.

والطبراني في «المعجم الكبير» (4/133) (3901)، وفي كتاب «الدعاء» (ص: 390) من طريق أَحْمَد بن صَالِحٍ.

والحاكم في «المستدرك» (1/458) (1181) من طريق سَعِيد بن مَنْصُورٍ. و(2/179) (2698) من طريق مُحَمَّد بن عَبْدِاللَّهِ بنِ عَبْدِالحَكَمِ.

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/239) (13837) عن الحاكم.

وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (16/34) من طريق حرملة.

كلهم عن عَبْداللَّهِ بن وَهْبٍ، عن حَيْوَة بن شُرَيْحٍ المصري، عن الوليد، به.

ورواه أحمد في «مسنده» (38/566) (23596) عن حَسَن الأشيب، عن ابن لَهِيعَةَ، عن الوَلِيد، به، بنحوه.

فتابع ابنُ لهيعة حيوةُ بن شريح عن الوليد.

قال الحاكم: "هذِهِ سُنَّةُ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ عَزِيزَةٌ تَفَرَّدَ بِهَا أَهْلُ مِصْـرَ، ورُوَاتُهُ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

وقال في الموضع الثاني: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

والحديث ذكره ابن منده في «معرفة الصحابة» (ص: 456) في ترجمة أبي أيوب، ثم قال: "هذا حديث غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه، وهكذا نسبه الوليد بن أبي الوليد. وقال عبد الرحمن بن يونس: أيوب هذا هو ابن خالد بن صفوان، وجده أبو أيوب من قبل أمه".

ونصّ ابن عساكر على غرابته في «تاريخه».

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/280): "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الكَبِيرِ هَكَذَا، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كُلُّهُمْ".

وقال شعيب الأرنؤوط ورفاقه أثناء كلامهم على المسند في حديث ابن لهيعة: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف، أيوب بن خالد فيه لِينٌ، وأبوه خالد مجهول، انفرد ابنه بالرواية عنه، وقد ذهب غير واحد من أهل العلم إلى أن أبا أيوب جد أيوب بن خالد لأمه، فخالد والده زوج عمرة بنت أبي أيوب..".

ثم قالوا في حديث حيوة: "صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف كسابقه".

وقال شعيب في تعليقه على سير أعلام النبلاء (2/403): "حسن لغيره".

وهذا الحديث بهذا الإسناد أورده الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» (2875).

قلت: هذا إسناد ضعيف جداً!! تفرد به الوليد بن أبي الوليد بهذا الإسناد!!

والوليد بن أبي الوليد هو أبو عثمان المدني ثم المصـري، وثقه ابن معين وأبو زرعة، وذكره ابن حبان في «ثقاته» (7/552) وقال: "رُبمَا خَالف على قلَّة رِوَايَته".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص: 584): "ليّن الحديث".

وقد تتبعت حديثه فوجدته قليلاً كما قال ابن حبان، ويتفرد بروايات لا يرويها غيره!! فالميل إلى تضعيفه أقرب.

وأما أيوب بن خالد فهو ابن أبي أيوب كما نسبه الوليد في روايته، وخالف في ذلك ابن يونس إمام أهل مصر، فقال: "أيوب هذا هو ابن خالد بن صفوان، وجده أبو أيوب من قبل أمه".

وقال المزي في «تهذيب الكمال» (3/468): "أَيُّوب بن خَالِد بن صفوان بن أوس بن جَابِر بن قرط بن قيس الأَنْصارِيّ النجاري المدني... رَوَى عَنه: إِسْمَاعِيل بْن أمية (م س)، وموسى بْن عُبَيدة الربذي، والوليد بن أَبي الوليد...".

ثم قال: "وفرّق أَبُو زُرْعَة وأبو حاتم بين: أَيُّوب بن خَالِد بن أَبي أَيُّوب الأَنْصارِيّ، يروي عَن أبيه عن جده، ويروي عنه الوليد بن أَبي الوليد، وبين: أَيُّوب بْن خَالِد بن صفوان. وجعلهما أَبُو سَعِيد ابن يونس واحداً".

وتعقّبه مغلطاي في «الإكمال» (2/331) لنسبته هذا لابن يونس فقط! فقال: "وجعلهما ابن يونس واحداً... نظر، من حيث إن ابن يونس ليس هو يأبى عُذره هذا القول، قد قاله قبله أبو عبد الله البخاري في «تاريخه الكبير»، ذكر ترجمة أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري عن أبيه عن جده أبي أيوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا اكتسبت الخطيئة توضأ فأحسن وضوءك» الحديث. قال: وروى إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد الأنصاري عن عبدالله بن رافع عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم «خلق الله التربة يوم السبت» وقال بعضهم: أبو هريرة عن كعب وهو أصح، وحدثنيه يحيى بن سليمان عن ابن وهب أخبرني حيوة عن الوليد بن أبي الوليد أن أيوب حدثه، يعني حديث الخِلقة. فهذا - كما ترى -: البخاري جمع بينهما فعذر ابن يونس واضح لاقتدائه بالبخاري وإن كنا نحاجج البخاري في ذلك، والله أعلم".

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (1/401) بعد أن ذكر كلام المزي المتقدم: "قلت: وسبب ذلك أن خالد بن صفوان والد أيوب وأمه عمرة بنت أبي أيوب الأنصاري فهو جده لأمه، فالأشبه قول ابن يونس، فقد سبقه إليه البخاري وذكره ابن حبان في الثقات، ورجحه الخطيب، وقال الأزدي في ترجمة إسحاق بن مالك التنيسـي بعد أن روى من طريق هذا حديثا عن جابر: أيوب بن خالد ليس حديثه بذاك، تكلّم فيه أهل العلم بالحديث، وكان يحيى بن سعيد ونظراؤه لا يكتبون حديثه".

وقال الحسيني: "وجعله ابن يُونُس والَّذِي قبله يعْني أَيُّوب بن خَالِد بن صَفْوَان وَاحِدًا وَفرق بَينهمَا أَبُو زرْعَة وَغَيره وَهُوَ الصَّوَاب".

فتعقبه ابن حجر في «التعجيل» فقال: "قلت: بل الرَّاجِح مَا قَالَ ابن يُونُس، وَأَبُو أَيُّوب جد أَيُّوب بن خَالِد بن صَفْوَان لأمه؛ لأن أمه هِيَ عمْرَة بنت أبي أَيُّوب، وَقد سبق ابن يُونُس الى مَا صَوبه البُخَارِيّ وَتَبعهُ ابن حبَان وَرجحه الخَطِيب وَقد أَشَارَ المزي الى الِاخْتِلَاف فِيهِ، وأوضحت ذَلِك فِي تَهْذِيب التَّهْذِيب".

قلت:

البخاري قد فرّق بينهما ولم يجعلهما واحداً!! فقد ترجم لهما في تاريخه.

قال في «التاريخ الكبير» (1/412): "أيوب بن خَالِد بن صفوان الحجازي الْأَنْصَارِيّ أخو صفوان. قَالَه سُلَيْمَان بن بلال عَنْ سعد بن سَعِيد".

ثم قال بعد ترجمتين: "أَيُّوبُ بنُ خَالِد بنِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَبِي أَيُّوبَ أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: إِذَا أَكْنَنْتَ الخَطِيئَةَ قُمْ تَوَضَّأْ فَأَحْسِنْ وُضُوءَكَ ثُمَّ صَلِّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ، قَالَهُ لِي يَحْيَى بنُ سُلَيْمَانَ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ عَنِ الوَلِيدِ بنِ أَبِي الوليد أن أيوب حدثه.

وروى إسماعيل بن أمية، عَنْ أيوب بن خَالِد الْأَنْصَارِيّ، عَنْ عَبْداللَّه بن رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: (خلق اللَّه التربة يوم السبت)، وقَالَ بعضهم عن أبي هريرة عَنْ كعب، وهو أصح".

لكن الإشكال في ذكره في الترجمة الثانية أنه هو راوي حديث التربة!! والمتفق على أن راوي حديث التربة هو الأول!!!!

قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (2/1064): "أَيُّوبُ بنُ خَالِدٍ بنِ صَفْوَانَ بنِ أَوْسٍ الأَنْصَارِيُّ النَّجَّارِيُّ الْمَدَنِيُّ.. عَنْ: أَبِيهِ، وَجَابِرٍ، وَزَيْدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ، وَعَبْدِاللَّهِ بنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ.

وَعَنْهُ: عُمَرُ مولى غفرة، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، وَمُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ، وَيَزِيدُ بنُ أَبِي حَبِيبٍ.

وهُوَ رَاوِي حَدِيثِ: (خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ) الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ".

وقد تبع ابن حبان البخاري في إيراده الحديث في ترجمة (أيوب بن خالد) الذي يروي عنه الوليد.

قال في «الثقات» (6/54): "أَيُّوب بن خَالِد بن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ يروي عَن أَبِيه عَن جده أبي أَيُّوب، روى عَنهُ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة والوليد بن أَبِي الْوَلِيد، وَهُوَ الَّذِي يروي عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ رَافع مولى أم سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة". – يعني حديث خلق التربة.

وكان ذكر قبل هذا (4/25): "أَيُّوب بن خَالِد بن صَفْوَان الحِجَازِي الْأنْصَارِيّ، يروي عَن جَابر بن عَبْدالله. روى عَنهُ سعد بن سَعِيد وَعمر مولى غفرة. وَمن قَالَ: أَيُّوب بن صَفْوَان فقد نسبه إِلَى جدّه".

وفرّق بينهما أبو حاتم وأبو زرعة.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/245): "أيوب بن خالد بن صفوان الأنصاري الحجازي. روى عن جابر بن عبد الله، وزيد بن خالد الجهني، وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة. روى عنه: عمر مولى غفرة، وموسى بن عبيدة. سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك.

لم يذكر أبو زرعة: زيد بن خالد وعبد الله بن رافع، وزاد: يُعدّ في المدينيين، وزاد أبي أيضاً أنه روى عنه إسماعيل بن أمية".

ثم قال: "أيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري المديني، روى عن أبيه عن جدّه. روى عنه الوليد بن أبي الوليد. سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك".

والخلاصة أن أبا حاتم وأبا زرعة فرقا بينهما، ومال إلى ذلك المزي ومغلطاي.

وذهب ابن يونس أنهما واحد، ونصـر ذلك ابن حجر وغيره، ونسبوا ذلك إلى الإمام البخاري لأنه ذكر حديث خلق التربة في ترجمة "أيوب بن خالد بن أبي أيوب" والمعروف أن الذي روى هذا الحديث هو "أيوب بن خالد بن صفوان"، وتبعه ابن حبان في ذلك.

والذي أراه أنهما واحد، وهو: "أيوب بن خالد بن صفوان الحجازي"، وقد أخطأ الوليد بن أبي الوليد في نسبته، فقال: "أيوب بن خالد بن أبي أيوب"!!

فالحديث يرويه أيوب بن خالد عن أبيه عن جده أبي أيوب، وأبو أيوب جده لأمه، فكأن الوليد لما رواه وهو يعرف أن أيوب يرويه عن أبيه عن أبي أيوب، فظنّ أن خالداً والد أيوب هو ابن أبي أيوب؛ لأن الحديث عن جده أبي أيوب! فقال: "عن أيوب بن خالد بن أبي أيوب عن أبيه عن جده" فوهم!!

وأما ترجمة البخاري للأول، ثم للثاني وإيراد حديث التربة في ترجمة الثاني مع أن الذي روى الحديث هو الأول فهو من باب إيراد كلّ اسم في مكانه بحسب ما وقع له من أسانيد، فأحياناً يُفرق بين التراجم وهي لواحد ليبيّن أنها وقعت هكذا في الأسانيد، وإيراده لحديث خلق التربة قرينة على أنه هو الأول، والله أعلم.

قال السخاوي في «التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشـريفة» (1/208): "أيوب بن خالد بن أبي أيوب هو الذي بعده".

ثم قال: "أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري المدني نزيل الرقة (! كذا! والصواب: نَزِيلُ بَرْقَةَ، وهي التي في إفريقية والإسكندرية) ويعرف بأيوب بن خالد بن أبي أيوب الأنصاري لكونه سبط أبي أيوب، أمه عمرة ابنة أبي أيوب، يروي عن أبيه وجابر وزيد بن خالد الجهني وعبد الله بن رافع مولى أم سلمة رضي الله عنهم، وعنه عمر مولى غفرة وإسماعيل بن أمية وموسى بن عبيدة ويزيد بن أبي حبيب والوليد بن أبي الوليد خرج له مسلم وغيره".

وقال في (1/313): "خالد بن أيوب الأنصاري المدني: يروي عن أبيه أبي أيوب رضي الله عنه، وعنه ابنه أيوب، وثقه ابن حبان في التابعين. انتهى. وقد مضـى في أيوب بن خالد أن اسم جده صفوان، وأن أيوب حيث روى عن أبيه عن جده أراد جده لأمه أبا أيوب الأنصاري الصحابي الشهير واسمه خالد بن زيد، فخالد والد أيوب زوج ابنة أبي أيوب لا ولد أبي أيوب، ولكن كذا وقع في التابعين من ثقات ابن حبان ولو كان على ظاهره لكان ممن وافق اسم أبيه وليس كذلك".

 

شبهة وجوابها:

ذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (3/150): "خَالِد بن زيد الْأَنْصَارِيّ، روى عنهُ مجمع بْن يحيى، أدرك أصحاب النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَه عَبْدالواحد بْن زياد. وروى أَيُّوبُ بنُ خَالِد بْنِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم".

فهنا جزم البخاري باسمه وروايته! وما مناسبة ذكره هنا في هذه الترجمة؟

أقول:

البخاري جزم باسمه هنا لا تصحيحاً له، وإنما بحسب ما جاء في رواية الوليد آنفا، وسبب ذكره هنا لينبّه على أن "جده" هنا وهو "خالد بن زيد" ليس هو صاحب الترجمة الذي يروي عنه مجمع بن يحيى.

قال الشيخ المعلمي اليماني في تعليقه على ترجمة البخاري هذه: "يعني: وأبو أيوب اسمه خالد بن زيد كما تقدم رقم (461)، ولا أدري لماذا ذكر المؤلف هذا هنا! فإن مجمع بن يحيى لم يدرك أبا أيوب، وليس هو عمه، ومع ذلك قد تقدمت ترجمة أيوب بن خالد بن أبي أيوب (1 / 1 / 413) وعلقنا عليها ما يفيد أنه أيوب بن خالد بن صفوان، وإنما يقال له: ابن أبي أيوب؛ لأن أمه عمرة بنت أبي أيوب، والله أعلم".

وقد ذكر ابن حبان في «الثقات» (4/202): "خَالِدُ بنُ زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَاب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَنَسُ بنُ مَالِكٍ، وَيُرْسِلُ الأَخْبَارَ كَثِيرًا. رَوَى عَنْهُ مُجَمِّعُ بْنُ يَحْيَى.

حدثَنَا أَبُو يَعْلَى قَالَ: حدثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ الحَجَّاجِ قَالَ: حدثَنَا ابن المُبَارَكِ، عَنْ مُجَمِّعِ بنِ يَحْيَى الأَنْصَارِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَمِّي خَالِدُ بنُ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَرِيء مِنَ الشُّحِّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ، وَقَرَى الضَّيْفَ، وَأَعْطَى فِي النَّائِبَةِ». مُرْسل".

قلت: خالفه إسماعيل بن عياش فوصله!

رواه البيهقي في «شعب الإيمان» (13/289) (10348) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ الحَافِظُ، وَأَحْمَدُ بنُ الحَسَنِ قَالَا: أخبرنَا أَبُو العَبَّاسِ مُحَمَّدُ بنُ يَعْقُوبَ، أخبرنَا مُحَمَّدُ بنُ إِسْحَاقَ، أَخبرنَا سُلَيْمَانُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدِّمَشْقِيُّ، حدثنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، أخبرنَا مُجَمِّعُ بْنُ جَارِيَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَرِيءٌ مِنَ الشُّحِّ مَنْ أَدَّى الزَّكَاةَ، وَقَرَى الضَّيْفَ، وَأَعْطَى فِي النَّائِبَةِ».

قلت: رواية ابن المبارك أصح من رواية ابن عياش، والحديث مرسل، وله طرق أخرى كلها مرسلة.

والخلاصة أن أيوب بن خالد هذا هو ابن صفوان، وقد ترجم له البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في «الثقات»، وليّنه الحافظ أبو الفتح الأزدي.

وهو عندي في عِداد المستورين، والحديث لا يُعرف عند أهل المدينة! وتفرد به المصـريون عن الوليد بن أبي الوليد، والوليد ضعيف لا يُقبل تفرده!

ولو صحّ أن أيوب روى هذا الحديث عن أبيه! فأبوه مجهول الحال!! وقد ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان كعادته في «الثقات»! ولا يُعرف عنه راويًا إلا ابنه أيوب!!!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/322): "خالد بن أبي أيوب المديني. روى عن أبيه، روى عنه أيوب بن خالد. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/198): "خَالِد بن أَبِي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ يروي عَن أَبِيه، روى عَنهُ أَيُّوب بن خَالِد".

وقال الحسيني في «الإكمال»: "خَالِد بن أبي أَيُّوب الْأنْصَارِيّ المدنِي عَن أَبِيه، وَعنهُ ابْنه أَيُّوب. وَثَّقَهُ ابن حبَان".

قال ابن حجر في «التعجيل»: "قلت: قد بيّنت فِي تَرْجَمَة أَيُّوب بن خَالِد أن اسْم جده صَفْوَان، وأن أَيُّوب حَيْثُ روى عَن أَبِيه عَن جده أَرَادَ جده لأمه وَهُوَ أَبُو أَيُّوب الْأنْصَارِيّ الصَّحَابِيّ المَشْهُور واسْمه خَالِد بن زيد، فَخَالِد وَالِد أَيُّوب زوج بنت أبي أَيُّوب لا ولد أبي أَيُّوب وَالله اعْلَم. والحسيني تبع ابن حبَان فِيمَا ذكره فَإِنَّهُ كَذَا قَالَ فِي التَّابِعين، وَلَو كَانَ على ظَاهره لَكَانَ مِمَّن وَافق اسْمه اسْم أَبِيه وَلَيْسَ كَذَلِك".

والخلاصة أنّ الحديث لم يصح عن أبي أيوب الأنصاريّ – رضي الله عنه-.

 

حديث أبي سعيدٍ الخُدريّ:

رواه يَعْقُوبُ بنُ إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْد بن إِبْرَاهِيم بن عَبْد الرَّحْمَنِ بن عوف، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنِي عِيسَى بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ مَالِكِ الدَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْرًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لِلْأَمْرِ الَّذِي تُرِيدُ خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّـرْهُ لِي وَأَعَنِّي عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا لِلَّذِي يُرِيدُ شَرًّا لِي فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ أَيْنَمَا كَانَ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ».

أخرجه البزار في «مسنده» [كما في كشف الأستار عن زوائد البزار (4/56) (3185)] عن عُبَيْداللَّهِ بن سَعْدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ.

وأبو يعلى في «مسنده» (2/497) (1342) عن زُهَيْر أبي خَيثمة.

وابن حبان في «صحيحه» (3/167) (885) عن أَبي خَلِيفَةَ، عن عَلِيّ بن المَدِينِيِّ.

والطبراني في «الدعاء» الدعاء للطبراني (1304) عن عَبْداللَّهِ بن أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ، عن أَبِيه. وعن أَبي خَلِيفَةَ، عن عَلِيّ بن المَدِينِيِّ.

كلهم (عبيد الله بن سعد وأبو خيثمة وعلي بن المديني وأحمد بن حنبل) عن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيمَ بنِ سَعْدٍ، به.

قال البَزَّارُ: "لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إِلا بِهَذَا الإِسْنَادِ".

وذكره الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» برقم (2305)، ونصّ على نكارة "الحوقلة" فيه!

وقال شعيب الأرنؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان: "إسناده حسن، عيسى بن عبد الله بن مالك، وثقه المؤلف، وروى عنه جمع، وباقي رجاله ثقات... وأورده السيوطي في "الجامع الكبير" 1/38، وزاد نسبته الى أبي يعلى، والبيهقي في الشعب، والضياء في المختارة. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 2/281 وقال: رواه أبو يعلى، ورجاله موثقون، ورواه الطبراني في الأوسط بنحوه".

قلت: هذا إسناد ضعيف! تفرد به محمد بن إسحاق إمام المغازي وهو متكلّم فيه، ولا يُحتج بما انفرد به في السنن! وشيخه مجهول الحال! ولا يُعرف هذا الحديث عن أبي سعيد، ولا عن عطاء بن يسار!!!

وعيسى هذا ترجم له البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلاً.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (6/280): "عيسى بن عبد الله بن مالك الدار مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، روى عن زيد بن وهب ومحمد بن عمرو بن عطاء، روى عنه محمد بن إسحاق والحسن بن الحر وابن لهيعة، سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (7/231) قال: "عِيسَى بن عَبْداللَّه بن مَالك من أهل المَدِينَة، يروي عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء، روى عَنهُ مُحَمَّد بن إِسْحَاق".

وقال علي بن المديني: "مجهول، لم يرو عنه غير محمد بن إسحاق".

وقالَ ابن القطَّان: "حَاله مَجْهُولَة".

وقال الحافظ ابن حجر في «التقريب»: "مقبول". يعني: عند المتابعة، وإلا؛ فليّن الحديث، كما نصّ على ذلك في مقدمة كتابه، وعيسى هنا لم يُتابع عليه!

والخلاصة أنّ الحديث لم يصح عن أبي سعيدٍ الخدري – رضي الله عنه-.

 

حديث ابن عمر وابن عباس:

رواه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/61) (64)، وفي «المعجم الكبير» (11/196) (11477)، وفي كتاب «الدعاء» (1305) قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، وَسَلَامَةُ بنُ نَاهِضٍ المَقْدِسِيُّ، وَمُحَمَّدُ بنُ الحَسَنِ بنِ قُتَيْبَةَ العَسْقَلَانِيُّ، قَالوا: حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ هَانِئِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي عَبْلَةَ، قال: حدثنا أَبِي، قال: حدثنا عَمِّي إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عَطَاءِ بنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، وابنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - قَالَا: كُنَّا نَتَعَلَّمُ الِاسْتِخَارَةَ كَمَا يَتَعَلَّمُ أَحَدُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ مَا قَضَيْتَ عَلَيَّ مِنْ قَضَاءٍ فَاجْعَلْ عَاقِبَتَهُ إِلَى خَيْرٍ».

قلت: هذا إسناد ضعيف جداً!! تفرد به عبد الله بن هانئ، وهو متّهم بالكذب!!

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/194): "عبد الله بن هانئ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابنُ أَخِي إبراهيم بن أبي عبلة: روى عن أبيه، وعن ضمرة. روى عنه: محمد بن عبد الله بن محمد بن مخلد الهروي عن أبيه عن ابراهيم ابن أبي عبلة أحاديث بواطيل".

قال عبد الرحمن: سمعت أبي يقول: "قدمت الرملة فذُكر لي أن في بعض القرى هذا الشيخ، وسألت عنه فقيل: هو شيخ يكذب! فلم أخرج إليه، ولم أسمع منه".

وقد أخطأ ابن حبان بذكره في «الثقات»!!!

قال (8/357): "عبد الله بن هَانِئ بن عبد الرَّحْمَن بن أبي عبلة أَبُو عَمْرو من كور بَيت المُقَدّس، يروي عَن أَبِيه هَانِئ بن عبد الرَّحْمَن عَن عَمه إِبْرَاهِيم بن أبي عبلة. حدثَنَا عَنهُ أَصْحَابنَا مَكْحُول وَغَيره".

قلت: حديثه عن أبيه منكر!! وأبو حاتم سأل عنه فاتهموه بالكذب وأهل بلده أدرى به.

وقد رُوي هذا الحديث عن ابن عمر وحده:

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/286) (935) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مَسْعُودٍ المَقْدِسِيُّ الخَيَّاطُ قَالَ: أخبرنا عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَ: أخبرنا أَبُو مُعَيْدٍ حَفْصُ بنُ غَيْلَانَ، عَنِ الحَكَمِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَيْلِيِّ، عَنِ القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ قَالَ: عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاسْتِخَارَةَ، فَقَالَ: «يَقُولُ أَحَدُكُمْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ، وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، فَإِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا يُسَمِّي الْأَمْرَ بِاسْمِهِ، خَيْرًا لِي فِي دِينِي وَفِي مَعِيشَتِي، وَخَيْرًا لِي فِي عَاقِبَةِ أَمْرِي، وَخَيْرًا لِي فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا، فَاقْدُرْهُ لِي، وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا لِي، فاقْدِرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ورَضِّنِي بِهِ».

قال الطبراني: "لم يَرو هذا الحديث عن أبي معيد إلا عمرو".

قلت: هذا إسناد منكر!!! وقد أجمع أهل العلم على توهين الحكم بن عبد الله الأيلي وتركه!

قال ابن معين: "ليس بشيء".

وقال البخاري: "تركوه، كان ابن المبارك يضعفه".

وقال مسلم: "منكر الحديث".

وقال أبو حاتم: "ذاهب، متروك الحديث لا يكتب حديثه، كان يكذب".

وقال أبو زرعة: "ضعيف لا يحدث عنه". قال ابن أبي حاتم: "ولم يقرأ علينا حديثه وقال: اضربوا عليه".

وقال النسائي: "مَتْرُوك الحَدِيث".

والخلاصة أنّ الحديث لم يصح عن ابن عمر وابن عباس – رضي الله عنهم-.

 

حديث أبي هريرة:

رواه محمد بن إسماعيل ابنُ أَبِي فُدَيْكٍ المدني، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو المُفَضَّلِ شِبْل بنُ العَلَاءِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْرًا فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ كَذَا وَكَذَا خَيْرًا لِي فِي دِينِي، وَخَيْرًا لِي فِي مَعِيشَتِي، وَخَيْرًا لِي فِي عَاقِبَةِ أَمْرِي، فَاقْدُرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ خَيْرًا لِي، فَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ مَا كَانَ، وَرَضِّنِي بِقَدَرِكَ».

أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (4/258) عن إِبْرَاهِيم بن المُنْذِرِ.

وابن حبان في «صحيحه» (3/168) (886) من طريق حَمْزَة بن طِلْبَةَ.

والطبراني في «الدعاء» (1306) من طريق أَحْمَد بن صَالِحٍ، وأَحْمَد بن الوَلِيدِ بنِ بُرْدٍ الْأَنْطَاكِيّ.

وابن عدي في «الكامل» (5/72) من طريق أحمد بن صالح.

كلهم عن ابن أَبِي فُدَيْكٍ، به.

قلت: هذا حديث منكر! تفرد به شبل! وهو منكر الحديث!! وقد أخطأ ابن حبان في تمشية حاله وتصحيح حديثه!!

قال ابن حبان بعد أن أخرجه في صحيحه: "أَبُو المُفَضَّلِ اسْمُهُ: شِبْلُ بنُ العَلَاءِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، مُسْتَقِيمُ الْأَمْرِ فِي الحَدِيثِ".

وقال في «الثقات» (6/452): "روى عَنهُ ابن أبي فديك بنسخة مُسْتَقِيمَة".

وقال ابن عدي: "حَدَّثَ عَنْهُ ابنُ أَبِي فُدَيْكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ، عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيهِ وَسلَّمَ بأحاديث لا يَحُدِّثُ بِهَا، عَن العَلاَء غَيْرُهُ مَنَاكِيرَ"، وذكر هذا الحديث منها وساقه، ثم قال: "وهذا الحديث بهذا الإسناد منكر".

والخلاصة أنّ الحديث لم يصح عن أبي هريرة – رضي الله عنه-.

 

بيان أحاديث تُروى في الاستخارة عموماً دون ذكر الصلاة عن أبي بكر وسعد وأنس رضي الله عنهم:

حديث أبي بكر:

رواه زَنْفَل بن عبد الله العرفِيُّ – نسبة لعرفة لأنه كان ينزل بها- أَبُو عَبْدِاللَّهِ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ: «اللَّهُمَّ خَرْ لِي وَاخْتَرْ لِي».

أخرجه الترمذي في «جامعه» (5/418) (3516) عن مُحَمَّد بن بَشَّارٍ، عن إِبْرَاهِيم بن عُمَرَ بنِ أَبِي الوَزِيرِ.

والبزار في «مسنده» (1/129) (59) عن مُحَمَّد بن المُثَنَّى، عن إِبْرَاهِيم بن عُمَرَ بنِ أَبِي الوَزِيرِ.

وأبو يعلى في «مسنده» (1/45) (44) عن مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ المُقَدَّمِيّ، ومُوسَى بن مُحَمَّدِ بنِ حَيَّانَ، عن ابن أَبِي الوَزِيرِ.

والعقيلي في «الضعفاء» (2/97) من طريق مُحَمَّد بن عُمَرَ المُعَيْطِيّ.

وابن عدي في «الكامل» (4/208) من طريق النضر بن طاهر.

والخرائطي في «مكارم الأخلاق» (915) من طريق أَبي مُطَرِّفِ بن أَبِي الوَزِيرِ وحَاتِم بن سَالِمٍ العَتَكِيّ.

وأبو الحسين الطيوري في «الطيوريات» (2/ 679) (616) من طريق النَّضْر بن طَاهِرٍ القيسي.

كلهم عن زُنْفَل، به.

قلت: هذا حديث منكر! وزنفل متروك! أجمع أهل العلم على ضعفه.

قال يحيى: "لَيْسَ بِشَيْء". وَقَالَ النَّسَائِيّ والأزدي والدولابي: "ليْسَ بِثِقَة".

وقَالَ السَّاجِي وأبو حاتم الرازي وَالدَّارَقُطْنِيّ: "ضَعِيف".

وقال ابن حبان: "كَانَ قَلِيل الحَدِيث وَفِي قلته مَنَاكِير لا يحْتَج بِهِ".

قال الترمذي عقب إخراج حديثه: "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ زَنْفَلٍ: وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ، وَيُقَالُ لَهُ: زَنْفَلُ بنُ عَبْدِاللهِ العَرَفِيُّ، وَكَانَ يَسْكُنُ عَرَفَاتٍ، وَتَفَرَّدَ بِهَذَا الحَدِيثِ، وَلاَ يُتَابَعُ عَلَيْهِ".

وقال أبو داود في «سؤالاته» للإمام أحمد (ص: 236): ذكرت لِأَحْمَد حَدِيث زنفل العرفِيّ حَدِيث عَائِشَة عَن أبي بكر فِي الاستخارة، فَعرف الحَدِيث. قلت: تعرفه، أَعنِي زنفل؟ قالَ: "لا".

وقال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (5/445): وسُئِلَ أَبُو زُرْعَةَ عَنْ حديثٍ رَوَاهُ زَنْفَل العَرَفِيّ، عن ابنِ أَبِي مُلَيْكَة، عَنْ عائِشَة، عَنْ أَبِي بَكْرٍ؛ قَالَ: كَانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ: اللَّهُمَّ، خِرْ لِي، وَاخْتَرْ؟

قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: "هذَا حديثٌ مُنكَرٌ، وزَنْفَلٌ فِيهِ ضعفٌ، لَيْسَ بِشَيْءٍ".

وقال البزار: "وهذا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَنْفَلٌ هَذَا قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ إِنْسَانٍ إِلَّا أَنَّهُ لَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا رَوَى هَذَا الحَدِيثَ غَيْرُهُ فَلِذَلِكَ ذَكَرْنَاهُ".

وقال في موضع آخر: "وهَذَا الْحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، وَزَنْفَلٌ قَدْ حَدَّثَ عَنْهُ غَيْرُ إِنْسَانٍ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يُتَابَعْ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ، وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ نَحْفَظْ هَذَا الْكَلَامَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا بِرِوَايَةِ زَنْفَلٍ لَمْ نَجِدْ بُدًّا مِنْ كِتَابَتِهِ وَنُبِيِّنُ العِلَّةَ فِيهِ".

وقالَ ابنُ عَدِي: "وهذَا الحَدِيثُ يُعْرَفُ بِإِبْرَاهِيمَ بنِ أَبِي الْوَزِيرِ عَنْ زَنْفَلٍ، رَوَاهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بُنْدَار، وأَبُو مُوسَى إلاَّ أَنَّ النَّضْـرَ بنَ طَاهِرٍ وَثَّابٌ عَلَى الأَحَادِيثِ، وَيَسْـرِقُ الحَدِيثَ وَيَجِيءُ ذِكْرُهُ فِي بَابِ النُّوْنِ وَالحَدِيثُ لإِبْرَاهِيمَ بن أبي الوزير".

قلت: لكن رواه عن زنفل غير النضر كما مرّ في التخريج.

وذكره العقيلي في «الضعفاء» ونقل قول ابن معين فيه: "لَيْسَ بِشَـيْءٍ"، وساق له هذا الحديث، ثم قال: "وقد رُوِيَ فِي الِاسْتِخَارَةِ، أَحَادِيثُ صَالِحَةُ الْأَسَانِيدِ".

قلت: كلّ أسانيدها منكرة كما تبيّن لنا!

حديث سعد:

رواه مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ المَدَنِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللهَ، وَمِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَـى اللهُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللهِ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى الله عَزَّ وَجَلَّ».

أخرجه أحمد في «مسنده» (3/54) (1444) عن رَوْح بن عُبادة.

والترمذي في «جامعه» (4/24) (2151)، والبزار في «مسنده» (4/9) من طريق أَبي عَامِرٍ العقدي.

والحاكم في «المستدرك» (1/699) (1903) من طريق الحَارِث بن أَبِي أُسَامَةَ، عن رَوْح بن عُبَادَةَ.

والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (3/241) من طريق عبد الله بن وهب.

كلهم عن محمد بن أبي حُميد، به.

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، لاَ نَعْرِفُهُ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ، وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: حَمَّادُ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ وَهُوَ أَبُو إِبْرَاهِيمَ المَدِينِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِالقَوِيِّ عِنْدَ أَهْلِ الحَدِيثِ".

وقال البزار: "وهذا الحَدِيثُ لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى بِهَذَا اللَّفْظِ إِلَّا عَنْ سَعْدٍ، وَلَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ سَعْدٍ إِلَّا ابْنُهُ مُحَمَّدٌ، وَرَوَاهُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حُمَيْدِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي بَكْرٍ، فَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ فَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: أخبرنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: أخبرنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ".

وقال الحاكم: "هذا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ".

وقال الذهبي في «التذكرة»: "تابعه جماعة عن محمد بن سعد بن أبي وقاص".

كذا قال!! فإن قصد أن ابن وهب قد تابعه جماعة فصحيح، وإن قصد أن الذي تابعه جماعة هو محمد بن أبي حميد أو إسماعيل! فليس بصحيح! فقد تفرد به ابن أبي حميد بهذا الإسناد!!

وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (2/279): "رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَالبَزَّارُ.. وفِيهِ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: ضَعْفُهُ بَيِّنٌ عَلَى مَا يَرْوِيهِ وَحَدِيثُهُ مُقَارِبٌ، وَهُوَ مَعَ ضَعْفِهِ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَجَمَاعَةٌ".

وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: "أخرجه أحمد وسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ لَكِنْ بِذِكْرِ الرِّضَا وَالسُّخْطِ لَا بِلَفْظِ الِاسْتِخَارَةِ".

وذكره الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» برقم (1906).

قلت: هذا حديث منكر!! تفرد به محمد بن أبي حميد، وهو ضعيف باتفاق.

قال ابن معين: "ليس حديثه بشيء". وقال مرة: "منكر الحديث".

وقال أحمد: "أحاديثه مناكير".

وقال البخاري: "منكر الحديث".

وقال النسائي: "ليس بثقة".

وقال أبو زرعة: "ضعيف الحديث".

وقال أبو حاتم: "كان رجلاً ضريراً، وهو منكر الحديث ضعيف الحديث.. يروي عن الثقات المناكير".

وقال الجوزجاني: "واهي الحديث ضعيف".

وقال ابن حبان: "كَانَ شيخاً مغفلا يقلب الْإِسْنَاد وَلَا يفهم وَيلْزق بِهِ الْمَتْن وَلَا يعلم فَلَمَّا كثر ذَلِك فِي أخباره بَطل الِاحْتِجَاج بروايته".

وقال أبو داود والدارقطني: "ضعيف".

وذكره يعقوب من سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم.

وذكره ابن البرقي فيمن كان الغالب على روايته الضعف.

وقال ابن عدي: "ضعفه بيّن علي ما يرويه وحديثه مقارب وهو مع ضعفه يكتب حديثه".

وأما المتابعة التي ذكرها البزار في كلامه السابق من طريق "عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرِ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ" فهي متابعة واهية!!

وقد رواه البزار (1097) من طريق عِمْرَان بن أَبَانَ الوَاسِطِيّ، عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدٍ، به، نحوه.

قال البزار: "وهذَا الحَدِيثُ رَوَاهُ عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدٍ، وَقَالَ عِمْرَانُ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَعَبْدُالرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هَذَا لَيِّنُ الحَدِيثِ".

قلت: الحديث فيه اختلاف على عبد الرحمن، وهو متروك الحديث.

قال ابن معين: "ضعيف".

وقال أحمد والبخاري: "منكر الحديث".

وقال أبو حاتم: "ليس بقوي في الحديث".

وقال النسائي: "ليس بثقة".

وقال ابن سعد: "له أحاديث ضعيفة".

وقال ابن عدي: "لا يتابع في حديثه، وهو في جملة من يكتب حديثه".

وقال ابن خِراش: "ضعيف الحديث ليس بشيء".

وقال الساجي: "صدوق فيه ضعف يُحتمل".

وقال ابن حبان: "مُنكر الحَدِيث جداً، ينْفَرد عَن الثِّقَات بِمَا لا يشبه حَدِيث الْأَثْبَات".

 

حديث أنس:

رواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (6/365) (6627)، وفي «المعجم الصغير» (2/175) (980) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عُثْمَانَ بنِ حَمَّادِ بنِ سُلَيْمَانَ بنِ الحَسَنِ بنِ أبَانَ بنِ النُّعْمَانَ بنِ بَشِيرِ بنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: حدثَنَا عُبْدُ القُدُّوسِ بنُ عَبْدِ السَّلَامِ بنِ عَبْدِ القُدُّوسِ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ، وَلَا نَدِمَ مَنِ اسْتَشَارَ، وَلَا عَالَ مَنِ اقْتَصَدَ».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذا الحديث عَنِ الحَسَنِ إِلَّا عَبْدُالْقُدُّوسِ بنُ حَبِيبٍ، تَفَرَّدَ بِهِ وَلَدُهُ عَنْهُ".

وقال الحافظ ابن حجر في «الفتح»: "سَنده وَاهٍ جِدًّا".

وذكره الألباني في «سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة» برقم (611) وقال: "موضوع".

قلت: نعم، هو موضوع لا شك في ذلك.

عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب الكلاعي الوحاظي، أبو محمد بن أَبي سَعِيد الشامي الدمشقي منكر الحديث! وأبوه أضعف منه!

قال أبو حاتم: "هو وأبوه ضعيفان".

وقال صَالِح بن مُحَمَّد البَغْدَادِيّ: "ضعيف، وأبوه أضعف منه".

وَقَال أَبُو عُبَيد الآجري: سألت أَبَا داود عن عبد القدوس الشامي، قال: "ليس بشـيءٍ وابنه شر منه".

وَقَال أَبُو جَعْفَرٍ العقيلي: "لا يتابع على شيء من حديثه، وليس ممن يقيم الحديث".

وَقَال أَبُو أَحْمَد ابن عَدِيّ: "ما يرويه غير محفوظ، وقد روى عن الأعمش أحاديث مناكير".

وَقَال الحاكم أبو أحمد: "يروي عن هشام بن عروة وثور بن يزيد أحاديث مناكير".

وقال البخاري: "عبد القدوس بن حبيب.. في حديثه مناكير".

وقال النسائي: "عبد القدوس بن حبيب أَبُو سعيد الشَّامي مَتْرُوك".

وقال أبو حاتم: "عبد القدوس بن حبيب: متروك الحديث، كان لا يصدق".

وقال ابن حبان: "كَانَ يضع الحَدِيث عَلَى الثِّقَات، لا يحل كِتَابَة حَدِيثه وَلَا الرِّوَايَة عَنْهُ، وَكَانَ ابن المُبَارك يَقُول: لِأَن أقطع الطَّرِيق أحبّ إِليّ من أَن أروي عَن عبد القدوس الشَّامي".

وقال ابن عدي: "وعبد القدوس له أحاديث غير محفوظة، وهو منكر الحديث إسناداً ومتناً".

والخلاصة أنّ الحديث لم يصح عن أبي بكر وسعد وأنس – رضي الله عنهم-.

وعليه فكل شواهد حديث الاستخارة واهية لا يصح شيء منها!

 

كيف عمل أهل العلم بالاستخارة؟!

اعتنى أهل العلم بحديث الاستخارة، وتكلّموا على ما فيه من فوائد وأحكام نثروها في كتب الشروح، وكتب الفقه، وفرّعوا عليه فروعاً كثيرة، كحكم الاستخارة هل هي واجبة أم مندوبة؟ وهل الدعاء بعد الانتهاء من الصلاة أم قبلها؟ وهل تكون في أمور معينة أم في كل شيء؟ وغير ذلك.

وقد جاء في عبارات أهل العلم أنهم كانوا "يستخيرون" فهل معنى ذلك أنهم كانوا يؤدون هذه الصلاة كما جاءت في الحديث أم لا؟!!

أصل معنى الاستخارة: طلب الخيرَة في الشيء، اسْم من قَوْلك: اخْتَارَهُ الله.

وَفِي «النهاية في غريب الحديث» (2/91): "خَارَ اللَّهُ لَكَ: أَيْ أَعْطَاكَ مَا هُوَ خَيْرٌ لَك. والخِيرَةُ بِسُكُونِ الْيَاءِ: الاسمُ مِنْهُ. فَأَمَّا بِالْفَتْحِ فَهِيَ الِاسْمُ، مِنْ قَوْلِكَ اخْتَارَهُ اللَّهُ، ومُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِيَرَةُ اللَّهِ مِنْ خَلْقِه. يُقَالُ بِالْفَتْحِ والسُّكون. والِاسْتِخَارَةُ: طَلَبُ الخِيَرَة فِي الشَّيْءِ، وَهُوَ اسْتِفْعَالٌ مِنْهُ. يُقَالُ اسْتَخِرِ اللهَ يَخِرْ لَك.

وَمِنْهُ دُعاء الِاسْتِخَارَة «اللهُمَّ خِرْ لِي» أَيِ اخْتَرْ لِي أصلَحَ الأمْرَين، واجْعَلْ لِي الخِيَرَةَ فِيهِ".

وَهُوَ فِي «لِسَان العَرَب» على معَان: مِنْهَا: سُؤال الفِعْل، وَالتَّقْدِير: أطلب مِنْك الخَيْر، فِيمَا هَمَمْت بِهِ، وَالخَيْر هُوَ كل معنى زَاد نَفعه على ضره.

فاستخار الله عز وجل: أي سأله خير الأمرين.

ويقال: استخار فلان فلاناً: إِذا استعطفه.

قال الهذلي:

لعلك إِمَّا أم عمرو تبدلت ... سواك خليلًا شاتمي تَسْتَخِيرها

ويقال: أصله من استخارة الضبع، وهو أن يُجعل على فم وجارها خشبة حتى تخرج من موضع آخر.

وما جاء في بعض الآثار أن بعض الصحابة كان يستخير لأمر ما كما فعل عمر في جمع القرآن استخار الله شهراً فهذا يعني الاستخارة بالمعنى اللغوي وهو طلب الخيرة، أي أنه دعا شهراً لذلك الأمر حتى شرح الله صدره له، وليس الاستخارة هنا ما جاء في هيئة الحديث من صلاة ركعتين والدعاء المخصوص فيه!!!

روى عبدالرزاق الصنعاني في «المصنف» (10/301) (19183) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بنَ الْخَطَّابِ كَتَبَ فِي الجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا، فَمَكَثَ يَسْتَخِيرُ اللَّهَ، يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ» حَتَّى إِذَا طُعِنَن دَعَا بِالكِتَابِ فَمَحَى فَلَمْ يَدْرِ أَحَدٌ مَا كَانَ فِيهِ، فَقَالَ: «إِنِّي كَتَبْتُ فِي الجَدِّ وَالْكَلَالَةِ كِتَابًا، وَكُنْتُ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، فَرَأَيْتُ أَنْ أَتْرُكَكُمْ عَلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ».

وكذا كانت الاستخارة عند بعض العرب: محاولة الوصول لخير الأمرين بطريق غير الدعاء.

فقد روى العسكري في كتاب «الأوائل» (ص: 142) بإسناده إلى الواقدي قال: حدثنا ابن أبي حنيفة، عن داود بن الحصين قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم من مكة فمر في أهل يثرب على يمينه نفر، معاذ بن عفراء وأسعد بن زرارة ورافع بن مالك وذكوان بن عبد قيس وعبادة بن الصامت ويزيد بن ثعلبة وأبو الهيثم بن التيهان وعويمر بن ساعدة، فعرض عليهم الإسلام فأسلم معاذ، وقال رافع بن مالك: دعني استخير، فكتب على بعض سهامه محمد رسول الله، وضرب بها فخرج المكتوب عليه ذلك ثلاث مرات فأسلم، ثم أسلم الباقون".

وأحياناً تأتي الاستخارة مع الاستشارة.

قال الأصمعي: سمعت أعرابياً يقول: "إذا استخار العبد ربّه، وشاور نصيحه، واجتهد رأيه، فقد قضى الذي عليه لنفسه، ويقضي الله في أمره ما أحبّ".

وقال سعيد بن عبدالعزيز التنوخيّ الدمشقي: "مَنِ اسْتَخار واسْتشار فقد قَضَى ما عليهِ".

وفي «طبقات علماء إفريقية» من طريق مُحَمَّد بن وَاقِدٍ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِي عَوْنٍ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنِ المِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ، قالَ: "خَرَجْتُ مِنْ مَنْزِلِي بِلَيْلٍ طَوِيلٍ أُرِيدُ المَسْجِدَ، فَإِذَا عُثْمَانُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُصَلِّي، فَصَلَّيْتُ خَلْفَهُ، ثُمَّ جَلَسَ فَدَعَا لَيْلا طَوِيلا حَتَّى أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ قَامَ مُنْصَرِفًا إِلَى بَيْتِهِ، وَقُمْتُ فِي وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: يَا بنَ مَخْرَمَةَ، وَاتَّكَأَ عَلَى يَدِي، إِنِّي اسْتَخَرْتُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي لَيْلَتِي هَذِهِ فِي بَعْثَةِ الجُيُوشِ إِلَى إِفْرِيقِيَّةَ، وَقَدْ كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُاللَّهِ بنُ سَعْدٍ يُخْبِرُ بِجَرَّةِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِمْ، وَقُرْبِ حَوْزِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَقُلْتُ: خَارَ اللَّهُ لأَمِيرِ المُؤْمِنِينَ وَلِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ: فَمَا رَأْيُكَ يَا ابنَ مَخْرَمَةَ؟ فَقُلْتُ: اغْزُهُمْ، قَالَ عُثْمَانُ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ، إِنِّي أَجْمَعُ اليَوْمَ الأَكَابِرَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْتَشِيرُهُمْ، فَمَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فَعَلْتُهُ، أَوْ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَكْثَرُهُمْ فَعَلْتُهُ...".

وما جاء في كلام أهل العلم أحياناً من الاستخارة حول أمرٍ ما، أو راو معين، فإنه أيضاً يدخل في المعنى اللغوي للاستخارة أو إمعان النظر حتى يصل لرأي في ذلك الأمر.

قال المروذي: سمعت أبا عبداللَّه يقول: "أنا منذ كذا وكذا أستخير اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أن أحلف أن لا أحدِّث، وقال: قد تركنا الحديث وليس يتركونا".

قلت: فهذا أحمد يعني بالاستخارة هنا المعنى اللغوي، وهو قد أنكر حديث الاستخارة.

وقال عبدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ: "مَا رَأَيْتُ شَامِيًّا أَثْبَتَ مِنْ فَرَجِ بنِ فَضَالَةَ، وَمَا حَدَّثْتُ عَنْهُ وَأَنَا أَسْتَخِيرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الحَدِيثِ عَنْهُ".

فقَالَ سليمان بن أحمد: قُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، حَدِّثْنِي عَنْهُ قَالَ: "اكْتُبْ حَدَّثَنِي فَرَجُ بنُ فَضَالَةَ".

وقال عَمْرُو بنُ عَلِيّ الفلاس: "كَانَ يَحْيَى وَعَبْدُالرَّحْمَنِ لَا يُحَدِّثَانِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن عبدالملك. قَالَ: وَرَأَيْت عَبْدالرَّحْمَنِ يَقُول: استخير اللَّه، استخير اللَّه، اضْرِب عَلَى حَدِيثه".

وقال سُفْيَان الثوري: "دَخَلْنَا عَلَى زُبَيْدٍ الياميّ، فَقُلْنَا لَهُ: اسْتِشْفِ اللهَ - أَوْ شَفَاكَ اللهُ - فَقَالَ: «أَسْتَخِيرُ اللهَ»".

وفي «ترتيب المدارك وتقريب المسالك» (2/30): قال الحسن بن الربيع البواري كنت على باب مالك فنادى مناديه ليدخل أهل الحجاز فما دخل إلا هم.

ثم نادى في أهل الشام. في أهل العراق، فكنت آخر من دخل، وفينا حماد بن أبي حنيفة، فقال: السلام عليكم ورحمة الله.

قال: فأومأ الناس إليه بأيديهم أن اسكت.

فقال: أفي صلاة نحن فلا نتكلم؟ فسمعت مالكاً يقول: "أستخير الله مرتين، ثم قال: أخبرنا نافع"، فحدثنا بعشرين حديثاً، ثم قال: "أخرجوهم"، فأخذتنا المقارع.

وفي «أخبار القضاة» (3/175) من طريق عَبْد الرحمن بن شريك قال: "جاء كتاب أبي جعفر إِلى أبي وهو في مجلس القضاء ففتحه فقرأ:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، من عَبْداللهِ أبي جعفر أمير المؤمنين إِلَى شريك بن عَبْداللهِ.

فقالَ الذي جاء به: اقرأ، فصاح به: يا أحمق الناس، وأنت تصلح لهَذَا الأمر! أقرأ عليك كتابي تعرف ما فيه.

قالَ: يفرغ الآخر من كلامه، وقالَ للخصوم: انصرفوا، وقَالَ لَيْسَ هَذَا يوم قضاء، وثبت مكانه حتى الظهر ودخل فتوضأ، ثم خرج فصلى العصر وثبت مكانه حتى صلى العشاء، ثم دخل فقال: أستخير الله ثلاثاً، ثم قَالَ: لابنته: أشعلي النار، فلما توجهت النار، قالَ: أستخير الله ثلاثاً، ثم ألقاه وبكى وقال: والله لو فعلتُ ما كان إِلَّا النار النار النار. فما أَخْبَرَنَا في شيء مما كان فِيْهِ حتى مات".

وقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِيما (إذا اخْتَصَمَ رَجُلَانِ فِي فَرَسٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أُنْتِجَ عِنْدَهُ، لَمْ يَبِعْهُ وَلَمْ يَهَبْهُ، وَجَاءَ الْآخَرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ)، ذكر هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَعْدَ ذِكْرِ الفَرَسِ، وقال: "وهَذَا مِمَّا أَسْتِخِيرُ اللهَ فِيهِ، وَأَنَا فِيهِ وَاقِفٌ"، ثُمَّ قَالَ: "لا يُعْطَى وَاحِدٌ مِنْهُمَا شَيْئًا، وَيُوقَفُ حَتَّى يَصْطَلِحَا".

وقال الحاكم النيسابوري في "تاريخ نيسابور" عن "إسماعيل بن محمد الشعراني النيسابوري الفقيه الشافعي": "كان كثير السماع من جده وأبيه، وكان أحد المجتهدين في العبادة، وكنت أستخير الله في إخراجه في «الصحيح» فوقعت الخيرة على ذلك، والكلام فيه يطول".

وفي كتاب «المحن» (ص: 405) بالإسناد إلى أَبي بَكْرِ بن عَيَّاشٍ قَالَ: "لمَّا حُبِسَ إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ أَخذ بالظنة، فَكَانَ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَلَمْ يَقُلْ إِنِّي إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، فَأُلْقِيَ فِي الحَبْسِ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ الحَبْسِ: إِنَّا نُحِبُّ أَنْ يُخْرِجَكَ اللَّهُ مِنْ هَذَا السِّجْنِ، فَقَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَمَا شَاءَ اللَّهُ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يُخْرِجَكَ اللَّهُ مِنْ هَذَا السِّجْنِ، فَقَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَمَا شَاءَ اللَّهُ، فَقِيلَ لَهُ: لَوْ دَعَوْتَ اللَّهَ أَنْ يُفرِّجَ عَنَّا، فَقَالَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَمَا شَاءَ اللَّهُ.

قالَ: وَكَانُوا يَعْمَدُونَ إِلَى حِيَاضِ المَاءِ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْهُ أَهْلُ السِّجْنِ فيلقون فِيهَا الْملح والرماد، ثمَّ يصبون المَاءُ عَلَيْهِ، فَيَبِيتُ أَهْلُ السِّجْنِ يَشْرَبُونَ الصَّافِي مِنْهُ وَلا يَقْرَبُهُ إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ، حَتَّى إِذَا بَقِيَ الثُّفْلُ وَضَعَ عَلَيْهِ ثَوْبَهُ، ثُمَّ جَعَلَ يَمُصُّهُ وَيَشْرَبُ مِنْهُ".

وكان ابن حبان يستخدم هذه العبارة في بعض التراجم في كتابيه: «الثقات» و«المجروحين».

قال في «الثقات» (9/165): "مَالك بن سُلَيْمَان بن مرّة النَّهْشَلِي... يُخطىء كثيرا وامتحن بأصحاب سوء كَانُوا يقلبون عَلَيْهِ حَدِيثه ويقرؤون عَلَيْهِ، فإن اعْتبر المُعْتَبر حَدِيثه الَّذِي يرويهِ عَن الثِّقَات ويروي عَنهُ الْأَثْبَات مِمَّا بَين السماع فِيهِ لم يجدهَا إِلَّا مَا يشبه حَدِيث النَّاس على أَنه من جملَة الضُّعَفَاء أَدخل إِن شَاءَ الله وَهُوَ مِمَّن أستخير الله عز وَجل فِيهِ".

وقال ابن كثير في «البداية والنهاية» في "حوادث سنة ثمان عشرة وأربعمائة": "وفيها ورد كتاب من محمود بن سبكتكين يذكر أَنَّهُ دَخَلَ بِلَادَ الهِنْدِ أَيْضًا، وَأَنَّهُ كَسَرَ الصَّنَمَ الْأَعْظَمَ الَّذِي لَهُمُ المُسَمَّى بِسُومَنَاتَ، وَقَدْ كَانُوا يَفِدُونَ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، كما يفد الناس إلى الكعبة البيت الحرام وأعظم، وينفقون عنده النفقات والأموال الكثيرة، التي لا توصف ولا تعد، وَكَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْأَوْقَافِ عَشَرَةُ آلَافِ قَرْيَةٍ، ومدينة مَشْهُورَةٍ، وَقَدِ امْتَلَأَتْ خَزَائِنُهُ أَمْوَالًا، وَعِنْدَهُ أَلْفُ رجل يخدمونه، وثلثمائة رجل يحلقون رؤوس حجيجه، وثلثمائة رجل يغنون ويرقصون على بابه، لما يضرب على بابه الطبول والبوقات، وكان عنده من المجاورين ألوف يأكلون من أوقافه، وقد كان البعيد من الهنود يتمنى لو بلغ هذا الصنم، وكان يعوقه طول المفاوز وكثرة الموانع والآفات، ثم استخار الله السلطان محمود لما بلغه خبر هذا الصنم وعباده، وكثرة الهنود في طريقه، والمفاوز المهلكة، والأرض الخطرة، في تجشم ذلك في جيشه، وأن يقطع تلك الأهوال إليه، فندب جيشه لذلك فانتدب معه ثلاثون ألفاً من المقاتلة، ممن اختارهم لذلك، سوى المتطوعة، فسلمهم الله حتى انتهوا إلى بلد هذا الوثن، ونزلوا بساحة عباده، فإذا هو بمكان بقدر المدينة العظيمة، قال: فما كان بأسرع من أن ملكناه وَقَتَلْنَا مِنْ أَهْلِهِ خَمْسِينَ أَلْفًا وَقَلَعْنَا هَذَا الوَثَنَ وَأَوْقَدْنَا تَحْتَهُ النَّارَ.

وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُ واحد أن الهنود بذلوا للسلطان محمود أموالاً جزيلة لِيَتْرُكَ لَهُمْ هَذَا الصَّنَمَ الْأَعْظَمَ، فَأَشَارَ مَنْ أشار من الأمراء على السلطان محمود بأخذ الأموال وإبقاء هذا الصنم لهم، فقال: حتى أستخير الله عز وجل، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: إِنِّي فَكَّرْتُ فِي الْأَمْرِ الذي ذكر فرأيت أنه إذا نوديت يوم القيامة أَيْنَ مَحْمُودٌ الَّذِي كَسَرَ الصَّنَمَ؟ أَحَبُّ إِلَيَّ من أن يُقال الذي ترك الصنم لأجل ما يناله من الدنيا، ثم عزم فكسره رحمه الله، فوجد عليه وفيه من الجواهر واللآلئ والذهب وَالجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ مَا يُنَيِّفُ عَلَى مَا بَذَلُوهُ له بأضعاف مضاعفة، ونرجو من الله له في الآخرة الثواب الجزيل الذي مثقال دانق منه خير من الدنيا وما فيها، مع ما حصل له من الثناء الجميل الدنيوي، فَرَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَ مَثْوَاهُ".

وقد ورد في بعض القصص عن أهل العلم أن بعضهم لما طُلب لشيء فاستخار وصلى ركعتين، ودعا الله بشيء أراده.

ففي سنة تسع وأربعين ومائتين مات حافظ البصرة نصر بن علي الجهضمي وكان قد طلبه المستعين للقضاء، فقال: "حتى أستخير الله تعالى"، فرجع، ثم صلى ركعتين، وقال: "اللهمّ إن كان لي عندك خير فتوفني"، ثم نام، فنبهوه فإذا هو ميت.

فهذا الإمام قد صلى ركعتين، لكنه لم يدعو بالدعاء الوارد في حديث الاستخارة.

وعليه فإن الاستخارة بالمعنى اللغوي وهو الدعاء عموماً له أصل ولا شيء فيه، فيدعو المرء بأيّ شيء يريده، ويتخير ما يشاء كما مر عن عمر وغيره، وإن دعا في صلاة الفريضة فيستحب جعل الدعاء في السجود وقبل السلام بعد التشهد لعموم الأحاديث، لكن أن نُفرد الاستخارة بركعتين قبل الدعاء فلم يثبت الحديث في ذلك، والله أعلم.

 

الخلاصة:

من خلال هذا البحث نخلص إلى النتائج الآتية:

1- حديث الاستخارة المشهور عند البخاري تفرد به عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أَبِي المَوَالِي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه. وقد رواه عن عبد الرحمن جماعة كبيرة من الرواة.

2- الحديث أخرجه الإمام البخاري في عدّة مواضع من «صحيحه»، واستنكره الإمام أحمد! بسبب تفرد عبد الرحمن به، وبيّن علته: "أن أهل المدينة إذا كان حديث غَلط يقولون: ابن المنكدر عَن جابر، وأهل البصرة يقولون: ثابت عَن أَنَس، يُحِيلُونَ عَلَيْهِمَا". – يعني يسلكون الجادة المشهورة.

فأين مالك وسفيان بن عيينة والثوري وشعبة وابن جريج والزهري وهشام بن عروة وغيرهم من أصحاب ابن المنكدر عن هذا الحديث؟!!! بل أين أولاد محمد بن المنكدر: المنكدر ويوسف عنه؟!! حتى يتفرد به عبد الرحمن بن أبي الموال! وهو له ما يُنكر!

3- ابن أبي الموال صدوق يهم، فإذا توبع على حديث قُبِل، وإلا رُدّ.

4- ما ذهب إليه بعض أهل العلم أن بعض الأئمة المتقدمين قد يطلقون "النكارة" على بعض الأحاديث ويقصدون بذلك "مطلق التفرد"! لا يصح!

ونسبة ذلك للإمام أحمد فيه مجازفة!!

5- يخلط بعض أهل العلم بين «النكارة» وبين «التفرد»!!

6- الذي أراده الإمام أحمد من إطلاق لفظ «منكر» على حديث ما هو نفسه المعنى الذي يطلقه أئمة النقد في ردّ الأحاديث لا الحديث الفرد الغريب المطلق الذي قد يكون صحيحاً.

7- اشتهر أن الإمام أحمد طعن في محمد بن إبراهيم التيمي راوي حديث «الأعمال بالنيات»، بالاعتماد على ما في كتاب «العلل» لعبد الله بن أحمد قال: "سمعته - يعني أباه - وَذكر مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ المَدِينِيّ، فَقَالَ: "فِي حَدِيثه شَيْء! يروي أَحَادِيث مَنَاكِير أَو مُنكرَة".

وكل من ترجم لمحمد بن إبراهيم نقل قول أحمد هذا فيه! مع استغراب بعضهم له!!

والصواب أن هذه العبارة قالها الإمام أحمد في ابنه "موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي"، وقد سقط من كتاب عبد الله "موسى بن" فصارت العبارة في أبيه "محمد بن إبراهيم التيمي".

وموسى كان يروي المناكير، وقد نُقل عن أحمد أنه يضعفه، والسياق الذي جاءت في تلك العبارة في سياق ذكر بعض الضعفاء، وأما محمد بن إبراهيم فثقة مطلقاً، ولم يضعفه أحد.

8- تتابع العلماء وطلبة الحديث على نسبة القول لأحمد بأنه أحياناً يقصد بالمنكر = الفرد المطلق!! وهذا قول لا يصح عنه، ولم ينسبه له أحد من أصحابه، وإنما نسبه له بعض المتأخرين لما وجدوا قوله المنسوب لمحمد بن إبراهيم التيمي وهو راوي حديث «الأعمال بالنيات»! حتى يوفقوا بين قوله هذا، وبين روايته للحديث الصحيح.

9- لا يوجد أي حديث منكر لمحمد بن إبراهيم التيمي! وبسبب نسبة تلك المقولة لأحمد ساق العقيلي في ترجمته حديثاً أخرجه الإمام مسلم في «صحيحه»؛ لأنه لم يجد له ما يُنكر!!

10- الأصل أن مصطلح النكارة هو المعهود عند الجميع ولا يُحمل على مصطلح خاص لبعض الأئمة إلا بوجود القرائن! ولم يأتوا بأية قرينة لما نسبوا هذا لأحمد والقطان! وإنما أحمد والقطان يقولون أحياناً في بعض الأحاديث: "هذا منكر" مع أن الراوي ثقة، وأحياناً يقولون: "فلان أحاديثه مناكير"، فهذا أيضاً يُحمل على ظاهره بعد التأكد من صحة النقل عنهم، وإن تبيّن صحته فيمكن مخالفتهم بالدليل لا أن نحمل ألفاظهم على محمل آخر دون دليل!!

11- لا فرق بين قول النقاد «روى أحاديث منكرة أو مناكير» وقولهم «منكر الحديث».

12- أصل حديث الاستخارة مرسل!

وهو مشهور من مرسل عَبْد اللَّهِ بن أَبِي سَلَمَةَ الماجشون المدني، مَوْلَى آلِ المُنْكَدِرِ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّة، وكان ثقة حافظاً.

فكأن عبد الرحمن بن أبي الموالي كان عنده هذا الحديث المرسل، ولما رواه دخل عليه إسناد في إسناد؛ لأن عبد الله بن أبي سلمة هو مولى لآل المنكدر، فوهم فمشى على الجادة المشهورة في المدينة: "ابن المنكدر عن جابر"! والله أعلم.

13- حديث الاستخارة فيه نكارة واضحة!

وهي: ما جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم الاستخارة كما يعلمهم السورة من القرآن! وهذا من شأنه أن يكون مشتهراً بين الصحابة ولم نجده كذلك!! فلا يُروى بسند صحيح عن صحابي! بخلاف حديث «التَّشَهُّد» الذي جاء فيه هذه العبارة، واشتهر من غير طريق.

14- رُوي حديث الاستخارة من طرق أخرى في مكة والكوفة موقوفة على بعض التابعين، ومرسلة! وهذا كان ينتشر بين الناس لأنهم يستهوونه.

وأشهر حديث في ذلك موقوف عُبيد بن عُمير (ت72هـ) قاصّ أهل مكة دون ذكر الصلاة، وكأن هذا أصل كل حديث الاستخارة!

15- موقوف ابن مسعود في الاستخارة كان منتشـراً في الكوفة والبصـرة ولا يثبت إليه! ولهذا يُروى مرسلاً عنه.

16- روى البخاري لعبد الرحمن بن أبي الموالي عن ابن المنكدر عن جابر حديثين في «صحيحه»! حديث الاستخارة، وحديث الصلاة في الثوب الواحد. أما الأول فتفرد به ابن أبي الموالي، وأما الثاني فقد توبع عليه، ورواه البخاري لعلو إسناده، لكن رُوي عنه أيضاً بإسناد مُغاير!

17- كلّ شواهد حديث الاستخارة منكرة وواهية! ولا تصلح لتقوية حديث ابن أبي الموالي.

18- الحديث عن ابن مسعود رُوي من طريقين:

الأول: عن زِر بن حُبيش عن ابن مسعود، تفرد به عاصم بن بهدلة، ولا يحتج بحديثه.

الثاني: عن علقمة بن قيس عن ابن مسعود، تفرد به عمران بن محمد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الكوفي، وابن أبي ليلى صدوق سيء الحفظ جداً.

19- حديث أبي أيوب تفرد به الوَلِيدُ بنُ أَبِي الوَلِيدِ، عن أَيُّوب بن خَالِدِ بنِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي أَيُّوبَ.

والوليد ضعيف يهم في الحديث، وقد وهم بقوله: "ابن أبي أيوب" وإنما هو: "أيوب بن خالد بن صفوان" وجده أبو أيوب من قبل أمه.

20- وهم من فرّق بين "أيوب بن خالد بن أبي أيوب" وبين "أيوب بن خالد بن صفوان" فهما واحد.

21- حديث أبي سعيد رواه مُحَمَّد بن إِسْحَاقَ، عن عِيسَى بن عَبْدِاللَّهِ بنِ مَالِكِ الدَّارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ عَمْرِو بنِ عَطَاءٍ، عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ..

وإسناد ضعيف! محمد بن إسحاق لا يُحتج بتفرداته، وشيخه مجهول الحال.

22- حديث ابن عمر وابن عباس يرويه عبد الله بن هانئ بن عبد الرحمن بن أبي عبلة عن أبيه عن عمه إبراهيم بن أبي عبلة عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر وابن عباس.

وهذا إسناد منكر! عبد الله بن هانئ متّهم بالكذب.

23- حديث أبي هريرة يرويه شِبْل بنُ العَلَاءِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وهذا إسناد منكر! شبل منكر الحديث.

24- حديث أبي بكر الصديق يرويه زَنْفَل بن عبد الله العرفِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ.

وهذا إسناد منكر! زنفل متروك الحديث.

25- حديث سعد بن أبي وقاص يرويه مُحَمَّدُ بنُ أَبِي حُمَيْدٍ المَدَنِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ.

وهذا إسناد منكر! محمد بن أبي حميد ليس بشيء.

26- حديث أنس يرويه عُبْدُ القُدُّوسِ بنُ عَبْدِ السَّلَامِ بنِ عَبْدِ القُدُّوسِ، عن أَبِيه، عَنْ جَدّه، عَنِ الحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ.

وهذا إسناد باطل! عبد القدوس ليس بشيء، وأبوه منكر الحديث!

27- ثبت أن بعض السلف قد استخاروا بالمعنى اللغوي لمعنى: استخار، وهو الدعاء عموماً، ونوّعوا في الدعاء.

28- ما جاء في بعض الآثار أن بعض الصحابة كان يستخير لأمر ما كما فعل عمر في جمع القرآن استخار الله شهراً فهذا يعني الاستخارة بالمعنى اللغوي وهو طلب الخيرة، أي أنه دعا شهراً لذلك الأمر حتى شرح الله صدره له، وليس الاستخارة هنا ما جاء في هيئة الحديث من صلاة ركعتين والدعاء المخصوص فيه!!!

ورُوي أنه كان يَسْتَخِيرُ اللَّهَ في الأمر ويَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنْ عَلِمْتَ فِيهِ خَيْرًا فَأَمْضِهِ».

29 استخدم أهل العلم عبارة "أستخير الله" في بعض الرواة ونحو ذلك أيضاً بالمعنى اللغوي بإمعان النظر حتى يصل لرأي فيه.

 

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

وكتب: د. خالد الحايك.

 

شاركنا تعليقك