الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تنزيل النصوص على الواقع وتكييف الواقع لمطابقة النصوص»(5): «الطائفة المنصورة» واحتكار تمثيل الإسلام بين الخصوم!

«تنزيل النصوص على الواقع وتكييف الواقع لمطابقة النصوص»(5)

«الطائفة المنصورة» واحتكار تمثيل الإسلام بين الخصوم!

د. خالد الحايك

 

تُعدّ الأحاديث الخاصة بموضوع الطائفة المنصورة والفرقة الناجية أحد أكثر المفاهيم المتداولة في المجال التاريخي الإسلامي القديم والحديث، وإذا كانت صحة أحاديث الفرقة الناجية متنازعة قديماً وحديثاً، فإن أحاديث الطائفة المنصورة تتمتع بالقبول والصحة من ناحية النقد الحديثي، إلا أن التنازع في فقه الحديث ودلالته على طائفة محددة في الزمان والمكان لم ينقطع بين الفرقاء والخصوم، نظراً لما فيه من البشريات التي يستحضرها النّاس في الأيام العصيبة والمحن والفتن بوجود «طائفة منصورة» معتصمة بالحق ومؤيدة بالصواب رغم كثرة الأهواء والبدع؛ فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الحقِّ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِك».

وقد اختلف أهل العلم في مفهوم هذا الحديث! ورأيت العجب العُجاب من بعض من تكلموا حول هذا الحديث حتى كاد الأمر يصل إلى الخصام بين المسلمين. وكلّ واحد يريد أن يكون هذا الحديث فيهم! وقلبوها "عنصرية" و"وطنية" مقيتة! والعجب أن بعض كبار أهل العلم من القدماء حاولوا أن يحملوا هذا الحديث كلّ على بلده وجماعته!

والحديث له عدة روايات في الصحيحين، وقد ساق الإمام مسلم روايات هذا الحديث: فبدأ بحديث ثوبان، ثم حديث المغيرة بن شعبة، ثم حديث جابر بن سَمُرة، ثم حديث جابر بن عبدالله، ثم حديث معاوية، وهذه الأحاديث الخمسة متفقة في إطلاق هذه الطائفة دون تحديد مكانها، وختم مسلم هذه الروايات بحديث سعد بن أبي وقاص الذي فيه تحديد مكان هذه الطائفة، وأنهم «أهل الغرب».

وقد ذهب جمعٌ من العُلَمَاء أن هذه الطائفة المنصورة هم أهل الحديث، كما قاله ابن المبارك، ويزيد بن هارون، وأحمد بن حنبل، والبخاري، وغيرهم. وذهب عليّ بن المديني إلى أن المراد بالحديث هم: «العرب» والمراد بالغرب الدلو الكبير لاختصاصهم بها غالباً.

وقال معاذ في روايته: "هم بالشام"، وإليه ذهب كثير من أهل العلم كابن تيمية وابن كثير وغيرهما.وجاء في حديث آخر: "هم ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس". وقيل: "هم أهل الشام وما وراء ذلك". وقيل المراد بأهل الغرب: "أهل الشدة والجلد وغرب كل شيء حده".

وجاء في  بعض نسخ صحيح مسلم «لا يزال أهل المغرب»، فحملها بعض أهل العلم على أهل المغرب (دول المغرب العربي = المغرب وتونس وليبيا). وممن ذهب إلى أن المقصود بالحديث «أهل المغرب»: أبو العرب القيرواني (ت 333هـ)، ومحمد بن أبي نصر الحميدي (ت 488هـ)، وأبو بكر الطرطوشي (ت 520هـ)، وابن الزيات (ت 617هـ)، وعبدالواحد بن علي المراكشي (ت 647هـ)، والقرافي (ت 684هـ)، وغيرهم.

وذهب السيوطي إلى أن المقصود بها: "مصر".

فكلّ فسّر هذا اللفظ بحسب بلده! ونتيجة للأحداث في العالم العربي الإسلامي وخاصة ما يحدث في الشام استشهد كثير من الناس على أن المقصود بهذا الحديث هم "أهل الشام"!

وذهب كثير من الناس المعاصرين إلى أن المقصود بهذه الطائفة هم "أهل فلسطين" لرواية: (هم ببيت المقدس أو أكناف بيت المقدس) بل قد جزم بعض المشايخ أنهم "حركة حماس" في غزة!!

لكن لفظ «أهل الغرب» أو «أهل المغرب» ليس بثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو لفظ شاذ، لا يُخصص الروايات الكثيرة الأخرى التي لم تقيّد مكان وجود هذه الطائفة.

وكذلك الأحاديث التي فيها تعيين أنهم في بيت المقدس، أو أكناف بيت المقدس! فكلّ ذلك منكرٌ لا يصح، كما فصلته في بحثي: (المُعْجِب في حُكم رواية: «لا يَزَالُ أَهْلُ الغَرْب» أو «أهلُ المَغْرِب»).

وما جاء من تفسير لهذه الطائفة هو اجتهاد من أهل العلم رحمهم الله، ومن حددّ أن هذه الطائفة في الشام اعتمد على الكلام الذي نقله مالك بن يخامر عن معاذ أنهم بالشام، وهذا لا يعدو أن يكون اجتهاداً من معاذ رضي الله عنه؛ لأنه لما رأى تلك الفتوحات في الشام، وكان هو أحد القادة للمجاهدين آنذاك فسّر الطائفة بهم لما جاء في الحديث أنهم لا يزالون يقاتلون، وهم ظاهرون.

وأشهر ألفاظ الحديث حديث ثوبان: «لا تَزَالُ طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ على الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ من خَذَلَهُمْ حتى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ، وَهُمْ كَذَلِكَ».

وحديث المغيرة: «لا تزال طَائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حتى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». وفي بعض الروايات: «لا يَزَالُ نَاسٌ» أو: «لَنْ يَزَالَ قَوْمٌ» ونحوها بتقديم أو تأخير حرف.وفي بعض الروايات «لا تزَالُ عصابة».

وأقرب الروايات إلى الصواب في الحديث: لفظ «طائفة»، فهذه طائفة تدور من مكان إلى آخر لا تستقر في مكان، وفي معنى الطائفة الاجتماع والحفظ، وهذا يشعر بالأمان والستر، ففي قوله سبحانه: {وليشهد عذابهما طَائِفَة من الْمُؤمنِينَ} أراد أن يكون هؤلاء حول من يُقام عليهم الحد ستراً وحفظاُ لهم، مع تحقق مقصد إقامة الحد: فشرد بهم من خلفهم.

فهذه الطائفة تحمل همّ الدّين وتقاتل من أجله، وتنصر شريعته، يطوفون في كلّ مكان، فما من مكان فيه جهاد إلا أتوه وقاتلوا لإعلاء كلمة الله سبحانه، تتردد هنا وهناك، تبدأ في مكان وتعود إليه كما في الطواف حول الكعبة، وكما في قوله صلى الله عليه وسلم في الهرّة: «إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ، أَوِ الطَّوَّافَاتِ».

وهذا لا يعني أن هذه الطائفة تنتقل كلها من مكان إلى آخر بحيث لا تبقى في المكان الذي كانت فيه من قبل، وإنما قد تكون طائفة هنا، وطائفة هناك، وكذلك يكون لها من ينصرها ممن هم على نهجها دون مباشرة القتال، فكلهم على نهج واحد = نصرة الدِّين.

فالمراد بالحديث طائفة من المسلمين من الشام والحجاز ومصر والعراق والمغرب وغيرها من الأماكن، علماء وغيرهم، لا تزال فيهم بقية الذبّ عن دينهم، والتمسك به وإن انفردوا وخالفهم الغير، وهم الذين يقارعون الأعداء بسيوفهم، ومناصروهم بكتاباتهم والذبّ عنهم، والمراد ببقاء ظهورهم على الحقّ ظهور حجتهم وقوتها إلى أن تقوم الساعة.

واجتماع هؤلاء من أماكن مختلفة يُجسد اللُحمة المسلمة والعقيدة الواحدة = عقيدة التوحيد التي بُعث من أجلها الأنبياء، فيقدّمون أرواحهم في سبيل هذه العقيدة سائرون على نهج الأنبياء وأتباعهم.

 

22/4/2015م

 

شاركنا تعليقك