الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«السَّهمُ الصّائب» في كَبِد «حسن فرحان المالكي» الكاذب!

«السَّهمُ الصّائب» في كَبِد «حسن فرحان المالكي» الكاذب!

 

 

الحمد لله وليّ المتقين، وفاضح المنافقين والكذّابين، والصلاة والسلام على خير المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

ففي مقال له بعنوان "حدود الله.... وحدود النواصب!" أراد (الكذاب الرافضي) (حسن فرحان المالكي) أن يُثبت أن أهل السنة يقتلون الناس بغير سبب! وأن ما فعله (النواصب)! بحسب قوله هو أصل ما يحدث من حوادث للقتل في هذه الأيام!

http://almaliky.org/news.php?action=view&id=1032

http://almaliky.org//news.php?action=view&id=77

وهو يريد أن يبيّن من خلال العنوان أن (النواصب) = أهل السنة يخالفون حدود الله! وهذا الذي فعلوه هو حدودهم!

وقد انتشرت مقالته هذه كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، واعتنى بها أتباعه! بل سرقها بعضهم في بعض مقالاتهم دون وعي!! وتمّ حَبْك العناوين الظلامية وسبّ أهل السنة بسببها!!

وساق فيها أسماء سبعة وثلاثين رجلاً قتلهم النواصب أو عذّبوهم! - وهم أهل السلطة- دون وجه حقّ!! - كما زعم!!

وسنناقش كلّ اسم ذكره هذا الأفّاك المفتري! وبيان كذبه وجهله وحقده.

1- قال الرافضي المالكي: "الصحابي حجر بن عدي... قتلوه.. السبب عند السلطة: لأنه كفر!! وبعضنا يتبع السلطة إلى اليوم.. السبب الحقيقي: لأنه أنكر لعن الإمام علي!".

قلت: «حُجر بن عَدي» اختلف أهل العلم في صحبته، وهو تابعي على الراجح، وليس بصحابيّ.

وما قاله المالكي من سبب لقتله كذب! فهو لم يُقتل لأنه كفر! ولا كذلك لأنه أنكر لعن الإمام عليّ!

فقد كذب المالكي في كلا الأمرين! وأتحداه أن يثبت واحداً منهما! وهذا هو سبيل الرافضة يكذبون على الناس ويدلّسون عليهم.

كان من شيعة علي - رضي الله عنهما- وشهد صفين أميراً، وكان ذا صلاح وتعبد، وهو الذي فتح مرج عذراء. وكان قد حصل له بعض المواقف مع زياد بن أبيه لما كان والياً على العراق، "ولما قدم زياد والياً دعا به، فقال: تعلم أني أعرفك، وقد كنت أنا وأنت على ما علمت من حبّ عليّ، وإنه قد جاء غير ذلك، فأنشدك الله أن يقطر لي من دمك قطرة فأستفرغه كله، أملك عليك لسانك وليسعك منزلك، وهذا سريري فهو مجلسك، وحوائجك مقضية لدي فاكفني نفسك، فإني أعرف عجلتك فأنشدك الله يا أبا عبدالرحمن في نفسك وإياك وهذه السفلة أن يستزلوك عن رأيك، فإنك لو هنت علي أو استخففت بحقك لم أخصك بهذا! فقال: قد فهمت وانصرف.

فأتته الشيعة، فقالوا: ما قال لك؟ فأخبرهم، قالوا: ما نصح، فأقام، وفيه بعض الاعتراض، والشيعة تختلف إليه، ويقولون: إنك شيخنا وأحق من أنكر وإذا أبى المسجد مشوا معه، فأرسل إليه خليفة زياد على الكوفة عمرو بن حريث وزياد بالبصرة: ما هذه الجماعة؟ فقال للرسول: تنكرون ما أنتم فيه إليك وراءك أوسع لك، فكتب عمرو إلى زياد: إن كانت له حاجة بالكوفة فعجل فبادر ونفذ إلى حجر عدي بن حاتم وجرير بن عبدالله وخالد بن عرفطة ليعذروا إليه، وأن يكف لسانه فلم يجبهم، وجعل يقول: يا غلام، اعلف البكر! فقال عدي: أمجنون أنت أكلمك بما أكلمك وأنت تقول هذا!! وقال لأصحابه: ما كنت أظن بلغ به الضعف إلى كل ما أرى ونهضوا. فأخبروا زياداً فأخبروه ببعض وخزنوا بعضاً وحسنوا أمره، وسألوا زياداً الرفق به. فقال: لست إذاً لأبي سفيان، فأرسل إليه الشرط والبخارية فقاتلهم بمن معه، ثم انفضوا عنه، وأتي به إلى زياد وبأصحابه، فقال: ويلك مالك! قال: إني على بيعتي لمعاوية، فجمع زياد سبعين، فقال: اكتبوا شهادتكم على حجر وأصحابه، ثم أوفدهم على معاوية وبعث بحجر وأصحابه إليه، فبلغ عائشة الخبر فبعثت عبدالرحمن بن الحارث بن هشام إلى معاوية تسأله أن يخلي سبيلهم، فقال معاوية: لا أحب أن أراهم، هاتوا كتاب زياد فقرئ عليه وجاء الشهود، فقال معاوية: اقتلوهم عند عذراء. فقال حجر: ما هذه القرية؟ قالوا: عذراء، قال: أما والله إني لأول مسلم نبح كلابها في سبيل الله، ثم احضروا مصفودين ودفع كل رجل منهم إلى رجل فقتله.

فقال حجر: يا قوم، دعوني أصلي ركعتين، فتركوه فتوضأ وصلى ركعتين، فطوّل، فقيل له: طولت، أجزعت؟ فقال: ما صليت صلاة أخف منها، ولئن جزعت لقد رأيت سيفاً مشهوراً، وكفناً منشوراً وقبراً محفوراً، وكانت عشائرهم قد جاؤوهم بالأكفان وحفروا لهم القبور، ويقال: بل معاوية الذي فعل ذلك، وقال حجر: اللهم إنا نستعديك على أمتنا فإن أهل العراق شهدوا علينا وإن أهل الشام قتلونا. فقيل له: مد عنقك، فقال: إن ذاك لدم ما كنت لأعين عليه، فقدّم فضربت عنقه.

وكان معاوية قد بعث رجلاً من بني سلامان بن سعد يقال له: هدبة بن فياض فقتلهم، وكان أعور، فنظر إليه رجل منهم من خثعم، فقال: إن صدقت الطير قتل نصفنا ونجا نصفنا، فلما قتل سبعة بعث معاوية برسول باطلاقهم، فإذا قد قتل سبعة ونجا ستة وكانوا ثلاثة عشر.

وقدم عبدالرحمن بن الحارث بن هشام على معاوية برسالة عائشة وقد قتلوا، فقال: يا أمير المؤمنين، أين عزب عنك حلم أبي سفيان؟ فقال: غيبه مثلك عني من قومي" - يعني أنه ندم. [الطبقات الكبرى لابن سعد: 6/218-219].

وقد روى أهل العلم في قصة حجر مع زياد أشياء، وكان حجر يعترض عليه، وكان كارهاً له ولمعاوية؛ لأنه كان من شيعة عليّ، فهيّجه الشيعة على زياد وحصلت بينهم مقتلة، وأرسله زياد إلى معاوية، وقد استشار معاوية الناس في أمره، فأشار بعضهم إلى قتله، وبعضهم إلى العفو عنه، ثم رأى أن يقتله ثم ندم على ذلك، ولما حج معاوية استأذن على عائشة، فعاتبته فقالت: أقتلت حجراً!! – قال: "وجدت في قتله صلاح الناس وخفت من فسادهم".

فقتله لم يكن بسبب كُفر أو بسبب أنه أنكر لعن عليّ كا ادّعى الكذاب الأشر المالكي، وإنما كان بسبب قتاله لوالي العراق مع من كانوا يتشيعون لعليّ، ولهذا قيل "إنه قتل في موالاة عليّ"، وكان قد شهد عليه سبعون من أهل العراق، فرأى معاوية أن قتله فيه مصلحة للناس بقطع الفساد الذي كان يحصل ممن كانوا يتشيعون. فرحم الله حجراً وغفر لمعاوية اجتهاده.

ومصدر الرافضي المالكي في أن سبب قتل حجر هو الكفر كما قالت السلطة - فيما زعم-! ما رواه أبو مِخنف الكذاب مما رواه الطبري في تاريخه بإسناده: "أن حجر بن عدي خلع الطاعة، وفارق الجماعة، ولعن الخليفة، ودعا إِلَى الحرب والفتنة، وجمع إِلَيْهِ الجموع يدعوهم إِلَى نكث البيعة وخلع أَمِير المُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَة، وكفر بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كفرة صلعاء".

فهذا هو مصدر المالكي الكذاب من هو مثله في الكذب والرفض!!

2- ثم قال الكذاب المالكي: "غيلان الدمشقي... قتلوه بعد قطع لسانه ويديه! السبب عند السلطة: لأنه كفر! وتبعناهم إلى اليوم..

السبب الحقيقي: كلفه عمر بن عبد العزيز بالتفتيش على أموال بني أمية، فاستخرج كنوزهم وباعها في السوق، وكان يقول: (أبرأ ممن يجعل هؤلاء أئمة هدى) يقصد بني أمية، ثم بعد وصول هشام بن عبد الملك، عقد له محاكمة صورية. سألوه ثلاثة أسئلة عن الله وتشبيهه والقدر، فقال: لا أعلم. فقالوا: كافر! وقتلوه!".

قلت: هذا الكلام مُنتشر بين الروافض ومن يترفّض! مثل الزنديق عدنان إبراهيم وأمثاله!! يثنون على الزنديق غيلان الدمشقي ويعدونه مفكراً مُصلحاً! ويطعنون في الإمام الأوزاعي إمام أهل السنة!

والإمام الأوزاعي مُجمعٌ على ثقته وفضله وعلمه، ولا يوجد فيه أي مَغمز، فقد تواتر الثناء عليه من أقرانه وتلاميذه ومن بعدهم.

وبعض الزنادقة عندما يتكلمون عنه يُغضّون الطرف عن ثقته وجلالته ويربطونه بالسلطة! – زعموا- ويُحيكون القصص حوله ولا صحة لها ألبتة! وإنما هي مما يمليه عليهم أستاذهم الأكبر (إبليس اللعين).

ويتشبثون بما أورده الحافظ ابن حجر في ترجمته من كتاب «تهذيب التهذيب» (6/218): "وقال إبراهيم الحربي: سألت أحمد بن حنبل عن الأوزاعي؟ فقال: حديثه ضعيف".

وهذا الذي نقله ابن حجر قد أتبعه مباشرة بتفسيره من كلام الإمام البيهقي، فلا يجوز نقله دون نقل تفسيره؛ لأن الإمام أحمد قد أثنى على الأوزاعي وعدّه من الأئمة، فكيف يكون إماماً عنده ثم يُضعّف حديثه!

قال البيهقي: "يريد أحمد بذلك بعض ما يَحتج به؛ لأنه أضعف في الرواية، والأوزاعي إمام في نفسه ثقة، لكنه يحتج في بعض مسائله بأحاديث من لم يقف على حاله ثم يحتج بالمقاطيع. وقال عقبة: أرادوا الأوزاعي على القضاء فامتنع، فقيل: لم لم يكرهوه؟ فقال: هيهات، هو كان أعظم في أنفسهم قدراً من ذلك. وقال أبو عبدالملك القرطبي في تاريخه: كانت الفتيا تدور بالأندلس على رأي الأوزاعي إلى زمن الحكم بن هشام المتوفى سنة 256. وقال الخليلي في الإرشاد: أجاب عن ثمانين ألف مسألة في الفقه من حفظه".

قلت: وهذا الذي نقله ابن حجر عن أحمد رواه ابن عساكر في «تاريخه» (35/183) قال: كتب إليّ أبو نصر ابن القشيري، عن أبي بكر البيهقي، قال: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ، قال: سمعت أبا علي الشافعي - يعني الحسين بن يحيى بن زكريا – يقول: سمعت أبا بكر محمد بن عبدالله الشافعي يقول: سمعت إبراهيم بن اسحاق الحربي يقول: سألت أحمد بن حنبل، قلت: ما تقول في مالك بن أنس؟ قال: "حديث صحيح، ورأي ضعيف". قلت: فالأوزاعيّ؟ قال: "حديث ضعيف، ورأي ضعيف". قلت: فأبو حنيفة؟ قال: "لا رأي، ولا حديث". قلت: فالشافعي؟ قال: "حديث صحيح، ورأي صحيح".

ثم رواه أيضاً عن الحسن بن الحسين بن المنذر القاضي والحسن بن أبي بكر وأبو الحسن علي بن محمد بن علي بن السقا الإسفرايني، كلهم عن أبي بكر الشافعي البغدادي، به.

قال أحمد البيهقي: "قوله في الأوزاعي (حديث ضعيف) يريد به بعض ما يحتج به، لا أنه ضعيف في الرواية، والأوزاعي ثقة في نفسه لكنه قد يحتج في بعض مسائله بحديث من عساه لم يقف على حاله، ثم يحتج بالمراسيل والمقاطيع وذلك بيّن في كتبه".

قلت: ويؤيد كلام البيهقي أن أحمد قصد هذا أن السؤال كان عن أئمة الفقه في ذلك الزمان (مالك وأبو حنيفة والشافعي والأوزاعي)، فالمسألة في الاحتجاج لا في الرواية.

وقد سُئِل أحمد عن أصحاب يحيى بن أبي كثير؟ فقال: "هشام ثم أبان ثم ذكر آخر". فقيل له: فالأوزاعي؟ قال: "الأوزاعي إمام".

وروى زكريا الساجي قال: حدثنا أحمد بن محمد قال: سمعت أحمد بن حنبل - وذكر أصحاب يحيى بن أبي كثير - فقال: "هشام. نرجع إلى كتاب الأوزاعي حافظ، وذكر غيرهما".

ونعود إلى القصة التي ذكرها الكذاب المالكي أن عمر بن عبدالعزيز كلفه ببيع كنوز بني أمية!

فهذه القصة كذب! ولا إسناد لها!! فأعجب ممن يحتج بقصص لا إسناد لها ويترك ما له أسانيد صحيحة من أجل الهوى!!

فهذه القصة ذكرها ابن حمدون (ت562هـ) في «تذكرته» قال: "قال عمر بن عبدالعزيز في غيلان بن مسلم الدمشقي: من سرّه أن ينظر إلى رجل وهب نفسه لله، ليس فيه عضو إلّا ينطق بحكمة فلينظر إلى هذا.

وقال له: يا أبا مروان، أعنّي أعانك الله، فقال: ولّني ردّ المظالم، فولّاه، فكان يخرج خزائن بني أمية فينادي عليها: هلمّوا إلى متاع الخونة. ونادى على جوارب خزّ قد تآكلت بلغت قيمتها ثلاثين ألفا، فقال: من عذيري ممن يزعم أنّ هؤلاء أئمة عدل؟ قد تآكلت هذه الجوارب في خزائنهم، والفقراء والمساكين يموتون جوعا. فلما ولي هشام بعث إليه واستنطقه فقال: أعوذ بجلال الله أن يأتمن الله خوّانا أو يستخلف خزّانا؛ إنّ أئمته القوّامون بأحكامه، الراهبون لمقامه؛ لم يولّ الله وثّابا على الفجور، ولا شرّابا للخمور، ولا ركّابا للمحظور.

فقطع هشام يديه ورجليه".

وذكرها الزمخشري المُعتزلي (ت583هـ) في كتابه «ربيع الأبرار ونصوص الأخيار».

وهكذا انتشرت هذه القصة التي ذكرها المعتزلة لأنهم يعدّون غيلان القدري منهم! وليس لهم أي إسناد لها!

وهناك رسالة من غيلان إلى عمر بن عبدالعزيز ينقلها زنادقة عصرنا يعتمدون فيها على كتاب «المُنية والأمل» لابن المرتضى الشيعيّ (ت840هـ) فقد نقلها كذلك دون إسناد في كتابه (ص16-17)!!

ومما قاله أحد زنادقة هذا الزمان ينتقص من الأمويين ويرفع من شأن غيلان: "لقد كانت اعتراضات غيلان الدمشقي على السياسة المالية للأمويين من الجذرية إلى درجة التحريض على الثورة... وعندما تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة التجأ إلى غيلان لإعانته على تطبيق إصلاحاته السياسية والاقتصادية (والتي كانت وراء وصفه بالخليفة العادل وخامس الخلفاء الراشدين...) رغم أنه لم يتبن أفكاره... وتنقل لنا المصادر التاريخية رسالة من غيلان إلى عمر بن عبدالعزيز أرسلها له بعد أن أحس منه التهاون في تطبيق إصلاحاته تحت ضغط أبناء عمومته من الأرستقراطية الأموية، ويدافع غيلان في رسالته تلك عن حرية الإنسان والعدالة الإلهية التي تستلزم العدالة الإنسانية، مستخدما في سبيل ذلك منهجا عقليا في الاستدلال والاحتجاج، فيقول: "أبصرت يا عمر وما كدت ونظرت وما كدت، اعلم يا عمر أنك أدركت من الإسلام خلقا باليا ورسما عافي، فيا ميتا بين الأموات ألا ترى أثرا فتتبع ولاتسمع صوتا فتنتفع. طفا أمر السنة وظهر البدعة، أخيف العالم فلا يتكلم (قمع حرية التعبير) ولا يعطى الجاهل فيسأل (لا يسمح له بالسؤال عما يجهل) وربما نجت الأمة بالإمام، فانظر أي الإمامين أنت (العادل أم الجائر) فإنه تعالى لا يقول تعالوا إلى النار، إذا لا يبعه أحد ولكن الدعاة إلى النار هم الدعاة إلى معاصي الله. فهل يا عمر وجدت حكيما (يقصد الله) يعيب ما يصنع أو يصنع ما يعيب؟ أو يعذب على ما قضى أو يقضي بما يعذب عليه؟ أم هل وجدت رحيما يكلف العباد فوق طاقتهم أو يعذبهم على الطاعة؟ أم هل وجدت عدلا يحمل الناس على الظلم والتظالم؟ وهل وجدت صادقا يحمل الناس على الكذب أو التكاذب بينهم؟ كفا ببيان هذا بين وبالعمى عنه عمى...". وعندما عرض عليه عمر إسناد وظيفة إليه طلب أن يتولى "بيع الخزائن ورد المظالم" وهو اختيار له مغزاه. إنه لم يختر لا الولاية ولا القضاء بل اختار وظيفة ليس فيها مكاسب وإنما رد المظالم أي إنصاف الذين ظلمهم الولاة والقضاة. وسيكون منصبه هذا وراء قتله، حيث تحكي المصادر أنه وقف حين ولاه عمر بيع الخزائن ورد المظالم يقول: "تعالوا إلى متاع الخونة (يقصد الحكام الأمويين) تعالوا إلى متاع الظلمة، تعالوا إلى متاع من خلف رسول الله في أمته بغيرسنته وسيرته... وكان فيما نادى عليه جوارب خز (حرير) فبلغ ثمنها ثلاثين ألف درهم وقد ائتكل بعضها. فقال غيلان: من يعذرني ممن يزعم أن هؤلاء كانوا أئمة هدى وهذا يئتكل والناس يموتون من الجوع... فمر به هشام بن عبدالملك (الذي سيصبح خليفة بعد اغتيال عمر بن عبدالعزيز) فقال: هذا يعيبني ويعيب آبائي، والله إن ظفرت به لأقطعن يديه ورجليه...".

فهذه هي القصص التي يحتج بها الكذاب المالكي وعدنان إبراهيم وغيرهما من الزنادقة قصص دون أسانيد وبعضها لا توجد إلا في كتب الشيعة!!

أفنترك الكتب الصحيحة التي تذكر لنا القصص بالأسانيد الصحيحة ونعتمد على الكتب الشيعية التي فيها هذه القصص المكذوبة دون أسانيد!!

أين هو العقل الذي تتبجحون به دائماً؟!! هل هذا يصح عقلا يا أصحاب العقول؟!!

ثم إن مما يدل على كذب هذه القصص أن عمر بن عبدالعزيز كان قد ناقش غيلان هذا في مذهبه البدعي! وحذّره منه وتوعده بالعقاب! فكيف يستعين به في أمور النّاس؟!

روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (48/194) بأسانيد صحيحة عن جمع من أهل العلم منهم الزهري وعمرو بن مهاجر: «أنّ غيلان دخل على عمر بن عبدالعزيز فسلّم ودعا له، ثم قال: اجلس فجلس، وسأله عن الناس، فأخبره صلاحاً من الناس، فحمد الله على ذلك، ثم قال: ويحك يا غيلان، ما هذا الكلام الذي بلغني عنك! قال: يا أمير المؤمنين، أتكلم وتسمع؟ قال: تكلم، قال: فقرأ {هل أتى على الإنسان حين من الدهر} حتى بلغ {إما شاكراً وإما كفوراً}، ثم سكت. فقال له عمر: ويحك يا غيلان! أمن ههنا تأخذ الأمر وتدع بدء خلق آدم؟! قال: هات يا أمير المؤمنين. فقال عمر: قال الله عز وجل {إني جاعل في الأرض خليفة} إلى قوله {ما كنتم تكتمون}. فقال غيلان: صدقت يا أمير المؤمنين، والله لقد جئتك ضالاً فهديتني، وأعمى فبصرتني، وجاهلاً فعلمتني، والله لا أتكلم في شئ من هذا الأمر أبداً. قال عمر: لئن بلغني أنك تكلم في شئ من هذا الأمر أبداً لأجعلنك نكالاً للناس - أو للعالمين -. قال عمر: وقد دسست إليه ناساً، فكف عن ذلك". ولم يتكلم بشئ حتى مات عمر، فلما مات عمر سال فيه سيل الماء أو سيل البحر».

قال عمرو بن مهاجر: "فوالله إني لفي الرصافة جالس فقيل لي: قد قطعت يداه ورجلاه. قال: فأتيته فوقفت عليه، وإنه لملقى، فقلت له: يا غيلان، هذه دعوة عمر بن عبدالعزيز، قد أدركتك. قال: ثم أمر به فصلب".

وقد أجمع أهل العلم على فساد عقيدته وقوله المُنكر في القدر وأنه صار يُفسد على الناس دينهم! وكان كذلك فاسداً في أخلاقه!!

فقد روى جماعة من أهل العلم الثقات عن أبي عبدالصمد المنذر بن نافع، قال: سمعت خالد بن اللجلاج يقول: "ويلك يا غيلان، ألم تكن زفانا! ويلك يا غيلان، ألم تكن قبطياً وأسلمت! ويلك يا غيلان، ألم أجدك في شبيبتك وأنت ترامي النساء بالتفاح في شهر رمضان! ثم صرت حارساً تخدم امرأة حارث الكذاب! وتزعم أنها أم المؤمنين! ثم تحولت من ذلك فصرت قدرياً زنديقاً! ما أراك تخرج من هوى إلا دخلت في شر منه".

وقال الأوزاعي: "أول من نطق في القدر رجل من أهل العراق يقال له: سوسن - أو سوسر- كان نصرانياً فأسلم، ثم تنصر، فأخذ عنه معبد الجهني، وأخذ غيلان عن معبد".

وروى ابن جابر قال: سمعت مكحولاً يقول: "ويحك يا غيلان، لا تموت إلا مقتولاً".

فهشام بن عبدالملك أمر بقتله لما أحدثه من فساد في الدّين بسبب رأيه في القدر، وقد أثنى أهل العلم على فعله.

فقد روى إبراهيم بن أبي عبلة قال: "كنت عند عبادة بن نسي فأتاه آت، فقال: إن أمير المؤمنين - يعني هشاماً - قد قطع يدي غيلان ورجليه وصلبه. قال: ما تقول؟ قال: قد فعل. قال: أصاب والله فيه القضاء والسنة، ولأكتبن إلى أمير المؤمنين فلأحسنن له ما صنع".

وقال إسحاق بن محمد الفروي: سمعت مالكاً يقول: "كان عدة من أهل الفضل والصلاح قد ضللّهم غيلان بن عبدالله". قال: وسئل مالك عن تزويج القدري؟ فقال: {ولعبدٌ مؤمنٌ خير من مُشرك}.

قلت: وأما القصة التي فيها أن الأوزاعي ناظر غيلان وسأله ثلاثة أسئلة وبسببها حمل هؤلاء الزنادقة على الإمام الأوزاعي، وصاروا يقولون لأتباعهم: كيف يُقتل رجل بسبب هذه الأسئلة!! معرضين عن السبب الحقيقي لقتله وهو فساد الرأي، فهذه القصة فيها نظر عندي!!

والقصة فيها: "أن الأوزاعي قال: يا غيلان، إن شئت ألقيت عليك سبعاً، وإن شئت خمساً، وإن شئت ثلاثاً. قال: ألق عليّ ثلاثاً. قال: فقال له: قضاء الله على ما نهى عنه؟ قال: ما أدري أيش تقول! قال: وأمر الله بأمر حال دونه؟ فقال: هذه أشد عليّ من الأول! قال: فحرم الله حراماً ثم أحله؟ قال: ما أدري أيش تقول! قال: فأُمر به فضربت رقبته. قال: ثم قال هشام للأوزاعي: يا أبا عمرو، فسِّر لنا ما قلت! قال: قضى الله على ما نهى آدم أن يأكل من الشجرة ثم قضى عليه فأكل منها، وأمر إبليس أن يسجد لآدم وحال بين إبليس وبين السجود، وقال {حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير}، وقال: {فمن أضطر}، فأحله بعدما حرمه".

قلت: روى هذه القصة ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (48/204) من طريق أبي الأخيل الحمصي واسمه خالد بن عمرو السلفي، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش، عن الأوزاعي.

وأبو الأخيل هذا مُتّهم بالكذب.

قال ابن عَدي: "روى أحاديث منكرة عن ثقات الناس، وكان جعفر الفريابي يقول: رأيت أبا الأخيل هذا بحمص ولم أكتب عنه؛ لأنه كان يكذب".

ثم رواها ابن عساكر من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن عبدالله بن ثمامة، قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق المصيصي، قال: حدثنا محمد بن كثير المصيصي، قال: كان على عهد هشام بن عبدالملك رجل يقال له غيلان القدري، فشكاه الناس إلى هشام بن عبدالملك فبعث هشام إليه وأحضره، فذكر القصة وفيها زيادات على ما ذكر أبي الأخيل في روايته!

وإبراهيم بن عبدالله بن ثمامة أبو إسحاق الحنفي ذكره أبو القاسم ابن الطحان في ذيله على تاريخ الغرباء لابن يونس، وقال: "ضعيف قدم مصر وحدث بمناكير".

قال ابن حجر: "قلت: أظنه إبراهيم بن ثمامة الراوي عن قتيبة".

قلت: الراوي عن قتيبة هذا مجهول!

وفي «سؤالات حمزة» (ص278): "أبو إسحاق إبراهيم بن ثمامة الحنفي البصري، كان بمصر. روى عنه: شيبان بن أبي شيبة وأبي بكر محمد بن مهدي الزهراني ويحيى بن سليمان الحنفي وحاتم. سألت القاضي أبا القاسم صدقة بن علي بن المؤمل الموصلي، فقال: هو ثقة".

قلت: هو ليس بالمشهور ومن ضعفه وقال بأنه يروي المناكير أدرى ممن وثقه، وشيخه إبراهيم بن إسحاق هذا لم أعرفه، وبحثت عن ترجمة له فلم أظفر بها.

فالقصة لا تصح سنداً، ولا يمكن أن يكون الأوزاعي قد ناظر غيلان! لأن الأوزاعي ولد سنة (88هـ) وغيلان قُتل سنة (105هـ) = يعني أن الأوزاعي كان عمره (17) سنة يوم ناظره - بحسب القصة - ولم يكن الأوزاعي في ذاك السنّ معروفاً بين أهل العلم، بل قد يكون في بداية الطلب؛ لأن أهل الشام كانوا يتأخرون في الطلب، وكان من عادة من يطلب العلم أن يقرأ القرآن ثم الأدب ثم الحديث، وكان في وقت غيلان جهابذة التابعين الشاميين كالزهري ومكحول وغيرهما.

فهذه القصة التي من أجلها حَمل أتباع غيلان من زنادقة هذا العصر قصة ضعيفة، وغيلان لم يُقتل من أجل تلك الأسئلة الواردة فيها، بل قُتل لأنه أفسد على الناس دينهم بعد تحذيره ونهوه فلم ينتهي.

3- ثم قال الكذاب المالكي: "الجهم بن صفوان... قتلوه.. السبب عند السلطة أنه كفر.. وتبعناهم إلى اليوم...

والسبب الحقيقي لأنه ثار مع الحارث بن سريج في خراسان آخر العهد الأموي، وكانت دعوته الكتاب والسنة والشورى، وكان داعية الحارث فقتلوه، وقالوا : كفر".

قلت: بل قُتل لأنه شك في الإسلام – لعنه الله-! بل قد ثبت أنه كان ترك الصلاة فقتل على ذلك، ومن ترك الصلاة فقد كفر. وقد رُوي عن أبي حنيفة أنه كفّره.

روى اللالكائيّ في «اعتقاد أهل السنة» (3/379) من طريق إِسْمَاعِيل بن عُبَيد بن عُمَر بن أَبي كريمة القرشي الأُمَوِي الحراني، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: "القرآن كلام الله. لعن الله جهماً. ومن يقول بقوله كان كافراً جاحداً. ترك الصلاة أربعين يوماً! زعم يرتاد ديناً وأنه شك في الإسلام".

قال يزيد: "قتله سلم بن أحوز بأصبهان على هذا القول".

وروى أبو نُعيم الأصبهاني في «تاريخ أصبهان» (1/67) عن أَبي عَبْدِاللَّهِ مُحَمَّد بن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مَخْلَدٍ - وكَانَ مِنَ الحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ - قال: "وقُتِلَ بِأَصْبَهَانَ جَهْمُ بنُ صَفْوَانَ لَعَنَهُ اللَّهُ، تَرَكَ الصَّلَاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، زَعَمَ أَنَّهُ يَرْتَادُ دِينًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْإِسْلَامِ، قَتَلَهُ سَلْمُ بنُ أَحْوَزَ عَامِلٌ كَانَ بِأَصْبَهَانَ مِنْ قِبَلِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَذَاكَ أَنَّهُ كَتَبَ إِلَيْهِ: بَلَغَنِي أَنَّ قِبَلَكَ رَجُلًا مِنَ الدَّهْرِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ، فَإِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَاقْتُلْهُ، فَقَتَلَهُ عَلَى هذَا الْقَوْلِ".

وقالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ بنُ مَنْدَهْ: حدثنا أحمد بن الحسن الأصبهاني بنيسابور، قال: حدثنا عبدالله بن إسحاق النهاوندي قال: سَمِعْتُ أَحْمَدَ بنَ مَهْدِيِّ بنِ يَزِيدَ القَافِلانِيَّ قالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: يَا أَبَا عَبْدِاللَّهِ هؤُلاءِ اللَّفْظِيَّةُ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ، ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: قالَ لَنَا عَلِيُّ بنُ عَاصِمٍ: ذَهبْتُ إِلَى مُحَمَّدِ بنِ سُوقَةَ فقالَ: "ها هُنَا رَجُلٌ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، فَمَرَرْتُ مَعَهُ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا جَهْمُ مَا هذَا؟ بَلَغَنِي أَنَّكَ لا تُصَلِّي! قالَ: نَعَمْ. قَالَ: مُذْ كَمْ؟ قَالَ: مُذْ تِسْعَةٍ وَثَلاثِينَ يَوْمًا، وَالْيَوْمَ أَرْبَعِينَ. قَالَ: فَلِمَ لا تُصَلِّي؟ قَالَ: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِي لِمَنْ أُصَلِّي، قَالَ: فَجَهَدَ بِهِ ابنُ سُوقَةَ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ أَنْ يَتُوبَ أَوْ يُقْلِعَ، فَلَمْ يَفْعَلْ، فَذَهَبَ إِلَى الْوَالِي فَأَخَذَهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وَصَلَبَهُ"، ثُمَّ قَالَ لَنَا أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ: "لا يترك اللَّهُ مَنْ يُصَلِّي وَيَصُومُ لَهُ يَدَعِ الصَّلاةَ عَامِدًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا إِلا وَيَضْرِبُهُ بِقَارِعَةٍ".

وقالَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنِ أَبِي حَاتِمٍ: حدثني محمد بن مسلم، قال: حدثني عبدالعزيز بن منيب، قال: حدثنا موسى بن حزام الترمذي قال: حدثنا الأَصْمَعِيُّ، عَنِ المُعْتَمِرِ، عَنْ خَلادِ الطَّفَاوِيِّ قالَ: "كان سلم بنُ أَحْوَزَ عَلَى شُرْطَةِ نَصْرِ بنِ سَيَّارٍ فقتل جهم بن صَفْوَانَ لِأَنَّه أَنْكَرَ أَنَّ اللَّهَ كَلَّمَ مُوسَى".

وقالَ أبو داود السجستاني: حدثنا أحمد بن هاشم الرملي قال: حدثنا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنِ ابنِ شَوْذَبٍ قالَ: "تَرَكَ جَهْمُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَكَانَ فِيمَنْ خَرَجَ مَعَ الْحَارِثِ بنِ سُرَيْجٍ".

وقالَ الْبُخَارِيُّ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ: قالَ ضَمْرَةُ، عَنِ ابنِ شَوْذَبٍ قالَ: "تَرَكَ جَهْمُ الصَّلاةَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ فَخَاصَمَهُ بَعْضُ السَّمْنِيَّةِ فَشَكَّ وَأَقَامَ أَرْبَعِينَ يوماً لا يصلي". قال ضمرة: "قد رأى ابن شوذب جهماً".

وقال الإمام الذهبي في «تاريخ الإسلام» (3/389): "الجَهْمُ بنُ صَفْوَانَ، أَبُو مُحْرِزٍ الرَّاسِبِيُّ مَوْلاهُمُ السَّمَرْقَنْدِيُّ، الْمُتَكَلِّمُ الضَّالُّ رَأْسُ الْجَهْمِيَّةِ وَأَسَاسُ الْبِدْعَةِ. كانَ ذَا أَدَبٍ وَنَظَرٍ وَذَكَاءٍ وَفَكْرٍ وَجِدَالٍ وَمِرَاءٍ، وكَانَ كَاتِبًا لِلأَمِيرِ الحَارِثِ بنِ سُرَيْجٍ التَّمِيمِيِّ الَّذِي تَوَثَّبَ عَلَى عَامِلِ خُرَاسَانَ نَصْرِ بنِ سَيَّارٍ، وكانَ الجَهْمُ ينكر صفات الرَّب عزّ وجلّ وينزهه بِزَعْمِهِ عَنِ الصِّفَاتِ كُلَّهَا، وَيَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ، ويَزْعُمْ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ عَلَى الْعَرْشِ بَلْ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَقِيلَ: كَانَ يُبْطِنُ الزَّنْدَقَةَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَتِهِ...

وقالَ عَبْدُالعَزِيزِ بنُ الْمَاجِشُونِ: كَلامُ جَهْمٍ صِفَةٌ بِلا مَعْنًى وَبِنَاءٌ بِلا أَسَاسٍ.

قُلْتُ: فكَانَ النّاسُ فِي عَافِيَةٍ وَسَلامَةِ فِطْرَةٍ حَتَّى نَبَغَ جَهْمُ فَتَكَلَّمَ فِي الْبَارِي تَعَالَى وَفِي صِفَاتِهِ بِخِلافِ مَا أَتَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلامَةَ فِي الدِّينِ".

قال ابن حجر في «لسان الميزان»: "وكان قتل جهم بن صفوان سنة 28 - يعني ومائة - وسببه أنه كان يقضي في عسكر الحارث بن سريج الخارج على أمراء خراسان فقبض عليه نصر بن سيار فقال له: استبقني. فقال: لو ملأت هذا الملاءة كواكب وأنزلت إلى عيسى بن مريم ما نجوت، والله لو كنت في بطني لشققت بطني حتى أقتلك، ولا تقوم علينا مع اليمانية أكثر مما قمت. وأمر بقتله. وكان جهم من موالي بني راسب وكتب للحارث".

وروى اللالكائي من طريق هارون بن معروف قال: "كتب هشام بن عبدالملك بعض ملوك بني أميه إلى سلم بن أحوز أن يقتل جهماً حيث ما لقيه، فقتله سلم بن أحوز وكان والي مرو".

وروى أبو زرعة قال: حدثنا علي بن ميسرة بن خالد الهمذاني، قال: حدثني محمد بن صالح بن أبي عبيدالله، عن أبيه، قال: "قرأت في دواوين هشام بن عبدالملك إلى عامله بخراسان نصر بن سيار: أما بعد، فقد نجم قبلك رجل من الدهرية من الزنادقة، يُقال له: جهم بن صفوان، فإن أنت ظفرت به فاقتله، وإلا فأدسس إليه من الرجال غيله ليقتلوه".

وعن بكير بن معروف قال: "رأيت سلم بن الأحوز حين ضرب عنق الجهم فأسود وجهه".

قلت: فتبيّن من هذه النقول أن سبب قتله كان بسبب كفره لا بسبب أنه خرج على السلطة كما زعم الرافضي الكذاب! وكان جهم يحمل السلاح ويقاتل، وخرج مع الحارث بن سُريج لما قام على نصر بن سيار عامل بني أمية بخراسان، فآل أمره إلى أن قتله سَلْم بن أحوز، وكان صاحب شرطة نصر.

ولو أنه قُتل بسبب الخروج لكان يستحق ذلك لأن خروجه مع الحارث لم يكن بسبب ظلم للأُمة! وإنما هو بسبب مظلمة ظلم بها قوم!

قال العسكري في «تصحيفات المحدّثين» (2/501): "الحارث بن سريج التميمي المجاشعي: خرج بخراسان على نصر بن سيار، وله أخبار وقتله جديع بن علي الكرماني (ت129هـ) رأس الأزد بخراسان، وكان بدؤه أنه كان يتدين فأنكر مظلمة ظلم بها قوم، وكانت سبب خروجه، فلما بلغ خبره خالداً القسري تمثل على منبره يرجى ابن سرج أن يكون خليفة:

وهيهات هيهات // الخلافة من سرج

وأراد ابن سريج فلم يمكنه، فقال: سرج. وقال فيه نصر بن سيار لما قتل:

يا مدخل الذل على قومه // بُعداً وسُحقا لك من هالك

وكان الحارث بن سريج يقاتل بعمود فيه اثنا عشر مناً من حديد، وكان ممسوح الإبط، فلما قتله جديع بن علي وثب تميم عند ذلك بجديع فقتلوه".

وخبر خروج الحارث بن سريج كان سنة (117هـ) سبع عشرة ومائة، وانهزم الحارث، وأسر جماعة من أصحابه. ثم حصلت وقعة أخرى بين الحارث وبين جديع بن علي الكرماني فى سنة (118هـ) ثمان عشرة، فحاصرهم جديع فقتل مقاتلتهم، وسبى عامّة أهلها من العرب والموالي والذّراري، وباعهم فيمن يزيد في سوق بلخ. ونقم على الحارث أربعمائة وخمسون رجلاً من أصحابه، وكان رئيسهم جرير بن ميمون القاضى، فقال لهم الحارث: إن كنتم لا بدّ مفارقى فاطلبوا الأمان، وأنا شاهد، فإنهم يجيبونكم. وإن ارتحلت قبل ذلك لم يعطوا الأمان. فقالوا: ارتحل أنت عنا، وخلّنا. [نهاية الأرب في فنون الأدب: 21/441-444].

وهرب الحارث إلى بلاد الترك، وكان مقامه عندهم اثنتي عشرة سنة، ثم رجع إلى مرو في جمادى الآخرة سنة (127هـ) سبع وعشرين ومائة.

وفي سنة (128هـ) ثمان وعشرين ومائة كان مقتل الحارث بن سريج وغلبة الكرماني على مرو.

وكان سبب ذلك أنّ ابن هبيرة لما ولي العراق كتب إلى نصر بن سيّار بعهد خراسان، فبايع لمروان بن محمد، فقال الحارث: إنما أمّنني يزيد ولم يؤمّني مروان، ولا يجيز مروان أمان يزيد، فلا آمنه. فخالف نصراً فأرسل إليه نصر يدعوه إلى الجماعة وينهاه عن الفرقة، فلم يجبه إلى ذلك، وخرج فعسكر وأرسل إلى نصر: أن اجعل الأمر شورى، فأبى نصر، وأمر الحارث جهم بن صفوان رأس الجهميّة، وهو مولى راسب، أن يقرأ سيرته وما يدعو إليه على الناس، ففعل، فلما سمعوا ذلك كثروا وكثر جمعه.

وكان الحارث يظهر أنه صاحب الرايات السود، فأرسل إليه نصر: إن كنت كما تزعم وإنكم تهدمون سور دمشق، وتزيلون ملك بنى أمية فخذ مني خمسمائة رأس ومائتي بعير، واحتمل من الأموال ما شئت وآلة الحرب، وسر، فلعمري إن كنت صاحب ما ذكرت إني لفي يدك، وإن كنت لست ذاك فقد أهلكت عشيرتك؛ ثم عرض عليه نصر أن يوليه ما وراء النهر ويعطيه ثلاثمائة ألف، فلم يقبل. فقال له نصر: فابدأ بالكرماني فإن قتلته فأنا في طاعتك، فلم يقبل.

وأمر الحارث أن تقرأ سيرته فى الأسواق والمسجد وعلى باب نصر، فقرئت، فأتاه خلق كثير، وقرأها رجل على باب نصر.

فضربه غلمان نصر، فنابذهم الحارث وتجهّز للحرب، ودلّه رجل من أهل مرو على نقب فى سورها، فمضى إليه الحارث فنقبه.

وحصلت مقتلة عظيمة وأسر يومئذ جهم بن صفوان وكان مع الكرمانى فقتل... [نهاية الأرب في فنون الأدب: 21/521-526].

وأما قولك أيها المالكي الكذاب: "كانت دعوته الكتاب والسنة والشورى" فكذب مفضوح! بل كان يخالف القرآن والسنة أيها المفتري! وأنّى لك أن تثبت ذلك؟!!

وليس هو الذي دعا للشورى وإنما الذي دعا لذلك هو الحارث بن سريج لما دعاه نصر بن سيار إلى ترك الخروج وأن يكون مع الجماعة فرفض فقال له: اجعلها شورى، فرفض، ثم عرض عليه أن يوليه ويعطيه مالاً كثيراً فرفض الحارث وتقاتلا!

فدعوى الشورى حتى من الحارث ليست الشورى المطلوبة شرعاً حينها، وإنما لما رأى أن كثيراً من الناس معه أراد المُلك!

قال الكرماني: "الجهمية فرقة من المبتدعه ينتسبون إلى جهم بن صفوان مقدم الطائفة القائلة أن لا قدرة للعبد أصلاً، وهم الجَبرية، ومات مقتولاً في زمن هشام بن عبدالملك".

قال ابن حجر مُعقباً عليه: "وليس الذي أنكروه على الجهمية مذهب الجبر خاصة! وإنما الذي أطبق السلف على ذمهم بسببه: إنكار الصفات حتى قالوا: إن القرآن ليس كلام الله، وأنه مخلوق، وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبدالقاهر بن طاهر التميمي البغدادي في كتابه الفَرْق بين الفِرق: أن رؤوس المبتدعة أربعة، إلى أن قال: والجهمية أتباع جهم بن صفوان الذي قال بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وقال: لا فعل لأحد غير الله تعالى، وإنما ينسب الفعل إلى العبد مجازاً من غير أن يكون فاعلاً أو مستطيعاً لشيء، وزعم أن علم الله حادث، وامتنع من وصف الله تعالى بأنه شيء أو حي أو عالم أو مريد حتى قال: لا أصفه بوصف يجوز إطلاقه على غيره! قال: واصفه بأنه خالق ومحي ومميت وموحَّد؛ لأن هذه الأوصاف خاصة به، وزعم أن كلام الله حادث ولم يسم الله متكلماً به..".

فأين الدعوة إلى الكتاب والسنة والشورى أيّها الرافضي الكذاب؟!!

قال السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى» (1/94): "وليسَ جهم مِمَّن يُعْتد بقوله، ولَوْلَا الْوَفَاء بتعداد المذَاهب لما ذكرنَا هذَا الرجل ولا مذْهبه، فَإِنَّهُ رجل ولّاج خرّاج هجّام عَلَى خرق حجاب الهيبة، بعيد عَن غور الشَّرِيعَة، يزْعم أَنه ذُو تحقيقات باهرة، ومَا هِيَ إِلَّا ترهات قَاصِرَة، ويَدعِي أَنه لَهُ مثاقب فِي النّظر، ومَا هِيَ إِلَّا عقارب أَو أضرّ".

4- ثم قال الكذاب المالكي: "الجعد بن درهم... ذبحوه يوم الأضحى.. والسبب عند السلطة لأنه كفر! ونحن تبعناهم إلى اليوم، وننشد الأشعار في كتب العقائد في مدح ذابحه الظلوم..

والسبب الحقيقي: أنه كانت له صلة سياسية بيزيد بن المهلب، فذبحه الفاسق خالد القسري بلا محاكمة، ولا سماع لأقواله إلا ما نقله ذابحه! قالوا: كفر!".

قلت: أثبت أيّها الكذّاب أنه قُتل لأنه كانت له صلة سياسية بيزيد بن المهلب!

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (5/433): "الجعد بن درهم: مؤدب مروان الحمار، هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلاَ ولا كلّم موسى، وأن ذلك لا يجوز على الله. قال المدائني: كان زنديقاً، وقد قال له وهب بن مُنبِّه: إني لأظنك من الهالكين، لو لم يخبرنا الله أن له يداً، وأن له عيناً ما قلنا ذلك، ثم لم يلبث الجعد أن صُلب".

وقال ابن حجر في «لسان الميزان» (2/105): "وللجعد أخبار كثيرة في الزندقة، منها: أنه جعل في قارورة تراباً وماء فاستحال دوداً وهوام، فقال: أنا خلقت هذا؛ لأني كنت سبب كونه فبلغ ذلك جعفر بن محمد، فقال: ليقل كم هو وكم الذكران منه والإناث إن كان خلقه وليأمر الذي يسعى إلى هذا أن يرجع إلى غيره، فبلغه ذلك فرجع".

وذكره عبدالرحمن ابن أبي حاتم قال: سمعت أبي يقول: "أول من أتى بخلق القرآن جعد بن درهم، وقاله في سنة نيف وعشرين ومائة".

قال اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (2/312): "ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق: جعد بن درهم في سني نيف وعشرين، ثم جهم بن صفوان. فأما جعد فقتله خالد بن عبدالله القسري، وأما جهم فقتل بمرو في خلافه هشام بن عبدالملك".

قلت: فالجعد الزنديق أظهر مقالاته الكفرية بعد موت يزيد بن المهلب؛ وقد قُتل يزيد سنةَ اثْنَتَيْنِ ومِائَةٍ، وعاش الجعد بعده عشرين سنة تقريباً، فكيف يكون خالد قتله بسبب صلته بيزيد بن المهلب! وأين هذه الصلة بينهما؟!!

فهل يعِ الكذاب المالكي ما يقول؟!

وخالد القسري الذي قتل الجعد في العراق كانت ولايته عليها سنة خمس ومائة إلى سنة عشرين ومائة، وكان عاملاً لهشام بن عبدالملك - وهشام بدأت خلافته سنة خمس ومائة إلى سنة خمس وعشرين ومائة-، وقتل خالد سنة ست وعشرين ومائة.

والذي يظهر أنه قتله في أواخر ولايته، أي بعد وفاة يزيد بن المهلب بثمانية عشر سنة.

والجعد كان مُربياً لمروان بن محمّد الملقب بالحمار، وكان آخر ملوك بني أمية (ت 132هـ) وكان يلقب بالجَعْدِيِّ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّمَ مِنَ الجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ مَذْهَبَهُ فِي الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَالْقَدَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وجعد بن دِرْهَم مولى سُوَيْد بن غَفلَة وَقع إِلَى الجزيرة فَأخذ برأية جمَاعَة وَكَانَ الْوَالِي بهَا إِذْ ذَاك مَرْوَان بن مُحَمَّد فَلَمَّا جَاءَت الخراسانية نسبوه إِلَيْهِ شنعة عَلَيْهِ كَمَا قَالُوا لَهُ مَرْوَان الحمار وهُوَ مَشْهُور بِمَرْوَان الفرس.

قال ابن الأثير في «الكامل في التاريخ»: "قِيلَ: إِنَّ الجَعْدَ بْنَ دِرْهَمٍ أَظْهَرَ مَقَالَتَهُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَيَّامَ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ، فَأَخَذَهُ هِشَامٌ وَأَرْسَلَهُ إِلَى خَالِدٍ الْقَسْرِيِّ، وَهُوَ أَمِيرُ الْعِرَاقِ، وَأَمَرَ بِقَتْلِهِ، فَحَبَسَهُ خَالِدٌ وَلَمْ يَقْتُلْهُ، فَبَلَغَ الخَبَرُ هِشَامًا، فَكَتَبَ إِلَى خَالِدٍ يَلُومُهُ وَيَعْزِمُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَأَخْرَجَهُ خَالِدٌ مِنَ الحَبْسِ فِي وَثَاقِهِ، فَلَمَّا صَلَّى العِيدَ يَوْمَ الْأَضْحَى قَالَ فِي آخِرِ خُطْبَتِهِ: انْصَرِفُوا وَضَحُّوا يَقْبَلِ اللَّهُ مِنْكُمْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُضَحِّيَ الْيَوْمَ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ، فَإِنَّهُ يَقُولُ: مَا كَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى، وَلَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا، تَعَالَى اللَّهِ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ عُلُوًّا كَبِيرًا. ثُمَّ نَزَلَ وَذَبَحَهُ".

وقصة ذبحه مشهورة رواها أبو رجاء قتيبة بن سعيد، قال: حدثنا القاسم بن محمد قال: هو بغدادي ثقة: حدثنا عبدالرحمن - يعني بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب -، عن أبيه، عن جدّه قال: «شهدت خالد بن عبدالله القسري وقد خطبهم في يوم أضحى بواسط فقال: ارجعوا أيها الناس فضحوا تقبل الله منكم فإني مضح بالجعد بن درهم، فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً ولم يكلم موسى تكليماً سبحانه وتعالى عما يقول الجعد بن درهم. قال: ثم نزل فذبحه». قال أبو رجاء: "وكان الجهم أخذ هذا الكلام من الجعد بن درهم".

رواها البخاري في «خلق أفعال العباد» عن قتيبة.

قال الذهبي في «تاريخ الإسلام»: "وهذِهِ قِصَّةٌ مَشْهُورَةٌ رَوَاهَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، وَالحَسَنُ بنُ الصَّبَاحِ، وَعُثْمَانُ بنُ سَعِيدٍ الدَّارَمِيُّ، عَنِ ابنِ أَبِي سُفْيَانَ المَعْمَرِيِّ".

وراها اللالكائي في «اعتقاد أهل السنة» (2/319) من طريق محمد بن الوليد، قال: حدثنا القاسم بن أبي سفيان، قال: حدثثنا عبدالرحمن بن محمد بن حبيب بن أبي حبيب عن أبيه عن جده، فذكرها.

 قال اللالكائي: "قلت: والقاسم بن أبي سفيان هذا هو ابن محمد بن حميد المعمري، روى عنه قتيبة بن سعيد هذه الحكاية وثبّته، وروى عنه العباس بن أبي طالب والحسن بن الصباح البزار هذه الحكاية، وفي حديث الحسن وعباس أنه خطبهم بواسط".

وقال أبو سعيد عثمان بن سعيد الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: "قاسم المعمري: خبيث كذاب".

قال أبو سعيد: "وقد أدركت قاسماً المعمري وليس هو كما قال يحيى".

قلت: الرجل صدوق لا بأس به، لكن تفرد بهذه القصة عبدالرحمن بن محمد بن حبيب عن أبيه عن جدّه! وقد جهّله الذهبي وابن حجر في «اللسان» وقال في «التقريب»: "مقبول".

وأما أبوه، فقال ابن أبي حاتم: "محمد دمشقي"، وقال أبو حاتم: "لا أعرفه"، وذكره ابن حبان في كتاب «الثقات».

وأما جدّه حبيب بن أبي حبيب فمستور الحال، روى عنه يزيد بن هارون وابن مهدي ويزيد بن شبيب.

وللقصة إسناد آخر أخرجه أبو بكر النجاد في «الرد على من يقول القرآن مخلوق» (ص54) عن محمد بن عبدوس بن كامل الحافظ عن العباس بن أبي شقيق، قال: حدثنا عبدالرحمن بن محمد بن حبيب، قال: حدثني جدي حبيب بن أبي حبيب قال: «سمعت خالد بن عبدالله القسري وقد خطب الناس بواسط فلما فرغ من خطبته... فذكر القصة».

وهذه متابعة لقاسم المعمري، وتدل على أن عبدالرحمن روى القصة عن أبيه ثم سمعها من جدّه، لكن لم أجد ترجمة لعباس بن أبي شقيق شيخ ابن عبدوس، ورواية هذا الحافظ عنه قد ترفع من حاله مع وجود من تابعه عليها.

والقصة مشهورة تناقلها أهل العلم الكبار ولم ينكرونها، ولا أشك في حدوثها، والله أعلم.

قال الذهبي بعد أن ساق قصة ذبح خالد القسري للجعد في «سير أعلام النبلاء» (5/432): "قلت: هذه من حسناته هي وقتله مغيرة الكذاب".

وقصة مغيرة هذا رواها أبو بكر بن عياش قال: «رأيت خالداً القسري حين أتى بالمغيرة بن سعيد وأصحابه وكان يريهم أنه يحيى الموتى، فقتل خالد واحداً منهم، ثم قال للمغيرة: أحيه! فقال: والله ما أحيي الموتى! قال: لتحيينه أو لأضربن عنقك، ثم أمر بطن من قصب فأضرموه، وقال: اعتنقه فأبى، فعدا رجل من أتباعه فاعتنقه. قال أبو بكر: فرأيت النار تأكله وهو يشير بالسبابة، فقال خالد: هذا والله أحق بالرئاسة منك، ثم قتله وقتل أصحابه».

قال الذهبي عن مغيرة هذا في «سير أعلام النبلاء» (5/426): "قلت: كان رافضياً خبيثاً كذاباً ساحراً، ادعى النبوة، وفضّل علياً على الأنبياء، وكان مجسماً. سقت أخباره في ميزان الاعتدال».

وقال عن خالد: "وكان خالد على هناته يرجع إلى الإسلام".

فإن صحت قصة ذبح خالد للجعد أم لا، فلا علاقة بين الجعد بن درهم ويزيد بن المهلب كما زعم المفتري الكذاب المالكي، وكان يستحق القتل لكفره - لعنه الله -.

5- ثم قال الكذاب المالكي: "وقنبر مولى الإمام علي... ذبحه الحجاج لصلته القوية بالإمام علي، فسكتوا عليه سترا على الحجاج! وربما اغتبط النواصب لذلك!".

قلت: أخزاك الله أيها الكذّاب! هات مرجعاً واحداً يُعتد به ذكر ما افتريت به!! فلا أعلم كتاباً عند أهل السنة ذكر هذا إلا ما قاله ياقوت الحموي في «معجم البلدان» (2/303) قال: "وبها - أي حمص - قبر قنبر مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويُقال: إن قنبر قتله الحجاج وقتل ابنه".

ومعنى: "يُقال" أي لم يثبت ذلك.

ولا يوجد في كتب أهل العلم معلومات كثيرة عن قنبر، وقد رُوي أنه كَبُر حتى كان لا يدري ما يروي أو يقول!

قال الذهبي في «الميزان»: "قنبر مولى عليّ رضي الله عنه: لم يثبت حديثه. قال الأزدي: يُقال كَبُر حتى كان لا يدري ما يقول أو يروي".

وقال ابن حجر في «اللسان»: "قلت: قلّ ما روى. قال ابن أبي حاتم: قنبر عن علي، ثم بيض، انتهى. والأزدي لم يقل ذلك من قبله، وإنما رواه من طريق القاسم بن إسحاق بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهما، وروى الخطيب حديثاً من طريق قنبر بن أحمد عن أبيه عن جده، وقال: كلهم مجهولون. وأخرج الخطيب في المؤتلف من طريق عثمان بن واقد بن قرة الأعين قال: كنت عند عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب فجاء قنبر فسلّم عليه، فقال له: لا سلم الله عليك! فقلت له: تقول هذا لمولى عمّك! قال: إن هذا يأتى الكوفة يتنقص عثمان وأنا سمعت علياً رضي الله عنه يقول: قاتل الله هؤلاء، إنى أرجو أن أكون أنا وعثمان ممن قال الله تعالى: {إخواناً على سرر متقابلين}".

ومرجع الكذاب (حسن فرحان المالكي) هي كتب أسياده من الروافض، فهذا ما ذكروه في كتبهم!

قالوا: "روي عن أبي الحسن علي بن محمد: أن قنبر مولى أمير المؤمنين أُدخل على الحجاج بن يوسف، فقال له: ما الذي كنت تلي من أمر علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قال: كنت أوضّيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه؟ قال: كان يتلو هذه الآية: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْء حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين}. فقال الحجاج: كان يتأوَّلها علينا؟ فقال: نعم، فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك؟ قال: إذاً أسعد وتشقى، فأمر به فقتله رحمه تعالى".

وقالوا: "وعن إبراهيم بن الحسين الحسيني العقيقي رفعه قال: سأل الحجاج قنبر مولى علي (عليه السلام): من أنت؟ فقال: أنا مولى من ضرب بسيفين، وطعن برمحين، وصلَّى القبلتين، وبايع البيعتين، وهاجر الهجرتين، ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا مولى صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وخير الوصيين، وأكبر المسلمين، ويعسوب المؤمنين، ونور المجاهدين، ورئيس البكائين، وزين العابدين، وسراج الماضين، وضوء القائمين، وأفضل القانتين، ولسان رسول الله ربِّ العالمين، وأول المؤمنين من آل ياسين، والمويَّد بجبرئيل الأمين، والمنصور بميكائيل المتين، والمحمود عند أهل السماوات أجمعين، سيِّد المسلمين والسابقين، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، والمحامي عن حُرم المسلمين، وجاهد أعدائه الناصبين، إلى أن قال: البطل الهمام ، والليث المقدام، والبدر التمام، محكّ المؤمنين، ووارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين، واللهِ أمير المؤمنين حقاً علي بن أبي طالب، عليه من الله الصلوات الزكيَّة، والبركات السنية، فلمّا سمع الحجاج أمر بقطع رأسه".

وقالوا: "روي أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال ذات يوم: أحبّ أن أصيب رجلاً من أصحاب أبي تراب، فأتقرب إلى الله تعالى بدمه! فقيل له: ما نعلم أحداً كان أطول صحبة لأبي تراب من قنبر، مولاه. فبعث في طلبه: فأتي به، فقال: أنت قنبر؟ قال: نعم. قال: أبو همدان؟ قال: نعم. قال: مولى علي بن أبي طالب؟ قال: الله مولاي، وأمير المؤمنين وليّ نعمتي. قال: أبرأ من دينه! قال: فإذا برئت من دينه، تدلني على دين غيره أفضل منه؟! قال: إني قاتلك، فاختر أي قتلة أحب إليك؟! قال: قد صيّرت ذلك إليك! قال: ولم؟! قال: لأنك لا تقتلني قتلة، إلاّ قتلتك مثلها، وقد أخبرني أمير المؤمنين، أن منيتي تكون ذبحاً، ظلماً بغير حق! فأمر به فذبح!".

قلت: فهذه هي مصادر الكذاب المالكي! = كتب الروافض المليئة بالكذب.

6- ثم قال الكذاب المالكي: "وكميل بن زياد النخعي ... التابعي العابد، صاحب عليّ، وأحد حملة علمه، ذبحه الحجاج لهذا السبب، وكان قد أدرك الثورة على عثمان، فاغتبط النواصب لقتله!"

قلت: يدّعي الكذاب أن قتله كان بسبب صلته بعليّ ولأنه كان ممن ثاروا على عثمان!! فقتله كان انتقاماً!!

وهذا كذب مفضوح!

أولاً: يركّز الكذاب على لفظة "ذبحه" ليشكّل عند القارئ صورة هو يريدها أن تلزق بذهنه! ومن ذكرهم إنما قتلوا بضرب رقابهم بالسيف لا بالذبح كما يقول إلا فيما ذكر من قصة ذبح القسري للجعد.

ثانياً: كميل نعم كان عابدا من أصحاب عليّ لكنه لم يكن من حملة علمه كما زعم الكذاب!! وهو - وإن وثقه ابن معين وغيره إلا أنه كان قليل الرواية ويروي المناكير!!

قال ابن حبان في «المجروحين» (2/221): "كميل بن زياد النخعي، وهو الذي يقال له كميل بن عبدالله، من أصحاب علي بن أبي طالب، روى عنه: عبدالرحمن بن عابس والعباس بن ذريح وأهل الكوفة، وكان كميل من المفرطين في عليّ ممن يروي عنه المعضلات وفيه المعجزات!! منكر الحديث جداً، تتقى روايته ولا يحتج به".

وقال محمد بن عبدالله بن عمّار: "كميل بن زياد: رافضي، وهو ثقة من أصحاب علي".

وقال في موضع آخر: "كميل بن زياد هو من رؤساء الشيعة، كان بلاء من البلاء".

ثالثاً: وأما قتله: فإنه قُتل أيام ابن الأشعث، وكان ممن شارك في فتنة مقتل عثمان، ولهذا نَقَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ طَلَبَ مِنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ القِصَاصَ مِنْ لَطْمَةٍ لَطَمَهَا إِيَّاهُ، فَلَمَّا أَمْكَنَهُ عُثْمَانُ مِنْ نَفْسِهِ عَفَا عَنْهُ، فقال له الْحَجَّاجُ: "أَو مِثْلُكَ يَسْأَلُ مِنْ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ القصاص؟" ثُمَّ أَمَرَ فَضُرِبَتْ عُنُقُهُ.

روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (50/256) من حديث هشام بن عمّار، قال: حدثنا أيوب بن حسّان، قال: حدثنا محمد بن عبدالرحمن، قال: «منع الحجاج النخع أعطياتهم وعيالهم حتى يأتون بكميل بن زياد، فلما رأى ذلك كميل أقبل إلى قومه، فقال: أبلغوني الحجاج فأبلغوه، فقال الحجاج: يا أهل الشام، أتعرفون هذا؟ هذا كميل بن زياد الذي قال لعثمان: أقدني من نفسك! فقال كميل: فعرف حقي، فقلت: أما إذا قدتني فهو لك هبة فمن كان أحسن قولاً أنا أو عثمان فذكر الحجاج علي بن أبي طالب فصلى عليه كميل، فقال الحجاج: والله لأبعثن إليك إنسانا أشد بغضاً لعلي من حبك أنت له! فبعث إلى أدهم القيسي من أهل حمص فضرب عنق كميل بن زياد».

ثم روى من طريق الأصمعي، عن ابن أبي زياد، عن أبيه، قال: «طلب الحجاج كميل بن زياد النخعي طلباً شديداً فلم يقدر عليه، فقيل له: إن أردته فامنع قومه العطاء. قال: فمنع النخع، وقال: لا أعطيكم حتى تأتوني به، فبلغ ذلك كميل بن زياد في موضعه الذي هو مستتر فيه، فأرسل إلى قومه أنا أظهر له فلا تمنعون عطاءكم، فخرج إليه فلما رآه قال: أنت الطالب من أمير المؤمنين عثمان القصاص! فقال له كميل: فمن أي ذلك عجبت منه حين لطمني أو مني حين طلبت القصاص أو منه حين أقصني من نفسه أو مني حين عفوت عنه؟ فقال: والله لأدعنك وأنت لا تطلب القصاص من خليفة أبداً فقدمه وأمر أبا الجهم بن كنانة فضرب عنقه».

وقال أبو العرب الإفريقي في كتاب «المحن»: "فَأَمَّا سَبَبُ قَتْلِ كُمَيْلِ بنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ: فَإِنَّ فِتْنَةَ ابنِ الأَشْعَثِ لَمَّا هَاجَتْ فِي أَخذ مُضر بنِ نَاجِيَةَ الْكُوفِيِّ لَبِسَ كُمَيْلٌ ثِيَابَهُ وكَانَ أُقْعِدَ فَجَاءَ صَحِيحًا لَيْسَ بِهِ إِقْعَادٌ حَتَّى صعد الْمِنْبَر مَعَ مُضر بنِ نَاجِيَةَ فَسَبَّ وَلَعَنَ وَحَرَّضَ وَكَانَ خَطِيبًا شَرِيفًا وَحَرَّضَ عَلَى أَهْلِ الشَّامِ، ثُمَّ قالَ: قد عرفت الغدر إِن شَرّ شَيْئَيْنِ فِي قُرَيْش وَثَقِيف الْحكمَيْنِ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ والْحَكَمُ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ فَبَلَغَتْ خُطْبَتُهُ، قَالَ: فَلَمَّا ظَفَرَ الْحَجَّاجُ أُتِيَ بِكُمَيْلٍ فَقَالَ أَدْنُوهُ مِنِّي فَأُدْنِيَ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ النَّخَعِ أَمُقْعَدُ الْجَمَاعَةِ صَحِيحٌ فِي الْفِتْنَةِ لَطَمْتَ عَيْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بن عَفَّان فعفى عَنْك مُعَاوِيَة وأوصل إِلَيْك عطاؤك ثمَّ عَفا عَنْك يزِيد ثمَّ عفى عَنْكَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عَبْدُالمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، ثُمَّ قَعَدْتَ فَعَفَوْتُ عَنْكَ فَلَمَّا جَاءَ أَعْرَابِيٌّ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ نَهِضْتَ إِلَى مِنْبِر الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ بك إِقْعَادٌ فَزَعَمْتَ أَنَّ شَرَّ شَيْئَيْنِ فِي قُرَيْشٍ وَثَقِيف الحكمَيْنِ: الحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَالحَكَمُ بْنُ أَبِي عَقِيلٍ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى يَزِيدَ بنِ هُبَيْرَةَ المُحَارِبِيِّ وَهُوَ عَلَى أَهْلِ دِمَشْقَ الَّذِينَ كَانُوا بِالعِرَاقِ، فَقَالَ: هذَا أَحَدُ قَتَلَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ فَقَدَّمَهُ يَزِيدُ بنُ هُبَيْرَةَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ».

فكميل قتله الحجاج بسبب ما فعل مع عثمان ومشاركته في التحريض على القتال، والعداء بين المفرطين في حبّ عليّ ككميل وغيره وبين أهل الشام معروف قد حصل بسببه قتل كثير، والله المستعان.

7- ثم قال الكذاب المالكي: "ورشيد الهجري ... وهو صحابي شهد أحد عند التحقيق، قطعه زياد بن أبيه إربا إربا، وقالوا : كافر!! والسبب الحقيقي: هو خلوصه لعلي كقنبر وكميل، واغتبط النواصب!"

قلت: رُشيد الهجري ليس بصحابيّ! وقد خلط المالكي بين هذا التابعي وبين آخر قيل إن له صحبة! وعلم الحديث ليس فنّه، فتراه لا يحقق ما رُوي في الكتب بخلاف ما زعمه من تحقيق!!

بل إنّ ابن حجر قد نبّه إلى أن بعضهم يخلط بينه وبين من قيل إنه صحابي وشهد أحداً، وأن الصواب أنه من صغار التابعين وليس بصحابي.

قال في «الإصابة في تمييز الصحابة» (2/485): "رُشيد، بالتصغير، الفارسي مولى بني معاوية من الأنصار، ومن قال فيه: رشيد الهجري فقد وهم؛ لأنه آخر متأخر من صغار التابعين وأتباعهم".

ورشيد هذا ليس بشيء وكان متهماً!!

قال ابن معين: "ليس برشيد ولا أبوه". وقال في موضع آخر: "ليس بشيء".

وقال البخاري: "يتكلمون في رشيد".

وقال الجوزجاني: "كذاب غير ثقة".

وكان رشيد الهجري من الغالين في عليّ وقد نهره عليّ نفسه.

روى العقيلي في «الضعفاء» (2/63) من حديث عبدالرحمن بن صالح قال: حدثنا أبو بكر بن عياش، عن عاصم عن حبيب بن صهبان - قال أبو بكر: وكان ناسكاً- قال: سمعت علياً على المنبر يقول: «إن دابة الأرض تأكل بفيها وتحدث بإستها». فقال رشيد الهجري: "أشهد أنك تلك الدابة". فقال له عليّ قولاً شديداً.

قال عبدالرحمن: فقلت لمنصور بن أبي نويرة: أي شيء قال؟ وقد كان يسمع الحديث من أبي بكر، قال له: «ما أنكرك».

وروى من طريق ابن أبي زائدة قال: "قلت للشعبي، ما لك تعيب أصحاب عليّ، وإنما علمك عنهم؟

قال: عمّن؟

قلت: عن الحارث وصعصعة.

قال: أما صعصعة فكان رجلاً خطيباً، تعلمت منه الخطب، وأما الحارث فكان رجلاً حاسباً تعلمت منه الحساب، وأما رشيد الهجري فإني أخبركم عنه: إنه قال لي رجل، اذهب بنا إلى رشيد، فذهبت معه، فلما رآني قال للرجل هكذا - وأشار سهل بيده هكذا- يقول: من هذا؟ قال: فقال الرجل بيده هكذا وعقد ثلاثين، قال سهل: يقول كأنه منا! قال: فقال رشيد: أتينا الحسن بن علي بعد ما مات عليّ، قال: فقلنا له أدخلنا على أمير المؤمنين - يعني علياً - وهو يعني الحسن قال: إن أمير المؤمنين قد مات! قال: لا، ولكنه حي يعرق الآن من تحت الدثار! فقال: إذا عرفتم هذا فادخلوا عليه ولا تهيجوه.

قال الشعبي: فما الذي أتعلم من هذا أو قال من هؤلاء!!"

وكانَ رشيد الهجري يُؤمن بالرجعة!

قالَ الشَّعْبِي: «دخلت عَلَيْهِ يَوْمًا، فقَالَ: خرجت حَاجاً، فَقُلْتُ: لأعهدن بأمير المُؤْمِنيِنَ عهداً، فَأتيت بَيْت عَلِي عَلَيْهِ السَّلامُ، فَقُلْتُ لإِنْسَان اسْتَأْذن لي عَلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ! قَالَ: أو ليس قَدْ مَات!! قُلْت: قَدْ مَات فِيكُم وَالله إِنَّه ليتنفس الْآن تنفس الْحَيّ، فَقَالَ: أما إِذْ عرفت سر آل مُحَمَّد فَادْخُلْ، قالَ: فَدخلت عَلَى أمِير الْمُؤْمِنيِنَ وأنبأني بأَشْيَاء تكون!! فقَالَ لَهُ الشَّعْبِي: إِن كنت كَاذِبًا فلعنك اللَّه.

وبلغ الخَبَر زياداً فَبعث إِلَى رشيد الهجري فَقطع لِسَانه وصلبه على بَاب دَار عَمْرو بن حُرَيْث.

فهذا هو سبب مقتل رشيد وهو غلوه الشديد في عليّ رضي الله عنه وأنه حيّ وأنه يخبره بأشياء غيبية!!

فماذا يقول الكذاب الرافضي المالكي!

8- ثم قال الكذاب المالكي: "وأبو رافع ... ضربه بنو أمية 500 سوط لينتفي من ولاء النبي - صلى الله عليه وآله وسلم- وينتمي لولائهم! فلم ينكر ذلك النواصب والغلاة، وأحمد بن حنبل جُلد في دون هذا فملأنا الدنيا عويلاً..".

قلت: أخزاك الله أيها الكذاب!

القصة التي رُويت في ذلك ليست لأبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما حصلت لابنه البهي. والضرب لم يكن من أجل أن ينتف من ولاء النبي صلى الله عليه وسلم.

وأبو رافع هذا غير أبي رافع والد عبدالله بن أبي رافع إذ ليس في ولده أحد يسمى البهي كما بيّنه الحافظ ابن حجر في «الإصابة» (7/136).

قالَ أَبو عَبداللهِ مُصعَب الزبيريّ نسّابة قريش: "لما قدِمَ عَمرو بن سَعِيد بن العاص والياً، دعا البَهِيّ، واسمُه عُبَيداللهِ بن أَبي رافِع، وابنه عُثمان بن عُبَيداللهِ، أدرك أصحابَ النَّبيِّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم، فقَالَ: انتَسِب، فقَالَ: أنا عُبَيداللهِ بن أَبي رافِع، مَولَى النَّبيِّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم، فجلده مِئَةَ سَوطٍ، ثم قال له: انتَسِب، فقال له، أَنا عُبَيداللَّه بن أَبي رافع، مَولَى رسُول اللهِ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم، فزاده مئة، ثم قالَ مثلَهُ، فَقَالَ: أنا مولاك، فَخَلَّى عَنْهُ، فلما قَتَلَ عَبدُالمَلِك عَمرًا، قالَ عُبَيداللهِ:

صَحَّت ولا شُلَّت وضَرَّت عَدوها // يمينٌ هراقت مُهجةَ ابن سَعِيد".

وكان سبب ولايته أَبا رافع أنه كان عبداً لأَبي أُحَيحَة سعيد بن العاص الأكبر، ومات، فورثه بنوه، فأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم وقتلوا يوم بدر جميعاً، وتَمَسَّك خَالِد بن سَعِيد، رضي الله عنه، بنصيبه، فشفع أَبو رافِع، رضي الله عَنْهُ، النَّبيَّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم يُكَلِّم خَالِدا، فَوَهَبَ نصيبِهِ للنَّبِيِّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم، فأعتقه النَّبيُّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم، فكَانَ يَقُولُ: "أنا مَولَى النَّبيِّ صَلى اللَّهُ عَلَيه وسَلم".

قلت: لم يقصد عمرو بن سعيد بن العاص أن يتبرأ البهي ابن أبي رافع من ولايته للنبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو يعدّه موالياً لهم، ففعل ما فعل ولم ينكر عليه أحد من أهل العلم، والظاهر أن ضربه بالسوط لم يكن مؤذياً، ولو كان كذلك فلا أظنه يتحمل ذلك! وجاء في رواية عند ابن عساكر أنه ضربه خمسمائة سوط وهي من رواية مجهول، وما ذكره مصعب الزبيري أصح، وهو أنه ضربه مائتي سوط حتى رجع وانتسب إليهم.

وأما إقحام ضرب أحمد بن حنبل فلا وجه له هنا، وإنما هو الحقد الرافضي على إمام أهل السنة الذي صمد أمام أهل البدع.

9- ثم قال الكذاب المالكي: "وميثم التمار ... صلبوه وقطعوا لسانه لاختصاصه بالإمام علي، كقنبر وكميل بن زياد ورشيد الهجري، فالسلطة قالت: كافر! وصفق لها الحمقى!"

قلت: لا يوجد أحمق وأنت تدبّ على وجه الأرض.

مصدر ما حدث مع ميثم هذا مصدر أهل الرفض! ومن إنصاف أهل السنة أن ابن حجر ذكره في «الإصابة» في "القسم الثالث: من كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ويمكنه أن يسمع منه ولم ينقل أنه سمع منه سواء كان رجلاً أو مراهقاً أو مميزاً" (6/316)، وسبب ذكره في هذا القسم لئلا يظن بعضهم أنه صحابيّ ونقل ما يتعلق به من مصدر رافضي.

قال: "ميثم التمار الأسدي: نزل الكوفة وله بها ذرية، ذكره المؤيد بن النعمان الرافضي في مناقب علي - رضي الله عنه-، وقال: "كان ميثم التمار عبداً لامرأة من بني أسد فاشتراه عليّ منها وأعتقه، وقال له: ما اسمك؟ قال: سالم، قال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اسمك الذي سماك به أبواك في العجم: ميثم. قال: صدق الله ورسوله وأمير المؤمنين، والله إنه لاسمي. قال: فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله صلى الله عليه وسلم ودع سالماً، فرجع ميثم واكتنى بأبي سالم، فقال علي ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا جاء اليوم الثالث ابتدر منخراك وفوك دماً فتخضب لحيتك وتصلب على باب عمرو بن حريث عاشر عشرة، وأنت أقصرهم خشبة، وأقربهم من المطهرة، وامض حتى أريك النخلة التي تصلب على ذرعها، فأراه إياها وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذيت فلم يزل يتعاهدها حتى قطعت، ثم كان يلقى عمرو بن حريث فيقول له: إني مجاورك فأحسن جواري فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم وهو لا يعلم ما يريد، ثم حجّ في السنة التي قتل فيها فدخل غلام أم سلمة أم المؤمنين فقالت له: من أنت؟ قال: أنا ميثم، فقالت: والله لربما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك ويوصي بك علياً فسألها عن الحسين؟ فقالت: هو في حائط له، فقال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه فلم أجده ونحن ملتقون عند رب العرش إن شاء الله تعالى، فدعت أم سلمة بطيب فطيبت به لحيته، فقالت له: أما إنها ستخضب بدم، فقدم الكوفة فأخذه عبيدالله بن زياد فأدخل عليه فقال له: هذا كان آثر الناس عند عليّ، قال: ويحكم هذا الأعجمي، فقيل له: نعم، فقال له: أين ربك؟ قال: بالمرصاد للظلمة وأنت منهم! قال: إنك على أعجميتك لتبلغ الذي تريد أخبرني ما الذي أخبرك صاحبك أني فاعل بك، قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة وأنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، قال: لنخالفنه، قال: كيف تخالفه، والله ما أخبرني إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم عن جبرائيل عن الله، ولقد عرفت الموضع الذي أصلب فيه، وأني أول خلق الله ألجم في الإسلام فحبسه وحبس معه المختار بن عبيد، فقال ميثم للمختار: إنك ستفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يريد أن يقتلك، فلما أراد عبيدالله أن يقتل المختار وصل بريد من يزيد يأمره بتخلية سبيله فخلاه وأمر بميثم أن يُصلب، فلما رُفع على الخشبة عند باب عمرو بن حريث قال عمرو: قد كان والله يقول لي إني مجاورك فجعل ميثم يحدّث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد! قال: ألجموه، فكان أول من ألجم في الإسلام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن بالحربة فكبر ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً، وكان ذلك قبل مقدم الحسين العراق بعشرة أيام".

قلت: هذا كذب واضح! لعن الله من وضعه!!

وقد أخرج ابن مندة من طريق الحارث بن حصيرة، قال: حدثني محمد بن حمير الأزدي، قال: "إني لشاهد ميثماً حين أخرجه ابن زياد، فقطع يديه ورجليه، فقال: سلوني أحدثكم، فإن خليلي النبيّ صلى اللَّه عليه وسلّم أخبرني أنه سيقطع لساني، فما كان إلّا وشيكا حتى خرج شرطي، فقطع لسانه".

قال ابن حجر في «الإصابة» (6/188): "وقوله في هذه الرواية «خليلي» يريد علي بن أبي طالب، وكان من عادته إذا ذكره أن يصلّي عليه".

قلت: الحارث بن حصيرة الكوفي كان يغلو في الرفض وهو هالك. ولعل هذا هو أصل القصة المكذوبة التي ذكرها المؤيد الرافضي.

10- ثم قال الكذاب المالكي: "وعمرو بن الحمق الخزاعي الصحابي المهاجر... قطع رأسه بأمر معاوية وألقوه بين يدي امرأته، وهي في سجن معاوية! فاغتبط النواصب! وضاعت صحبته وهجرته  إلى الآن!

قلت: ذكر أهل العلم أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وصحبه بعد ذلك، وشهد مع علي بن أبي طالب مشاهده.

فمن يقرأ كلام الرافضي الكذاب يظنّ أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم مدة طويلة! والذي أميل إليه أنه لا صحبة له، إذ بنى أهل العلم صحبته على ما رُوي عنه، ولم يصح ذلك كما سيأتي.

وكان عمرو بن الحمق أحد من ألّب على عثمان رضي الله عنه.

قال أبو سعيد بن يونس: "عمرو بن الحمق الخزاعي قدم مصر آخر أيام عثمان بن عفان. روى عنه من أهل مصر: عبدالله بن عامر المعافري. يقال: قتله عبدالله بن عثمان الثقفي سنة خمسين، وكان عمرو بن الحمق أحد من ألب على عثمان بن عفان" [تاريخ دمشق: 45/495].

وقال عبدالرحمن بن عبدالعزيز: فسمعت ابن أبي عون يقول: "وأما عمرو بن الحمق فوثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات، وقال: أما ثلاث منهن فإن طعنتهن لله وأما ست فإني طعنته إياهن لما كان في صدري عليه" [تاريخ دمشق: 39/409].

قلت: فهل مثل هذا يكون صحابياً!!

وقد جزم الرافضي الكذاب أن رأسه قُطع بأمر من معاوية! وهذا كذب! فقد اختلف في سبب مقتله.

قيل: قتل بالحرة (63هـ) قتله عبدالرحمن ابن أم الحكم، وقيل: بل قتله عبدالرحمن بن عثمان الثقفي عمّ عبدالرحمن ابن أم الحكم سنة خمسين قبل الحرة.

وقال خليفة بن خياط: قتل بالموصل سنة إحدى وخمسين قتله عبدالرحمن بن عثمان الثقفي، وبعث برأسه إلى معاوية. [تهذيب الكمال: 21/597].

وقالَ سُفْيَانُ ابن عيينة عَن عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، قال: "أَوَّلُ رَأْسٍ نُقِلَ فِي الْإِسْلَامِ رَأْسُ عَمْرِو بنِ الْحُمْقِ الْخُزَاعِيِّ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لُدِغَ فَمَاتَ، فَخَشِيَتِ الرُّسُلُ أَنْ تُتهَمَ به فَقَطَعُوا رأسه فحملوه".

قال الذهبي في «تاريخ الإسلام» (4/89) في ترجيح هذا القول: "قُلْتُ: هذَا أَصَحُّ مِمَّا مَرَّ، فَإِنَّ ذَاكَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الكَلْبِيِّ، فاللَّه أَعْلَمُ هَلْ قُتِلَ أَوْ لُدِغَ".

وقال ابن حبان في «الثقات» (3/275): "عمرو بن الحمق الخزاعي، عداده في أهل الكوفة، وكان من أصحاب علي بن أبي طالب، ولما قُتل عليّ هرب إلى الموصل ودخل غاراً فنهشته حية فقتلته، وبعث إلى الغار في طلبه فوجدوه ميتاً، فأخذ عامل الموصل رأسه وحمله إلى زياد فبعث زياد برأسه إلى معاوية، ورأسه أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد".

فقطع رأسه لم يكن بأمر من معاوية كما زعم الرافضي المالكي الكذاب!

وقد روى ابن عساكر في «تاريخه» (45/499) من طريق أبي مِخْنف، قال: حدثني المجالد بن سعيد، عن الشعبي وزكريا بن أبي زائدة، عن أبي إسحاق: « أن حُجْراً لما قفي به من عبد زياد نادى بأعلى صوته: اللهم إني على بيعتي لا أقيلها ولا أستقيلها سماع الله والناس، فحبس عشر ليال، وزياد ليس له عمل إلا طلب رؤساء أصحاب حُجر، فخرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن ثم ارتحلا حتى أتيا أرض الموصل، فأتيا جبلا فكمثا فيه وبلغ عامل ذلك الرستاق أن رجلين قد كمنا في جانب الجبل فاستنكر شأنهما، وهو رجل من همدان يقال له: عبدالله بن أبي بلتعة، فسار إليهما في الخيل نحو الجبل ومعه أهل البلد، فلما انتهى إليهما خرجا، فأما عمرو بن الحمق فكان مريضاً وكان بطنه قد سقى فلم يكن عنده امتناع، وأما رفاعة بن شداد فكان شاباً قوياً فوثب على فرس له جواد، فقال له: أقاتل عنك، قال: وما ينفعني أن تقاتل! أنج بنفسك فحمل عليه فأفرجوا له فخرج ينفر به فرسه، وخرجت الخيل في طلبه، وكان رامياً، فأخذ لا يلحقه فارس إلا رماه فجرحه أو عقر به فانصرفوا عنه، وأُخذ عمرو فسألوه من أنت؟ فقال: من إن تركتموه كان أسلم لكم، وإن قتلتموه كان أضر لكم! فسألوه فأبى أن يخبرهم فبعث به ابن أبي بلتعة إلى عامل الموصل - وهو عبدالرحمن بن عبدالله بن عثمان الثقفي - فلما رأى عمرو بن الحمق عرفه، وكتب إلى معاوية يخبره، فكتب إليه معاوية أنه زعم أنه طعن عثمان بن عفان سبع طعنات بمشاقص كانت معه وإنا لا نريد أن نعتدي عليه فأطعنه تسع طعنات فطعنه تسع طعنات فمات في الأولى منهن أو الثانية عورض به".

قلت: هذه القصة من رواية أبي مخنف، وهو شيعيّ هالك لا يُحتج به.

وأما قصة إلقاء رأسه في حجر زوجته وهي في سجن معاوية فكذب!!

نعم، أورد ذلك ابن كثير في «البداية والنهاية» قال: "ثُمَّ بَعَثَ مُعَاوِيَةُ بِرَأْسِهِ إِلَى زَوْجَتِهِ آمِنَةَ بِنْتِ الشَّرِيدِ - وَكَانَتْ فِي سِجْنِهِ - فأُلقي فِي حِجْرِها، فَوَضَعَتْ كَفَّهَا عَلَى جَبِينِهِ وَلَثَمَتْ فَمَهُ وَقَالَتْ: غَيَّبْتُمُوهُ عَنِّي طَوِيلًا، ثُمَّ أَهْدَيْتُمُوهُ إِلَيَّ قَتِيلًا فَأَهْلًا بِهَا مِنْ هدية غير قالية ولا مقيلة".

قلت: ذكر ابن كثير هذا دون إسناد أو التعليق عليه!! وحقيقة الأمر أن هذه قصة مكذوبة يرويها أحد الهلكى!

روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (69/40) في ترجمة «آمنة بنت الشريد زوج عمرو بن الحمق - كانت بدمشق لها ذكر» من طريق أبي زكريا يزيد بن محمد بن إياس الأزدي، قال: حدثني عبدالله بن المغيرة القرشي، عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة، عن إسحاق بن أبي فروة، عن يوسف بن سليمان، عن جدّته - يعني ميمونة – قالت: "كان تحت عمرو بن الحمق آمنة بنت الشريد فحبسها معاوية في سجن دمشق زماناً حتى وجّه إليها برأس عمرو بن الحمق، فألقي في حجرها، فارتاعت لذلك، ثم وضعته في حجرها ووضعت كفها على جبينه، ثم لثمت فاه، ثم قالت: غيبتموه عني طويلاً، ثم أهديتموه إليّ قتيلاً! فأهلاً بها من هدية غير قالية ومقلية".

قال ابن عساكر: "وذكر أبو الحسن علي بن محمد الكاتب المعروف بالشَابُشْتي: أن عمرو بن الحمق لما قتل حمل رأسه إلى معاوية، وهو أول رأس حمل في الإسلام من بلد إلى بلد، وكانت آمنة بنت الشريد زوجته بدمشق، فلما حمل رأس عمرو إليه أمر أن يلقى في حجرها، وأن يسمع منها ما تقول، فلما رأته ارتاعت له وأكبت عليه تقبله، وقالت: واضيعتاه في دار هوان! بقيتموه طويلاً، وأهديتموه إليّ قتيلاً، فأهلاً وسهلاً، كنت له غير قالية، وأنا له غير ناسية، قل لمعاوية: أيتم الله ولدك، وأوحش منك أهلك، ولا غفر لك ذنبك.

فعاد الرسول إليه بما قالت! فأمر بها فأحضرت وعنده جماعة، وفيهم إياس بن شرحبيل - وكان في شدقه نتوء لعظم لسانه - فقال لها معاوية: يا عدوة الله، أنت صاحبة الكلام؟ قالت: نعم، غير فازعة ولا معتذرة منه، قد لعمري اجتهدت في الدعاء، وأنا اجتهد إن شاء الله إن نفع الاجتهاد، والله من وراء العباد.

فأمسك معاوية، وقال إياس: اقتل هذه، فما كان زوجها بأحق بالقتل منها! فقالت له: تباً لك، ويلك بين شدقيك جثمان الضفدع وأنت تأمره بقتلي كما قال تعالى {إن تريد إلا أن تكون جباراً في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين} فضحك معاوية والجماعة وبان الخجل من إياس، ثم قال معاوية: اخرجي عني، فلا أسمع بك في شيء من الشام. قالت: سأخرج عنك، فما الشام لي بوطن ولا أعرج فيه على حميم ولا سكن، ولقد أعظمت فيه مصيبتي وما قرت به عيني، وما أنا إليك بعائدة ولا لك حيث كنت بحامدة، فأشار إليها بيده أن أخرجي. فقالت: عجباً لمعاوية يبسط علي غرب لسانه ويشير إليّ ببنانه فلما خرجت قال معاوية: تحمل إليها ما يقطع به غرب لسانها، وتخفف به إلى بلدها، فقبضت ما أمر لها به، وخرجت تريد الكوفة، فلما وصلت إلى حمص توفيت".

قلت: أما ما ذكره أبو الحسين علي بن محمد الشابشتي الكاتب (ت388هـ) فلم يُسنده، وذكره هكذا مرسلاً!! وكان أديباً فاضلاً، يميل لمذهب الرفض! وقد تعلّق بخدمة العزيز بن المعز العُبيدي الرافضي صاحب مصر، فولاه أمر خزانة كتبه.

وهذه قصة منكرة مكذوبة! وأنّى للرافضي أن يثبتها؟!

وأما ما ساقه ابن عساكر فهو من رواية إسحاق بن أبي فروة وهو متروك الحديث لا تحلّ الرواية عنه.

ويوسف بن سليمان مجهول، وكذلك جدّته مجهولة.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/381): "يوسف بن سليمان عن جدته ميمونة، روى عنه: إسحاق بن أبي فروة".

وقد روى ابن أبي فروة، عن يوسف بن سليمان، عن جدته، عن عمرو بن الحمق قال: «سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناً، فقال: متّعه الله بشبابه» - "فمرت عليه ثمانون سنة لم ير شعرة بيضاء".

وقد أورد هذا ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (8/22) ثم قال: "قلت: هذا لا يصح! وإسحاق بن أبي فروه واهي الحديث، ولم يعش هذا الرجل بعد النبي صلى الله عليه وسلم سوى نيف وأربعين سنة إلا أن يحمل أنه استكمل ثمانين سنة، فالله أعلم".

قلت: هذه الرواية اعتمد عليها من صنّف في الصحابة لإثبات صحبته!! ولكنها من رواية ابن أبي فروة وهو متروك الحديث، وعليه فلا تصح صحبته، والله أعلم.

11- ثم قال الكذاب المالكي: "والثبجاء امرأة صالحة ... قتلها ابن زياد أيام معاوية وصلبها عارية منكسة! وسكت النواصب! هذه هي حدوده! معاذ الله أن تنسب لشرعه هذا الإجرام".

قلت: أخزاك الله أيها الكذاب! صلب امرأة عارية! فمهما بلغ الشرّ عند مسلم هل يُعقل أن يفعل هذه الفِعلة؟!!

ثمّ إن اسمها «البلجاء» أو «البثجاء» لا «الثبجاء»!

وقصتها ذكرها المبرد في كتابه «الكامل في اللغة والأدب» (3/181) قال: "وكانت من المجتهدات من الخوارج - ولو قلت: من المجتهدين، وأنت تعني امرأة كان أفصح، لأنك تريد رجالاً ونساء هي إحداهم، كما قال الله عز وجل: {وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}، وقال جلّ ثناؤه: {إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغَابِرِينَ}.

البلجاء: وهي امرأة من بني حرام بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، من رهط سجاح، التي كانت تنبأت، وكان مرداس بن حدير أبو بلال، وهو أحد بني ربيعة بن حنظلة تعظمه الخوارج، وكان مجتهداً كثير الصواب في لفظه، فلقيه غيلان بن خرشة الضبي، فقال: يا أبا بلال! إني سمعت الأمير البارحة عبيدالله بن زياد يذكر البلجاء، وأحسبها ستؤخذ، فمضى إليها أبو بلال، فقال لها: إن الله قد وسع على المؤمنين في التقية فاستتري؛ فإن هذا المسرف على نفسه، الجبار العنيد قد ذكرك، قالت: إن يأخذني فهو أشقى بي، فأما أنا فما أحب أن يعنت إنسان بسببي.

فوجه إليها عبيدالله بن زياد، فأتي بها فقطع يديها ورجليها، ورمى بها في السوق، فمر أبو بلال والناس مجتمعون، فقال: ما هذا? فقالوا: البلجاء، فعرج إليها فنظر، ثم عض على لحيته، وقال لنفسه: لهذه أطيب نفساً عن بقية الدنيا منك يا مرداس".

قلت: لم يذكر المبرد أنه صلبها عارية كما زعم هذا الأفاك! وكذلك لم يذكر الأسانيد التي اعتمد عليها في ذكر قصتها! ثم هي من (الخوارج) وكانوا في حروب دائمة مع الأمراء والخلفاء، وكانت – بحسب القصة- تحرِّض على الأمير.

والعجب من المالكي الرافضي كيف يحزن لقتل الخوارج! لكن هو همّه أن يطعن في خصومه ولو تحالف مع الشيطان!!

وقد ذكر أبو العرب القيرواني في «المحن» (ص:280) مقتلها بالأسانيد، فروى تحت عنوان: [ذِكْرُ قَتْلِ المَرْأَةِ البَلْجَاءِ وَصَبْرِها] من طريق أَبي عمر الضَّرِير حفص بن عمر البصري الأكبر، قالَ: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بنُ خَالِدٍ، قالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالجَبَّارِ العَبْسِيُّ، قالَ: «لَمَّا أَمَرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بنُ زِيَادٍ بِالبَلْجَاءِ أَنْ يُمَثَّلَ بِهَا جَاءَ الَّذِي يَلِي ذَلِكَ مِنْهَا وَمَعَهُمُ الحَدِيدُ وَالحِبَالُ، فَقَالَتْ: إِلَيْكُمْ أَتَكَلَّمُ بِكَلِمَاتٍ يَحْفَظُهُنَّ عَنِّي مَنْ سَمِعَ بِهِنَّ. قالَ: فَحَمِدَتِ اللَّهَ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَتْ: هذَا آخِرُ يَوْمِي مِنَ الدُّنْيَا وَهُوَ غَيْرُ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ أَيَّامِي مِنَ الآخِرَةِ وَهُوَ الْيَوْمُ المَرْغُوبُ فِيهِ، ثُمَّ قالَتْ: وَاللَّهِ إِنَّ عِلْمِي بِفَنَائِهَا هُوَ الَّذِي زَهَّدَنِي فِي الْبَقَاءِ فِيهَا وَسَهَّلَ عَلَيَّ جَمِيعَ بَلْوَائِهَا، فَمَا أُحِبُّ تَعْجِيلَ مَا أَخَّرَ اللَّهُ، وَلا تَأْخِيرَ مَا عَجَّلَ اللَّهُ، ثُمَّ قَامَتْ، فَمُثِّلَ بِهَا حَتَّى مَاتَتْ».

قالَ أَبُو عمر الضَّرِيرُ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ حُمْرَانَ، قالَ: «قِيلَ لَهَا: قدْ أُمِرَ بِقَطْعِ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ وَسَمْلِ عَيْنَيْكِ، فَقَالَتِ: الْحَمْدُ للَّهِ عَلَى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ، وَعَلَى الْعَافِيَةِ وَعَلَى الْبَلاءِ. قَالَت: كنت أؤمل فِي اللَّهِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ هذَا. قَالَ: فَلَمَّا قطعت جعل الدَّم لَا يرقى فحسمت بِالنَّارِ، فَقَالَتْ: حَيَاةٌ كَرِيمَةٌ وَمِيتَةٌ طَيِّبَةٌ لأَنِّي نلْت مَا أملت يَا نَفسِي مِنْ جَزِيلِ ثَوَابِ اللَّهِ، لَقَدْ نِلْتِ سُرُورًا دَائِمًا لَا يَضُرُّكِ مَعَهُ كَدَرُ عَيْشٍ وَلا مُلاحَاةُ الرِّجَالِ فِي الدَّارِ الْفَانِيَةِ، ثُمَّ اضْطَرَبَتْ حَتَّى مَاتَت».

قال: وحَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ الوَلِيدِ عَنْ خَالِدِ بنِ خِدَاشِ بنِ عَجْلانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَالِمُ بن عمر، قالَ: «صَلَّى سَالِمٌ الْهِلالِيُّ عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ جَلَسَ فِي ظِلِّ قَصْرٍ أَوْ قَبْرٍ فَقَالَ لأَصْحَابِهِ أَلا كُلُّ مَيِّتَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ فَهِيَ ظَنُونٌ، ثُمَّ قَالَ: هلْ تَدْرُونَ مَا حَالُ أختكم البلجاء؟ قَالُوا: وَمَا كَانَ حَالِهَا؟ قَالَ: قَطَعَ ابنُ زِيَادٍ يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا وَسَمَلَ عَيْنَيْهَا فَمَا قَالَتْ حَسَّ! فَقِيلَ لَهَا ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: شَغَلَنِي هَوْلُ الْمَطْلَعِ عَنْ أَلَمِ حَدِيدِكُمْ هذَا».

قال: َأَخْبَرَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ الْوَلِيدِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَن عَبْدِالمَلِكِ بنِ قَرِيبٍ أَبُو سَعِيدٍ الأَصْمَعِيُّ قالَ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ أَدْرَكَ ذَاكَ، قَالَ: «لَمَّا أُوِتَي بِهَا ابنُ زِيَادٍ - يَعْنِي البَلْجَاءَ- أَمَرَ بِهَا فَقُطِعَتْ يَدَاهَا وَرِجْلاهَا فَمَا نَبَسَتْ بِكَلِمَةٍ. قَالَ: فَأُتِيَ بِنَارٍ لِتُكْوَى بِهَا، فَلَمَّا رَأَتِ النَّارَ صَرَخَتْ! فَقِيلَ لَهَا: قُطِعَتْ يَدَاكِ وَرِجْلاكِ فَلَمْ تَنْطِقِي بِشَيْءٍ، فَلَمَّا رَأَيْتِ النَّارَ صَرَخْتِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُدْنَى مِنْكِ!! فَقَالَتْ: لَيْسَ مِنْ نَارِكُمْ صَرَخَتْ وَلَا على دنياكم أسفت، وَلَكِنِّي ذَكَرْتُ بِهَا النَّارَ الْكُبْرَى فَكَانَ الَّذِي رَأَيْتُمْ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: فَأُمِرَ بِهَا فَسُمِلَتْ عَيَنْاهَا. فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ قَدْ طَالَ فِي الدُّنْيَا حُزْنِي فَأَقِرَّ فِي الآخِرَةِ عَيْنِي. قَالَ: ثُمَّ خَمَدَتْ».

قال: وأَخْبَرَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ الْوَلِيدِ، عَنْ بَعْضِ رِجَالِهِ، عَنْ دَاوُدَ بنِ المُحَبَّرِ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يَقُولُ: «لَمَّا مُثِّلَ بِالْبَلْجَاءِ جَعَلَتْ تعزي نَفسهَا بِالقُرْآنِ تَقول {وَمَا صبرك إِلَّا بِاللَّه} {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهو خير للصابرين} ثُمَّ قَالَتْ: لَئِنْ كُنْتُ عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ أَمْرِي إِنَّ هَذَا لَقِليلٌ فِي جَنْبِ مَا أَطْلُبُ مِنْ ثَوَابِ اللَّهِ. قالَ: فَمَا تَكَلَّمَتْ بِغَيْرِها حَتَّى مَاتَتْ رَحِمَهَا اللَّهُ».

قلت: فلم يذكر أيّ راوٍ أنها صلبت عارية!

على أن قصة قتلها ربما تكون صحيحة لكن بهذه الطريقة ففيه نظر؛ لأن هذه الأسانيد كلها ضعيفة!

فعمران بن خالد ضعيف لا يُحتج به، وشيخه عبدالجبار لم أعرفه! وبكر بن حمران ليس بالمشهور ولم يذكر من حدّثه به! وخالد بن خداش لا بأس به لكن شيخه سالم لم أعرفه، وبقية مشايخ عبدالله بن الوليد مجاهيل لا يُعرفون!

نعم كان عبيدالله بن زياد بن أبيه سفّاكاً للدماء، لكن لم يثبت عنه هذه الفرية!

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (3/546): "وقد جرت لعبيدالله خطوب، وأبغضه المسلمون لما فعل بالحسين - رضي الله عنه - فلما جاء نعي يزيد، هرب بعد أن كاد يؤسر، واخترق البرية إلى الشام، وانضم إلى مروان".

ثم قال: "الشيعيّ لا يطيب عيشه حتى يلعن هذا ودونه، ونحن نبغضهم في الله، ونبرأ منهم ولا نلعنهم، وأمرهم إلى الله".

12- ثم قال الكذّاب المالكي: "ومصدع المعرقب... من أهل الحديث، قطعوا رجليه لأنه امتنع عن لعن الإمام علي! وزعم الحمقى أنه (عرقب في التشيع!)

هذه هي حدودهم! راجعوا ترجمته في تهذيب الكمال وتهذيب التهذيب".

قلت: حتى اللغة لا تفهمها أيها الكذاب!! فـ (العُرقوب) جزء من الرِّجل! وهو "العصبة التي وصلت بين العقب والساق من ظاهر".

وفي رواية للحديث المشهور «ويل للعراقيب من النار»، وهو العصب فوق العقب، ويُقال: عظم وَتَرَةِ العُرْقُوب، وهو عظم صغير أصله لاصِقٌ بِالكَعْبِ. وعَرْقَبَ البَعيرَ: إذا قَطَع عرُقْوبَه.

فقطع العرقوب ليس قطعاً للرجل أيها الجاهل الكذاب!

وقد راجعت «تهذيب التهذيب» (10/143) لابن حجر، وفيه: "إنما قيل له المعرقب؛ لأن الحجاج أو بشر بن مروان عرض عليه سبّ عليّ فأبى، فقطع عرقوبه. قال ابن المديني: قلت لسفيان، في أي شيء عرقب؟ قال: في التشيع. قال عليّ: وهو الذي مرّ به ابن أبي طالب وهو يقصّ، فقال: تعرف الناسخ والمنسوخ؟ قال: لا، قال: هلكت وأهلكت".

قلت: فابن حجر إنما ذكر ذلك على سبيل التضعيف فقال: "إنما قيل..." وهذا يدلّ على عدم ثبوت ذلك. وفرق بين ما نقله "سبّ عليّ" وبين ما حرّفه الكذاب المالكي: "امتنع عن لعن الإمام عليّ"!!

ولعدم ثبوت ذلك قال سفيان بأنه عرقب في التشيع، فقام الكذاب بوصف من قال هذا وهو الإمام سفيان بأنه أحمق!! فقطع الله لسانك أيها الرافضي الخبيث.

روى العقيلي في «الضعفاء» (4/266) عن سفيان، قال: "وقال أهل الكوفة: قطع بشر بن مروان عرقوبيه. قيل لسفيان: في أي شيء قطع عرقوبيه؟ قال: في التشيع".

وكان مصدع هذا صديقاً لعمرو بن دينار، وكان فيه تشيّع معروف.

قال الجوزجاني: "أبو يحيى مصدع مولى معاذ بن عفراء: كان زائغاً حائداً عن الطريق".

وهو راوي الحديث المنكر عن عَائِشَةَ: «أَنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يُقَبِّلُهَا وهو صَائِمٌ وَيَمُصُّ لِسَانَهَا».

قال ابن حبان في كتاب «المجروحين» (3/39): "كان ممن يخالف الأثبات في الروايات، وينفرد عن الثقات بألفاظ الزيادات مما يوجب ترك ما انفرد منها، والاعتبار بما وافقهم فيها".

13- ثم قال الكذّاب المالكي: "وحطيط الزيات ... أحد الصالحين الفقراء، قتله الحجاج لحبه عليا واغتبط النواصب! فالحجاج إنما نفذ فيه حكم الله على مذهبهم!

هذه هي حدودهم!".

قلت: قد رُوي أن الحجاج قد قتله، لكن ليس كما ادّعيت أيها الرافضي بسبب حبّه لعليّ - رضي الله عنه -!! وإنما كان ينقم عليه عمله.

وها هي قصته أسوقها بالأسانيد وليس فيها ما ادّعيت أيها الكذاب! مع إقرارنا أن الحجاج كان ظالماً وكان سفّاكاً للدماء حتى لا تظنّ أننا ندافع عنه.

رواها الدّينوري في كتاب «المجالسة» (7/213) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ، قال: حدثنا الهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ، عَنْ يَعْقُوبَ القُمِّيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ؛ قالَ: «كَانَ حُطَيْطٌ صَوَّامًا قَوَّامًا يَخْتِمُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَتْمَةً، وَيَخْرُجُ مِنَ الْبَصْرَةِ مَاشِيًا حَافِيًا إِلَى مَكَّةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَوَجَّهَ الحَجَّاجُ فِي طَلَبِهِ، فَأُخِذَ، فَأُتِيَ بِهِ الْحَجَّاجَ، فَقَالَ لَهُ: إِيهٍ. قَالَ: قُلْ؛ فَإِنِّي قَدْ عَاهَدْتُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَئِنْ سُئِلْتُ لأَصْدُقَنَّ، وَلَئِنِ ابْتُلِيتُ لأَصْبِرَنَّ، وَلَئِنْ عُوفِيتُ لأَشْكُرَنَّ، وَلَأَحْمِدَنَّ اللهَ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: مَا تَقُولُ فِيَّ؟ قَالَ: أَنْتَ عَدُوُّ اللهِ تَقْتُلُ عَلَى الظِّنَّةِ. قَالَ: فَمَا قَوْلُكَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: أَنْتَ شَرَرَةٌ مِنْ شَرَرِهِ، وَهُوَ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْكَ. قَالَ: خُذُوهُ فَقَطِّعُوا عَلَيْهِ الْعَذَابَ. فَفَعَلُوا؛ فَلَمْ يَقُلْ حِسًّا وَلا بِسًّا، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ، فَأَمَرَ بِالْقَصَبِ فَشُقَّ، ثُمَّ شُدَّ عَلَيْهِ، وصب عليه الخَلُّ والمِلْحُ، وَجَعَلَ يُسَلُّ قَصَبَةً قَصَبَةً، فَلَمْ يَقُلْ حِسًّا وَلا بِسًّا، فَأَتَوْهُ فَأَخْبَرُوهُ؛ فَقَالَ: أَخْرِجُوهُ إِلَى السُّوقِ، فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ. قَالَ جَعْفَرٌ: فَأَنَا رَأَيْتُهُ حِينَ أُخْرِجَ فَأَتَاهُ صَاحِبٌ لَهُ، فَقَالَ: أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقَالَ: شَرْبَةٌ مِنْ مَاءٍ. فَأَتَاهُ بِمَاءٍ، فَشَرِبَ ثُمَّ ضُرِبَتْ رَقَبَتُهُ، وَكَانَ ابْنَ ثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً».

ورواها ابن عساكر في «تاريخ مدينة دمشق» (12/182) من طريق أحمد بن مروان الدينوري.

ورواها ابن أبي الدنيا في كتاب «الصبر والثواب» (ص:92) برقم (128) قال: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ - يَعْنِي ابنَ أَبِي الْمُغِيرَةِ - قالَ: خَرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَسْجُوحٌ وَحُطَيْطٌ الزَّيَّاتُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى ذَاتِ عِرْقٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَسْجُوحٍ لِحُطَيْطٍ: يَا حُطَيْطُ، إِنِّي أَظُنُّ هَؤُلَاءِ قَدْ وَضَعُوا لَنَا الْمَرَاصِدَ، فَهَلْ لَكَ أَنْ نَمِيلَ إِلَى الْبَصْرَةِ؟ فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «أَمَّا أَنَا فَأَمْضَى»، فَمَضَى سَعِيدٌ إِلَى الْبَصْرَةِ، وَرَجَعَ حُطَيْطٌ فَأَخَذَتْهُ الْمَرَاصِدُ. فَقَالَ: هِيهِ؟ قَالَ: "عَاهَدْتُ رَبِّي عَلَى ثَلَاثٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ: لَئِنْ سُئِلْتُ لَأَصْدُقَنَّ، وَلَئِنِ ابْتُلِيتُ لَأَصْبِرَنَّ، وَلَئِنْ عُوفِيتُ لَأَشْكُرَنَّ". قَالَ: حَدِّثْنِي عَنِّي. قَالَ: «أُحَدِّثُكَ أَنَّكَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، تُجَهِّزُ الْبُعُوثَ وَتُقْتَلُ النُّفُوسَ عَلَى الظِّنَّةِ، فَذَكَرَ مَسَاوِئَهُ». قَالَ: حَدِّثْنِي عَنِ الْخَلِيفَةِ. قَالَ: «أُحَدِّثُكَ أَنَّهُ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنْكَ، وَإِنَّمَا أَنْتَ شَرَرَةٌ مِنْهُ». ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ مَسَاوِئَهُ مَا شَاءَ أَنْ يَذْكُرَ. قَالَ: قَطِّعُوا عَلَيْهِ الْعَذَابَ، فَقَطَّعُوا عَلَيْهِ الْعَذَابَ، حَتَّى كَانَ فِي آخِرِ ذَلِكَ قَالَ: شَقِّقُوا لَهُ الْقَصَبَ فَجَعَلُوا يُلْزِمُونَهَا ظَهْرَهُ، ثُمَّ يَمْتَرِخُونَ لَحْمَهُ، حَتَّى تَرَكُوهُ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَقَالُوا لِلْحَجَّاجِ: إِنَّ هَذَا بِآخِرِ رَمَقٍ. قَالَ: اطْرَحُوهُ، فَطَرَحُوهُ فِي الرَّحَبَةِ. قَالَ جَعْفَرٌ: فَانْتَهَتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا نَاسٌ - أَظُنُّهُمْ - كَانُوا إِخْوَانًا لَهُ أَوْ مَعْرِفَةً. فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ: يَا حُطَيْطُ أَلَكَ حَاجَةٌ، أَوَ تَشْتَهِي شَيْئًا؟ قَالَ: «شَرْبَةً»، فَأُتِيَ بِشَرْبَةٍ، لَا أَدْرِي أَسَوِيقَ حَبِّ الرُّمَّانِ كَانَتْ أَمْ مَاءً؟ فَشَرِبَهَا، ثُمَّ طُفِئَ.

ورواها أيضاً أبو العرب القيرواني في كتاب «المحن» (ص:388) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ عَبْدِالعَزِيزِ، عَنْ بَقِيِّ بنِ مَخْلَدٍ، عَنْ مُوسَى بن إسماعيل، قالَ: حَدثنَا القُمِّيُّ - يَعْنِي جَعْفَرَ بنَ أَبِي المُغِيرَةِ -.

قَالَ مُوسَى: وَحَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ طُعْمَةَ الجَعْفَرِيِّ - وَسَاقَ الْحَدِيثَ عَنْهُمَا وَأَدْخَلَ الْكَلامَ كَلامَ الْحَدِيثَيْنِ فِي الآخَرِ - قَالَ: «لَمَّا أُوتِيَ الْحَجَّاجُ بِحطيطَةَ الزَّيَّاتِ وَكَانَ غُلامًا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَان عشرَة سنة، قالَ: فَقَالَ الحجَّاج، حطيطةُ أَيْنَ كُنْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ طَلَبْتُكَ وَلَوْ أَصَبْتُكَ لَقَتَلْتُكَ! ثُمَّ قَالَ: إِنِّي أَسْأَلُكَ، قَالَ: سَلْ، فَإِنِّي عَاهدْتُ رَبِّي حَوْلَ بَيْتِهِ لَئِنْ سُئِلْتُ لأَصْدُقَنَّ وَلَئِنِ ابْتُلِيتُ لأَصْبِرَنَّ وَلَئِنْ عُوفِيتُ لأَشْكُرَنَّ. قَالَ: فَقَالَ، يَا حَجَّاجُ هَلْ تَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا؟ قَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: نَعَمْ. قَالَ لَهُ: اقْرَأ، فَقَرَأَ الْحَجَّاجُ {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْر لم يكن شَيْئا مَذْكُورا} إِلَى قَوْلِهِ {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا ويتيما وأسيرا}، قَالَ: فَقَالَ لَهُ حطيطة، فقدتك الآنَ فَأَنْتَ تَقْتُلُ هَؤُلاءِ كُلَّهُمْ. قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ، مَا تَقُولُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ فَقَالَ: أَقُولُ فِيهِمَا خَيْرًا، قَالَ: فَمَا تَقُولُ فِي عَبْدِالمَلِكِ بنِ مَرْوَانَ؟ قَالَ: وَمَا أَقُولُ فِيمَنْ أَنْتَ سَيِّئَةٌ مِنْ سَيِّئَاتِهِ! قَالَ: فَقَالَ: أَيْنَ مَعْدٌ؟ فَدُعِيَ لَهُ مَعْدٌ. قَالَ: فَقَالَ، يَا مَعْدُ، أَسْمِعْنِي صَوْتَهُ! قَالَ: كَلا، لَا يُسْمِعُكَ صَوْتِي، قَالَ: فَأَخَذَهُ مَعْدٌ فَوَضَعَ الْوَهَقَ عَلَى سَاقَيْهِ فَحَطَمَهُ، قَالَ: فَقَالَ، يَا مَعْدُ ابْكِي عَلَيَّ يَا ابنَ اللَّخْنَاءِ، فَهَل رَأَيْت جزعا وَأَنا فِي يَديك أَسِيرًا؟! قَالَ: فَعمد إِلَى قصب فشنقه، ثُمَّ أَدْرَجَهُ فِيهِ وَشَدَّهُ. قَالَ: فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَنْزِعُوهُ. قَالَ: فَجَعَلَتِ القَصَبُ تَحْمِلُ مَا مَرَّتْ عَلَيْهِ مِنَ اللَّحْمِ حَتَّى مَا تَرَكَتْ مِنْهُ شَيْئًا إِلا شَرَّحَتْهُ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ، قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إِذْ وَقَعَ ذُبَابٌ عَلَى بَعْضِ جِرَاحَاتِهِ، فَقَالَ حَسْ، فَقَالَ لَهُ أَهْلُ السِّجْنِ بِاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِثْلَكَ قَطُّ! قَدْ مُضِغْتَ بِأَلْوَانِ الْعَذَابِ لَمْ يُسْمَعْ مِنْكَ حَسًّا وَلا بَسًّا وَتَقُولُ حَسْ مِنْ ذُبَابٍ! فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَذَابِكُمْ وَإِنَّهُ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا شَاءَ أَنْ يُفْرِغَ الصَّبْرَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَفْرَغَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَنْ يَنْزِعَهُ نَزَعَهُ. قَالَ: فأتى مَعْدٌ الْحَجَّاجَ فَقَالَ: أَيُّهَا الأَمِيرُ، قَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ أَهْلَ السِّجْنِ، قَالَ: فَقَالَ لَهُ اذْهَبْ فَأَرِحْ مِنْهُ قَالَ فَجَاءَ مَعْدٌ فَأَخْرَجَهُ فِي عباءة ثُمَّ أَمَرَ النَّاسَ فَجَلَسُوا عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَشُكَّ فِي مَوْتِهِ أَلْقَاهُ فِي الرَّحْبَةِ.

قَالَ جَعْفَرُ بنُ أَبِي الْمُغِيرَةِ: فَمَرَرْتُ بِهِ فَوَجَدْتُهُ بِآخِرِ رَمَقٍ، فَقُلْتُ: يَا حطيطةُ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، اسْقِنِي شَرْبَةً مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَشَدَّ عَذَابِهِمْ عَلَيَّ. قَالَ: فَقَدِمْتُ، فَأَتَيْتُهُ بِشَرْبَةٍ مِنْ سَوِيقِ حَبِّ الرُّمَّانِ فَجِئْتُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ مَاتَ رَحِمَهُ اللَّهُ».

ثم رواها ابن أبي الدنيا برقم (99) قال: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَمْرِو بنِ حَمَّادِ بنِ طَلْحَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ حُمَيْدٍ الثَّقَفِيَّ، يَذْكُرُ عَنْ أَبِيهِ - وكَانَ مِنْ حَرَسِ الحَجَّاجِ-، قَالَ: لَمَّا أُتِيَ بِحُطَيْطٍ فَكَلَّمَهُ الْحَجَّاجُ، أَمَرَ بِهِ لَيُعَذَّبَ قَالَ: فَأَخْرَجَهُ صَاحِبُ عَذَابِهِ فَقَالَ: يَا حُطَيْطُ، قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي أَمَرَنِي بِهِ فِيكَ الْأَمِيرُ، فَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَنْتَ تُطِيعُهُ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَتَبِيعُ آخِرَتَكَ بِدُنْيَاهُ، أَنْتَ مِمَّنْ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ، فَتَبًّا لَكَ آخِرَ الدَّهْرِ». قَالَ: مَا أَعْدَدْتَ لِذَلِكَ يَا حُطَيْطُ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ فِيكَ؟ فَلَمَّا أَكْثَرَ عَلَيْهِ قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، أَعْدَدْتُ لِذَلِكَ مَا وَعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ تَكْمِلَةَ الْأُجُورِ بِغَيْرِ حِسَابٍ، أَعْدَدْتُ وَاللَّهِ لِذَلِكَ الصَّبْرَ حَتَّى يَنْفُذَ فِيَّ قَضَاءُ اللَّهِ وَقَدْرُهُ» قَالَ: فَعُذِّبَ بِأَنْوَاعِ الْعَذَابِ، فَمَا نَبَسَ بِكَلِمَةٍ، حَتَّى إِذَا قَرُبَ أَنْ تَخْرُجَ نَفْسُهُ، أُخْرِجَ فَرُمِيَ بِهِ عَلَى مَزْبَلَةٍ، فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ لَهُ: يَا حُطَيْطُ قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُ شَفَتَيْهِ بِهَا وَلَا يُبَيِّنُ الْكَلَامَ، ثُمَّ فَاضَتْ نَفْسُهُ.

ثم رواها برقم (124) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ طُعْمَةَ الجَعْفَرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بنِ قَيْسٍ قالَ: لَمَّا أُتِيَ الْحَجَّاجُ بِحُطَيْطٍ الزَّيَّاتِ قَالَ لَهُ: أَحَرُورِيُّ أَنْتَ؟ قَالَ: «مَا أَنَا بِحَرُورِيٍّ، وَلَكِنِّي عَاهدْتُ اللَّهَ أَنْ أُجَاهِدَكَ بِيَدِي وَبِلِسَانِي وَبِقَلْبِي، فَأَمَّا يَدِي فَقَدْ فُتَّهَا، وَأَمَّا لِسَانِي فَهَذَا تَسْمَعُ مَا تَقُولُ، وَأَمَّا قَلْبِي فَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِيهِ». قَالَ: فَوَثَبَ حَوْشَبٌ - صَاحِبُ شُرَطِهِ - فَسَارَّهُ بِشَيْءٍ. قَالَ: يَقُولُ لَهُ حُطَيْطٌ: «لَا تَسْمَعْ مِنْهُ، فَإِنَّهُ غَاشٌّ لَكَ». قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا تَقُولُ فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؟ فَقَالَ: «أَقُولُ فِيهِمَا خَيْرًا». قَالَ: مَا تَقُولُ فِي عُثْمَانَ رَحِمَهُ اللَّهُ؟ قَالَ: «مَا وُلِدْتُ إِذْ ذَاكَ». فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ، وُلِدْتَ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَمْ تُولَدْ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «يَا ابْنَ اللَّخْنَاءِ لَا تَعْجَلْ، إِنِّي وَجَدْتُ النَّاسَ اجْتَمَعُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فَقُلْتُ بِقَوْلِهِمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ فَوَسِعَنِي السُّكُوتُ». فَوَثَبَ مَعَدٌّ - صَاحِبُ عَذَابِ الْحَجَّاجِ - فَقَالَ: إِنْ رَأَى الْأَمِيرُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَيَّ، فَوَاللَّهِ لَأُسْمِعَنَّكَ صِيَاحَهُ. قَالَ: خُذْهُ إِلَيْكَ. قَالَ: فَحَمَلَهُ، فَمَكَثَ يُعَذِّبُهُ لَيْلَتَهُ جَمْعَاءَ وَلَا يُكَلِّمُهُ حُطَيْطٌ، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصُّبْحِ دَعَا بِدَهْقٍ، وَاعْتَمَدَ عَلَى سَاقِهِ فَكَسَرَهَا وَاكْتَبَى عَلَيْهَا. قَالَ: فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «يَا أَفْسَدَ النَّاسِ وَأَلْأَمَهُمْ، تَكْتَبِي عَلَى سَاقِي بَعْدَ أَنْ كَسَرْتَهَا؟ وَاللَّهِ لَا كَلَّمْتُكَ»، فَلَمَّا أَصْبَحَ دَخَلَ عَلَى الْحَجَّاجِ. فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟ قَالَ: إِنْ رَأَى الْأَمِيرُ أَنْ يَأْخُذَهُ، فَقَدْ أَفْسَدَ عَلَيَّ أَهْلَ سِجْنِي، يَسْتَحْيُونَ أَنْ لَا يَصْبِرُوا. قَالَ: عَلَيَّ بِهِ فَأُتِيَ بِهِ، فَوُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ. قَالَ: وَإِلَى جَنْبِ الْحَجَّاجِ شَيْخٌ مِنْ مَشْيَخَةِ أَهْلِ الشَّامِ قَالَ: فَقَالَ حُطَيْطٌ لِلْحَجَّاجِ: «كَيْفَ رَأَيْتَ؟» قَالَ إِسْحَاقُ: يَعْنِي قَوْلَ مَعَدٍّ لَهُ: وَاللَّهِ لَأُسْمِعَنَّكَ صِيَاحَهُ قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: أَتَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: فَاقْرَأْ. قَالَ بِهِ حُطَيْطٌ: «لَا، بَلِ اقْرَأْ أَنْتَ». قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْحَجَّاجُ: اقْرَأْ. قَالَ حُطَيْطٌ: «لَا، بَلِ اقْرَأْ أَنْتَ». كُلُّ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِ. قَالَ: فَقَرَأَ الْحَجَّاجُ: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان: 1] حَتَّى بَلَغَ إِلَى قَوْلِهِ: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] قَالَ: فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «قِفْ». قَالَ: فَوَقَفَ الْحَجَّاجُ، فَقَالَ لَهُ حُطَيْطٌ: «هُوَ ذَا أَنْتَ تُعَذِّبُهُمْ». قَالَ: فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْعَذَابِ. قَالَ: فَأُتِيَ بِمُسَالٍ أَوْ سِلَاءٍ، فَأَمَرَ بِهَا فَغُرِزَتْ فِي أَنَامِلِهِ، فَقَالَ الشَّيْخُ الَّذِي إِلَى جَنْبِ الْحَجَّاجِ: تَالَلَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رَجُلًا أَصْبَرَ مِنْهُ. قَالَ: فَقَالُ لَهُ حُطَيْطٌ: «إِنَّ اللَّهَ يُفْرِغُ الصَّبْرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِفْرَاغًا». قَالَ: فَقَالَ الْحَجَّاجُ لِمَعْدٍ: وَيْحَكَ، أَرِحْنِي مِنْهُ. قَالَ: فَحَمَلَهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ. قَالَ بَعْضُ أَعْوَانِ الْحَجَّاجِ: فَرَحِمْتُهُ، فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ مِنْ حَاجَةٍ؟ قَالَ: «لَا إِلَّا أَنَّ لِسَانِيَ قَدْ يَبِسَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ».

ثم رواها برقم (126) قال: حَدَّثَنَا القَاسِمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ طُعْمَةَ بنِ عَمْرٍو، عَنْ عَمْرِو بنِ قَيْسٍ المَاصِرِ، أَنَّ حُطَيْطًا كَانَ مَوْلًى لِبَنِي ضَبَّةَ، وَأَنَّهُ لَمَّا رُفِعَ مِنْ بَيْنِ يَدَيِ الْحَجَّاجِ وَقَدْ بَلَغَ الْعَذَابُ مِنْهُ وَمَا يَتَكَلَّمُ، جَاءَ ذُبَابٌ فَوَقَعَ عَلَى جِرَاحَتِهِ. فَقَالَ: «حَسِّ». فقِيلَ لَهُ: صَبَرْتَ عَلَى الْعَذَابِ، وَإِنَّمَا هُوَ ذُبَابٌ قَالَ: «إِنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ عَذَابِكُمْ».

ثم رواها برقم (175) قال: حَدَّثَنَا ثَابِتُ بنُ أَحْمَدَ الخُزَاعِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبِي، قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ صَالِحٍ، قال: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بنُ أَبِي حَفْصٍ، عَنْ أَبِي الصَّيْدَاءِ، قَالَ: أَرْسَلَ الْحَجَّاجُ إِلَى حُطَيْطٍ، وَبَلَغَهُ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أُعَاهِدُكَ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِي لَأَشْكُرَنَّ، وَلَئِنِ ابْتَلَيْتَنِي لَأَصْبِرَنَّ»، فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَهُ، فَلَمْ يَكُنْ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا صَدَّقَهُ، وَهُوَ فِي ذَاكَ يَنْكُتُهُ بِقَضِيبِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَنِّي يَدَيْكَ وَإِلَّا عَاهَدْتُ اللَّهَ أَلَّا أُكَلِّمَكَ كَلِمَةً حَتَّى أَلْقَاهُ قَالَ: فَأَبَى الْحَجَّاجُ إِلَّا تَنَاوُلَهُ، وَسَكَتَ حُطَيْطٌ، فَأَرَادَهُ عَلَى الْكَلَامٌ، فَأَبَى، وَدَعَا صَاحِبَ الْعَذَابِ فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى الْأَشْقَرِ، وَالْأَشْقَرُ حَبْلٌ مِنْ لِيفٍ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ يُحْمَلُ عَلَيْهَا الرَّجُلُ وَيُفْضَى بِفَرْجِهِ إِلَيْهِ، يُرَجَّلُ بِهِ وَيَمَسُّهُ الرِّجَالُ، فَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ أَيَّامًا، كُلَّمَا قَرِحَ مَا هُنَاكَ عَادُوا بِهِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُ إِذَا رُجِّلَ بِهِ: "{إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا، إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا، وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 20] ثُمَّ يُمَطِّطُ فِي قَوْلِهِ {إِلَّا الْمُصَلِّينَ} [المعارج: 22]" فَيَمُدُّهَا، وَلَا يَنْبِسُ بِكَلِمَةٍ حَتَّى يُرْفَعَ عَنْهُ الْعَذَابُ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى هَجَمَ الْحَبْلُ عَلَى جَوْفِهِ، ثُمَّ قَالَ: اذْهَبُوا بِي إِلَى الْحَجَّاجِ فَأُكَلِّمُهُ، فَانْطَلَقَ الْبُشَرَاءُ، فَقَالَ: أَجَزِعَ الْخَبِيثُ؟ ائْتُونِي بِهِ، فَلَمَّا جَاءُوا بِهِ، قَالَ: إِيهٍ أَجَزِعْتَ؟ قَالَ: «لَا وَاللَّهِ مَا جَزِعْتُ، وَلَا طَمِعْتُ فِي الْحَيَاةِ، وَإِنِّي لَأَعْلَمُ أَنِّي مَيِّتٌ، وَلَكِنْ جِئْتُ لِأُوَبِّخَكَ بِأَعْمَالِكَ الْخَبِيثَةِ وَأَشْفِيَ صَدْرِي، أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا؟ أَلَسْتَ صَاحِبَ كَذَا؟» يُوَبِّخُهُ حَتَّى أَمْحَكَهُ؟ فَدَعَا بِالْحَرْبَةِ فَأَوْجَرَهَا إِيَّاهُ.

ورواها أيضاً برقم (125) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ، مَوْلَى الْمُغِيرَةِ بنِ عَبْدِاللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ: أُتِيَ الْحَجَّاجُ بِحُطَيْطٍ عِنْدَ الْمَغْرِبِ، فَضَرَبَ بَطْنَهُ مِائَةً، وَظَهْرَهُ مِائَةً، ثُمَّ أَدْرَجَهُ فِي عَبَاءَةٍ وَأَلْقَاهُ فِي الدَّارِ فَقُلْتُ: أَعَطْشَانُ أَنْتَ يَا حُطَيْطُ؟ فَقَالَ: «إِنِّي وَاللَّهِ لَعَطْشَانُ». قُلْتِ: أَسْقِيكَ مَاءً؟ قَالَ: «لَا، أَخَافُ أَنْ يَرَاكَ أَحَدٌ فَتُلْقَى فِي سَبْيِي».

ورواها برقم (123) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ حُطَيْطٌ زَيَّاتًا، وَكَانَ شَابًّا أَبْيَضَ، فَأَتَى الْحَجَّاجَ فَقَالَ: «أَمَا تَسْتَحْيِي تَكْذِبُ وَأَنْتَ أَمِيرٌ، تَزْعُمُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَرْكُ عَاصٍ، وَهَؤُلَاءِ بَنُو عَمِّكَ حَوْلَكَ كُلُّهُمْ عُصَاةٌ؟ أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟» يَقُولُ لِمَنْ حَوْلَهُ، فَقَالُوا كُلُّهُمُ: اسْقِنَا دَمَهُ.

ورواها أيضاً برقم (98) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ صَالِحٍ الْأَزْدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ الْحَجَّاجُ لِحُطَيْطٍ: اصْدُقْنِي. قَالَ: «سَلْنِي، فَقَدْ عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ خَلَوْتَ لِي لَأَقْتُلَنَّكَ، وَإِنْ عَذَّبْتَنِي لَأَصْبِرَنَّ، وَإِنْ سَأَلْتَنِي لَأَصْدُقَنَّ». فَقَالَ: مَا قَوْلُكَ فِي عَبْدِالْمَلِكِ؟ قَالَ: «مَا أَسْفَهَكَ، تَسْأَلُنِي عَنْ رَجُلٍ أَنْتَ خَطِيئَةٌ مِنْ خَطَايَاهُ، وَقَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ فَسَادًا؟» قَالَ: فَهَلْ خَلَوْتُ لَكَ؟ قَالَ: «مَرَّةً وَاحِدَةً، فَحَالَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ شَيْءٌ مَنَعَنِي مِنْكَ». قَالَ: كَأَنِّي قَدْ عَرَفْتُ، أَمَّا الثَّالِثَةُ فَلَا تَصْبِرُ عَلَيْهَا. قَالَ: «مَا شَاءَ اللَّهُ». قَالَ: دُونَكَ يَا مَعَدُّ. قَالَ: فَعَذَّبَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا يُبَالِي. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: أَلَهُ حَمِيمٌ؟ قَالُوا: أُمٌّ وَأَخٌ. قَالَ: فَوَضَعَ عَلَى أُمِّهِ الدَّهْقَ. فَقَالَ حُطَيْطٌ: "يَا أُمَّهِ: اصْبِرِي، اصْبِرِي". قَالَ: فَقَتَلَهَا.

قلت: قصة مقتل والدته لم تأتي إلا من هذا الطريق!

والخلاصة أن القصة لها أسانيد متعددة، وليس فيها أن الحجاج قتله بسبب حبّه لعليّ، وإنما لإنكاره عليه سفكّه للدماء.

14- ثم قال الكذّاب المالكي: "وعبد الرحمن بن حسان البكري ... دفن حيا بأمر معاوية! لأنه مع حجر !فسكت النواصب وغلاة السلفية عن هذه الجريمة، وأزعجونا بسجن أحمد وابن تيمية!"

قلت: قد مرّ أثناء الحديث عن حجر بيان افتراء الكذاب المالكي الرافضي وأنه يعتمد على الشيعي أبي مخنف فيما يقوله، وهو كذاب مثله!

قال محمد بن جرير الطبري: قال هشام بن محمد: قال أبو مخنف: "تسمية الذين بعث بهم إلى معاوية: حجر بن عدي بن جبلة الكندي، والأرقم بن عبدالله الكندي من بني الأرقم، وشريك بن شداد الحضرمي ثم النتعي، وصيفي بن فسيل، وابن ضبيعة بن حرملة العبسي، وكريم بن عفيف الخثعمي من بني عامر بن شهران ثم من بني قحافة، وعاصم بن عوف البجلي، وورقاء بن سمي البجلي، وكدام بن حيان، وعبدالرحمن بن حسان العنزيان من بني هميم، ومحرز بن شهاب التميمي من بني منقر، وعبدالله بن حوية السعدي من بني تميم، فمضوا بهم حتى نزلوا مرج عذراء فحبسوا بها".

"وكان مُعَاوِيَةُ قدِ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِيهِمْ حِينَ وَصَلُوا إِلَى مَرْجِ عَذْرَاءَ وَقِيلَ: إِنَّهُمْ حُبِسُوا بِهَا. فَمِنْ مُشِيرٍ بِقَتْلِهِمْ، وَمِنْ مُشِيرٍ بِتَفْرِيقِهِمْ فِي الْبِلَادِ، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ كِتَابًا آخَرَ فِي أَمْرِهِمْ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِقَتْلِهِمْ إِنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي مُلْكِ الْعِرَاقِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِقَتْلِهِمْ، فَاسْتَوْهَبَ مِنْهُ الْأُمَرَاءُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، حَتَّى اسْتَوْهَبُوا مِنْهُ سِتَّةً، وَقَتَلَ مِنْهُمْ سِتَّةً، أَوَّلُهُمْ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ وَرَجَعَ آخَرُ، فَعَفَا عَنْهُ مُعَاوِيَةُ، وَبَعَثَ بِآخَرَ نَالَ مِنْ عُثْمَانَ وَزَعَمَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَارَ فِي الْحُكْمِ، وَمَدَحَ عَلِيًّا، فَبَعَثَ بِهِ مُعَاوِيَةُ إِلَى زِيَادٍ، وَقَالَ لَهُ: لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ فِيهِمْ أَرْدَى مِنْ هَذَا. فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى زِيَادٍ دَفَنَهُ فِي قُسِّ النَّاطِفِ حَيًّا، وَهُوَ عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ حَسَّانَ الْعَنَزِيُّ. فَلَمَّا قُتِلُوا صُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَدُفِنُوا".

قلت: معاوية أرسلهم إلى زياد، ولم يأمره بأن يدفن عبدالرحمن حيّاً كما افترى المالكي الكذاب! على أن الذي نقل هذا هو "أبو مخنف" وهو كذاب!

وقد تحرّفت نسبة عبدالرحمن على المالكي وذلك لجهله! فهو: "عبدالرحمن بن حسان العنزي" لا "البكري".

15- ثم قال الكذّاب المالكي: "وقبيصة بن ضبيعة العبسي ... قتله معاوية لأنه أنكر سب الإمام عليا على المنابر! هذه حدودهم!.

16- وشريك بن شداد الحضرمي ... قتله معاوية لإنكاره سب الإمام علي، هذه هي حدودهم التي يزعمون أنها شرعية! وأن الله يأمر بقتل الذين يأمرون بالقسط.

17- وكدام بن حيان العنزي... قتله معاوية لإنكاره سب الإمام علي! هذه هي حدودهم!  وفعل معاوية حجة!! فهو صحابي عندهم وخال المؤمنين! فليفعل ما يشاء في شرع الله ودينه وحدوده!

18- ومحرز بن يحيى التميمي... قتله معاوية لإنكاره سب الإمام علي وامتناعه من البراءة منه!! هذا هو حماس بني أمية لتطبيق الحدود الشرعية! جزاهم الله!"

قلت: هؤلاء الأربعة ممن ذكرهم "أبو مخنف" فيمن أرسلهم معاوية من أصحاب حجر لزياد لقتلهم، وبينت سبب ذلك فيما مضى.

وأما أن قتلهم كان بسبب إنكارهم سبّ عليّ فهذه أيضاً من فرية أبي مخنف كما سبق.

قال أبو مِخْنف: "فقالَ لَهُمْ رسول مُعَاوِيَة: إنا قَدْ أمرنا أن نعرض عَلَيْكُمُ البراءة من علي واللعن لَهُ، فإن فعلتم تركناكم، وإن أبيتم قتلناكم، وإن أَمِير الْمُؤْمِنِينَ يزعم أن دماءكم قَدْ حلت لَهُ بشهادة أهل مصركم عَلَيْكُمْ، غير أنه قَدْ عفا عن ذَلِكَ، فابرءوا من هَذَا الرجل نخل سبيلكم قَالُوا: اللَّهُمَّ إنا لسنا فاعلي ذَلِكَ فأمر بقبورهم فحفرت، وأدنيت أكفانهم، وقاموا الليل كله يصلون، فلما أصبحوا قَالَ أَصْحَاب مُعَاوِيَة: يَا هَؤُلاءِ، لقد رأيناكم البارحة قَدْ أطلتم الصَّلاة، وأحسنتم الدعاء، فأخبرونا مَا قولكم فِي عُثْمَان؟ قَالُوا: هُوَ أول من جار فِي الحكم، وعمل بغير الحق، فَقَالَ أَصْحَاب مُعَاوِيَة: أَمِير الْمُؤْمِنِينَ كَانَ أعلم بكم، ثُمَّ قاموا إِلَيْهِم فَقَالُوا: تبرءون من هَذَا الرجل! قَالُوا: بل نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ مِنْهُ، فأخذ كل رجل مِنْهُمْ رجلا ليقتله، ووقع قبيصة بن ضبيعة فِي يدي أبي شريف البدي، فَقَالَ لَهُ قبيصة: ان الشربين قومي وقومك أمن، فليقتلني سواك، فَقَالَ لَهُ: برتك رحم! فأخذ الحضرمي فقتله، وقتل القضاعي قبيصة بن ضبيعة...".

فهذه هي مصادر المالكي الكذاب!! من رجل كذّاب مثله!

19- ثم قال الكذّاب المالكي: "ونصر بن علي الجهضمي... ضربه المتوكل العباسي - صديق الحنابلة - ألفي سوط! لأنه روى حديثا في فضل أهل البيت صحيح الإسناد! في أي شريعة هذه العقوبة؟

وهل تم جلد أحمد بن حنبل مثلها؟؟ لماذا يسكتون عن ألفي سوط... ويندبون لثلاثين سوطاً؟؟ مع أن الجميع ننكره.. لكن ظلم صديقهم المتوكل أبلغ من ظلم خصمهم المأمون!".

قلت: أيها الكذّاب الأشر! المتوكل أمر بضربه لكنه لم يفعل. وسأسوق لك القصة بإسنادها وقول راويها أنه لم يفعل، ورأي الخطيب فيها.

روى الخطيب البغدادي في «تاريخ بغداد» (13/289) قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالمَلِكِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ عبدالله الواعظ، قال: حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن الصّوّاف، قال: حدّثنا عبدالله بن أحمد، قال: حَدَّثَنِي نَصْرُ بنُ عَلِيٍّ قالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بنُ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّد بنِ عَلِيِّ بنِ حسين بن علي، قال: حَدَّثَنِي أَخِي مُوسَى بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيّ بنِ حُسَيْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ حَسَنٍ وَحُسَيْنٍ فقَالَ: «مَنْ أَحَبَّنِي وَأَحَبَّ هذَيْنِ وَأَبَاهُمَا وَأُمَّهُمَا كَانَ مَعِي فِي دَرَجَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

قَالَ أَبُو عَبْدالرَّحْمَن عبدالله - هو ابن الإمام أحمد-: "لما حدث بهذا الحديث نصر بن علي أمر المتوكل يضربه ألف سوط، وكلمه جعفر بن عبدالواحد وجعل يقول له: هذا الرجل من أهل السنة، ولم يزل به حتى تركه، وكان له أرزاق فوفرها عليه موسى".

قال الخطيب: "قلت: إنما أمر المتوكل بضربه؛ لأنه ظنه رافضياً، فلما علم أنه من أهل السنة تركه".

قلت: فأين أنه ضربه أيها الكذاب؟!! نعم، هو أمر بذلك، لكنه تركه.. ولمَ لمْ تأت بكلام الخطيب لم أمر المتوكل بضربه؟!

وها هو يدخل على المتوكل الذي أمر بضربه مما يدلّ على أنه لم يُضرَب.

روى الخطيب أيضاً في ترجمته من طريق إبراهيم بن عبدالله الزبيبيّ قال: سمعت نصر بن عليّ يقول: "دخلت على المتوكل فإذا هو يمدح الرفق فأكثر، فقلت: يا أمير المؤمنين أنشدني الأصمعي:

لم أر مثل الرفق في لينه // أخرج للعذراء من خدرها

من يستعن بالرفق في أمره // يستخرج الحية من جحرها

فقال: يا غلام الدواة والقرطاس، فكتبهما".

وأما قولك أيها الرفضي الكذاب أن الحديث صحيح الإسناد! فمن أنت حتى تحكم على الأحاديث؟!!

الحديث رواه الترمذي، ثم ضعفه، فقال: "حديث غريب! لا نعرفه من حديث جعفر إلا من هذا الوجه".

وأورده الذهبي في ترجمة «علي بن جعفر بن محمد الصادق» من «ميزان الاعتدال» (5/144) ثم قال: "ما هو من شرط كتابي لأني ما رأيت أحداً ليّنه، نعم ولا من وثقه، ولكن حديثه منكر جداً، ما صححه الترمذي ولا حسنه".

 وقال في «سير أعلام النبلاء» (12/135) بعد أن ذكره: "قلت: هذا حديث منكر جداً"، ثم نقل كلام عبدالله بن أحمد وكلام الخطيب، ثم قال: "قلت: والمتوكل سُنّي، لكن فيه نصب، وما في رواة الخبر إلا ثقة ما خلا علي بن جعفر، فلعله لم يضبط لفظ الحديث، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم من حبّه وبث فضيلة الحسنين ليجعل كل من أحبهما في درجته في الجنة، فلعله قال: فهو معي في الجنة، وقد تواتر قوله عليه السلام: المرء مع من أحب، ونصر بن علي فمن أئمة السنة الأثبات".

20- ثم قال الكذّاب المالكي: "النسائي صاحب السنن، ضربه النواصب الشاميون حتى مات! لأنه لم يوافق على رواية حديث في فضل معاوية؟! هل محنته أكثر أم محنة أحمد بن حنبل؟"

قلت: كان - رحمه الله - فيه تشيّع. ولم يثبت أنه مات بسبب ضربه!

قال الحاكم أَبُو عَبْداللَّهِ الحَافِظ: سمعت علي بن عُمَر الدارقطني يَقُول: "كَانَ أَبُو عَبْدالرَّحْمَنِ النَّسَائي أفقه مشايخ مصر فِي عصره، وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار، وأعلمهم بالرجال، فلما بلغ هذا المبلغ حسدوه فخرج إِلَى الرملة، فسئل عَنْ فضائل معاوية، فأمسك عَنْهُ، فضربوه فِي الجامع. فَقَالَ: أخرجوني إِلَى مكة، فأخرجوه إِلَى مكة وهو عليل، وتوفي بِهَا مقتولاً شهيداً".

قال الحاكم أَبُو عَبْداللَّهِ: "ومع ما جمع أَبُو عَبْدالرَّحْمَنِ من الفضائل رزق الشهادة فِي آخر عُمَره، فحدثني مُحَمَّد بن إسحاق الأصبهاني، قال: سمعت مشايخنا بمصر يذكرون أن أَبَا عَبْدالرَّحْمَنِ فارق مصر فِي آخر عُمَره، وخرج إِلَى دمشق، فسئل بِهَا عَنْ معاوية بن أَبي سفيان وما روي من فضائله، فَقَالَ: ألا يرضى معاوية رأساً برأس حَتَّى يفضل؟! فما زالوا يدفعون فِي خصييه حَتَّى أخرج من المسجد، ثم حمل إِلَى مكة ومات بِهَا سنة ثلاث وثلاث مئة، وهو مدفون بمكة".

وقال علي بن محمد المادرائي: وحدثني أهل بيت المقدس قالوا: "قرأ علينا أبو عبدالرحمن النسائي كتاب الخصائص، فقلنا له: أين فضائل معاوية؟ فقال: وما يرضى معاوية أن يسكت عنه، قال: فرجمناه وضغطناه، وجعلنا نضرب جنبه، فمات بعد ثلاث".

وقيل: هو مدفون بين الصفا والمروة، وكانت وفاته في شعبان سنة ثلاث وثلاث مائة.

قال الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (14/133): قال أبو سعيد بن يونس في (تاريخه): "كان أبو عبدالرحمن النسائي إماماً حافظاً ثبتاً، خرج من مصر في شهر ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاث مائة، وتوفي بفلسطين في يوم الاثنين لثلاث عشرة خلت من صفر، سنة ثلاث".

قال الذهبي: "قلت: هذا أصح، فإن ابن يونس حافظ يقظ، وقد أخذ عن النسائي، وهو به عارف".

قلت: يقصد الذهبي أن من قال أنه مات بمكة وغيرها فلا يصح، والصواب أنه توفي في الرملة بفلسطين.

والظاهر من مجموع ما رُوي أنه ضُرب بسبب كلامه لما سئل عن فضائل معاوية، ولكن لم يثبت أنه مات بسبب ذلك، والله أعلم.

قال الذهبي: "فيه قليل تشيّع وانحراف عن خصوم الإمام علي، كمعاوية وعمرو، والله يسامحه".

21- ثم قال الكذّاب المالكي: "الحاكم صاحب المستدرك ... ضربه غلاة السلفية حتى يضع حديثا في فضل معاوية! فأبى وأصرّ! في أي شريعة نجد هذا الحد؟!"

قلت: أيها الكذّاب الرافضي سأنقل أولاً ما اعتمدته ثم أُبيّن كذبك.

قال محمد بن طاهر (ت507هـ) - وهو يتكلّم عن الحاكم-: "كان شديد التعصب للشيعة في الباطن، وكان يظهر التسنن في التقديم والخلافة، وكان منحرفاً غالياً عن معاوية - رضي الله عنه - وعن أهل بيته، يتظاهر بذلك ولا يعتذر منه، فسمعت أبا الفتح سمكويه بهراة، يقول: سمعت عبدالواحد المليحي، قال: سمعت أبا عبدالرحمن السلمي يقول: دخلت على الحاكم وهو في داره، لا يمكنه الخروج إلى المسجد من أصحاب أبي عبدالله بن كرَّام، وذلك أنهم كسروا منبره، ومنعوه من الخروج.

فقلت له: لو خرجت وأمليت في فضائل هذا الرجل حديثاً، لاسترحت من المحنة. فقال: لا يجيء من قلبي، لا يجيء من قلبي".

قلت: أين أنهم ضربوه؟!! وإنما منعه أصحاب ابن كرّام من الخروج من منزله وكسروا منبره، وهذا يبيّن كذبتك الثانية للرافضي المالكي بقوله: "غلاة السلفية"!! فهل ابن كرّام وأصحابه من السلفية؟! إنهم فرقة ضالّة.

قال الذهبي: "محمد بن كرام السجستاني المبتدع، شيخ الكرامية... خذل حتى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أوهاها، ثم جالس الجويباري، وابن تميم، ولعلهما قد وضعا مائة ألف حديث، وأخذ التقشف عن أحمد بن حرب.

قلت: كان يقول: الإيمان هو نطق اللسان بالتوحيد، مجرد عن عقد قلب، وعمل جوارح. وقال خلق من الأتباع له: بأن الباري جسم لا كالأجسام، وأن النبي تجوز منه الكبائر سوى الكذب. وقد سجن ابن كرام، ثم نفي... وكانت الكرامية كثيرين بخراسان. ولهم تصانيف، ثم قلوا، وتلاشوا - نعوذ بالله من الأهواء –".

وقد كذبت أيها الرافضي كذبة ثالثة وهي أنهم طلبوا منه أن "يضع حديثاً في فضل معاوية"! يعني طلبوا منه أن يكذب!! وهذا كذب! وإنما طلبوا منه أن يروي حديثاً في فضل معاوية، وفرق بين الرواية للحديث موجوداً وبين أن يخترع ويضع حديثاً ليس موجوداً!

قال ابن تيمية في «منهاج السنة النبوية» (7/373): "وقد طُلِبَ مِنْهُ أَنْ يَرْوِيَ حَدِيثًا فِي فَضْلِ مُعَاوِيَةَ، فقالَ: مَا يَجِيءُ مِنْ قَلْبِي مَا يَجِيءُ مِنْ قَلْبِي، وَقَدْ ضَرَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَفْعَلْ".

قلت: لم يتبيّن من قصته أنهم ضربوه كما بينت سابقاً، وكأن ابن تيمية فهم من منعه من الخروج وكسر منبره أنهم ضربوه، ولا يصح.

22- ثم قال الكذّاب المالكي: "أبو محمد زياد مولى همدان... عرض عليه الأمويون البراءة من علي فأبى، فقتلوه توسيطا! أي قطعوه من الوسط نصفين سنة 109 هجرية! في أي شريعة هذا؟!"

أقول كما قال الشاعر:

لكلّ داءٍ دواءٌ يُستطَبُّ بهِ // إلّا الحماقةَ أعيتْ مَن يداويهَا

زياد هذا كان من الدعاة لبني العباس وكان يفضّلهم على بني فاطمة وعليّ! فكيف عرض عليه الأمويون البراءة من عليّ؟!!

سأورد ما ذكره الطبري كاملاً، ثم أبيّن جهل المالكي وحماقته!

قال الطبري في «تاريخه» (7/49) في (ذكر الحوادث التي كانت في سنة تسع ومائة): "ذكر الخبر عن دعاة بني العباس"، ثم قال: "وذكر عليّ بن محمد – وهو: المدائني الأخباري المشهور-: أنّ أول من قدم خراسان من دعاة بني العباس زياد أبو محمد مولى همدان في ولاية أسد بن عبدالله الأولى، بعثه محمد بن علي بن عبدالله بْن العباس، وقال له: ادع الناس إلينا وانزل في اليمن، والطف بمضر، ونهاه عن رجل من أبرشهر، يقال له غالب، لأنه كان مفرطاً في حبّ بني فاطمة.

ويُقال: أول من جاء أهل خراسان بكتاب محمد بن علي: حرب بن عثمان، مولى بني قيس بن ثعلبة من أهل بلخ.

قالَ: فلما قدم زياد أبو محمد، ودعا إلى بني العباس، وذكر سيرة بني مروان وظلمهم، وجعل يطعم الناس الطعام، فقدم عليه غالب من أبرشهر، فكانت بينهم منازعة، غالب يفضل آل أبي طالب وزياد يفضّل بني العباس.

ففارقه غالب، وأقام زياد بمرو شتوة، وكان يختلف إليه من أهل مرو يحيى بن عقيل الخزاعي وإبراهيم بن الخطاب العدوي.

قالَ: وكان ينزل برزن سويد الكاتب في دور آل الرقاد، وكان على خراج مرو الحسن بن شيخ، فبلغه أمره، فأخبر به أسد بن عبدالله، فدعا به - وكان معه رجل يكنى أبا موسى- فلما نظر أليه أسد، قالَ له: أعرفك؟ قالَ: نعم، قالَ له أسد: رأيتك في حانوت بدمشق، قَالَ: نعم، قالَ لزياد: فما هذا الذي بلغني عنك؟ قالَ: رفع إليك الباطل، إنما قدمت خراسان في تجارة، وقد فرقت مالي على الناس، فإذا صار إليّ خرجت.

قالَ له أسد: اخرج عن بلادي، فانصرف، فعاد إلى أمره، فعاود الحسن أسداً، وعظم عليه أمره، فأرسل إليه، فلما نظر إليه، قالَ: ألم أنهك عن المقام بخراسان! قالَ: ليس عليك أيها الأمير مني بأس، فاحفظه وأمر بقتلهم، فقال له أبو موسى: فاقض ما أنت قاض فازداد غضباً، وقال له: أنزلتني منزلة فرعون! فقال له: ما أنزلتك ولكن الله أنزلك. فقتلوا، وكانوا عشرة من أهل بيت الكوفة، فلم ينج منهم يومئذ إلا غلامان استصغرهما، وأمر بالباقين فقتلوا بكشانشاه.

وقال قوم: أمر أسد بزياد أن يخط وسطه، فمد بين اثنين، فضرب فنبا السيف عنه، فكبر أهل السوق، فقال أسد: ما هذا؟ فقيل له، لم يحك السيف فيه فأعطى أبا يعقوب سيفا، فخرج في سراويل والناس قد اجتمعوا عليه، فضربه، فنبا السيف، فضربه ضربة أخرى، فقطعه باثنتين.

وقال آخرون: عرض عليهم البراءة، فمن تبرأ منهم مما رفع عليه خلى سبيله، فأبى البراءة ثمانية منهم، وتبرأ اثنان" انتهى.

قلت: فأين أن الأمويين عرضوا عليه أن يتبرأ من عليّ فأبى فقتلوه؟!! فالمالكي الرافضي إما كذاب أو أحمق! فالبراءة التي عُرضت عليه ومن معه من الدعوة إلى بني العباس، ولا ذكر لعليّ - رضي الله عنه - هنا أبداً.

23- ثم قال الكذّاب المالكي: "صالح عبد القدوس ... زاهد شاعر، اشتبهوا في بيتين قالهما، فقتله المهدي العباسي بدعوى الزندقة. قدّه نصفين من وسطه! أين هذا في شرع الله؟!"

قلت: الزندقة ثبتت عليه كما نقلها الأئمة وقُتل على ذلك، وقيل إنه اتهم ببيتين قالهما تعريضاً بالنبي صلى الله عليه وسلم!!

قال أبو عبدالله محمد بن عمران بن موسى المرزباني: "صالح بن عبدالقدوس الأزدي مولى لهم يكنى أبا الفضل، وكان حكيم الشعر، زنديقاً متكلماً، يُقدّمه أصحابه في الجدال عن مذهبهم، فقتله المهدي على الزندقة شيخاً كبيراً، وهو القائل:

مَا يَبْلُغُ الأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ // مَا يَبْلُغُ الجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ

وَالشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهُ // حَتَّى يُوَارَى فِي ثَرَى رَمْسِهِ" [تاريخ دمشق: 23/345].

وقال الذهبي: "صالح بن عبدالقدوس أبو الفضل الأزدي صاحب الفلسفة والزندقة".

وقال الخطيب البغدادي في «تاريخه» (9/303): "صالح بن عبدالقدوس أبو الفضل البصري مولى الأزد أحد الشعراء، اتهمه المهدي أمير المؤمنين بالزندقة، فأمر بحمله إليه، وأحضره بين يديه، فلما خاطبه أعجب بغزارة أدبه وعلمه وبراعته وحسن بيانه وكثرة حكمته، فأمر بتخلية سبيله، فلما ولى ردّه، وقال: ألست القائل:

والشيخ لا يترك أخلاقه // حتى يوارى في رمسه 

إذا ارعوى عاد إلى جهله // كذي الضنى عاد إلى نكسه!

قال: بلى يا أمير المؤمنين، قال: فأنت لا تترك أخلاقك ونحن نحكم فيك بحكمك في نفسك، ثم أمر به فقتل وصلب على الجسر.

ويُقال: إن المهدي أبلغ عنه أبيات يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم فأحضره المهدي، وقال: أنت القائل هذه الأبيات؟ قال: لا، والله يا أمير المؤمنين، والله ما أشركت بالله طرفة عين فاتق الله تعالى ولا تسفك دمي على الشبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ادرءوا الحدود بالشبهات)، وجعل يتلو عليه القرآن حتى رقّ له وأمر بتخليته، فلما ولي قال: أنشدني قصيدتك السينية، فأنشده حتى بلغ البيت الذي أوله: والشيخ لا يترك أخلاقه.. فأمر به حينئذ فقتل.

ويُقال: إنه كان مشهوراً بالزندقة، وله مع أبي الهذيل العلاف مناظرات وشعره كله أمثال وحكم وآداب" انتهى.

وروى ابن عساكر في «تاريخه» (23/347) من طريق أبي الفضل أحمد بن طاهر البغدادي، قال: حدثني قُرَيْش الخُتَّلِيّ: "أنّ المهديّ دَعَانِي يَوْمًا فَذَكَرَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْمَسِيرِ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى الشَّامِ، وَكَتَبَ لَهُ عَهْدًا أَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ بَلَدٍ يَدْخُلُهُ، حَتَّى يَخْرُجَ مِنْهُ، وَأَمَرَهُ إِذَا دَخَلَ دِمَشْقَ أَنْ يَأْتِيَ إلى حانوت عطّار أو حانوت قَطَّانٍ، فَيَلْقَى رَجُلا يُكْثِرُ الْجُلُوسَ هُنَاكَ، وَهُوَ شَيْخٌ فَاضِلٌ نَاصِلُ الْخِضَابِ. يُقَالُ لَهُ صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ، فَسَارَ وَفَعَلَ وَدَخَلَ الْحَانُوتَ، فَإِذَا بِصَالِحٍ فِيهِ، فَأَخَذَهُ وَقَيَّدَهُ، فَحَمَلَهُ عَلَى الْبَرِيدِ إِلَى الْعِرَاقِ. فَقَالَ الْمَهْدِيُّ: أَنْتَ فُلانٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَنَا صَالِحٌ. قَالَ: فَزِنْدِيقٌ؟

قَالَ: لا، وَلَكِنْ شَاعِرٌ أَفْسُقُ فِي شِعْرِي، قَالَ: اقْرَأْهُ، فَالتَّقْوَى سَكِينَةٌ، قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ كِتَابَ الزَّنْدَقَةِ فَقَالَ: أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَبْقِنِي، وَأَنْشَدَهُ لِنَفْسِهِ:

مَا يَبْلُغُ الأَعْدَاءُ مِنْ جَاهِلٍ // مَا يَبْلُغُ الْجَاهِلُ مِنْ نَفْسِهِ

وَالشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهُ // حَتَّى يُوَارَى فِي ثَرَى رَمْسِهِ

فَقَالَ المَهْدِيُّ: يَا قُرَيْشُ، امْضِ بِهِ إِلَى الْمُطْبَقِ، قَالَ: فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا قَرُبْتُ مِنَ الْخُرُوجِ أَمَرَنِي فَرَدَدْتُهُ، فَقَالَ لَهُ: أَلَسْتَ الْقَائِلَ:

وَالشَّيْخُ لا يَتْرُكُ أَخْلاقَهُ؟

قالَ: بَلَى، قَالَ: لا تَدَعُ أَخَلاقَكَ حَتَّى تَمُوتَ، خُذُوهُ. فَضَرَبُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ، ثُمَّ وَثَبَ الْمَهْدِيُّ فَضَرَبَهُ نِصْفَيْنِ".

قلت: فهذه الرواية فيها أنه اعترف بالزندقة.

وقالَ خَلَفُ بنُ المُثَنَّى: "كانَ يَجْتَمِعُ بِالبَصْرَةِ عَشَرَةٌ فِي مَجْلِسٍ لا يُعْرَفُ مِثْلُهُمْ فِي تَضَادِّ أَدْيَانِهِمْ وَنِحَلِهِمْ: الخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ: سُنِّيٌّ، وَالسَّيِّدُ بنُ مُحَمَّدٍ الحِمْيَرِيُّ: رَافِضِيٌّ، وصَالِحُ بنُ عَبْدِالْقُدُّوسِ: ثَنَوِيٌّ، وسُفْيَانُ بنُ مُجَاشِعٍ: صُفْرِيٌّ، وبَشَّارُ بنُ بُرْدٍ: خَلِيعٌ مَاجِنٌ، وحَمَّادٌ عَجْرَدٍ زِنْدِيقٌ، وابنُ رَأْسِ الجَالُوتِ: يَهُودِيٌّ، وابنُ نَطِيرَا: مُتَكَلِّمُ النَّصَارَى، وعمرو ابن أُخْتِ الْمُؤَيِّدِ المَجُوسِيِّ، وَرَوْحُ بنُ سِنَانٍ الْحَرَّانِيُّ صَابِئِيٌّ، فَيَتَنَاشَدَ الجَمَاعَةُ أَشْعَارًا...".

24- ثم قال الكذّاب المالكي: "اللغوي المشهور: ابن السكيت... قتله المتوكل صديق الحنابلة قتلة شنيعة كان قد اخترعها أحد الحنابلة، وهي إخراج اللسان من القفا ثم قطعه! فمات!

والسبب: أن ابن السكيت رفض أن يفضل ابني المتوكل على الحسن والحسين، وكان المتوكل ناصبيا، ولذلك قالوا فيه: (ناصر السنّة)! لنصرته لأحمد فقط!

لماذا يسكت غلاة السلفية عن جرائم معاوية والمتوكل وخالد القسري والحجاج ويبالغون في ذم المأمون؟! مع أن جرائمهم فوق جريمته بكثير؟!

السبب واضح: هم يحبون المذهب ويعبدونه فقط، ولا شأن لهم بمن يقتل ظلما من المذاهب الأخرى، ولو كان صحابيا. يهمهم معاوية وأحمد وابن تيمية فقط!".

قلت: أهكذا تكون الأمانة العلمية أيها الكذاب؟!!

نعم، قد رُوي في كيفية موته هذا الذي ذكرت دون إسناد! ورُوي خلافه بإسناد صحيح، فتركت الصحيح وأخذت ما يوافق هواك لإشباع حقدك وكرهك لأهل السنة!!

روى محمد بن الحسن الزبيدي في كتابه «طبقات النحويين واللغويين» (ص:202) قال: حدثني أبو عليٍّ إسماعيل بن القاسم البغداديُّ، قال: حدثني أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري، عن أبيه، عن أحمد بن عُبيد، قال: «شاورني أبو يوسف يعقوبُ ابن السكيت في منادمة المتوكل، فنهيتُه، فحمل قولي على الحسد، وأجاب إلى ما دُعِي إليه من المنادمة، فبينما هو معه في بعض الأيام إذ مَرَّ ابنانِ للمتوكل، فقال له: يا يعقوب، مَن أحبُّ إليكَ: ابنايَ هذانِ، أمِ الحسنُ والحسينُ؟ فغضَّ مِن ابنيه، وذكر الحسنَ والحسينَ بما هما أهلُه، فأمر الأتراك فدِيسَ بطنُه، فحُمِل وَقيذًا، وعاش يومًا وبعضَ يومٍ».

قال عبدالله بن عبدالعزيز بن القاسم: "نهيتُ يعقوبَ بن السكيت حين شاورني فيما دعاه إليه المتوكل من مُنادمته، فلم يَقْبَلْ قولي، فلما عرضَ له ما عرضَ، قلتُ:

نهيتُك يا يعقوبُ عن قُرْبِ شادنٍ // إذا ما سَطَا أَرْبى على أم قَشْعَمِ

فذُقْ واحْسُ ما اسْتَحْسيتَه، لا أقول إذْ // عثرت: لعا! بل لليدين وللفم".

قال ابنُ النَّحَّاسِ: "كان أول الكلام مُزاحًا، وكان ابنُ السِّكِّيتِ يتشيَّع".

وقال لي أبو بكر - وقد سئل عن تاريخ أبي يوسف، وسِنِّهِ-: فقال لي: حدثنا أبو جعفر أحمد بن محمد بن نصر الضُّبَعِيُّ - وذكر أمر وفاته فقال: "كان سبب ذلك أنه حضر مجلس النِّدام للمتوكل، فدخل عليه ابناه المعتز والمؤيد، فقال له: يا يعقوب، أيُّما خير: الحسين والحسن، أم هذان؟ فقال له يعقوب: قَنْبرٌ خيرٌ منهما، في كلام جرى قد ذكره أبو جعفر الضُّبَعِيُّ نَدَّ عن حِفظي بعضُ ألفاظِه، فأمر به المتوكل فدِيس بطنُه، وحُمِل ميِّتًا في بساط، ووُجِّه إلى منزلِه، ووَجَّه المتوكلُ إلى ابنه بعشرة آلاف درهم، ولم يكن يعقوبُ بلغ ثمانين".

قلت: فهذا هو الصحيح مما رُوي في سبب موته، والمتوكل - وكان فيه نَصَبٌ بلا خلاف - لم يأمر بقتله، وإنما أمر خدمه بضربه، فمات بسبب ذلك، وهذا قتل ليس بالعمد، ولهذا دفع ديّته.

ونحن لا نرضى بما فعله المتوكل وما يفعله كثير من الملوك والرؤساء وظلم العباد، لكن أن نحرّف الحقيقة من أجل الطعن كما تفعل أيها الرافضي فلا. ولا نقف مع الظالم ضد المظلوم، وحبّنا للنصوص الشرعية لا للمذهب...

وما اعتمده الرافضي المالكي الكذاب أن بعض المؤرخين لما ذكروا ما حصل بينه وبين المتوكل، ذكروا رواية أخرى دون إسناد!

قالوا: وفي رواية أخرى: "إن المتوكل كان كثير التحامل على علي بن أبي طالب وابنيه حسن والحسين، رضوان الله عليهم، وكان ابن السكيت شديد المحبة لهم والميل إليهم، فقال تلك المقالة، فقال ابن السكيت: والله أن قنبر خادم علي رضي الله تعالى عنه، خير منك ومن ابنيك. فقال المتوكل: سلو لسانه من قفاه، ففعلوا به ذلك فمات، رحمه الله تعالى".

وقال ابن تغري بردي في كتابه «النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة» (2/285) بعد أن ذكرها: "قلت: وفي هذه الحكاية نظر من وجوه عديدة".

25- ثم قال الكذّاب المالكي: "وإبراهيم بن يزيد التيمي... أحد كبار التابعين، أرسل عليه الحجاج الكلاب وهو في السجن، فقطعوه! هذه هي حدودهم!".

قلت: هذا كذب محض!! ولم أجد مرجع الكذاب المالكي فيه!! ولم يذكره الأئمة العلماء، وإنما ذكروا أن الحجاج أمر بحبسه في واسط ومات في السجن سَنَةَ ثَلاثٍ أَو أَرْبَعٍ وتِسْعِينَ.

قال عَبْدُاللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بنِ حَنْبَلٍ: حَدَّثَنِي أَبِي، قالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قالَ: زَعَمَ لِي بَعْضُهُمْ قالَ: "كَتَبَ الحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ إِلَى عَامله أَن يَأْخُذ إِبرَاهِيمُ بنُ يَزِيدَ. قالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَنْ قَبِلْنَا إِبرَاهِيمَ بنَ يَزِيدَ التَّيْمِيَّ وَإِبرَاهِيمَ بْنَ يَزِيدَ النَّخَعِيَّ، فَأَيُّهُمَا آخُذُ؟ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيْهِ خُذْهُمَا جَمِيعًا. قَالَ هُشَيْمٌ: فَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فَإِنَّهُ لَمْ يُؤْخَذْ حَتَّى مَاتَ، وَأَمَّا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ فَأُخِذَ فَمَاتَ فِي السِّجْنِ".

26- ثم قال الكذّاب المالكي: "ويزيد بن مسهر الصيداوي ... ألقاه ابن زياد من فوق القصر لأنه امتنع عن سبّ الكذاب ابن الكذاب: (يعنون الحسين بن علي!!) هذه حدودهم! وهذا سكوتهم!".

قلت: هو: "قيس بن مسهر" وليس "يزيد بن مسهر"!

وهذا الذي ذكره المالكي الكذاب اعتمد فيه على الكذاب الشيعي أبي مِخنف!

روى الطبري في «تاريخه» (5/394) من طريق أبي مِخْنَف، قال: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ قيس: «أن الْحُسَيْن أقبل حَتَّى إذا بلغ الحاجر من بطن الرمة بعث قيس بن مسهر الصيداوي إِلَى أهل الْكُوفَة، وكتب مَعَهُ إِلَيْهِم:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من الحُسَيْن بن علي إِلَى إخوانه من الْمُؤْمِنِينَ والمسلمين، سلام عَلَيْكُمْ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لا إِلَهَ إلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ، فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فِيهِ بحسن رأيكم، واجتماع ملئكم عَلَى نصرنا، والطلب بحقنا، فسألت اللَّه أن يحسن لنا الصنع، وأن يثيبكم عَلَى ذَلِكَ أعظم الأجر، وَقَدْ شخصت إليكم مِنْ مَكَّةَ يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية،، فإذا قدم عليكم رسولي فاكمشوا امركم ووجدوا، فإني قادم عَلَيْكُمْ فِي أيامي هَذِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، والسلام عَلَيْكُمْ ورحمة اللَّه وبركاته.

وكان مسلم ابن عقيل قَدْ كَانَ كتب إِلَى الْحُسَيْن قبل أن يقتل لسبع وعشرين ليلة: أَمَّا بَعْدُ، فإن الرائد لا يكذب أهله، إن جمع أهل الْكُوفَة معك، فأقبل حين تقرأ كتابي، والسلام عَلَيْك.

قَالَ: فأقبل الْحُسَيْن بالصبيان والنساء مَعَهُ لا يلوي عَلَى شَيْء، وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي إِلَى الكُوفَةِ بكتاب الحُسَيْن، حَتَّى إذا انتهى إِلَى القادسية أخذه الحصين بن تميم فبعث بِهِ إِلَى عُبَيْداللَّهِ بن زياد، فَقَالَ لَهُ عُبَيْداللَّهِ: اصعد إِلَى القصر فسب الكذاب ابن الكذاب، فصعد ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إن هَذَا الحُسَيْن بن علي خير خلق اللَّه، ابن فاطمة بنت رَسُول اللَّهِ، وأنا رسوله إليكم، وَقَدْ فارقته بالحاجر، فأجيبوه، ثُمَّ لعن عُبَيْد اللَّهِ بن زياد وأباه، واستغفر لعلي بن أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فامر به عبيدالله بن زياد أن يرمى بِهِ من فوق القصر، فرمي بِهِ، فتقطع فمات، ثُمَّ أقبل الحُسَيْن سيرا إِلَى الكُوفَةِ...».

قالَ أَبُو مِخْنَفٍ: عَنْ عُقْبَةَ بنِ أَبِي العَيْزَارِ قال: «... ثُمَّ قَالَ لَهُمُ الحُسَيْن: أخبروني خبر الناس وراءكم... قال: أخبروني فهل لكم برسولي إليكم؟ قالُوا: من هُوَ؟ قَالَ: قيس بن مسهر الصيداوي، فَقَالُوا: نعم، أخذه الحصين ابن تميم فبعث بِهِ إِلَى ابن زياد، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك، فصلى عَلَيْك وعلى أبيك، ولعن ابن زياد وأباه، ودعا إِلَى نصرتك، وأخبرهم بقدومك، فأمر بِهِ ابن زياد فألقي من طمار القصر، فترقرقت عينا حسين ولم يملك دمعه، ثم قال: {مِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}...».

قلت: فكيف نحتج برواية أبي مِخنف الكذاب؟! أم أنه الحقد الذي أعمى قلب هذا الرافضي المالكي!!

27- ثم قال الكذّاب المالكي: "وعبد الله بن يقطر... أخو الحسين من الرضاعة، ألقاه ابن زياد من أعلى القصر للسبب نفسه!

أين هذا مما جرى لأحمد وابن تيمية؟! ولماذا سكوتهم؟!

والمدهش أن عبد الملك بن عمير (الراوي السلفي المشهور) -  وكان مع ابن زياد -  قام بذبح عبد الله بن يقطر بعد أن وصل إلى الأرض، زاعما أنه يريحه! والأغرب أن الذابح عبد الملك بن عمير له عشرات الأحاديث! بينما المذبوح المظلوم لم يرووا له حديثا واحدا! هنا أثر السلطة على الحديث! أصبح الحديث من حقوق الذين ركنوا إلى الظالمين في الجملة. وأما الأحرار الصادقون فضعفاء!".

قلت: أيها الكذاب الجاهل! معقول أنه فعل بابن يقطر كما فعل بابن مسهر - لو صح ذلك -!! ألقاهما من أعلى القصر!!

لو كنت تبحث عن الحق لما دلّست وكذبت!! ولعرفت أن ذكر "عبدالله بن يقطر" جاء في القصة ذاتها عن "قيس بن مسهر"، فقيل: إن الذي ألقاه ابن زياد من أعلى القصر هو "ابن يقطر" لا "قيس بن مسهر".

لكن لجهلك وحقدك وكذبك جعلت لكلّ واحد منهما القصة نفسها! مع أننا ذكرنا لك أنها من رواية أبي مِخنف الكذاب! بل زدت الطين بلة بجزمك أن عبدالملك بن عمير قام بذبحه لما وجد فيه رمقا!! فلعنة الله على الكاذبين.

روى الطبري في «تاريخه» (5/398) قال: قالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي أَبُو علي الأَنْصَارِيّ، عن بكر بن مصعب المزني، قالَ: «كانَ الْحُسَيْن لا يمر بأهل ماء إلا اتبعوه حتى إذا انتهى إِلَى زبالة سقط إِلَيْهِ مقتل أخيه من الرضاعة، مقتل عَبْداللَّهِ بن بقطر، وَكَانَ سرحه إِلَى مسلم بن عقيل من الطريق وَهُوَ لا يدري أنه قَدْ أصيب، فتلقاه خيل الحصين بن تميم بالقادسية، فسرح بِهِ إِلَى عُبَيْداللَّهِ بن زياد، فَقَالَ: اصعد فوق القصر فالعن الكذاب ابن الكذاب، ثُمَّ انزل حَتَّى أَرَى فيك رأيي! قَالَ: فصعد، فلما أشرف عَلَى الناس قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إني رسول الْحُسَيْن ابن فاطمة بنت رسول الله ص لتنصروه وتوازروه عَلَى ابن مرجانة ابن سمية الدعي فأمر بِهِ عُبَيْداللَّهِ فألقي من فوق القصر إِلَى الأرض، فكسرت عظامه، وبقي بِهِ رمق، فأتاه رجل يقال لَهُ عَبْدالمَلِكِ بن عمير اللخمي فذبحه، فلما عيب ذَلِكَ عَلَيْهِ قَالَ: إنما أردت أن أريحه».

قالَ هِشَام: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْر بن عَيَّاش عمّن أخبره، قالَ: «واللَّهِ مَا هُوَ عَبْدالمَلِكِ بن عمير الَّذِي قام إِلَيْهِ فذبحه، ولكنه قام إِلَيْهِ رجل جعد طوال يشبه عَبْدالْمَلِكِ بن عمير. قَالَ: فأتى ذَلِكَ الخبر حسينا وَهُوَ بزبالة، فأخرج لِلنَّاسِ كتابا، فقرأ عَلَيْهِم:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فإنه قَدْ أتانا خبر فظيع، قتل مسلم ابن عقيل وهانئ بن عروة وعبداللَّه بن بقطر، وَقَدْ خذلتنا شيعتنا، فمن أحب مِنْكُمُ الانصراف فلينصرف، ليس عَلَيْهِ منا ذمام.

قَالَ: فتفرق الناس عنه تفرقا...».

وقد ساق ابن كثير القصة في «تاريخه» (8/168) من طريق أبي مِخْنَفٍ: حَدَّثَنِي الحَارِثُ بنُ كَعْبٍ الوَالِبِيُّ، عَنْ عَلِيِّ بنِ الحُسَيْنِ بنِ عَلِيٍّ، وجمع بينهما، وفيها: "وأقبل قيس بن مسهر الصيداوي بكتاب الحسين إلى الكوفة، حَتَّى إِذَا انْتَهَى إِلَى الْقَادِسِيَّةِ أَخَذَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ فَبَعَثَ بِهِ إِلَى عُبَيْدِاللَّهِ بنِ زِيَادٍ فَقَالَ لَهُ ابْنُ زِيَادٍ: اصْعَدْ إلى أعلا القصر فسب الكذاب ابن الكذاب علي بن أبي طالب وابنه الحسين، فَصَعِدَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ هَذَا الحُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ خير خلق الله، وهو ابن فَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا رَسُولُهُ إِلَيْكُمْ، وَقَدْ فَارَقْتُهُ بالحاجر من بطن ذي الرمة، فأجيبوه واسمعوا له وأطيعوا. ثُمَّ لَعَنَ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَأَبَاهُ، وَاسْتَغْفَرَ لِعَلِيٍّ وَالْحُسَيْنِ. فَأَمَرَ بِهِ ابنُ زِيَادٍ فَأُلْقِيَ مِنْ رَأَسِ القَصْرِ فَتَقَطَّعَ.

وَيُقَالُ: بَلْ تَكَسَّرَتْ عِظَامُهُ وَبَقِيَ فِيهِ بَقِيَّةُ رَمَقٍ، فَقَامَ إليه عبدالملك بن عمير البجلي فَذَبَحَهُ، وَقَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ إِرَاحَتَهُ مِنَ الْأَلَمِ.

وَقِيلَ: إِنَّهُ رَجُلٌ يُشْبِهُ عَبْدَالمَلِكِ بنَ عُمَيْرٍ وليْسَ هو.

وفِي رِوَايَةٍ: أَنَّ الَّذِي قَدِمَ بِكِتَابِ الحُسَيْنِ إِنَّمَا هُوَ عَبْدُاللَّهِ بن يقطر أَخُو الحُسَيْنِ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَأُلْقِيَ مِنْ أَعْلَى القَصْرِ، واللَّهُ أَعْلَمُ".

وقال أبو مخنف في موضع آخر: "ومِمَّنْ قُتِلَ مَعَ الحسين بكربلاء أخوه من الرضاعة عبدالله بن يقطر، وقد قيل إنه قتل قبل ذلك حيث بَعَثَ مَعَهُ كِتَابًا إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ فَحُمِلَ إِلَى ابْنِ زِيَادٍ فَقَتَلَهُ".

قلت: وبهذا يتبيّن كذب هذا المالكي وتدليسه وجهله! وكلّ ما رُوي من طريق أبي مخنف، وهو كذاب.

وعبدالملك بن عُمير من أئمة السنة والحديث، وحاشاه من فعل ذلك.

28- ثم قال الكذّاب المالكي: "وعبد الله بن عفيف الأزدي ... التابعي العابد، أنكر عليهم سب علي وقتل الحسين بقوله: (تقتلون أبناء الأنبياء وتتكلمون بكلام الصديقين)! فصلبوه! وضاعت أحاديثه..."

قلت: قد رجعنا إلى ما كان يرويه الكذاب أبو مخنف!!

قال الطبري في «تاريخه» (5/458): قالَ أَبُو مخنف: حدثني سُلَيْمَان بن أبي راشد، عن حميد بن مسلم، قال: «لما دخل عُبَيْداللَّهِ القصر ودخل الناس، نودي: الصَّلاة جامعة! فاجتمع الناس فِي المسجد الأعظم، فصعد المِنْبَر ابن زياد، فقَالَ: الحمد لِلَّهِ الَّذِي أظهر الحق وأهله، ونصر أَمِير المُؤْمِنِينَ يَزِيد بن مُعَاوِيَة وحزبه، وقتل الكذاب ابن الكذاب، الحُسَيْن بن علي وشيعته، فلم يفرغ ابن زياد من مقالته حتَّى وثب إِلَيْهِ عَبْداللَّهِ بن عفيف الأَزْدِيّ ثُمَّ الغامدي، ثُمَّ أحد بني والبة - وَكَانَ من شيعة عليّ-، وكانت عينه اليسرى ذهبت يوم الجمل مع علي، فلما كَانَ يوم صفين ضرب عَلَى رأسه ضربة، وأخرى عَلَى حاجبه، فذهبت عينه الأخرى، فكان لا يكاد يفارق المسجد الأعظم يصلي فِيهِ إِلَى الليل ثُمَّ ينصرف- قَالَ: فلما سمع مقاله ابن زياد، قال: يا ابن مرجانة، إن الكذاب ابن الكذاب أنت وأبوك والذى ولاك وأبوه، يا ابن مرجانة، أتقتلون أبناء النبيين، وتكلمون بكلام الصديقين! فَقَالَ ابن زياد: عليّ بِهِ، قَالَ: فوثبت عَلَيْهِ الجلاوزة فأخذوه، قَالَ: فنادى بشعار الأزد: يَا مبرور- قَالَ: وعبدالرَّحْمَن بن مخنف الأَزْدِيّ جالس- فَقَالَ: ويح غيرك! أهلكت نفسك، وأهلكت قومك، قَالَ: وحاضر الْكُوفَة يَوْمَئِذٍ من الأزد سبعمائة مقاتل، قَالَ: فوثب إِلَيْهِ فتية من الأزد فانتزعوه فأتوا بِهِ أهله، فأرسل إِلَيْهِ من أتاه بِهِ، فقتله وأمر بصلبه فِي السبخة، فصلب هنالك...».

قلت: فهذه من رواية أبي مخنف الكذاب، ووالله لو صحّ أن عبيدالله بن زياد نعت أجدادي بالكذب لكنت أول من يسبّه! فاللهم العنه إن كان وصفهما بالكذب.

29- ثم قال الكذّاب المالكي: "ومحمد بن أبي بكر ... وضعه عمرو بن العاص في جوف حمار ميت وأحرقه! في أي سورة وجد عمرو بن العاص هذا الحد؟! والنواصب يصفقون! وتغلبهم البسمة!".

قلت: الكذاب الرافضي كعادته انتقى من الأقوال ما يوافق هواه!! فقد اختلف في كيفية مقتل محمد بن أبي بكر، وفي من قتله!

قال خليفة بن خياط في «تاريخه» (ص:192) في أحداث «سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ»: "مقتل مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر فِيهَا. ولّى عَلِيّ الأشتر مصر فَمَاتَ بالقلزم من قبل أَن يصل إِلَيْهَا، فولى عَلِيّ: مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر الصّديق، فَسَار إِلَيْهِ عَمْرو بن الْعَاصِ فَاقْتَتلُوا فَهزمَ مُحَمَّد بن أَبِي بَكْر، قَالَ: فَدخل خربة فِيهَا حمَار ميت فَدخل جَوْفه فَأحرق فِي جَوف الْحمار. وَيُقَال: قَتله مُعَاوِيَة بن حديج فِي المعركة. وَيُقَال: أُتِي بِهِ عَمْرو بن الْعَاصِ فَقتله صبراً".

قال خليفة: حَدَّثَنَا غنْدر قَالَ: حدثنَا شُعْبَة بن دِينَار قالَ: "أُتِي عَمْرو بن الْعَاصِ بِمُحَمد بن أَبِي بَكْر أَسِيرًا، فَقَالَ: هل مَعَك عهد؟ هل مَعَك عقد من أحد؟ قَالَ: فَأمر بِهِ فَقتل".

وقال الطبري في «تاريخه» (5/102): قَالَ أَبُو مخنف: حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن يُوسُفَ بن ثَابِت الأَنْصَارِيّ، عن شيخ من أهل الْمَدِينَة، قَالَ: «كتب مُحَمَّد بن أبي بكر إِلَى مُعَاوِيَةَ بن أَبِي سُفْيَانَ جواب كتابه:

أَمَّا بَعْدُ، فقد أتاني كتابك تذكرني من أمر عُثْمَان أمرا لا أعتذر إليك مِنْهُ، وتأمرني بالتنحي عنك كأنك لي ناصح...

وأقبل عَمْرو بن الْعَاصِ نحو مُحَمَّد بن أبي بكر، وَقَدْ تفرق عنه أَصْحَابه لما بلغهم قتل كنانة، حَتَّى بقي وما مَعَهُ أحد من أَصْحَابه فلما رَأَى ذَلِكَ مُحَمَّد خرج يمشي فِي الطريق حَتَّى انتهى إِلَى خربة فِي ناحية الطريق، فأوى إِلَيْهَا، وجاء عَمْرو بن الْعَاصِ حَتَّى دخل الفسطاط وخرج مُعَاوِيَة بن حديج في طلب مُحَمَّد حَتَّى انتهى إِلَى علوج فِي قارعة الطريق، فسألهم: هل مر بكم أحد تنكرونه؟ فَقَالَ أحدهم: لا واللَّهِ، إلا أني دخلت تِلَكَ الخربة، فإذا أنا برجل فِيهَا جالس، فَقَالَ ابن حديج: هُوَ هُوَ ورب الكعبة، فانطلقوا يركضون حَتَّى دخلوا عَلَيْهِ، فاستخرجوه وَقَدْ كاد يموت عطشاً، فأقبلوا بِهِ نحو فسطاط مصر، قالَ: ووثب أخوه عبدالرَّحْمَن بن أبي بَكْرٍ إِلَى عَمْرِو بنِ العَاصِ- وكَانَ فِي جنده - فقَالَ: أتقتل أخي صبراً! ابعث إِلَى مُعَاوِيَةَ بن حديج فانهه، فبعث إِلَيْهِ عَمْرو بن العَاصِ يأمره أن يأتيه بمُحَمَّد بن أبي بكر، فَقَالَ مُعَاوِيَة: أكذاك! قتلتم كنانة بن بشر وأخلي أنا عن مُحَمَّد بن أبي بكر! هيهات {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ}.

فقَالَ لَهُمْ مُحَمَّد: اسقوني من الماء، قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة بن حديج: لا سقاه اللَّه إن سقاك قطرة أبدا! إنكم منعتم عُثْمَان أن يشرب الماء حَتَّى قتلتموه صائماً محرماً، فتلقاه الله بالرحيق المختوم، والله لأقتلنك يا ابن أبي بكر فيسقيك اللَّه الحميم والغساق! قَالَ له محمد: يا ابن اليهودية النساجة، ليس ذَلِكَ إليك وإلى من ذكرت، إنما ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يسقى أولياءه، ويظمئ اعداءه، أنت وضرباؤك ومن تولاه، أما وَاللَّهِ لو كَانَ سيفي فِي يدي مَا بلغتم مني هذَا، قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: أتدري مَا أصنع بك؟ أدخلك فِي جوف حمار، ثُمَّ أحرقه عَلَيْك بالنار، فَقَالَ لَهُ مُحَمَّد: إن فعلتم بي ذَلِكَ، فطالما فعل ذَلِكَ بأولياء اللَّه! وإني لأرجو هذِهِ النار الَّتِي تحرقني بِهَا أن يجعلها اللَّه عليّ برداً وسلاماً كما جعلها عَلَى خليله إِبْرَاهِيم، وأن يجعلها عَلَيْك وعلى أوليائك كما جعلها عَلَى نمرود وأوليائه، إن اللَّه يحرقك ومن ذكرته قبل وإمامك - يعني مُعَاوِيَة، وهذا- وأشار إِلَى عَمْرو بن الْعَاصِ- بنار تلظى عَلَيْكُمْ، كلما خبت زادها اللَّه سعيرا قَالَ لَهُ مُعَاوِيَة: إني إنما أقتلك بعثمان، قَالَ لَهُ مُحَمَّد: وما أنت وعثمان! إن عُثْمَان عمل بالجور، ونبذ حكم القرآن، وَقَدْ قَالَ اللَّه تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ}، فنقمنا ذَلِكَ عَلَيْهِ فقتلناه، وحسنت أنت لَهُ ذَلِكَ ونظراؤك، فقد برأنا اللَّه إِنْ شَاءَ اللَّهُ من ذنبه، وأنت شريكه فِي إثمه وعظم ذنبه، وجاعلك عَلَى مثاله قَالَ: فغضب مُعَاوِيَة فقدمه فقتله، ثُمَّ ألقاه فِي جيفة حمار، ثُمَّ أحرقه بالنار، فلما بلغ ذَلِكَ عَائِشَة جزعت عَلَيْهِ جزعاً شديداً، وقنتت عَلَيْهِ فِي دبر الصَّلاة تدعو عَلَى مُعَاوِيَة وعمرو، ثُمَّ قبضت عيال مُحَمَّد إِلَيْهَا، فكان الْقَاسِم بن مُحَمَّدِ بنِ أبي بكر فِي عيالها».

قلت: هذا من رواية أبي مخنف الكذاب، وفي إسناده رجل مجهول! وقد خالف الواقدي - وهو متّهم في الحديث وروايته في الأخبار أحسن من أبي مخنف - في كيفية مقتله.

فإنه ذكر: أن سويد بن عَبْدِالعَزِيزِ حدّثه عن ثابت بن عجلان، عَنِ الْقَاسِمِ بنِ عبدالرَّحْمَن: "أن عَمْرو بن العَاصِ خرج فِي أربعة آلاف، فِيهِمْ مُعَاوِيَة بن حديج، وأبو الأعور السلمي، فالتقوا بالمسناة، فاقتتلوا قتالاً شديداً، حَتَّى قتل كنانة بن بشر بن عتاب التُّجِيبِيّ، ولم يجد مُحَمَّد بن أبي بكر مقاتلاً، فانهزم، فاختبأ عِنْدَ جبلة بن مسروق، فدلّ عَلَيْهِ مُعَاوِيَة بن حديج، فأحاط بِهِ، فخرج مُحَمَّد فقاتل حَتَّى قتل".

قالَ الوَاقِدِيُّ: "وكانت المسناة فِي صفر سنة ثمان وثلاثين".

قلت: وهذا أولى مما رواه أبي مخنف، ويؤيده ما رواه مسلم في «صحيحه» (3/1458) من حديث عبدالرحمن بن شِمَاسَةَ قال: «أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عن شَيْءٍ، فقالت: مِمَّنْ أنت؟ فقلت: رَجُلٌ من أَهْلِ مِصْرَ. فقالت: كَيْفَ كان صَاحِبُكُمْ لَكُمْ في غَزَاتِكُمْ هذه - تعني معاوية بن حديج-؟ فقال: ما نَقَمْنَا منه شيئاُ إن كان لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ البَعِيرَ والعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ وَيَحْتَاجُ إلى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ. فقالت أَمَا إنه لا يَمْنَعُنِي الذي فَعَلَ في مُحَمَّدِ بن أبي بَكْرٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ ما سمعت من رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول في بَيْتِي هذا: اللهم من وَلِيَ من أَمْرِ أُمَّتِي شيئا فَشَقَّ عليهم فَاشْقُقْ عليه، وَمَنْ وَلِيَ من أَمْرِ أُمَّتِي شيئا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ».

قلت: هذا يدلّ على أن الذي قتله هو معاوية بن حديج، ولم تذكر كيف قتله.

وكان مُحَمَّد بنَ أَبِي بَكْرٍ دخل على عثمان لما حوصِر في الدّار، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ، فقَالَ لَهُ: "قدْ أَخَذْتَ مِنَّا مَأْخَذًا، وَقَعَدْتَ مِنِّي مَقْعَدًا مَا كَانَ أَبُو بَكْرٍ لِيَقْعُدَهُ أَوْ لِيَأْخُذَهُ قَالَ: فَخَرَجَ وَتَرَكَهُ".

وقد نقم عليه ذلك كثير من أهل العلم.

روى ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (3/83) عن عمرو بن عاصم الكلابي، قال: أخبرنا أبو الأشهب، قال: أخبرنا الحسن البصري، قال: "لما أدركوا بالعقوبة - يعني قتلة عثمان بن عفان – قال: أخذ الفاسق ابن أبي بكر - قال أبو الأشهب: وكان الحسن لا يسميه باسمه، إنما كان يسميه الفاسق – قال: فأخذ فجعل في جوف حمار، ثم أحرق عليه".

وروى الطبراني في «المعجم الكبير» (1/84) من حديث قُرَّة بن خَالِدٍ، قال: سمعت الحَسَنَ يقول: "أُخِذَ الْفَاسِقُ محمد بن أبي بَكْرٍ في شِعْبٍ من شِعَابِ مِصْرَ فَأُدْخِلَ في جَوْفِ حِمَارٍ فَأُحْرِقَ".

قلت: هذه أسانيد صحيحة عن الحسن البصري، فيحتمل أنه لما فرّ من معاوية بن خديج اختبئ في جوف الحمار الميت فأحرق فيه، والله أعلم.

ولو صح ذلك لما وافقناه عليه...

30- ثم قال الكذّاب المالكي: "وابن المكعبر ... عابد قطعه زياد! لرأيه السياسي، وبارك النواصب ذلك!".

قلت: لم أعرف من هذا!!

31- ثم قال الكذّاب المالكي: "وفيروز ... عابد محب للإمام علي، عذبه الحجاج حتى مات! لماذا يسكتون؟! لأن بني أمية أحبابهم!".

قلت: فيروز هذا يُعرف بفيروز حصين، وقول المالكي الرافضي الكذاب يوحي بأنه عُذّب بسبب حبّه لعليّ، وليس في قصته أي ذكر لعليّ رضي الله عنه! وإنما أراد هذا الكذاب التدليس على الناس.

وقد روى قصته مع الحجاج الطبري من طريق أبي مِخنف الشيعي الكذاب، وليس فيه ذكر لحبّه علياً!

وكان فيروز خرج مع عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث. فلما كان يوم الراوية، نادى منادي الحجاج: «من جاء برأس فيروز فله عشرة آلاف». فنادى فيروز: «من جاءني برأس الحجاج فله مائة ألف». فأهمت الحجاج نفسه، ولم يأمن ثقاتة. ثم ظفر به الحجاج بعد لما أُسر، ثُمَّ أَمَرَ بِفَيْرُوزَ فَعُذِّبَ، وَكَانَ يَشُدُّ عَلَيْهِ الْقَصَبَ الْفَارِسِيَّ الْمَشْقُوقَ، يُجَرُّ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْرَحَ بِهِ، ثُمَّ يُنْضَحُ عَلَيْهِ الْخَلُّ، فَلَمَّا أَحَسَّ بِالْمَوْتِ قَالَ لِصَاحِبِ الْعَذَابِ: إِنَّ النَّاسَ لَا يَشُكُّونَ أَنْ قَدْ قُتِلْتُ، وَلِي وَدَائِعُ وَأَمْوَالٌ عِنْدَ النَّاسِ لَا تُؤَدَّى إِلَيْكُمْ أَبَدًا، فَأَظْهِرْنِي لِلنَّاسِ لِيَعْلَمُوا أَنِّي حَيٌّ فَيُؤَدُّوا الْمَالَ. فَأَعْلَمَ الْحَجَّاجَ، فقال: أَظْهِرْهُ. فَأُخْرِجَ إِلى بَابِ الْمَدِينَةِ، فصَاحَ فِي النَّاسِ: مَنْ عَرَفَنِي فَقَدْ عَرَفَنِي، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْنِي فَأَنَا فَيْرُوزُ حُصَيْنٍ، إِنَّ لِي عِنْدَ أَقْوَامٍ مَالًا، فَمَنْ كَانَ لِي عِنْدَهُ شَيْءٌ فَهُوَ لَهُ، وَهُوَ مِنْهُ فِي حِلٍّ، فَلَا يُؤَدِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ دِرْهَمًا، لِيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَأَمَرَ بِهِ الحَجَّاجُ فَقُتِلَ.

32- ثم قال الكذّاب المالكي: "وعبد الله بن الزبير ... صلبه الحجاج مع جثة كلب منكسا! وهو صحابي.. وعابد..".

قلت: لا نُنكر مقتل عبدالله بن الزبير رضي الله عنه على يد السفّاح الحجاج وصلبه، لكن صلبه مع جثة كلب!! فهذا كذب!

وكان رحمه الله عمره تسع سنوات لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان سمع منه بعض الأحاديث وهو صغير فحفظها، فهو يعدّ في صغار الصحابة، وكان عابداً صواماً قوّاماً.

وكان "قد بايع لمعاوية، وامتنع من مبايعة يزيد فتحوّل إلى مكة وعاذ بالحرم، فأرسل إليه يزيد سليمان أن يبايع له فأبى، ولقب نفسه عائذ الله، فلما كانت وقعة الحرة وفتك أهل الشام بأهل المدينة، ثم تحولوا إلى مكة فقاتلوا ابن الزبير واحترقت الكعبة أيام ذلك الحصار ففجعهم الخبر بموت يزيد بن معاوية، فتوادعوا ورجع أهل الشام، وبايع الناس عبدالله بن الزبير بالخلافة، وأرسل إلى أهل الأمصار يبايعهم إلا بعض أهل الشام، فسار مروان فغلب على بقية الشام، ثم على مصر، ثم مات، فقام عبدالملك بن مروان فغلب على العراق، وقتل مصعب بن الزبير، ثم جهز الحجاج إلى ابن الزبير فقاتله إلى أن قتل ابن الزبير في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين من الهجرة".

وكان الحجاج قد حاصر الكعبة أكثر من ستة أشهر وابن الزبير متحصن فيها، فضُرب في وجهه، فتمثّل ببيت الشعر:

ولَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ تَدْمَى كُلُومُنَا // وَلَكِنْ عَلَى أقدامنا تقطر الدما

"ثم سقط إلى الأرض فأسرعوا إليه فقتلوه رضي الله عنه، وجاؤوا إِلَى الحَجَّاجِ فَأَخْبَرُوهُ فَخَرَّ سَاجِدًا قَبَّحَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَامَ هُوَ وَطَارِقُ بْنُ عَمْرٍو حَتَّى وَقَفَا عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيعٌ...

ثُمَّ أَمَرَ الحَجَّاجُ بِجُثَّةِ ابنِ الزُّبَيْرِ فَصُلِبَتْ على ثنية الحَجُونِ، - يُقَالُ مُنَكَّسَةً -، فَمَا زَالَتْ مَصْلُوبَةً، حَتَّى مرَّ بِهِ عَبْدُاللَّهِ بنُ عُمَرَ فَقَالَ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ يَا أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنْتَ صَوَّامًا قَوَّامًا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا آنَ لِهَذَا الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ؟ فبعث الحجاج فأنزل عن الجذع وَدُفِنَ هُنَاكَ".

وقد روى الإمام مسلم في «صحيحه» (4/1971) قال: حدثنا عُقْبَةُ بن مُكْرَمٍ العَمِّيُّ، قال: حدثنا يَعْقُوبُ - يعني ابن إسحاق الحَضْرَمِيَّ - قال: أخبرنا الأَسْوَدُ بن شَيْبَانَ، عن أبي نَوْفَلٍ، قال: «رأيت عَبْدَاللَّهِ بن الزُّبَيْرِ على عَقَبَةِ المَدِينَةِ. قال: فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عليه وَالنَّاسُ حتى مَرَّ عليه عبداللَّهِ بن عُمَرَ فَوَقَفَ عليه، فقال: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ، أَمَا والله لقد كنت أَنْهَاكَ عن هذا، أَمَا والله لقد كنت أَنْهَاكَ عن هذا، أَمَا والله لقد كنت أَنْهَاكَ عن هذا، أَمَا والله إن كُنْتَ ما عَلِمْتُ صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ، أَمَا والله لَأُمَّةٌ أنت أَشَرُّها لَأُمَّةٌ خَيْرٌ، ثُمَّ نَفَذَ عبداللَّهِ بن عُمَرَ فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ مَوْقِفُ عبداللَّهِ وَقَوْلُهُ، فَأَرْسَلَ إليه فَأُنْزِلَ عن جِذْعِهِ فألقى في قُبُورِ الْيَهُودِ، ثُمَّ أَرْسَلَ إلى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أبي بَكْرٍ، فَأَبَتْ أَنْ تَأْتِيَهُ، فَأَعَادَ عليها الرَّسُولَ لَتَأْتِيَنِّي أو لَأَبْعَثَنَّ إِلَيْكِ من يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ. قال: فَأَبَتْ، وَقَالَتْ: والله لَا آتِيكَ حتى تَبْعَثَ إلي من يسحبنى بِقُرُونِي. قال: فقال: أَرُونِي سِبْتَيَّ، فَأَخَذَ نَعْلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ حتى دخل عليها، فقال: كَيْفَ رَأَيْتِنِي صَنَعْتُ بِعَدُوِّ اللَّهِ! قالت: رَأَيْتُكَ أَفْسَدْتَ عليه دُنْيَاهُ، وَأَفْسَدَ عَلَيْكَ آخِرَتَكَ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ له: يا ابن ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ، أنا والله ذَاتُ النِّطَاقَيْنِ: أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكُنْتُ أَرْفَعُ بِهِ طَعَامَ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وطَعَامَ أبي بَكْرٍ من الدَّوَابِّ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَنِطَاقُ الْمَرْأَةِ التي لَا تَسْتَغْنِي عنه، أَمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حدثنا أَنَّ في ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا، فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ، وَأَمَّا الْمُبِيرُ فلا أخالك إلا إِيَّاهُ. قال: فَقَامَ عنها ولم يُرَاجِعْهَا».

قلت: هذه الرواية تبيّن شذوذ ما نُقل في رواية رواها ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/472) بإسناد صحيح عن أَيُّوبَ، عَنِ ابن أبي مُلَيْكَةَ قال: «أَتَيْت أَسْمَاءَ بَعْدَ قَتْلِ عبداللهِ بن الزُّبَيْرِ، فقالت: بَلَغَنِي أنهم صَلَبُوا عَبْدَاللهِ مُنَكَّسًا وعَلَّقُوا معه هِرَّةً، وَاللهِ إنِّي لَوَدِدْت أَنِّي لا أَمُوت حتى يُدْفَعَ إلَيَّ فَأُغَسِّلَهُ وَأُحَنِّطَهُ وَأُكَفِّنَهُ ثُمَّ أَدْفِنَهُ، فما لَبِثُوا أَنْ جاء كِتَابُ عبدالمَلِكِ أَنْ يُدْفَعَ إلَى أَهْلِهِ فَأَتَيْت بِهِ أَسْمَاءَ فَغَسَّلَتْهُ وَحَنَّطَتْهُ وَكَفَّنَتْهُ ثُمَّ دَفَنَتْهُ».

فهذه الرواية فيها أنه صلب مُنكساً وعلقوا معه "هرة" لا "كلبا"! كما ادّعى المالكي الكذاب! على أن ما جاء من ذلك شاذ مخالف لما هو مشهور بخلاف ذلك، ولعل قول أسماء "بلغني" يبيّن عدم صحة ذلك، والله أعلم.

33- ثم قال الكذّاب المالكي: "وعبد الله بن المقفع ... الأديب المشهور، لموقف سياسي قطّعوه، وكانوا يلقون قطع لحمه في النار، وهو ينظر! ثم قالوا: قتلناه للزندقة! وصدقهم الحمقى!"

قلت: المالكي الكذاب كعادته يختار ما يدعم رأيه مما يجده في الكتب! ففي مقتل ابن المقفع روايات ما ذكره إحداها، فلم يختار هذه ويغض الطرف عن غيرها؟!!

وإن كان ابن المُقَفَّعِ يُتَّهَمُ بِالزَّنْدَقَةِ فليس هذا هو سبب مقتله.

وقد رُوي عنِ المَهْدِيِّ قالَ: "مَا وَجَدْتُ كِتَابَ زَنْدَقَةٍ إِلا وَأَصْلُهُ ابنُ المُقَفَّعِ".

وقصة مقتله ذكرها ابن الجوزي في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (8/56).

روى أَبُو بكر الصولي: أن الربيع الحاجب قالَ: «لما قرأ المنصور الأمان الَذِي كتبه ابن المقفع قالَ: من كتب هذَا؟ فقيل: رجل يقال لَهُ عَبْداللَّه بن المقفع، يكتب لعمّيك سليمان وعيسى ابْني علي بالبصرة، فكتب إِلَى عامله بالبصرة: لا يفلتنك ابن المقفع حَتَّى تقتله. فاستأذن يوماً عليه مَعَ وجوه أَهْل البصرة، فأخر سفيان إذنه وأذن لمن كَانَ معه قبله، ثُمَّ أذن لَهُ، فلما صار فِي الدهليز عدل به إِلَى حجرة، فقتل فيها، وخرج القوم فرأوا غلمانه فسألوهم عنه، فقيل: دخل بعدكم، فخاصم سليمان وعيسى ابْنا عَلِيّ سفيان بن معاوية المهلبي وأشخصاه إِلَى المنصور، وقامت البينة العادلة بأن ابن المقفع دخل دار سفيان سليماً ولم يخرج منها. فقَالَ المنصور: أنا أنظر فِي هذَا، وأقيده به. ووعدهم الغد، فجاء سفيان ليلا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اتق اللَّه فِي صنيعك ومتبع أمرك أن تجري قتله علي. قَالَ: لا ترع واحضر. فحضر وقامت البينة. فَقَالَ المنصور: أرأيتم إن قتلت سفيان بن معاوية بابن المقفع، ثُمَّ خرج ابن المقفع عليكم من هَذَا الباب - وأومأ إِلَى باب خلفه - من ينصب لي نفسه حَتَّى أقتله مكان سفيان؟

فرجعوا كلهم عَنِ الشهادة واندفع الأمر».

وروى أَبُو الحسن المدائني: «أن ابن المقفع كَانَ يعبث بسفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بالحيرة، ويضحك منه، فغضب سفيان يوماً وافترى عليه، فَقَالَ لَهُ ابن المقفع: يا ابن المغتلمة، والله مَا اكتفت أمك برجال العراق حَتَّى نكحها رجال أَهْل الشام؟ وكانت أم سُفْيَان: ميسون بْنت المغيرة بن المهلب. فاضطغن عليه سفيان، فقدم سليمان بن عَلِيّ، وعيسى بن عَلِيّ ليكتبوا لعَبْداللَّه بن عَلِيّ أمانا. وَكَانَ ابن المقفع يكتب لعيسى بن عَلِيّ، وَكَانَ يتنوق فِي الشرط، فكتب فيما اشترط: إن قتله أمير المؤمنين فلا بيعة لَهُ. فَقَالَ المنصور: من يتوثق لهم؟ قالوا: ابن المقفع. قالَ: فما أحد يكفيني ابن المقفع. فكتب أَبُو الخصيب إِلَى سفيان بن معاوية يحكي لَهُ هَذَا الكلام عَنْ أمير المؤمنين، فاعتزم على قتله إن أمكنه ذلك فاستدعاه فقال: أتذكر ما كنت تقول؟ قَالَ: أنشدك اللَّه أيها الأمير. فَقَالَ: أمي مغتلمة كما قلت إن لم أقتلك قتلة لم يقتل بها أحد. فأمر بتنور فسجر حَتَّى إذا حمي أمر أن تقطع أعضاؤه، فكلما قطعوا عضوا قَالَ: ألقوه فِي النار. فيلقونه وَهُوَ ينظر إِلَيْهِ، حَتَّى أتى على جميع جسده، ثُمَّ أطبق التنور وَقَالَ: ليس علي فِي المثلة بك حرج، لأنك زنديق قد أفسدت الناس، واختفى أثره، فَقَالَ عيسى لغلامه: قل لسفيان: إن لم تكن قتلته فخله، وإن كنت قتلته فو الله لأطالبْنك بدية. قَالَ سفيان: مَا أدري أين هو. فمضى عيسى إِلَى المنصور وَقَالَ: قتله سُفْيَان فجيء بسفيان مقيدا، وجعل عيسى يطلب الشهود ويخاطب المنصور، ودخل الشهود فشهدوا، فَقَالَ لهم المنصور: قَدْ شهدتم، فإن أتيتكم بابن المقفع حَتَّى يخاطبكم، مَا تروني صانعا بكم؟ فقام الشهود، وضرب عيسى بن عَلِيّ عَنْ ذلك الحديث».

قلت: ما رواه الصولي عن الحاجب متفق مع ما رواه المدائني في الأمان الذي كتبه ورغبة المنصور في قتله وقتله على يد سفيان بن معاوية، واختلفا في كيفية مقتله، والأول أقوى إسناداً وواقعاً، والله أعلم.

وحَكَى البَلاذْرِيُّ أَنَّ سُفْيَانَ أَلْقَاهُ فِي بِئْرٍ.

وَقِيلَ: أَدْخَلَهُ حَمَّامًا وَأَغْلَقَهُ عَلَيْهِ. [تاريخ الإسلام للذهبي].

34- ثم قال الكذّاب المالكي: "والصحابي الحكم بن عمرو الغفاري ... قتله زياد، لأنه رفض أن يقدم كتاب معاوية على كتاب الله! في اصطفاء الذهب والفضة لمعاوية في الفتوح!"

قلت: هذا كذب! فزياد لم يقتله، والصحيح أنه مات بعد أن دعا الله بأن يقبضه. وسأورد القصة التي اعتمدها هذا الأفاك ثم الكلام عليها.

روى الحاكم في «المستدرك» (3/501) عن مُعَاوِيَة بن عَمْرٍو، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ، قالَ: بَعَثَ زِيَادٌ الحَكَمَ بنَ عَمْرٍو الغِفَارِيَّ عَلَى خُرَاسَانَ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَا بَعْدُ، فَإِنَّ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ كَتَبَ أَنْ يَصْطَفِيَ لَهُ الْبَيْضَاءَ، وَالصَّفْرَاءَ، وَلَا تَقْسِمُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً، فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْحَكَمُ: «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّكَ كَتَبْتَ تَذْكُرُ كِتَابَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنِّي وَجَدْتُ كِتَابَ اللَّهِ قَبْلَ كِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنِّي أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَوْ كَانَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ رَتْقًا عَلَى عَبْدٍ فَاتَّقَى اللَّهَ لَجَعَلَ لَهُ مِنْ بَيْنَهُمْ مَخْرَجًا، وَالسَّلَامُ»، أَمَرَ الْحَكَمُ مُنَادِيًا فَنَادَى أَنِ اغْدُوا عَلَى فَيْئِكُمْ فَقَسَمَهُ بَيْنَهُمْ. وَأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمَّا فَعَلَ الحَكَمُ فِي قِسْمَةِ الفَيْءِ مَا فَعَلَ وَجَّهَ إِلَيْهِ مَنْ قَيَّدَهُ وَحَبَسَهُ، فَمَاتَ فِي قُيُودِهِ وَدُفِنَ فِيهَا، وقالَ: «إِنِّي مُخَاصِمٌ».

قلت: على فرض صحة هذه الرواية فليس فيها أنه قتله وإنما قيّده وحبسه فمات في قيوده..

لكن رُويت هذه القصة عن الحسن وليس فيها هذا.

رواها الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/25) عن سُلَيْمَان بنُ حَرْبٍ، قالَ: حدثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الحَسَنِ قالَ: «غَنِمَ الْحَكَمُ بنُ عَمْرٍو بِخُرَاسَانَ غَنَائِمَ فِيهَا ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، فَكَتَبَ زِيَادٌ - أَوِ ابنُ زِيَادٍ - أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ كَتَبَ أَنِ اسْتَصْفِي كُلَّ صَفْرَاءَ بَيْضَاءَ. قال: فقال الحكم: لو أن السموات وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا عَلَى رَجُلٍ فَاتَّقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، لَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ من ذلك مخرجاً.

قال: فدعا القوم فقسم بَيْنَهُمْ غَنَائِمُهُمْ».

قَالَ الحَسَنُ: "فَمَاتَ الحَكَمُ فِي الطريق ولم يلتق معه".

قلت: فهذا الحسن راوي القصة يُصرّح أنه مات في الطريق ولم يمت في حبسه! فدلّ على أن ما جاء في رواية الفزاري عن هشام عن الحسن شاذ.

وقد روى الحاكم في «المستدرك» (3/500) من طريق عبدان بن محمد الحافظ، قال: سمعت أحمد بن شيبان يقول: "الحكم بن عمرو ورافع بن عمرو وعلية بن عمرو صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن زياداً ولى الحكم على خراسان، وكان سبب وفاته أنه دعا على نفسه وهو بمرو في كتاب قرئ عليه ورد عليه من زياد وآخر من معاوية فاستجيبت دعوته، ومات بمرو".

وهذا هو المشهور عن المؤرخين وأصحاب السّير.

فقد ذكر الطبري في حوادث سنة سبع وأربعين من «تاريخه» (5/ 229): "وقالَ بعض أهل السير: وفي هذِهِ السنة وجه زياد الحكم بن عَمْرو الغِفَارِيّ إِلَى خُرَاسَان أميرا، فغزا جبال الغور وفراونده، فقهرهم بالسيف عنوة ففتحها، وأصاب فِيهَا مغانم كثيرة وسبايا، وسأذكر من خالف هذَا القول بعد إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.

وذكر قائل هذَا القول أن الحكم بن عَمْرو قفل من غزوته هذه، فمات بمرو".

ثم قال في حوادث سنة خمسين (5/250): "وفي هذِهِ السنة كَانَتْ وفاة الحكم بن عَمْرو الْغِفَارِيّ بمرو منصرفه من غزوة أهل جبل الأشل

وقَالَ لِلنَّاسِ: اغْدُوا عَلَى غَنَائِمِكُمْ، فَغَدَا النَّاسُ، وَقَدْ عَزَلَ الخُمُسَ، فَقَسَّمَ بَيْنَهُمْ تِلْكَ الْغَنَائِمَ، قَالَ: فَقَالَ الْحَكَمُ: اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ لِي عِنْدَكَ خَيْرٌ فَاقْبِضْنِي، فَمَاتَ بِخُرَاسَانَ بِمَرْوَ.

قَالَ عُمَرُ: قالَ عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ: لَمَّا حَضَرَتِ الحَكَمَ الْوَفَاةُ بِمَرْوَ، اسْتَخْلَفَ أَنَسَ بْنَ أَبِي أُنَاسٍ، وَذَلِكَ فِي سَنَةِ خَمْسِينَ".

قلت: فالراجح أنه توفي وهو بمرو بعد أن دعى الله أن يقبضه إليه.

وأما ما جاء في الرواية السابقة أن معاوية أرسل إليه من قيّده فربما أصله ما رواه أَوْسُ بنَ عَبداللَّهِ بنِ بُرَيْدَةَ بن حصيب الأسلمي، قال: حَدَّثني سَهْلٌ، عَنْ أَبِيهِ عَبداللَّهِ: «أَنَّ الحَكَمَ بنَ عَمْرو الْغِفَارِيَّ كَانَ مُعَاوِيَةُ وَجَّهَهُ عَامِلا عَلَى خراسان فغنم غنائما كَثِيرَةً وَفُتِحَ عَلَيْهِ فَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ: إِنِّي غَنِمْتُ غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَمَا تَرَى؟ فَكَتَبَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: أَنِ انْظُرْ كُلَّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ فَأَصْفِهَا لأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، واقْسِمْ سِوَى ذَلِكَ لِلْجُنْدِ فَجَمَعَ أَصْحَابَهُ، فَقَالَ: مَا تَرَوْنَ؟ فَقَالُوا: مَا تَرَى - يَعْنِي نَحْنُ أَحَقُّ بِهِ. فَكَتَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَنِّي وَجَدْتُ كِتَابَ اللَّهِ أَحَقّ أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ كِتَابِكَ أَنِّي قَسَّمْتُ مَا غَنِمْتُ فِي الْجُنْدِ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةُ عَامِلا فَحَبَسَهُ وَقَيَّدَهُ فَمَاتَ فِي قُيُودِه، فَأَمَرَ الْحَكَمُ أَنْ يُدْفَنَ فِي قُيُودِهِ حَتَّى يُخَاصِمَ مُعَاوِيَةَ يوم القيامة فيما قيّده».

وهذه الرواية أوردها ابن عدي في مناكير «أوس بن عَبداللَّهِ بن بريدة بْن حصيب الأسلمي» من ترجمته في «الكامل» (1/410).

وأوس هذا قال فيه البخاري: "فيه نظر".

وبعد أن أورد له ابن عدي بعض المناكير قال: "ولأوس بن عبدالله غير ما ذكرت من الأحاديث شيئاً يسيراً، وفي بعض أحاديثه مناكير".

فربما كان هذا القول عند أبي إسحاق الفزاري، فلما روى قصة الحكم أدخل فيه أن معاوية أرسل من يقيده ومات في حبسه، ولكن حمّاد بن زيد - وهو من أحفظ الناس- خالف الفزاري فنقل عن الحسن أنه مات في طريق عودته، وهذا هو الصواب.

35- ثم قال الكذّاب المالكي: "والصحابي يزيد بن نعامة الضبي... سجنوه عشرين سنة لأنه قال لوالي البصرة: (الصلاة يرحمك الله!) في أي آية هذا الجرم وهذه العقوبة؟!"

قلت: يزيد بن نعامة الضبي أبو مودود البصري اختلف أهل العلم في صحبته، والراجح أنه تابعي لا صحبة له.

ولم أجد ما ذكره الرافضي المالكي من أنهم سجنوه عشرين سنة!!

36- ثم قال الكذّاب المالكي: "وحمادة الصفرية ... امرأة من عباد الخوارج، صلبها زياد عارية كالثبجاء!! هذه نذالة وليست حدودا شرعية!

قلت: قد بينت من قبل أنها "البلجاء" وأنها لم تصلب عارية، بل ما رُوي في قصة مقتلها فيه نظر!

وأما حمّادة الصفرية الخارجية فقد ذكر الجاحظ في كتاب «الحيوان» (5/312) أنها صُلبت هي والبلجاء.

ومجرد الذكر هكذا لا يُحتج به! فكيف بمن كذب وقال بأنها صلبت عارية!! كهذا الرافضي المالكي!

37- ثم قال الكذّاب المالكي: "والصحابة سهل بن سعد، جابر بن عبد الله، أبو سعيد الخدري: ختم الحجاج على أعناقهم بالرصاص عبارة: (عتيق الحجاج!).

لماذا لا يغضبون لهم؟ فهم صحابة أيضاً! لكن ذنبهم أنهم لا ينتسبون لأمية بن عبد شمس! والفقهاء يستجيبون!"

قلت: مع أن الحجاج كان مُجرماً وكان يزدري بعض الصحابة إلا أن هذا لم يصح! وكيف للصحابة أن يسكتوا عن هكذا فعل لو كان؟!

وهذا تحرير للروايات التي جاءت في ذلك:

روى مُحَمَّد بن عمر الواقدي: أن ابن أبي ذئب، حدّثه عمّن رأى جابر بن عبدالله مختوماً في يده.

وروى عن ابن أبي ذئب، عن إسحاق بن يزيد الهذلي: «أنه رأى أنس بن مالك مختوماً في عنقه» - يريد أن يذله بذلك. [مستدرك الحاكم: 3/663].

وقالَ الْوَاقِدِيُّ: وحَدَّثَنِي شُرَحْبِيلُ بنُ أَبِي عَوْنٍ، عَنْ أَبِيهِ، قالَ: «رَأَيْتُ الحَجَّاجَ أَرْسَلَ إِلَى سَهْلِ بنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَنْصُرَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ؟ قَالَ: قَدْ فَعَلْتَ، قَالَ: كَذَبْتَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَخُتِمَ فِي عُنُقِهِ بِرَصَاصٍ» [تاريخ الطبري: 6/195].

قلت: هذه كلها من رواية الواقدي، وهو متروك. وفي الرواية الأولى رجل مجهول: "عمن حدثه"! وفي الثانية كذلك: "إسحاق بن يزيد" وهو مجهول. وفي الثالثة كذلك: "شرحبيل بن أبي عون" مجهول.

وروى أبو العرب القيرواني في كتاب «المحن» (ص: 438) قال: حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ الوَلِيدِ، عَنْ زَيْدِ بنِ بِشْرٍ، قالَ: "جَاءَ جَابِرُ بنُ عَبْدِاللَّهِ إِلَى الْحَجَّاجِ فَلَمْ يُعْطِهِ يَدَهُ لِلسَّلامِ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْتِمُوا يَدَهُ".

قالَ زَيْدُ بنُ بِشْرٍ: "وبَعَثَ الحَجَّاجُ إِلَى سهل بن سعد السَّاعِدِيّ، فقَالَ: مَا لَكَ لَمْ تَنْصُرْ أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ عُثْمَان؟ فقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ. قالَ: كَذَبْتَ! فَخَتَمَ فِي عُنُقِهِ".

قالَ: "وَكَانَ عَبْدُالْمَلِكِ بنُ مَرْوَانَ يَكْتُبُ إِلَيْهِ أَنْ لَا يَعْرِضَ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ وَذَلِكَ حِينَ وَلاهُ الْمَدِينَةَ".

قلت: هذا لم يُسنده زيد بن بشر، فبينه وبينهم مفاوز! وهو – رحمه الله- كان من تلامذة عبدالله بن وهب المصري، وتوفي بتونس سنة اثنتين وأربعين ومئتين.

فلم يثبت أن الحجاج ختم في أعناق هؤلاء الصحابة بالرصاص كما ادّعى المالكي الرافضي معتمداً على بعض الروايات المنكرة الضعيفة! ولم يأت ذكر لأبي سعيد الخدري في ذلك أيضاً، لكن المالكي أدخله معهم!!

وإنما ورد ذلك أنه ختم في يد "أنس بن مالك" وبعض التابعين.

روى ابن عساكر في «تاريخه» (9/372) من طريق الهيثم بن خارجة، قال: حدثنا عبدالله بن سالم الأشعري، عن أزهر بن عبدالله قال: «كنت في الخيل الذين بيتوا أنس بن مالك وكان فيمن يؤلب على الحجاج، وكان مع عبدالرحمن بن الأشعث فأتوا به الحجاج فوسم في يده: عتيق الحجاج».

وروى أبو العرب القيرواني في «المحن» (ص: 439) من طريق جَعْفَر بن سليمان الضبعي، عَنْ مَالِكِ بنِ دِينَارٍ البصري، قالَ: «خَتَمَ الْحَجَّاجُ بنُ يُوسُفَ عَلَى يَدِ الحَسَنِ وَمُحَمَّدِ بنِ سِيرِينَ وَأَنَسِ بنِ مَالِكٍ».

قلت: وهذه أسانيد جيدة.

وقال أبو العرب: وحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ بسْطَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بنُ رتيمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالمَلِكِ بنُ عَبْدِالعَزِيزِ بنِ المَاجِشُونَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو يَحْيَى بنُ زَيْدِ بنِ علالَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ رَأَى فِي يَدِ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ خَيْطًا فِيهِ رَصَاصٌ، قُلْتُ: مَا هذَا؟ قَالَ: أمرالحجاج بن يُوسُف أَن تختم أَيْدِي النَّاسَ.

قلت: فقد ثبت أن الحجاج المبير المجرم قد فعل ذلك بأنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعض التابعين بأن ختم ختماً في أيديهم لا في الأعناق، وأهل السنة لم يرضوا بذلك كما يوهم كلام هذا الرافضي المالكي الخبيث.

قال الإمام الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (4/343): "الحجاج: أهلكه الله في رمضان سنة خمس وتسعين كهلاً، وكان ظلوماً جباراً ناصبياً خبيثاً سافكاً للدماء، وكان ذا شجاعة وإقدام ومكر ودهاء وفصاحة وبلاغة وتعظيم للقرآن، قد سقت من سوء سيرته في تاريخي الكبير وحصاره لابن الزبير بالكعبة ورمية إياها بالمنجنيق، وإذلاله لأهل الحرمين، ثم ولايته على العراق والمشرق كله عشرين سنة، وحروب ابن الأشعث له، وتأخيره للصلوات إلى أن استأصله الله فنسبُّه ولا نحبّه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان. وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله وله توحيد في الجملة ونظراء من ظلمة الجبابرة والأمراء".

وختم الرافضي الكذاب كلامه بقوله: "ثم نرى الفقهاء ينظرون في الفقه لمن قطع لسانه السلطان! كيف يستاك؟! وكيف يتذوق؟! وكيف تقبل شهادته؟! وكأن الأمر طبيعي!

وكان عمر بن عبد العزيز قد أبطل سنّة بني أمية في قطع الألسن؛ إلا أن الثقافة الدموية الأموية كانت قد ترسخت عند الفقهاء، وأنعشها بنو العباس.

والقصص كثيرة جدا، وقد جمعتها في كتاب، ووجدت الدول والمذاهب كلها فيها من هذا العبث، ويسمونه حدودا شرعية، ولكن أبشع الدول في ذلك بنو أميه، وأبشع المذاهب في ذلك النواصب أتباع بني أمية والمتأثرين بهم، وبنو أمية أخذوها من معاوية، ومعاوية أحيا سنة أمه هند بنت عتبة آكلة الاكباد، وسنة أبيه أبي سفيان، الذي كان يزج برمحه في شدق حمزة!

فهذه الشراهة والتفنن في التعذيب والعقوبات - التي ما أنزل الله بها من سلطان - أخذها الغلاة عن النواصب، والنواصب عن بني أمية، وهم عن هند!

والكلام طويل وهذه قصص سريعة جداً.. هذه نماذج فقط.. وقد تجنبت من أكلوه ... فقد أكلوا أحد الهاشميين سنة 610هـ!! بعد أن أفتى قاضي الحنابلة أنه مبتدع..

هذه الوحشية من أين استمدوها؟؟

أليست وحشية شيطانية بشعة؟؟

ثم يسمونها حدوداً شرعية؟؟

لا حول ولا قوة إلا بالله.." انتهى.

قلت: كلامك هذا هراء! فقد تبيّن لنا أنك تأتي إلى الشواذ التي لا تصح وتجعلها هي الأصل من شدة حقدك وحنقك على أهل السنة وخاصة فقهاء الأمة...

نعم، حصلت أشياء أنكرها أهل العلم والفقهاء ووزرها على من فعلها، والحكم هو كتاب الله وسنة نبيّه صلى الله عليه وسلم...

ولتحتفظ بما جمعته من شواذ فقد عرفنا طريقتك أيها الكذاب وأهل السنة لك بالمرصاد لبيان كذبك...

ونسبة قطع الألسن لبني أمية كذب! فالسنة تعني الكثرة، وحادثة أو ثنتين لا يعني أن ذلك سنة! والخطأ لا نقرّه، ولا تزر وازرة وزر أخرى.

وحقدك على معاوية وأبيه لن نخوض فيه فأنت رافضي خبيث! ومعاوية له أخطاء وله حسنات وأمره إلى الله عزّ وجل.

وأما زعمك بأن هند آكلة الأكباد فهذا يدلّ على جهلك! فما اشتهر من أن كبد حمزة أُخذ إليها فهذا صحيح وكان يوم كانت مشركة، فكيف نحاسبها على شيء فعلته في حال الكفر! وأما قصة أنها لاكت الكبد أو أكلته فهذا ليس بصحيح، فنقله إليها شيء وأكله شيء آخر!

ولو صح ذلك لما كان مذمة لها لأنها كانت مشركة يومها وتابت وحسن إسلامها.

وكذلك ما نُقل عن أبي سفيان، فقد ذكر ابن إسحاق في سيرته دون إسناد: أن الحُلَيْس بن زَبَّانَ أَخُي بَنِي الحَارِثِ بنِ عَبْدِ مَنَاةَ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ سَيِّدُ الأَحَابِيشِ، قَدْ مَرَّ بِأَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ، وَهُوَ يَضْرِبُ فِي شِدْقِ حَمْزَةَ بِزُجِّ الرُّمْحِ، وَهُوَ يَقُولُ: ذُقْ عُقَقُ! فَقَالَ الْحُلَيْسُ: يَا بَنِي كِنَانَةَ، هَذَا سَيِّدُ قُرَيْشٍ يصنع بابن عمه كما تَرَوْنَ لَحْمًا! فَقَالَ: اكْتُمْهَا، فَإِنَّهَا كَانَتْ زَلَّةً.

فهذا لو صحّ أيضاً كان أثناء كفره، وقد أسلم وحسن إسلامه وجاهد في سبيل الله وفقد عينيه في الجهاد.

وأما مسألة أكل البشر فهذا من كذبات هذا المالكي!! وليظهر ما عنده نفنّده إن شاء الله..

والخلاصة من حال (الرافضي حسن فرحان المالكي):

1- زعمه أن كثيراً ممن قتلوا زمن الأمويين إنما كان سببه رفضهم لعن (عليّ) رضي الله عنه أو سبّه. وهذا كذب.

2- اعتماده في كثير مما كذب فيه على روايات أبي مِخنف الشيعي الكذاب!

3- جهله بالروايات والأسانيد وعدم قدرته على التعامل معها!

4- اعتماده على قصص مكذوبة منكرة ليس لها أسانيد! بل ويقدّمها أحياناً على ما يناهضها مما رُوي بأسانيد صحيحة!

5- اعتماده على كتب الروافض كمصدر أصيل!!

6- انتقاؤه ما يوافق هواه مما اختلف فيه أهل العلم في سبب موت بعض من ذكر، والراجح دائماً بحسب قواعد وأصول العلم خلاف ما انتقى.

7- عدم فهمه لبعض مما ينقله من كتب أهل العلم وخلطه! بل حتى إنه لا يفهم اللغة!

8- دفاعه عمن ثبتت عليه الزندقة من أجل الطعن في خصومه!

9- إتيانه بافتراءات لا توجد في أيّ كتاب من الكتب!!

10- تلاعبه بالألفاظ! فيحاول إظهار لفظ "الذبح" دائماً، والأمر لا يعدو أن يكون قتلاً بالسيف. ولفظ "العرقوب" وحمله على "الرجل" كاملة!!

11- عدم مراعاته لبعض حوادث القتل التي ذكرها للحال السياسية آنذاك! فبعضها إنما كان نتيجة حروب بين هؤلاء وخصومهم.

12- تدليسه وتلبيسه وكذبه في كثير من المواضع.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: د. خالد الحايك

20/6/1436هـ.

 

شاركنا تعليقك