الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تنزيل النصوص على الواقع وتكييف الواقع لمطابقة النصوص»(3): «هل تنزل الروم الشام للملحمة؟» .. أحاديث «دابق والأعماق»!

«تنزيل النصوص على الواقع وتكييف الواقع لمطابقة النصوص»(3)

«هل تنزل الروم الشام للملحمة؟».. أحاديث «دابق والأعماق»!

د. خالد الحايك

 

في الوقت الذي كانت الفتوحات الإِسلامية التي خرجت من أرض الجزيرة العربية زمن الصحابة والتابعين تنتشر وتتسع جغرافياً، كانت القوى العظمى آنذاك ممثلة ببلاد فارس والروم لا تزال تتصدى وتقاوم حملة جيوش الفتح الإسلامي، وقد تأسست هناك مواطن رباط مهمة في مناطق عديدة وخاصة في بلاد الشام التي كانت تحت سيطرة الروم، وفيها حصلت معارك وحروب استراتيجية عديدة.

وبعد تعاقب الحوادث والأزمان واتساع حركة الفتوحات، بدأت الأحاديث والروايات بالتكاثر والانتشار بين الناس، وخاصة في بعض البلدان الإسلامية، ومن تلك الأحاديث التي شاعت وفشت ما يتعلق بمكانين مهمين في منطقة الشام في مدينة حلب، وهما: «دابق والأعماق».

أما «دابق» فهي قرية تابعة لمنطقة «أعزاز» في مدينة حلب، وتبعد عنها ما يُقارب خمسة وثلاثين كيلومتراً شرقها. وكانت «دابق» محلة يجتمع فيها الناس للغزو. وكان ينزل فيها بنو مروان للغزو، ففي سنة ست وسبعين غزا محمد بن مروان الصائفة وخرجت فيه الروم إلى الأعماق فهزمهم، وإليها خرج سليمان بن عبدالملك بن مروان سنة ثمان وتسعين للهجرة، حيث عسّكر هناك وعزم أن لا يرجع حتى يفتح «القسطنطينية» أو تؤدى الجزية، وقد مرض هناك ومات فيها، وفي دابق أُخذت البيعة بعده لعمر بن عبدالعزيز.

وكان مَسلمة بن عبدالملك بن مروان بن الحكم قد غزا الروم وحاصر القسطنطينية من دابق. وبقيت دابق محط اجتماع الجيوش بعد ذلك، ففي سنة ثمان وثلاثين ومائة غزا صالح بن عليّ بن علي بن عبدالله بن عباس فنزل دابق، وأقبل قسطنطين بن أليون طاغية الروم في مائة ألف فلقيه صالح فقتل وسبى وخرج سالماً.

وفي «دابق» حصلت المعركة المشهورة «معركة مرج دابق» بين العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول، والمماليك بقيادة قانصوه الغوري سنة ثنتين وعشرين وتسعمائة، وكانت هذه المعركة بداية الفتوحات العثمانية بانتصارهم على المماليك.

وأما «الأعماق» فهو اليوم موضع معروف من أعمال أنطاكيا داخل الحدود التركية، وفيها بحيرة معروفة تسمى «بحيرة العمق»، ولما كان الناس يجتمعون للعزو في «دابق» فقد كانوا

ينزلون هناك في «العمق» = «الأعماق».

ومع تواتر الأحداث التي تشهدها المنطقة في زماننا، تكاثرت الأحاديث والروايات التي تتحدث عن الملاحم وقرب قيام الساعة وتحقق أشراطها، إذ استدعيت أحاديث كثيرة في هذا السياق، ومنها الحديث المشهور الذي رواه الإمام مسلم في «صحيحه» من طريق سُهيل بن أبي صالحٍ، عن أبيه، عن أبي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتى تنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أو بِدَابِقٍ، فيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ من المَدِينَةِ من خِيَارِ أَهْلِ الأرض يَوْمَئِذٍ، فإذا تَصَافُّوا، قالت الرُّومُ: (خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ)! فيقول الْمُسْلِمُونَ: (لا والله، لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا)، فَيُقَاتِلُونَهُمْ فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لا يَتُوبُ الله عليهم أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ الله، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ، لَا يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطَنْطِينِيَّةَ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قد عَلَّقُوا سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ إِذْ صَاحَ فِيهِمْ الشَّيْطَانُ: (إِنَّ الْمَسِيحَ قد خَلَفَكُمْ في أَهْلِيكُمْ)! فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ، فإذا جاؤوا الشام خَرَجَ فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِدُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَيَنْزِلُ عِيسَى بن مَرْيَمَ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّهُمْ، فإذا رَآهُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كما يَذُوبُ الْمِلْحُ في الْمَاءِ، فَلَوْ تَرَكَهُ لانْذَابَ حتى يَهْلِكَ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ الله بيده فَيُرِيهِمْ دَمَهُ في حَرْبَتِهِ».

فهذا الحديث يُنبئ بأن هناك اجتماع للروم في هذين المكانين المهمين «الأَعماق ودابِق»  - مع الاختلاف بين الناس فيمن هم الروم! هل هم الأمريكان أم الروس أم هم وحلفاؤهم!- وأنه سيخرج إليهم جيش عظيم من «المدينة» لقتالهم، وقد اختلف أهل العلم في «المدينة» هنا! فقال بعضهم أنها مدينة «حلب»؛ لأن هاتين المنطقتين تتبعان لها، وليس المقصود بالمدينة «المدينة النبوية» لأنه – وبحسب أحاديث أخرى- فإن مدينة النبيّ تكون قد خربت آنذاك، وأن الجيش الذي يخرج لقتال هؤلاء هو «جيش المهدي»!

ولو أردنا تنزيل هذا الحديث على الواقع لما انطبق عليه؛ للاختلاف في المقصود بالمدينة وكذلك الجيش!! وهذا مبني على صحة الحديث وكذلك الأحاديث الأخرى المتعلقة بخراب المدينة وظهور المهدي!

وقد ناقشت كلّ ذلك في البحث الموسوم بـ «المَورد العذب الرائق» في حديث «الأَعماق ودابِق»! والذي أميل إليه أن الحديث لا يصح، فهو من غرائب سهيل بن أبي صالح وتفرداته ولم يُتابع عليه، وكانت أصابته آفة فصار يخطئ في أحاديثه، وله تفردات منكرة! ووردت أحاديث أخرى في «الأَعماق» وكلها لا يصح، وكثير منها يرجع إلى روايات كعب الأحبار ممن كان يروي الإسرائيليات!

وكذلك فإن إسقاط الحديث على هذا الواقع فيه نظر! فأحداث النهاية ليست متعلقة بهذين المكانين وغيرهما، ومن الخطأ بمكان ربط ذلك بظهور الدّجال ونزول عيسى عليه الصلاة والسلام.

فمن الناس من يؤمن بهذا الحديث ويسقطه على الواقع ويستبشر به، بل إن الخصم يؤمن بهذا الحديث وهو يعمل جاهداً إلى عدم تحققه، ومن هنا رأينا في الواقع الاستماتة في عدم سقوط مدينة حلب بأيد بعض الناس، وإرسال تعزيزات عسكرية كثيرة لمنطقة دابق. فالإيمان بهذا الحديث جعل الخصم يحول دون تحققه كما هو الحال في بعض الأحاديث الأخرى كأحاديث المهدي، فإن بعض الناس يخشون من ظهور المهدي لئلا ينزع منهم المُلك، ولهذا يحاربون ظهوره! ومن هنا لا تكون النظرة إلى صحة الحديث وضعفه، وإنما فقط إلى صحته فقط من فئة معينة تسقطه على الواقع أو تحاول تحقيقه فيحاول الخصم عدم تحقق ذلك وهو يؤمن به كذلك!

ونظراً لأن هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم وصححه فليس من السهل على الناس تقبّل أنه لا يصح! ولهذا يُبنى عليه أشياء كثيرة حتى اعتقد بعضهم أنه يشير إلى الملحمة الكبرى وهي المسماة «هرمجدّون» بحسب اليمين الديني المسيحي اليهودي!!

وقد أوْلَت «الدولة الإسلامية» العناية الفائقة بهذا الحديث حيث أظهرت هذا المكان «دابق» في بعض إصدارتها، وأن الملحمة ستكون هناك، ومن هنا أطلقت اسم «دابق» على المجلة الإلكترونية التابعة لها باللغة الإنجليزية، وأطلقت اسم «الأعماق» على أحد أعمدة وكالات النشر عندها المتمثلة بنشر أخبار الدولة، وإصدار الفيديوهات في ذلك، وخاصة في معارك كوباني.

فهذان الاسمان «دابق» و«الأعماق» يُشكلان رفعاً للمعنويات لما تحمله من معان تاريخية ورمزية وكذلك دينية بحسب الحديث الذي في «صحيح مسلم».

لا شك بأن «الدولة الإسلامية» تعتقد بصحة الرواية المتعلقة بدابق والأعماق – لأنها في صحيح مسلم-؛ ولذلك حرصت على ذكرها في أدبياتها ومنشوراتها وخطب قادتها، فقد أشار أبو مصعب الزرقاوي إلى ملاحم دابق بقوله: "ها هي الشرارة قد انقدحت في العراق وسيتعاظم أوارها – بإذن الله – حتى تحرق جيوش الصليب في دابق"، ومع تمدد «الدولة الإسلامية» إلى الشام أصبحت دابق والأعماق أحد أهم المرتكزات في الخطاب الجهادي للدولة لإثارة الحماسة وجلب الأتباع والأنصار وترهيب الأعداء ممن تصفهم بالصليبيين والمنافقين والمرتدين.

فهل هذا الحديث سيتحقق وفق من يؤمن بصحة الحديث؟ أو أن من يستشهد به فقط من باب رفع الهمم والاستبشار به!

والغرب يعرفون مكانة هذا الحديث عند الدولة وينطلق كثير منهم في تحليلاتهم منه، فقد قال محلل شؤون الأمن القومي «بيتر بيرغن» رداً على سؤال من «CNN» حول أسباب خوض الدولة للحرب بمواجهة جميع الأطراف الأخرى إقليمياً ودولياً: "هم يعتبرون أن هناك صراعاً كونياً بين الخير والشر، ويؤمنون بأنهم يقفون إلى جانب الخير وأن يوم القيامة يقترب، ولذلك فإن اسم مجلتهم، وهو «دابق»، يرتبط باسم منطقة في سوريا يعتقد أنها ستشهد المعركة النهاية يوم القيامة بين الغرب والقوى الإسلامية، وهو يعتقدون أنهم بطور التحضير لهذه المعركة لدرجة أنهم لن يمانعوا بالتدخل الغربي البري ضدهم بسوريا؛ لأن ذلك سيبرهن عن صحة تنبؤاتهم".

 

17/2/2014

 

شاركنا تعليقك