الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تنزيل النصوص على الواقع وتكييف الواقع لمطابقة النصوص»(2): «حرب توظيف النصوص» بين الخصوم.. أحاديث «الرايات السّود»!

«تنزيل النصوص على الواقع وتكييف الواقع لمطابقة النصوص»(2)

«حرب توظيف النصوص» بين الخصوم.. أحاديث «الرايات السّود»!

د. خالد الحايك

 

في خِضم الأحداث المتسارعة والنوازل المتلاحقة التي يمرّ بها العالم عموماً والمنطقة العربية خصوصاً، والتي يحتدم فيها القتال ويعمم الصراع المسلّح، يسود الاعتقاد بقُرب الساعة ونهاية الزمان، وتنتشر النصوص والأحاديث والأخبار بين الناس للاستدلال والاحتجاج بها على ما يقع في الفضاءات والساحات.

ولعل أكثر ما يشغل العالم برمته الآن هو حدث "الدولة الإسلامية" برايتها السوداء المعروفة، والتي عمدت معظم دول العالم إلى بناء تحالف عسكري لمحاربتها بهدف القضاء عليها.. وقبل أن يكتمل عقد التحالف الدولي كانت "الحرب النصوصية" مستعرة باستحضار ما هو موجود في التراث الإسلامي لإسقاطه على حال هذه الجماعة.

أحد أهم النصوص التي تداولها مخالفو "الدولة الإسلامية" ومؤيدوها كانت "أحاديث الرايات السود" إذ عمد الفرقاء على إنزال النصوص المتعلقة بالمسألة على واقعة "الدولة الإسلامية"، على سبيل الاعتقاد أو الانتقاد.

أما المخالفون سواءً الحكومات أو الجماعات الأخرى فإنهم قاموا بترك هذه المهمة لكثير من المشايخ وطلبة العلم من خلال الفضائيات وعالم الانترنت.. فبيّنوا للعوام أن هذه الأحاديث التي جاءت في السنة إنما قصد بهم النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجماعة، وهذا من المعجزات.

وأما الموافقون فكذلك تصدى بعضهم لبيان أن هذه الأحاديث جاءت في هذه الجماعة لكن ليس كما قال المخالفون، ومن أشهر البحوث التي كتبت في هذا المجال: «إعلام الأخيار أن جند أبي بكر الكرار هم أصحاب الرايات السود كما دلت الآثار».

وأحاديث «الرايات السّود» طرقها كثيرة، وقد جاءت مرفوعة وموقوفة ومقطوعة، وهي من أشهر الأحاديث في كتب الفتن والملاحم، وكذا أحاديث «السفيانيّ». وأكثر طرق هذا الحديث في كتب الملاحم!! وأما كتب السنن المشهورة فليس فيها إلا طريق أو اثنان.

وكلما تعرضت الأمة لبعض النوازل والأحوال؛ صار الناس ينزلونها على الواقع دون النظر إلى صحتها أو ضعفها. فإذا كان من المخالفين تشبث ببعض الطرق وتغاضى عما يخالف رأيه في الأحاديث الأخرى لها، وإن كان من الموافقين فعل الشيء نفسه!!

وهذه طريقة سقيمة في التعامل مع الأحاديث، فيجب دراسة كلّ ما في الباب والتحقق من صحتها أو ضعفها أولاً، ثم الكلام على حلّ ما فيها من إشكالات إن تبيّن صحتها، وإلا فلا يجوز الاعتماد على الضعيف وما فيه تناقض!

وقد حققتُ هذه الأحاديث كلّها في بحث خاص سميته: «مِنح الوَدُود» في بيان طُرق أحاديث «الرايات السّود». جمعت فيه اثنين وعشرين رواية في ذكر الرايات السود، وتبيّن لي أنها كلها منكرة! وأنها وردت في دولة بني العبّاس ولهذا ساقها نُعيم بن حماد في كتابه «الفتن» في خروجهم وفي انتهاء أمرهم، وقد أشار ابن كثير – رحمه الله- إلى هذا، ثم قال إنه جاء في بعض الروايات أنها لم تتحقق بعد! وذلك لأنه جاء فيها ذكر المهدي والسفياني! ولم يظهرا بعد! وهذا بناء على الاعتقاد بظهور المهدي فتحيّر في أمرها!! كالحديث المشهور: «يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كلهم ابن خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إلى وَاحِدٍ منهم، ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لم يُقْتَلْهُ قَوْمٌ، ثُمَّ ذَكَرَ شيئا لَا أَحْفَظُهُ فقال: فإذا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا على الثَّلْجِ فإنه خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ»!!

فهذا الحديث يدلّ على أن الرايات السود تظهر من خراسان بعد اقتتال ثلاثة كلهم ابن خليفة! وهذا لم يحدث عبر التاريخ! والرايات السود ظهرت بحسب الحال... ثم هؤلاء الثلاثة يقتلون الناس قتلاً عظيماً ثم يظهر المهدي في أصحاب الرايات السود!

ومفهوم الرايات السود قد ترسّخ حديثاً منذ حرب أفغانستان، فإن بعض الشباب المجاهد كانوا يصنعون راية سوداء ويذهبون إلى بلد «الطالقان» في خراسان ظنّاً منهم أن تلك البلاد من يخرج فيها أصحاب الرايات وفيها يكون المهدي!!

وفي حديث آخر أن هذه راية بني العباس تُمهّد لظهور المهدي وتسليمه الأمر! «تَخْرُجُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ لِبَنِي العَبَّاسِ، ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ أُخْرَى سَوْدَاءُ، قَلانِسُهُمْ سُودٌ، وَثِيَابُهُمْ بِيضٌ، عَلَى مُقَدِّمَتِهِمْ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ شُعَيْبُ بنُ صَالِحٍ، أَوْ صَالِحُ بنُ شُعَيْبٍ مِنْ تَمِيمٍ، يَهْزِمُونَ أَصْحَابَ السُّفْيَانِيِّ حَتَّى يَنْزِلَ بِبَيْتَ الْمَقْدِسِ، يُوَطِّئُ لِلْمَهْدِيِّ سُلْطَانَهُ، وَيَمُدُّ إِلَيْهِ ثَلاثُ مِائَةٍ مِنَ الشَّامِ، يَكُونُ بَيْنَ خُرُوجِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُسَلَّمَ الأَمْرُ لِلْمَهْدِيِّ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَهْرًا».

فإن كانت هذه الراية هي راية بني العباس، والمهدي لم يظهر! فكيف نقول بأن هذه الرايات السود الآن هي المقصودة؟!

ومعظم أحاديث «الرايات السود» مُقترن ظهورها بظهور «السفياني» الذي يُمثّل بني أمية! وكلّ أحاديث السفياني موضوعة لا تصح! وقد بيّنت ذلك في بحث خاص سميته: «تحقيقُ الأماني» لمن سأل عن أحاديث «السُّفياني».

وأما الحديث الأكثر شهرة والذي انتشر انتشاراً كبيراً كانتشار النّار في الهشيم فهو حديث: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ فَالْزَمُوا الْأَرْضَ فَلَا تُحَرِّكُوا أَيْدِيَكُمْ، وَلَا أَرْجُلَكُمْ، ثُمَّ يَظْهَرُ قَوْمٌ ضُعَفَاءُ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ، قُلُوبُهُمْ كَزُبَرِ الحَدِيدِ، هُمْ أَصْحَابُ الدَّوْلَةِ، لا يَفُونَ بِعَهْدٍ وَلَا مِيثَاقٍ، يَدْعُونَ إِلَى الحَقِّ وَلَيْسُوا مِنْ أَهْلِهِ، أَسْمَاؤُهُمُ الكُنَى، وَنِسْبَتُهُمُ القُرَى، وَشُعُورُهُمْ مُرْخَاةٌ كَشُعُورِ النِّسَاءِ، حَتَّى يَخْتَلِفُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ يُؤْتِي اللَّهُ الحَقَّ مَنْ يَشَاءُ».

وهذا الحديث حمله خصوم "الدولة الإسلامية" عليهم، فرايتهم سوداء، قلوبهم كزبر الحديد – أي قطع الحديد الذي يدلّ على القوة-، وهم أصحاب الدولة؛ لأنهم يُطلقون على أنفسهم «الدولة الإسلامية»، يقولون بأنهم يريدون إقامة الخلافة وهم ليسوا أهلاً لذلك! أسماؤهم الكنى ونسبتهم القرى = (أبو فلان الخراساني)، (أبو فلان البغدادي)، (أبو فلان الشامي).. إلخ.

وأوصافهم أن شعورهم طويلة مرخاة كشعور النساء.. ونهاية أمرهم تكون بالاختلاف فيما بينهم، ثم يؤتي الله الحق غيرهم كما يشاء.

وهذا الحديث عدا عن ضعفه الإسنادي – فهو من رواية ابن لهيعة وهو ضعيف لا يُحتج بما انفرد به. يرويه عن أبي رومان وهو: عبدالملك بن يحيى بن هلال الإسكندراني أبو عبدالله مولى المعافر والد عبدالله بن أبي رومان، يروي عن أبي شريح ومالك بن أنس، وهو مجهول الحال، ويستحيل أن يكون أدرك عليّ بن أبي طالب! فعليّ مات سنة (40هـ) وهو يروي عن أنس الذي مات سنة (93هـ)، فإن صحت روايته عن أنس فلا يمكن أن يكون أدرك علياً؛ لأنه متقدّم الوفاة. وكيف لهذا المجهول - وهو مصري - أن ينفرد بهذا الحديث عن عليّ الذي عاش في الكوفة بهذا- عدا عن هذه العلل الإسنادية فإن إسقاط الحديث على جماعة معينة لا يستقيم! إذ هناك جماعات أخرى تتصف ببعض هذه الصفات: كالراية السوداء، وأسماؤهم الكنى وينتسبون للقرى، وشعورهم طويلة ومرخاة كالنساء، كجبهة النصرة وجماعات أخرى!

والذي جعل كثيراً منهم يتمسك بإسقاط هذا الحديث على الدولة ما جاء ذكره «هم أصحاب الدولة»! وهذا ليس دليلاً على صحة ذلك إذ الحديث أورده أبو نُعيم في كتاب «الفتن» في «باب خروج بني العباس» وهم أصحاب الدولة كما قال الإمام الذهبي. قال عن مؤسس الدولة العباسية: "أبو مسلم الخراساني عبدالرحمن بن مسلم... الأمير، صاحب الدعوة، وهازم جيوش الدولة الأموية، والقائم بإنشاء الدولة العباسية.. كان أبو مسلم سفّاكاً للدماء، يزيد على الحجاج في ذلك، وهو أول من سنَّ للدولة لبس السواد..".

وأما ما يتعلق بالأسماء والكنى والانتساب إلى القرى فهذا حال أهل العلم قديماً وليس مقصوراً على جماعة دون أخرى، ومن نظر في كتب تراجم أهل العلم عرف ذلك جلياً... وأما طول الشعور فهذه أيضاً صفة كثير من أهل الإسلام وكانت صفة من خرجوا مع أبي مسلم الخراساني، وليس كلّ المجاهدين يُرخون شعورهم...

وأما من حمل هذا الحديث على الدولة من موافقيهم، فقال في بحثه «إعلام الأخيار أن جند أبي بكر هم أصحاب الرايات السود كما دلت الآثار»: "أحاديث الرايات السود بعضها حسن وهي تشد معها الضعيف وتقويه والشواهد والحقائق من واقعنا تثبت ذلك.. وابن كثير رحمه الله تعالى من العلماء الذين يرجحون حتمية خروج رايات سود في آخر الزمان ومقدمة لنصرة المهدي وتمهيد لخلافته ودليل آخر على صحة المرويات النبوية عن خروج الرايات السود هو تيمن خلفاء بني العباس بها فكان شعارهم وراياتهم سود...هل كان ذلك ابتداعا وتدليسا على الأمة فمن الاستحالة أن يقوم بني العباس بتزوير الأحاديث والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وهم في قرن يوجد به كبار أهل الحديث.. كالأوزاعي.. وسفيان الثوري.. والإمام أحمد.

ويجدر الإشارة أن التعامل مع الضعيف من الأحاديث هو على ثلاثة مذاهب ولك الحق أن تأخذ بأي مذهب: المذهب الأول: أنه لا يجوز العمل به مطلقاً. المذهب الثاني: أنه يعمل به مطلقاً. المذهب الثالث: أنه يعمل به في الفضائل العملية والمواعظ والقصص والملاحم والفتن ونحو ذلك مما ليس له تعلق بالعقائد والأحكام وهو ما أميل إليه.

وعليه فأحاديث الرايات السود هي بمجموع طرقها حسنة  والوقائع الحالية في الشام تدل على صحتها و في هذه الدراسة الموجزة سوف نقتصر على تحليل كافة متون أحاديث الرايات السود ومحاولة ربطها بواقعنا".

فهذا نموذج من الفوضى العلمية التي نعيشها في زماننا! فصاحب البحث يتحدث في علم الحديث ولا يفقه فيه شيئاً! وهذه الأحاديث كلها منكرة ولا تقوي بعضها بعضا – كما زعم-، وابن كثير قد بينا في بداية المقال أنه احتار في المسألة بسبب ذكر المهدي في بعض الأحاديث! وأما نفيه تزوير الأحاديث عن بني العباس فهذا لم يقل به أحد من أهل العلم! فالذي وضع هذه الأحاديث في بني العباس هم أنصار خصومهم من بني أمية!! ووضع الأحاديث في زمن من ذكرهم من الأئمة لا علاقة له بهذه المسألة، فوضع الأحاديث لا يتوقف بوجود أهل العلم، وإنما أهل العلم يبينون حالها.

وأما التعامل مع الأحاديث الضعيفة فليس كما قال!! وإنما جوّز بعض أهل العلم العمل بالضعيف ضمن شروط في الفضائل والرقائق والأدب ونحوها.. وأما في (الملاحم والفتن) فلم يجوّزوها من باب العمل بالضعيف! فهي أخبار، فكيف يعملون بالضعيف في هذا! والإمام أحمد يقول: «ثلاثة كتب ليس لها أصول: التفسير والمغازي والملاحم» - يريد بهذا أن كثيراً من الكتب التي صنفت في هذه الأبواب فيها كثير من الأحاديث المنكرة والموضوعة. وقد قال الخطيب عن كتب الملاحم هذه: "وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة، والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من وجوه مَرضية، وطرق واضحة جلية".

وأما ربطه هذه الأحاديث بالواقع فلا ينقضي منه العجب! فهو احتج بكل الأحاديث على تنافرها!! وقد نبهت أن معظم أحاديث الرايات السود مرتبطة بالسفياني، وبعد أن احتج بكل الأحاديث قال في شخصية السفياني: "ولازلت مقتنعاً أن شخصية السفياني هي دس شيعي في أحاديث الفتن والملاحم وإن أثبت الواقع عكس قناعتي فسيكون حتما دليلا إضافيا لهذه الشخصية الغامضة"!!

يعني أن الشيعة دسوا هذه الشخصية في أحاديث السفياني؟! فكيف تحتج بها إذن!! فلا يجوز أن تحتج بجزء من الحديث وتقول بأن الجزء الآخر مدسوس!! وهذا يدل على بضاعته المزجاة في العلم.

وعموماً هو لم يُنزل من هذه الأحاديث على الواقع إلا ظهور الرايات السود مع أنها لم تظهر من خراسان حقيقة!

وكذلك فيما يتعلق بسؤالهم العدل كما في حديث «يظهرون العدل ويطلبون العدل فلا يعطونه، فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه».

قال: "قوله (فيسألون الحق فلا يعطونه) الواضح أنهم يطلبون تحكيم الشريعة وإمارة المؤمنين وعودة الخلافة على منهاج النبوة وهو الخير الذي ترفضه أغلب الطوائف المتسلطة على الأمة.

وقوله (إلى أن يظهروا العدل) أي يقيمون المحاكم الشرعية التي تقيم العدل فهم من يقيم شرع الله و يدعون الناس للتحاكم لشرع الله.

وقوله (ويطلبون العدل فلا يعطونه) الواضح أنهم يتعرضون لظلم كبير ولا ينصفهم أحد.

وقوله (فيظهرون فيطلب منهم العدل فلا يعطونه) فالظهور دليل على أنهم يقاتلون من ظلمهم فيطلب منهم التحاكم فيرفضون لأنهم لا يثقون في عدالة خصومهم أو أنهم سيتعاملون مع أعداءهم من منطلق القصاص والثأر و هو ما يعززه قوله  ترفع عنهم الرحمة"!!

قلت: الأصل في تفسير (العدل) أنه واحد في كل هذه المواضع، فكيف يُفسره في كل لفظة بتفسير مختلف!! وهذا تفسير بالهوى!!

وأعجب تنزيل منه بما جاء (لا يفون بعهد ولا ميثاق) = "معناها عدم مراعاتهم للمواثيق والعهود الطاغوتية التي ابتليت بها الأمة الخاضعة لوصاية النظام الدولي العالمي"!!

فما لهم ولهذه المواثيق والعهود!! فالنص يعني أنهم لا يفون بالعهود والمواثيق التي يبرمونها هم لا غيرهم! وهذا هو الأصل.

وأيضاً ذهب بتنزيل ما جاء في بعض الروايات «والرايات الصفر من المغرب حتى يلتقوا في سرة» واقتتالهم مع أصحاب الرايات السود، والمقصود بالرايات الصفر هم "حزب الله الشيعي ومن شايعهم من الرافضة".

لكن ماذا يفعل برواية أن السفياني يقاتل أصحاب الرايات السود وكذلك الصفر! ففي رواية ذُكر أن: «السفياني الذي يموت الذي يقاتل أول شيء من الرايات السود والرايات الصفر في سرة الشام مخرجه من المندرون شرقي بيسان على جمل أحمر عليه تاج يهزم الجماعة مرتين، ثم يَهلك، وهو يقبل الجزية ويسبي الذرية ويبقر بطون الحبالى»!!

ومن العجائب تنزيله «تقتل النفس الزاكية في البلد الحرام فيتخلى الله منهم» على جهيمان! قال: "وهو ما كان من فتنة الحرم واستشهاد القحطاني وجهيمان وأصحابهم على يد عصابة آل سعود"!

مع أنه جاء في حديث المهدي أنه لا يخرج حتى تُقتل النفس الزكية! والقحطاني صاحب جهيمان ادّعى أنه هو المهدي! ففي الرواية: «أَنَّ المَهْدِيَّ لا يَخْرُجُ حتى تُقْتَلَ النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ، فإذا قُتِلَتْ النَّفْسُ الزَّكِيَّةُ غَضِبَ عليهم من في السَّمَاءِ وَمَنْ في الأَرْضِ فَأَتَى الناس المَهْدِيُّ فَزَفُّوهُ كما تُزَفُّ الْعَرُوسُ إلَى زَوْجِهَا لَيْلَةَ عُرْسِهَا، وهو يملأ الأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلاً وَتُخْرِجُ الأَرْضُ نَبَاتَهَا وَتُمْطِرُ السَّمَاءُ مَطَرَهَا وَتَنْعَمُ أُمَّتِي في وِلاَيَتِهِ نِعْمَةً لم تَنْعَمْهَا قَطُّ» – وهذا حديث مُنكر لا يصح-!

ومن التّحكم في تنزيل الروايات على الواقع محاولة حصر عدد معين في بعض الجماعات! فحمل ما جاء في رواية «يقاتلهم أهل سبع رايات» أنهم من يقاتلون الشيخ البغدادي الهاشمي، وهم: "جيش المجاهدين، والجبهة الإسلامية، وجبهة تحرير سوريا، وجبهة ثوار سوريا، وجبهة الأصالة والتنمية، والجبهة السورية للإنقاذ، والجيش الحر"!

وهذا حصرٌ متكلّف! فهناك رايات أخرى تقاتل البغدادي، منهم: "جبهة النصرة"، و"الأكراد في سوريا"، وغيرهم.

وهو بهذا الاعتبار جعل البغدادي هو "المهدي"!! لأن هذا الحديث جاء في المهدي: «ثم يبعث الله عند ذلك رجلاً من عترة الرسول صلى الله عليه وسلم في اثني عشر ألفا إن قلوا وخمسة عشرة ألفا إن كثروا...»!

وعليه فيجب الحذر من إسقاط النصوص على الوقائع حتى تتحقق شروط الإسقاط، وأولها: صحة الروايات.

وأما أن نسقط الروايات المنكرة الموضوعة المختلفة والمتناقضة على واقع معين بسبب الهوى والتعصب فهذا مما يؤجج الفِتن بين المسلمين ويدعو إلى سفك الدماء!!

فلتترك أحاديث «الرايات السّود»؛ لأنه لم يصح منها أي شيء!، وهي منكرة وموضوعة! وكذلك الروايات التي تتحدث عن ظهور شخصية يُقال لها: (شعيب بن صالح أو صالح بن شعيب من تميم) يوطئ لظهور المهدي ويكون على لوائه: (روايات منكرة مكذوبة).

وأكثر روايات الفتن والملاحم في كتاب «الفتن» لنُعيم بن حماد جمع فيه صاحبه الكثير من الأخبار المنكرة والمكذوبة! قال مسلمة بن قاسم: "وله -أي نعيم- أحاديث منكرة في الملاحم انفرد بها". ويروي نُعيم بن حماد في كتابه عن كثير من الشيوخ المجاهيل كعبدالله بن مروان أبي سفيان! فروى عنه (78) خبراً! وكثير من شيوخ شيوخه مجاهيل أيضاً!

وجُلّ الآثار التي ذكرها نعيم بن حماد في كتابه في ذكر الملاحم والفتن تركز على العهدين الأموي والعباسي، وهذا يعطينا مؤشرا كيف كانت شدة ذلك الصراع الذي من أجله وضعت الآثار وكُذب فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم!

وأحاديث «الرايات السّود» أوردها نُعيم بن حمّاد في «باب العلامات في انقطاع مُلك بني أمية» و«باب خروج بني العبّاس» ليبيّن هذا الصراع بينهم وبين الأمويين من خلال وضع هذه الأحاديث وأثرها على الحالة السياسية.

26/1/2015

 

شاركنا تعليقك