الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (1). كان الإمام الشافعي إذا استغرب شيئاً قال: «هذا من قياس شعبة»!

سلسلة فهم أقوال أهل النَّقد (1).

كانَ الإمامُ الشافعيُّ إذا استغرب شيئاً قال: «هذا من قِياس شعبة»!

روى ابن أبي حاتم في «آداب الشافعي ومناقبه» (ص: 160) قال: حدَّثنا الرَّبِيعُ بنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ: "كَانَ الشَّافِعِيُّ إِذَا قَاسَ إِنْسَانٌ فَأَخْطَأَ، قَالَ: هَذَا قِيَاسُ شُعْبَةَ".

قَالَ الشَّافِعِيُّ: "وَكَانَ شُعْبَةُ إِذَا أَتَاهُ الرَّجُلُ يَسْأَلُهُ عَنِ المَسْأَلَةِ، سَأَلَهُ عَنِ اسْمِهِ وَمَوْضِعِهِ وَصِنَاعَتِهِ، ثُمَّ يُجِيبُهُ فِي مَسْأَلَتِهِ، ويَجِيءُ أَصْحَابَهُ فَيُلْقِيهَا عَلَى أَصْحَابِهِ، فَإِنْ أَصَابَ فَذَاكَ، وَإِنْ أَخْطَأَ ذَهَبَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا هَذَا، الَّذِي أَفْتَيْتُكَ لَيْسَ كَمَا أَفْتَيْتُكَ، الأَمْرُ كَذَا وَكَذَا - أَوْ كَمَا قَالَ".

قال ابن أبي حاتم: حدَّثنا الرَّبِيعُ بِأَشْبَعَ مِنْ هَذَا الكَلامِ، قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بنَ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: "كَانَ الرَّجُلُ إِذَا سَأَلَ شُعْبَةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ سَأَلَهُ عَنِ اسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ، وَصِنَاعَتِهِ وَمَنْزِلِهِ، ثُمَّ يُفْتِيهِ فِي ذَلِكَ، ثُمَّ يَجِيءُ إِلَى أَصْحَابِهِ، فَيُذَاكِرُهُمْ بِالمَسْأَلَةِ، فَيَقُولُونَ: هُوَ كَذَا وَكَذَا خِلافُ مَا أَفْتَى، فَيَقُولُ: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: أَلَيْسَ حُدِّثْنَا بِكَذَا وَكَذَا؟! فَيَقُولُ: حُدِّثْنَا، فَيَأْخُذُ بِيَدِ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، فَيَذْهَبُ إِلَى الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَا أَفْتَيْتُكَ، هُوَ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا".

قَالَ: "ثُمَّ لا يَمْنَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يُسْتَفْتَى فِي ذَلِكَ، فَيُفْتِيَ فِيهِ بِذَلِكَ".

قلت: كأن الشافعي أراد بيان عدم تمكن شعبة في الفقه، فقوله: "من قياس شعبة" = أي كما كان شعبة يُستفتى فيُفتي بأمور غريبة، وكان يُفتي ببعض الفتاوى بالقياس فيُخطئ.

وهذا يدلّ على أن شعبة كان له حظ من الفقه وإن لم يكن مُتمكناً فيه مثل أقرانه كالثوري، ومذاكرته للمسائل التي يفتي فيها مع أصحابه لمعرفة الصواب يدلّ على ورعه، وكذا سؤال المُستفتي عن اسمه ومنزله حتى إذا تبيّن له خطأ فتوته ذهب إلى السائل وأفتاه بالصواب.

وقد استدل بعضهم بهذا بأن شعبة كان يضرب به المثل بضعفه في القياس! وهذا فيه نظر!

وقال بعضهم: "هذا كناية عن تشدد مقاييس شعبة - يعني في الرجال"! وهذا ليس بصحيح، فلو كان هذا هو المقصود لما صَلُحَ أن يذكر أخطاء شعبة في القياس! ولكان لازم ذلك ذمّ كلام شعبة في الرّجال! والشافعي يمدحه أصلاً في ذلك.

قَالَ حَرْمَلَةُ بنُ يَحْيَى: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ، يَقُولُ: "لَوْلا شُعْبَةُ مَا عُرِفَ الحَدِيثُ بِالعِرَاقِ، كَانَ يَجِيءُ إِلَى الرَّجُلِ، فَيَقُولُ: لا تُحَدِّثْ، وَإِلا اسْتَعْدَيْتُ عَلَيْكَ السُّلْطَانَ".

والله أعلم.

شاركنا تعليقك