الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«القولُ الحسن» حول حديث: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا فَجُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِاليَمَنِ».

«القولُ الحسن» حول حديث: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا فَجُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالعِرَاقِ، وَجُنْدًا بِاليَمَنِ».

 

هذا الحديث مشهورٌ جداً، وهو معروف من حديث عبدالله بن حَوالة، وهو حديث ضعيف لا يصح، وأمثل طُرقه حديث أبي إدريس الخولاني عن ابن حوالة، وهو مضطربٌ جداً، وهذا تفصيله:

·       من رواه عن عبدالله بن حَوالة:

وقد رواه عن عبدالله بن حوالة جماعة، هم: أبو إدريس الخولاني، وبُسر بن عبدالله الحضرمي، وأبو عبدالسلام صالح بن رستم، ويونس بن ميسرة بن حلبس الجُبُلاني الدمشقيين، وجُبير بن نفير الحضرمي، وأبو قُتيلة مَرثد بن وَداعة الحمصيّ، وسلمان بن سُمَير، وعبدالله بن عبد الثمالي، والحارث بن الحارث، وكثير بن مرة الحضرمي الحمصيون، وعبدالله بن شقيق العقيلي البصري.

·       رواية أبي إدريس الخولانيّ عن ابن حوالة:

أما حديث أبي إدريس الخولاني، فقد رواه عنه: مكحول الدمشقي، واختلف عليه.

وقد رواه عنه سبعة، هم: سعيد بن عبدالعزيز ابن أبي يحيى التنوخيّ الدمشقي فقيه أهل الشام، ومحمد بن راشد الخزاعي المكحولي، ومحمد بن عبدالله بن المهاجر الشعيثي، وعبدالرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الدمشقي، والمغيرة بن زياد الموصلي، والعلاء بن كثير، وبكار بن تميم الدمشقيان.

·       الاختلاف على سعيد بن عبدالعزيز:

أما حديث سعيد بن عبدالعزيز، فرواهُ عنه جماعة، واختلف عليه:

فرواه بِشر بن بكر، وخيثمة بن سليمان، ويحيى بن حمزة، والوليد بن مزيد العذري، وعقبة بن علقمة البيروتي، وأبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي، وسعيد بن المسلمة بن هشام الأموي، ومروان بن محمد الطاطري، وأبو مسهر عبدالأعلى بن مسهر الغساني الدمشقيان، كلّهم عن سعيد بن عبدالعزيز، عن مكحول، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا فَجُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ, وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ» فَقَالَ ابن حوالة: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي, قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ».

أما حديث بشر بن يحيى فأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/555).

وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وأما حديث خيثمة فأخرجه أبو الحسن الرَّبعي في «فضائل الشام ودمشق» (ص: 4).

وأما أحاديث بقية الرواة فأخرجها ابن عساكر في «تاريخه» (1/56-60).

وحديث الْوَلِيدِ بنِ مَزَيْدَ أخرجه ابن حبان في «صحيحه» (16/295) في باب: "ذِكْرُ الْإِخْبَارُ عَمَّا يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْءِ مِنْ سُكْنَى الشَّامِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ بِالْمُسْلِمِينَ".

فجماعة كبيرة – كما تقدّم- رووه عن سعيد بن عبدالعزيز، عن مكحول، عن أبي إدريس، عن ابن حوالة.

وخالفهم ابن المبارك، ووكيع، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو مُسهر، والوليد بن مسلم! فمنهم من أرسله، ومنهم من زاد فيه في إسناده!

رواه أبو عبدالرحمن عبدالله بن المبارك المروزي، عن سعيد، عن ربيعة بن يزيد، فأرسله.

أخرجه في كتاب «الجهاد» (ص151) عن سعيد بن عبدالعزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستجندون أجناداً...».

ورواه ابن المبارك، عن موسى بن يسار، عن ربيعة بن يزيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحوه.

قلت: موسى بن يسار الدمشقي الأُردني صاحب مكحول، وهو مقبول الحديث.

ورواه أبو سفيان وكيع بن الجراح، عن سعيد، عن ربيعة، عن الحولي، ولم يذكر "أبا إدريس".

وقد نسب ابن عساكر إلى وكيع أنه صحّف فيه وأسقط منه أبا إدريس! فقال في «تاريخه» (1/62): "وأما حديث وكيع الذي صحّف في إسناده وأسقط منه أبا إدريس".

ثُمّ ساقه من طريق أبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي، عن زهير، عن وكيع، عن سعيد بن عبدالعزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن رجلٍ يقال له حولي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم ستجندون أجناداً: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق...».

قلت: الذي يظهر لي أن وكيعاً لم يصحّف فيه، وقد يكون سعيد بن عبدالعزيز هو الذي لم يضبط اسم الرجل! أو أنه كان يسميه هكذا؛ ففي رواية عند الطبراني: "فَقَالَ الْحَوَالِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خِرْ لِي، قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ».

وأما إسقاط أبي إدريس فليس من وكيع؛ لأن الاختلاف على سعيد فيه كثير!

وقد رواه أيضاً أَبُو إِسْحَاقَ الفَزَارِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بنِ عَبْدِالعَزِيزِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكُمْ «سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ».

أخرجه الحارث ابن أبي أسامة في «مسنده» [كما في بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث (2/944) برقم: 1041] عن مُعَاوِيَة بن عَمْرٍو، عن أَبي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.

ورواه أبو مُسهر، عن سعيد بن عبدالعزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبدالله بن حوالة الأزدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواهُ الوليد بن مسلم وكان يُقرن فيه بين "مكحول وربيعة": فرواه عن سَعِيد بن عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (1/172)، وابن عساكر في «تاريخه» (1/62) من طريق دُحيم وسليمان بن عبدالرحمن، كلاهما عن الوليد، به.

قلت: الذي يتبيّن أن سعيد بن عبدالعزيز التنوخيّ كان يضطرب فيه! فأحياناً يرويه عن مكحول متصلاً، وأحياناً مرسلاً، وأحياناً عن ربيعة بن يزيد مرسلاً، وأحياناً متصلاً، والرواية المرسلة تؤيد الروايات التي تأتي عن مكحول مرسلاً.

·       مَن خالف سعيد بن عبدالعزيز في إسناده:

وقد خالف سعيد بن عبدالعزيز جماعة، وهم:

محمد بن راشد الخزاعي المكحولي، ومحمد بن عبدالله بن المهاجر الشعيثي، وعبدالرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الدمشقي، فرووه عن مكحول، عن ابن حوالة، وأسقطوا أبا إدريس من إسناده، وكذا رُوي عن الوليد بن مسلم عن سعيد عن مكحول.

وهذه الأحاديث أخرجها ابن عساكر في «تاريخه» (1/64-65).

وحديث الوليد هذا رواه أبو سعيد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبيد بن فياض، عن الوليد بن عتبة، عن الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبدالعزيز، عن مكحول، عن عبدالله بن حوالة الأزدي.

والمحفوظ عن الوليد خلاف هذا كما سيأتي - إن شاء الله -.

قلت: هؤلاء الثلاثة الذين خالفوا سعيد بن عبدالعزيز في إسناده:

أما محمد بن راشد فوثقه أحمد وغيره، ولينه النسائي.

ومحمد بن عبدالله بن مهاجر الشعيثي من أصحاب مكحول القدماء، وثقه دحيم، وضعفه أبو حاتم الرازي.

وأما عبدالرحمن بن يزيد بن تميم فضعيف باتفاق.

وسعيد بن عبدالعزيز ثقة، خرّج له مسلم، ولم يخرج له البخاري، فهؤلاء الثلاثة بمجموعهم – مع الاختلاف في تضعيفهم وتوثيقهم- إلا أن اتفاقهم يُقدّم على سعيد، فتكون هذه الطريق مرسلة، ومكحول من الذين كانوا يرسلون أيضاً، فهذه علل تقدح في هذه الرواية.

ورواه المغيرة بن زياد الموصلي، والعلاء بن كثير، وبكار بن تميم الدمشقيان، عن مكحول، عن واثلة.

وهؤلاء الثلاثة وافقوا الثلاثة الذين قبلهم (محمد بن راشد والشعيثي وعبدالرحمن بن يزيد) في روايته عن مكحول دون ذكر: "أبا إدريس الخولاني"، ولكنهم خالفوا في اسم صحابي الحديث، فقالوا: "عن واثلة" والآخرين: "عن ابن حوالة"، وهذا الأخير هو الصواب.

والمغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي: قال أحمد: "ضعيف الحديث، حدث بأحاديث مناكير، وكلّ حديث رفعه فهو منكر"، وقال النسائي والدارقطني: "ليس بالقوي"، وقال أبو زرعة: "لا يحتج بحديثه"، وقال وكيع: "كان ثقة"، وكذلك قال يحيى في رواية، ووثقه أبو الفتح الأزدي.

وأما العلاء بن كثير الدمشقي، فقال أبو حاتم: "هو ضعيف الحديث، منكر الحديث، لا يعرف بالشام، هو مثل عبدالقدوس بن حبيب وعمر بن موسى الوجيهى في الضعف"، وقال أبو زرعة: "ضعيف الحديث، واهي الحديث".

وبكّار بن تميم: مجهول، له نسخة باطلة.

ورواه أبو شهاب عبد ربه بن نافع الحنّاط عن المغيرة بن زياد البجلي الموصلي، عن مكحول، عن عبدالله بن الأسقع بدلاً من واثلة!

أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/66) من طريق عبدالله بن محمد البغوي، عن محمد بن علي الجوزجاني، عن سعيد بن سليمان، عن أبي شهاب.

قال البغوي: "عبدالله بن الأسقع يقال إنه أخو واثلة، ويشك في سماعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم".

قال ابن عساكر: "قلت: ولا يصح قوله: عن عبدالله، وهو وهم من الجوزجاني، فقد رواه عثمان بن جرير، عن سعيد بن سليمان، ورواه خالد بن يزيد القشيري، عن أبي شهاب فقالا: عن واثلة".

قلت: بهذا يتبيّن لنا أن هذا الإسناد مختلف فيه على مكحول، فروي عنه عن أبي إدريس الخولاني، عن ابن حوالة، تفرد به سعيد بن عبدالعزيز به هكذا، وخالفه ستة آخرون، فرووه عن مكحول ولم يذكروا فيه: "أبا إدريس"! على اختلاف بينهم في ذكر الصحابي هل هو: ابن حوالة أم واثلة بن الأسقع!

فهل الاختلاف من مكحول أم أن الواهم فيه سعيد؟!

لا شك أن حديث سعيد بن عبدالعزيز فيه اختلاف كثير، والاختلاف منه في ذكر أبي إدريس وروايته بالإرسال وغير ذلك، ويُحتمل أن يكون هناك اضطراب من مكحول نفسه في اسم الصحابي؛ لأن ستة من الرواة اختلفوا عليه في اسم الصحابي، وعادة في الأحاديث المرسلة فإنّ الرواة المكثرين كمكحول وغيره لا يضبطونها؛ لأن عنايتهم تكون للمتصل وأما المراسيل فليست أصلا عندهم.

فالاختلاف منهما معاً، والله أعلم.

وسعيد بن عبدالعزيز التنوخيّ ثقة، لكنه اختلط في آخر عمره، ولم يكن له كتاب، وعلمه كان في صدره، ولم يخرِّج له البخاري في الصحيح، وأخرج له الإمام مسلم.

ومكحول فقيه الشام ثقة إلا أنه كان يدلِّس، ولم يخرج له الإمام البخاري في صحيحه، وإنما ذكره ضمناً في بعض المواضع المعلّقة، وخرّج له الإمام مسلم والأربعة.

فهذا الإسناد مضطرب من كلّ طرقه.

وقد أورد أبو زرعة هذا الحديث في «الفوائد المعللة» (ص: 82) قال: حدثنا أبو مسهر: حدثنا سعيد بن عبدالعزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبدالله بن حوالة الأزدي، عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم.

قلت: وهذا يعني أنه يُعلّ هذا الحديث لإيراده له في فوائده المعللة.

·       رواية بُسْر بن عبدالله الحضرميّ الشّاميّ عن ابن حوالة:

أخرج الضياء المقدسيّ في «المختارة» (9/247)، وابن عساكر في «تاريخه» (1/69) من طريق هِشَام بن عَمَّارٍ، عن صَدَقَة بن خَالِدٍ، عن زَيْد بن وَاقِدٍ، عن بُسْرِ بن عُبَيْدِاللَّهِ، عن ابن حوالة الأَزديّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها ستكون أجناداً مجندة: يمن وشام وعراق. قلت: يا رسول الله، خِر لي، قال: عليك بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه وليستق بغدره؛ فإن الله عز وجل قد تكفل لي بالشام وأهله».

قلت: هذا إسنادٌ منقطع، فبسر لم يثبت سماعه من ابن حوالة، وهو يروي عن أبي إدريس الخولاني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد تفرّد بهذا الإسناد زيد بن واقد، وله في صحيح البخاري حديث واحد في فضل أبي بكر - رضي الله عنه-. قال ابن حبان في الثقات: "يُعتبر حديثه من غير رواية ابنه عبدالخالق"، وقال أبو بكر البزار: "ليس به بأس، يُجمع حديثه".

وتفرد به عن زيد صدقة، وتفرد به عن صدقة: هشام بن عمّار، وهشام له أوهام!! وقد ساقه بإسناد آخر هو الذي بعده!

·       رواية أبي عبدالسّلام صالح بن رٌستم عن ابن حوالة:

أخرج الطبراني في «مسند الشاميين» (1/345) قال: حدثنا أحمد بن أنس بن مالك الدمشقي، قال: حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبيه، قال: حدثنا أبو عبدالسلام صالح بن رستم مولى بني هاشم، عن عبدالله بن حوالة الأزدي أنه قال: «يا رسول الله، خر لي بلداً أكون فيه فلو علمت أنك تبقى لم أختر على قربك، قال: عليك بالشام ثلاثاً، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم كراهيته إياها، قال: هل تدري ما يقول الله في الشام، إن الله يقول: يا شام، أنت صفوتي من بلادي، أدخل فيك خيرتي من عبادي، أنت سوط نقمتي، وسوط عذابي، أنت الذي لا تبقي ولا تذر، أنت الأندر، وإليك عليك المحشر، ورأيت ليلة أسري بي عموداً أبيض كأنه لؤلؤة تحمله الملائكة، قلت: ما تحملون، قال: عمود الإسلام، أمرنا أن نضعه بالشام، وبينا أنا نائم إذ رأيت الكتاب اختلس من تحت وسادتي فظننت أن الله قد تخلى من أهل الأرض فأتبعته بصري فإذا هو نور بين يدي حتى وضع بالشام، فمن أبى فليلحق بيمنه، وليستق من غدره؛ فإن الله قد تكفل لي بالشام».

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/69) من طريق الطبراني.

قال ابن عساكر: "كذا في هذه الرواية! ورواه غيره عن هشام، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن أبي عبدالسلام، ولم يذكر عبدالرحمن".

ثم ساقه من طريق أبي صالح القاسم بن الليث، عن هشام بن عمر بن عمار، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن صالح أبي عبدالسلام، عن عبدالله بن حوالة الأسدي، فذكر معناه.

وهكذا رواه أبو عبدالرحمن النسائي وأبو الحسن خفيف بن عبدالله الغازي عن هشام، ولم يذكرا: عبدالرحمن، وفي حديث النسائي عنه: "حدثني صالح بن رستم".

قلت: هذا المتن منكرٌ جداً! والإسناد فيه اختلاف على هشام بن عمار! فثلاثة رووه عنه بدون ذكر عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، وخالفهم واحد، ولا شك أن رواية الثلاثة تقدّم على رواية الواحد.

وقد رواه الهيثم بن خارجة عن عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال: حدثني صالح بن رستم مولى بني هاشم. [تاريخ مدينة دمشق: 1/120].

فالصواب أنه ليس فيه: "عبدالرحمن".

وصالح بن رستم أبو عبدالسلام قال فيه أبو حاتم: "مجهول، لا نعرفه".

وذكره ابن حبان في ثقاته (4/375) على قاعدته فيمن لا يوجد فيه جرح ولا تعديل.

وترجم له ابن عساكر في «تاريخه» (23/329) فقال: "صالح بن رستم أبو عبدالسلام مولى بني هاشم، من أهل دمشق، روى عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبدالله بن حوالة الأزدي، ومكحول الفقيه. روى عنه عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، وسعيد بن أبي أيوب". وساق له حديثين.

وتبعه على ذلك المزي في «تهذيب الكمال»، لكن بيّن الحافظ ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (4/341) أن الذي روى عن ثوبان غير الذي روى عن عبدالله بن حوالة.

قال: "لكن الذي يظهر لي أن أبا عبدالسلام اثنان اشتركا في الرواية عنهما ابن جابر، فقد فرق بينهما البخاري، أحدهما: روى عن ثوبان، وهو الذي لا يعرف اسمه، وهو الذي أخرج له أبو داود وذكره البخاري والحاكم أبو أحمد وجهّله أبو حاتم، ولم يزيدوا في التعرف به على روايته عن ثوبان، والآخر روى عن أبي حوالة ومكحول واسمه صالح بن رستم، وهو الذي ذكره النسائي والدولابي ويعقوب بن سفيان والخطيب في المتفق والمفترق، ووثقه ابن حبان وابن شاهين، والله أعلم".

قلت: نعم، الذي يظهر أنهما واحد، وهو مجهول لا يُعرف، ولا نعرف له سماعاً من ابن حوالة! وحديثه مُنكر!

·       رواية يُونس بن ميسرة بن حلبس الجُبُلاني الدمشقيّ عن ابن حوالة:

وقد اختلف على يونس فيه، فرُوي عنه عن ابن حوالة عن النبيّ صلى لله عليه وسلم، ورُوي عنه عن أبي إدريس عن ابن حوالة، ورُوي عنه عن أبي إدريس عن أبي الدرداء!

أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/70) من طريق هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد، قال: حدثنا محمد بن عبدالله الشعيثي، عن مكحول ويونس بن ميسرة بن حلبس، عن عبدالله بن حوالة، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «إن الناس سيجندون ثلاثة أجناد: جنداً بالشام، وجنداً بالعراق، وجنداً باليمن، قلت: خر لي يا رسول الله إن أدركني ذلك، قال: عليك بالشام مرتين أو ثلاثاً، فإن أبيتم فالحقوا بيمنكم وسقوا بغدركم فإن الله تعالى قال تكفل لي بالشام وأهله».

قال ابن عساكر: "كذا رواه الشعيثي عن يونس، ورواه إبراهيم بن أبي شيبان الدمشقي عن يونس فأدخل بينه وبين أبي حوالة: أبا إدريس الخولاني".

ثم ساقه من طريق محمد بن سهل المقرئ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري، قال: سمع محمد بن المبارك - هو الصوري -: سمع إبراهيم - يعني ابن أبي شيبان -: سمع يونس بن حلبس، عن أبي إدريس، عن ابن حوالة قال النبي صلى الله عليه وسلم عليك بالشام.

وهذا الحديث ساقه البخاري في ترجمة إبراهيم من «التاريخ الكبير» (1/292) قال: "إبراهيم بن أبي شيبان أبو إسماعيل: كناه إسحاق، سمع يونس بن حلبس عن أبي إدريس عن ابن حوالة قال النبي صلى الله عليه وسلم: عليك بالشام، قاله محمد بن مبارك: سمع إبراهيم، حديثه في الشاميين".

قلت: ظاهر ترجمة البخاري أنه يضعّف هذا الإسناد كما هي عادته في إيراد الحديث في ترجمة الراوي.

وإبراهيم ليس له حديث كثير، وقد وثقه أبو مُسهر، ولكن زيادته في هذا الحديث لا يُعتمد إذ هو ليس من المشهورين المتثبتين في الحديث، وأما الشعيثي فهو أشهر منه، وقد روى الحديث عن مكحول ويونس عن ابن حوالة، مرسلاً؛ لأن يونس لم يلحق ابن حوالة، ويونس توفي سنة (130هـ).

وقد روى الحديث أيضاً أبو الربيع سليمان بن عتبة الغساني، عن يونس، عن أبي إدريس، إلا أنه قال: عن أبي الدرداء بدلاً: عن أبي حوالة!

أخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/71) من طريق محمد بن خريم وأحمد بن المعلى وأبي الشيخ ابن أبي عاصم، كلهم عن هشام بن عمار، عن سليمان بن عتبة: سمعت يونس بن حلبس، عن أبي إدريس، عن أبي الدرداء: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مثله.

قلت: سليمان بن عتبة الدمشقي الشامي، وثقه دُحيم، وقال أبو حاتم: "ليس به بأس، وهو محمود عند الدمشقيين".

ووهاه ابن معين فقال فيه: "لا شيء"،

وقال صالح جزرة: "روى مناكير".  وقال صالح بن أحمد بن حنبل: قال أبي: "سليمان بن عتبة لا أعرفه".

فحديثه ضعيف.

والعجب من البزار فإنه أخرج حديث سليمان هذا في «مسنده» (10/79)، ثم قال: "وهذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوٌ مِنْ هَذَا الْكَلامِ وَذَكَرْنَا حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِجَلالَتِهِ وَحُسْنِ إِسْنَادِهِ"!!.

فالعجب منه بهذا الكلام!! وهو ليس بصحيح؛ فإنه لا يصح عن أبي الدرداء، عدا عن الاضطراب في طرقه!!

وحديث يونس هذا عموماً ضعيف، ويُحتمل أن يكون الاختلاف فيه من يونس نفسه، وكان عابداً صدوقاً، ولم أجد للمتقدمين فيه أي تعديل أو جرح، ووثقه الدارقطني، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه العجلي والذهبي، وهو لا شك ثقة في نفسه، ولكن لم يخرّج له البخاري ولا مسلم، وخرج له أبو داود والترمذي وابن ماجه.

والإسناد مضطرب!

·       رواية جُبير بن نُفير الحضرميّ عن ابن حوالة:

رواهُ عن جُبير: نصر بن علقمة، وأبو يحيى سُليم بن عامر الحمصي الكلاعيّ.

أما حديث نصر بن علقمة فرواه عنه يحيى بن حمزة الدمشقي.

أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (3/395) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، قال: حدثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، قال: حدثَنَا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ [ح].

وحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ الدِّمَشْقِيُّ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قال: حَدَّثَنِي نَصْرُ بنُ عَلْقَمَةَ، يَرُدُّ الْحَدِيثَ إِلَى جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُاللَّهِ بنُ حَوَالَةَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشْكُو الْفَقْرَ وَالْعُرْيَ وَقِلَّةَ الشَّيْءِ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبْشِرُوا فَوَاللَّهِ لَأَنَا بِكَثْرَةِ الشَّيْءِ أَخْوَفُ مِنِّي عَلَيْكُمْ مِنْ قِلَّتِهِ، وَاللَّهِ لَا يَزَالُ هَذَا الْأَمْرُ فِيكُمْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لَكُمْ أَرْضَ فَارِسَ وَالرُّومَ وَأَرْضَ حِمْيَرَ، وَحَتَّى تَكُونُوا أَجْنَادًا مُجَنَّدَةً جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، وَحَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ الْمِائَةَ فَيَتَسَخَّطَهَا».

قَالَ عَبْدُاللَّهِ بنُ حَوَالَةَ: فَقُلْتُ: وَمَتَى نَسْتَطِيعُ الشَّامَ وَبِهَا الرُّومُ ذَاتُ الْقُرُونِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيَفْتَحَنَّهَا اللَّهُ لَكُمْ وَلَيَسْتَخْلِفَنَّكُمْ فِيهَا حَتَّى تَظَلَّ الْعِصَابَةُ مِنْهُمْ الْبِيضُ قُمُصُهُمُ الْمُحَلَّقَةُ أَقْفَاؤُهُمْ قِيَامًا عَلَى الرُّوَيْحِلِ الْأُسَيْوِدِ مَا أَمَرُوهُمْ فَعَلُوهُ، وَإِنَّ بِهَا الْيَوْمَ رِجَالًا لَأَنْتُمْ أَحْقَرُ فِي عُيُونِهِمْ مِنَ الْقِرْدَانِ فِي أَعْجَازِ الْإِبِلِ».

قَالَ عَبْدُاللَّهِ بنُ حَوَالَةَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْتَرْ لِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِنِّي أَخْتَارُ لَكَ الشَّامَ، فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ، وَإِلَيْهَا يَجْتَبِي صَفْوَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، يَا أَهْلَ الْيَمَنِ فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ، فَإِنَّمَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنَ الْأَرْضِ الشَّامُ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَسْتَقِ بَغُدُرِ الْيَمَنِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ».

وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/274) عن هِشَام بن عَمَّارٍ، به.

وساق ابن عساكر في «تاريخه» (1/74-75) رواية هشام بن عمّار، ثم قال: "رواه عبدالله بن يوسف عن يحيى بن حمزة فخالفه في بعض ألفاظه"، ثم ساقه من طريق عبدالله بن جعفر، قال: أنبانا يعقوب، قال: حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: حدثنا يحيى بن حمزة: حدثني أبو علقمة نصر بن علقمة فرد الحديث إلى جبير بن نفير قال: قال عبدالله بن حوالة كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فشكونا إليه العري والفقر وقلة الشيء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أبشروا، فوالله لأنا من كثرة الشيء أخوفني عليكم من قلته، والله لا يزال هذا الأمر فيكم حتى يفتح الله تعالى أرض الشام وفارس وأرض الروم وأرض حمير حتى تكونوا ثلاثة أجناد: جنداً بالشام وجنداً باليمن وجنداً بالعراق، وحتى يعطى الرجل المائة فيتسخطها».

قال ابن حوالة، قلت: يا رسول الله، ومن يستطع الشام وبه الروم ذات القرون، قال: «والله ليفتحنها الله تعالى عليكم وليستخلفنكم فيها حتى تظل العصابة البيض منهم قمصهم المحلقة أقفاؤهم قياماً على الرويحل الأسود، منكم المحلوق وما أمرهم من شيء فعلوه، وإن بها اليوم رجالاً أنتم أحقر في أعينهم من القردان في أعجاز الإبل».

قال ابن حوالة، فقلت: يا رسول الله اختر لي إن أدركني ذلك الزمان، قال: «إني أختار لك الشام فإنه صفوة الله تعالى من بلاده، وإليه يجتبي صفوته من عباده، يا أهل اليمن عليكم بالشام؛ فإن صفوة الله من أرضه الشام، ألا فمن أبى فليستق من غدره اليمن فإن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله».

قال أبو علقمة: فسمعت عبدالله بن جبير يقول: فعرف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نعت الحديث في جزء بن سهيل السلمي، وكان على الأعاجم في ذلك الزمان فكان إذا راحوا إلى مسجد نظروا إليه وإليهم قياماً حوله فعجبوا لنعت رسول الله فيهم.

قال أبو علقمة: "أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث ثلاث مرات لا نعلم أنه أقسم في حديث مثله".

قلت: هذا حديث منكرٌ جداً، وهو مرسل، قال ابو حاتم: "نصر بن علقمة لم يدرك جبير بن نفير".

وأما حديث أبي يحيى فأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (3/152) قال: حَدَّثَنَا بَكْرُ بنُ سَهْلٍ، قال: حدثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ صَالِحٍ، قال: حدثَنَا مُعَاوِيَةُ بنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ نُفَيْرٍ، حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتَكُونُونَ أَجْنَادًا مُجَنَّدَةَ، جُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ، فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ وَفِيهَا خِيرَتُهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ».

ورواه أيضاً في «المعجم الكبير» (20/316) من طريق عَبْدُاللهِ بن صَالِحٍ، عن مُعَاوِيَة بن صَالِحٍ: حدثني سُلَيْمُ بن عَامِرٍ، عن جُبَيْرِ بن نُفَيْرٍ قال: «كنا مُعَسْكِرِينَ مع مُعَاوِيَةَ بَعْدَ قَتْلِ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما فَقَامَ مُرَّةُ بن كَعْبٍ الْبَهْزِيُّ فقال: أَمَا وَاللَّهِ لَوْلا شَيْءٌ سَمِعْتُهُ من رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم ما قُمْتُ هذا الْمَقَامَ قال: فلما سمع مُعَاوِيَةُ ذِكْرَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم أَجْلَسَ الناس فقال بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم جُلُوسٌ إِذْ مَرَّ عُثْمَانُ مُرَجِّلا مُعْدِقًا، فقال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: لَتَخْرُجَنَّ فِتْنَةٌ من تَحْتِ رِجْلِي أو من تَحْتِ قَدَمِي هذا وَمَنِ اتَّبَعَهُ يَوْمَئِذٍ على الْهُدَى فَقُمْتُ حتى أَخَذْتُ بِمَنْكِبِ عُثْمَانَ حتى لَفَتُّهُ إلى رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم، فقلت: هذا، قال: نعم هذا، وَمَنِ اتَّبَعَهُ يَوْمَئِذٍ على الْهُدَى، فَقَامَ عبد اللَّهِ بن حَوَالَةَ الأَنْصَارِيُّ من عِنْدِ الْمِنْبَرِ فقال: إِنَّكَ لِصَاحِبُ هذا؟ قال: نعم، قال: أَمَا وَاللَّهِ إني حَاضِرٌ ذلك الْمَجْلِسَ وَلَوْ كنت أَعْلَمُ أَنَّ لي في الْجَيْشِ مُصَدِّقًا لَكُنْتُ أَوَّلَ من تَكَلَّمَ بِهِ».

وأخرجه أحمد في «مسنده» (4/236) عن عبدالرحمن بن مهدي، عن مُعَاوِيَة، به.

وسيأتي قريب من لفظه عن قصة عثمان في حديث ابن شقيق عن ابن حوالة.

 قلت: تفرد به معاوية بن صالح الحضرميّ! وأصله حمصي، وكان قاضياً على الأندلس، خرج من حمص قديماً، واستقضي وهو ابن نيف وثلاثين سنة.

وقد وثقه أحمد وأبو زرعة وغيرهما.

وكان يحيى القطان لا يرضاه، قال علي بن المديني: سألت يحيى بن سعيد القطان عن معاوية بن صالح، فقال: "ما كنا نأخذ عنه في ذلك الزمان ولا حرفاً".

وقال يحيى بن معين: "معاوية بن صالح ليس برضا".

وقال أبو حاتم: "صالح الحديث، حسن الحديث، يُكتب حديثه ولا يُحتج به".

قال الليث بن عبدة: قال يحيى بن معين: كان ابن مهدي إذا حدث بحديث معاوية بن صالح زجره يحيى بن سعيد، وكان ابن مهدي لا يُبالي.

قال الذهبي: :وهو ممن احتج به مسلم دون البخاري، وترى الحاكم يروي في مستدركه أحاديثه ويقول: هذا على شرط البخاري فيهم في ذلك ويكرره!".

وقال محمد بن أحمد بن أبي خيثمة: "أردت أن أدخل الأندلس حتى افتش عن أصول كتب معاوية بن صالح، فلما قدمت طلبت ذلك فوجدت كتبه قد ذهبت لسقوط همم أهله، وكان معاوية يُغرب بحديث أهل الشام جداً".

وكتب عنه عبدالله بن صالح سنة سبع وخمسين ومائة، قدم عليهم حاجاً من الأندلس ومات معاوية بعد هذه السنة - بعد حجه بيسير توفي سنة ثمان وخمسين ومائة - وعبدالله بن صالح أكثر عنه، فهل كانت كتبه معه لما جاء مصر وسمع منه عبدالله بن صالح؟!

قال يزيد بن عبد ربه: "خرج معاوية بن صالح من حمص سنة خمسين وعشرين ومائة وهو شاب فسار إلى المغرب فولي قضاءهم"، قال: وسمعت أبا صالح سنة سبع عشر أو سنة عشرين يقول: "مر بنا معاوية بن صالح حاجاً سنة أربع وخمسين فكتب عنه الثوري وأهل مصر وأهل المدينة".

وقال حميد بن زنجويه: "قلت لعلي بن المديني، إنك تطلب الغرائب، فإت عبدالله بن صالح واكتب كتاب معاوية بن صالح تستفيد مائتي حديث".

قال ابن عدي في ترجمته من «الكامل» (6/406): "وعند أبي صالح كاتب الليث عن معاوية بن صالح كتاب طويل، ونسخة حسنة"، وذكر له بعض الأحاديث، ثم قال: "ولمعاوية بن صالح غير ما ذكرت حديث صالح: عند ابن وهب عنه كتاب، وعند أبي صالح عنه كتاب، وعند ابن مهدي ومعن عنه أحاديث عداد، وحدث عنه الليث وبشر بن السري وثقات الناس، وما أرى بحديثه بأساً، وهو عندي صدوق إلا أنه يقع في أحاديثه إفرادات".

قلت: وحاصل أمره أنه يُكتب حديثه ويُعتبر به، فما كان من مفاريد وغرائب فلا يُحتج بها، وكان يُغرب كثيراً في حديث الشاميين، وحديثنا هذا منها، فلا يُقبل.

ومن مفاريده: «ليشربن ناس الخمر يسمونها بغير اسمها»، وحديث: «اجلس فقد آذيت وآنيت»!

وإسناد حديثنا نازلٌ جداً، فسليم تابعي، وكذا جبير وهو مخضرم، ولا يُعرف أنه سمع من ابن حوالة الذي قيل إنه توفي سنة (58هـ).

فهذا الحديث فردٌ غريب من رواية معاوية بن صالح.

·       رواية أبي قُتَيلة مَرثد بن وَداعة الحمصيّ عن ابن حوالة:

روى أحمد في «مسنده» برقم (17005 ط الرسالة) قال: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ، وَيَزِيدُ بنُ عَبْدِ رَبِّهِ، قَالَا: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي بَحِيرُ بنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِي قُتَيْلَةَ، عَنِ ابنِ حَوَالَةَ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَيَصِيرُ الْأَمْرُ إِلَى أَنْ تَكُونُوا جُنُودًا مُجَنَّدَةً، جُنْدٌ بِالشَّامِ، وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ، وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ، قَالَ ابْنُ حَوَالَةَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَاكَ، قَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَإِنَّهُ خِيرَةُ اللهِ مِنْ أَرْضِهِ، يَجْتَبِي إِلَيْهِ خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ، فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَوَكَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ».

وأخرجه أبو داود في «سننه» (3/4) عن حَيْوَة بن شُرَيْحٍ الْحَضْرَمِيّ، عن بَقِيَّة، به.

وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/193) عن أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، عن حَيْوَة بن شُرَيْحٍ، به.

قلت: تفرد به بقية، والكلام فيه طويل جداً، وللعلماء فيه مذاهب، فمنهم من ضعفه، ومنهم من قبله، ومنهم من قيّد قبول حديثه بأن يكون الراوي عنه ثقة، أو أن يصرّح بالتحديث، أو أن يكون حديثه عن أهل بلده! وكان بقية صاحب تدليس عن الضعفاء والهلكى، وعنده مناكير كثيرة، ولهذا لم يحتج به صاحبا الصحيح.

فحديثه إذا انفرد به فلا يحتج به، وما في أسانيد الكتب من التصريح بالتحديث لا يُعتمد عليه إذ هذه الصيغ قد تكون خطأ من الكتب أو النسخ وغيرها، فلا نستطيع الجزم بأنه صرّح بتحديثه فيها.

وقد يصرح الراوي بالتحديث فيخطئ في ذلك ويدخل له إسناد في إسناد وغيره.

وشيخه بَحير بن سعد روى له البخاري في الأدب وفي أفعال العباد والباقون سوى مسلم، فكلاهما ليس على شرط الصحيح.

قال ابن عساكر بعد أن ساق حديث بقية في «تاريخ دمشق» (1/77): "كذا رواه ثور بن يزيد عن خالد بن معدان".

ثم ساقه من طريق أبي عصام رَوَّاد بن الْجَرَّاحِ العسقلانيّ، عَنْ صَدَقَةَ بن يزيد، عَنْ ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عَنْ خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، حَدَّثَنِي أَبُو قُتَيْلَةَ، قَالَ: شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بنَ أَبِي سُفْيَانَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى مِنْبَرٍ يَخْطُبُ إِذْ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَكَانَ أَوَّلُ مَا اسْتَفْتَحَ إِذْ قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذْ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ فَاتِحٌ لَكُمْ وَمُمَكِّنٌ لَكُمْ» فَقَالَ رَجُلٌ: خِرْ لِي قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ بِلَادِهِ يَجْتَبِي إِلَيْهَا خِيرَتَهُ مِنْ عِبَادِهِ».

قلت: روّاد مضطرب الحديث تغير حفظه في آخر عمره، وقال النسائي: "ليس بالقوي روى غير حديث منكر، وكان قد اختلط"، وقال الدارقطني: "متروك"، وقال ابن عدي: "عامة ما يرويه لا يُتابعه عليه الناس".

وشيخه صدقة بن يزيد الخراساني، قال فيه البخاري: "منكر الحديث"، وقال أحمد: "صدقة بن يزيد كان يكون في ناحية بيت المقدس، حديثه ضعيف"، وقال أبو حاتم: "صالح وصدقة بن خالد أحبّ إليّ منه"، ووثقه أبو زرعة، وضعفه النسائي، وقال ابن عدي: "هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق"، وقال الذهبي: " قلت: لعله أضعف من السمين، ولا شيء له في الكتب"، وقال ابن حبان: "كان ممن يحدث عن الثقات بالأشياء المعضلات على قلة روايته لا يجوز الاشتغال بحديثه عند الاحتجاج به".

قال ابن عساكر بعد أن ساق رواية بقية وثور: "وخالفهما فضالة بن شريك الحمصي عن خالد فقال: عن العرباض بن سارية، لم يذكر أبا قتيلة ولا ابن حوالة".

ثم ساقه من طريق محمد بن حِمْيَرٍ: حدثنا فَضَالَةُ بن شَرِيكٍ، عن خَالِدِ بن مَعْدَانَ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ السليمي، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه قام في الناس يوماً فوعظهم موعظة بليغة وجلت منها القلوب وذرفت منها الأعين العيون، فقال: أيها الناس يوشك أن تكونوا أجناداً مجندة: جند بالشام، وجند بالعراق، وجند باليمن، فقام عبدالله بن حوالة، فقال: يا رسول الله، إن أدركني ذلك فاختر لي قال إني اختار لكم الشام فإنه عقر دار المسلمين وصفوة الله من بلاده يجتبي إليها صفوته من خلقه وأما أنتم فكلتكم يمنكم اسقوا من غدركم فإن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله».

قلت: فضالة بن شريك هذا مجهول.

قال عبدالرحمن ابن ابي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: "لا أعرفه".

وقال في «علل الحديث» (2/419): سألت أبي عن حديث رواه عمرو بن عثمان عن ابن حمير عن فضالة بن شريك عن خالد بن معدان عن العرباض بن سارية أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظهم موعظة وجلت فيها القلوب وذرفت منه العيون، فقال: أيها الناس يوشك أن تكونوا أجناداً مجندة، فجند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن فذكر الحديث؟ قال أبي: "قد دخل له حديث في حديث: حديث ابن حوالة في حديث سعيد بن عبدالعزيز".

قلت: ولا نعرف لخالد بن معدان سماعاً من أبي قُتيلة!

وأبو قُتيلة هو: مرثد بن وداعة العمي، وقيل: الجعفي، وقيل: الشرعبي الحمصي، مختلف في صحبته.

أثبت صحبته البخاري، وذكره في الصحابة أيضاً أبو القاسم البغوي، وابن منده، وأبو نُعيم الأصبهاني، وابن عبدالبر، وغيرهم.

وأنكر ذلك أبو حاتم، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: "يروي المراسيل"، وكان قد ذكره قبل ذلك في الصحابة.

قال ابن أبي حاتم: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "مَرْثِدُ بْنُ وَدَاعَةَ أَبُو قُتَيْلَةَ الْحِمْصِيُّ لَيْسَ لَهُ صُحْبَةٌ، وَكَانَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَدْ كَتَبَ أَنَّ لَهُ صُحْبَةٌ فَخَطَّ عَلَيْهِ أَبِي رَحِمَهُ اللَّهُ".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص524): "مرثد بن وداعة الجعفي، وقيل غير ذلك في نسبه، أبو قتيلة، بالقاف والمثناة، مصغر، صحابي مقل، له رواية عن بعض الصحابة".

وقال في «الإصابة» (6/71): "وحجة البخاري واضحة، وذكره ابن حبان في الصحابة، ثم ذكره في التابعين، وله عند أبي داود والبغوي من رواية خالد بن معدان عنه عن عبدالله بن حواله حديث في فضل الشام، وذكره في الصحابة جماعة منهم مطين والطبراني في الكنى، وأورد له من رواية خالد بن معدان عنه حديثاً آخر".

قلت: يعني بقوله: "وحجة البخاري واضحة" يعني في اعتماده على الحديث الذي ذكره في ذلك! ولكن هذا من أوهام الإمام البخاري في الشاميين، فإنه كان يعتمد على نسخهم في إثبات الصحبة والترجمة للرواة، وقد نبه غير واحد على أن البخاري يهم في الشاميين، وقد بينت ذلك في مقالٍ خاص منشور – بفضل الله-.

قال الإمام الذهبي في «الكاشف» (2/250): "مرثد بن وداعة أبو قتيلة الحمصي عن عبدالله بن حوالة، وعنه حريز بن عثمان وصفوان بن عمرو. قال البخاري: له صحبة فوهم".

والخلاصة أن حديث بقية بهذا الإسناد لا يُحتج به؛ لأنه لم يُتابع عليه، والطرق الأخرى منكرة.

·       رواية سلمان بن سُمَير عن ابن حوالة:

أخرج أحمد في «المسند» (37/153 ط الرسالة) قال: حَدَّثَنَا عِصَامُ بنُ خَالِدٍ، وَعَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ قَالَا: حَدَّثَنَا حَرِيزٌ، عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ سُمَيْرٍ، عَنِ ابنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «تَكُونُ أَجْنَادٌ, جُنْدٌ بِالشَّامِ, وَجُنْدٌ بِالْيَمَنِ, وَجُنْدٌ بِالْعِرَاقِ, وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَيِّهَا بَدَأَ, فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَمَنْ كَرِهَ فَعَلَيْهِ بِيَمَنِهِ فَلْيَسْتَقِ مِنْ غُدُرِهِ, فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ».

وأخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» (2/133) عن أَحْمَد بن مُحَمَّدِ بنِ يَحْيَى بنِ حَمْزَةَ، عن عَلِيّ بن عَيَّاشٍ الْحِمْصِيّ، عن حَرِيز، به.

قلت: سلمان بن سُمير الشامي الألهاني ذكروه في التابعين وأنه يروي عن بعض الصحابة، وعن بعض التابعين مثل كثير بن مرة وجبير بن نفير، وهو ليس بذاك المشهور، ولا يُعرف له سماعاً من ابن حوالة!

قال ابن حجر في سلمان بن سُمير: "مقبول".

قلت: تتبعت حديثه فلم أجد له من الحديث المرفوع إلا هذا! وله ثلاثة آثار عن كثير بن مرة، وأثر عن أبي الدرداء، وآخر عن فضالة بن عُبيد.

وله مرسل في الفتن، رواه حريز بن عثمان وسعيد بن سنان عنه أنه قال: "سَيَنْزِلُ الْكُوفَةَ خَلِيفَةٌ، وَلَيُوطِئَنَّ أَهْلَ الشَّامِ هَزِيمَةً، ثُمَّ يُرَغَّبُ فِيهِمْ، وَيُقَالُ لَهُ: عَلَيْكَ بِأَرْضِ الشَّامِ فَإِنَّهَا الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ، وَأَرْضُ الْأَنْبِيَاءِ، وَمَنَازِلُ الْخُلَفَاءِ، وَإِلَيْهَا كَانَتْ تُجْبَى الْأَمْوَالُ، وَمِنْهَا كَانَتْ تُفَرَّقُ الْبُعُوثُ، فَيُجِيبُهُمْ، فَإِذَا أَجَابَهُمْ نَقِمَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْمَشْرِقِ، فَيَقُولُونَ: خَاطَرْنَا مَعَهُ بِدِمَائِنَا وَأَنْفُسِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَآثَرَ عَلَيْنَا غَيْرَنَا؟ فَيُخَالِفُونَهُ، فَيَسِيرُ أَهْلُ الشَّامِ إِلَى الْكُوفَةِ، فَيَوْمَئِذٍ تُعْرَكُ عَرْكَ الْأَدِيمِ".

قلت: الظاهر أنه كان يروي المراسيل كعادة أهل الشام، وقبول حديثه يتوقف على إثبات سماعه من عبدالله بن حوالة، وإلا يبقى الحديث على إرساله.

·       رواية عبدالله بن عبد، والحارث بن الحارث، وكثير بن مرة الحضرمي الحمصيّ، عن ابن حوالة:

أخرج ابن عساكر في «تاريخه» (1/80) من طريق الحسن بن حبيب بن عبدالملك الحصائري: أخبرنا أبو العباس عبدالله بن عبيد بن يحيى المعروف بابن أبي حرب - من أهل سلمية قدم علينا - أخبرنا أبو علقمة: نصر بن خزيمة بن جنادة، قال: أخبرني أبي، عن نصر بن علقمة، عن أخيه - يعني محفوظ بن علقمة -، عن ابن عائذ - وهو عبدالرحمن – قال: أخبرنا عبدالله بن عبد الثمالي، وجبير بن نفير، والحارث بن الحارث، وكثير بن مرة، ونفرٌ من الفقهاء: أنّ ابن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتكونن أجناد ثلاثة: جند بالشام وجند بالعراق وجند باليمن فعليكم بالشام؛ فإنها صفوة الله من بلاده، وإليها يجتبي صفوته من عباده، فمن أبى فليستق بغدر اليمن فإن الله تعالى قد تكفل لي بالشام وأهله».

قلت: هذا الإسناد يُروى به نسخة أحاديثها غرائب ومناكير! ويرويها عبدالله بن عبيد بن يحيى المعروف بابن أبي حرب، وهو مجهول لا يُعرف، ذكره ابن عساكر في «تاريخه» (29/365): "عبدالله بن عبيد بن يحيى أبو العباس بن أبي حرب السلماني، من أهل سلمية، قدم دمشق وحدث بها عن أبي علقمة نصر بن خزيمة بن جنادة الكناني الحمصي، وأبي سارة عبدالعزيز بن وحيد بن عبدالعزيز بن حليم البهراني، روى عنه الحسن بن حبيب".

وساق له حديثاً واحداً من هذه النسخة فيها وهم في اسم بعض الرواة.

وأبو علقمة نصر بن خزيمة بن جنادة لم أجد له ترجمة!

ومحفوظ بن علقمة الحضرمي، قال فيه ابن حبان: "من المتقنين، وكان يُغرب".

وعبدالرحمن بن عائذ ضعفه الأزدي، ووثقه النسائي، وهو يرسل كثيراً.

والغريب في هذا الحديث هذا الجمع العجيب بين الشيوخ! فإنّ صح فإنه يدلّ على انتشار هذا الحديث في حمص مرسلاً، فكلهم يروونه عن ابن حوالة، ولا يُعرف أن أحداً سمع منه، وسنحقق في ترجمته لاحقاً.

ومما سبق نلاحظ أن كثيراً ممن يروون هذا الحديث عن ابن حوالة هم من طبقة واحدة: جبير بن نفير وأبو إدريس الخولاني، وكثير بن مرة، وغيرهم، وبعضهم يروي عن بعض، وعادة ما يتداول أصحاب الطبقة الواحدة ممن يروون عن بعضهم هذه المراسيل إذا كانت مشتهرة في بلد، والشاميون معروف عنهم الإرسال.

·       رواية عبدالله بن شقيق العُقيلي البصريّ عن ابن حوالة:

روى الإمام أحمد في «مسنده» (ط الرسالة: 28/ 213) برقم (17004) قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ عَبْدِاللهِ بنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابنِ حَوَالَةَ، قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ دَوْمَةٍ وَعِنْدَهُ كَاتِبٌ لَهُ يُمْلِي عَلَيْهِ، فَقَالَ: "أَلَا أَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟" قُلْتُ: لَا أَدْرِي، مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ، فَأَعْرَضَ عَنِّي - وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ، مَرَّةً فِي الْأُولَى: "نَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟" قُلْتُ: لَا أَدْرِي، فِيمَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَأَعْرَضَ عَنِّي -، فَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟" قُلْتُ: لَا أَدْرِي، مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ. فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَأَكَبَّ عَلَى كَاتِبِهِ يُمْلِي عَلَيْهِ، قَالَ: فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِي الْكِتَابِ عُمَرُ، فَقُلْتُ: إِنَّ عُمَرَ لَا يُكْتَبُ إِلَّا فِي خَيْرٍ، ثُمَّ قَالَ: "أَنَكْتُبُكَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ؟"، قُلْتُ: نَعَمْ، فَقَالَ: "يَا ابنَ حَوَالَةَ كَيْفَ تَفْعَلُ فِي فِتْنَةٍ تَخْرُجُ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ كَأَنَّهَا صَيَاصِي بَقَرٍ؟"، قُلْتُ: لَا أَدْرِي، مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ: "وَكَيْفَ تَفْعَلُ فِي أُخْرَى تَخْرُجُ بَعْدَهَا كَأَنَّ الْأُولَى فِيهَا انْتِفَاجَةُ أَرْنَبٍ؟" قُلْتُ: لَا أَدْرِي، مَا خَارَ اللهُ لِي وَرَسُولُهُ، قَالَ: "اتَّبِعُوا هذَا"، قَالَ: وَرَجُلٌ مُقَفّي حِينَئِذٍ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ فَسَعَيْتُ، وَأَخَذْتُ بِمَنْكِبَيْهِ، فَأَقْبَلْتُ بِوَجْهِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: هَذَا؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قَالَ: وَإِذَا هُوَ عُثْمَانُ بنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ».

وأخرجه أبو داود الطيالسي في «مسنده» (2/577) عن حَمَّاد بن سَلَمَةَ، وَحَمَّاد بن زَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ حَوَالَةَ، به.

قال ابن عساكر في «تاريخه»: "ورواه خالد بن الحارث، عن كهمس، عن ابن شقيق، فأدخل بينه وبين أبي حوالة رجلاً".

ثم ساق من طريق أبي الحسن محمد بن سهل المقرئ: أخبرنا محمد بن إسماعيل البخاري قال: وقال عارم: حدثنا خالد بن الحارث: سمع كهمس، عن ابن شقيق، عن رجلٍ يُقال له: زايدة أو مزيدة، عن أبي حوالة قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فذكر فتنة تثور في أقطار الأرض قال: عليك بالشام.

قلت: كذا نقله ابن عساكر عن البخاري بإسناده إلى كتاب «التاريخ الكبير» ولكن لم أجده فيما بين أيدينا من كتاب البخاري! فيُحتمل أنه سقط من بعض النسخ، وهو لا شك في نسخته؛ لأن ابن أبي حاتم ذكره وهو يعتمد في كثير من تراجمه على كتاب البخاري حذو القذة بالقذة.

قال في «الجرح والتعديل» (3/612): "زائدة أو مزيدة، روى عن عبدالله بن حوالة، روى عنه عبدالله بن شقيق، سمعت أبي يقول ذلك".

وقد رُوي في بعض الطرق أن ابن حوالة هو "زائدة أو مزيدة"!

روى أحمد في «مسنده» (5/33) [حديث زَائِدَةَ أو مَزِيدَةَ بن حَوَالَةَ رضي الله عنه]، قال: حدثنا يَزِيدُ، قال: أخبرنا كَهْمَسُ بن الْحَسَنِ: حدثنا عبداللَّهِ بن شَقِيقٍ: حدثني رَجُلٌ من عَنَزَةَ يُقَالَ له: زَائِدَةُ أو مَزِيدَةُ بن حَوَالَةَ قال: كنا مع رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سَفَرٍ من أَسْفَارِهِ فَنَزَلَ، فذكره.

قال الضياء في «الأحاديث المختارة» (9/284) بعد أن ساقه: "أخرجناه اعتباراً فيحتمل، والله أعلم أن عبدالله بن حوالة كان اسمه زائدة أو مزيدة، ثم غير إلى عبدالله".

قلت: هذا بعيد، وإنما هناك خطأ من بعض الرواة، ويُشبه أن يكون من كهمس؛ لأن يزيد بن هارون وخالد بن الحارث اختلفا عليه! ويُحتمل أن ما حصل ليزيد أنه لفظة: "عن" تحولت إلى "بن" فاختلفت عن رواية الحارث، أو حصل العكس للحارث فاختلفت روايته عن رواية يزيد، واتفاقهما في ذكر: "زائدة أو مزيد" عن كهمس يدلّ على أن الوهم منه، والله أعلم.

وقد نسب ابن معين إلى يزيد بن هارون خطأ في هذا الحديث، فروى ابن أبي خيثمة قال: سُئل يحيى بن معين عن حديث يزيد بن هارون، عن كهمس بن الحسن، عن عبدالله بن شقيق، عن رجل من عنزة يقال له زائدة أو مزيدة بن حوالة: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزل في ظل دومة نحو حديث إسماعيل عن الجريري، ولم يذكر فيه عثمان! فقال: "خطأ من يزيد".

وقد اختلف أهل العلم في الترجمة لهذا الرجل تبعاً لهذا الإسناد.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/612): "زائدة أو مزيدة، روى عن عبدالله بن حوالة، روى عنه عبدالله بن شقيق، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حجر في «تعجيل المنفعة» (ص133): "زائدة بن حوالة، ويقال: مزيدة العنزي، له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عبدالله بن حوالة، وعنه عبدالله بن شقيق كذا قول الحسيني، وليست لزائدة رواية عن عبدالله بن حوالة، وإنما اختلفت الرواية عن عبدالله بن شقيق، هل الذي حدثه عبدالله بن حوالة وزائدة بن حوالة؟ فوقع في مسند البصريين من مسند أحمد: حدثنا يزيد بن هارون: حدثنا كهمس بن الحسن، عن عبدالله بن شقيق: حدثني رجل صالح من عنزة يقال له زائدة أو مزيدة بن حوالة، قال: كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في سفرة من أسفاره فنزل الناس منزلاً، ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظل دوحة فرآني وأنا مقبل من حاجة لي وليس عنده غير كاتبه، فقال أنكتبك يا ابن حوالة، الحديث، وفيه الحث على سكنى الشام، وأخرجه الطبراني في المعجم الكبير عن إدريس بن جعفر العطار، عن يزيد بن هارون بهذا السند مثله، لكن قال: عن ابن حوالة ولم يسمه ولا نسبه إلى عنزة، وأورده في مسند عبدالله بن حوالة فكأن شيخه لما لم يذكر اسمه فقال: عن ابن حوالة ظنّه الطبراني عبدالله بن حوالة لشهرته بخلاف زائدة! فإني لم أره إلا في هذا الحديث من هذا المسند، وزيادة أحمد لا ترد لو صرح غيره بخلافها فكيف ولا مخالفة إلا من جهة هذا الفهم، وقد أخرج أحمد والطبراني أيضاً هذا الحديث من طريق الجُريري، عن عبدالله بن شقيق فقال في رواية أحمد عن ابن علية عنه، عن ابن شقيق، عن ابن حوالة، لم يسمه، وقال في رواية الطبراني من طريق حماد بن سلمة، عن الجريري: عبدالله بن حوالة سماه (عبدالله) أيضاً، ولعل السبب فيه أيضاً نحو ما تقدم، ولم أر من ذكر زائدة هذا في الصحابة إلا ابن عبدالبر فإنه قال: زائدة بن حوالة أو مزيدة بن حوالة العنزي، له صحبة، وتابعه ابن الأثير، فقال: ذكره أبو عمر مختصراً، وتبعه الذهبي في التجريد، فزاد على اسمه علامة مسند أحمد في اصطلاحه مشيراً إلى ما وقع في هذا الحديث، وظهر أن الفرق بين عبدالله بن حوالة وزائدة بن حوالة هو أن عبدالله أزدي الأصل، وقيل: عامري، وزائدة عنزي، وأن عبدالله سكن الشام وروى عنه أهلها وأهل مصر، وأن زائدة بصري، روى عنه أهل البصرة: عبدالله بن شقيق، والمتن المذكور وإن شارك عبدالله بن حوالة في بعضه لا يستلزم تغليط الثقة، والله أعلم، وقد اغفل ابن عساكر ذكره في تاريخ الشام".

وقال أيضاً في قال في «الإصابة» (2/548): "زائدة بن حوالة العنزي: ذكره ابن عبدالبر مختصراً، وتبعه ابن الأثير، وعلّم له الذهبي علامة أحمد، وذكره العماد بن كثير في تسمية الصحابة الذين أخرج لهم أحمد، فقال: زائدة أو مزيدة بن حوالة في الجزء الثاني من مسند البصريين، فوجدت حديثه عند أحمد من طريق كهمس بن الحسن، عن عبدالله بن شقيق: حدثني رجل من عنزة يقال له زائدة أو مزيدة بن حوالة، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر من أسفاره فنزل الناس منزلاً، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم في ظل دوحة فرآني، وأنا مقبل من حاجة لي وليس غيره وغير كاتبه، فقال: أنكتبك يا ابن حوالة، الحديث، أخرجه يزيد بن هارون عن كهمس، وأخرج أحمد أيضاً في مسند عبدالله بن حوالة، عن إسماعيل بن علية، عن الجُريري، عن عبدالله بن شقيق، عن ابن حوالة، فذكر نحوه، هكذا أخرجه في مسند عبدالله بن حوالة، وليس في الخبر تسميته عبدالله، لكن أخرجه الطبراني من طريق حماد بن سلمة، عن الجريري، فسماه عبدالله، وعبدالله بن حوالة صحابي مشهور نزل الشام، وهو مشهور بالأزدي، وهو أشهر من زائدة راوي هذا الخبر، فلعل بعض رواته سماه عبدالله ظناً منه أنه ابن حوالة المشهور فسماه عبدالله، والصواب زائدة أو مزيدة على الشك، وليس هو أخا عبدالله؛ لأن عبدالله أزدي ويقال عامري حالف الأزد، وزائدة عنزي بمهملة ونون وزاي، ولم أر له ذكراً إلا في هذا الموضع من مسند أحمد".

قلت: هذا التفريق من ابن حجر بينهما فيه نظر! فالحديث قد رواه الثقات وسموا صاحبه: "عبدالله بن حوالة"، وإنما حصل خطأ في تسميته ونسبته، وما بناه عليه ابن حجر من النسبة له وجه لو صحّ الإسناد، لكن الإسناد فيه خلط، وأكثر الطرق على أن ابن شقيق البصري رواه عن عبدالله بن حوالة، فهو بهذا الاعتبار منقطع.

والحديث ضعيف على كلّ الأحوال، فابن شقيق لم يسمع من ابن حوالة، فهو مرسل، وإن كان بينهما رجل فهو مجهول لا يُعرف.

وقد أخرج الحاكم في «المستدرك» (3/105) من طريق حماد بن سلمة: حدثنا الجريري، عن عبدالله بن شقيق، عن عبدالله بن حوالة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذات يوم تهجمون على رجل معتجر ببردة يبايع الناس من أهل الجنة فهجمت على عثمان رضي الله عنه، وهو معتجر ببرد حبرة يبايع الناس».

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

قلت: هو منقطع بين ابن شقيق وابن حوالة! وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في منكرات الجريري، وتبعه على ذلك الإمام الذهبي في ميزانه.

وفي نهاية المطاف فهذه هي طرق هذا الحديث من حديث عبدالله بن حوالة وكلّها معلولة، وهذا تلخيص لها قبل أن نسوق ترجمة ابن حوالة ونفصّل فيها.

رواه عن عبدالله بن حوالة جماعة، هم: أبو إدريس الخولاني، وبُسر بن عبدالله الحضرمي، وأبو عبدالسلام صالح بن رستم، ويونس بن ميسرة بن حلبس الجُبُلاني الدمشقيين، وجُبير بن نفير الحضرمي، وأبو قُتيلة مَرثد بن وَداعة الحمصيّ، وسلمان بن سُمَير، وعبدالله بن عبد الثمالي، والحارث بن الحارث، وكثير بن مرة الحضرمي الحمصيون، وعبدالله بن شقيق العقيلي البصري.

أما حديث أبي إدريس: فقد رواه عنه: مكحول الدمشقي، ورواه عنه سبعة، هم: سعيد بن عبدالعزيز ابن أبي يحيى التنوخيّ الدمشقي فقيه أهل الشام، ومحمد بن راشد الخزاعي المكحولي، ومحمد بن عبدالله بن المهاجر الشعيثي، وعبدالرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الدمشقي، والمغيرة بن زياد الموصلي، والعلاء بن كثير، وبكار بن تميم الدمشقيان.

واختلف على مكحول فيه: فقد خالف سعيد بقية الرواة.

واختلف على سعيد فيه: فرواه بِشر بن بكر، وخيثمة بن سليمان، ويحيى بن حمزة، والوليد بن مزيد العذري، وعقبة بن علقمة البيروتي، وأبو حيوة شريح بن يزيد الحضرمي الحمصي، وسعيد بن المسلمة بن هشام الأموي، ومروان بن محمد الطاطري، وأبو مسهر عبدالأعلى بن مسهر الغساني الدمشقيان، كلّهم عن سعيد بن عبدالعزيز، عن مكحول، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وخالفهم ابن المبارك، ووكيع، وأبو إسحاق الفزاري، وأبو مُسهر، والوليد بن مسلم! فمنهم من أرسله، ومنهم من زاد فيه في إسناده!

رواه عبدالله بن المبارك المروزي، عن سعيد، عن ربيعة بن يزيد، فأرسله. ورواه ابن المبارك، عن موسى بن يسار، عن ربيعة بن يزيد، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، نحوه.

ورواه أبو سفيان وكيع بن الجراح، عن سعيد، عن ربيعة، عن الحولي، ولم يذكر "أبا إدريس".

ورواه أَبُو إِسْحَاقَ الْفَزَارِيُّ، عن سَعِيدِ بنِ عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرسلاً.

ورواه أبو مُسهر، عن سعيد بن عبدالعزيز، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عبدالله بن حوالة الأزدي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ورواهُ الوليد بن مسلم، عن سَعِيد بن عَبْدِالْعَزِيزِ، عَنْ مَكْحُولٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ حَوَالَةَ الْأَزْدِيِّ، عن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وقد خالف سعيد بن عبدالعزيز جماعة، وهم: محمد بن راشد الخزاعي المكحولي، ومحمد بن عبدالله بن المهاجر الشعيثي، وعبدالرحمن بن يزيد بن تميم السلمي الدمشقي، فرووه عن مكحول، عن ابن حوالة، وأسقطوا أبا إدريس من إسناده، وكذا رُوي عن الوليد بن مسلم عن سعيد عن مكحول.

ورواية المغيرة بن زياد الموصلي، والعلاء بن كثير، وبكار بن تميم الدمشقيان، عن مكحول، عن واثلة بدل: "ابن حوالة".

فرواية سعيد مضطربة، وحديث من خالفه يقدّم عليه، وهو مرسل.

ورواه هِشَام بن عَمَّارٍ، عن صَدَقَة بن خَالِدٍ، عن زَيْد بن وَاقِدٍ، عن بُسْرِ بن عُبَيْدِاللَّهِ، عن ابن حوالة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فرد غريب!

ورواه هشام بن عمار أيضاً، عن عبدالله بن عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، عن أبي عبدالسلام صالح بن رستم مولى بني هاشم، عن عبدالله بن حوالة الأزدي! وصالح بن رستم هذا مجهول لا يُعرف!

ورواه يُونس بن ميسرة بن حلبس الجُبُلاني الدمشقيّ عن ابن حوالة، واختلف على يونس فيه، فرُوي عنه عن ابن حوالة عن النبيّ صلى لله عليه وسلم، ورُوي عنه عن أبي إدريس عن ابن حوالة، ورُوي عنه عن أبي إدريس عن أبي الدرداء! وهو مضطرب!

ورواه جُبير بن نُفير الحضرميّ عن ابن حوالة، رواهُ عن جُبير: نصر بن علقمة، وأبو يحيى سُليم بن عامر الحمصي الكلاعيّ، ورواية نصر عن جبير مرسلة، وحديث سليم عامر تفرد به مُعَاوية بن صَالِحٍ، عنه، عن جُبَيْر بن نُفير، عن ابن حوالة، وحديث معاوية عن الشاميين فيه غرائب!

ورواه بَقِيَّة، عن بَحِير بن سَعْدٍ، عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن أَبِي قُتَيْلَةَ، عَنِ ابنِ حَوَالَةَ، وهذا تفرد به بقية، وتفرده مردود.

ورواه أبو عصام رَوَّاد بن الْجَرَّاحِ العسقلانيّ، عن صَدَقَةَ بن يزيد، عَنْ ثَوْرِ بنِ يَزِيدَ، عن خَالِدِ بنِ مَعْدَانَ، عن أَبي قُتَيْلَةَ، وروّاد منكر الحديث.

ورواه فَضَالَة بن شَرِيكٍ، عن خَالِدِ بن مَعْدَانَ، عَنِ الْعِرْبَاضِ بن سَارِيَةَ السليمي، وفضالة مجهول.

ورواه حَرِيزٌ بن عثمان، عن سُلَيْمَانَ بنِ سُمَيْرٍ، عَنِ ابنِ حَوَالَةَ، عن رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تفرد به حريز، ولا يُعرف لسليمان هذا رواية عن ابن حوالة!

ورواه عبدالله بن عبيد بن يحيى المعروف بابن أبي حرب - من أهل سلمية-، عن أبي علقمة نصر بن خزيمة بن جنادة، عن أبيه، عن نصر بن علقمة، عن أخيه محفوظ بن علقمة، عن عبدالرحمن بن عائذ، عن عبدالله بن عبد الثمالي، وجبير بن نفير، والحارث بن الحارث، وكثير بن مرة، ونفرٌ من الفقهاء: أنّ ابن حوالة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا إسناد فيه جهالة، وبعض رواته فيهم بعض الكلام.

ورواه عبدالله بن شقيق البصري، عن ابن حوالة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا منقطع، فعبدالله لم يسمع من ابن حوالة، ورُوي عنه عن رجل يقال له زائدة أو مزيدة، عن ابن حوالة، وهذا الرجل مجهول!

فهذه طرق هذا الحديث كلها معلولة، وأصل الحديث من مراسيل الشاميين، وكانت رواية المراسيل فيهم عادة، وخاصة في طبقة التابعين كما نبه على ذلك أهل النقد، وكثيراً ما كان ينبه على ذلك الإمام الذهبي، فيقول: "وهذا مرسل على عادة الشاميين في ذلك"، وكثرة هذه الطرق ممن يرويه من أهل حمص عن ابن حوالة قرينة على أن هذا الحديث مشهور عندهم بالإرسال؛ وإلا لوجدنا عناية أصحاب الحديث به، ولاشتهر لابن حوالة أصحاب حملوا حديثه، ووفاته متقدمة (58هـ).

وعليه ففي تصحيح الإمام الذهبي لهذا الحديث نظر! قال في «السير» (2/331): "صحيح".

وقال في «معجم الشيوخ الكبير» (1/283): "هذا حَدِيثٌ جَيِّدُ الإِسْنَادِ، وَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ شُعْبَةَ، فَقَالَ: عَنْ رَبِيعَةَ وَمَكْحُولٍ، كِلاهُمَا عَنْ أَبِي حَوَالَةَ كَذَا قَالَ، فَلَمْ يُوصِلْهُ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ شَيْخٍ لَهُ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنْ بُجَيْرٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قَتيلَةَ عَنْ أَبِي حَوَالَةَ، وَرَوَاهُ مَحْفُوظُ بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابنِ عَائِذٍ، عَنْ جَمَاعَةٍ، أَنَّ ابْنَ حَوَالَةَ قَالَ ذَلِكَ".

قلت: قد تبيّن لنا الاضطراب في أسانيد هذا الحديث.

·       ترجمة عبدالله بن حَوالة:

عبدالله بن حوالة، بالمهملة وتخفيف الواو، يُكنى أبا حوالة، وقيل: أبا محمد.

ونسبه الواقدي إلى بني عامر بن لؤي، ونسبه الهيثم بن عدي إلى الأزد، وهو الأشهر.

قال ابن الأثير: "ويمكن أن يكون حليفاً لبني عامر، وأصله من الأزد".

قال ابن حجر معقباً عليه: "قلت: أنكر كونه من الأزد ابن حبان، وقال: إنما هو الأردني بالراء وبعد الدال نون ثقيلة لكونه نزلها".

وقال في «تهذيب التهذيب» (5/170): "قلت: وقال ابن حبان: قال بعضهم الأردني نسبة إلى الأردن، كأن عنده أن الأزدي تصحيف!".

قال خليفة: "وعبدالله بن حوالة من الأزد بن الغوث".

وقال محمد بن سعد في تسمية من نزل الشام من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عبدالله بن حواله الأزدي، ويكنى أبا حوالة. قال الواقدي: وهو من بني معيص بن عامر بن لؤي، ويكنى أبا محمد، وكان يسكن الأردن".

قال ابن يونس في «تاريخ مصر»: "عبدالله بن حوالة الأزدي يكنى أبا حوالة، قدم مصر مع مروان، روى عنه من أهل مصر: ربيعة بن لقيط، وذكر له حديثاً، ثم قال: يقال توفي بالشام سنة ثمانين".

ومات عبدالله بن حوالة سنة ثمان وخمسين في آخر خلافة معاوية، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، قاله محمود بن إبراهيم، والواقدي، وخليفة، وغيرهم، وقيل: مات سنة ثمانين في الشام، وبه جزم ابن يونس وابن عبدالبر، والأرجح الأول، والله أعلم.

أَثبت صحبته البخاري.

قال في «التاريخ الكبير» (5/33): "عَبْداللَّه بن حوالة، لَهُ صحبِهِ.

قال عبدالله بن صالح: حدثني معاوية بن صَالِحٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى: أَنَّ جُبَيْرَ بنَ نُفَيْرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ حَوَالَةَ، عَنْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّكُمْ سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا فَجُنْدًا بِالْيَمَنِ وَجُنْدًا بِالشَّامِ وَجُنْدًا بِالْعِرَاقِ، فَعَلَيْكُمْ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلادِهِ فِيهَا خِيرَتُهُ مِنْ عِبَادِهِ".

قلت: أثبت البخاري - رحمه الله - صحبته وأورد هذا الحديث في ترجمته مشيراً إلى غرابته؛ لأنه من رواية معاوية بن صالح، وهذه عادة الإمام البخاري في الإشارة إلى ضعف الأحاديث، وقد مرّ الكلام على الحديث.

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (5/28): "عبدالله بن حوالة الأزدي: شامي، له صحبة، روى عنه جبير بن نفير، وأبو إدريس الخولاني، وعبدالله بن شقيق، ويحيى بن جابر، وربيعة بن يزيد، وربيعة بن لقيط، وصالح بن رستم، سمعت أبي يقول بعض ذلك، وبعضه من قبلي".

وتبع مسلمٌ الإمامَ البخاريَّ في ذلك، فقال في «الكنى والأسماء» (1/272): "أبو حوالة عبدالله بن حوالة الأزدي، له صحبة".

وذكره ابن حبان في «الثقات» (3/243) في الصحابة، قال: "عبدالله بن حوالة الأزدي، سكن الشام، ومنهم من يقول: عبدالله بن حوالة الأردني، ومن قال ذلك فقد نسبه إلى الأردن مدينة بالشام، وكان يسكنها، روى عنه أهل الشام، مات ابن حوالة سنة ثمان وخمسين في ولاية معاوية، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، كنيته أبو محمد، وقد قيل: أبو حوالة".

وذكره أبو نُعيم في «الحلية» (2/3) قال: "وذكر عبدالله بن حوالة الأزدي في أهل الصفة وهو ممن سكن الشام، حكاه عن أبي عيسى الترمذي".

قال ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (27/433): "عبدالله بن حوالة أبو حوالة، ويقال: أبو محمد، كذلك كناه أبو حسان الزيادي، الأزدي، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، روى عنه: أبو إدريس الخولاني، وعبدالله بن شقيق العقيلي، وأبو قتيلة مرثد بن وداعة المعني، وعبدالله بن زغب الإيادي، وجبير بن نفير، وربيعة بن لقيط، وسلمان بن سمير، وعبدالله بن عبد الثمالي، وكثير بن مرة، والحارث بن الحارث، الحمصيون، وبسر بن عبيدالله الدمشقي، ويحيى بن جابر الطائي، وصالح بن رستم، ونزل الأردن، وقيل: إنه سكن دمشق".

قال أبو بكر ابن البرقي: "عبدالله بن حوالة الأزدي كان يسكن دمشق، جاء عنه أربعة أحاديث".

قلت: قد تقدم اثنين: حديث فضل الشام، ولم يصح عنه، وحديث عثمان، وهو منكر!

أما الحديث الثالث:

فرواهُ يَزِيدُ بن أبي حَبِيبٍ، عن رَبِيعَةَ بن لَقِيطٍ، عن عبداللَّهِ بن حَوَالَةَ: أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: «من نَجَا من ثَلاَثٍ فَقَدْ نَجَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ: موتي، وَالدَّجَّالِ، وَقَتْلِ خَلِيفَةٍ مُصْطَبِرٍ بِالْحَقِّ مُعْطِيهِ».

أخرجه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/490) عن شَبَابَة، عن لَيْثِ بن سَعْدٍ.

وأحمد في «المسند» (4/105) عن يحيى بن إِسْحَاقَ، عن يحيى بن أَيُّوبَ. وفي (5/288) عن حَجَّاج، عن لَيْث.

والحاكم في «المستدرك» (3/108) من طريق أبي عبدالله محمد بن عبدالله بن عبدالحكم المصري، قال: حدثني أبي وشعيب بن الليث، قالا: حدثنا الليث.

وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (39/292) من طريق ابن وهب، عن ابن لهيعة.

كلّهم (الليث بن سعد، ويحيى بن أيوب، وابن لهيعة) عن يزيد بن أبي حبيب، به.

قال ابن لهيعة والليث: "الخليفة هو عثمان".

قال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وربيعة بن لقيط التجيبيّ ذكره في التابعين: البخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبو حاتم، والعجلي، وابن يونس، وغيرهم.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (3/283): "ربيعة بن لقيط التجيبي عن عبدالله بن حوالة، يُعدّ في المصريين. وقال ابن المثنى: حدثنا وهب: سمع أباه: سمع يحيى بن أيوب، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعة بن لقيط، عن مالك بن هدم، عن عوف بن مالك: غزونا مع عمرو بن العاصي ومعنا عمر وأبو عبيدة".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/475): "ربيعة بن لقيط التجيبي، روى عن عبدالله بن حوالة، ومالك بن هدم، روى عنه يزيد بن أبي حبيب، سمعت أبي يقول ذلك".

ثم قال: "ربيعة بن لقيط التجيبي، مصري، روى عن معاوية، وعمر، وعبدالله بن حوالة، ومطعم بن عبيدة، روى عنه ابنه إسحاق بن ربيعة، ويزيد بن أبي حبيب".

قلت: فرّق ابن أبي حاتم بينهما! فوهم، والصواب أنهما واحد.

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/230): "ربيعة بن لقيط التجيبي، من أهل مصر، يروي عن عبدالله بن حوالة، روى عنه أهل مصر".

وقال أبو سعيد بن يونس في «تاريخ مصر»: "شهد صفين مع معاوية".

وقال العجلي في «معرفة الثقات» (ص358): "ربيعة بن لقيط التجيبي، مصري، تابعي، ثقة".

قلت: إسناد الحديث ظاهره جيد، ولكن متنه منكر!! والذي يظهر لي أن ما يُروى عن ابن حوالة في الفتن، منها حديثان في فتنة عثمان، هذا والذي قبله!!

وربيعة هذا لا نعرف له سماعاً من ابن حوالة، والحديث منكر!!

وهذا الحديث قد رُوي عن يحيى بن أيوب الغافقي، لكن لا يُعرف عنه في مصر.

قال أبو سعيد بن يونس عن يحيى بن أيوب الغافقي: "كان أحد الطلابين للعلم، حدث عن أهل مكة، والمدينة، والشام، ومصر، والعراق، وحدث عنه الغرباء بأحاديث ليست عند أهل مصر عنه، فحدث عنه يحيى بن إسحاق السالحيني، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ربيعه بن لقيط، عن ابن حوالة: من نجا من ثلاث، فليس هذا بمصر من حديث يحيى".

قلت: فالرواية عن يحيى بن أيوب لا تصح، فتبقى رواية الليث وابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب، والحديث ضعيف لا يُحتج به.

وأما الحديث الرابع:

فرواهُ مُعَاوِيَة بن صالح، عن ضَمْرَةَ بن حَبِيبٍ: أَنَّ ابن زُغْبٍ الأيادي حدّثه قال: «نَزَلَ عَلَيَّ عبداللَّهِ بن حَوَالَةَ الأزدي، فقال لي - وأنه لَنَازِلٌ عليّ في بيتي -: بَعَثَنَا رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَوْلَ الْمَدِينَةِ على أَقْدَامِنَا لِنَغْنَمَ، فَرَجَعْنَا ولم نَغْنَمْ شَيْئاً، وَعَرَفَ الْجَهْدَ في وُجُوهِنَا، فَقَامَ فِينَا فقال: اللهم لاَ تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فاضعف، وَلاَ تَكِلْهُمْ إلى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عنها، وَلاَ تَكِلْهُمْ إلى الناس فَيَسْتَأْثِرُوا عليهم، ثُمَّ قال: لَيُفْتَحَنَّ لَكُمُ الشَّامُ وَالرُّومُ وَفَارِسُ - أَوِ الرُّومُ وَفَارِسُ - حتى يَكُونَ لأَحَدِكُمْ مِنَ الإِبِلِ كَذَا وَكَذَا، وَمَنَ الْبَقَرِ كَذَا وَكَذَا، وَمِنَ الْغَنَمِ حتى يعطي أَحَدُهُمْ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَسْخَطَهَا، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ على رأسي - أو هامتي- فقال يا ابن حَوَالَةَ إذا رَأَيْتَ الْخِلاَفَةَ قد نَزَلَتِ الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلاَزِلُ، وَالْبَلاَيَا، وَالأُمُورُ الْعِظَامُ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إلى الناس من يدي هذه من رَأْسِكَ».

أخرجه أحمد في «مسنده» (5/288) عن عبدالرحمن بن مَهدي.

وأبو داود في «سننه»، باب في الرَّجُلِ يَغْزُو يَلْتَمِسُ الْأَجْرَ وَالْغَنِيمَةَ، (3/19)، عن أَحْمَد بن صَالِحٍ، عن أَسَد بن مُوسَى.

قال أبو دَاوُد: "عبداللَّهِ بن حَوَالَةَ حِمْصِيٌّ".

وأخرجه الحاكم في «المستدرك» (4/471) من طريق هارون بن سليمان الأصبهاني، عن عبدالرحمن بن مهدي.

والضياء المقدسي في «المختارة» (9/275) من طريق حرملة بن يحيى، عن ابن وهب.

وأبو يعلى في «مسنده» (12/281) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن زيد بن الحباب. ووقع عنده: "زغب بن فلان الأزدي". فقال ابن عساكر: "كذا قال! وإنما هو عبدالله بن زغب".

والطبراني في «مسند الشاميين» (3/173) من طريق أسد بن موسى وعبدالله بن صالح.

والبخاري في «التاريخ الكبير» (8/436) عن عبدالله بن صالح كاتب الليث.

كلهم (ابن مهدي، وأسد بن موسى، وزيد بن الحباب، وعبدالله بن صالح) عن معاوية بن صالح، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وعبدالرحمن بن زغب الأيادي معروف في تابعي أهل مصر".

وحسّن إسناده الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (6/29).

وقد اختلف أهل العلم في «ابن زغب»، فمنهم من سماه "عبدالله"، ومنهم من سماه: "عبدالرحمن"، ومنهم من سماه: "زغب بن عبدالله"، ومنهم من لم يُسمه!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/436): "ابن زُغْب الأيادي، قال عبدالله بن صالح: حدثنا معاوية: أن ضمرة بن حبيب حدثه، عن ابن زغب الأيادي قال: نزل بي عبدالله بن حوالة الأزدي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم... الحديث بطوله".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/320): "بن زغب الأيادي، روى عن عبدالله بن حوالة، روى عنه ضمرة بن حبيب، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن حبان في «الثقات» (4/271): "زغب بن عبدالله، يروي عن عبدالله بن حوالة، روى عنه ضمرة بن حبيب، يُغرب".

وقال الذهبي في «الكاشف» (1/552): "عبدالله بن زغب الإيادي، عن عبدالله بن حوالة، وعنه ضمرة بن حبيب، ليس بمشهور".

وقال ابن حجر في «التقريب» (ص303): "عبدالله بن زغب، بزاي ومعجمة وموحدة الإيادي، شامي، صحابي، ونفاها بعضهم، له حديث، وروى له أبو داود آخر عن عبدالله بن حوالة".

وقال في «تهذيب التهذيب» (5/191): "ذكر بعضهم منهم: ابن عبدالبر، وابن ماكولا، أن له صحبة، وقال ابن منده: قال أبو زرعة الدمشقي: له صحبة، قال ابن منده: وخالفه غيره، وقال أبو نعيم: مختلفٌ في صحبته، يعد من تابعي أهل حمص، وساق له عن الطبراني حديث من كذب عليّ صرح فيه بسماعه من النبيّ صلى الله عليه وسلم، والإسناد لا بأس به".

وقال في «الإصابة» (4/95): "عبدالله بن زغب الإيادي، قال أبو زرعة الدمشقي وابن ماكولا: له صحبة، وقال العسكري: خرجه بعضهم في المسند، وقال أبو نعيم: مختلف فيه، وقال ابن منده: لا يصح، ثم أخرج من طريق محفوظ بن علقمة، عن عبدالرحمن بن عائذ، عن عبدالله بن زغب الإيادي: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، وأخرجه الطبراني من هذا الوجه، وجاء عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قصة قس بن ساعدة، وله رواية عن عبدالله بن حوالة في سنن أبي داود".

قلت: ابن زغب لا يُعرف إلا بهذا الحديث من رواية ضمرة بن حبيب! وهو في عِداد التابعين، وليس له صحبة، والعجب من ابن حبان كيف يقول عنه: "يُغرِب" وليس له إلا هذا الحديث! فالذي يغرب تكون أحاديثه كثيرة فيها غرائب!

والحديث فيه نكارة!

وأما الإسناد الذي مشّاه ابن حجر في إثبات صحبته فهو إسناد ضعيف!

والحديث رواه الطبراني في «طرق حديث من كذب عليّ» (ص165) قال: حدثنا أحمد بن هارون بن روح البرذعي، قال: حدثنا سليمان بن عبدالحميد البهراني، قال: حدثنا أبو علقمة نصر بن خزيمة: أن أباه حدثه، عن نصر بن علقمة، عن أخيه محفوظ بن علقمه، عن عبدالرحمن بن عائذ، عن عبدالله بن زغب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار».

فأبو علقمة نصر بن خزيمة بن جنادة لم أجد له ترجمة!

ومحفوظ بن علقمة الحضرمي، قال فيه ابن حبان: "من المتقنين، وكان يُغرب".

وعبدالرحمن بن عائذ ضعفه الأزدي، ووثقه النسائي، وهو يرسل كثيراً.

ويُروى بهذه السلسلة أحاديث كثيرة في عدد منها نكارة واضحة، فلا يُعتمد عليها.

وبهذا يتبيّن لنا أنه لم يصح أيّ حديث لعبدالله بن حوالة، وهذا لا يعني نفي صحبته، فليس من شرط الصحابي أن تكون له رواية، والله أعلم.

·       شواهد الحديث:

سنعرض لشواهد الحديث لأن بعض المشتغلين بهذا العلم يصححون أحاديث كثيرة بالشواهد ولو كانت واهية.

ومن هؤلاء الشيخ الألباني فإنه علّق على هذا الحديث أثناء تحقيقه لكتاب أبي الحسن الربعي «فضائل الشام ودمشق» (ص: 10) قال: "قلت: حديث صحيح جدًّا؛ فإن له أربعة طرق:

الأولى: طريق المُصنف، وهي من طريق مكحول، عن ابن حوالة، على خلافٍ عليه فيه.

أخرجه الحاكم "4/ 510"، وأحمد "5/ 33"، وابن عساكر "1/ 47-56", وقال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي.

والطريق الثاني: أخرجه أبو داود "1/ 388"، وأحمد "4/ 110" من طريق أبي قتيلة، عن ابن حوالة. وإسناده صحيح.

والثالث: أخرجه أحمد أيضًا "5/ 288" من طريق سليمان بن سمير عنه.

والرابع: أخرجه الطحاوي في "مُشْكَل الآثار" "2/ 35", عن جبير بن نفير عنه.

وله طريق خامس رواه المُصنّف، وسيأتي الكلام عليه في الحديث التاسع.

وله شواهد من حديث أبي الدرداء وغيره" انتهى.

قلت: هذه الشواهد كلها واهية لا تصلح لشد عضد هذا الحديث.

·       حديث أبي الدرداء:

أخرج البزار في «مسنده» (10/79) قال: حَدَّثنا عُمَر بن الخطاب السجستاني، قَال: حَدَّثنا هشام، قَال: حَدَّثنا سليمان بن عتبة، قَال: حَدَّثنا يُونُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، عَن أَبِي إِدْرِيسَ، عَن أَبِي الدَّرْدَاءِ، رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قَالَ: إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا، جُنْدًا بِالشَّامِ، وَمِصْرَ، وَالْعِرَاقِ، وَالْيَمَنِ، قَالُوا: فَخِرْ لَنَا يَا رَسولَ اللهِ. قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ، قَالُوا: إِنَّا أَصْحَابُ مَاشِيَةٍ، ولاَ نُطِيقُ الشَّامَ، قَالَ: فَمَنْ لَمْ يُطِقِ الشَّامَ فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ.

قال البزار: "وَهَذَا الْحَدِيثُ لا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ هَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوٌ مِنْ هَذَا الْكَلامِ وَذَكَرْنَا حَدِيثَ أَبِي الدَّرْدَاءِ لِجَلالَتِهِ وَحُسْنِ إِسْنَادِهِ".

قلت: قد تقدم الكلام على هذا الحديث، والاختلاف على يونس فيه، فرُوي عنه عن ابن حوالة عن النبيّ صلى لله عليه وسلم، ورُوي عنه عن أبي إدريس عن ابن حوالة، ورُوي عنه عن أبي إدريس عن أبي الدرداء!

وحديث سليمان بن عتبة هذا غير صحيح، والصواب أن الحديث "عن ابن حوالة"، لا "عن أبي الدرداء"، وسليمان ضعيف.

·       حديث سليمان صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم!

روى ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/321) وفي كتاب «الجهاد» (2/695) قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ عَمَّارٍ، قال: حدثنا يَحْيَى بنُ حَمْزَةَ، قال: حدثنا عُرْوَةُ بنُ رُوَيْمٍ، قال: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ جُرَشٍ، قال: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ، - قَالَ هِشَامٌ وَهُوَ ابنُ صُرَدٍ - قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِصَابَةٍ فَجَاءَتْهُ عِصَابَةٌ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا قَرِيبِ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَكُنَّا نُصِيبُ الْآثَامَ وَالزِّنَا فَأَرَدْنَا أَنْ نَجْلِسَ فِي الْبُيُوتِ نَصُومُ وَنَقُومُ حَتَّى يُدْرِكَنَا الْمَوْتُ فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَسْأَلَتِهِمْ حَتَّى عُرِفَ السُّرُورُ فِي وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا وَيَكُونُ لَكُمْ ذِمَّةٌ وَخَرَاجٌ وَيَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَكُمْ مِنْهَا مَا يَكُونُ عَلَى سَيْفِ بَحْرٍ مَدَائِنَ وَقُصُورًا فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُجْلِسَ نَفْسَهُ فِي مَدِينَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَدَائِنِ فَلْيَفْعَلْ حَتَّى يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ».

قلت: كذا سماه هشام بن عمار: "سليمان بن صُرد" واعتمده ابن أبي عاصم فأسنده في ترجمة: "سليمان بن صرد رضي الله عنه"! وقد وهم هشام بن عمار في تسميته، وتابعه على غلطه ابن أبي عاصم، وسليمان بن صرد صحابي مشهور، وهذا الحديث ليس من روايته.

وقد رواه منصور بن أبي مزاحم ولم يسمّه، وهو أوثق من هشام بن عمّار.

أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (1/394) من طريق عبدالله بن محمد، عن منصور بن أبي مزاحم، عن يحيى بن حمزة، عن عروة بن رويم، قال: حدثني شيخ من جرش، قال: حدثني سليمان، قال: كنت جالساً... فذكره.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/1): "سليمان، حديثه في الشاميين، سمع النبي صلى الله عليه وسلم: ستجندون أجناداً، قاله سليمان: حدثنا يحيى بن حمزة: حدثنا عروة بن رويم: حدثني شيخ: سمع سليمان".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/150): "سليمان صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم، روى عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان جالساً معه في أصحابه، فقال: إنكم ستجندون أجناداً، ويكون لكم ذمة وخراجاً. روى عروة بن رويم، عن شيخ من جرش عنه، أدخله أبو زرعة في مسند الشاميين، وأدخله أبي في كتاب الوحدان، وترجم: سليمان صاحب النبيّ صلى الله عليه وسلم".

وقال ابن حجر في «الإصابة» (3/173): "سليمان بن أبي سليمان الشامي، قال أبو حاتم: له صحبة... وقال البغوي: لا أعلم بهذا الإسناد إلا هذا الحديث، وأخرجه أبو حاتم في الوحدان، وقال فيه: عن سليمان صاحب النبي صلى الله عليه وسلم".

قلت: الحديث هذا عن رجلٍ مجهول، فلا يصح الاستدلال به على عدّ سليمان هذا من الصحابة! وعروة بن رويم اللخمي (ت 135هـ) معظم حديثه مرسل.

قال إبراهيم بن مهدي المصيصي: "ليت شعري أني أعلم عروة بن رويم ممن سمع! فإن عامة أحاديثه مراسيل".

وقال ابن أبي حاتم: سُئِل أبي عن عروة بن رويم، فقال: "تابعي، عامة حديثه مراسيل".

قلت: فهذا الشاهد عن سليمان باطل لا يصح.

·       حديث ابن عمر:

روى البزار في «مسنده» (12/25) قال: حَدَّثنا مُحَمد بنُ عَبدالرَّحْمَنِ بْنِ المُفَضَّل الحراني، قال: حَدَّثنا عُثمَان بن عَبدالرحمن الحراني، قال: حَدَّثنا عَبدالرَّحْمَنِ بنُ ثَابِتٍ، عَن أَبِي الْعَوَّامِ، عَن عَبدالْمَلِكِ بنِ مُسَاحِقٍ، عَن ابنِ عُمَر، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قَالَ: «إِنَّكُمْ سَتُجَنِّدُونَ أَجْنَادًا فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسولَ اللهِ خِرْ لِي قَالَ: عَلَيْكَ بِالشَّامِ فَإِنَّهَا صَفْوَةُ اللَّهِ مِنْ بِلادِهِ فِيهَا خِيرَةُ اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ فَمَنْ رَغِبَ، عَن ذَلِكَ فَلْيَلْحَقْ بِنَجْدِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ».

قال البزار: "وهذا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن ابنِ عُمَر إلا مِن هذا الْوَجْهِ بِهَذَا الإسناد".

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/82) من طريق أبي محمد عبدالله بن محمد بن جعفر بن حيان أبي الشيخ، عن أحمد بن الحسن بن عبدالملك، عن أبي أمية الحراني، عن عثمان بن عبدالرحمن، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن العوام، عن عبدالله بن مساحق.

قال ابن عساكر: "الصواب: أبو العوام، كذا روي عن عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي الحراني. ورواه محمد بن سليمان بن أبي داود الحراني المعروف بالبومة عن ابن ثوبان فقال: عن أبي العوام".

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (4/153) عن عَلِيّ بن سَعِيدٍ الرَّازِيّ، عن إِسْحَاق بن زُرَيْقٍ الرَّسْغَنِيّ، عن عُثْمَان بن عَبْدِالرَّحْمَنِ، به.

قال الطبراني: "لم يَرْوِ هذا الْحَدِيثَ عَنِ ابنِ ثَوْبَانَ إِلَّا عُثْمَانُ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ".

قلت: هذا إسناد منكر!

عثمان بن عبدالرحمن الطرائفي الحرّاني، قال ابن نُمير: "كذاب".

وقال ابن عدي: سمعت أبا عروبة ينسبه إلى الصدق، وقال: "لا بأس به، متعبد، ويحدِّث عن قوم مجهولين بالمناكير".

قال ابن عدي: "وصورة عثمان بن عبدالرحمن أنه لا بأس به كما قال أبو عروبة، إلا أنه يحدث عن قوم مجهولين بعجائب، وتلك العجائب من جهة المجهولين، وهو في أهل الجزيرة كبقية في أهل الشام، وبقية أيضاً يحدِّث عن مجهولين بعجائب، وهو في نفسه ثقة لا بأس به، صدوق، ما يقع فيه حديثه من الإنكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه".

وقال ابن حبان: "يروي عن أقوام ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها، فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات وحمل عليه الناس في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها على حالة من الأحوال لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الثقات".

وعبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان الشامي ضعيف الحديث ويروي المنكرات.

وعبدالملك بن مساحق ليس بذاك.

·       حديث عبدالله بن يزيد:

أخرج ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (5/215) قال: حدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ إِشْكَابَ، قال: حدثنا إِسْحَاقُ بنُ إِدْرِيسَ، قال: حدثنا أَبَانُ بنُ يَزِيدَ، قال: حدثنا يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ، قال: حدثنا أَبُو قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَكُونُ بِالشَّامِ جُنْدٌ وَبِالْعِرَاقِ جُنْدٌ وَبِالْيَمَنِ جُنْدٌ " فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: خَرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ»

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (1/83) من طريق الطبراني، عن أحمد بن زهير التستري، عن ابن إشكاب، به.

قال الطبراني: "كذا رواه الطبراني في مسنده عن عبدالله بن يزيد الخثعمي، ولا يثبت له صحبة، وقد رواه أبو بكر بن أبي عاصم عن ابن إشكاب مختصراً".

ثم قال: "المحفوظ عن أبي قلابة عبدالله بن زيد الجرمي حديثه عن سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه بلفظ آخر"، ثم ساقه من طريق الإمام أحمد عن الوليد بن مسلم: حدثنا الأوزاعي أن يحيى بن أبي كثير حدثه: أن أبا قلابة حدثه عن سالم بن عبدالله، عن عبدالله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تخرج نار من حضرموت - أو نحو من حضرموت - فتسوق الناس، قلنا، يا رسول الله: ما تأمرنا، قال: عليكم بالشام».

قلت: يعني الطبراني أن هذا الإسناد هو لمتنٍ آخر، وكان ينبغي أن يسوق لإسناد أبان بن يزيد الذي عند الإمام أحمد في «مسنده» (ط الرسالة:10/30) قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ إِسْحَاقَ، قال: حَدَّثَنَا أَبَانُ بنُ يَزِيدَ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَخْرُجُ نَارٌ مِنْ قِبَلِ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ. قَالَ: قُلْنَا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ».

فكلا الحديثين من طريق أبان بن يزيد العطّار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة، فالذي حدث أن أبا قلابة اسمه: "عبدالله بن زيد" فكأنه تحرّف على إسحاق بن إدريس البصري، وهو ضعيف، فجعله: "عن عبدالله بن يزيد"! لأن الحديث أصلاً مرسل، رُوي عن أبي قلابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، وهذه علته.

كذا رواه عَبْدُالرَّزَّاقِ في «مصنفه»، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَكُونُ بِالشَّامِ جُنْدٌ، وَبِالْعِرَاقِ جُنْدٌ، وَبِالْيَمَنِ جُنْدٌ»، فَقَالَ: خِرْ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «عَلَيْكَ بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ وَلْيَسْتَقِ بِغُدُرِهِ، فَإنَّ اللَّهَ قَدْ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ» قَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ قَتَادَةُ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ: «فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ».

قلت: وهذا من مراسيل أبي قلابة التي سمعها بالشام، وكان – رحمه الله- نزل الشام ومات بها، وأوصى بكتبه لأيوب السختياني فجيء بها في عدل راحلة، وهذا يدلّ على أن هذا الحديث كان منتشراً في الشام مرسلاً.

وأما حديث أبي قلابة، عن سالم، عن أبيه، فقال فيه الترمذي: "وهذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابنِ عُمَرَ".

وقال البزار: "وهذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى مِنْ حَدِيثِ سَالِمٍ، عَن ابنِ عُمَر إلاَّ بِرِوَايَةِ أَبِي قِلاَبَة".

قلت: ورواه نافع، عن ابن عمر، عن كعب الأحبار قال: "تخرج نار...".

وقد حكى الأثرم عن أحمد أنه رجّح رواية نافع على الرواية التي رُويت عن سالم، والقلب إلى هذا أميل، فيكون الحديث من الإسرائيليات، والله أعلم.

وفي نهاية هذا البحث يتبيّن لنا أن حديث الأجناد فيه اضطراب شديد، وهو منتشر بالإرسال في الشام، وشواهده واهية، والله تعالى أعلم وأحكم.

ولا ننسى أن ننبه إلى أنه من أصعب أحاديث الأمصار التي تحتاج لعمق كبير في الدراسة: "حديث الشاميين"، فليس من السهل أن تحكم على حديثٍ شاميّ بأنه صحيح أو ضعيف إلا بعد التعمق في حديثهم..

وكأن الإمام الحافظ الطبراني أحس بذلك، ولهذا صنّف كتاب "مسند الشاميين"، وهو كتاب نفيس تدور أسانيد الشاميين عليه.

·       تنبيهان مهمان:

التنبيه الأول:

قال ابن أبي حاتم في «العلل»: وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي شَيْبان، عن يُونُسَ بْنِ مَيْسَرة بنِ حَلْبَس، عَنْ أبي إدريس، عن عبدالله بن حَوَالَة، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالَ: تُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا؟

قالَ: "هُوَ صحيحٌ حسنٌ غريبٌ".

قلت: كذا جاء في علل ابن أبي حاتم! وهذا غريبٌ جداً! فهذا المصطلح «صحيح حسن غريب» ليس من مصطلحات أبي حاتم الرازي! ووجوده في كتاب العلل لا يتفق وموضوع الكتاب وهو بيان علل الأحاديث! فابن أبي حاتم يسأل أباه عن علل أحاديث رُويت في أبواب معينة وليس من منهجه تصحيح الأحاديث التي يُسئل عنها! وإنما أحياناً يتكلم على علل بعض الطرق ثمّ يصحح بعضها، وأما أن يصحح حديثاً هكذا دون بيان طرقه أو علله فهذا غريب!!

وكأن الصواب أنه أجاب بـ "غريب" لما سأله ابنه، وأضيف في النسخ إلى ذلك "صحيح حسن" - وهو مصطلح يستخدمه الترمذي كثيراً - والله أعلم.

وعلى فرض تصحيح أبي حاتم له، فقد تبيّن لنا اضطرابه.

التنبيه الثاني:

يسقط بعض الناس هذا الحديث على جزء من الواقع الذي نعيشه في أيامنا هذه! وهذا لا يتجه! فلا يجوز إسقاط أي حديث على واقع معين إلا إذا كان الانطباق عليه لا مرية فيه، وأما أن نسقط بعض الأحاديث على واقع معين وتصحيح بعض الأحاديث به، فهذا منهج سقيم! فالأصل هو صحة الإسناد وانتفاء العلل، فإذا كان الحديث معلّاً فلا يصحح من خلال الواقع! فكيف إذا كان الواقع لا ينطبق عليه، وإنما هو اجتهاد من بعض الناس ظنّا منهم أنه ينطبق على واقع معين.

وما جاء في الحديث «ستجندون أجنادا..» - إن صح - هو خطاب للصحابة، وقد كانت في زمانهم ثلاثة أجناد: جند باليمن وجند بالشام وجند بالعراق، فالحديث يحاكي هذا الواقع الذي كان عندهم، وهذا يُرجّح إرسال الحديث؛ لأن الإرسال عادة ما كان يأتي لمحاكاة واقع معين أو وضع معين أو حال ما، والله أعلم.

 

وكتب: خالد الحايك أبو صهيب.

 

شاركنا تعليقك