الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«بلوغُ الأَمل» في حكم حديث «اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أوْ أُضَلَّ، أَو أزِل أَوْ أُزَل». ومناقشة قول الشيخ «عبدالله السعد» إن علة الانقطاع فيه لا تؤثر!! وتحقيق سماع الشعبيّ من الصحابة.

«بلوغُ الأَمل» في حكم حديث «اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أوْ أُضَلَّ، أَو أزِل أَوْ أُزَل».

ومناقشة قول الشيخ «عبدالله السعد» إن علة الانقطاع فيه لا تؤثر!!

وتحقيق سماع الشعبيّ من الصحابة. وفوائد مهمة.

 

أرسل لي أحد طلبة العلم - جزاه الله خيراً - سؤالاً عن حديث «اللهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أوْ أُضَلَّ، أَو أزِلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ»، وذكر أن الشيخ «عبدالله السعد» - حفظه الله - لم يلتفت إلى علة الانقطاع فيه... واستغرب ذلك منه؛ لأن المعروف عن الشيخ أنه على منهج الأئمة المتقدمين! فكيف يقبل الحديث وبعض المتقدمين قد أثبتوا الانقطاع فيه!!

أقول: سنعرض للحديث أولاً والكلام عليه، ثم نعرِّج على قول الشيخ «عبدالله السعد» - أسعده الله في الدارين- ونعقبه ببيان إن شاء الله.

·       تخريج الحديث:

·       رواية منصور عن الشعبيّ:

رواه أبو داود الطيالسيّ في «مسنده» (ص224) عن شُعبة.

وابن أبي شيبة في «المصنّف»، باب ما يدعو به الرجل إذا خرج من منزله، (6/25) برقم (29200) عن عَبِيدَة بن حُمَيْدٍ. وعن وكيعٍ، عن سفيان.

والحُمَيْدِيُّ في «مسنده» (1/145) عن فُضَيل بن عِيَاضٍ.

وإسحاق بن راهويه في «مسنده» (4/122) عن جرير بن عبدالحميد.

وأحمد في «مسنده» (6/318) برقم (26747) عن عبدالرحمن عن سفيان. و(6/321) برقم (26772) عن محمد بن جعفر، عن شعبة.

والترمذي في «الجامع» (5/490)، كتاب الدعوات، عن مَحْمُود بن غَيْلَانَ، عن وَكِيعٍ، عن سُفْيَان.

وأبو داود في «سننه»، كتاب الأدب، باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول، (4/325) برقم (5094) عن مسلم بن إبراهيم، عن شعبة.

والنّسائي في «السنن الكبرى»، كتاب الاستعاذة عن محمد بن قدامة، عن جرير. وعن محمد بن بشار، عن عبدالرحمن، عن سفيان.

وفي كتاب عمل اليوم والليلة، ما يقول إذا خرج من بيته، (6/26) عن سليمان بن عبيدالله بن عمرو، بَهز، عن شعبة.

وابن ماجة في «سننه»، كتاب الدعاء، باب ما يدعو به الرجل إذا خرج من بيته، (2/1278) برقم (3884) عن أَبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، عن عَبِيدَة بن حُمَيْدٍ.

والطبراني في «المعجم الكبير» (23/320) من طريق مُسْلِم بن إِبْرَاهِيمَ، عن شُعْبَة.

ومن طريق أبي نُعَيْمٍ، عن سُفْيَان.

ومن طريق مُوسَى بن أَعْيَنَ، عَنْ إِدْرِيسَ الْأَوْدِيِّ.

ومن طريق شُعَيْب بن إِسْحَاقَ، عَنْ مَعْمَرٍ.

والطبراني في كتاب «الدعاء» (ص147- 148) عن سُلَيْمَان بن الْمُعَافَى بنِ سُلَيْمَانَ، عن أَبِيه، عن الْقَاسِم بن مَعْنٍ.

وعن الْحَسَن بن عَلِيٍّ الْمَعْمَرِيّ، عن دُحَيْم، عن شُعَيْب بن إِسْحَاقَ، عن مِسْعَر بن كِدَامٍ.

والحاكم في «المستدرك» (1/700) من طريق هارون بن سليمان الأصبهاني، عن عبدالرحمن بن مهدي، عن سفيان.

كلّهم (شعبة وعبيدة وسفيان وجرير وفُضيل وإدريس الأوديّ ومَعْمر والقاسم بن معن ومِسعر) عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أَزِلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ».

وفي رواية سفيان بلفظ: «بِسْمِ اللَّهِ، تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا».

وقال شعبة في روايته: "أكبر علمي أنه قد قالها، يعني: «بِسْمِ اللَّهِ»".

·       رواية عاصم الأحول عن الشعبيّ:

·       هل وهم مُؤمّل بن إِسماعيل العدويّ البصريّ؟!

وروى النّسائي في «السنن الكبرى» عن عليّ بن سهل الرمليّ، عن مُؤمل، قال: حدثنا شعبة، عن عاصم، عن الشعبي، به.

قال الإمام النسائيّ: "هذا خطأ: عاصم عن الشعبي! والصواب: شعبة عن منصور، ومؤمل بن إسماعيل كثير الخطأ، خالفه بهز بن أسد، رواه عن شعبة عن منصور عن الشعبيّ".

قلت: وهّم الإمام النسائي مؤملاً؛ لأن الحديث قد رواه جماعة كبهز وأبي داود الطيالسي عن شعبة عن منصور، ولم يرووه عن شعبة عن عاصم.

ولكن هذا الحديث قد رواه عاصم عن الشعبي.

فروى الطبراني في كتاب «الدعاء» رقم (730) قال: حَدَّثَنَا خَطَّابُ بنُ سَعْدٍ الدِّمَشْقِيُّ، قال: حدثنا حُمَيْدُ بنُ عَيَّاشٍ، قال: حدثنا مُؤَمَّلٌ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، وَعَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.

فحميد بن عيّاش الرملي - وهو صدوق - قد رواه عن مؤمل عن شعبة عن منصور وعاصم.

وقد أشار الدارقطني إلى ثبوت رواية عاصم له - لما ذكر الاختلاف في هذا الحديث - حيث قال: "وأما عاصم فرواه أبو مالك النخعي، عن عاصم، عن الشعبي، عن أم سلمة وكذلك قال مؤمل بن إسماعيل: عن شعبة، عن منصور، وعاصم، عن الشعبي، عن أم سلمة. وخالفهم حماد بن سلمة، وإسرائيل بن يونس، وعبدالواحد بن زياد، فرووه عن عاصم، عن الشعبي، مرسلاً".

قلت: أبو مالك النخعي ضعيف، ومؤمل ضعيف، ولكن الحديث رواه عاصم عن الشعبي مرسلاً، وهذا هو الصواب، ولا يصح عن عاصم عن الشعبي عن أم سلمة!! وعليه فإن مؤملاً - رحمه الله - يكون قد وهم في هذا الحديث! والمحفوظ عن شعبة عن منصور عن الشعبي عن أم سلمة، ولا يحفظ أن شعبة رواه عن عاصم بهذا الإسناد، والمحفوظ عن عاصم عن الشعبي مرسلاً.

·       رواية عند إسحاق بن راهوية لهذا الحديث بإسناد آخر لمتن آخر!! فهل هي رواية الحكم بن عُتيبة عن الشعبي التي أشار إليها الدارقطني؟

تقدّمت رواية إسحاق بن راهويه لهذا الحديث عن جرير بن عبدالحميد عن منصور عن الشعبي عن أم سلمة.

ثم أتبعه بطريق آخر للحديث نفسه!

قال: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ، أَوْ أَنْ أَضِلَّ، أَوْ أَنْ أَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ».

ثم أخرج حديثاً آخر:

قال: أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِخَمْسٍ وَسَبْعٍ، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ، وَلَا كَلَامٍ».

قلت: أما حديث جَرِير، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلّ..»..

فلا يُعرف أن هذا المتن رُوي بهذا الإسناد: "عن الحكم عن مِقسم عن أم سلمة"!!

وهذا الإسناد معروف للمتن الآخر: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِخَمْسٍ وَسَبْعٍ...».

فلا أدري ممن الخطأ في هذا! يُحتمل أن إسحاق بن راهويه عندما أراد تخريج الحديث الأول والحديث الثاني الذي يتعلق بالوتر بعده كرر متن الحديث الأول بإسناد الحديث الثاني؛ لأن نسبة الوهم إلى جرير يحتاج لقرينة قوية!! فجرير ثقة، ولم يرو أحد عنه هذا الحديث بهذا الإسناد إلا إسحاق، وإسحاق مصنّف، فقد يخطئ المصنف أثناء التصنيف للتشابه في بعض الأسانيد، والله أعلم.

ويُحتمل أن الخطأ من الناسخ أو الراوي لكتاب ابن راهويه، نظر إلى الحديث الأول فاختلط عليه إسناده بالحديث الثاني، ثم ساقه على الصواب بإسناده ومتنه، والقلب إلى هذا أميل من توهيم ابن راهويه.

وإنما نبّهنا إلى الخطأ في هذا الحديث لئلا يأت بعض المشتغلين بالحديث فيستخدم هذه الرواية كمتابعة للرواية الأولى عن الشعبي عن أم سلمة، وإن كانت أيضاً مرسلة كما يأتي.

ثُمّ وجدت الدارقطني قد أشار في «العلل» إلى أنّ الحكم بن عتيبة رواه عن الشعبي، عن أم سلمة!

قال: "يرويه منصور بن المعتمر، وعطاء بن السائب، وزبيد، وعاصم الأحول، والحكم بن عتيبة، عن الشعبي، عن أم سلمة".

قلت: لكن هذا الحديث الذي نتكلم عليه من رواية منصور عن الحكم عن مقسم عن أم سلمة، فيُحتمل أن رواية الحكم بن عتيبة التي أشار إليها الدارقطني هي هذه، لكن حصل هناك سبق قلم في الأسانيد لأنها متشابهة.

فالحديث الأول بإسناد: جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَن الشعبيّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.

والحديث الثاني بإسناد: جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.

فيكون حديث الحكم بن عتيبة عن الشعبي عن أم سلمة فسبق نظر الناسخ إلى الإسناد التالي فساق الحديث بإسناد متن «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِخَمْسٍ وَسَبْعٍ، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ، وَلَا كَلَامٍ»! والله تعالى أعلم.

وروى الطبراني في كتاب «الدعاء» برقم (418) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ، قال: حدثنا سُهَيْلُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الْجَارُودِيُّ، قال: حدثنا الْأَشْعَثُ بنُ زُرْعَةَ الْعِجْلِيُّ، قال: حدثنا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ، أَوْ أَضِلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ».

قلت: وهذا لا يُعرف عن شعبة بهذا الإسناد إلا في هذا الحديث!! والمحفوظ عن شعبة عن مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.

والأشعث بن زرعة العجلي لم أجد له ذكراً إلا في هذه الرواية. تفرد بالرواية عنه سهيل الجارودي.

وسهيل ذكره ابن حبان في «الثقات» (8/299): "سهيل بن إبراهيم الجارودي أبو الخطاب، يروي عن مسعدة بن اليسع وأهل البصرة، حدثنا عنه عمر بن محمد البختري. يُخطىء".

ثم ذكره بعد أربع ورقات (8/303) وقال: "يُخطىء ويُخالف".

قلت: فمثله لا يُقبل تفرده، وحديثه هذا مردود.

·       رواية الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِخَمْسٍ وَسَبْعٍ، وَلَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ، وَلَا كَلَامٍ».

هذا الحديث أخرجه أحمد في «مسنده» (ط الرسالة) (44/88) برقم (26486) قال: حَدَّثَنَا جَرِيرُ بنُ عَبْدِالْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، به.

وأخرجه عبدالرزاق في «مصنفه» (3/27) برقم (4668) عن سفيان الثوريّ، عن منصور، به.

وأخرجه أحمد في «مسنده» (ط الرسالة) (44/251) برقم (26641) عن عَبْدالرَّزَّاقِ، به.

وهذا الحديث له طرق كثيرة اختلف فيها على الحكم بن عُتيبة، بيّنها الدارقطني في «علله» رقم (3951) وَسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أم سلمة، كان النبي صلى الله عليه وسلم يوتر بسبع وخمس لا يفصل بينهن بتسليم ولا كلام، فَقَالَ:

"يَرْوِيهِ الْحَكَمُ بنُ عُتَيْبَةَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فرواه إسرائيل، عن منصور، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عن أم سلمة، قاله عبيدالله بن موسى، عنه.

وكذلك قال مخلد بن يزيد الحراني، عن الثوري، عن منصور.

وَخَالَفَهُ أَصْحَابُ الثَّوْرِيِّ، فَرَوَوْهُ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن أم سلمة.

وكذلك رواه جرير بن عبدالحميد، وأبو حمزة السكري، وعمرو بن أبي قيس، وأبو وكيع، وزائدة بن قدامة، وزهير، وأبو الأحوص، عن منصور.

وقال جعفر الأحمر: عن منصور، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم.

ورواه شعبة، عن الحكم، عن مقسم، عن رجل، عن ميمونة، وعائشة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

وَرَوَاهُ مالك بن مغول، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، وأم سلمة.

ورواه حجاج بن أرطاة، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عن عائشة، وميمونة، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرْسَلُ عنهما أصح".

قلت: يعني أن الصواب في الحديث أنه مرسل، وهذا ما بينه الإمام البخاري، لما روى الحديث في «التاريخ الأوسط» (1/293) عن آدم قال: حدثنا شعبة، عن الحكم: قلت لمقسم، إني أوتر بثلاث، فقال: لا، إلا بخمس أو سبع، فقلت: عمّن؟ قال: عن الثقة عن عائشة وميمونة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال سفيان عن منصور، عن الحكم، عن مقسم، عن أم سلمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البخاريّ: "ولا يُعرف لمقسم سماع من أم سلمة ولا ميمونة ولا عائشة".

قلت: كان رحمه الله يُرسل، وفي بعض الروايات أنه قال في هذ الحديث لما سئل: عمّن، قال: "عن الثقة عن الثقة عن عائشة وميمونة"! وقد توفي سنة (101هـ).

·       رواية عطاء بن السَّائب عن الشعبيّ!

روى البيهقي في «السنن الكبير» (5/251) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو زَكَرِيَّا بنُ أَبِي إِسْحَاقَ، قال: أخبرنا عَبْدُالْبَاقِي بنُ قَانِعٍ، قال: أخبرنا أَحْمَدُ بنُ الْخَلِيلِ الرَّازِيُّ، قال: حدثنا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍو، قال: حدثنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ وَعَطَاءٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ، يَقُولُ: بِاسْمِ اللهِ اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ.. الحديث.

قلت: وأبو غسان الرازي الطلاس المعروف بزُنَيج صاحب الطيالسة ثقة. وعطاء هو ابن السائب.

·       رواية زُبيد اليامي عن الشعبيّ:

روى الطبراني في «المعجم الكبير» (23/320) وفي كتاب «الدعاء» برقم (417) عن أَحْمَد بن الْحَكَمِ بنِ ظَبْيَانَ الْبَصْرِيّ، وحَفْص بن عُمَرَ بنِ الصَّبَّاحِ الرَّقِّيّ، كلاهما عن أبي حُذَيْفَةَ النهديّ، عن سُفْيَان الثوريّ، عَنْ زُبَيْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ، أَوْ أَضِلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ».

ورواه النسائي في «السنن الكبرى»، كتاب عمل اليوم والليلة (6/26) عن محمد بن بشار، عن حديث عبدالرحمن، عن سفيان، عن زبيد، عن الشعبي، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مثله.

قلت: كذا اختلف على سفيان الثوري، فرواه موسى بن مسعود أبو حذيفة عن سفيان عن زبيد عن الشعبي عن أم سلمة.

وخالفه عبدالرحمن بن مهدي، فرواه عن سفيان عن زبيد عن الشعبي مرسلاً.

وعبدالرحمن أوثق من أبي حذيفة، وأبو حذيفة كان يخطىء في حديث سفيان الثوري.

·       حُكم أهل العلم على الحديث:

قال الترمذي بعد أن خرّجه: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ".

وقال النسائي بعد أن ساق الحديث موصولاً عن منصور عن الشعبي عن أم سلمة: "رواه زبيد عن الشعبي عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً".

قلت: كأنه يرجّح المرسل على المتصل كما هي عادته في كتابه.

وقال الحاكم: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وربما توهم متوهم أن الشعبي لم يسمع من أم سلمة! وليس كذلك فإنه دخل على عائشة وأم سلمة جميعا ثم أكثر الرواية عنهما جميعاً".

·       كلام الدارقطني على هذا الحديث:

سُئِل الدارقطني عن هذا الحديث في «العلل» برقم (3964) فقال: "يرويه منصور بن المعتمر، وعطاء بن السائب، وزبيد، وعاصم الأحول، والحكم بن عتيبة، عن الشعبي، عن أم سلمة.

واختلف عن زبيد، وعن عاصم الأحول؛ فرواه عبدالرحمن بن مهدي، وأبو حذيفة، عن الثوري، عن زبيد، عن الشعبي، عن أم سلمة.

ورواه محمد بن كُنَاسة، عن الثوري، عن زبيد، عن الشعبي، مرسلاً.

وأما عاصم: فرواه أبو مالك النخعي، عن عاصم، عن الشعبي، عن أم سلمة، وكذلك قال مؤمل بن إسماعيل: عن شعبة، عن منصور، وعاصم، عن الشعبي، عن أم سلمة.

وخالفهم حماد بن سلمة، وإسرائيل بن يونس، وعبدالواحد بن زياد، فرووه عن عاصم، عن الشعبي، مرسلاً، وكذلك رواه ابن أبي ليلى، عن الشعبي، مرسلاً.

ورواه أبو بكر الهذلي، عن الشعبي، عن عبدالله بن شداد. قال ذلك حجاج بن نصير، عنه.

وخالفه القاسم بن الحكم؛ فرواه عن أبي بكر الهذلي، عن الشعبي، عن عبدالله بن شداد، عن ميمونة.

ورواه مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قال ذلك إسماعيل بن مجالد، عن أبيه، والمحفوظ حديث منصور، ومن تابعه" انتهى.

قلت: قول الدارقطني أن عبدالرحمن بن مهدي رواه عن سفيان عن زبيد عن الشعبي عن أم سلمة موصولاً فيه نظر! لأنه النسائي أخرج حديثه مرسلاً كما سبق.

وأما الاختلاف على عاصم، فالصواب فيه: عن الشعبي مرسلاً.

نعم، منصور لم يُختلف عليه، وقد تابعه بعضهم عن الشعبي عن أم سلمة، ولكن الطرق الأخرى المرسلة أيضاً ثابتة عن الشعبي.

وهذا يدلّ على أن الشعبي كان أحياناً يذكر فيه: "أم سلمة"، وأحياناً يرسله لا يذكرها! وكلّ هذا محفوظ عنه من الروايات الثقات.

·       هل سمع الشعبيّ من أمّ سلمة؟!

·       من أثبت سماع الشعبي من أمّ سلمة:

·       أبو داود:

قال أبو عُبيد الآجري في «سؤالاته لأبي داود» (171): سمعت أبا داود قال: "الشعبي سمع من أم سلمة، وأم سلمة ماتت آخر أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقيل: صفية ماتت آخرهن". انتهى.

ونقل مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (7/130) قال: وقال الآجري: سمعت أبا داود يقول: "مات الشعبي فجأة، جاء وهو راكب ثم خرّ فصاحوا عليه، قلت: مات وهو قاض؟ قال: هو كان اعتزل القضاء، وسمع من أم سلمة وعائشة، قال: ومرسل الشعبي أحبّ إليَّ من مراسيل النخعي، وسمع من المقدام أبي كريمة".

·       الحاكم النيسابوريّ:

قال بعد أن خرّج الحديث في «صحيحه»: "وربما تَوَهَّم مُتَوَهِّمٌ أن الشعبي لم يسمع من أم سلمة، وليس كذلك؛ فإنه دخل على عائشة وأم سلمة جميعًا، ثم أكثرَ الروايةَ عنهما جميعًا".

قلت: وظاهر تصرف الترمذي أنه يصحح سماع الشعبي من أم سلمه لأنه صحح الحديث.

·       من نَفى سماع الشعبي من أمّ سلمة:

·       عليّ بن المدينيّ:

نقل مغلطاي في «إكمال تهذيب الكمال» (7/131): وفي «العلل الكبرى» لابن المديني: "الشعبي لم يسمع من زيد بن ثابت، حدّث عن قبيصة عنه، ولم يَلق أبا سعيد الخدري، ولم يلق أم سلمة".

وقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (5/68): وقال ابن المديني في «العلل»: "لم يسمع من زيد بن ثابت، ولم يلق أبا سعيد الخدري، ولا أم سلمة".

قلت: وهذا نقله ابن حجر من إكمال مغلطاي.

ونقل الحافظ في «نتائج الافكار» (1/155) عن علي بن المديني أنه قال في علله: إن الشعبي لم يسمع من أم سلمة.

·       يحيى بن يحيى النيسابوريّ:

ونقل مغلطاي أيضاً قال: وفي «تاريخ نيسابور»: سئل يحيى بن يحيى: الشعبي أدرك أم سلمة، فكأنه قال: «لا».

قلت: والصواب أن الشعبيّ لم يسمع من أمّ سلمة. وحديثه عنها مرسل.

أما قول أبي داود أنه سمع أم سلمة وعائشة، وقول الحاكم أنه دخل عليهما فلا يصحّ!

فقد اتفق بعض أهل النقد على أنه لم يسمع عائشة.

حكى ابن أبي حاتم في «المراسيل» عن ابن معين: "الشعبي عن عائشة مرسل".

وقال: سمعت أبي يقول: "لم يسمع الشعبي من ابن مسعود، والشعبي عن عائشة مرسل، إنما يحدّث عن مسروق عن عائشة".

وسمعت أبي يقول: "الشعبي لم يسمع من ابن عمر".

·       تناقض الحاكم النيسابوريّ! ونفيه سماع الشعبي من أم سلمة وعائشة!

وقد ناقض الحاكم نفسه عندما قال بأن الشعبي دخل على عائشة وأم سلمة وأكثر الرواية عنهما! فإنه قال في «علوم الحديث»: "لم يسمع الشعبي من عائشة، ولا من ابن مسعود، ولا من أسامة بن زيد، ولا من علي بن أبي طالب - إنما رآه رؤية، ولا من معاذ بن جبل، ولا من زيد بن ثابت".

وأين الحاكم بقوله هذا من قوله الذي نقله عنه مغلطاي في «الإكمال» (7/133) قال: وقال الحاكم في تاريخ بلده: "تواترت عنه – أي الشعبي- الروايات أنه لقي أربعمائة من الصحابة، ودخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم"؟!

فإذا كان هؤلاء الصحابة المشهورين الذين رووا الكثير من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم قد نفى الحاكم نفسه سماع الشعبي منه، فمن أين جاء هذا التواتر؟!!

ومن أعجب العجب أن الحاكم لما ذكر في النَّوْعِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُلُومِ الْحَدِيثِ: «مَعْرِفَة الْمُدَلِّسِينَ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُ مَنْ كَتَبَ عَنْهُمْ بَيْنَ مَا سَمِعُوهُ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ، وَفِي التَّابِعِينَ وَأَتْبَاعِ التَّابِعِينَ..» قال: "هذَا بَابٌ يَطُولُ فَلْيَعْلَمْ صَاحِبُ الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ... وَأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ صَحَابِيٍّ غَيْرِ أَنَسٍ، وَأَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَائِشَةَ، وَلَا مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَلَا مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَلَا مِنْ عَلِيٍّ إِنَّمَا رَآهُ رُؤْيَةً، وَلَا مِنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَلَا مِنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ...".

وهذا تصريح من الحاكم في نفي سماع الشعبي من أم سلمة وغيرها، والأولى الأخذ بما ذكره في كتابه هذا لا ما ذكره في كتاب «المستدرك» لأنه وهم أوهاماً شديدة في هذا الكتاب.

وابن المديني إمام العلل والناقد البصير عندما نفى لقاء الشعبي لأم سلمة قدّم على ذلك نفي لقاءه بأبي سعيد الخدريّ حيث قال: "ولم يلق أبا سعيد الخدري، ولا أم سلمة"، وهذه إشارة ذكية من إمام كبير حيث قرن بين أبي سعيد وأم سلمة في عدم لقاء الشعبي لهما؛ لأنهما مدنيان، وأبو سعيد توفي بعد أم سلمة، قيل مات سنة ثلاث أو أربع أو خمس وستين (63 أو 64 أو 65هـ)، وقيل: سنة أربع وسبعين (74هـ)، وأمّ سلمة توفيت سنة (61هـ).

ومما يدلّ على أن الشعبيّ لم يسمع من أمّ سلمة أنه كان عندما يحدِّث بالحديث يذكرها وأحياناً لا يذكرها فيرسل الحديث، ولو أنه سمع هذا الحديث منها لما أرسله! وعادة هؤلاء الكبار أمثال الشعبي أن الحديث إذا لم يكن سماعاً لهم فإنهم يرسلونه! ولم يأت في أيّ طريق ذكره لسماعه من أمّ سلمة.

فالحديث معلول على كلّ الأحوال.

قال الحافظ ابن حجر في «نتائج الأفكار» بعد أن نفى سماع الشعبي من أم سلمة، وقال: "وله علة أخرى، وهي الاختلاف على الشعبي: فرواه زبيد عنه مرسلاً، لم يذكر فوق الشعبي أحداً، هكذا أخرجه النسائي في اليوم والليلة من رواية عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن زبيد، ورواه مجالد عن الشعبي، فقال: عن مسروق عن عائشة، ورواه أبو بكر الهذلي عن الشعبي فقال: عن عبدالله بن شداد عن ميمونة، وهذه العلة غير قادحة، فإن منصوراً ثقة ولم يختلف عليه فيه، فقد رواه ابن ماجه من طريق عبد بن حميد والنسائي أيضاً من طريق جرير والطبراني في الدعاء من طريق القاسم بن معن، ومن طريق الفضيل بن عياض وابن نجيح في جزء له من طريق إدريس الأودي كلهم عن منصور كذلك، فما له علة سوى الانقطاع، فلعل من صححه سهل الأمر فيه لكونه من الفضائل، ولا يُقال اكتفى بالمعاصرة؛ لأن محل ذلك أن لا يحصل الجزم بانتفاء التقاء المعاصرين إذا كان النافي واسع الاطلاع مثل ابن المديني، والله أعلم".

قلت: فالحافظ ابن حجر يبين أن مسألة إمكانية سماع الشعبي من أم سلمة لا يدخل في باب المعاصرة لوجود نفي أحد أئمة النقد الكبار لقائهما.

وقد صحح الحديث بعض المعاصرين بتقديمه الكلام المنقول عن أبي داود على كلام علي بن المديني بحجة أن "المثبت مقدّم على النافي"!! وحاول التشكيك بنقل الحافظ ابن حجر لكلام ابن المديني بأنه لم يره في العلل المطبوع!!

قلت: وهذا عجيب منه! لأن ابن حجر نقله من إكمال مغلطاي، ومغلطاي - رحمه الله - كانت مصادره واسعة جداً. وهذه القاعدة التي احتج بها أن المثبت مقدم على النافي ليست على إطلاقها، وإنما يؤخذ بها إذا كان المثبت عنده قرائن تؤيد ما ذهب إليه؛ وما نُقل عن أبي داود اجتهاد منه ولم يثبت لنا هذا السماع المزعوم! والنصّ الذي نقله عنه الآجري في سؤالاته لم يذكر فيه سماع الشعبي من عائشة مع أم سلمة! ولكن نقله مغلطاي من كتاب الآجري! فلا أدري كأن هناك اختلافات في بعض نسخ الآجري، واثباته سماع الشعبي من عائشة يدلّ على أنه اجتهد اجتهاداً في ذلك ولا دليل عنده! فكيف يقدّم هذا على نفي ابن المديني إمام النقد؟!

وما نُقل عن أبي داود إنما هو من خلال سؤال من تلميذه الآجري، وبعض أجوبة هذه السؤالات قد لا تكون محررة من الشيخ؛ لأن المقام ليس مقام التحرير، بخلاف من يذكر رأيه بعد السبر والتحرير في مصنّف له كالإمام عليّ ابن المديني، فلا شك أن ذكره لهذا النفي في كتابه الكبير في العلل يدلّ على شدّه تحريه في تتبع سماع الشعبي من أم سلمة، فلما لم يجد ما يثبت ذلك نفى لقاءه لها.

·       متى وُلد الشعبيّ؟ ومتى بدأ الطلب؟ ومتى دخل المدينة؟

هذه الأسئلة تعتبر قرائن مهمة في الترجيح في ثبوت سماع الشعبي من أم سلمة أم نفيه!

قال ابن السمعاني: ولد سنة عشرين، وقيل: سنة إحدى وثلاثين، ومات سنة تسع ومائة.

وفي " الزيادات " للرشاطي: "ولد لست سنين من خلافة عثمان". [إكمال تهذيب الكمال (7/ 130].

قلت: وهذا أقرب للصواب، ويؤيده ما رواه شُعْبَة، قال: قَالَ لِي أَبُو إِسْحَاقَ: "الشَّعْبِيُّ أَكْبَرُ مِنِّي بِسَنَةٍ أو سنتين".

قلت: وأَبُو إِسْحَاقَ وُلِدَ بَعْد سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِيْنَ، فعلى ذلك تكون ولادة الشعبيّ سنة (30 أو 31هـ)، والله أعلم.

وأم سلمة مدنية توفيت فيها سنة (61هـ)، والشعبي آنذاك عمره تقريباً (30) سنة. فهو لا شك أدركها، لكنه لم يلقها ولم يسمع منها.

وعادة الطلبة عموماً في عصر التابعين أنهم كانوا يبدأون الطلب في سنّ العشرين.

وقد وردت آثار عن السلف تدلّ على أن طلب العلم في عصر التابعين كان بعد أن يبلغ الشاب مبلغَ الرجال ويتعبّد.

روى الرامهرمزي في «المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي» (ص 187) عن أبي الْأَحْوَصِ وسفيان الثوريّ قالا: «كَانَ الرَّجُلُ يَتَعَبَّدُ عِشْرِينَ سَنَةً، ثُمَّ يَكْتُبُ الْحَدِيثَ».

وَقَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ: "يُسْتَحَبُّ كَتْبُ الْحَدِيثِ مِنَ الْعِشْرِينَ لِأَنَّهَا مُجْتَمِعُ الْعَقْلِ". قَالَ: "وَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يَشْتَغِلَ دُونَهَا بِحِفْظِ الْقُرْآنِ وَالْفَرَائِضِ".

قال الرامهرمزي: "وَقَدْ دَلَّ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: «مَا رَأَيْتُ طَالِبًا لِلْعِلْمِ أَصْغَرَ مِنِ ابنِ عُيَيْنَةَ» عَلَى أَنَّ طُلَّابَ الْحَدِيثِ عَصْرَ التَّابِعِينَ كَانُوا فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ، وَكَذَلِكَ يُذْكَرُ عَنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، فَأَخْبَرَنِي عِدَّةٌ مِنْ شُيُوخِنَا أَنَّهُ قِيلَ لِمُوسَى بنِ إِسْحَاقَ: كَيْفَ لَمْ تُكْتَبْ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ؟ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْكُوفَةِ لَا يُخْرِجُونَ أَوْلَادَهُمْ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ صِغَارًا حَتَّى يَسْتَكْمِلُوا عِشْرِينَ سَنَةً وَحَدَّثَنِي مَنْ ذُكِرَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِاللَّهِ الْحَضْرَمِيَّ يَقُولُ ذَلِكَ أَيْضًا، وَوُلِدَ الْحَضْرَمِيُّ سَنَةَ مِائَتَيْنِ، وَمَاتَ أَبُو نُعَيْمٍ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ".

وروى الخطيب في «الكفاية في علم الرواية» (ص54) عن نُعيم بن حماد قال: سمعت ابن عيينة يقول: "لقد أتى هشام بن حسان عظيماً بروايته عن الحسن! قيل لنُعيم: لم؟ قال: لأنه كان صغيراً".

قال الخطيب معقباً على ذلك: "قلّ من كان يكتُب الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريباً منه إلا من جاوز حد البلوغ وصار في عِداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم. وقيل إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبد".

وروى الرامهرمزي عن مُوسَى بن هارُونَ، قال: «أَهْلُ الْبَصْرَةِ يَكْتُبُونَ لِعَشْرِ سِنِينَ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ لِعِشْرِينَ، وَأَهْلُ الشَّامِ لِثَلَاثِينَ».

قلت: فهذه قرائن على أن الشعبي لا يمكن أن يكون سمع من أم ّ سلمة، لأنه إذا بدأ الطلب وعمره (20) سنة أي في سنة (50هـ)، وعادة الطالب يبدأ في بلده ويحصِّل علم أهلها وهذا يحتاج منه لسنوات، فمتى رحل ليسمع من أم سلمة؟

ولا يُذكر أن الشعبيّ رحل للمدينة لطلب العلم فيها بعد أن أخذ من علماء بلده! ولكنه دخل هارباً من المختار بن أبي عُبيد.

روى ابن سعد في «الطبقات الكبرى» (6/248) قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ لَيْثًا يَذْكُرُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «أَقَمْتُ بِالْمَدِينَةِ مَعَ عَبْدِاللَّهِ بنِ عُمَرَ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ أَوْ عَشْرَةَ أَشْهُرٍ».

قَالَ مُحَمَّدُ بنُ سَعْدٍ: "وَكَانَ سَبَبُ مَقَامِهِ بِالْمَدِينَةِ أَنَّهُ خَافَ مِنَ الْمُخْتَارِ فَهَرَبَ مِنْهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ بِهَا".

قلت: المختار كان كذّاباً متقلباً، لما شفع فيه ابن عمر - وكان ابن عمر زوج أخته صفية - عند يزيد خرج من الكوفة إلى الحجاز وبايع عبدالله بن الزبير، ثم نكث البيعة ورجع للكوفة وسيطر عليها تقريباً منتصف سنة (66هـ) وهرب منه كثير من أهل العلم منهم الإمام الشعبيّ، وادّعى المختار أن جبريل يأتيه بالوحي من السماء، وتتبع قاتلي الحسين وقتل معظمهم، فالتف حوله الشيعة، وصار له شوكة قوية، فأرسل له عبدالله بن الزبير أخاه مصعب في أول سنة (67هـ)، وجرت بينهم وقائع عدّة انتهت بقتل المختار في (14) رمضان سنة (67هـ).

فالشعبيّ - رحمه الله - إنما نزل المدينة في أواخر سنة (66هـ) وبقي هناك إلى أن قتل المختار في رمضان سنة (67هـ)، وكان قدومه المدينة بعد وفاة أم سلمة بخمس سنين.

قَالَ الحاكم: "وأَقَامَ فِي المَدِيْنَة ثَمَانِيَة أَشْهُرٍ هَارِباً مِنَ المُخْتَارِ، فَسَمِع مِنِ ابنِ عُمَرَ".

·       نفي أبي حاتم سماع الشعبيّ من ابن عمر! وتحقيق روايته عنه، وكيف خرّج البخاري ومسلم حديثه عن ابن عمر.

وقد نفى أبو حاتم سماع الشعبي من ابن عمر!!

قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في «المراسيل» (ص: 160): سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: "لَمْ يَسْمَعْ الشَّعْبِيُّ مِنَ ابنِ عُمَرَ".

قلت: بل سمع الشعبيّ من ابن عمر (ت 73هـ) وحديثه عنه في الصحيحين.

قال الحافظ في «الفتح» (13/244): "وكان الشعبي جاور بالمدينة أو بمكة وإلا فهو كوفي، وابن عمر لم تكن له إقامة بالكوفة".

قلت: قد بينا فيما سبق أنه نزل المدينة وكان هرب من المختار بن أبي عُبيد الكذّاب.

روى البخاري في «صحيحه»، باب خبر المرأة الواحدة، (6/2652) قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيدِ، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ العَنْبَرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا، مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ، فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ، فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ، فَأَمْسَكُوا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُوا أَوِ اطْعَمُوا، فَإِنَّهُ حَلاَلٌ - أَوْ قَالَ لاَ بَأْسَ بِهِ شَكَّ فِيهِ - وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي».

وفي «مسند الطيالسي» عن شعبة، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ، قَالَ: قَالَ لِيَ الشَّعْبِيُّ: الْحُسْنُ حَيْثُ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ جَالَسْتُ ابنَ عُمَرَ بِالْمَدِينَةِ كَذَا وَكَذَا، مَا سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا حَدِيثًا وَاحِدًا...

وعند الطبراني في «المعجم الكبير» من طريق داود ابن أبي هند، عن عامرٍ الشعبيّ، قال: لوَدِدتُّ أني لقيتُ هذا الكَبْشَ فنَهيتُه عن قوله: «قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم» لقد كنتُ مع ابن عمر سنتَين فما حدَّثَنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بحديث الضَّبِّ.

قال الطبراني: يعني بقوله: «الكَبْش»: "الحسنَ البصريَّ".

ورواه مسلم في «صحيحه» (3/1543) عن محمد بن المثنى، عن محمد بن جعفر، عن شعبة، عن توبة، بنحو حديث البخاري.

قال الحافظ في «الفتح» (13/243-244): "كان الشعبي يُنكر على من يرسل الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إشارة إلى أن الحامل لفاعل ذلك: طلبُ الإكثار من التحديث عنه، وإلا لكان يكتفي بما سمعه موصولاً. وقال الكرماني: مراد الشعبي: أن الحسن مع كونه تابعيًّا كان يكثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر مع كونه صحابيًّا يحتاط ويقلُّ من ذلك مهما أمكن. قلت (أي الحافظ): وكأن ابن عمر اتبع رأي أبيه في ذلك؛ فإنه كان يحض على قلة التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لوجهين؛ أحدهما: خشية الاشتغال عن تعلم القرآن وتفهم معانيه، والثاني: خشية أن يحدث عنه بما لم يقله؛ لأنهم لم يكونوا يكتبون، فإذا طال العهد لم يؤمن النسيان". اهـ.

قلت: الشعبي - رحمه الله - قد جالس ابن عمر تقريباً سنة جمعاً بين الروايات، وكان يعيب على الحسن البصري إرساله الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه ينبغي إسناد الحديث وعدم إرساله؛ والحسن كان يسمع من كلّ أحد فيرسل الأحاديث!! واحتجاج الشعبي بعدم إكثار ابن عمر من التحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعني أنه كان قليل الرواية عنه صلى الله عليه وسلم، بل هو من المكثرين عنه، وإنما قد يكون هذا من ابن عمر في أواخر سني عمره، أو أن الفترة التي قضاها الشعبي في المدينة لم يسمع منه من المرفوع إلا هذا الحديث، فهو أخبر بما رأى في الأحايين التي جلس فيها معه، وليس عندنا ما يدلّ على أنه لازمه ملازمة تامة!

ولم يسمع الشعبي من ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا هذا الحديث، ولكن سمع منه بعض الفتاوى والأقضية، وبعض الأقوال - كما في كتب المصنفات والآثار -، ولهذا لم يخرَّج الإمامان البخاري ومسلم إلا هذا الحديث الواحد، وخرجا بعض الأحاديث التي ليست مرفوعة، وهذا يدلّ على دقة منهجهما - رحمهما الله تعالى -.

·       روايات الشعبيّ عن ابن عمر في «الصحيحين»:

بالإضافة إلى الحديث المرفوع الذي خرّجه الإمامان في «صحيحيهما» خرجا أيضاً أثرين آخرين عن الشعبي عن ابن عمر: أحدهما عن عمر، والآخر قول لابن عمر.

1- روى البخاريّ في «صحيحه»، كتاب التفسير، باب قَوْلِهِ: {إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}، (4/1688) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى - هو: ابن يونس - وابنُ إِدْرِيسَ - هو: عبدالله -، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ: العِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالعَسَلِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ".

وأخرجه أيضاً في كتاب الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، عن إسحاق، عن عيسى؛ وابن إدريس؛ ويحيى بن أبي غنيَّة.

وفي كتاب الأشربة، باب الخَمْر مِنَ العِنَبِ، عن مسدد؛ وفي باب مَا جَاءَ فِي أَنَّ الخَمْرَ مَا خَامَرَ العَقْلَ مِنَ الشَّرَابِ، عن أحمد بن أبي رجاء؛ كلاهما عن يحيى بن سعيد.

وعلّقه بعده بقوله: وقال حجّاج - هو ابن المنهال -، عن حماد بن سلمة؛ خمستهم عن أبي حيَّان التيمي.

وفي الأشربة أيضاً، باب ما جاء في أن الخمر ما خامر العقل، عن حَفْص بن عُمَرَ، عن شُعْبَة، عَن عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، قَالَ: "الخَمْرُ يُصْنَعُ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ وَالحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالعَسَلِ".

وقال في الاعتصام: عن ابن عمر: سمعت عمر على منبر النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يزد.

وأخرجه مسلمٌ في «صحيحه» قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قَالَ: خَطَبَ عُمَرُ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، أَلَا وَإِنَّ الْخَمْرَ نَزَلَ تَحْرِيمُهَا يَوْمَ نَزَلَ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ مِنَ الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالْعَسَلِ - وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ - وَثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ، وَدِدْتُ أَيُّهَا النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهَا الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا".

قال: وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قال: أَخْبَرَنَا ابنُ إِدْرِيسَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولَ: "أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنَ الْعِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالْعَسَلِ، وَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ - وَالْخَمْرُ: مَا خَامَرَ الْعَقْلَ - وَثَلَاثٌ أَيُّهَا النَّاسُ، وَدِدْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ عَهِدَ إِلَيْنَا فِيهِنَّ عَهْدًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ: الْجَدُّ، وَالْكَلَالَةُ، وَأَبْوَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الرِّبَا".

قال: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابنُ عُلَيَّةَ [ح] وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: أَخْبَرَنَا عِيسَى بنُ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي حَيَّانَ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ، بِمِثْلِ حَدِيثِهِمَا غَيْرَ أَنَّ ابنَ عُلَيَّةَ فِي حَدِيثِهِ الْعِنَبِ كَمَا قَالَ ابنُ إِدْرِيسَ، وَفِي حَدِيثِ عِيسَى الزَّبِيبِ، كَمَا قَالَ ابنُ مُسْهِرٍ.

وأخرجه أيضاً الترمذي وأبو داود والنسائي من طرق عن أبي حيّان التيمي، به.

وأخرجه البزار في «مسنده» (1/282) عن عَمْرُو بن عَلِيٍّ، عن يَحْيَى بن سَعِيدٍ الْقَطَّان، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، به.

وفيه زيادة: "قُلْتُ: مَا تَرَى فِي السَّادِسَةِ يُصْنَعُ بِالسِّنْدِ يَدَّعِي الْجَاهِلُ يَشْرَبُ الرَّجُلُ مِنْهُ شَرْبَةً فَتَصْرَعُهُ، يُصْنَعُ مِنَ الْأُرْزِ؟ قَالَ: لَمْ يَكُنْ هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ كَانَ لَنَهَى عنه، أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ عَمَّ الْأَشْرِبَةَ كُلَّهَا؟ فَقَالَ: «الْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ»".

قال البزار: "وهذَا الْكَلَامُ لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا عُمَرُ، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ".

ولما أخرجه البيهقي في «السنن الكبير» (8/289) قال: "فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلُ، مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَحْمَدَ بنِ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ يَحْيَى بنِ سَعِيدٍ، إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ: وَلَوْ كَانَ لَنَهَى عَنْهُ، إِلَى آخِرِهِ، فَإِنَّهُ مِمَّا قِيلَ لِلشَّعْبِيِّ، وَهُوَ الَّذِي أَجَابَ بِهِ".

قلت: الظاهر أن قوله: "وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلُ" من كلام عمر رضي الله عنه كما جاء عند البخاري ومسلم وغيرهما، ولا يمنع أن يكون هذا مما سمعه عمر من النبيّ صلى الله عليه وسلم أو مما استفاده منه صلى الله عليه وسلم، والله أعلم.

2- روى البخاري في «صحيحه»، كتاب المناقب، بَاب مَنَاقِبِ جَعْفَرِ بنِ أَبِي طَالِبٍ الهَاشِمِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، (3/1360) قال: حَدَّثَنِي عَمْرُو بنُ عَلِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ، قال: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: «السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابنَ ذِي الجَنَاحَيْنِ».

وأخرجه في كتاب المغازي، بَاب غَزْوَةِ مُؤْتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ، عن مُحَمَّد بن أَبِي بَكْرٍ المقدميّ، عن عمّه عُمَر بن عَلِيٍّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، به.

 قلت: هذا ما أخرجه الإمام البخاريّ والإمام مسلم في «صحيحيهما» عن الشعبي عن ابن عمر، وأنه لم يسمع منه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مرفوعاً إلا حديث واحد، وعليه فإن أيّ رواية تُروى عن الشعبي عن ابن عمر مرفوعة غير التي خرجها البخاري ومسلم فهي لا تصح.

ومما رُوي عن الشعبي عن ابن عمر قَالَ: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبْنَةٍ فِي تَبُوكَ، فَدَعَا بِسِكِّينٍ، فَسَمَّى وَقَطَعَ».

رواه أبو داود في «سننه»، بَاب في أَكْلِ الْجُبْنِ، (3/359) عن يَحْيَى بن مُوسَى الْبَلْخِيُّ، عن إِبْرَاهِيم بن عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، به.

ورواه ابن حبّان في «صحيحه» (12/46) عن الْحَسَن بن سُفْيَانَ، عن يَحْيَى بن مُوسَى بنِ خَتَّ، عن إِبْرَاهِيم بن عُيَيْنَةَ، به.

ورواه الطبراني في «المعجم الصغير» (2/201) عن محمد بن عبدالله بن بكر السراج العسكري، عن محمد بن عباد المكي، عن إبراهيم بن عيينة، به. وفيه زيادة: وقال: «كُلوا باسم الله».

قال الطبراني: "لم يروه عن الشعبي إلا عمرو بن منصور، تفرد به إبراهيم بن عيينة!".

وحسّنه الشيخ الألباني في «صحيح سنن أبي داود» برقم (5241)، و«المشكاة» برقم (4257/ التحقيق الثاني).

قلت: هذا حديثٌ منكرٌ! تفرد به إبراهيم بن عيينة وليس من أصحاب الحديث الذين يُعتمد عليهم.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: "شيخ يأتي بمناكير".

وقال يحيى بن معين: "كان مسلماً صدوقاً لم يكن من أصحاب الحديث".

وقال النسائي: "ليس بالقوي".

قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (2/6): سمعت أبي وذكر حديثاً رواه إبراهيم بن عيينة عن عمرو بن منصور عن الشعبي عن ابن عمر قال: أتي النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بجبنة فدعي بسكين فسمى وقطع.

قال أبي: "جابر الجعفي يقول: عن الشعبي عن ابن عباس، وكلاهما ليس بصحيح، وهو منكر".

·       الصحابة الذين ثبت سماع الشعبيّ منهم:

وقد سمع الشعبيّ أيضاً من ابن عباس (ت 68هـ)، وجابر بن عبدالله (ت 78هـ)، والبراء بن عازب (ت 72هـ)، وعبدالله بن عمرو بن العاص (ت 65هـ)، والنعمان بن بشير (ت 65هـ)، وعَدي بن حاتم (ت 67هـ)، وجرير بن عبدالله البجليّ (ت 51 أو 54هـ بِالشَّرَاةِ، فِي وِلايَةِ الضَّحَّاكِ بنِ قَيْسٍ عَلَى الكُوْفَةِ)، وأنس بن مالك (ت93هـ)، وعروة بن الجعد البارقي أول قاضي على الكوفة زمن عمر بن الخطاب.

وروى عن ابن عباس أيضاً بواسطة عكرمة. ولم يسمع من عائشة، روى عن مسروق عنها.

·       هل سمع الشعبيّ من عليّ - رضي الله عنه -؟

اختلف في سماع الشعبي من علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، فقال الدارقطني: "لم يسمع منه إلا حرفاً ما سمع غيره".

وقال الحاكم: "لم يسمع الشعبي عن عائشة، ولا من ابن مسعود، ولا من أسامة بن زيد، ولا من علي بن أبي طالب - إنما رآه رؤية".

وقال الحازمي: "لم تثبت أئمة الحديث سماع الشعبي من علي".

وقال ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام»: "منهمْ من يدْخل بَينه وَبَين عَليّ عبدالرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَسنة مُحْتَملَة لإدراك عَليّ، فَإِن عليا - رَضِي الله عَنهُ - قتل سنة أَرْبَعِينَ، وَالشعْبِيّ - إِن صَحَّ أَن عمره كَانَ إِذْ مَاتَ اثْنَيْنِ وَثَمَانِينَ سنة، وَمَوته سنة أَربع وَمِائَة، كَمَا قَالَ مجَالد - فقد كَانَ مولده سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين، فَيكون إِذْ قتل عَليّ ابْن ثَمَانِيَة عشر عَاما، وَإِن كَانَ مَوته، سنة خمس وَمِائَة، أَو سنة ثَلَاث وَمِائَة - وكل ذَلِك قد قيل - فقد زَاد عَام أَو نقص عَام.

وَإِن صَحَّ أَن سنه كَانَت يَوْم مَاتَ سبعا وَسبعين - كَمَا قد قيل فِيهِ أَيْضا - نقص من ذَلِك خَمْسَة أَعْوَام، فَيكون ابْن اثْنَتَيْ عشرَة سنة. وَإِن صَحَّ أَنه مَاتَ ابْن سبعين سنة كَمَا قَالَ أَبُو دَاوُد، فقد صغرت سنة عَن سنّ من يتَحَمَّل. فعلى هَذَا يكون سَمَاعه من عَليّ مُخْتَلفا فِيهِ، فَاعْلَم ذَلِك" انتهى.

وقد خرّج له البخاري حديثاً واحداً عن عليّ في «صحيحه»، كتاب المحاربين، باب رجم المحصن، (6/2498) قال: حَدَّثَنَا آدَمُ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قال: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بنُ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حِينَ رَجَمَ الْمَرْأَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: «قَدْ رَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم».

وقد سُئِل عنه الدارقطني في «العلل» (4/96) فقال: "يرويه شعبة، واختلف عنه: فرواه قَعْنَبُ بنُ مُحْرِزٍ عن وهب بن جرير عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن مجالد عن الشعبي عن أبيه عن علي، ووهم فيه في موضعين! قوله: (عن مجالد) إنما هو: سلمة ومجاهد، وفي قوله: (عن الشعبي عن أبيه) وإنما روى الشعبي عن علي. وكذلك رواه الحسين المروذيّ وغيره عن شعبة عن سلمة ومجالد عن الشعبي أنهما سمعاه يحدّث عن علي.

ورواه عصام بن يوسف عن شعبة عن سلمة عن الشعبي عن ابن أبي ليلى عن علي، وخالفه غندر رواه عن شعبة عن سلمة عن الشعبي عن علي، وهو الصواب.

وَكَذَلِكَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بنُ سَالِمٍ، وَحُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ.

قال البَرقاني: قُلْتُ – أي للدارقطنيّ-: سَمِعَ الشَّعْبِيُّ مِنْ عَلِيٍّ؟ قَالَ الشَّيْخُ: "سَمِعَ مِنْهُ حَرْفًا مَا سَمِعَ غَيْرَ هذَا".

قلت: وحاصل الأمر أن الدارقطني رجّح الإسناد الذي ذكره البخاري في «صحيحه»، وصححه.

قال ابن حجر في «الفتح» (12/119): "وجزم الدارقطني بأن الشعبي سمع هذا الحديث من علي، قال: ولم يسمع عنه غيره".

قلت: وهذا الحديث مشهور عن الشعبيّ عن عليّ، رواه عن الشعبي جماعة منهم: إسماعيل بن أبي خالد، ومجالد، وقتادة، وسَلَمَة بن كُهَيْلٍ، وأبو حَصين، وأشعث بن سوار، والأجلح، وجابر بن زيد، وإسماعيل بن سالم، أَبُو جُحَيْفَةَ.

وفي بعض طرقه أنّ الشعبيّ شهد هذه الحادثة كما عند أبي نُعيم في «حلية الأولياء» (4/329) قال: "شَهِدْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَرَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، أَوْ رَأَى أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ: «إِنِّي جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللهِ، وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»".

ورواه عن عليّ كذلك: حَبَّة العُرنيّ، والرَّضْرَاض بن أَسْعَدَ، وعَبْدالرَّحْمَنِ بن أَبِي لَيْلَى، وغيرهم.

ومن خلال ذلك يظهر لنا أنّ الإمام البخاري لا يثبت سماع الشعبي من عليّ إلا في هذا الحديث؛ لأنه مشاهدة، وكان حينها غلاماً.

وقد روى الطبراني في «المعجم الكبير» (1/94) من طريق يَحْيَى بن سَعِيدٍ ووكِيع، كِلَاهُمَا عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: «رَأَيْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ أَبْيَضَ اللِّحْيَةِ قَدْ مَلَأَتْ مَا بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ». زَادَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ فِي حَدِيثِهِ: «عَلَى رَأْسِهِ زُغَيْبَاتٌ».

والخلاصة أن الشعبيّ لم يسمع من عليّ إلا هذا الحرف في رجم شُراحة لأنه شهد تلك الحادثة، ومن هنا يتبيّن لنا دقة الإمام البخاري - رحمه الله - في تخريج الأحاديث، ومرّض له أثراً عن عليّ في تراجم أبوابه.

قال البخاري في «صحيحه» في بَاب إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ: "وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ، وَشُرَيْحٍ: «إِنِ امْرَأَةٌ جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ يُرْضَى دِينُهُ، أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاَثًا فِي شَهْرٍ صُدِّقَتْ».

قال ابن حجر: "وَإِنَّمَا لَمْ يَجْزِمْ بِهِ لِلتَّرَدُّدِ فِي سَمَاعِ الشَّعْبِيِّ مِنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ شُرَيْحٍ فَيَكُونُ مَوْصُولًا".

وقال العيني: "فإن قلت: ذكر البخاري في كتاب الحيض: ويذكر عن علي فذكر في الحيض أثراً صحيحاً، قالوا: إذا ذكر البخاري أثراً ممرضاً كان غير صحيح عنده، ولئن سلمنا ما قالوا، فتكون رواية الشعبي عن علي منقطعة؛ لأنه لا علة في السند الممرض غير رواية الشعبي عن علي. قلت: لعل البخاري لم يصح عنده سماع الشعبي عن علي إلا هذا الحرف كما ذكر الدارقطني فأتى به هنا مسنداً، والذي في الحيض لم يصح عنده سماع الشعبي منه فمرّضه".

قلت: ما رُوي عن الشعبي عن عليّ فإن صحّ إسنادها إليه فهو مما سمعه الشعبيّ من أهل الكوفة من قضايا عليّ وغيره.

أخرج الطحاوي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال: حُدّثت أنّ علياً كان ينزل بني الإخوة مع الجد منزلة آبائهم، ولم يكن أحد من الصحابة يفعله غيره.  

وأما الفرائض التي رواها عن عليّ فهي ليست صحيحة.

قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سُئِل أبي عن الفرائض التي رواه الشعبي عن عليّ، فقال: "هذا عندي ما قاسه الشعبي على قول عليّ، وما أرى علياً كان يتفرغ لهذا" [الجرح والتعديل: 6/323].

·       حديث الشعبيّ عن أبي هريرة، وهل سمع منه؟

وقد أشار بعض طلبة العلم أنه قد يُشكل على نفي سماع الشعبيّ من أمّ سلمة سماعه من أبي هريرة، وأبو هريرة توفي قبلها (ت57هـ)، وكلاهما مدني! وحديثه عنه في الصحيحين! فكيف يسمع من أبي هريرة، ولم يسمع من أم سلمة؟ ثمّ حلّ الاشكال بأن الشعبي ربما لقي أبا هريرة لقاءً عارضاً!!

قلت: نعم، حديث الشعبيّ عن أبي هريرة في الصحيحين، وهذا ما جعل بعض أهل العلم يثبتون سماعه من أبي هريرة.

والمعروف أن أبا هريرة قد نزل الكوفة، ولكن هل لقيه الشعبيّ هناك وسمع منه!!

روى عليّ بن الجعد عن زهير، عن أبي إسحاق، عن إمام مسجد سعد قال: "قدم أبو هريرة الكوفة فصلى الظهر والعصر واجتمع عليه الناس...".

وروى ابن أبي خيثمة في «تاريخه» من طريق مُجَالِد بنِ سَعِيدٍ، عَنْ قَيْسِ بنِ أَبِي حَازِمٍ؛ قَالَ: "قَدِمَ عَلَيْنَا أَبُو هُرَيْرَةَ الْكُوفَةَ فَأَتَانَا سُفْيَانُ بنُ عَاصِمٍ، وَكَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ...".

قلت: لم أجد ما يثبت أنّ الشعبي لقي أبا هريرة في الكوفة ولا سمع منه، وأصحاب أبي هريرة في الكوفة قلائل، منهم: قيس بن أبي حازمٍ الكوفيّ (ت97 أو 98هـ)، وخيثمة بن عبدالرحمن بن أبي سبرة الكوفي (ت85هـ)، وسالم بن أبي الجعد الكوفي (ت100هـ).

وسننظر في الأحاديث التي رُويت عن الشعبي عن أبي هريرة، ونعرضها على روايات أصحاب أبي هريرة المدنيين المعروفين بصحبته.

والذي يعنينا في هذا المقام ما أخرجه البخاريّ ومسلم من حديث الشعبي عن أبي هريرة.

فقد خرّج البخاري للشعبي عن أبي هريرة حديثين مرفوعين، وعلّق آخر! وأخرج مسلم له حديثاً واحداً مرفوعاً، وهي:

1- روى البخاري في «صحيحه»، كتاب الرهن، باب الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ، (2/888) قال: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قال: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا».

قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ مُقَاتِلٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللهِ، قال: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ».

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/288) قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الظَّهْرُ يُرْكَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ نَفَقَتُهُ».

ورواه ابن ماجه في «سننه»، باب الرَّهْن مَرْكُوب وَمَحْلُوب، (2/815) عن أبي بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، به.

ورواه الترمذي في «جامعه»، باب ما جاء في الانتفاع بالرهن، (3/555) قال: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، وَيُوسُفُ بنُ عِيسَى، قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ زَكَرِيَّا، به.

قال الترمذي: "هذا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَى غَيْرُ وَاحِدٍ هَذَا الحَدِيثَ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا، وَالعَمَلُ عَلَى هَذَا الحَدِيثِ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ العِلْمِ، وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وقَالَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنَ الرَّهْنِ بِشَيْءٍ".

وقال البزار في «مسنده» (17/84): "وهذا الحديثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عن الشَّعْبِي إلا زكريا بن أبي زائدة! ورواه الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أنه قال: الرهن مركوب ومحلوب ولم يفسره".

وحديث الأعمش رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (7/288) قال: حدّثنا وَكِيعٌ، قال: حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: «الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ».

ورواه إِبْرَاهِيمُ بنُ مُجَشِّرٍ، عن أبي مُعَاوِيَةَ الضّرير، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مرفوعاً.

قال الدارقطني: "تفرد بِهِ إِبْرَاهِيم بن محشر عَن ابي مُعَاوِيَة عَنهُ مَرْفُوعاً".

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ مَرْفُوعًا. رواه مُعَاذُ بنُ الْمُثَنَّى، عن شَيْبَان بنَ فَرُّوخَ، عن أَبي عَوَانَةَ.

قال البيهقي: "ورواهُ الْجَمَاعَةُ عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ".

وسُئِل الدّارقطنيّ في «العلل» رقم (1903) عَنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ: الرَّهْنُ مَحْلُوبٌ وَمَرْكُوبٌ، فَقَالَ: "يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ وَمَنْصُورٌ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْأَعْمَشُ فَرَوَاهُ عَنْهُ شُعْبَةُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَفَعَهُ أَبُو الْحَارِثِ الْوَرَّاقُ نَصْرُ بنُ حَمَّادٍ، عَنْ شُعْبَةَ، وَرُوِيَ عَنْ وُهَيْبِ بنِ جَرِيرٍ أَيْضًا، مَرْفُوعًا، وَغَيْرُهُمَا يَرْوِيهِ عَنْ شُعْبَةَ مَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَاخْتُلِفَ عَنْ أبي عوانة: فرفعه عَنْهُ يَحْيَى بنُ حَمَّادٍ، وَشَيْبَانُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُمَا أَيْضًا فِي رَفْعِهِ، وَوَقَفَهُ عَفَّانُ عَنْ أَبِي عوانة.

وَاخْتُلِفَ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ، فَرَفَعَهُ إِبْرَاهِيمُ بنُ مُجَشَّرٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ عَنْهُ، وَرَفَعَهُ لُوَيْنٌ، عَنْ عِيسَى بنِ يُونُسَ، عَنِ الْأَعْمَشِ.

وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، وَهُشَيْمٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، وَجَرِيرُ بنُ عَبْدِالْحَمِيدِ، عَنِ الْأَعْمَشِ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ، وَهُوَ الْمَحْفُوظُ، عَنِ الْأَعْمَشِ.

وَأَمَّا مَنْصُورٌ؛ فَرَوَاهُ خَلَّادٌ الصَّفَّارُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعاً.

وَغَيْرُهُ يَرْوِيهِ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَوْقُوفًا.

وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ حَمَّادِ بنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَ عن أبي هريرة، واختلف عنه في رفعه، رَفَعَهُ سَلَمَةُ بنُ عَطَاءٍ، عَنْ حَمَّادٍ، وَوَقَفَهُ غَيْرُهُ، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ".

قلت: الخلاصة أن زكريا بن أبي زائدة رواه عن الشعبيّ عن أبي هريرة مرفوعاً! ورواه أبو صالح وإبراهيم عن أبي هريرة موقوفاً. والأشبه عندي هو الوقف، والله أعلم.

وهذا الحديث لم يسمعه الشعبي من أبي هريرة! وقد تفرد به زكريا بن أبي زائدة، وقد وُصف بالتدليس.

قال صالح جزرة: "في روايته عن الشعبي نظر؛ لأن زكريا كان يدِّلس".

وقال أبو زرعة: "صُويلح، يُدلس كثيراً عن الشعبي".

وقال أبو حاتم: "ليّن الحديث، يُدلِّس".

وقال أبو داود في «سؤالاته لأحمد» (ص298): قلت لأحمد: زكريا ابن أبي زائدة؟ قال: "ثقة، لا بأس به". قلت: هو مثل مُطرِّف؟ قال: "لا"، ثمّ قال لي أحمد: "كلهم ثقات، كان عند زكريا كتاب، فكان يقول فيه: سمعت الشعبي، ولكن زعموا كان يأخذ عن جابر وبيان، ولا يُسمي - يعني ما يروي من غير ذاك الكتاب، يرسلها عن الشعبي".

قال أحمد: "زعموا أن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: لو شئت أن أسمي كلّ من ينبىء أبي عن الشعبي لسميت".

وقال أبو داود: "ثقة، لكنه يُدلِّس".

وهذا الحديث المرفوع الذي رواه زكريا عن الشعبي عن أبي هريرة قد ردّه بعض أهل العلم! ولم يتفقوا على العمل به.

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (14/215): "وهذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول يجتمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها، وقد أجمعوا أن ليس الرهن وظهره للراهن، ولا يخلو من أن يكون احتلاب المرتهن له بإذن الراهن أو بغير إذنه".

ثم قال: "وجمهور الفقهاء في حديث أبي هريرة الرهن يركب ويحلب بنفقته أنه منسوخ، وأن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا، والله أعلم".

قلت: الصواب أنه من قول أبي هريرة، ولا يصح مرفوعاً، فلا نحتاج إلى تأويله، ولا أظنّ أن الشعبيّ رواه عن أبي هريرة، فالوقف محفوظ من طريق أبي صالح عن أبي هريرة، وهو من قدماء أصحابه المدنيين، فيقدّم على غيره سيما والحديث المروي عن الشعبي فيه ما فيه من زيادة الرفع وعدم ثبوت سماع الشعبي له من أبي هريرة، وكذلك ما تكلم فيه أهل النقد من تدليس زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي، والله أعلم.

2- وروى البخاريّ في «صحيحه»، كتاب التقسير، بَاب قَوْلِهِ: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ، إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ}، (4/1813)، قال: حَدَّثَنِي الحَسَنُ، قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ خَلِيلٍ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُالرَّحِيمِ، عَنْ زَكَرِيَّاءَ بنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنِّي أَوَّلُ مَنْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ بَعْدَ النَّفْخَةِ الآخِرَةِ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى مُتَعَلِّقٌ بِالعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَذَلِكَ كَانَ أَمْ بَعْدَ النَّفْخَةِ».

ورواه أبو طاهرٍ المُخَلِّصِ (كما في المخلصيات برقم: 2162) من طريق الوليد بن شجاعٍ، عن عبدالرحيمِ بن سليمانَ الرازي، به.

قلت: هذا الحديث تفرّد به عبدالرحيم بن سليمان عن زكريا، ولا يوجد له في البخاري إلا هذا الموضع!! وقد وثقه ابن معين وأبو داود، وقال أبو حاتم: "صالح الحديث كان عنده مصنفات قد صنف الكتب". وقال النسائي: "ليس به بأس". وقال ابن شاهين في الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: "ثقة صدوق، ليس بحجة".

وقد روى أبو طاهرٍ المُخَلِّصِ هذا الحديث (كما في المخلصيات برقم: 1918، و2163) من طريق الوليد بن شجاعٍ، قالَ: حدثنا أبو أسامةَ، قالَ: حدثنا مجالدٌ، قالَ: أخبرنا عامرٌ، عن جابرٍ أو غيرِه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، نحوَه.

قلت: إن ثبت أن هذا الحديث محفوظ عن زكريا بن أبي زائدة عن عامر الشعبي، فقد بيّنا قبل أنه كان يدلِّس كثيراً عن الشعبي، ومجالد - وإن كان ضعيفاً - إلا أن له رواية صالحة عن الشعبي عن جابر وغيره، وهذا الاختلاف على الشعبي يوحي بعدم ثبوت روايته له عن أبي هريرة أو جابر وغيرهما؛ لأن هذا الحديث ليس معروفاً عند أصحابهما، والله أعلم.

3- علّق البخاري للشعبي عن أبي هريرة حديثاً واحداً.

قال في «صحيحه»، باب لاَ تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، (5/1965): حَدَّثَنَا عَبْدَانُ، قال: أَخْبَرَنَا عَبْدُاللَّهِ، قال: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، سَمِعَ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا». وَقَالَ دَاوُدُ، وَابنُ عَوْنٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قلت: قد علّق البخاريّ رواية داود وابن عون عن الشعبيّ عن أبي هريرة!

أما حديث داود بن أبي هند:

فرواه الترمذي في «الجامع»، باب مَا جَاءَ لَا تُنْكَحُ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا، (3/433)، قال: حَدَّثَنَا الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ الخَلَّالُ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بنُ هَارُونَ قَالَ: أَنْبَأَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَامِرٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُنْكَحَ المَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، أَوِ العَمَّةُ عَلَى ابْنَةِ أَخِيهَا، أَوِ المَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، أَوِ الخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا، وَلَا تُنْكَحُ الصُّغْرَى عَلَى الكُبْرَى، وَلَا الكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى».

قال الترمذي: "حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. والعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ العِلْمِ لَا نَعْلَمُ بَيْنَهُمْ اخْتِلَافًا: أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ المَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا، فَإِنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا، أَوِ العَمَّةَ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، فَنِكَاحُ الأُخْرَى مِنْهُمَا مَفْسُوخٌ، وَبِهِ يَقُولُ عَامَّةُ أَهْلِ العِلْمِ".

قال: "أَدْرَكَ الشَّعْبِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَرَوَى عَنْهُ. وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا، فَقَالَ: "صَحِيحٌ". وَرَوَى الشَّعْبِيُّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ".

وروى الترمذي في «العلل» (1/163) عن محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو داود، عن شعبة، عن عاصم قال: قرأت على الشعبي كتاباً فيه: عن جابر بن عبدالله: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها أو على خالتها»، فقال الشعبي: سمعت هذا من جابر.

سألت محمّداً عن هذا الحديث، فقال: "يُحدِّث الشعبي عن صحيفة جابر، ولم يعرف حديث أبي داود عن شعبة". وقال داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة.

ورواه أحمد في «مسنده» (ط الرسالة: 15/303 برقم 9500) عن إِسْمَاعِيل بن عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، به.

ورواه الدارميّ في «سننه» (2/183) عن يزيد بن هارون، عن داود، به.

ورواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (3/526) عن ابن فضيل، عن داود، به.

ورواه عبدالرزاق في «مصنفه» (6/262) عن مَعمر، عن داود، به.

ورواه أبو داود في «سننه»، باب ما يكره أن يجمع بينهن من النساء، (2/224)   عن عبدالله بن محمد النفيلي، عن زهير، عن داود بن أبي هند، به.

ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/294) عن إسحاق بن إبراهيم بن راهويه، عن المعتمر بن سليمان التيمي، عن داود بن أبي هند، به.

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (11/516) عن عبدالأعلى، عن وهيب، عن داود، به.

ورواه ابن حبان في «صحيحه»، "باب ذكر الزجر عن تزويج العمة على ابنة أخيها والخالة على بنت أختها"، (9/427)، عن محمد بن إسحاق بن خزيمة، عن محمد بن بشار وأبي موسى، كلاهما عن عبدالوهاب الثقفي، عن داود بن أبي هند، به.

 ثم رواه في "باب ذكر الزجر عن أن تنكح الصغرى بما ذكرنا على الكبرى منهن أو الكبرى على الصغرى منهن"، عن أبي يعلى، عن زكريا بن يحيى الواسطي، عن هُشيم، عن داود، به.

ورواه البيهقي في «السنن الكبرى» (7/166) من طريق أحمد بن عبدالجبار، عن أبي معاوية، عن داود بن أبي هند، به.

وأما حديث ابن عون:

فرواه النسائي في «السنن الكبرى» (3/294) عن محمد بن عبدالأعلى الصنعاني، قال: حدثنا خالد - يعني ابن الحارث – قال: حدثنا ابن عون، عن الشعبي، عن أبي هريرة قال: «لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها. قال: ولا تزوج على ابنة أخيها ولا ابنة أختها».

كذا رواه موقوفاً.

ورواه البزار في «مسنده» برقم (9611) عن محمد بن المُثَنَّى وعمرو بن عيسى، قَالا: حَدَّثَنا مُحَمَّد بنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ ابنِ عَوْنٍ، عن الشَّعْبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قال: «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَعَلَى خالتها».

قال البزار: "وهَذَا الحديثُ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ من وجوه كثيرة واختلف فيه عن الشَّعْبِي فقال داود: عن الشَّعْبِي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وقال عاصم الأحول: عن الشَّعْبِي، عن جابر، وقال جابر الجعفي: عن الشَّعْبِي، عن أبي سعيد الخدري رَضِيَ اللهُ عَنْهُ".

قال الحافظ ابن حجر في «الفتح» (9/160): "(قوله): وقال داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة، أما رواية داود - وهو: ابن أبي هند، فوصلها أبو داود والترمذي والدارمي من طريقه... وأخرجه مسلم من وجه آخر عن داود بن أبي هند فقال: عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة، فكأن لداود فيه شيخين، وهو محفوظ لابن سيرين عن أبي هريرة من غير هذا الوجه، وأما رواية ابن عون وهو عبدالله فوصلها النسائي من طريق خالد بن الحارث عنه بلفظ: (لا تزوج المرأة على عمتها ولا على خالتها) ووقع لنا في فوائد أبي محمد بن أبي شريح من وجه آخر عن ابن عون بلفظ: (نهى أن تنكح المرأة على ابنة أخيها أو ابنة أختها)، والذي يظهر أن الطريقين محفوظان، وقد رواه حماد بن سلمة عن عاصم عن الشعبي عن جابر أو أبي هريرة، لكن نقل البيهقي عن الشافعي أن هذا الحديث لم يُرو من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة، وروي من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث. قال البيهقي: هو كما قال، قد جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبدالله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة، وليس فيها شيء على شرط الصحيح، وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة، وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر، وبيّن الاختلاف على الشعبي فيه، قال: والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ، والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند. انتهى. وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري؛ لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة، وللحديث طرق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر، والحديث محفوظ أيضاً من أوجه عن أبي هريرة، فلكل من الطريقين ما يعضده، وقول من نقل البيهقي عنهم تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفى بتخريج البخاري له موصولاً قوة. قال ابن عبدالبر: كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة، يعني من وجه يصح، وكأنه لم يصحح حديث الشعبي عن جابر، وصححه عن أبي هريرة، والحديثان جميعاً صحيحان".

وقال العيني في «العُمدة» (20/106): "قلت: اعترض صاحب الجوهر النقي على البيهقي بأن قال: وقد أثبته أهل الحديث من رواية اثنين غير أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، فإنه أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عباس، وأخرجه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وأخرجه البخاري من حديث جابر، فيحمل على أن الشعبي سمعه منهما - أعني أبا هريرة وجابراً، وهذا أولى من تخطئة أحد الطرفين إذ لو كان كذلك لم يخرجه البخاري في الصحيح، وقال شيخنا: سماع الشعبي منهما صرح به حماد بن سلمة في روايته لهذا الحديث عن عاصم عن الشعبي عن جابر وأبي هريرة، وكذلك ذكره الحافظ المزي في الأطراف إلا أن البيهقي في المعرفة حكى عن الحفاظ أن رواية عاصم خطأ، وذلك أن حديث جابر وإن أخرجه البخاري فإنه عقبه بذكر الاختلاف فيه فقال بعد أن رواه من رواية عاصم عن الشعبي عن جابر: ورواه داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة، وإذا تبين لك الاختلاف الذي وقع فيه فقد أحالك على الترجيح فنظرنا بين عاصم الأحول وبين داود وابن عون وكل واحد منهما لو انفرد كان أول ما يؤخذ بقوله دون عاصم؛ لأنهما مجمع على عدالتهما ولم يتكلم أحد فيهما، وتكلم في عاصم غير واحد عموماً وخصوصاً، أما عموماً، فقال ابن علية: "كل من اسمه عاصم في حفظه شيء"، وأما خصوصاً، فقد قال يحيى بن معين: "كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عن عاصم الأحول، يستضعفه"، وقال أبو أحمد الحاكم: "ليس بالحافظ عندهم، ولم يحمل عنه ابن إدريس لسوء ما في سيرته"، وقال بعضهم نصرة للبخاري أن هذا الاختلاف لا يقدح عند البخاري؛ لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة، وللحديث طريق آخر عن جابر بشرط الصحيح أخرجه النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر والحديث أيضاً محفوظ من أوجه عن أبي هريرة، فلكل من الطريقين ما يعضده، انتهى. قلت: قوله وللحديث طريق آخر إلى آخره غير صحيح؛ لأن رواية أبي الزبير لا يحتج بها؛ لأنه مدلس، وقد قال الشافعي: لا نقبل رواية المدلس حتى يقول: حدثنا، وقال غير الشافعي أيضاً ومع ذلك قال الشافعي: لا يحتج بروايات أبي الزبير، الموضع الثاني مشتمل على أحكام الأول احتج به على تخصيص الكتاب بالسنة ولكن فيه خلاف فعندنا يجوز بالأحاديث المشهورة" انتهى.

قلت: الظاهر أن الإمام البخاري يرجّح رواية الشعبي عن جابر على رواية داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة!! ولهذا علّق هذه الأخيرة.

وأما ما ذهب إليه ابن حجر بأن كل هذه الروايات صحيحة ففيه نظر! وتعقّب العيني له بأنه انتصر للبخاري وأن الصواب هو رواية داود وابن عون عن الشعبي عن أبي هريرة، وطعنه في عاصم الأحول فهو مما يرّد على العيني - غفر الله له -!!

فالبخاري احتج برواية عاصم الأحول عن الشعبي عن جابر، وهو الصواب، وأما رواية أبي هريرة فهي صحيحة لكن ليست من طريق الشعبي، وإنما من طرق أخرى كمحمد بن سيرين وغيره.

عدا على أنّ حديث داود وابن عون فيه زيادة عَلَى مَا سِوَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهِيَ نَهْي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ تُنْكَحَ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى، وَالْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى!!! ولهذا اضطر أهل العلم أن يحملوا ذلك عَلَى الْكُبْرَى فِي النَّسَبِ، وَعَلَى الصُّغْرَى فِي النَّسَبِ، كَمَا قِيلَ فِي الْوَلَاءِ: الْوَلَاءُ لِلْكُبْرِ، يُرَادُ بِذَلِكَ الْكُبْرُ فِي النَّسَبِ!! مع أنّ هذا ثابتٌ في القرآن الكريم: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ}.

وسُئِل الدارقطني في «العلل» برقم (2158) عَنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوِ الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، أَوِ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، أَوِ الْخَالَةُ عَلَى بِنْتِ أُخْتِهَا؟

فَقَالَ: "يَرْوِيهِ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، وَابنُ عَوْنٍ، وَسُلَيْمٌ مَوْلَى الشَّعْبِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَخَالَفَهم عَاصِمٌ الْأَحْوَلُ؛ فَرَوَاهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِاللَّهِ.

وَخَالَفَهُمْ جَابِرٌ الْجُعْفِيُّ، فَرَوَاهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ.

وَاخْتُلِفَ عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، وَعَنِ ابنِ عَوْنٍ!!

فَرَوَاهُ زُهَيْرُ بنُ مُعَاوِيَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَهُشَيْمٌ، وَمُعْتَمِرٌ، وَعَبْدُالرَّحِيمِ بنُ سليمان، وابن فضيل، ومحبوب بن الحسن، وعائذ بنُ حَبِيبٍ، وَعُمَرُ بنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي الْعَدَوِيُّ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَكَذَلِكَ رَوَوْهُ عَنْ شُعْبَةَ، قَالَ بَقِيَّةُ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَرَوَاهُ زَكَرِيَّا بنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ دَاوُدَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ يَحْيَى بنُ زَكَرِيَّا بنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَعُبَيْدُاللَّهِ بنُ مُوسَى، عَنْ زَكَرِيَّا، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ.

وَخَالَفَهُ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بنِ مُقَدَّمٍ، فَرَوَاهُ عَنْ زَكَرِيَّا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا.

وَرَوَاهُ عَبْدُالْوَارِثِ بنُ سَعِيدٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ أَبُو مَعْمَرٍ الْقَطِيعِيُّ، عَنْ عَبْدِالْوَارِثِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَاخْتُلِفَ عَنْ مُسَدَّدٍ؛ فَرَوَاهُ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ جَرِيرِ بنِ جَبَلَةَ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِالْوَارِثِ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَوَهِمَ فِي قَوْلِهِ: (عَنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ). وَالصَّحِيحُ: عَنْ دَاوُدَ، عَنْ عَامِرٍ، قَالَ ذَلِكَ مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ عَبْدِالْوَارِثِ.

وَرَوَاهُ يَزِيدُ بنُ هارُونَ، عَنْ دَاوُدَ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ حُسَيْنُ بنُ أَيُّوبَ بَغْدَادِيٌّ، ثِقَةٌ، وَإِبْرَاهِيمُ بنُ نَصْرٍ الْكِنْدِيُّ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ ابنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلَمْ يُتَابِعَا عَلَى هذَا القول.

ورَوَاهُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بنُ الصَّبَّاحِ الدُّولَابِيُّ، عَنْ يَزِيدَ بنِ هَارُونَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَالصَّوَابُ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ يَزِيدُ بنُ زُرَيْعٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَرَوَاهُ عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ عَنْ دَاوُدَ، فَقَالَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَتَى بِحَدِيثِ الشَّعْبِيِّ أَيْضًا، وَقَالَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: وَلَا تُسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا.

وَذَلِكَ مَحْفُوظٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ سِيرِينَ، وَلَيْسَ مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ قَوْلُ إِنَّهُ حَفِظَ الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا.

وَاخْتُلِفَ عَنِ ابنِ عَوْنٍ، وَقَالَ ابنُ أَبِي عَدِيٍّ: عَنْهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: نَهَى أَنْ تُزَوَّجَ الْمَرْأَةُ، نَحَا بِهِ نَحْوَ الرَّفْعِ.

وَقَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: عَنْهُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَوْلُهُ.

وَالصَّحِيحُ: عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ" انتهى.

قلت: مَال الدارقطني إلى أنه محفوظ عن الشعبيّ من كلا الطريقين: عن أبي هريرة وعن جابر! ولكن يرى البخاري أن المحفوظ أنه عن الشعبيّ عن جابر! وهذا أشبه بالصواب!

وعليه فتكون رواية داود بن أبي هند عن الشعبي عن أبي هريرة فيها نظر!! سيما وفيها ألفاظاً ليست محفوظة عن أبي هريرة من طرق أخرى.

ورواية ابن عون عن الشعبي الصواب فيها الوقف على أبي هريرة، وهي مخالفة لرواية داود المرفوعة، وكذلك في الزيادة التي عنده!!

والظاهر أن الشعبي كان يرويه عن أبي هريرة من قوله، وهو مشهور عنه، ولكن هذا لا يعني أنه سمعه منه! وكان - رحمه الله - يرسل بعض الأحاديث عن بعض الصحابة مما اشتهر عنهم، وهذه الأحاديث المشهورة عندما تنتشر بين الناس ويتداولونها بالإرسال قد يدخلها ما ليس منها.

فهذا الحديث معروف ومشهور عن أبي هريرة، رواه عنه جماعة من أصحابه كالأعرج، وقَبِيصَة بن ذُؤَيْبٍ، ومحمّد بن سيرين وغيرهم. ولم يأت في حديث واحد منهم ما جاء في رواية الشعبي: «نَهَى أَنْ تُنْكَحَ الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى، أَوِ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى»!!

والمعروف عن الشعبيّ عن جابر كما ذهب إليه الإمام البخاري. رواه جماعة منهم شعبة وسفيان عَنْ عَاصِمٍ قَالَ: عَرَضْتُ عَلَى الشَّعْبِيِّ كِتَابًا فِيهِ: عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا عَلَى خَالَتِهَا».

فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: "أَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ جَابِرٍ".

* تنبيه:

- روى الطبراني في «المعجم الأوسط» برقم (4493) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بنُ عُمَرَ الصَّفَارُ، قَالَ: حدثنا يَحْيَى بنُ غَيْلَانَ، قَالَ: حدثنا عَبْدُاللَّهِ بنُ بَزِيعٍ، عَنْ سُلَيْمٍ مَوْلَى الشَّعْبِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تُزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَلَى خَالَتِهَا، وَلَا الْخَالَةُ عَلَى ابْنَةِ أُخْتِهَا، وَلَا تُزَوَّجُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا، وَلَا الْعَمَّةُ عَلَى بِنْتِ أَخِيهَا، لَا تُزَوَّجُ الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى، وَلَا الْكُبْرَى عَلَى الصُّغْرَى».

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ سُلَيْمٍ مَوْلَى الشَّعْبِيِّ إِلَّا عَبْدُاللَّهِ بنُ بَزِيعٍ، تَفَرَّدَ بِهِ: يَحْيَى بْنُ غَيْلَانَ".

قلت: عبدالله بن بزيع الأنصاري قاضي تستر أحاديثه عن من يروي عنه ليست بمحفوظة أو عامتها، قاله ابن عدي.

وقال الساجي: "ليس بحجة، روى عنه يحيى بن غيلان مناكير".

وسُليم مولى الشعبيّ ليس بشيء!!

4- روى مسلمٌ للشعبي عن أبي هريرة حديثاً واحداً.

قال مسلم في «صحيحه» (4/1957) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ، قال: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مِنْ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ» قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا» قَالَ: وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ».

قال: وَحَدَّثَنَا حَامِدُ بنُ عُمَرَ الْبَكْرَاوِيُّ، قال: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ الْمَازِنِيُّ - إِمَامُ مَسْجِدِ دَاوُدَ-، قال: حَدَّثَنَا دَاوُدُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: ثَلَاثُ خِصَالٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي بَنِي تَمِيمٍ لَا أَزَالُ أُحِبُّهُمْ، بَعْدُ وَسَاقَ الْحَدِيثَ بِهَذَا الْمَعْنَى، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: «هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ قِتَالًا فِي الْمَلَاحِمِ» وَلَمْ يَذْكُرِ الدَّجَّالَ.

ورواه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (2/369) عن مُحَمَّد بن يَزِيدَ الْمَعْرُوف بِابنِ الرَّوَّاسِ التَّمَّارِ، قال: حدثنا مَسْلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ - يَعْنِي ابنَ أَبَى هِنْدَ-، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: ثَلَاثٌ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَنِي تَمِيمٍ لَا أَبْغَضُ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَهَا، كَانَ عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُحَرَّرٌ فَسُبِيَ مِنْ بَنِي الْعَنْبَرِ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَائِشَةُ، يَسُرُّكِ أَنْ تَفِي بِنَذْرِكِ، إِعْتِقِي مُحَرَّرًا مِنْ هَؤُلَاءِ»، فَجَعَلَهُمْ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: ثُمَّ جِيءَ بِنَعَمٍ مِنْ نَعَمِ صَدَقَةِ بَنِي سَعْدٍ، فَلَمَّا رَآهَا رَاعَهُ ذَلِكَ النَّعَمُ، قَالَ: «هَذَا نَعَمُ قَوْمِي»، فَجَعَلَهُمْ قَوْمَهُ، قَالَ: «هُمْ أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً فِي الْمَلَاحِمِ».

ورواه الطبراني في «المعجم الأوسط» (2/283) و(8/60) من طريق مُحَمَّد بن جَامِعٍ الْعَطَّار، وعبدالله بن عمر الخطابي، كلاهما عن مَسْلَمَة بن عَلْقَمَة، به.

قال الطبراني: "لَمْ يَرْوِ هذَا الْحَدِيثَ عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ إِلَّا مَسْلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ".

ورواه الحاكم في «المستدرك» (4/93) عن علي بن عيسى الحيري، عن أحمد بن نجدة القرشي، عن منصور، عن مسلمة بن علقمة المازني، به.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".

وسُئِل الدارقطني في «العلل» برقم (2157) عن هذا الحديث، فقال: "يَرْوِيهِ دَاوُدُ بنُ أَبِي هِنْدٍ، واختلف عنه؛ فرواه مَسْلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ بنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

وَرَوَاهُ عَبْدُالْوَارِثِ بنُ عَبْدِالصَّمَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ دَاوُدَ، فَقَالَ: حَدَّثْتُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.

قِيلَ: أَيُّهُمَا هُوَ أَصْوَبُ؟ قَالَ: حَدِيثُ مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ صَحِيحٌ، وَقَوْلُ عُمَرَ بنِ شَبَّةَ غَيْرُ مَدْفُوعٍ" انتهى.

قلت: يقصد الدارقطني بعمر بن شبّة راوي الحديث عن عبدالوارث، وهو: عمر بن شبة بن عبيدة النميري أبو زيد بن أبي معاذ البصري النحوي الأخباري، وكأن الدارقطني قدّم رواية مسلمة على روايته؛ لأن عمر بن شبة تفرد به عن عبدالوارث، ورواية عبدالوارث ليست مشهورة كرواية مسلمة.

قال البزار: "وهذا الحديثُ لاَ نَعْلَمُ رَوَاهُ عن الشَّعْبِي إلا داود، ورواه عن داود مسلمة وهو الذي يعرف به، ورواه عبدالوارث وهو بمسلمة أشهر".

ولكن في الوقت نفسه الدارقطني لا يدفع روايته، بل إن روايته هي الصحيحة، وهي تعلّ رواية مسلمة.

ومسلمة هذا صاحب مناكير عن داود!

قال عبدالله بن أحمد: سمعته - يعني أباه - يَقُول: "مسلمة بن عَلْقَمَة شيخ ضَعِيف الحَدِيث، حدَّث عَن دَاوُد بن أبي هِنْد أَحَادِيث مَنَاكِير، فأسند عَنهُ".

وقال أحمد بن محمد: سألت أبا عبدالله - يعني الإمام أحمد - عن مسلمة بن علقمة، قلت: رأيته؟ قال: لا، فقلت له: كيف هو؟ قال: ما أدري ما أخبرك! يروون عنه أحاديث مناكير، وأراهم قد تساهلوا في الرواية عنه. [ضعفاء العقيلي: 4/212].

وقال أبو بكر ابن أبي خيثمة: أخبرنا عبيدالله بن عمر القواريري، قال: "حدّثنا مسلمة بن علقمة وكان عالماً بحديث داود بن أبي هند حافظاً، وكان يقال: في حفظه شيء".

وسُئِل أبو زرعة عن مسلمة بن علقمة، فقال: "لا بأس به، يُحدِّث عن داود بن أبي هند أحاديث حساناً".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سُئِل أبي عن مسلمة بن علقمة، فقال: "صالح الحديث". [الجرح والتعديل: 8/267].

وذكر له ابن عدي ثلاثة أحاديث منكرة في ترجمته من الكامل عن داود بن أبي هند، ثم قال: "ولمسلمة هذا عن داود غير ما ذكرت مما لا يُتابع عليه". [الكامل: 6/318].

وقال العقيلي - وذكر له بعض المناكير - في ترجمته من الضعفاء: "ولمسلمة بن علقمة عن داود مناكير، وما لا يُتابع عليه من حديثه كثير".

وقد روى البزار (11) حديثاً للشعبيّ عن أبي هريرة، ومعظمها رواها مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند! وقد علل البزار بعضها، وعند التحقيق يتبيّن لنا أنها كلها معلولة!

ومن مناكيره ما أخرجه الترمذي عن الحَسَن بن قَزَعَة البَصْرِيّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بنُ عَلْقَمَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا دَاوُدُ بنُ عَلِيٍّ، عَنْ عَامِرٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ، وَحَرَّمَ، فَجَعَلَ الحَرَامَ حَلَالًا، وَجَعَلَ فِي اليَمِينِ كَفَّارَةً».

قال الترمذي: "حَدِيثُ مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُدَ، رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، وَغَيْرُهُ، عَنْ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا، وَلَيْسَ فِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ".

والخلاصة أنه لم يثبت سماع الشعبيّ من أبي هريرة - رضي الله عنه - وما صحّ إلى الشعبي عن أبي هريرة فهو مرسل، وهو قليل جداً.

وهنا أنبه إلى قاعدة مهمة وهي: أنه إذا كان الراوي عن الصحابي ليس من بلده وليس من أصحابه المعروفين، فإنا نعرض روايته على أصحاب الصحابي، ونقدّم الأصحاب عليه إذا كان هناك اختلاف في إسناده أو اختلاف في متنه.

فالشعبي هنا لا يُعرف في أصحاب أبي هريرة، وما رُوي عنه من حديث عن أبي هريرة فيه اختلاف في إسناده وفي بعض المتون، فنقدّم رواية أصحاب أبي هريرة المعروفين، ومن ذلك يمكن تبين إذا كان هذا الراوي سمع من الصحابي أم لا!

وبهذا يتبيّن لنا أن الشعبيّ قد أرسل عن بعض الصحابة ولم يسمع منهم، ومن ذلك حديث الباب: حديث أم سلمة. ولكن بعض أهل العلم قبل هذه المراسيل، وفي ذلك نظر!!

·       كلام الشيخ عبدالله السعد في الحديث، وما قيل في مراسيل الشعبيّ.

وقد ذهب الشيخ عبدالله السعد إلى أن هذا الحديث يُعمل به، وإن كان منقطعاً بين الشعبي وأم سلمة! وذلك لأن الشعبي لا يروي إلا عن ثقة! فالانقطاع هذا لا يؤثر كثيراً في صحته!

قال الشيخ في «شرح آداب المشي إلى الصلاة»: "والثاني هذا الحديث، وهو حديث أم سلمة هذا ما قد خرّجه أبو داود والنسائي، وكذلك أيضاً الترمذي في كتابه الجامع وأخرجه الإمام أحمد، وابن أبي شيبة والطبراني وغيرهم، كلهم قد خرّجوه من حديث منصور بن المعتمر عن الشعبي عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا خرج من بيته قال: (اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل عليّ)، أو كما قال عليه الصلاة والسلام. هذا الحديث قد صححه أبو عيسى الترمذي بهذا الطريق وصححه كذلك أيضاً غيره. ولكن هذا الحديث فيه علة، وذلك أن الشعبي لم يثبت له سماع من أم سلمة، وكذلك علي بن المديني نفى سماع الشعبي من أم سلمة رضي الله تعالى عنها فيكون هذا الحديث فيه انقطاع، ولكن هذا الانقطاع ليس بالمؤثر كثيراً على صحة هذا الحديث أو على قبوله والعمل به؛ وذلك أن الشعبي قد وصف بأنه لا يروي إلا عن ثقة كما وصفه بذلك العجلي وغيره وأظن كذلك حتى يحيى بن معين وصفه بذلك فالشعبي غالباً أنه لا يروي إلا عن ثقة فهذا الحديث عندي أنه لا بأس به، وليس كل انقطاع في الحديث يكون مؤثر طبعاً. الأصل أن الحديث إذا كان فيه انقطاعاً [كذا! والصواب: والصواب: انقطاع] أنه يكون ضعيفاً، ولا يصح وأن من شروط الحديث الصحيح هو الاتصال في إسناده أن يكون إسناده متصلاً، ولكن قد يسكت عن مثل هذا أو يتساهل في مثل ذلك وذلك إذا كان هذا الراوي الذي وقع عنده الانقطاع معروف غالباً بأنه لا يروي إلا عن ثقة، وبالذات إذا كان من أصله التابعين وعلمائه كالشعبي هنا أو إذا عرفنا من هو الساقط من الإسناد، وعرفنا أنه ثقة مثل رواية حميد الطويل عن أنس ورواها عن أنس بدون واسطة وهو لم يسمعها يعني رواها ولم يذكر واسطة وهو بينه وبين أنس واسطة حميد الطويل أخذ هذه الأحاديث عن ثابت البناني، وثابت البناني ثقة ثبت فعرفنا الواسطة التي سقطت، وإذن رواية حميد عن أنس صحيحة، ومن ذلك رواية أبي عبيدة عن عبدالله بن مسعود عن أبيه أبو عبيدة بن عبدالله بن مسعود عندما توفي أبوه كان صغيراً بحيث لا يعقل يعني كان عمره نحو ثلاث سنوات وما شابه ذلك طبعاً قال بعض أهل العلم أنه كان كبيراً لكن الصواب أنه كان صغيراً، ولكن روايته عن أبيه مقبولة لأن روايته مستقيمة، وقد قال يعقوب بن شيبة السدوسي إنما استجاز أصحابنا علي بن المديني وغيره إدخال رواية أبي عبيدة عن أبيه ضمن المسند لاستقامتها، فأبو عبيدة أخذ هذه الأحاديث من كبار أصحاب أبيه من كبار أهل بيته فأصبحت روايته عن أبيه مقبولة، فكذلك أيضاً فيما يتعلق برواية الشعبي عن أم سلمة في هذا الحديث وإن كان فيه انقطاع كما تقدم ولكن لا بأس بهذا الحديث، وبالتالي أنه يعمل به، وأن هذا الانقطاع ليس بمؤثر على صحة هذا الخبر، إذن من السنة أن يقال كذلك أيضاً هذا الدعاء" انتهى كلامه.

قلت: هذا الكلام فيه نظر شديد من الشيخ - سلمه الله -.

1- فقياس رواية الشعبي عن أم سلمة على رواية حميد عن أنس ورواية أبي عبيدة عن عبدالله بن مسعود قياس مع الفارق! فهذه كما قال الشيخ عرفنا أن الأولى أخذها حميد عن ثابت، وفي رواية أبي عبيدة أخذها عن كبار أصحاب أبيه مع استقامة هذه الروايات، فأين ذلك في رواية الشعبي؟!

2- قيّد الشيخ قبول المنقطع إذا عرفنا الساقط، فمن الساقط بين الشعبي وأم سلمة؟!

3- وأما ما قيل: أن الشعبي لا يروي إلا عن ثقة، فقصد الشيخ أنه لا يرسل إلا عن ثقة! وهذا اللفظ أوضح من القول بأنه لا يروي إلا عن ثقة! لوجود فرق بينهما! فالذي لا يروي إلا عن ثقة يعني أن شيوخه ثقات وهو يذكرهم، وهذا هو قول ابن معين الذي أشار إليه الشيخ نفسه، قال ابن معين: "إذا حدث الشعبي عن رجل فسماه؛ فهو ثقة يحتج بحديثه".

وأما من لا يرسل إلا عن ثقة فلا يذكر من حدثه وإنما يسقطه ولا يذكره، ففرق بين هذا وبين من يذكر اسم من حدّثه.

ومعتمد ما قاله الشيخ السعد على قول أحمد بن صالح العِجلي: "ومرسل الشعبي صحيح، لا يكاد يرسل إلا صحيحاً".

وقال المعلمي في «التنكيل» (2/901): "والشعبي جيد المرسل، قال العجلي: لا يكاد الشعبي يرسل إلا صحيحاً. وقال الآجري عن أبي داود: مرسل الشعبي أحب إليّ من مرسل النخعي".

قلت: الظاهر أن العجلي قال ما قال عن مراسيل الشعبي لجلالته في طبقته، وهو من المبرزين المتقنين فيها، وقد تساهل بعض أهل العلم بوصف مراسيل بعض التابعين المشهورين كالشعبي والنخعي بأنها مقبولة وأنهم لا يرسلون إلا عن الثقات وغير ذلك، وما هذا إلا لتقدّم هؤلاء في العلم، وكلّ هذا يحتاج إلى سبر وتمحيص حتى يطمئن الناقد إلى صحة ما أطلق من ذلك.

وهذا أبو داود قدّم مراسيل الشعبي على مراسيل النخعي في حين ذهب ابن معين إلى عكس هذا.

قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "مراسيل إبراهيم أحبّ إليّ من مراسيل الشعبي".

فالمسألة ليست على إطلاقها، فكلّ إمام ينظر إلى ذلك من زاوية معينة.

قال الشيخ يوسف الجديع في «تحرير علوم الحديث» (2/936) معقباً على كلام العجلي: "وهذا مفيد في قوة الاعتبار بها لذاتها، ولا يصح أن يكون حكماً بصحة أفراد رواياته المرسلة دون شاهد، وظاهر العبارة أن العجلي تتبع مراسيل الشعبي فوجد أكثرها صحيحاً من وجوه أخرى، فعُلمت صحتها بأمر خارج عن نفس المرسل، ولذا قال: (لا يكاد)، ففيه أن ما لم تشهد له الشواهد أنه صحيح، فهو باق على الضعف".

قلت: هذا كلام متين، وما قاله العجلي في أن الشعبي لا يرسل إلا عن ثقة يحتاج إلى الدليل.

وقد تتبعت بعض مراسيل الشعبي فوجدتها منكرة!! منها: ما رواه عَبْدُاللَّهِ بنُ إِدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنْ حُصَيْنِ بنِ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: «بَايَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النِّسَاءَ وَعَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ».

ورواه وَهْبُ بنُ جَرِيرِ بنِ حَازِمٍ، قال: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: «أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حِينَ بَايَعَ النِّسَاءَ وَضَعَ عَلَى يَدِهِ بُرْدًا قَطَرِيًّا فَبَايَعَهُنَّ».

قلت: وهذا مرسل منكر! وهو معروف بالإرسال عند الكوفيين، رواه مرسلاً أيضاً إبراهيم النخعي.

والثابت الصحيح أن النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يصافح النساء وكان يبايعهنّ كلاماً.

روى الزُّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ لا يُصَافِحُ النِّسَاءَ فِي الْبَيْعَةِ».

وفي «صحيح البخاري» عن عروة عن عائشة قالت: «وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ، غَيْرَ أَنَّهُ بَايَعَهُنَّ بِالكَلاَمِ، وَاللَّهِ مَا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النِّسَاءِ إِلَّا بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، يَقُولُ لَهُنَّ إِذَا أَخَذَ عَلَيْهِنَّ: قَدْ بَايَعْتُكُنَّ. كَلاَمًا».

وروى الشعبيّ: «أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يَرُدَّها - يعني زينب ابنته - إلا بنكاح جديد».

قال ابن القيّم: "إن صحَّ عن الشعبي: فإن كان قاله برأيه فلا حجة فيه، وإن كان قاله رواية فهو منقطع لا تقوم به حجة، فَبَيْنَ الشعبي وبَيْنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم مَفَازَةٌ لا يُدْرى حالها".

فهذا ابن القيّم يرد مرسل الشعبي، ولا يحتج به.

والخلاصة أن مرسل الشعبي لا يُحتج به على إطلاقه، وإطلاق العجلي عنه فيه نظر، والله تعالى أعلم.

·       وهم أبي بكر الهذلي على الشعبي!

روى الطيالسي في «مسنده» (ص226) قَالَ: حدثنا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ بَيْتِي قَطُّ إِلَّا رَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ، أَوْ أَزَلَّ أَوْ أُزَلَّ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ».

ورواه الطبراني في «كتاب الدعاء» (ص148) وفي «المعجم الكبير» (24/9) و«المعجم الأوسط» (3/34) عن أَبي مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، عن مُسْلِم بن إبراهيم، عن ابي بكر الهذلي، به.

قال الطبراني: "لمْ يَرْوِ هذَا الْحَدِيثَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ شَدَّادٍ، عَنْ مَيْمُونَةَ إِلَّا أَبُو بَكْرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ مُسْلِمٌ".

قلت: لم يتفرد به مسلم كما قال الطبراني! فقد تابعه أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالْمَلِكِ عن أَبي بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، كما هو عند الخرائطيّ في «مساوئ الأخلاق» (ص283).

وقد سُئِل الدارقطني في «العلل» برقم (4021) عن هذا الحديث، فقال: "يرويه الشعبي، واختلف عنه؛ فرواه أبو بكر الهذلي، عن الشعبي، عن عبدالله بن شداد، عن ميمونة. والصحيح: عن الشعبي، عن أم سلمة، بيناه في حديث أم سلمة".

قلت: أبو بكر الهذلي ليس بشيء في الحديث وهو متروك.

·       وهم مُجالد على الشعبي!

روى الطبراني في «كتاب الدعاء» (ص149) قال: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بنُ أَحْمَدَ، قال: حدثنا عُمَرُ بنُ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُجَالِدٍ، قال: حدثنا أَبِي، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَزِلَّ، أَوْ أَضِلَّ، أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ، أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ».

قلت: مُجالد بن سعيد ضعيف جداً، ولا يُحتج به! وقد خالف الثقات في روايته عن الشعبي. فالحديث معروف عن الشعبي عن أم سلمة، ولم يروه الشعبي عن مسروق عن عائشة، والظاهر أن مجالداً سلك الجادة في إسناده بسبب سوء حفظه.

وابنه إسماعيل ليس بذاك أيضاً، ولعمر عن أبيه إسماعيل غرائب!!

وقد رُوي عن مجالد عن الشعبي بإسناد آخر!

أخرجه ابن عدي في «الكامل» في ترجمة مجالد (6/422) قال: أخبرنا الساجي، قال: حدثني محمد بن عطية الشامي، قال: حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد، قال: حدثنا أبي، عن مجالد، عن الشعبي، عن الحارث، عن عليّ، به.

قلت: وهذا لا يصح، ولا أدري الخطأ ممن! من عمر أم من أبيه أم من جدّه!!

·       شاهد للحديث!

أخرج ابن منده من طريق ابن عائذ، قال: حدثني خالد بن عبيدالله بن الحجاج السلميّ: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو فيقول: اللهم إني أعوذ بك أن أظلم أو أظلم، الحديث.

قال ابن منده: "غريب". [الإصابة في تمييز الصحابة: 2/234].

قلت: ابن عائذ هو محمد بن عائذ القرشي صاحب المغازي المعروف، ولد سنة (150هـ)، وأثبت أبو حاتم لخالد بن عبيدالله الصحبة، فالحديث فيه انقطاع شديد!! وهو غريب كما قال ابن منده، فلا يصلح لأن يكون شاهداً لمرسل الشعبي.

والخلاصة أن حديث الشعبي عن أم سلمة مرسلٌ لا يصح، ولا يوجد له أي متابعات أو شواهد.

·       مناقشة الشيخ الالباني في تصحيحه الحديث!!

ذكر الشيخ الألباني هذا الحديث في «سلسلته الصحيحة» برقم (3163).

قال الشيخ: "هو من حديث أم سلمة- رضي الله تعالى عنها-: رواه عنها الشعبي، وعنه منصور- وهو ابن المعتمر- وعنه جمع غفير من الثقات، فهو عنه متواتر، وإليك البيان:

الأول: سفيان الثوري - وهو أحفظهم -: أخرجه الترمذي (9/126/3423)، والنسائي في "السنن" (2/322)، و"عمل اليوم والليلة" (176/87)، وكذا ابن السني (172)، والحاكم (1/519)، وابن أبي شيبة في "المصنف" (10/211/9250)، وأحمد (6/306)، والطبراني في "المعجم الكبير" (23/320/727) وفي "الدعاء" (2/986/411) من طرق عنه، وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح". وقال الحاكم: "صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وربما توهم متوهم أن الشعبي لم يسمع من أم سلمة، وليس كذلك؛ فإنه دخل على عائشة وأم سلمة جميعاً؛ ثم أكثر الرواية عنهما جميعاً".

كذا قال! وتعقبه الحافظ في "نتائج الأفكار" فقال عقبه (1/159): "وقد خالف ذلك في "علوم الحديث" له، فقال: لم يسمع الشعبي من عائشة".

قلت: هكذا قال الحاكم في "العلوم" (ص 111)، ولكن مما لا ريب فيه أن إثبات الحاكم مقدَّم على نفيه، ولا سيّما أن ما نفاه خاص بعائشة، وحديثه هنا عن أم سلمة، وقد تأخرت وفاتها عن وفاة عائشة خمس سنوات، فقد توفيت أم سلمة سنة (62) على الأصح، وولد الشعبي في حدود سنة عشرين، فقد عاصرها وأدرك عمراً طيباً من حياتها، وقول الحافظ عقب ما تقدم: "وقال علي بن المديني في كتاب "العلل": لم يسمع الشعبي من أم سلمة، وعلى هذا فالحديث منقطع": أظنه قائماً على اشتراط ثبوت اللقاء الذي يقول به البخاري في "صحيحه" في ثبوت الاتصال، ولعله تلقى ذلك من شيخه ابن المديني، والجمهور يكتفون بثبوت المعاصرة، وهذا متحقق هنا كما تقدم، يضاف إلى ذلك ما جاء في ترجمة الشعبي: "أنه سمع من ثمانية وأربعين من الصحابة، وهو أكبر من أبي إسحاق بسنتين، وأبو إسحاق أكبر من عبد الملك بسنتين، ولا يكاد الشعبي يرسل إلا صحيحاً".!

ذكره الحافظ في "التهذيب "، نقلاً عن العجلي، وأقره.

فلعله - أعني: الحافظ - من أجل هذا صدّر تخريجه للحديث بقوله: "حديث حسن"، وإلا؛ فحقه أن يقول- بناءً على حكمه بالانقطاع-: "حديث ضعيف"! والله أعلم.

الثاني: شعبة بن الحجاج، قال الطيالسي في "مسنده" (224/1607): حدثنا شعبة به. ومن طريقه: أخرجه أبو داود (5/327/5094)، والنسائي في "عمل اليوم والليلة" (رقم 86)، وأحمد (6/321- 322)، والطبراني في "معجمه" (رقم726) وفي "الدعاء" (رقم 412) من طرق عنه، وليس عندهم قوله: "بسم الله، توكلت على الله"، إلا أحمد؛ فعنده: "بسم الله " فقط، وزاد أبو داود والطبراني في أوله ما لفظه: ما خرج من بيته قط إلا رفع طرفه إلى السماء فقال: "اللهم إني أعوذ بك أن أضل، أو أزل أو أزل ..." الحديث إلخ، هكذا بصيغة الإفراد.

أخرجه المذكوران من طريق مسلم بن إبراهيم الفراهيدي، وهو ثقة، لكن تفرُّده بجملة رفع الطرف إلى السماء دون الطرق الأخرى عن شعبة يلقي في النفس عدم الاطمئنان لثبوتها، ولا سيما أنها لم ترد في الطرق الأخرى الآتية عن منصور، إلا في بعض الطرق عن الفضيل بن عياض- وهو (الخامس) - وفيه ما سيأتي.

الثالث: جرير- وهو ابن عبد الحميد - عن منصور به، وزاد التسمية فقط: أخرجه النسائي، والبيهقي في "السنن " (5/251).

الرابع: عبيدة بن حميد عنه: أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (10/ 211/9249)، وعنه ابن ماجه (2/1278/3884)، وكذا الطبراني (رقم 732) كلاهما عنه قال: حدثنا عبيدة بن حميد به؛ بلفظ الإفراد في جميع الأفعال.

الخامس: فُضَيل بن عِيَاض؛ قال الحميدي في "مسنده" (145/303): ثنا فضيل بن عياض عن منصور به كالذي قبله.

وأخرجه الطبراني في "الدعاء"، وأبو نعيم في "الحلية " (8/125) من طرق أخرى عن الفضيل به، إلا أن الطبراني زاد الزيادة المتقدمة التي عند أبي داود والطبراني في حديث شعبة (الثاني)، لكنه من طريق محمد بن زياد الزيادي وأحمد بن يونس قالا: ثنا الفضيل بن عياض به، وقال: "صباحاً" مكان "قط"!

قلت: وأحمد بن يونس: هو ابن عبدالله بن يونس اليربوعي الكوفي، ثقة حافظ من رجال الشيخين، لكن قرينه محمد بن زياد الزيادي فيه ضعف، استشهد به البخاري، وذكره ابن حبان في " الثقات"، وقال ابن منده: "ضعيف".

قلت: فمن المحتمل أن تكون هذه الزيادة منه: من مفاريده لم يشاركه عليها أحمد بن يونس، ويكون الطبراني عطف روايته على رواية الزيادي لمشاركته إياه في أصل الرواية وليس في الزيادة أيضاً؛ والسند إليهما صحيح؛ فقد قال (رقم 413) : حدثنا زكريا بن يحيى الساجي: ثنا محمد بن زياد الزيادي. ح وحدثنا أبو حصين القاضي: ثنا أحمد بن يونس قالا: ثنا الفضيل بن عياض به.

وأبو حصين القاضي: هو عبدالله بن أحمد بن عبدالله بن يونس اليربوعي وهو يروي عن أبيه - كما هنا - وعبثر بن القاسم، وساق له الحافظ المزي عن أبيه بسند له آخر عن أبي ذر حديثاً آخر، وقال: "ولا نعرف له عن أبيه، ولا عن غير أبي زبيد حديثاً غير هذا، وقد وقع لنا بعلو عنه"!

قلت: فيستدرك عليه هذا، وهو ثقة كما قال النسائي والحضرمي، ويحيى بن زكريا الساجي حافظ ثقة مشهور. فهذا كله يحملني على أن أعصب الوهم في تلك الزيادة بـ (الزيادي)، ولا سيما وقد خالف الطريق المتقدمة عن شعبة بلفظ: "قط"، فقال الزيادي: "صباحاً" كما تقدم، ولا يخفى الفرق بينهما على أحد إن شاء الله تعالى.

وإن افترضنا أنه تابعه عليه أحمد بن يونس، فنقول حينئذٍ ما قلناه في رواية الفراهيدي عن شعبة: إنها شاذة؛ لمخالفته لرواية الحميدي عن الفضيل، ومتابعة القواريري عنه في "الحلية" أولاً، ولرواية الجماعة عن منصور ثانياً.

السادس: إدريس الأودي عن منصور نحوه. أخرجه الطبراني (برقم 728) وفي "الدعاء" (415) قال: حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحرَّاني. ثنا أبي عن موسى بن أعين عنه به، لكن من قوله - صلى الله عليه وسلم - بلفظ: "إذا خرجت من منزلك، فقل ..."، فذكر الدعاء بالإفراد.

قلت: وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير محمد بن عمرو بن خالد الحراني، شيخ الطبراني، فلم أجد له ترجمة، فلعله هو الذي قلب هذا الدعاء فجعله من أمره - صلى الله عليه وسلم -، خلافاً لكل من رواه عن منصور ممن تقدم ذكره ويأتي، حيث جعلوه من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصواب.

ولعله اختلط عليه بحديث آخر في الباب عن أنس نحوه، وهو حديث صحيح، كما في "الكلم الطيب" (49/58)، وحسنه الحافظ في "النتائج" (1/163)، وفيه قوله: "بسم الله توكلت على الله". ثم رأيتُ في "السير" (10/428) واصفاً إياه في ترجمة أبيه بـ "الإمام".

السابع: مِسْعَرُ بنُ كِدَام عن منصور به كرواية الجماعة بلفظ الإفراد، كما في حديث (الرابع)، وزاد: "أو أُزَلَّ".

أخرجه الطبراني في "الدعاء" (731)، وفي "الكبير" أيضاً (416) ولكنه لم يسق لفظه، ووقع فيه: "معمر" مكان: "مسعر بن كدام"! وهو خطأ من الناسخ أو الطابع.

الثامن: القاسم بن معن عنه مثل الذي قبله، دون الزيادة.

أخرجه الطبراني في "الدعاء" (414): حدثنا سليمان بن المُعَافَى بن سليمان: حدثني أبي: ثنا القاسم بن معن.

قلت: ورجاله ثقات؛ غير سليمان بن المعافى، قال الذهبي: "قال ابن عدي: لم يسمع من أبيه شيئاً، فحملوه على أن روى عنه". قلت: فعلى هذا تكون روايته عن أبيه وجادة.

وأقول: لم يذكر هو ولا الحافظ في "اللسان" غير هذا، ويبدو لي أنه من شيوخ الطبراني المقلِّين؛ فإنه لم يرو عنه في "المعجم الأوسط" سوى ثلاثة أحاديث (3790- 3792)، وروى له في "الصغير" (420 - الروض) رابعاً، وهذا هو الخامس.

التاسع: أبو الأحوص عن منصور به نحوه، وفيه التسمية.

أخرجه الخطيب في "التاريخ" (11/141).

ولعل من المفيد - بعد هذا التخريج المبسط والتحقيق - أن نلخص فوائده فيما يأتي:

الأولى: أن الحديث صحيح عن أم سلمة - رضي الله عنها -، وأن ما أُعِلَّ به من الانقطاع لا يقدح في صحته، ولا سيما وقد صححه الترمذي والحاكم والذهبي، وحسنه الحافظ، ثم رأيت النووي قد صححه أيضاً في "الأذكار".

الثانية: أن زيادة: "بسم الله توكلت على الله" ثابتة فيه، وإن تفرد بها سفيان الثوري؛ فإنه جبل في الحفظ، ويشهد له حديث أنس المذكور آنفاً، وتوبع سفيان على التسمية فيه من غير ما واحد كما تقدم.

الثالثة: أكثر الرواة على إفراد الأفعال فيه، وزاد بعضهم: "أو أُزل"، ولعل ذلك أرجح.

الرابعة: أن زيادة: "رفع طرفه إلى السماء" لا تصح؛ لعدم اتفاق الرواة عن شعبة عليها، ومخالفتهما لرواية الآخرين الثقات. ثم هي مخالفة للأحاديث الصحيحة الناهية عن رفع البصر في الصلاة، في "الصحيحين" وغيرهما، ترى الكثير الطيب منها في "الترغيب" (1/188- 189)، وخرجت بعضها في "صحيح أبي داود" (847- 848)، ولا يبدو لي اختصاص هذا النهي بالدعاء في الصلاة دون الدعاء خارجها، بل الظاهر أن الرفع منهي عنه في الحالتين. والله أعلم" انتهى كلام الشيخ.

قلت:

1- عني الشيخ برواية منصور عن الشعبي فقط! وكأنه لم يقف إلا على هذه الرواية، ولهذا قال بأن جمعاً غفيراً قد رووه عن منصور بن المعتمر وهو متواتر عنه!

ولكن هذا الحديث قد رواه آخرون عن الشعبي، وإنما اشتهرت رواية منصور لكثرة أصحابه ممن رووا هذا الحديث عنه.

وممن رواه عن الشعبي غير منصور: عطاء بن السائب، وزبيد، وعاصم الأحول، والحكم بن عتيبة، كما فصّلنا من قبل.

2- رجّح الشيخ كلام الحاكم المثبت في سماع الشعبي من أم سلمة على كلامه النافي!! وهذا غريبٌ منه! فإنه لطالما يستدرك على الحاكم في تصحيحاته في المستدرك وينعته بالتساهل وغير ذلك، فما باله هنا يقبل قوله في المستدرك ويقدمه على كلامه في كتابه علوم الحديث!!

ولا شك أن ما كتبه الحاكم في علومه أتقن مما كتبه في المستدرك لما وقع له في المستدرك من أوهام، وأما علوم الحديث فكان كتاباً محرراً.

3- وأما ترجيحه أن الشعبي ولد في حدود سنة عشرين فليس بصحيح! والراجح أنه ولد سنة (30) كما تقدّم. ومسالة إدراك الشعبي لأم سلمة عمراً طيباً من حياتها فلا يعني أنه لقيها أو سمع منها.

4- وأما نسبة الإقرار لابن حجر لما نقل كلام العجلي في أن الشعبي لا يرسل إلا عن ثقة فهذا لا يلزمه! فابن حجر ينقل أقوالاً كثيرة عن أهل العلم في كتبه في تراجم الأئمة، وليس بلازم أن ما لم يتعقبه من أقوالهم أنه يقرهم.

5- وأما تصدير ابن حجر لهذا الحديث بأنه: "حديث حسن" مع علمه بأنه منقطع بين الشعبي وبين أم سلمة، فهذا راجع إلى أن ابن حجر كان يتساهل في العمل بالضعيف كما في هذا الحديث، فيحسنون متونها ويعملون بها.

6- كلام الشيخ في بعض الزيادات في الحديث مثل: "بسم الله، توكلت على الله" ومحاولة ترجيح بعضها ورد بعضها الآخر بأن بعض الرواة تفرد بهذه الجملة أو تلك حقيقة لا تلزم هؤلاء الرواة وأنهم وهموا في ذلك! وحاصل الأمر أن هذا الحديث قد رواه جماعة عن منصور، فمنهم من ذكر الحديث بتمامه، ومنهم اقتصر على بعض ألفاظه دون بعض، وهذا معروف في الرواية.

7- في الطريق السابع "رواية مسعر بن كِدام" لم يتعرض لرواية أبي نعيم له.

رواه أبو نعيم في «الحلية» (7/264) من طريق أَحْمَد بن بِشْرٍ، قال: حدثنا مِسْعَرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ.

قال أبو نُعيم: "غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ مِسْعَرٍ، تَفَرَّدَ بِهِ عَنْهُ أَحْمَدُ بنُ بَشِيرٍ".

قلت: لم يتفرد به، بل تابعه شعيب بن إسحاق كما عند الطبراني في «كتاب الدعاء» (ص: 148) رواه من طريق دُحَيْم، قال: حدثنا شُعَيْبُ بنُ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا مِسْعَرُ بنُ كِدَامٍ، عَنْ مَنْصُورٍ.

8- الطريق السادس من رواية محمد بن عمرو بن خالد الحرَّاني: ثنا أبي عن موسى بن أعين عن إدريس الأودي عن منصور. بلفظ: "إذا خرجت من منزلك، فقل ..."، فذكر الدعاء بالإفراد.

وقول الشيخ: "وهذا إسناد رجاله ثقات رجال البخاري؛ غير محمد بن عمرو بن خالد الحراني، شيخ الطبراني، فلم أجد له ترجمة، فلعله هو الذي قلب هذا الدعاء فجعله من أمره - صلى الله عليه وسلم -، خلافاً لكل من رواه عن منصور ممن تقدم ذكره ويأتي، حيث جعلوه من فعله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الصواب. ولعله اختلط عليه...".

أقول: محمد بن عمرو بن خالد الحراني أبو علاثة من كبار المحدثين المسندين المصريين، وهو معروف عند أهل العلم - وإن لم يفرده أحد بترجمة - ولو كان فيه شيء لذكره أهل العلم، وقد اعتمدوا روايته لكثير من الكتب عن أبيه، ووالده ثقة معروف.

قال أبو جعفر الطحاوي: "مات أبو علاثة محمد بن عمرو بن خالد في ربيع الأول سنة ثلاث وتسعين ومائتين" [مولد العلماء ووفياتهم: 2/619].

وهذا الإسناد كما ذكر الشيخ إسناد صحيح، وإن كان فيه خطأ من حيث ذكر الإفراد: "إذا خرجت..." ولم يجعله فعلاً للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فقد يكون هذا من موسى بن أعين الجزري – وهو ثقة- وهو قد قَدِم مصر وكُتب عنه كما قال أبو سعيد ابن يونس، فربما حدث به من حفظه هكذا، والله أعلم.

9- نسبة الشيخ للذهبي بأنه صحح الحديث فيه نظر! وهو إنما قال هذا لأن الذهبي لم يتعقب قول الحاكم عندما صححه في كتابه، والشيخ يذهب إلى أن الذهبي إذا لم يتعقب الحاكم فهو يقرّه على رأيه!! وهذا غير صحيح، فالذهبي لا يقرّه وإنما هو يلخص كلامه فقط، وإذا تهيأ له الأمر يتعقبه.

10- من غرائب منهج الألباني وعجائبه أنه لما يصحح بعض الأحاديث فإنه يُضعف بعض ألفاظ ذاك الحديث كما فعل هنا في لفظة: "رفع طرفه إلى السماء"!!

وعموماً فالحديث كله لا يصح وليس هذا الطرف فقط.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.

وكتب: خالد الحايك.

2 ربيع ثاني 1434هـ.

 

شاركنا تعليقك