الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«السَّننُ الأَبين» في حكم حديث: «يَخْرُج من عَدَنِ أَبْيَنَ».

«السَّننُ الأَبين» في حكم حديث: «يَخْرُج من عَدَنِ أَبْيَنَ».

 

لقد حذر أهل العلم قديماً من أحاديث الملاحم والفتن؛ لأن كثيراً منها لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وما صحّ منها فلا يجوز إسقاطه على الواقع المُعاش بحالٍ من الأحوال! لأن في ذلك الرجوع بالخُلف على هذه الأحاديث إن لم يتحقق ما فيها!!

ومع الأحداث المتسارعة الآن في بلادنا المسلمة الحبيبة شرقاً وغرباً، ومع انتشار سرعة المعلومات تطغى بعض الأحاديث على الواقع ويسعى بعض المسلمين الغيورين الصادقين في تطبيقها، بل وفي إيجادها ظناً منهم أنهم هم المقصودون بها!

وكان فيما انتشر منها: حديث «عدن أبين» وخاض كثير من الناس في تحقق ما نُسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأن خروج هؤلاء هو الذي سيحرر القدس وهو يمهد لظهور المهدي، وغير ذلك مما يعتقده هؤلاء الصادقين الذين – والله – لا نشكك في نياتهم وعملهم.

وما جاء في حديث أبين أنه بشارة، والبشارات - إن صحت - لا يُبنى عليها عمل بقدر ما هي لتثبيت الفؤاد عندما يستحِر قيظ الأحداث ويتطاول الأحداث، وفي الوقت نفسه لا نريد أن يُكذَّب رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لم يتحقق ما في هذه البشارة التي يعتقد صحتها بعض الناس.

وعليه فلا بدّ لنا من وقفة نقدية مع هذا الحديث لنرَ: هل صحّ عن حبيبنا صلى الله عليه وسلم أم لا؟

·       تخريج الحديث والحكم عليه:

رواه الإمام أحمد في «المسند» (1/333) برقم (3079) قال: حدثنا عبدالرَّزَّاقِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بن النُّعْمَانِ الأَفْطَسِ، قال: سمعت وَهْباً يُحدِّث عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَخْرُجُ من عَدَنِ أَبْيَنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفاً يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، هُمْ خَيْرُ من بيني وَبَيْنَهُمْ».

قال لي مَعْمَرٌ: "اذْهَبْ فأسأله عن هذا الحديث".

ورواه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/56) عن إِسْحَاق الدَّبَرِيّ، قال: أخبرنا عَبْدُالرَّزَّاقِ، به.

ورواه ابن معين في الجزء الثاني من «فوائده» (ص155) قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بنُ يُوسُفَ، عَنِ الْمُنْذِرِ بنِ النُّعْمَانِ الْأَفْطَسِ، به.

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (4/305) قال: حدثنا عبدالأعلى بن حماد النرسي، قال: حدثنا معتمر بن سليمان، عن منذر، به.

قال المعتمر: "أظنه قال: في الأعماق".

قلت: فالحديث رواه جماعة عن المنذر بن النعمان الأفطس، وتفرد به عن وهب، وتفرد به وهب عن ابن عباس!!

وقد ذكر هذا الحديث في «المنتخب من علل الخلال» في (باب: في عدن والزنج والبربر) برقم (14) عن عِصْمَة، قال: حدثنا حَنْبَلٌ، قال: حدثنا أَبُو عَبْدِاللَّهِ، قال: حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، فذكره.

قَالَ أَبُو عَبْدِاللَّهِ: "الْمُنْذِرُ بنُ النعمان: ثقة صَنْعَانِيٌّ، لَيْسَ فِي حَدِيثِهِ مُسْنَدٌ غَيْرَ هذَا".

قلت: ما جاء هنا من توثيق أحمد للمنذر هو عمدة من صحح هذا الحديث!! وهذا ليس بصواب لأمور:

الأول: أن الحديث وارد في الأبواب التي روي فيها الأحاديث المنكرة! فهذا الحديث هو مما روي في فضل (عدن أبين) وهو منكر!

الثاني: أن عادة الإمام أحمد أنه ينبه على مثل هذه المناكير فيما نقل عنه من الكتب التي سميت بكتب العلل، وهذا منه لئلا يتوهم أحد أن مثل هذه الأحاديث صحيحة.

الثالث: أستبعد أن يوثق الإمام أحمد المنذر هذا! وأخشى أن يكون سقط من النسخة كلمة: "ليس" فيكون قوله فيه: "ليس بثقة"؛ لأن الإمام أحمد قال بعد ذلك: "ليس في حديثه مسند غير هذا"! وهذا ذمٌ له، فكيف يكون وثقه في الجزء الأول من كلامه، ثم يذمه في الجزء الثاني؟!!

والمنذر هذا صنعاني يمني، والحديث في فضل عدن أبين اليمنية، وهذا أشبه بالموضوع! وهو حديث باطل قطعاً، ويؤيده:

الرابع: أن معمراً أمر تلميذه عبدالرزاق بأن يذهب إليه ليسأله عن هذا الحديث! وهذا فيه إشارة إلى أن معمراً لا يرى صحته! إذ لو رأى غير هذا لسمعه هو منه، ولما أمر عبدالرزاق أن يسأله عنه؛ وكأنه أراد أن يتأكد أنه هو المتفرد به عن ابن عباس!!

والغريب أن أهل اليمن كمعمر وعبدالرزاق وغيرهما لم يؤثر عنهم توثيقه! بل إن واقع الحال يدلّ على أنهم لم يكونوا يعبأون به، فهو أشبه بالمتروك عندهم! وكأن حال رواية عبدالرزاق عنه أنه أخبر به؛ لأنه ذهب وسأله عن هذا الحديث كما أمره شيخه معمر، وإلا لم يكن ليسمع منه، وقد سمع منه بعض القصص الإسرائيلية عن وهب بن منبه.

قال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدثنا عبدالرزاق قال: قال لي معمر: ائت منذر بن النعمان فسله عن حديث يحدّث به عن وهب بن منبه عن ابن عباس: أنه قال: يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفاً ينصرون الله عز وجل ورسوله، هم خير من بيني وبينهم؟!!

الخامس: إيراد ابن معين لهذا الحديث في فوائده يدلّ على غرابته؛ لأن أهل العلم كانوا يجمعون الأحاديث الغريبة والمنكرة في مثل هذه الكتب، وكانوا يحرصون على سماعها ويوردوها في كتب الفوائد، وربما رحل بعضهم من أجل هذه الغرائب.

السادس: نكارة المتن! فالتنصيص على هذا العدد "12 ألفاً"! فيه غرابة شديدة! لم هذا العدد بالذات لا أكثر ولا أقل؟!!

وكذلك ما فيه من أنهم خير من بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم! وهذا باطل قطعاً، فلا يوجد عصر مثل عصر الصحابة والتابعين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا لا يعني أن لا يكون هناك ممن بعدهم أو في زماننا من هم على شاكلتهم يدافعون عن حياض هذا الدّين، وهم الفئة التي لا زالت تقاتل تنصر دين الله في كل زمان ومكان.

·       ترجمة المنذر بن النعمان:

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/358): "منذر بن النعمان عن إبراهيم الأفطس، روى عنه هشام بن يوسف وعبدالرزاق".

ثم قال: "منذر الأفطس: سمع وهب بن منبه".

قلت: الظاهر لمن نظر في هاتين الترجمتين أن البخاري يفرّق بينهما، وليس كذلك. فالبخاري - رحمه الله - من عادته أنه يأتي بترجمتين للراوي وراء بعضهما البعض من أجل أن يبين حال الرواية عنه.

فمنذر هذا يروي عن إبراهيم الأفطس، وكذلك يروي عن وهب بن منبه ويذكر سماعاً في ذلك! ولهذا فصل البخاري بينهما مستغرباً هذا السماع لا أنه يثبته؛ لأنه سبق وأن ذكر أنه يروي بواسطة إبراهيم الأفطس، وكأنه يميل إلى أن رواية منذر عن وهب بينهما واسطة، وهو إبراهيم هذا، وهو رجل مجهول!

وقد ترجم له البخاري في «التاريخ الكبير» (1/311): "إبراهيم الأفطس اليماني عن وهب بن منبه، روى هشام بن يوسف عن منذر الأفطس عن إبراهيم".

وقد ظنّ ابن حبان أن البخاري قد فرّق بينهما فذكرهما في ثقاته كما ترجم لهما البخاري!!

قال في «الثقات» في «أتباع التابعين» (7/481): "منذر الأفطس: يروي عن وهب بن منبه، روى عنه أهل اليمن".

ثم قال في «الطبقة الرابعة ممن روى عن أتباع التابعين» (9/176): "المنذر بن النعمان: يروي عن إبراهيم الأفطس، روى عنه عبدالرزاق".

قلت: والأول يروي عنه عبدالرزاق وهما واحد، والأمر إن شاء الله كما ذكرنا عن الإمام البخاري أنه لم يقصد التفريق بينهما، وإنما أراد إثبات هذا الواسطة بين منذر وبين وهب وهو إبراهيم هذا، ولم يفهم ابن حبان ما أراده البخاري ففرّق بينهما بحسب الطبقة!

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/242): "منذر بن النعمان الأفطس اليماني، روى عن وهب بن منبه، روى عنه: معتمر بن سليمان وهشام بن يوسف وعبدالرزاق ومحمد بن الحسن بن أتش ومطرف بن مازن قاضي صنعاء، سمعت أبي يقول ذلك".

قال عبدالرحمن: أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، قال: حدثنا عبدالرزاق قال: قال لي معمر: إئت منذر بن النعمان فسله عن حديث يحدث به عن وهب بن منبه عن ابن عباس أنه قال: «يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفاً ينصرون الله عز وجل ورسوله هم خير من بيني وبينهم».

قال عبدالرحمن: ذكره أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: "منذر بن النعمان الأفطس: ثقة".

وقال (2/150): "إبراهيم الأفطس، روى عن منذر بن النعمان الأفطس عن وهب بن منبه، روى عنه هشام بن يوسف، يُعدّ في الصنعانيين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك".

قلت: قال الذهبي: "إبراهيم بن الأفطس عن رجل عن وهب بن منبه، ضعفه أبو زرعة الرازي".

فتعقبه ابن حجر في «اللسان» (1/127) فقال: "والذي في كتاب ابن أبي حاتم: روى عن منذر بن النعمان الأفطس عن وهب بن منبه، روى عنه هشام بن يوسف، يعد في الصنعانيين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك، فلعل الذهبي رأى تضعيفه عن أبي زرعة في موضع آخر".

قلت: هذه الترجمة التي في كتاب ابن أبي حاتم فيها خلل! وقد نقلها ابن حجر كما هي!! فالأصل: روى منذر بن النعمان الأفطس عنه عن وهب. فالذي روى عنه هو المنذر، وهشام روى عن المنذر عنه.

قال ابن حبان في «أتباع التابعين» من «ثقاته» (6/21): "إبراهيم الأفطس، شيخ يروي عن وهب بن منبه، روى هشام بن يوسف عن منذر الأفطس عنه، وليس هذا بإبراهيم بن سليمان الأفطس الذي روى عنه يحيى بن حمزة".

والحاصل أن منذر بن النعمان هذا رجل يروي عن وهب بن منبه أشياء مقطوعة، وليس له من المسند الكثير، بل إن الإمام أحمد قد نصّ على أنه ليس له من المسند إلا هذا الحديث! واستنكره.

فلو صح أنه سمع من وهب بن منبه، فإن هذا الحديث كأنه بين وبين وهب واسطة، وهو إبراهيم الأفطس هذا الرجل المجهول.

ولو صحّ أنه ليس بينه وبين وهب واسطة، فهو المتهم بهذا الحديث؛ لأنه لا يُعرف إلا عنه، وحاله لا يتحمل هذا التفرد!! ولهذا أرسل معمر عبدالرزاق ليسأله عنه لغرابته وتفرده به.

وتوثيق يحيى بن معين له ليس في الروايات المشهورة عنه، وكأنه سئل عنه فلما رأى أهل اليمن رووا عنه وثقه، وإيراده لحديثه هذا في الفوائد يدلّ على ضعفه لما شرحناه من قبل.

ولو فرضنا أنه ثقة، وثقه ابن معين وأحمد، فهذا لا يعني أن نقبل حديثه هذا لتفرده به وغرابته ونكارته! فتعيّن أن يكون سمعه من آخر عن وهب، فأسقطه وهماً أو خطأً، ورواه عن وهب، والله أعلم.

·       أحاديث أخرى مسندة للمنذر بن النعمان لا تصح! وصواب قول الإمام أحمد.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/321): سألت أبي عن حديث رواه عاصم بن إبراهيم الرازي، عن محمد بن سليمان الصنعاني، عن منذر بن النعمان الأفطس، عن وهب بن منبه، عن عبدالله بن عباس، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تتمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا»؟

قال أبي: "هذا حديث منكر!". وبهذا الإسناد: «اشفعوا فلتؤجروا»! قال أبي: "هذا أيضاً منكر".

وقال في «الجرح والتعديل» (7/268): "محمد بن سليمان الصنعاني: روى عن المنذر بن النعمان الأفطس، روى عنه عاصم بن إبراهيم الرازي الذي كان يسكن رستاق الري".

قال عبدالرحمن: سألت أبي عنه؟ فقال: "مجهول، والحديث الذي روى عن المنذر منكر".

وروى ابن عساكر في «تاريخه» (36/444) من طريق عمرو بن يزيد، قال: حدثنا محمد بن الحسن، عن منذر الأفطس، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ كل ليلة {إذا وقعت الواقعة} لم يصبه فقر أبداً، ومن قرأ كل ليلة {لا أقسم بيوم القيامة} لقي الله يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر».

قلت: هذا تفرد به محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني، وقد اختلف فيه أهل العلم.

قال النسائي: "ليس بثقة". وقال في موضع آخر وأبو الفتح الأزدي وابن حماد: "متروك الحديث". وقال الدارقطني: "ليس بالقوي".

وقال أبو زرعة: "ثقة"، وذكره ابن حبان في «الثقات» (9/69).

وقال أبو العرب القيرواني: قال أحمد بن صالح: "هو ثقة".

قال ابن حجر: "وكلام النسائي فيه غير مقبول؛ لأن أحمد وعلي بن المديني لا يرويان إلا عن مقبول مع قول أحمد بن صالح فيه".

وذكر ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (7/226) أنه روى عن همام بن منبه! فتعقبه الذهبي في «الميزان» (6/111) فقال: "وقد وهم ابن أبي حاتم! فقال في ترجمته إنه روى عن همام بن منبه فسقط عليه رجل".

وقال ابن حجر في ترجمته من «تهذيب التهذيب» (9/99): "قلت: طعن الذهبي في روايته عن همام، فقال: وهم ابن أبي حاتم فقال: إنه روى عن همام بن منبه فسقط عليه رجل".

قلت: وأصل ذلك ما ذكره المزي في ترجمته من «تهذيب الكمال» (25/56) قال: "روى عن... وهمام بن منبه، يقال: مرسل...".

قال العلائي في «جامع التحصيل» (ص263): "روى عن همام بن منبه ولم يدركه قاله شيخنا المزي في التهذيب".

وقد ذكره ابن عدي في «الكامل في ضعفاء الرجال» (6/176) وساق من مناكيره حديث «عدن أبين»!

رواه عن محمد بن الحسن بن محمد بن زياد، عن علي بن بحر البري، قال: حَدَّثَنا مُحَمد بنُ الْحَسَنِ بنِ أتشَ الصَّنْعَانِيُّ - مِنْ أَبْنَاءِ الأَحْرَارِ-، حَدَّثَنا بِهِ مُنْذِرُ بنُ الأَفْطَسِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: سَمِعْتُه يُحَدِّثُ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ، أَن النَّبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وسَلَّم قَال: «يَخْرُجُ مِنْ عَدَنَ أَبْيَنَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا يَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ هُمْ خَيْرُ مَنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ».

ثم قال: "وَلابنِ أتشَ هذَا أَحَادِيثُ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُ وَأَسَانِيدُ وَرِجَالُهُ الَّذِينَ يَرْوِي عَنْهُمْ هُمْ رِجَالُ الْيمنِ وَأَسَانِيدُهُمْ وَذَلِكَ يُحْتَمَلُ".

وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في «العلل المتناهية» من طريق ابن عدي، ثم قال: "هذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ؛ فَإِنَّ مُحَمَّدَ بنَ الْحَسَنِ بنِ أَتَشٍ مَجْرُوحٌ. قَالَ ابنُ حَمَّادٍ: هُوَ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَمُحَمَّدُ بنُ الْحَسَنِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ زِيَادٍ، قَالَ فِيهِ طَلْحَةُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ: كَانَ يَكْذِبُ".

قلت: فإن صحت روايته هذه لهذا الحديث فقد توبع عليه، وإلا فالعهدة على محمد بن الحسن بن محمد بن زياد هذا!

وقد وهم ابن الجوزي في نقله كلام طلحة في تكذيب محمد بن الحسن هذا! فإن الذي كذّبه طلحة هو: "محمد بن الحسن بن محمد النقّاش المفسر" فهذا هو المتهم بالكذب. وقد فرّق بينهما الإمام الذهبي.

قال في «الميزان» (6/116): "محمد بن الحسن بن محمد بن زياد عن علي بن بحر بن بري فذكر حديثاً في فضل عدن، هو صدوق أخطأ في حقّه من كذبه، ولكن ما هو بعمدة".

ثم قال: "محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي، ثم البغدادي، أبو بكر النقاش المقرىء المفسر، روى عن أبي مسلم الكجي وطبقته، وقرأ بالروايات... وقال طلحة بن محمد الشاهد: كان النقاش يكذب في الحديث، والغالب عليه القصص.

وقال البرقاني: كل حديث النقاش منكر، وقال أبو القاسم اللالكائي: تفسير النقاش إشقاء الصدور وليس بشفاء الصدور".

قلت: والخلاصة أنه لا يوجد للمنذر أي حديث مسند سوى حديث عدن أبين، فلله درّ الإمام أحمد حيث نصّ على هذا.

·       ما يرويه المنذر بن النعمان عن وهب بن منبه من الإسرائيليات!

1- قال عبدالرزاق في «تفسيره» (1/119): حدثنا المنذر بن النعمان الأفطس: أنه سمع وهب بن منبه يقول: "لما ولد عيسى عليه السلام أتت الشياطين إبليس فقالوا: أصبحت الأصنام قد نكست رؤوسها، فقال: هذا حادث حدث مكانكم وطار حتى جاء خافقي الأرض قلم يجد شئياً، ثم جاء البحار فلم يقدر على شيء، ثم طار أيضاً فوجد عيسى قد ولد عند مذود حمار، فإذا الملائكة قد حفت حوله فرجع إليهم، فقال: إن نبياً قد ولد البارحة وما حملت أنثى قط ولا وضعت إلا وأنا بحضرتها إلا هذه فايأسوا من أن تعبد الأصنام بعد هذه الليلة، ولكن ائتوا بني آدم من قبل الخفة والعجلة".

2- وقال أيضاً (1/200): حدثنا المنذر بن النعمان: أنه سمع وهب بن منبه يقول في قوله تعالى: {أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً} قال: "أنزل عليهم أقرصة من شعير وأحوات"، فحدثت به عبدالصمد بن معقل قال: سمعت وهباً يقول: وقيل له، وما كان ذلك يغني عنهم؟ قال: لا شيء، ولكن الله تعالى حشا بين أضعافهن البركة فكان قوم يأكلون ثم يخرجون ويجيء آخرون فيأكلون، ثم يخرجون حتى أكلوا جميعهم وأفضلوا منها".

3- وقال (3/158): أخبرنا المنذر بن النعمان، قال: سمعت وهباً يقول: "أمر الحوت ألا يضره ولا يكلمه، قال: {فلولا أنه كان من المسبحين}، قال: من العابدين قبل ذلك فذكر بعبادته، فلما خرج من البحر نام فأنبت الله عليه شجرة من يقطين، وهي الدباء، فأظلته فبلغت في يومه فرآها قد أظلته ورأى خضرتها فأعجبته ثم نام فاستيقظ فإذا هي قد يبست فجعل".

4- وقال ابن أبي حاتم في «تفسيره» (6/2038): حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو يوسف محمد بن أحمد بن الحجاج، قال: حدثنا مطرف، قال: حدثنا المنذر بن النعمان، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: "إن نوحاً عليه السلام لما ركب في السفينة فلما أتى الجودي - وهو جبل بالجزيرة - أرست عليه، فأصاب جؤجؤها الجبل فأرست فكشفنا غطاءها، فطلعت الشمس فبعث الغراب والحمامة يأتيانه بالخبر، فاتته الحمامة بمقدار من الماء إلى ركبتيها فدعا لها، قال: فتلك الحمرة في رجليها من ذلك، قال: واحتبس الغراب على جيفة يأكل منها، ثم أخذ نوح من قضبان كان في السفينة من العنب فأغرس فنبت وأثمر ونضج من ساعته فعصر منه فشرب، ثم نام في الشمس فتكشف وأتيا سام ويافث بشيء يستران عليه وضحك حام ومشيا القهقري على أدبارهما فانتبه نوح من نومه فأوحى إليه ما كان من أمرهما فدعا لسام ويافث أن يكون النبوة والعز في أولادهما ودعا أن يكون السواد والعبودة في ولد حام".

5- وقال (6/1953) في تفسير قوله تعالى: {أم يقولون افتراه}، حدثنا أبي، قال: حدثنا علي بن رستم، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصنعاني، قال: حدثنا منذر بن النعمان الأفطس، عن وهب بن منبه قال: "الكذب هو الفرية، وإن رأس الفرية الكذب على الله، ثم هو ما بين ذلك حتى يأتي كذب وما بين الكفر بالله كفر يأتي كفر النعم".

6- وقال أبو نُعيم في «الحلية» (4/63): حدثنا سليمان– هو الطبراني-، قال: حدثنا علي بن المبارك، قال: حدثنا زيد بن المبارك، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن المنذر بن النعمان، عن وهب قال: "وقف سائل على باب داود عليه السلام، فقال: يا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة: تصدقوا علينا بشيء رزقكم الله رزق التاجر المقيم في أهله، فقال داود: أعطوه فوالذي نفسي بيده إنها لفي الزبور".

7- وقال: حدثنا سليمان بن أحمد، قال: حدثنا علي بن المبارك، قال: حدثنا زيد بن المبارك، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن المنذر، عن وهب قال: "من عرف بالكذب لم يجز صدقه، ومن عرف بالصدق أئتمن على حديثه، ومن أكثر الغيبة والبغضاء لم يوثق منه بالنصيحة، ومن عرف بالفجور والخديعة لم يوثق إليه في المحبة، ومن انتحل فوق قدره جحد قدره ولا يحسن فيه ما يقبح في غيره".

8- وقال أيضاً (4/66): حدثنا أبي، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: أنبأنا المنذر بن النعمان: أنه سمع وهب بن منبه يقول: قال الله تعالى لصخرة بيت المقدس: "لأضعن عليك عرشي ولأحشرن عليك خلقي وليأتينك داود يومئذ راكباً".

9- وقال (4/33): حدثنا الحسين بن محمد بن علي، قال: حدثنا سعيد بن محمد أخو الزبير، قال: حدثنا إسحاق بن إسرائيل، قال: حدثنا هشام بن يوسف الصنعاني، عن منذر الأفطس، عن وهب قال: قال دانيال عليه السلام: "يا لهفتاه على زمان يلتمس فيه الصالحون، فلا يوجد منهم أحد إلا كالسنبلة في أثر الحاصد أو كالخصلة في أثر القاطف يوشك نوائح أولئك وبواكيهم أن تبكيهم".

10- وقال عبدالله بن أحمد في «الزهد» (ص52): حدثنا أبي، قال: أخبرنا عبدالرزاق، قال: أنبأنا منذر بن النعمان قال: سمعت وهب بن منبه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل إذا أحب قوماً ابتلاهم".

قلت: وهذا مرسل.

11- وقال عبدالله بن أحمد في «الزهد» (ص66): حدثنا أبي، قال: حدثني ابن أتش، قال: أخبرنا منذر، عن وهب بن منبه: "أن موسى سأل ربه عز وجل، فقال: يا رب بما تأمرني؟ قال: بأن لا تشرك بي شيئاً، قال: وبمه؟ قال: وبر والدتك؟ قال: وبمه؟ قال: وبر والدتك؟ قال: وبمه؟ قال: وبر والدتك؟ قال وهب: إن البر بالوالد يزيد في العمر والبر بالوالدة يثبت الأجل".

12- روى الدارمي في «سننه» (1/107) قال: أخبرنا يُوسُفُ بن مُوسَى، قال: حدثنا إِبْرَاهِيمُ بن مُوسَى، قال: أخبرنا محمد بن الْحَسَنِ الصَّنْعَانِيُّ، قال: حدثنا مُنْذِرٌ –هو: ابن النُّعْمَانِ - عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ قال: "مَجْلِسٌ يُتَنَازَعُ فيه الْعِلْمُ أَحَبُّ إلى من قَدْرِهِ صَلَاةً لَعَلَّ أَحَدَهُمْ يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَيَنْتَفِعُ بها سَنَةً أو ما بَقِيَ من عُمُرِهِ".

فهذه روايات المنذر بن النعمان عن وهب ليس فيها شيء مسند وإنما يروي عنه ما كان عنده من قصص أهل الكتاب أو بعض المراسيل والحِكَم.

فمثله إذا تفرد بحديث مسند فلا يقبل منه؛ لأنه ليس من أساطين الرواية التي يعتمد عليه فيها، فإما أن يكون سمع هذا الحديث المسند من غيره ونسي فلم يذكره، أو أنه أخطأ فيه، بالإضافة إلى أن هذا الحديث في فضل بلده، وهو منكر.

·       كلام أهل العلم في حديث عدن أبين:

·       تصحيح الشيخ الألباني للحديث!

ذكره الشيخ الألباني في «صحيحته» (2782)، ثم خرّجه، ثم قال: "وروى - أي ابن أبي حاتم - عن ابن معين أنه قال: "ثقة"، لكن وقع الحديث عنده موقوفاً ليس فيه "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فلا أدري أسقط ذلك من بعض النساخ، أو الرواية هكذا وقعت له، وعلى كل فالحديث مرفوع يقيناً للمصادر التي رفعته، ولأنه في حكم المرفوع، فإنه من الأمور الغيبية التي لا مدخل للرأي فيها. والسند صحيح لأن رجاله ثقات رجال الشيخين غير المنذر هذا، و قد وثقه ابن معين كما رأيت، و ذكره ابن حبان في أتباع التابعين من "ثقاته" (7/481)، وقد وثقه الإمام أحمد أيضاً، وهذا من النفائس التي وقفت عليها - بفضله تعالى - في بعض المخطوطات المحفوظة في المكتبة الظاهرية بدمشق الشام حرسها الله تعالى، فقد ذكر الحديث ابن قدامة في "المنتخب" (10/194/2) من طريق حنبل: حدثنا أبو عبدالله حدثنا عبدالرزاق .. إلخ. قال أبو عبدالله: "المنذر بن النعمان ثقة صنعاني، ليس في حديثه مسند غير هذا". وهذه فائدة عزيزة، فشد يديك عليها. هذا، ولم يتفرد عبدالرزاق به، فقد تابعه معتمر بن سليمان عن المنذر به. أخرجه أبو يعلى في "المسند" (2/636) والحسن بن علي الجوهري في "فوائد منتقاة" (ق 28/2)، وزاد أبو يعلى: "قال المعتمر: أظنه قال: في الأعماق". وتابعه أيضاً محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني: حدثنا منذر بن الأفطس. أخرجه ابن عدي في "الكامل" (6/2184) قال: حدثنا محمد بن الحسن بن محمد بن زياد: حدثنا علي بن بحر البري حدثنا محمد بن الحسن بن أتش الصنعاني به. ومن طريق ابن عدي أورده ابن الجوزي في "الأحاديث الواهية"، وتعلق بما لا يصلح له..." إلخ كلام الشيخ.

قلت: هو مرفوع في رواية ابن معين، وقد صحح الشيخ هذا الحديث متعمداً على توثيق المنذر، وعدّ قول الإمام أحمد فيه وأنه وثقه فائدة عزيزة! وقد تكلمت على كل هذا فيما سبق.

·       تصحيح الشيخ العلوان للحديث!

وقد صححه أيضاً الشيخ سليمان العلوان، فقال وقد سُئِل عنه: "هذا الحديث إسناده جيد، ورواته لا بأس بهم، فقد رواه الإمام أحمد في مسنده (1/333) وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (8/242) والطبراني في الكبير (11/47) كلهم من طريق عبدالرزاق، عن المنذر بن النعمان الأفطس، قال: سمعت وهباً يحدث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (يخرج من عدن أبين اثنا عشر ألفاً ينصرون الله ورسوله هم خير من بيني وبينهم)..." إلخ.

·       تصحيح الشيخ الطريفي للحديث!

وصححه أيضاً الشيخ عبدالعزيز الطريفي، فقال - وقد سئل عن صحة الحديث -: "هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده (1/333) والطبراني في معجمه الكبير (11029) وأبو يعلى في المسند (3/34) وابن معين في بعض فوائده (الثاني منها ص 155)... والمنذر بن النعمان الأفطس وثقه أحمد بن حنبل وابن معين، وهو قليل الحديث، روى عنه معتمر بن سليمان وهشام بن يوسف وعبدالرزاق ومحمد بن الحسن بن أتش ومحمد بن ثور ومحمد بن سليمان الصنعاني ومطرف بن مازن، روى عن ابن وهب، وكذلك روى عن عبدالرحمن بن يزيد اليماني كما قاله ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل.

ولا أعلم لمنذر بن النعمان الأفطس عن وهب حديثاً مسنداً يصح عنه إلا هذا، وروي عنه عن وهب عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم خبرين، أما أحدهما: (فلا تتمارضوا فتمرضوا، ولا تحفروا قبوركم فتموتوا) وأما الآخر: (فاشفعوا فلتؤجروا).

وقد أنكرهما أبو حاتم في العلل، وكلاهما من طريق عاصم بن إبراهيم عن محمد بن سليمان الصنعاني عن المنذر به.

وسائر حديثه عن وهب من قوله في قصص الأمم السابقة وفي الرقائق والحث على العلم.

ولوهب عن ابن عباس من غير حديث المنذر أحاديث مرفوعة قليلة معدودة وفيها ضعف. ولذا قال أحمد بن حنبل كما في علل الخلال ص 65 عن هذا الحديث: (المنذر بن النعمان ثقة صنعاني ليس في حديثه مسند غير هذا) انتهى.

والأئمة الحفاظ يريدون بالمسند الذي يحتج به من المرفوع في كثير من الأحيان ولذا قال أبو داود: نظرت في الحديث المسند فإذا هو أربعة آلاف حديث. انتهى.

وذكر الحافظ ابن حجر في كتابه النكت أن أبا جعفر محمد بن الحسين البغدادي ذكر في كتاب التمييز له عن الثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم: أن جملة الأحاديث المسندة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أربعة آلاف وأربعمائة حديث. ومرادهم بالحديث المسند هنا الصحيح فحسب وإلا فالحديث المسند الصحيح والضعيف أكثر بكثير.

وهذا يعرف بالقرينة، فلما كان الحديث الصحيح والضعيف أكثر من هذا بكثير علم أن المراد به الصحيح فحسب، ولما كان لمنذر حديث ضعيف علم أن مراد أحمد بقوله الحديث المسند المحتج به.

وقال أحمد في مسنده بعد إخراجه له: (قال عبدالرزاق: قال لي معمر: اذهب فاسأله عن هذا الحديث)؛ لأنه لا يعرف في حديث المنذر مسند صحيح غير هذا الحديث، والمنذر يماني، وكذلك عبدالرزاق، والخبر في جيش اليمن، وقول معمر لعبدالرزاق السابق لأجل هذا، وتفرده بهذا الخبر يحتمل، وإن كان لوهب من الأصحاب من هو أكثر حديثاً وألصق به من المنذر.

والحديث ليس في باب الأحكام فيعتني به الرواة الحفاظ. وسماع وهب من ابن عباس ممكن فقد أدركه، وجاء التصريح بسماعه منه عند الفاكهي في أوائل أخبار مكة، ولا يصح إسناده إليه، لكن قد نص مسلم على سماعه منه كما أسنده عنه ابن عساكر في تاريخ دمشق" انتهى كلامه.

قلت: أما اعتناء الرواة بهذا الحديث فهو لأنه من الفوائد الغرائب.

والعجب من الشيخ كيف حمل كلام أحمد في أنه ليس للمنذر من الحديث مسند غير هذا بأنه قصد المسند الصحيح!!!!

والشيخ نفسه قد احتج ببعض نقولات أهل العلم في حمله هذا وأنهم قصدوا ذلك بالقرائن! ولكن القرينة في قول أحمد هو أنه يرى ضعفه لا صحته؛ لأنه لا يوجد له حديث مسند، أي مرفوع آخر كما بيناه.

والشيخ نفسه قال: "وسائر حديثه عن وهب من قوله في قصص الأمم السابقة وفي الرقائق والحث على العلم".

فأين الحديث المسند؟ فلو كان عنده حديث مسند آخر، فعندها يمكن القول بأن هذا المسند الذي قصده الإمام أحمد هو الصحيح الذي يحتج به! ولكن أين هو هذا المسند؟!!

والقرينة التي بنى الشيخ كلامه عليها قوله: "ولما كان لمنذر حديث ضعيف علم أن مراد أحمد بقوله الحديث المسند المحتج به"!!

فأقول: أين هذا الحديث الضعيف؟ فمنذر ليس له حديث مسند إلا هذا، وما يرويه غير المسند هو من المراسيل أو من الإسرائيليات، فلا يوجد له حقيقة أحاديث ضعيفة؛ لأن هذا الذي يرويه عن وهب ليس مسنداً.

وأما أن الحفاظ يعتنون بهذا الحديث لأنه ليس في باب الأحكام، ففيه نظر! فهم يعتنون به؛ لأنه من الفوائد الغرائب كما ذكرنا. وهم لا يفرقون في هذه الفوائد بين ما كان في باب الأحكام أو غيره.

وأما مسألة احتمال تفرده لأنه يماني والحديث في جيش اليمن، فهذا على العكس مما قاله الشيخ، فهو مظنة الشك فيه!!  وأين أصحاب ابن عباس عنه؟ وأين أصحاب وهب عنه؟!!

وقول معمر لعبدالرزاق أن يسأله عنه يؤكد أنه يشك في الحديث لا كما ذهب الشيخ بأنه يدعم احتمال تفرد المنذر به! فلو كان كذلك لكان هو أسعد بأن يذهب ويسمعه من المنذر مباشرة!!

·       تضعيف الشيخ طارق عوض الله للحديث وتعقب الشيخ الطريفي له!!

قال الشيخ طارق عوض الله في تعليقه على هذا الحديث أثناء تحقيقه للمنتخب من علل الخلال: "لكن العلة - والله أعلم - هي الانقطاع بين وهب بن منبه وابن عباس، فقد قال ابن معين: لم يسمع وهب من جابر شيئاً...".

فتعقبه الشيخ الطريفي فقال: "ولكن صرح وهب بن منبه بالسماع من ابن عباس في أخبار مكة للفاكهي وصرح مسلم بسماعه كما نقله ابن عساكر...".

وقال الشيخ الطريفي أيضاً في تعليقه على المنتخب من العلل: "لا بأس بإسناده، والمنذر بن النعمان له مجموعة من الأحاديث الواهية وليس منه ولكن عن من يرويه عنه. وقول الإمام أحمد رحمه الله: المنذر بن النعمان ثقة صنعاني... يريد به تصحيح الحديث وقد أعله بعضهم بالتفرد ولكن لا عجب أن ينفرد المنذر عن وهب فكلاهما يمني ولا يعتبر ذلك غريباً وإن تفرد به المنذر، وقد روى أحمد في المسند عن عبدالرزاق عن معمر أنه قال: اسأل منذراً عنه، يريد أنه مسند..."انتهى.

قلت: بل يعتبر غريباً ومنكراً! فما هو الضابط عند الشيخ - حفظه الله - بأنه لا يعتبر غريبا؟! وقد تفرد به راو ليس بذاك المشهور، وتفرد بحديث في فضل بلده دون غيره من طريق صحابي لا يوجد هذا الحديث عند أصحابه المعروفين المشهورين، وهو ابن عباس؟!!

بل لو صحّ أن وهب بن منبّه تفرد به فلا نقبله منه؛ لأنه أيضاً في فضل بلده! وقد رُوي عنه في تفسير قوله تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} قال وهب بن منبه: "هي قرى بصنعاء"!! والمعروف عند أهل التفسير غير ذلك! [انظر: تفسير ابن كثير:3/534].

وأما مسألة تصريح وهب بالسماع من ابن عباس، فهذا ما سنناقشه في الآتي إن شاء الله:

اشتهر وهب بن مُنبِّه (34هـ - 114هـ) - رحمه الله - برواية الإسرائيليات، وقد رُوي عنه بعض المسندات، لكن هذا يحتاج إلى النظر في صحة ثبوتها!

قال ابن حبان في «الثقات» (5/487): "وممن روى عن الصحابة وشافههم ممن ابتدأ اسمه على الواو: وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن سيحان من أبناء فارس، كنيته أبو عبدالله، كان ينزل ذماراً على مرحلتين من صنعاء، يروي عن جابر بن عبدالله وابن عباس، وكان عابداً فاضلاً، قرأ الكتب".

ثم قال: "وهب بن عبدالله الذماري، ممن قرأ الكتب، يروي عن الصحابة، روى عنه أهل اليمن".

قلت: هكذا فرّق بينهما وهما واحد، وكأنه وقع له في إسناد: "وهب بن عبدالله" فسقط منه أداة الكنية: "أبو"، والصواب: "وهب أبو عبدالله" وهو: وهب بن منبه أبو عبدالله.

وقال أبو حاتم الرازي: "وهب بن منبه الصنعاني الذماري، وذمار من صنعاء على مرحلتين، وهو: ابن منبه بن كامل أبو عبدالله. روى عن: ابن عباس وجابر بن عبدالله وأخيه همام بن منبه. روى عنه عمرو بن دينار والمغيرة بن حكيم وعوف الأعرابي وسماك بن الفضل والمنذر بن النعمان وبكار. توفي وهو ابن ثمانين سنة" [الجرح والتعديل:9/24].

وقال أبو نُعيم في «حلية الأولياء» (4/72): "أسند وهب عن عدة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم: ابن عباس، وجابر، والنعمان بن بشير، وروى عن أبي هريرة، ومعاذ بن جبل، وعن أخيه، وعن طاووس، وروى عنه من التابعين عدة منهم: عمرو بن دينار، وعبدالعزيز بن رفيع، ووهب بن كيسان، وزيد بن أسلم وموسى بن عقبة، وعطاء بن السائب، وعمار الدهني، ومحمد بن جحادة، وأبان بن أبي عياش".

وقال ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (63/366): "وهب بن منبه بن كامل بن سيج أبو عبدالله الأبناوي الذماري الصنعاني اليماني، لقي عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو بن العاص وجابر بن عبدالله وأبا هريرة وعبدالله بن الزبير وأنس بن مالك والنعمان بن بشير وأبا سعيد الخدري. وروى عن ابن عباس وجابر والنعمان بن بشير وأخيه همام".

وقال الذهبي في «تذكرة الحفاظ» (1/100): "روى عن أبي هريرة يسيراً، وعن عبدالله بن عمر، وابن عباس، وأبي سعيد، وجابر بن عبدالله وغيرهم، وعنده من علم أهل الكتاب شيء كثير، فإنه صرف عنايته إلى ذلك وبالغ، وحديثه في الصحيحين عن أخيه همام، ولهمام عن أبي هريرة نسخة مشهورة أكثرها في الصحاح رواها عنه معمر وطال عمر همام وعاش إلى سنة نيف وثلاثين ومائة".

وقال في «السير» (4/545): "وأخذ عن ابن عباس، وأبي هريرة - إن صح - وأبي سعيد، والنعمان بشير، وجابر، وابن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص - على خلاف فيه – وطاووس، حتى أنه ينزل ويروي عن عمرو بن دينار وأخيه همام وفنج اليماني ولا يُدرى من فنج... وروايته للمسند قليلة وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات ومن صحائف أهل الكتاب".

قلت: وقد جاء في بعض الروايات أنه لقي ابن عباس، ومنها:

1- ما رواه عَبْدُاللَّهِ بنُ الْمُبَارَكِ في «الزهد» (1/526) قال: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَكَمِ، قال: أَخْبَرَنَا مُوسَى بنُ أَبِي كَرْدَمٍ، - قَالَ ابنُ صَاعِدٍ: كَذَا قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: دَرِمٍ - عَن وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: "بَلَغَ ابنَ عَبَّاسٍ عَنْ مَجْلِسٍ كَانَ فِي نَاحِيَةِ بَابِ بَنِي سَهْمٍ يَجْلِسُ فِيهِ نَاسٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَيَخْتَصِمُونَ فَتَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَ لِي ابنُ عَبَّاسٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى وَقَفْنَا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي ابنُ عَبَّاسٍ: أَخْبِرْهُمْ عَنْ كَلَامِ الْفَتَى الَّذِي كَلَّمَ بِهِ أَيُّوبَ وَهُوَ فِي حَالِهِ، قَالَ وَهْبٌ: فَقُلْتُ: قَالَ الْفَتَى: يَا أَيُّوبُ أَمَا كَانَ فِي عَظَمَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَذِكْرِ الْمَوْتِ مَا يُكِلُّ لِسَانَكَ، وَيَقْطَعُ قَلْبَكَ، وَيَكْسِرُ حُجَّتَكَ، يَا أَيُّوبُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى عِبَادًا أَسْكَتَتْهُمْ خَشْيَةُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ عِيٍّ وَلَا بُكْمٍ، وَإِنَّهُمْ لَهُمُ النُّبَلَاءُ، الْفُصَحَاءُ، الطُّلَقَاءُ، الْأَلِبَّاءُ، الْعَالِمُونَ بِاللَّهِ سُبْحَانَهُ وَآيَاتِهِ، وَلَكِنَّهُمْ إِذَا ذَكَرُوا عَظَمَةَ اللَّهِ تَقَطَّعَتْ قُلُوبُهُمْ، وَكَلَّتْ أَلْسِنَتُهُمْ، وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ وَأَحْلَامُهُمْ فَرَقًا مِنَ اللَّهِ، وَهَيْبَةً لَهُ، وَإِذَا اسْتَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ اسْتَبْقَوْا إِلَى اللَّهِ بِالْأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ، لَا يَسْتَكْثِرُونَ لِلَّهِ الْكَثِيرَ، وَلَا يَرْضَوْنَ لِلَّهِ بِالْقَلِيلِ، يُعِدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مَعَ الظَّالِمِينَ الْخَاطِئِينَ، وَإِنَّهُمْ لَأَنْزَاهٌ، أَبْرَارٌ، أَخْيَارٌ، وَمَعَ الْمُضَيِّعِينَ الْمُفَرِّطِينَ، وَإِنَّهُمْ لَأَكْيَاسٌ أَقْوِيَاءُ، نَاحِلُونَ ذَائِبُونَ، يَرَاهُمُ الْجَاهِلُ فَيَقُولُ: مَرْضَى، وَلَيْسُوا بِمَرْضَى، وَقَدْ خُولِطُوا وَقَدْ خَالَطَ الْقَوْمُ أَمْرٌ عَظِيمٌ".

ورواه ابن أبي عمر العدني في كتاب «الإيمان» (ص71) عن أبي الحكم مروان بن عبدالواحد، به، بطوله.

ورواه يعقوب بن سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/287) عن عبدالأعلى بن حماد بن نصر النرسي قال: حدثنا مروان بن عبدالواحد أبو الحكم، به.

قال مروان: "فكتب إليّ رجل: أن ابن عباس قَالَ: عَلَى إِثْرِ قَوْلِ وَهْبٍ: "وَكَفَى بِكَ ظلمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُخَاصِمًا، وَكَفَى بِكَ إِثْمًا أَنْ لَا تَزَالَ مُمَارِيًا، وَكَفَى بِكَ كَاذِبًا أَنْ لَا تَزَالَ مُحْدِثًا فِي غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ".

ورواه يحيى بن صاعد - راوي كتاب ابن المبارك بعد رواية ابن المبارك-، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: حدثني مروان بن عبدالواحد، قال: حدثني موسى بن أبي درم، قال: حدثنا وهب بن منبه، قال: بلغ ابن عباس أن ناساً من قريش يجلسون في المسجد الحرام من ناحية باب بني سهم فيختصمون فترتفع أصواتهم، فذكره مختصراً.

قلت: هكذا رواه أبو الحكم عن موسى عن وهب. وخالفه عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد - سكن مكة -، فرواه عن موسى عن يوسف بن ماهك المكيّ عن ابن عباس.

رواه الآجري في كتاب «الشريعة» (1/449) من طريق عَبْدِالْمَجِيدِ بن عَبْدِالْعَزِيزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُوسَى بنُ أَبِي دَرْمٍ، عَنْ يُوسُفَ - يَعْنِي: ابنَ مَاهَكٍ -، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ مَجْلِسٍ فِي نَاحِيَةِ بَنِي سَهْمٍ فِيهِ شَبَابٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَخْتَصِمُونَ وَيَرْتَفِعُ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ لِوَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِمْ، فذكره.

قلت: الاختلاف على موسى بن أبي درم، وهو مجهول لا يُعرف.

وقد ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» (7/282) ولم يذكر فيه شيئاً.

قال: "موسى بن أبي درم عن وهب بن منبه".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/142): "موسى بن أبي درم، روى عن وهب بن منبه، روى عنه مروان أبو الحكم المكي، سمعت أبي يقول ذلك".

وجاء في هذه الروايات أن مروان هو: ابن عبدالواحد، وذكر من ترجم له أنه: ابن عبدالحميد.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (7/371): "مروان بن عبدالحميد أبو الحكم، كان يكون بمكة، سمع موسى بن أبي درم البصري اللؤلؤي، روى عنه قتيبة".

وتبعه على ذلك: أبو حاتم وابنه ومسلم.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/275): "مروان بن عبدالحميد أبو الحكم المكي، كان يكون بمكة، من أهل البصرة. روى عن موسى بن أبي درم اللؤلؤي، روى عنه قتيبة بن سعيد ومحمد بن مهران والجمال الرازي، سمعت أبي يقول ذلك".

وقال مسلم في «الكنى والأسماء» (1/242): "أبو الحكم مروان بن عبدالحميد، كان بمكة، سمع موسى بن أبي درم، روى عنه قتيبة بن سعيد".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/483): "مروان بن عبدالحميد أبو الحكم، كان يسكن مكة، يروي عن موسى بن عقبة، روى عنه قتيبة، وقد سمع موسى من أم خالد، ولها صحبة".

قلت: وهم ابن حبان في قوله: "موسى بن عقبة"! وإنما هو: "موسى بن أبي درم".

وقد جاءت هذه القصة من طريق آخر يمني:

رواها البيهقي في «شعب الإيمان» (4/258) عن أبي طاهر الفقيه، عن أبي بكر الشّحام، قال: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي، قال: حدثنا إسماعيل بن عبدالكريم الصنعاني، قال: حدثنا إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، عن وهب بن منبه، قال: "كان ابن عباس جالساً في المسجد الحرام - ومعه وهب بن منبه - فنهض ابن عباس يتهادى على عطاء بن أبي رباح وعكرمة، فلما دنا من باب المسجد إذا هو بقوم يتجادلون قد علت أصواتهم، فوقف ابن عباس عليهم، وقال لعكرمة: ادع لي ابن منبه، فدعاه فقال له ابن عباس: حدِّث هؤلاء حديث الفتى، قال: نعم، قال: لما اشتد الجدال بين أيوب وأصحابه، قال فتى كان معهم لأصحاب أيوب في الجدال قولاً شديداً، ثم أقبل على أيوب، فقال: وأنت يا أيوب قد كان في عظمة الله وجلال الله وذكر الموت ما يكل لسانك ويكسر قلبك ويقطع حجتك، ألم تعلم يا أيوب أن لله عباداً أسكتتهم خشيته عن الكلام من غير عي ولا بكم، وإنهم الفصحاء الطلقاء الألباء العالمون بالله وبآياته، ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله انقطعت ألسنتهم وانكسرت قلوبهم وطاشت أحلامهم وعقولهم فرقا من الله وهيبة له، فإذا استفاقوا من تلك استبقوا إلى الله بالأعمال الزاكية والنية الصادقة يعدون أنفسهم مع الظالمين وأنهم لأبرار بوأوا مع المقصرين المفرطين وأنهم لأكياس أتقياء، ولكنهم يستكثرون لله الكثير ولا يرضون له بالقليل ولا يدلون عليه بالأعمال فهم حيث ما لقيتهم مهتمون مشفقون خائفون وجلون".

ورواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (10/80) من طريق البيهقي.

قلت: ما جاء في الرواية: "عن أبيه عن وهب بن منبه" لا يصح، فالأصل بدون: "عن وهب بن منبه"؛ لأن ذكر وهب جاء أثناء الرواية.

فتكون الرواية: "عن إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، قال: كان ابن عباس جالساً في المسجد الحرام ومعه وهب بن منبه..".

وإسماعيل بن عبدالكريم بن معقل بن منبه بن كامل اليماني أبو هشام الصنعاني يروي عن إبراهيم عن أبيه من الصحف.

وقد روى الطبري شيئاً من هذا الكلام في «تفسيره» (17/57) عن محمد بن سهل بن عسكر البخاري قال: حدثنا إسماعيل بن عبدالكريم، قال: حدثني عبدالصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه يقول: "كان بدء أمر أيوب الصديق صلوات الله عليه أنه كان صابرا نعم العبد" في كلام طويل يقرب من عشر أوراق.

ثم قال: "وقد كان في عظمة الله وجلاله وذكر الموت ما يقطع لسانك ويكسر قلبك وينسيك حججك، ألم تعلم يا أيوب أن لله عبادا أسكتتهم خشيته من غير عي ولا بكم وإنهم لهم الفصحاء النطقاء النبلاء الألباء العالمون بالله وبآياته ولكنهم إذا ذكروا عظمة الله...".

فهذا من الإسرائيليات المنكرة!

ورويت القصة من غير هذه الطريق عن وهب ولم يذكروا أيوب فيه! فجعل كل الكلام الذي نُسب لأيوب لابن عبّاس!

رواه يعقوب الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (1/287) عن أَحْمَد بن يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بنُ عِمْرَانَ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِدْرِيسُ بنُ سِنَانٍ أَبو إِلْيَاسُ ابنُ بِنْتِ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ أَنَّ: ابنَ عَبَّاسٍ طَافَ بِالْبَيْتِ حين أصبح أسبوعاً.

قال وهب: وأنا وطاووس مَعَهُ وَعِكْرِمَةُ مَوْلَاهُ، وَكَانَ قَدْ رَقَّ بَصَرُهُ فَكَانَ يَتَوَكَّأُ عَلَى الْعَصَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ انْصَرَفَ إِلَى الْحَطِيمِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ نَهَضَ فَنَهَضْنَا مَعَهُ، فَدَفَعَ عَصَاهُ إِلَى عِكْرِمَةَ مولاه، وتوكأ عليّ وعلى طاووس، ثُمَّ انْطَلَقَ بِنَا إِلَى غَرْبِيِّ الْكَعْبَةِ بَيْنَ بَابِ بَنِي سَهْمٍ وَبَابِ بَنِي جُمَحَ، فَوَقَفْنَا عَلَى قَوْمٍ بَلَغَ ابنُ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ يَخُوضُونَ فِي حَدِيثِ الْقَدَرِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ فَأَجَابُوهُ فَرَحَّبُوا بِهِ وَأَوْسَعُوا لَهُ، فَكَرِهَ أَنْ يَجْلِسَ إِلَيْهِمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُتَكَلِّمِينَ فِيمَا لا يعنيهم ولا يزد عَلَيْهِمْ، أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ للَّه عَزَّ وَجَلَّ عِبَادًا قَدْ أَسْكَنَتْهُمْ خَشْيَتُهُ مِنْ غَيْرِ عَيٍّ وَلَا بَكَمٍ وَإِنَّهُمْ لَهُمُ الْفُصَحَاءُ النُّطَقَاءُ النُّبَلَاءُ الْأَلِبَّاءُ وَالْعَالِمُونَ باللَّه عَزَّ وَجَلَّ وَبِآيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمْ إذا ذكروا عظمة الله عز وجل انقطعت أَلْسِنَتُهُمْ وَكُسِرَتْ قُلُوبُهُمْ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ إِعْظَامًا للَّه عَزَّ وَجَلَّ وَإِعْزَازًا وَإِجْلَالًا فَإِذَا اسْتَفَاقُوا مِنْ ذَلِكَ اسْتَبَقُوا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَعْمَالِ الزَّكِيَّةِ يَعُدُّونَ أَنْفُسَهُمْ مَعَ الظَّالِمِينَ الْخَاطِئِينَ وَأَنَّهُمْ لَأَنْزَاهٌ أَبْرَارٌ، أَوْ مَعَ الْمُقَصِّرِينَ وَالْمُفَرِّطِينَ وَإِنَّهُمْ لَأَكْيَاسٌ أَقْوِيَاءُ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَرْضَوْنَ للَّه عَزَّ وَجَلَّ بِالْقَلِيلِ، وَلَا يَسْتَكْثِرُونَ لَهُ الْكَثِيرَ وَلَا يُدِلُّونَ عَلَيْهِ بِالْأَعْمَالِ، مَتَّى مَا لَقِيتَهُمْ فَهُمْ مَهْتَمُّونَ مَخُوفُونَ مُرَوَّعُونَ خَائِفُونَ مُشْفِقُونَ وَجِلُونَ، فَأَيْنَ أَنْتُمْ مِنْهُمْ، يَا مَعْشَرَ الْمُبْتَدِعِينَ اعْلَمُوا أَنَّ أَعْلَمَ النَّاسِ بِالْقَدَرِ أَسْكَتُهُمْ عَنْهُ، وَأَنَّ أَجْهَلَ النَّاسِ بِالْقَدَرِ أَنْطَقُهُمْ فِيهِ.

قَالَ وَهْبٌ: ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُمْ وَتَرَكَهُمْ، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ تفرقوا عَنْ مَجْلِسِهِمْ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ ابنُ عَبَّاسٍ.

قلت: إدريس بن سنان الصنعاني سبط وهب بن منبه، ضعفه ابن عدي، وقال الدارقطني:"متروك".

وأخشى أن يكون أصل هذه القصة منه! وفيها أن ما كانوا يتخاصمون فيه هو: "القدر"! وقد تكلّم وهب بن منبه في القدر، وثبت أنه ترك ذلك، فلو كانت هذه القصة صحيحة لعرف أن ابن عباس نهى أن يتكلّم في القدر ولما تكلم فيه، فالله أعلم.

والقصة بمجملها منكرة عندي! فكيف يستعين ابن عباس بوهب بن منبه في توبيخ هؤلاء؟! ألا يوجد عنده ما ينهرهم من آيات وأحاديث صحيحة حتى يستعين بوهب صاحب القصص الإسرائيلية المنكرة؟! وفي تصديق ذلك نسبة الرأي إلى ابن عباس أنه يصدق ما في هذه الإسرائيليات! وهذا بعيد عن ابن عباس. نعم هو روى بعض ما سمعه من الإسرائيليات لإذن النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك، ولكن دون تصديق أو تكذيب، ولكن استعانته بوهب في إيراد ما أورده من قصة أيوب تعني أنه يصدق ذلك، وهذا خلاف منهج الصحابة، والله المستعان.

وما نُسب إلى ابن عبّاس من قول إثر قول وهب جعله بعضهم حديثاً مرفوعاً!

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/57) قال: حدثنا الْحُسَيْنُ بن جَعْفَرٍ       القتات الْكُوفِيُّ، قال: حدثنا عبدالْحَمِيدِ بن صَالِحٍ، قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عن إِدْرِيسَ ابن بنتِ وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: «كَفَى بِكَ إِثْمًا أَنْ لا تَزَالَ مُخَاصِمًا».

قلت: إدريس متروك.

2- ما رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (10/262) قال: حدثنا أبو مُسْلِمٍ الْكَشِّيُّ، قال: حدثنا عبداللَّهِ بن رَجَاءٍ، قال: حدثنا يَزِيدُ بن أبي سَلَمَةَ أبو يُوسُفَ، قال: سمعت وَهْبَ بن مُنَبِّهٍ يقول: "صَحِبْتُ ابن عَبَّاسٍ قبل أَنْ يُصَابَ بَصَرُهُ وبعد ما أُصِيبَ، فَسُئِلَ عَنِ الْقَدَرِ؟ فقال: وَجَدْتُ أَصَوْبَ الناس فيه حَدِيثًا أَجْهَلَهُمْ بِهِ وَأَضْعَفَهُمْ فيه حَدِيثًا أَعْلَمَهُمْ بِهِ وَوَجَدْتُ النَّاظِرَ فيه كَالنَّاظِرِ في شُعَاعِ الشَّمْسِ كُلَّمَا ازْدَادَ فيه نَظَرًا ازْدَادَ بَصَرُهُ فيها تَحَيُّرًا".

قلت: هذا منكر! وقد تفرد به يزيد بن أبي سلمة، وهو مجهول لا يعرف إلا في هذه الرواية.

قال الهيثمي في «المجمع» (7/201): "رواه الطبراني، وفيه: يزيد بن أبي سلمة، ضعفه ابن معين".

قلت: هذا الذي ضعفه ابن معين نسبه ابن الجوزي، والذهبي وابن حجر بأنه: "الأيلي".

وفي المطبوع من «فتح الباب في الكنى والألقاب» (ص438) لابن منده: "أبو صخر يزيد بن أبي سلمة الأيلي، قديم، كنّاه البخاري".

قلت: والصواب: ابن أبي سُميّة، وهو آخر.

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (8/338): "يزيد بن أبي سمية أبو صخر الأيلي، عن أبي بكر بن عبدالرحمن، روى عنه هشام بن سعد".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/269): "يزيد بن أبي سمية أبو صخر الأيلي، روى عن ابن عمر وأبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام، روى عنه أبو الصباح سعدان بن سالم وهشام بن سعد وعبدالجبار بن عمر، سمعت أبي يقول ذلك".

قال: سئل أبو زرعة عن يزيد بن أبي سمية؟ فقال: "أيلي روى حديثين، روى عنه أبو الصباح وعبدالجبار بن عمر، وهو ثقة".

فتبين من هذا أن الذي في الحديث ليس هذا الأيلي؛ لأن الأخير قديم.

·       أحاديث وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ:

·       الحديث الأول:

أخرج الإمام أحمد في «المسند» (1/357) برقم (3362) قال: حدثنا روح، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عمرو بن دينار.

وحدثنا عبدالرحمن بن مهدي، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عن أبي مُوسَى، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من سَكَنَ الْبَادِيَةَ جَفَا، وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ، وَمَنْ أتى السُّلْطَانَ افْتَتَنَ».

وأخرجه الترمذي في «الجامع» (4/523) برقم (2256) عن مُحَمَّد بنِ بَشَّارٍ.

والنسائي في «السنن الكبرى»، باب اتباع الصيد، (3/154) عن إسحاق بن إبراهيم ومحمد بن المثنى.

ثلاثتهم عن عَبْدالرَّحْمَنِ بن مَهْدِيٍّ، عن سُفْيَان الثوري، عَنْ أَبِي مُوسَى، به.

قال الترمذي: "وفِي البَاب عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ".

ثم قال: "هذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثَ ابنِ عَبَّاسٍ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ".

وأخرجه أبو داود في «سننه»، باب في اتباع الصَّيد، (3/111) عن مُسَدَّد، عن يحيى، عن سُفْيَانَ، عن أبي مُوسَى، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عن ابن عَبَّاسٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال مَرَّةً سُفْيَانُ: "ولا أَعْلَمُهُ إلا عن النبي صلى الله عليه وسلم".

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/56) عن عَلِيّ بن عبدالْعَزِيزِ، عن أبي نُعَيْمٍ، عن سُفْيَان.

قال عبدالله بن أحمد في «العلل» (2/201): قال أبي في حديث أبي نعيم عن سفيان عن أبي موسى عن وهب بن منبه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: من سكن البدو جفا، قال أبي: "وليس هو إسرائيل أبو موسى، هذا يماني يُحدِّث عن وهب بن منبه".

وقال أبو نُعيم في «الحلية» (4/72) بعد أن رواه عن أبي حذيفة عن سفيان: "رواه أبو نعيم وأبو قرة عن سفيان نحوه، وأبو موسى هو اليماني، لا نعرف له اسماً".

وقال ابن القطان الفاسي في «بيان الوهم والإيهام» (4/362): "وَأَبُو مُوسَى هذَا لَا يعرف الْبَتَّةَ، وَلم يزدْ ذاكروه على مَا فِي هَذَا الْإِسْنَاد. وَرَأَيْت الدولابي - فِيمَا جمع من حَدِيث الثَّوْريّ - ذكر هذَا الحَدِيث، فَقَالَ فِيهِ: عَن أبي مُوسَى الْيَمَانِيّ. وَهذَا لَا يُخرجهُ من الْجَهْل بِهِ. وَقَول التِّرْمِذِيّ فِيهِ: حسن، هُوَ بِاعْتِبَار قَول من يقبل أَحَادِيث هذَا النَّوْع، وَلَا يَبْتَغِي فيهم على الْإِسْلَام مزيدا، مَا لم يثبت فِيهِ مَا يتْرك لَهُ رواياتهم، وَسَوَاء عِنْد هَؤُلَاءِ روى عَن أحدهم وَاحِد أَو أَكثر. وَإِلَى هذَا، فَإِن لهَذَا الحَدِيث طَرِيقا أحسن من هَذَا، وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة، وَقد أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ فَقَالَ: إِن فِي الْبَاب عَنهُ. والْحَدِيث قد كتبناه فِي بَاب الْأَحَادِيث الَّتِي أوردها - أي عبدالحق الإشبيليّ - على أَنَّهَا صَحِيحَة وَهِي ضَعِيفَة، وَلها طرق خير مِنْهَا صَحِيحَة أَو حَسَنَة".

·       ترجمة أبي موسى اليماني راوي الحديث:

قلت: هذا الحديث رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكر، وهو يشبه أقوال التابعين، ومعناه صحيح فيما يتعلق بسكنى البادية، وكذلك بالانشغال بالصيد، وأما بالنسبة لمتابعة السلطان فقد يكون فيه فتنة في زمن دون زمن وخاصة إذا كان السلطان من الظلمة.

وقد تفرد به أبو موسى هذا، وهو مجهول لا يُعرف.

قال البخاري في «الكنى» (ص70): "أبو موسى. قال عمرو بن علي عن يحيى بن سعيد، عن سفيان: حدثني أبو موسى، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: من سكن البادية جفا، ومن أتبع الصيد غفل، ومن أتبع السلطان افتتن".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (9/438): "أبو موسى. روى عن وهب بن منبه، روى عنه الثوري، سمعت أبي يقول ذلك".

وذكره ابن حبان على قاعدته في «الثقات» (7/664) قال: "أبو موسى يروي عن وهب بن منبه عن ابن عباس، روى عنه الثوري".

وقال الذهبي في «الميزان» (7/433): "شيخ يماني يجهل وما روى عنه غير الثوري، ولعله إسرائيل بن موسى، وإلا فهو مجهول".

وقال في «السير» (4/552): "أبو موسى مجهول".

وقال ابن حجر في «اللسان» (7/486): "أبو موسى عن وهب بن منبه، مجهول، ووهم من قال إنه إسرائيل بن موسى".

وقال في «التقريب» (ص677): "أبو موسى عن وهب بن منبه، مجهول من السادسة، ووهم من قال إنه إسرائيل بن موسى".

قلت: إن قصد بهذا الإمام الذهبي! فالذهبي ذكره على الاحتمال ثم جزم بأنه مجهول في السير كما تقدم، والأرجح أنه قصد بذلك المزي، فإنه وهم في ذلك.

·       وهم للمزي!

قال المزي في «تهذيب الكمال» (34/331): "أبو موسى إسرائيل بن موسى البصري، روى عن وهب بن منبه. روى عنه سفيان الثوري وغيره، روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي، وقد تقدم في الأسماء".

فقال ابن حجر في «تهذيب التهذيب» (12/276): "ذكر المزي في ترجمة أبي موسى إسرائيل بن موسى البصري إنه روى عن ابن منبه وعنه الثوري، ولم يلحق البصري وهب بن منبه، وإنما هذا آخر، وقد فرّق بينهما ابن حبان في الثقات وابن الجارود في الكنى وجماعة".

قلت: فراوي الحديث "أبو موسى" مجهول لا يحتج به. وأصل الحديث هو من قول وهب بن منبه.

روى البيهقي في «شعب الإيمان» (7/49) من طريق أبي أسامة حمّاد بن أسامة عن عيسى بن سنان أبي سنان القسملي الشامي، قال: سمعت وهباً يقول لعطاء: "إياك وأبواب السلطان؛ فإن على أبواب السلطان فتناً كمبارك الإبل، ولا تصيب من دنياهم شيئاً إلا أصابوا من دينك مثله، ثم قال: يا عطاء، إن كان يكفيك ما يغنيك فكل عيشك يكفيك، وإن كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء يسعه يسعك، إنما بطنك بحر من البحور أو وادي من الأودية لا تشبعه إلا التراب".

قال البيهقي: "وقد روي الكلام الأول من وجه ضعيف مرفوعاً".

قلت: فهذا هو أصل الحديث المرفوع من كلام وهب بن منبه، وأضيف إليه ما يتعلق بسكنى البادية واتباع الصيد.

·       وهم لابن عبدالبر!

قال ابن عبدالبر في «التمهيد» (18/144): "وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من لزم البادية جفا، وروى الثوري وابن عيينة عن أبي موسى التمار، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سكن البادية جفا ومن اتبع الصيد غفل ومن لزم السلطان افتتن..".

قلت: قد صححه ابن عبدالبر؛ لأنه ظن أن أبا موسى في هذا الحديث هو التمّار! وليس كذلك، وإنما هو أبو موسى اليماني، ولم يرو عنه إلا الثوري، وقد وهم ابن عبدالبر في أن ابن عيينة روى عنه! وكأنه لما رأى في بعض الأسانيد أن الرواي عنه سفيان، فظن أنه ابن عيينة، وليس كذلك.

·       ميل ابن حجر إلى قبوله مع أنه حكم على راويه بالجهالة!

تقدم حكم ابن حجر على أبي موسى بالجهالة، ولكنه مال إلى قبول حديثه في «الفتح» (9/662) فإنه ذكر فائدة من حديث ثم حاول التوفيق بينها وبين ما جاء في هذا الحديث فيما يتعلق بالصيد، فقال: "وفي الحديث أيضاً جواز استثارة الصيد والغدو في طلبه، وأما ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس رفعه: من أتبع الصيد غفل، فهو محمول على من واظب على ذلك حتى يشغله عن غيره من المصالح الدينية وغيرها".

وأخذ كلامه العيني في «عمدة القاري» (13/131)، فقال: "ذكر ما يستفاد منه: فيه إباحة السعي لطلب الصيد، فإن قلت: روى أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس: من تبع الصيد غفل؟ قلت: المراد به من تمادى به طلب الصيد إلى أن فاتته الصلاة أو غيرها من مصالح دينه ودنياه".

قلت: ابن حجر يتساهل في شرحه فربما مال إلى قبول أحاديث ضعيفة، وهذا أيضاً منهج أصحاب الشروح عموماً.

·       رواية اخرى خطأ!

روى الطبراني في «المعجم الأوسط» (1/175) قال: حدثنا أحمد بن القاسم، قال: حدثنا عبيدالله بن عمر القواريري، قال: حدثنا عبدالله بن سلمة الأفطس، قال: حدثنا سفيان الثوري، عن أيوب بن موسى، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدا جفا، ومن اتبع الصيد غفل، ومن أتى السلطان افتتن».

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سفيان عن أيوب بن موسى إلا عبدالله بن سلمة، تفرد به القواريري! ورواه أبو نعيم والناس عن سفيان عن أبي موسى اليماني".

قلت: عبيدالله بن عمر القواريري من الثقات، وعلّة الحديث هو عبدالله بن سلمة الأفطس البصري، وهو متروك الحديث ليس بثقة.

·       الشاهد الذي ذكره الترمذي: حديث أبي هريرة لا يصح!

أخرج الإمام أحمد في «مسنده» (2/371) برقم (8823) قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا إسماعيل بن زكريا، عن الحسن بن الحكم النخعي، عن عدي بن ثابت، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بَدَا جَفَا وَمَنِ اتَّبَعَ الصَّيْدَ غَفَلَ وَمَنْ أتى أَبْوَابَ السُّلْطَانِ افْتُتِنَ وما ازْدَادَ عَبْدٌ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْباً الا ازْدَادَ مِنَ اللَّهِ بُعْداً».

ورواه أيضاً (2/440) برقم (9681) قال: حدثنا يَعْلَى وَمُحَمَّدٌ ابْنَا عُبَيْدٍ، قَالا: حدثنا الْحَسَنُ بن الْحَكَمِ، عن عدي بن ثَابِتٍ، عن شَيْخٍ مِنَ الأَنْصَارِ، عن أبي هُرَيْرَةَ، مرفوعاً.

ورواه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (1/394) عن عيسى بن يونس، عن الحسن بن الحكم، عن عدي، عن شيخ من الأنصار، به، مثله.

ورواه أبو داود في «السنن» (3/111) قال: حدثنا محمد بن عِيسَى، قال: حدثنا محمد بن عُبَيْدٍ، قال: حدثنا الْحَسَنُ بن الْحَكَمِ النَّخَعِيُّ، عن عَدِيِّ بن ثَابِتٍ، عن شَيْخٍ من الْأَنْصَارِ، به.

وذكره الْبَزَّار قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن مُحَمَّد الزَّعْفَرَانِي، قال: حَدثنَا مُحَمَّد بن الصَّباح - يَعْنِي الدولابي – قال: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن زَكَرِيَّاء، عَن الْحسن بن الحكم، عَن عدي بن ثَابت، عَن أبي حَازِم، عَن أبي هُرَيْرَة، أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قَالَ: من بدا جَفا، وَمن اتبع الصَّيْد غفل، فَذكره بِتَمَامِهِ.

قَال البزار: "وهذَا الحَدِيث رَوَاهُ شريك عَن الحسن بن الحكم، عَن عدي بن ثَابت، عَن الْبَراء. قالَ إِسْمَاعِيل: عَن الْحسن، عَن عدي، عَن أبي حَازِم، وَالْحسن فَلَيْسَ بِالْحَافِظِ". انْتهى كَلَامه.

قلت: كأن البزار جعل العلة فيه الحسن وأنه اضطرب فيه! ولم يذكر أن غير إسماعيل رواه عن الحسن عن عدي عن شيخ مجهول عن أبي هريرة.

ولهذا جعل بعض أهل العلم العهدة فيه على إسماعيل بتسميته هذا الشيخ! وغيره لا يسميه. وإسماعيل رجل صدوق له أوهام، لا يُحتج بما انفرد به.

قال ابن أبي حاتم في «العلل» (2/246): سألت أبي عن حديث رواه إسماعيل بن زكريا عن الحسن بن الحكم النخعي عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدا جفا ومن أتبع الصيد غفل؟ قال أبي: "كذا رواه! ورواه غيره عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أشبه".

وقال الدارقطني في «العلل» (8/240) - وقد سئِل عنه -: "يرويه الحسن بن الحكم النخعي، واختلف عنه: فرواه إسماعيل بن زكريا عن الحسن بن الحكم النخعي عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه حاتم بن إسماعيل ويعلى بن عبيد ويحيى بن عيسى الرملي عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن شيخ من الأنصار عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وروي عن شريك عن الحسن بن الحكم عن عدي عن البراء".

قلت: شريك ضعيف، وقد خالف غيره فيه.

وقد ذكر ابن عدي هذا الحديث في منكرات إسماعيل بن زكريا في ترجمته من كتاب «الكامل» (1/318) فرواه عن الحسن بن سفيان عن أبي الربيع الزهراني عن إسماعيل بن زكريا عن الحسن بن الحكم النخعي عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة، مرفوعاً.

ثم قال: "وهذا الحديث لا أعلم يرويه غير إسماعيل بن زكريا".

قلت: يعني بذكر أبي حازم فيه، وإلا فقد رُوي عن الحسن عن عدي عن رجل مجهول عن أبي هريرة، ولم يذكر: "عن أبي حازم" إلا إسماعيل!!

وقد أورده ابن حبان في منكرات «الحسن بن الحكم النخعي» من «المجروحين» (1/233) قال: "الحسن بن الحكم النخعي من أهل الكوفة، يروي عن عدي بن ثابت والكوفيين، روى عنه أهل بلده، يخطىء كثيراً ويهم شديداً، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد، روى عن عدي بن أبي ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدا جفا... وروى عن أبي بردة بن أبي موسى قال: سمعت عبدالله بن يزيد الخطمي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عذاب أمتي في دنياها".

ثم قال: "هذان الخبران بهاتين اللفظتين باطلان".

قلت: هذا الحديث منكر سواء كانت العلة من إسماعيل أم من الحسن. والرجل الأنصاري مجهول، فلا يصلح هذا الحديث أن يكون شاهداً لحديث أبي موسى اليماني المتقدّم.

·       تصحيح الشيخ الألباني للحديث! وتحسين الشيخ شعيب ورفاقه له!!

هذا الحديث صححه الشيخ الألباني في «صحيح الجامع الصغير» برقم (6124) و(6296).

وذكره في «صحيحته» برقم (1272)، ونقل كلام ابن عدي بتفرد إسماعيل به، ثم قال: "قلت: وهذا سند حسن فإن بقية رجال الإسناد ثقات كلهم، وإسماعيل احتج به الشيخان، وقال الحافظ: "صدوق يخطىء قليلاً". وخالفه شريك فقال: عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدا جفا". أخرجه أحمد (4 /297). قلت: وشريك سيء الحفظ لا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف؟" انتهى.

قلت: كأن الشيخ لم يقف على رواية حاتم بن إسماعيل ويعلى ومحمد ابني عبيد الطنافسيين ويحيى بن عيسى الرملي، كلهم عن الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن شيخ من الأنصار عن أبي هريرة!

فهذه الرواية تعلّ رواية إسماعيل التي سمّى فيها هذا الشيخ!

والشيخ قليل الاطلاع على كتب العلل، وتصحيحه للأحاديث دون النظر فيها غالباً.

وقال الشيخ شعيب ورفاقه في التعليق على المسند (5/361): "حسن لغيره، وهذا سند ضعيف لجهالة أبي موسى؛ فإنه لم يروعنه غير سفيان، ولم يوثقه غير ابن حبان، وباقي رجاله ثقات رجال الشيخين... وأخرجه ابن أبي شيبة 12/336 عن وكيع، والبخاري معلقاً في "الكنى" ص70، وأبو داود (2859) من طريق يحيى بن سعيد القطان، والطبراني (11030) من طريق أبي نعيم، ثلاثتهم عن سفيان الثوري، به. وله شاهد حسن من حديث أبي هريرة سيأتي في "المسند" 2/371.وآخر عن البراء بنِ عازب مختصراً بلفظ: "من بدا جفا"، وهو في "المسند" أيضاً" انتهى.

قلت: حديث أبي هريرة معلول ولم يطلعوا على ذلك، وكذلك إسناد شريك وهم، فكيف يتقوى الحديث بذلك فيصير حسناً لغيره؟!! إن هذا لشيء عُجاب!!

وما يتعلق بمسالة السلطان أصله من مرسل عُبيد بن عُمير.

رواه هَنَّادُ بنُ السَّرِيِّ في «الزهد» (1/274) قال: حدثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنِ الْحَسَنِ بنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا ازْدَادَ رَجُلٌ مِنَ السُّلْطَانِ قُرْبًا إِلَّا ازْدَادَ مِنَ اللهِ بُعْدًا، وَلَا كَثُرَ أَتْبَاعُهُ إِلَّا كَثُرَتْ شَيَاطِينُهُ، وَلَا كَثُرَ مَالُهُ إِلَّا اشْتَدَّ حِسَابُهُ».

ورواه أبو نُعيم في «الحلية» (3/274) من طريق هنّاد بن السري.

وهذا مرسل ضعيف.

·       رواية شَريك وكلام البخاري والترمذي!

أخرج الإمام أحمد في «مسنده» (4/297) برقم (18642) قال: حدثنا عبداللَّهِ بن مُحَمَّدٍ - قال أبو عبدالرحمن ابن الإمام أحمد: وَسَمِعْتُهُ أنا من عبداللَّهِ بن مُحَمَّدِ بن أبي شَيْبَةَ - قال: حدثنا شَرِيكٌ، عَنِ الْحَسَنِ بن الْحَكَمِ بن عَدِيِّ بن ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «من بَدَا جَفَا».

ورواه أبو يعلى في «مسنده» (3/215) عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن شريك، به.

ورواه الترمذي في «العلل» (1/328) عن إسماعيل بن موسى، عن شريك بن عبدالله، به.

قال الترمذي: سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: "إنما يروي هذا الحسن بن الحكم عن عدي بن ثابت عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويقولون: عن أبي حازم عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم"، وكأنه يعد حديث شريك محفوظاً.

قلت: وهم الإمام البخاري فيما قاله عن الإسناد الثاني! فإنهم يروونه عن رجل من الأنصار عن أبي هريرة، فالمبهم هو الراوي عن الصحابي لا الصحابي، وعلى هذا الخطأ بنى الترمذي قوله بأن البخاري كأنه يعدّه محفوظاً؛ لأن الصحابي المبهم قد يكون هو البراء كما في حديث شريك! وهذا ليس بصحيح.

·       رواية أخرى لهذا الحديث عن ابن عبّاس!

روى العقيلي في ترجمة «يحيى بن صالح الأيلي» من «الضعفاء» (4/409) عنه عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من علق الصيد غفل، ومن لزم البادية يجفى، ومن لزم السلطان افتتن».

قال العقيلي: "يُروى بإسناد آخر فيه لين".

وقال عن يحيى بن صالح الأيلي:"يروي عن إسماعيل بن أمية عن عطاء أحاديث مناكير، أخشى أن تكون منقلبة، هو بعمر بن قيس أشبه منها".

·       الحديث الثاني:

أخرج الطبراني في «المعجم الكبير» (11/57) قال: حدثنا محمد بن عبداللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ، قال: حدثنا يحيى بن حَسَّانَ الْكُوفِيُّ، قال: حدثنا هِشَامُ بن سُلَيْمَانَ، عن سُفْيَانَ، عن أبي مُوسَى، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ - رَضِي اللَّهُ عنهما -قال: قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من أتى ذَا مَحْرَمٍ».

وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (4/72) عن عبدالله بن محمد بن جعفر، عن يحيى بن محمد مولى بني هاشم، عن يحيى بن حسان، به.

قال أبو نعيم: "غريب من حديث الثوري! تفرد به هشام، ولم نكتبه إلا من حديث يحيى بن حسان".

قلت: تفرد به سفيان الثوري عن أبي موسى اليماني، وهو مجهول.

·       الحديث الثالث:

أخرجه عَبْدُاللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ بن حيّان المعروف بأبي الشّيخ في «طبقات المحدثين بأصبهان» (3/143) في ترجمة «عمرو بن سعيد الجمال، يكنى أبا حفص، توفي سنة تسع وستين ومائتين»، قال: حدثنا أبو صالح الوراق، قال: حدثنا عمرو بن سعيد الجمال - وكان يوثق - قال: حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ، قَالَ: حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْيَمَانِيِّ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُعِثْتُ مَلْحَمَةً ومَرْحَمَةً، وَلَمْ أُبْعَثْ تَاجِرًا وَلَا زَارِعًا، أَلَا وَإِنَّ شِرَارَ هَذِهِ الْأُمَّةِ التُّجَّارُ وَالزَّرَّاِعُونَ، إِلَّا مَنْ شَحَّ عَلَى دِينهِ».

قال أبو الشيخ: "رواه الحسين عن سفيان عن رجل عن الضحاك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه إبراهيم بن راشد الآدمي على ما رواه عمرو بن سعيد".

وأخرجه أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (1/457) عن أبي الشيخ، به.

وأخرجه أيضاً في «الحلية» (4/72) عن أبي الشيخ كذلك.

وجاء في المطبوع: "حَدَّثَنَا عَبْدُاللهِ بنُ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، قَالَ: حدثنا الْحُسَيْنُ بنُ حَفْصٍ، قَالَ: حدثنا سُفْيَانُ...: إِلَّا مَنْ شَحَّ عَلَى نَفْسِهِ».

فسقط من الإسناد: "حدثنا أبو صالح الوراق، قال: حدثنا عمرو بن سعيد الجمال - وكان يوثق -". وجاء في آخره: "على نفسه"، والصواب: "على دينه".

قال أبو نعيم بعد أن أخرجه في «الحلية»: "هذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ! تَفَرَّدَ بِهِ الحسين".

قلت: أشار أبو الشيخ إلى أن الحسين قد أخطأ في إسناده! والمحفوظ عن الضحاك مرسلاً.

أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار - مسند عليّ» (3/57) قال: حدثنا عمرو بن عبدالحميد الآملي، قال: حدثنا مروان بن معاوية، عن مغيرة بن مسلم، عن أبي الأسود نصير القصاب، عن الضحاك بن مزاحم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني نبياً برحمة وملحمة، ولم يبعثني تاجراً ولا زراعاً، وإن شرار هذه الأمة: التجار والزراعون إلا من شح على دينه». قال: "ويعني بالملحمة: القتال".

وقد روي عن الضحاك عن ابن عباس مرفوعاً، ولا يصح.

رواه ابن عدي في «الكامل» (3/312) من طريق سلام بن سليمان بن سوار الثقفي المدائني الضرير - وهو منكر الحديث - قال: حدثنا حمزة الزيات، عن الأجلح، عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عدي: وهذا عن حمزة غير محفوظ".

الحديث الرابع:

أخرج الإمام أحمد في «المسند» (1/322) برقم (2967) قال: حدثنا يحيى بن آدَمَ، قال: حدثنا أبو بَكْرِ بن عَيَّاشٍ، عن إِدْرِيسِ بن مُنَبِّهٍ، عن أبيه وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، قال: «سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم جِبْرِيلَ أَنْ يَرَاهُ في صُورَتِهِ، فقال: ادْعُ رَبَّكَ، قال: فَدَعَا رَبَّهُ، قال: فَطَلَعَ عليه سَوَادٌ من قِبَلِ الْمَشْرِقِ، قال: فَجَعَلَ يَرْتَفِعُ وَيَنْتَشِرُ، قال: فلما رَآهُ النبي صلى الله عليه وسلم صَعِقَ فأتاه فَنَعَشَهُ، وَمَسَحَ الْبُزَاقَ عن شِدْقهِ».

وأخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/57) عن عَبْدالله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، به.

ورواه الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/471) من طريق علي بن المديني، عن يحيى بن آدم، به.

قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (8/257): "رواه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات".

قلت: بل هو منكرٌ! وقد ذكره ابن عدي في منكرات إدريس من ترجمته في «الكامل» (1/366)، وقال: "إدريس بن سنان ليس له كبير رواية، وأحاديثه معدودة، وأرجو أنه من الضعفاء الذين يكتب حديثهم".

قلت: وقد نسبه أبو بكر بن عياش إلى وهب، وهو ابن بنت وهب بن منبه. وهو متروك الحديث.

·       الحديث الخامس:

أخرج الطبراني في «المعجم الكبير» (11/57) قال: حدثنا حَجَّاجُ بن عِمْرَانَ السَّدُوسِيُّ، قال: حدثنا عَمْرُو بن الْحُصَيْنِ الْعُقَيْلِيُّ، قال: حدثنا محمد بن عبداللَّهِ بن عُلاثَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بن أَبَانَ، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم: «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ إذا احْتُضِرَ فَرَمَى بِبَصَرِهِ عن يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فلم يَرَ إِلا غَرِيبًا وَذَكَرَ أَهْلَهُ وَوَلَدَهُ وَتَنَفَّسَ فَلَهُ بِكُلِّ نَفَسٍ يتنفسه يَمْحُو اللَّهُ أَلْفَيْ أَلْفِ سَيِّئَةٍ وَيَكْتُبُ له أَلْفَيْ أَلْفِ حَسَنَةٍ».

قلت: هذا منكرٌ، وعَمْرُو بن الْحُصَيْنِ مَتْرُوكٌ.

ورُوي عن طَاوُسٍ مُرْسَلًا من حديث الحكم بن أبان عن وهب، وهو الصواب.

رواه العقيلي في «الضعفاء» (4/365) من طريق معلّى بن أسد العمي، قال: حدثنا هذيل بن الحكم الأزدي، قال: حدثنا الحكم بن أبان، عن وهب، عن طاوس اليماني يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «موت الغريب شهادة».

قال العقيلي: "هذيل بن الحكم الأزدي أبو المنذر: لا يقيم الحديث".

ثم نقل عن البخاري قال: "هذيل بن الحكم الأزدي أبو المنذر: منكر الحديث".

ثم ساق له من طريق محمد بن كَثِيرٍ الْعَبْدِيّ، قال: حدثنا الْهُذَيْلُ بن الْحَكَمِ أبو المنذر، قال: حدثنا عبدالْعَزِيزِ بن أبي رَوَّادٍ، عن عِكْرِمَةَ، عَنِ ابن عَبَّاسٍ، قال: قال رسول صلى اللَّهُ عليه وسلم: «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ».

قال العقيلي: "حديث معلى أولى".

وهذا الحديث يُعرف بالهذيل بن الحكم السرخسي، وقد سرقه منه إبراهيم بن بكر أبو إسحاق الكوفي الأعور (انظر الكامل لابن عدي: 1/257).

قال ابن عدي في ترجمة الهذيل: "والهذيل بن الحكم يعرف بهذا الحديث".

قال ابن الجنيد في «سؤالاته» لابن معين (ص327): سألت يحيى بن معين عن الهذيل بن الحكم، فقال: "قد رأيته بالبصرة، وكتبت عنه، ولم يكن به بأس"، قلت: ما روى عن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (موت الغريب شهادة)؟ قال يحيى: "هذا حديثه الذي كان يُسأل عنه، ليس هذا الحديث بشيء، هذا حديث منكر".

وقد رواه ابن صدران عن الهذيل فجعله من مسند ابن عمر!!

رواه ابن عدي في «الكامل» قال: حَدَّثَنَا مُحَمد بنُ الْحُسَيْنِ بنِ شهريار، قال: حَدَّثَنا مُحَمد بنُ صَدْرَانَ، قال: حَدَّثَنا الهذيل بن الحكم، قال: حَدَّثَنا عَبدالْعَزِيزِ بنِ أَبِي رَوَّاد، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَر، قَال: قَال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَوْتُ الْغَرِيبِ شَهَادَةٌ».

قال: "هكذا قَالَ ابن شهريار: الهذيل بن الحكم عن عَبدالْعَزِيزِ بنِ أَبِي رَوَّاد، عَنْ نَافِعٍ، عنِ ابنِ عُمَر، وقد أمليت، عَن أَبِي بَكْر بن أبي شيبة، وابن مُوسَى والربالي وعبدة، وابن أَبَان على الصواب، وإِنَّما هو كما رووه، عنِ ابن أبي رَوَّاد، عن عِكرمَة، عنِ ابن عَبَّاس، فلَا أَدْرِي [من أَخطَأ فِي جعله عَن نَافِع عَن ابن عمر!].

قَالَ لنا ابن شهريار، عنِ ابن صدران، فَقَالَ: عن نَافِع، عنِ ابن عُمَر، هو أخطأ فيه، وابن صدران هكذا حدث بِهِ".

وقد سُئِل الدارقطني في «العلل» رقم (2794) عن ما يُروى عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قال: موت الغريب شهادة؟

فقال: "يرويه عَبْدِالْعَزِيزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فرواه هذيل بن الحكم، واختلف عنه؛ حدث به يوسف بن محمد العطار، عن عمرو بن علي، عن هذيل بن الحكم، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ نافع، عن ابن عمر.

والصحيح ما حدثناه إسماعيل الوراق، قال: حدثنا حفص بن عمرو، وعمر بن شبة، قالا: حدثنا الهذيل بن الحكم، عَنْ عَبْدِالْعَزِيزِ بنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ عكرمة، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم، قال: موت الغريب شهادة".

قال ابن حجر في «التلخيص الحبير» (2/141): "وَذَكَرَ الدَّارَقُطْنِيُّ في الْعِلَلِ الْخِلَافَ فيه على الْهُذَيْلِ هذا، وَصَحَّحَ قَوْلَ من قال: عن الْهُذَيْلِ عن عبدالْعَزِيزِ عن نَافِعٍ عن ابن عُمَرَ، وَاغْتَرَّ عبدالْحَقِّ بهذا وَادَّعَى أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ صَحَّحَهُ من حديث ابن عُمَرَ وَتَعَقَّبَهُ ابن الْقَطَّانِ فَأَجَادَ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ في الْأَفْرَادِ وَالْبَزَّارُ من وَجْهٍ آخَرَ عن عِكْرِمَةَ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ أَيْضًا، تَفَرَّدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بن بَكْرٍ الشَّيْبَانِيُّ عن عُمَرَ بن ذَرٍّ عن عِكْرِمَةَ، قال ابن عَدِيٍّ: كان إبْرَاهِيمُ هذا يَسْرِقُ الحديث وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ سَرَقَهُ من الْهُذَيْلِ.. وقال ابن الْجَوْزِيِّ في الْعِلَلِ: هذا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ، قال أَحْمَدُ بن حَنْبَلٍ: هو حَدِيثٌ مُنْكَرٌ".

قلت: وهم ابن حجر في قوله إن الدارقطني صحح قول من قال: عن الهذيل عن عبدالعزيز عن نافع عن ابن عمر!! بل صحح طريق ابن عباس، وهذا لا يعني تصحيحه للحديث؛ وإنما تصحيح الطريق التي ذكر فيها ابن عباس فقط.

قال عبدالحقّ الإشبيلي في «كتاب الأحكام» حول ما ذكره الدارقطني: "ذكره فِي كتاب الْعِلَل من حَدِيث ابن عمر وَصَححهُ".

فتعقبه ابن القطان في «بيان الوهم والإيهام»: "وَيَنْبَغِي أَن نشرحه، فقد رَأَيْته مُفْسِدا فِي بعض النّسخ، وَذَلِكَ أَن الدَّارَقُطْنِيّ لم يَجْعَل فِي كتاب الْعِلَل لِابنِ عَبَّاس رسماً، وَلَا ذكر من حَدِيثه إِلَّا مَا عرض فِي بَاب غَيره من الصَّحَابَة، إِمَّا لم يبلغهُ عمله وَإِمَّا لم يتَحَصَّل عِنْده مَا يضع فِي الْكتاب الْمَذْكُور، فَهَذَا الحَدِيث إِنَّمَا عرض لَهُ ذكره فِي حَدِيث ابْن عمر هَكَذَا:

قَالَ: وَسُئِلَ عَن حَدِيث يرْوى عَن نَافِع، عَن ابن عمر، عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قَالَ: "موت الْغَرِيب شَهَادَة"؟ فَقَالَ: يرويهِ عبدالْعَزِيز بن أبي رواد، وَاخْتلف عَنهُ، فَرَوَاهُ هُذَيْل بن الحكم، وَاخْتلف عَنهُ، حدث بِهِ يُوسُف بن مُحَمَّد الْعَطَّار، عَن مَحْمُود بن عَليّ، عَن هُذَيْل بن الحكم، عَن عبدالْعَزِيز بن أبي رواد، عَن نَافِع، عَن ابن عمر.

وَالصَّحِيح مَا حدّثنَاهُ إِسْمَاعِيل الْوراق، حَدثنَا حَفْص بن عمر وَعمر بن شبة، قَالَا: حَدثنَا الْهُذيْل بن الحكم، عَن عبدالْعَزِيز بن أبي رواد، عَن عِكْرِمَة عَن ابن عَبَّاس، أَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قَالَ: "موت الْغَرِيب شَهَادَة" انْتهى مَا ذكر الدَّارَقُطْنِيّ.

وَلَيْسَ فِيهِ تَصْحِيح للْحَدِيث، لَا من رِوَايَة ابن عمر وَلَا من رِوَايَة ابن عَبَّاس، وَإِنَّمَا فِيهِ تَصْحِيحه عَن هُذَيْل بن الحكم وَمن طَرِيق ابن عَبَّاس، لَا من طَرِيق ابن عمر، وَهُوَ إِذْ قَالَ: الصَّحِيح عَن هُذَيْل بن الحكم أَنه عِنْده عَن ابن عَبَّاس لَا عَن ابن عمر، بِمَثَابَة مَا لَو قَالَ: الصَّحِيح عَن ابن لَهِيعَة، أَو عَن مُحَمَّد بن سعيد المصلوب، أَو عَن الْوَاقِدِيّ، فَإِن ذَلِك لَا يقْضِي بِصِحَّة مَا رووا، لَكِن مَا روى عَنْهُم.

وَإِنَّمَا سلك الدَّارَقُطْنِيّ سَبِيل غَيره من ذكر الْخلاف على هُذَيْل بن الحكم، وترجيح بعض مَا رُوِيَ عَنهُ على بعض.

كَذَلِك فعل أَيْضاً أَبُو أَحْمد بن عدي...

ثمَّ نقُول - بعد هذَا - إِن الحَدِيث الْمَذْكُور لَا يُمكن أَن يُصَحِّحهُ لَا الدَّارَقُطْنِيّ ولا غَيره، لِأَن أَبَا الْمُنْذر: هُذَيْل بن الحكم هَذَا ضَعِيف.

قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ: مُنكر الحَدِيث. وهُوَ الْقَائِل عَن نَفسه فِي كِتَابه الْأَوْسَط: "كل من قلت فِيهِ مُنكر الحَدِيث فَلَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ".

وَقد جعله فِي جملَة الضُّعَفَاء جمَاعَة: أشهرهم أَبُو جَعْفَر الْعقيلِيّ، وَزَاد أَنه لا يقيم الحَدِيث.

وَقَالَ أَبُو حَاتِم البستي فِي كِتَابه: هُوَ مُنكر الحَدِيث جداً.

وَإِنَّمَا اعترى أَبَا مُحَمَّد فِيهِ أحد أَمريْن:

إِمَّا أَن يكون لم يتثبت فِي كَلَام الدَّارَقُطْنِيّ: "وَالصَّحِيح مَا حدّثنَاهُ فلَان"، فاعتقده تَصْحِيحا للْحَدِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا اعْتقد فِي قَول البُخَارِيّ فِي الحَدِيث الَّذِي قبل هذَا.

وَإِمَّا أَن يكون بحث بحثا غير مُسْتَوْفِي، فَوجدَ أَبَا مُحَمَّد بن أبي حَاتِم، وَهُوَ ملجؤه دائباً - قد ذكر هذَا الرجل بِرِوَايَة من فَوق وَمن أَسْفَل، وَأَهْمَلَهُ من الْجرْح وَالتَّعْدِيل.

فَحمل الْأَمر على مَا عهد مِنْهُ فِيمَن روى عَنهُ أَكثر من وَاحِد وَلم يجرح، أَنه تقبل رواياته، فصحح الحَدِيث كَمَا فهم عَن الدَّارَقُطْنِيّ.

وَأَبُو مُحَمَّد بن أبي حَاتِم إِنَّمَا هَؤُلَاءِ عِنْده مَجَاهِيل الْأَحْوَال، بذلك أخبر عَن نَفسه، فَإِذن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح وَلَا صَححهُ الدَّارَقُطْنِيّ" انتهى.

·       الحديث السادس:

أخرج أبو نُعيم في «الحلية» (4/72) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ الْعَبَّاسِ بنِ أَيُّوبَ، قَالَ: حدثنا الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ، قَالَ: حدثنا الْوَلِيدُ بنُ الْفَضْلِ الْعَنَزِيُّ، قَالَ: حدثنا عَبْدُاللهِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ رِجَالًا إِلَى الْبُلْدَانِ يَدْعُونَ النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَوْ بَعَثْتَ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لَا غِنًى بِي عَنْهُمَا، إِنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ مِنَ الْإِسْلَامِ بِمَنْزِلَةِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنَ الْإِنْسَانِ».

قال أبو نعيم: "كَذَا قَالَ الْحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ: عَبْدُاللهِ بنُ إِدْرِيسَ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُالْمُنْعِمِ بنُ إِدْرِيسَ. وَالْحَدِيثُ غَرِيبٌ، تَفَرَّدَ بِهِ الوَلِيدُ بنُ الْفَضْلِ عَنْهُ!".

قلت: عبدالمنعم بن إدريس لم يسمع من أبيه وهو ذاهب الحديث، متهم بالوضع على أبيه، وكان يكذب.

قال إسماعيل بن عبدالكريم الصنعاني: "مات أبو عبدالمنعم عندنا باليمن، وعبدالمنعم يومئذ رضيع" (الجرح والتعديل: 6/67).

·       الحديث السابع:

أخرج أبو نُعيم في «الحلية» (4/73) قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: حدثنا عَبْدُالْمُنْعِمِ بنُ إِدْرِيسَ بنِ سِنَانٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِاللهِ، وَابنِ عَبَّاسٍ قَالَا: لَمَّا نَزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جِبْرِيلُ، نَفْسِي قَدْ نُعِيَتْ». قَالَ جِبْرِيلُ: الْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى. فَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَالًا أَنْ يُنَادِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً، فَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ إِلَى مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَلَّى النَّاسُ ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَطَبَ خُطْبَةً وَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، وَبَكَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، ثُمَّ قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، أَيُّ نَبِيٍّ كُنْتُ لَكُمْ؟» قَالُوا: جَزَاكَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ خَيْرًا، فَلَقَدْ كُنْتَ لَنَا كَالْأَبِ الرَّحِيمِ، وَكَالْأَخِ النَّاصِحِ الْمُشْفِقِ، أَدَّيْتَ رِسَالَاتِ اللهِ، وَأَبْلَغْتَنَا وَحَيْهُ، وَدَعَوْتَ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ، فَجَزَاكَ اللهُ عَنَّا أَفْضَلَ مَا جَزَى نَبِيًّا عَنْ أُمَّتِهِ. فَقَالَ لَهُمْ: «مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، أَنَا أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ وَبِحَقِّي عَلَيْكُمْ، مَنْ كَانَتْ لَهُ قِبَلِي مَظْلَمَةٌ فَلْيَقُمْ فَلْيَقْتَصَّ مِنِّي قَبْلَ الْقِصَاصِ فِي الْقِيَامَةِ»، فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَنَاشَدَهُمُ الثَّانِيَةَ، فَلَمْ يَقُمْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَنَاشَدَهُمُ الثَّالِثَةَ: «مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ، مَنْ كَانَتْ لَهُ قِبَلِي مَظْلَمَةٌ فَلْيَقُمْ فَلْيَقْتَصَّ مِنِّي قَبْلَ الْقِصَاصِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، فَقَامَ مِنْ بَيْنِ الْمُسْلِمِينَ شَيْخٌ كَبِيرٌ يُقَالُ لَهُ عُكَّاشَةُ، فَتَخَطَّى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى وَقَفَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، لَوْلَا أَنَّكَ نَاشَدْتَنَا مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَا كُنْتُ بِالَّذِي أَتَقَدَّمُ عَلَى شَيْءٍ مِنْكَ، كُنْتُ مَعَكَ فِي غَزَاةٍ فَلَمَّا فَتَحَ اللهُ عَلَيْنَا وَنَصَرَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا فِي الِانْصِرَافِ حَاذَتْ نَاقَتِي نَاقَتَكَ فَنَزَلْتُ عَنِ النَّاقَةِ وَدَنَوْتُ مِنْكَ لِأُقَبِّلَ فَخِذَكَ، فَرَفَعْتَ الْقَضِيبَ فَضَرَبْتَ خَاصِرَتِي، فَلَا أَدْرِي أَكَانَ عَمْدًا مِنْكَ أَمْ أَرَدْتَ ضَرْبَ النَّاقَةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عُكَاشَةَ، أُعِيذُكَ بِجِلَالِ اللهِ أَنْ يَتَعَمَّدَكَ رَسُولُ اللهِ بِالضَّرْبِ، يَا بِلَالُ انْطَلِقْ إِلَى مَنْزِلِ فَاطِمَةَ وَائْتِنِي بِالْقَضِيبِ الْمَمْشُوقِ». فَخَرَجَ بِلَالٌ مِنَ الْمَسْجِدِ وَيَدُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ وَهُوَ يُنَادِي: هَذَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهِ، فَقَرَعَ الْبَابَ عَلَى فَاطِمَةَ، فَقَالَ: يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ، نَاوِلِينِي الْقَضِيبَ الْمَمْشُوقَ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا بِلَالُ، وَمَا يَصْنَعُ أَبِي بِالْقَضِيبِ وَلَيْسَ هَذَا يَوْمَ حَجٍّ، وَلَا يَوْمَ غَزَاةٍ؟ فَقَالَ: يَا فَاطِمَةُ مَا أَغْفَلَكِ عَمَّا فِيهِ أَبُوكِ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَدِّعُ الدِّينَ، وَيُفَارِقُ الدُّنْيَا، وَيُعْطِي الْقِصَاصَ مِنْ نَفْسِهِ. فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا بِلَالُ وَمَنِ الَّذِي تَطِيبُ نَفْسُهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ؟ يَا بِلَالُ، إِذًا فَقُلْ لِلْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ يَقُومَانِ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَيَقْتَصُّ مِنْهُمَا وَلَا يَدَعَانِهِ يَقْتَصُّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ... الحديث بطوله!!

قلت: هذا حديث باطلٌ منكرٌ موضوع!! والمتهم به عبدالمنعم بن إدريس ابن ابنة وهب بن منبّه.

·       الحديث الثامن:

أخرج البيهقي في «شُعب الإيمان» (7/229) عن أبي عبدالله الحافظ، قال: أخبرني عَلِيُّ بنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، قال: حدثنَا مُحَمَّدُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الْبُوشَنْجِيُّ، قال: حدثنَا عَبْدُالْمُنْعِمِ بنُ إِدْرِيسَ ابنُ ابْنَةِ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُاللهِ بنُ عَبَّاسٍ: "مَا مِنْ مُؤْمِنٍ تَقِيٍّ يَحْبِسُ اللهُ عَنْهُ الدُّنْيَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ فِي ذَلِكَ رَاضٍ عَنِ اللهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جَزَعٍ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ".

قلت: عبدالمنعم بن إدريس لم يسمع من أبيه وهو ذاهب الحديث، متهم بالوضع، يكذب.

·       الحديث التاسع:

أخرج الحاكم في «المستدرك» (2/597) قال: أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الْبَرَاءِ، قال: حدثنا عَبْدُالْمُنْعِمِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، قَالَ: ذَكَرَ الْحَسَنُ بنُ أَبِي الْحَسَنِ عَنْ سَبْعَةِ رَهْطٍ شَهِدُوا بَدْرًا، قَالَ وَهْبٌ: وَقَدْ حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ كُلُّهُمْ رَفَعُوا الْحَدِيثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَدْعُو نُوحًا وَقَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوَّلَ النَّاسِ، فَيَقُولُ: مَاذَا أَجَبْتُمْ نُوحًا؟ فَيَقُولُونَ: مَا دَعَانَا وَمَا بَلَّغَنَا وَلَا نَصَحَنَا وَلَا أَمَرَنَا وَلَا نَهَانَا، فَيَقُولُ نُوحٌ: دَعَوْتُهُمْ يَا رَبِّ دُعَاءً فَاشِيًا فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ أُمَّةً بَعْدَ أُمَّةٍ حَتَّى انْتَهَى إِلَى خَاتَمِ النَّبِيِّينَ أَحْمَدَ فَانْتَسَخَهُ وَقَرَأَهُ وَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ فَيَقُولُ اللَّهُ لِلْمَلَائِكَةِ: ادْعُوا أَحْمَدَ وَأُمَّتَهُ، فَيَأْتِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُ نُوحٌ لِمُحَمَّدٍ وَأُمَّتِهِ: هَلْ تَعْلَمُونَ أَنِّي بَلَّغْتُ قَوْمِي الرِّسَالَةَ وَاجْتَهَدْتُ لَهُمْ بِالنَّصِيحَةِ، وَجَهِدْتُ أَنْ أَسْتَنْقِذَهُمْ مِنَ النَّارِ سِرًّا وَجِهَارًا، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَّتُهُ: «فَإِنَّا نَشْهَدُ بِمَا نَشَدْتَنَا بِهِ أَنَّكَ فِي جَمِيعِ مَا قُلْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ». فَيَقُولُ قَوْمُ نُوحٍ: وَأَيْنَ عَلِمْتَ هَذَا يَا أَحْمَدُ أَنْتَ وَأُمَّتُكَ وَنَحْنُ أَوَّلُ الْأُمَمِ وَأَنْتَ وَأُمَّتُكَ آخِرُ الْأُمَمِ؟ فَيَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [نوح:1] قَرَأَ السُّورَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، فَإِذَا خَتَمَهَا قَالَتْ أُمَّتُهُ نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عِنْدَ ذَلِكَ: «امْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ فَهُمْ أَوَّلُ مَنْ يَمْتَازُ فِي النَّارِ».

قال الحافظ الذهبي في «تلخيص المستدرك»: "إسناده واهٍ".

قلت: العجب من الحاكم يورده في استدراكه على الصحيحين وإسناده هالك كما قال الإمام الذهبي، وعبدالمنعم بن إدريس متهم بالوضع على أبيه، وهو هالك.

والحاكم نفسه بعد أن ساق أخبار يوسف عليه الصلاة والسلام أشار إلى عجائب وهب بن منبه!

قال (2/625): "قد اختصرت من أخبار يوسف عليه الصلاة والسلام ما صح إليه الطريق، ولو أخذت في عجائب وهب بن منبه وأبي عبدالله الواقدي لطالت الترجمة بها".

·       الحديث العاشر:

أخرج الحاكم في «المستدرك» (2/652) قال: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بنُ مُحَمَّدٍ الْإسْفَرَايِينِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الْبَرَاءِ، قال: حدثنا عَبْدُالْمُنْعِمِ بنُ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-:«أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ جَالِسٍ عِنْدَهُ وَهُوَ يُحَدِّثُ أَصْحَابَهُ: ادْنُ مِنِّي فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَبْقَاكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا أُحْسِنُ أَنْ أَسْأَلَكَ كَمَا سَأَلَ هَؤُلَاءِ، فَقَالَ: ادْنُ مِنِّي فَأُحَدِّثُكَ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ فِي كِتَابِ اللَّهِ أُحَدِّثُكَ عَنْ آدَمَ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا حَرَّاثًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا نَجَّارًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا خَيَّاطًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ دَاوُدَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا زَرَّادًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ مُوسَى أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا رَاعِيًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا زَرَّاعًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ صَالِحٍ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا تَاجِرًا، وَأُحَدِّثُكَ عَنْ سُلَيْمَانَ أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَكَانَ يَصُومُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ سِتَّةَ أَيَّامٍ وَفِي وَسَطِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَفِي آخِرِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَكَانَتْ لَهُ تِسْعُ مِائَةِ سَرِيَّةٍ، وَثَلَاثُ مِائَةِ فِهْرِيَّةٍ وَأُحَدِّثُكَ عَنِ ابْنِ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ أَنَّهُ كَانَ لَا يَخْبَأُ شَيْئًا لِغَدٍ وَيَقُولُ: الَّذِي غَدَّانِي سَوْفَ يُعَشِّينِي وَالَّذِي عَشَّانِي سَوْفَ يُغَدِّينِي، يَعْبُدُ اللَّهَ لَيْلَةً كُلَّهَا يُصَلِّي حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَهُوَ بِالنَّهَارِ سَائِحٌ، وَيَصُومُ الدَّهْرَ كُلَّهُ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ كُلَّهُ، " وَأُحَدِّثُكَ عَنِ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَرْعَى غَنْمَ أَهْلِ بَيْتِهِ بِأَجْيَادَ، وَكَانَ يَصُومُ فَنَقُولُ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ فَنَقُولُ: لَا يَصُومُ، وَكُلُّهَا مَا رَأَيْنَاهُ صَائِمًا وَيَصُومُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَكَانَ أَلْيَنَ النَّاسِ جَنَاحًا وَأَطْيَبَهُمْ خَبَرًا، وَأَطْوَلَهُمْ عِلْمًا"، وَأُخْبِرُكَ عَنْ حَوَّاءَ أَنَّهَا كَانَتْ تَغْزِلُ الشَّعْرَ فَتُحَوِّلُهُ بِيَدِهَا فَتَكْسُو نَفْسَهَا وَوَلَدَهَا، وَأَنَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ كَانَتْ تَصْنَعُ ذَلِكَ».

قلت: هذا منكر موضوع! والمتهم به هو عبدالمنعم.

والخلاصة: أنه لم يصح أي حديث عن وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَنِ ابن عَبَّاسٍ، ولم يثبت أنه لقي ابن عباس أو سمع منه، فمن أبى أن يكون حديث عدن أبين معلولاً بتفرد "المنذر بن النعمان الأفطس"، فيضاف إلى تعليل الإسناد الانقطاع بين وهب وابن عباس كما أعله بذلك الشيخ طارق عوض الله في تحقيقه للمنتخب من علل الخلال.

ووهب لم يلق جابر بن عبدالله كما قال ابن معين، وأشار إلى أن روايته عنه صحيفة، وقد جمعت تلك الصحيفة في موضع آخر فتبين لي أنها منقطعة بينهما، وهذا يؤيد رأي ابن معين، وما جاء في بعض الأحاديث أنه سمع منه فلا تصح.

وجابر - رضي الله عنه - توفي في حدود سنة (70هـ)، وابن عباس - رضي الله عنهما - توفي سنة (68هـ)، وكلاهما مكيّ.

وقد يزعم البعض أنه لا مانع من أن يلق وهب ابن عباس وجابر بن عبدالله في موسم الحج، وهذا لا يُنكر، ولكنه لم يثبت، والظاهر أن وهب بن منبه لم يحجّ في حياتهما، وكأنه حجّ أول مرة في سنة (100هـ)، ولهذا لا نجد له رواية صحيحة عن الصحابة؛ لأنه حجّ بعد وفاتهم - رضي الله عنهم -، والله أعلم.

قال أحمد بن حنبل: حدثنا عبدالرزاق قال: سمعت أبي يقول: "حجّ عامة الفقهاء سنة مائة، وحج وهب، فلما صلوا العشاء أراد نفر فيهم عطاء والحسن بن أبي الحسن وهم يريدون أن يذاكروه القدر، قال: فأفتى في باب من الحمد فما زال فيه حتى طلع الفجر فافترقوا ولم يسألوه عن شيء"، قال أحمد: "وكان يتهم بشيء من القدر، ورجع" (تاريخ مدينة دمشق: 63/385).

وكان وهب يرسل أخاه هماماً ليشتري له الكتب الإسرائيلية.

قال الميموني عن أحمد: "كان - يعني همام بن منبه - يغزو، وكان يشتري الكتب لأخيه وهب، فجالس أبا هريرة، فسمع منه أحاديث وهي نحو من أربعين ومائة حديث بإسناد واحد".

·       رواية وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَن عبدالله بن عمرو بن العاص:

أخرج عبدالرزاق في «مصنفه» (3/356) قال: أخبرنا مَعْمَرٌ، عن سِمَاكِ بن الْفَضْلِ، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عن عبداللَّهِ بن عَمْرٍو: «أَنَّهُ سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم: في كَمْ يُقْرَأُ الْقُرْآنُ؟ قال: في أَرْبَعِينَ، قال: فإني أطيق أكثر من ذلك، قال: في شَهْرٍ، قال: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: في خَمْسَ عَشْرَةَ، ثُمَّ قال: في عَشْرٍ، ثُمَّ قال: في سَبْعٍ، لم يَنْزِلْ من سَبْعٍ».

ورواه أبو داود في «السنن»، أَبْوَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَحْزِيبِهِ وَتَرْتِيلِهِ، بَاب تَحْزِيبِ الْقُرْآنِ، (2/56)، والنسائي في «السنن الكبرى» (5/25) عن نُوح بن حَبِيبٍ، قال: أخبرنا عبدالرَّزَّاقِ، به.

قال النسائي: "لم يسمعه وهب من عبدالله بن عمرو".

ثم قال: أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّا بنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ عُبَيْدِ بنِ حِسَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بنِ الْفَضْلِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَ بِحَدِيثِ عَبْدِاللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْ يَقْرَأَ فِي أَرْبَعِينَ، ثُمَّ فِي شَهْرٍ، ثُمَّ فِي عِشْرِينَ، ثُمَّ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي عَشْرٍ، ثُمَّ فِي سَبْعٍ» قَالَ: «انْتَهَى إِلَى سَبْعٍ».

قلت: أراد النسائي أن يبين أن هذا الحديث سمعه وهب من عمرو بن شعيب ولم يسمع من عبدالله بن عمرو.

·       رواية وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَن معاذ بن جبل:

أخرج الفاكهي في «أخبار مكة» (2/286) قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بنُ أَبِي مُقَاتِلٍ الْبَلْخِيُّ قَالَ: حدثنا أَبُو عَمَّارٍ، قَالَ: حدثنا عَبْدُالرَّحْمَنِ بنُ زَيْدٍ الْعَمِّيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أَعَدَّ قَوْسًا فِي الْحَرَمِ لِيُقَاتِلَ بِهِ عَدُوَّ الْكَعْبَةِ كُتِبَ لَهُ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفُ أَلْفُ حَسَنَةٍ حَتَّى يَحْضُرَ الْعَدُوُّ».

قلت: كذا فيه: "عبدالرحمن بن زيد"!

قال عبّاس الدوري كما في روايته لـ«تاريخ ابن معين» (4/217): سمعت يحيى يقول: "عبدالرحمن بن زيد العمي: ليس بشيء".

وأخرجه أبو نُعيم في «الحلية» (4/80) قال: حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرِو بنُ حَمْدَانَ، قَالَ: حدثنا الْحَسَنُ بنُ سُفْيَانَ، قَالَ: حدثنا أَبُو عَمَّارٍ، قَالَ: حدثنا عَبْدُالرَّحِيمِ بنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، به.

قلت: عبدالرحيم بن زيد كذّاب متروك.

قال البخاري في «الضعفاء الصغير» (ص77): "عبدالرحيم بن زيد العمي أبو زيد البصري عن أبيه تركوه".

وقال النسائي في «الضعفاء» (ص68): "عبدالرحيم بن زيد العمي: متروك".

وأخرج ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/568) من طريق سويد بن سعيد، قال: حدثنا عبدالرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحيا الليالي الأربع وجبت له الجنة: ليلة التروية وليلة عرفة وليلة النحر وليلة الفطر».

قال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح. قال يحيى: عبدالرحيم كذاب، وقال النسائي: متروك الحديث".

·       رواية وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَن أبي هريرة:

أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط» (8/382) قال: حَدَّثَنَا مِقْدَامٌ، قال: حدثنا أَسَدُ بنُ مُوسَى، قال: حدثنا يُوسُفُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِالْمُنْعِمِ بْنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ، عَنْ جَدِّهِ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْيَهُودِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، هَلِ احْتَجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ خَلْقِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ؟ قَالَ: «نَعَمْ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ حَوْلَ الْعَرْشِ سَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نَارٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ نُورٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ ظُلْمَةٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ رَفَارِفِ الْإِسْتَبْرَقِ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ رَفَارَفِ السُّنْدُسِ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ دُرٍّ أَبْيَضَ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ دُرٍّ أَحْمَرَ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ دُرٍّ أَصْفَرَ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ دُرٍّ أَخْضَرَ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ ضِيَاءٍ اسْتَضَاءَهَا مِنَ النَّارِ وَالنُّورِ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ ثَلْجٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ مَاءٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ غَمَامٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ بَرَدٍ، وَسَبْعُونَ حِجَابًا مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ الَّتِي لَا تُوصَفُ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ مُلْكِ اللَّهِ الَّذِي يَلِيهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصَدَقْتُ فِيمَا أَخْبَرْتُكَ يَا يَهُودِيُّ؟» قَالَ: نَعَمْ قَالَ: «فَإِنَّ الْمَلَكَ الَّذِي يَلِيهِ إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ جِبْرِيلُ، ثُمَّ مِيكَائِيلُ، ثُمَّ مَلَكُ الْمَوْتِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ».

قال الطبراني: "لا يُرْوَى هذَا الْحَدِيثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ، تَفَرَّدَ بِهِ: أَسَدٌ".

وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (4/80) قال: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ– هو الطبراني-، قَالَ: حدثنا الْمِقْدَامُ، عن مُحَمَّدِ بنِ أَحْمَدَ بنِ الْبَرَاءِ، قَالَ: حدثنا عَبْدُالْمُنْعِمِ بنِ إِدْرِيسَ[ح].

وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بنُ أَحْمَدَ، قَالَ: حدثنا الْمِقْدَامُ بنُ دَاوُدَ، قَالَ: حدثنا أَسَدُ بنُ مُوسَى، قَالَ: حدثنا يُوسُفُ بنُ زِيَادٍ، عَنْ عَبْدِالْمُنْعِمِ بنِ إِدْرِيسَ، عَنْ أَبِيهِ إِدْرِيسَ، به.

قال ابن الجوزي في «الموضوعات»: "هذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُتَّهَمُ بِهِ عَبْدُالْمُنْعِمِ، وَقَدْ كَذَّبَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: هُوَ وَأَبُوهُ مَتْرُوكَانِ".

وأخرج الحاكم في «المستدرك»(4/52) قال: أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَائِنِيُّ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الْبَرَاءِ، قال: حدثَنَا عَبْدُالْمُنْعِمِ بنُ إِدْرِيسَ، قال: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِيَدِهَا مُشْطٌ، فَقَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِي آنِفًا، فَرَجَّلْتُ رَأْسَهُ فَقَالَ لِي: «كَيْفَ تَجِدِينَ عُثْمَانَ؟» قَالَتْ: فَقُلْتُ: بِخَيْرٍ، قَالَ: «أَكْرِمِيهِ، فَإِنَّهُ مِنْ أَشْبَهِ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا».

قَالَ الْحَاكِمُ: "ولا أَشُكُّ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى رَوَى هذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُتَقَدِّمٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رُقَيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَكِنِّي قَدْ طَلَبْتُهُ جَهْدِي فَلَمْ أَجِدْهُ فِي الْوَقْتِ".

قال الحاكم: حَدَّثَنَا الشَّيْخُ أَبُو بَكْرِ بنُ إِسْحَاقَ، قال: أنبأنا عَلِيُّ بنُ الْحُسَيْنِ بْنِ الْجُنَيْدِ[ح].

وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ سَعِيدٍ الرَّازِيُّ، إِمْلَاءً فِي الْجَامِعِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، قَالَا: حدثَنَا الْمُعَافَى بنُ سُلَيْمَانَ الْحَرَّانِيُّ، قال: حدثَنَا مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِالرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عن مُحَمَّدِ بن عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرِو بنِ عُثْمَانَ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بنِ عَبْدِاللَّهِ بن حنطب، عن أبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رُقَيَّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْرَأَةِ عُثْمَانَ وَبِيَدِهَا مُشْطٌ فَقَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِي آنِفًا رَجَّلْتُ رَأْسَهُ، فَقَالَ لِي: «كَيْفَ تَجِدِينَ أَبَا عَبْدِاللَّهِ؟» قُلْتُ: بِخَيْرٍ قَالَ: «أَكْرِمِيهِ فَإِنَّهُ مِنْ أَشْبَهِ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا».

قال الحاكم: "هذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَاهِي الْمَتْنِ، فَإِنَّ رُقَيَّةَ مَاتَتْ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عِنْدَ فَتْحِ بَدْرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ إِنَّمَا أَسْلَمَ بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ".

قلت: أما حديث عبدالمنعم فباطل، وهو متهم به.

وأما الإسناد الثاني ففيه: محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان وهو ليس بالقوي. قال البخاري: "عنده عجائب"، وقال مرة: "لا يكاد يتابع في حديثه".

وقد رُوي الحديث من وجه آخر:

رواه الطبراني في «المعجم الكبير» (1/76) قال: حدثنا محمد بن عُثْمَانَ بن أبي شَيْبَةَ، قال: حدثنا أَحْمَدُ بن يُونُسَ، قال: حدثنا عبدالْمَلِكِ بن عبداللَّهِ – من وَلَدُ قَيْسِ بن مَخْرَمَةَ بن الْمُطَّلِبِ - عن عبدالرحمن بن عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ: أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صلى اللَّهُ عليه وسلم دخل على ابْنَتِهِ وَهِي تَغْسِلُ رَأْسَ عُثْمَانَ رضي اللَّهُ عنهما فقال: يا بنيَّةُ أحْسِني إلى أبي عبد اللَّهِ فإنه أَشْبَهُ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا.

قلت: كذا هذا الإسناد في المطبوع!! وفيه سقط ولا بدّ! فأحمد بن عبدالله بن يونس الكوفي توفي سنة (227هـ)، وبينه وبين عبدالرحمن بن عثمان (ت 73هـ) راو واحد فقط، وهذا مستحيل! وعبدالملك بن عبدالله هذا لم أعرفه!!

·       رواية وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَن النعمان بن بشير:

قال عبّاس الدوري: سمعت يحيى يقول: قد روى إسماعيل بن عبدالكريم عن إبراهيم بن عقيل عن أبيه عن وهب بن منبه عن جابر؟ قال يحيى: "وقد رأيت أنا إبراهيم بن عقيل، كان إبراهيم بن عقيل هذا يأتي هشام بن يوسف ولم يكن به بأس، ولكنه ينبغي أن يكون صحيفة وقعت إليهم، لم يلق وهب بن منبه جابراً"، قلت: فلقي وهب بن منبه النعمان بن بشير؟ فقال: "يروي عنه في حديث أنه لقيه!".

قلت: الحديث الذي أشار إليه يحيى هو ما:

أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (4/274) قال: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بنُ عَبْدِالْكَرِيمِ بنِ مَعْقِلِ بنِ مُنَبِّهٍ، قال: حَدَّثَنِي عَبْدُالصَّمَدِ - يَعْنِي ابنَ مَعْقِلٍ -، قَالَ: سَمِعْتُ وَهْبًا، يَقُولُ: حَدَّثَنِي النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَذْكُرُ الرَّقِيمَ فَقَالَ: «إِنَّ ثَلَاثَةً نَفَرٍ كَانُوا فِي كَهْفٍ، فَوَقَعَ الْجَبَلُ عَلَى بَابِ الْكَهْفِ، فَأُوصِدَ عَلَيْهِمْ، قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: تَذَاكَرُوا أَيُّكُمْ عَمِلَ حَسَنَةً، لَعَلَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ بِرَحْمَتِهِ يَرْحَمُنَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً: كَانَ لِي أُجَرَاءُ يَعْمَلُونَ، فَجَاءَنِي عُمَّالٌ لِي، اسْتَأْجَرْتُ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَجَاءَنِي رَجُلٌ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَطَ النَّهَارِ، فَاسْتَأْجَرْتُهُ بِشَرْطِ أَصْحَابِهِ، فَعَمِلَ فِي بَقِيَّةِ نَهَارِهِ، كَمَا عَمِلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فِي نَهَارِهِ كُلِّهِ، فَرَأَيْتُ عَلَيَّ فِي الزمَامِ أَنْ لَا أُنْقِصَهُ مِمَّا اسْتَأْجَرْتُ بِهِ أَصْحَابَهُ، لِمَا جَهِدَ فِي عَمَلِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: أَتُعْطِي هَذَا مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَنِي وَلَمْ يَعْمَلْ إِلَّا نِصْفَ نَهَارٍ؟ فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللهِ، لَمْ أَبْخَسْكَ شَيْئًا مِنْ شَرْطِكَ، وَإِنَّمَا هُوَ مَالِي أَحْكُمُ فِيهِ مَا شِئْتُ، قَالَ: فَغَضِبَ، وَذَهَبَ، وَتَرَكَ أَجْرَهُ، قَالَ: فَوَضَعْتُ حَقَّهُ فِي جَانِبٍ مِنَ الْبَيْتِ مَا شَاءَ اللهُ، ثُمَّ مَرَّتْ بِي بَعْدَ ذَلِكَ بَقَرٌ، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ فَصِيلَةً مِنَ الْبَقَرِ، فَبَلَغَتْ مَا شَاءَ اللهُ، فَمَرَّ بِي بَعْدَ حِينٍ شَيْخًا ضَعِيفًا لَا أَعْرِفُهُ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عِنْدَكَ حَقًّا فَذَكَّرَنِيهِ حَتَّى عَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: إِيَّاكَ أَبْغِي، هَذَا حَقُّكَ، فَعَرَضْتُهَا عَلَيْهِ جَمِيعَهَا، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللهِ، لَا تَسْخَرْ بِي إِنْ لَمْ تَصَدَّقْ عَلَيَّ، فَأَعْطِنِي حَقِّي، قَالَ: وَاللهِ مَا أَسْخَرُ بِكَ: إِنَّهَا لَحَقُّكَ مَا لِي مِنْهَا شَيْءٌ: فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ جَمِيعًا. اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا. قَالَ: فَانْصَدَعَ الْجَبَلُ حَتَّى رَأَوْا مِنْهُ، وَأَبْصَرُوا.

قَالَ الْآخَرُ: قَدْ عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً كَانَ لِي فَضْلٌ، فَأَصَابَتِ النَّاسَ شِدَّةٌ، فَجَاءَتْنِي امْرَأَةٌ تَطْلُبُ مِنِّي مَعْرُوفًا، قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، فَذَهَبَتْ، ثُمَّ رَجَعَتْ، فَذَكَّرَتْنِي بِاللهِ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا وَقُلْتُ: لَا وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَأَبَتْ عَلَيَّ، وَذَهَبَتْ، فَذَكَرَتْ لِزَوْجِهَا، فَقَالَ لَهَا: أَعْطِيهِ نَفْسَكِ، وَأَغْنِي عِيَالَكِ، فَرَجَعَتْ إِلَيَّ، فَنَاشَدَتْنِي بِاللهِ، فَأَبَيْتُ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ: وَاللهِ مَا هُوَ دُونَ نَفْسِكِ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ أَسْلَمَتْ إِلَيَّ نَفْسَهَا، فَلَمَّا تَكَشَّفْتُهَا، وَهَمَمْتُ بِهَا، ارْتَعَدَتْ مِنْ تَحْتِي، فَقُلْتُ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، قُلْتُ: لَهَا خِفْتِيهِ فِي الشِّدَّةِ، وَلَمْ أَخَفْهُ فِي الرَّجَاءِ. فَتَرَكْتُهَا وَأَعْطَيْتُهَا مَا يَحِقُّ عَلَيَّ بِمَا تَكَشَّفْتُهَا. اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا. قَالَ: فَانْصَدَعَ حَتَّى عَرَفُوا وَتَبَيَّنَ لَهُمْ.

قَالَ الْآخَرُ: عَمِلْتُ حَسَنَةً مَرَّةً، كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ، فَكُنْتُ أُطْعِمُ أَبَوَيَّ وَأَسْقِيهِمَا، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى غَنَمِي، قَالَ: فَأَصَابَنِي يَوْمًا غَيْثٌ حَبَسَنِي، فَلَمْ أَبْرَحْ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَأَخَذْتُ مِحْلَبِي، فَحَلَبْتُ وَغَنَمِي قَائِمَةٌ، فَمَضَيْتُ إِلَى أَبَوَيَّ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَشَقَّ عَلَيَّ أَنْ أَتْرُكَ غَنَمِي، فَمَا بَرِحْتُ جَالِسًا، وَمِحْلَبِي عَلَى يَدِي حَتَّى أَيْقَظَهُمَا الصُّبْحُ، فَسَقَيْتُهُمَا. اللهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ لِوَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا».

قَالَ النُّعْمَانُ: "لَكَأَنِّي أَسْمَعُ هذِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ الْجَبَلُ: طَاقْ، فَفَرَّجَ اللهُ عَنْهُمْ، فَخَرَجُوا".

وأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/76) قال: حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا إسماعيل بن عبدالكريم الصنعاني، قال: حدثنا عبدالصمد بن معقل، قال: سمعت وهب بن منبه، يقول: سمعت النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانوا ثلاثة يمشون في غب سماء، فذكر الحديث بطوله.

وأخرجه البزار في «مسنده» (8/233) قال: أخبرنا سلمة بن شبيب، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبدالكريم، عن عبدالصمد بن معقل، عن وهب بن منبه، عن النعمان بن بشير، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو منه.

وأخرجه الطبراني في «المعجم الأوسط» (3/8)، وفي «المعجم الكبير» (21/160) قال: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ بَرَّةَ الصَّنْعَانِيُّ، قال: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالرَّحِيمِ بْنِ شَرُوسٍ الصَّنْعَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَاللَّهِ بنَ بَحِيرٍ القَاصَّ، يَذْكُرُ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ عَنِ الرَّقِيمِ: إِنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ دَخَلُوا فِي كَهْفٍ، فذكر الحديث بطوله.

ثم رواه عن إِبْرَاهِيم أيضاً قَالَ: حدثنا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِالرَّحِيمِ بْنِ شَرُوسٍ، قَالَ: حدثنَا رَبَاحُ بنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ سَعِيدِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ.

وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» (4/79) قال: حدثنا سليمان بن أحمد، عن إبراهيم بن محمد بن برة الصنعاني، عن محمد بن عبدالرحيم بن شروس الصنعاني، عن عبدالله بن يحيى القاص، به.

قال أبو نعيم: "رواه عبدالصمد بن معقل وعبدالله بن سعيد بن أبي عاصم عن وهب عن النعمان، مثله"، ثم ساق روايتهما.

قلت: فهذا الحديث رواه عَبْدالصَّمَدِ بن مَعْقِلٍ، وعَبْدَاللَّه بن بَحِيرٍ القَاصّ، وعَبْداللَّهِ بن سَعِيدِ بنِ أَبِي عَاصِمٍ، ثلاثتهم عن وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قال ابن حجر في «الفتح» (6/506): "أخرجه البزار والطبراني بإسنادٍ حسنٍ عن النعمان بن بشير: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم، قال: انطلق ثلاثة فكانوا في كهف فوقع الجبل على باب الكهف فأوصد عليهم فذكر الحديث".

وقال العيني في «عمدة القاري» (16/51): "رواه البزار والطبراني بإسناد حسن عن النعمان بن بشير: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الرقيم، قال: انطلق ثلاثة..".

قلت: لم يرو وهب عن النعمان إلا هذا الحديث، وقد جاء في بعض طرقه التصريح بالسماع منه! لكن الصواب أنه رواه عنه بالعنعنة ولم يذكر سماعاً، وإنما ما جاء فيه من السماع من النسخ!

ووهب لم يلقَ النعمان بن بشير! والحديث رُوي عن النعمان من غير هذه الطريق، وهي أصل هذه الطريق.

رواه أبو إسحاق السبيعي عن النعمان، واختلف عليه: فرواه الْأَعْمَش عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، ورواه إِسْرَائِيلُ عَن أَبِي إِسْحَاقَ عَن رَجُلٍ مِنْ بَجِيلَةَ، عَن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ.

أما حديث الأعمش: فأخرجه ابن أبي عاصم في «الآحاد والمثاني» (4/76) قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن نُمير، قال: حدثنا ابنُ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَن أَبِيهِ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بنِ شُرَحْبِيلَ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ– رضي الله عنه- قال: قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: كَانوا ثَلَاثَة يَمْشُونَ فِي غب سَمَاءٍ، فذكر الحديث بطوله.

وأخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» (3/427) من طريق إِبْرَاهِيم بن عَرْعَرَةَ والْعَبَّاس الْعَنْبَرِيّ وأَبي شَيْبَة، كلّهم عن ابن أَبِي عُبَيْدَةَ، به.

وأما حديث إسرائيل: فأخرجه أيضاً ابن أبي عاصم، قال: حدثنا ابن نمير، قال: حدثنا عُبيدالله بن موسى، عن إِسْرَائِيل، عَن أَبِي إِسْحَاقَ، عَن رَجُلٍ مِنْ بَجِيلَةَ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ - رضي الله عنه -، عَن النبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نحوه.

وأخرجه أبو عوانة أيضاً في «مستخرجه» من طريق عُبَيْداللَّهِ وعَبْداللَّهِ بن رَجَاءٍ، قَالَا: حدثَنَا إِسْرَائِيلُ، به.

وأخرجه البزار في «مسنده» (8/230) عن محمد بن عباد بن آدم، قال: أخبرنا مؤمل، قال: أخبرنا إسرائيل، به.

قال البزار: "وحديث أبي إسحاق عن رجل من بجيلة لا نعلم أحداً سماه إلا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش عن أبي إسحاق! فقال: عن عمرو بن شرحبيل عن النعمان بن بشير، وعمرو بن شرحبيل بجلي.

أخبرنا إبراهيم بن عبدالله بن محمد الكوفي أبو شيبة قال: أخبرنا محمد بن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش".

قلت: إسرائيل أوثق الناس في أبي إسحاق وحديثه هو المعتمد، وقد تفرد ابن أبي عبيدة بتسميته، ولابن أبي عبيدة عن أبيه عن الأعمش غرائب وإفرادات، فإذا خالف غيره أو زاد عليهم فلا يقبل ذلك منه.

وعمرو بن شرحبيل الهمداني أبو ميسرة الكوفي ثقة عابد مخضرم مات سنة (63هـ)، والنعمان توفي سنة (65هـ)، فلا أظن أن أبا إسحاق يسمع الحديث من عمرو عن النعمان والنعمان حيّ!!

فالصواب عن أبي إسحاق عن رجل عن النعمان، والرجل مجهول لا يُعرف. وأبو إسحاق قد سمع من النعمان بن بشير وحديثه عنه في الصحيحين، وكأنه لما رأى هذا الحديث يحدّث به ذلك الرجل رواه عنه عن النعمان لما عُرِف عن شَرَهِ أهل الكوفة في الحديث.

وقد روي الحديث من طريق آخر: رواه حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أخرجه أبو عوانة في «مستخرجه» قال: أَخْبَرَنَا الْكُدَيْمِيُّ، قال: حدثنا مُؤَمَّلٌ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِصَّةَ الْغَارِ.

وقال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْبِرِّ بنُ عَبْدِالْعَزِيزِ أَبُو قَيْسٍ الْحَرَّانِيُّ- مَوْلَى عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ بِمِصْرَ-، قال: حدثنا ابنُ الْمُبَارَكِ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكِ بنِ حَرْبٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كَانَ ثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَسِيرُونَ فِي فَلَاةٍ مِنَ الْأَرْضِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَأَدْرَكَهُمُ الحَرُّ فَدَخَلُوا فِي مَغَارَةٍ فَأَطْبَقَتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ»، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.

وقال: حَدَّثَنَا الصَّغَانِيُّ، قال: حدثنا سُرَيْجُ بنُ النُّعْمَانِ، قال: حدثنا حَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، بِحَدِيثِ الْغَارِ، وَلَمْ يَرْفَعْهُ.

وأخرجه البزار في «مسنده» (8/232)عن محمد بن عباد بن آدم، عن مؤمل، عن حماد بن سلمة، عن سماك، عن النعمان بن بشير، عن النبي بنحوه إلا أنه: "قال الأول: إنه كانت لي بنت عم من أجمل النساء وكانت أحب الناس إلي فخطبتها إلى أبيها فأبى أن يزوجنيها فخرجت على وجهي ومات أبوها فرجعت واحتاجت فأرسلت إليّ تشكو الحاجة، فقلت: لا، إلا أن تعطيني نفسك ففعلت ذلك مراراً، فاشتدت حاجتها فأرسلت إلي في الثالثة أو الرابعة فأطمعتني في نفسها فأتيتها فلما قعدت منها مقعد الرجل من أمرأته أخذتها رعدة فقالت أنشدك الله أن تفض هذا الخاتم بغير حقه، فإني والله ما عملت هذا العمل قط فقمت عنها ورددت عليها نفسها وأعطيتها صداقها، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك التماس مرضاتك ومخافة سخطك فافرج عنا".

قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلم أسنده عن حماد بن سلمة عن سماك عن النعمان عن النبي إلا مؤمل، ورواه أبو سعد سعيد بن المرزبان عن سماك عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم... ولا نعلم روى هذا الحديث عن أبي سعد إلا أبو مسعود وكان ثقة، ولا نعلم أسند أبو سعد عن سماك غير هذا الحديث ولا سمعناه إلا من علي بن حرب".

قلت: قد توبع مؤمل عليه - كما سبق - تابعه ابن المبارك وسريج بن النعمان، إلا أن سريجاً قد وقفه ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد تفرد سماك بروايته عن النعمان، ولم يروه عن سماك إلا حماد بن سلمة!!

والحديث في الصحيحين من رواية عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما -.

والذي أراه أن وهب بن منبّه لم يسمع من النعمان بن بشير.

والخلاصة أن وهب بن منبه لم يسمع من أحد من الصحابة رضي الله عنهم، فروايته عنهم مرسلة.

·       رواية وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَن الحكم بن مسعود الثقفيّ:

أخرج عبدالرزاق في «المصنف» (10/249) قال: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ, عَنْ سِمَاكِ بنِ الْفَضْلِ, عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ , عَنِ الْحَكَمِ بنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ, قَالَ: «قَضَى عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فِي امْرَأَةٍ تُوُفِّيَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجَهَا وَأُمَّهَا, وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا, فَأَشْرَكَ عُمَرُ بَيْنَ الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ, وَالْإِخْوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ فِي الثُّلُثِ», فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّكَ لَمْ تُشَرِّكْ بَيْنَهُمْ عَامَ كَذَا وَكَذَا, فَقَالَ عُمَرُ: «تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا يَوْمَئِذٍ, وَهَذِهِ عَلَى مَا قَضَيْنَا».

وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (6/247) عن عبدالله بن مُبَارَكٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، به.

وأخرجه البيهقي في «السنن الكبرى» (6/255) من طريق أبي النعمان محمد بن الفضل، عن عبدالله بن المبارك عن معمر، به.

ورواه يَعْقُوبُ الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (2/131) قال: حدثنا زَيْدُ بنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابنِ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ وَهْبٍ، عَنِ الْحَكَمِ بنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ، عَنْ عُمَرَ، بِنَحْوِهِ.

ورَوَاهُ سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُالرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، قَالَا: فِي إِسْنَادِهِ مَسْعُودُ بنُ الْحَكَمِ!!

قَالَ يَعْقُوبُ بنُ سُفْيَانَ: "هذَا خَطَأٌ، إِنَّمَا هُوَ الْحَكَمُ بنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: وَمَسْعُودُ بنُ الْحَكَمِ زُرَقِيٌّ، وَالَّذِي رَوَى عَنْهُ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ إِنَّمَا هُوَ الْحَكَمُ بنُ مَسْعُودٍ ثَقَفِيٌّ".

ثم ساق الحديث من طريق إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ الدبري - راوي المصنف -، وَمُحَمَّدُ بنُ يَحْيَى، قَالَا: حدثنا عَبْدُالرَّزَّاقِ، أخبرنا مَعْمَرٌ، عَنْ سِمَاكِ بنِ الْفَضْلِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ مَسْعُودِ بنِ الْحَكَمِ - يَعْنِي الثَّقَفِيَّ - قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي امْرَأَةٍ تَرَكَتْ زَوْجَهَا وَابْنَتَهَا وَإِخْوَتَهَا لِأُمِّهَا وَإِخْوَتَهَا لِأَبِيهَا وَأُمِّهَا, فَشَرَّكَ بَيْنَ الْإِخَوَةِ لِلْأُمِّ وَبَيْنَ الْإِخَوَةِ لِلْأُمِّ وَالْأَبِ، جَعَلَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمْ سَوَاءً، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ لَمْ تُشَرِّكْ بَيْنَهُمْ عَامَ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: "تِلْكَ عَلَى مَا قَضَيْنَا يَوْمَئِذٍ، وَهَذِهِ عَلَى مَا قَضَيْنَا الْيَوْمَ".

قال البيهقي: لَفْظُ حَدِيثِ عَبْدِالرَّزَّاقِ، قَالَ يَعْقُوبُ بنُ سُفْيَانَ: هَذَا خَطَأٌ؛ إِنَّمَا هُوَ الْحَكَمُ بنُ مَسْعُودٍ، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ.

قلت: الذي في مطبوع مصنف عبدالرزاق من رواية الدبري: "عن الْحَكَمِ بنِ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيِّ"، فيحتمل أن ما في المطبوع هو من تصحيح بعضهم!!

ويؤيد ما ذكره البيهقي أن الذي في مصنف عبدالرزاق: "عَنْ مَسْعُودِ بنِ الْحَكَمِ" أن الدارقطني رواه في «سننه» (5/155) من طريق مُحَمَّد بن حَمَّادِ الطِّهْرَانِيّ، قال: حدثنا عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بنِ الْفَضْلِ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ مَسْعُودِ بنِ الْحَكَمِ الثَّقَفِيِّ".

والحاصل أن الحديث عن وهب بن منبه عن الحكم بن مسعود الثقفي.

وقد عرض البخاري للخلاف في ذلك، ورجّح أنه عن الحكم بن مسعود.

قال في «التاريخ الكبير» (2/331): "الحكم بن مسعود الثقفي. قال بشر بن محمد: أخبرنا ابن المبارك قال: أخبرنا معمر: سمع سماك بن الفضل الخولاني، عن وهب بن منبه، عن الحكم بن مسعود الثقفي، قال: شهدت عمر بن الخطاب أشرك الإخوة من الأب والأم والاخوة من الأم، فقال له رجل: قضيت عام أول فلم تشرك؟ قال: تلك على ما قضينا وهذه على ما قضينا.

وقال عبدالله الجعفي: حدثنا هشام: حدثنا معمر مثله. وقال بعضهم: مسعود بن الحكم ولا يصح. ولم يتبين سماع وهب من الحكم".

قلت: فالصواب في هذا الحديث عن الحكم بن مسعود وقد أخطأ من قال: مسعود بن الحكم. ولكن لا يُعرف أن وهباً سمع من الحكم هذا، فالحديث منقطع.

وقال الذهبي في «الميزان» (2/346): "هذا إسناد صالح".

قلت: نعم، هو إسناد صالح في الظاهر، لكن لم يتبين سماع وهب من الحكم كما قال البخاري، فيبقى الأثر على إرساله، والله أعلم.

·       ترجيح أبي حاتم أنه «مسعود بن الحكم» ومخالفته للبخاريّ! وتنبيه على قول للمعلمي اليماني! ووهم لابن سعد!

قال أبو حاتم: "الحكم بن مسعود الثقفي، وقال بعضهم: مسعود بن الحكم، وهو الصحيح، روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، روى عنه: وهب بن منبه". [الجرح والتعديل: 3/127].

وقال في باب «مسعود»: "مسعود بن الحكم الثقفي، يماني، روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، روى عنه وهب بن منبه". [الجرح والتعديل: 8/283].

قلت: تصحيح أبي حاتم أنه مسعود بن الحكم لا يعني أنه معروف، وإنما هو يرى أن اسمه هذا هو الصواب، وهو يماني.

وعليه فإن قول المعلمي في حاشية التاريخ الكبير (2/331): "وفي الإصابة: "الحكم بن مسعود الثقفي بن مسعود بن عمرو الثقفي أخو أبي عبيد، شهد الجسر مع أخيه واستشهد به، وسيأتي ذكره في ترجمة أخيه من الكنى" ويوم الجسر كان في أوائل خلافة عمر ووهب بن منبه لم يدرك ذلك ولا قارب فإن مولده سنة 34، والله أعلم" انتهى. فيه نظر! فالحكم بن مسعود الذي روى عنه وهب ليس أخا أبي عُبيد، وإنما هو يماني لا يُعرف.

قال خليفة في «الطبقات» (ص287) في الطبقة الأولى من أهل اليمن: "مسعود بن الحكم الثقفي، روى عن عمر".

وقد أورده ابن حبان في «ثقاته» (4/143) على قاعدته المعروفة في ذلك! فقال: "الحكم بن مسعود الثقفي: يروي عن عمر، روى عنه وهب بن منبه".

قلت: هو مجهول، ولم يتبيّن سماعه من عمر، ولا سماع وهب منه!

وقد وهم ابن سعد في ذكره أنه لقي عمر!!

قال في «الطبقات الكبرى» (5/535): "وكان باليمن بعد هؤلاء - أي الصحابة الذين كانوا باليمن - من المحدّثين: الطبقة الأولى: مسعود بن الحكم الثقفي، وقد لقي عمر بن الخطاب وروى عنه".

قلت: لم يثبت أنه لقيه! وليس له رواية عن عمر إلا هذا الأثر، وليس فيه أنه لقيه!

·       من روى عن وَهْب بن مُنَبِّهٍ الإسرائيليات:

عني وهب بن مُنبه بالإسرائيليات كثيراً وولع بها! ولهذا نجد جُلّ رواياته منها، وقد روى عنه هذه الإسرائيليات جمعٌ من الضعفاء من أهل اليمن، منهم:

1- خالدُ بنُ أبي طريف الصنعاني:

قال صالح ابن الإمام أحمد: حدثني عليّ بن المديني، قال: سمعت هشام بن يوسف - وسُئل عن خالد بن أبي طريف: "شيخ من أهل صنعاء، يروي عن وهب بن منبه قصص".

قال ابن عدي: "وخالد بن طريف إنما يروي عن وهب بن منبه قصص بني إسرائيل وأحاديث الأولين، وما أظن ان له من المسند شيئاً، وإن كان له فإنما يكون له حديثان أو ثلاثة" [الكامل في ضعفاء الرجال: 3/8].

وذكره ابن حبان في «المجروحين» (1/278).

2- عبدالله بن صفوان بن كلبيّ الصنعانيّ:

قال صالح بن أحمد: حدثنا علي بن المديني، قال: قال هشام بن يوسف الصنعاني - وسئل عن عبدالله بن صفوان بن كلبي: "شيخ من أهل صنعاء، يروي عن وهب بن منبه"، قال: "كان ضعيفاً، ولم يكن يحفظ الحديث".

قال ابن عدي: "وعبدالله بن صفوان لم يحضرني له حديث مسند، وإنما يعرف بروايته عن وهب بن منبه ونظرائه". [الكامل: 4/175].

3- عبدالعزيز بن حوران الصنعانيّ:

قال صالح بن أحمد: حدثنا علي - يعني: ابن المديني - قال: سمعت هشام بن يوسف - وسئل عن عبدالعزيز بن حوران شيخ من أهل صنعاء روى عن وهب بن منبه- فقال: "كان ضعيفاً، كان يُشبه القصاص".

قال ابن عدي: "وعبدالعزيز هذا له عن وهب أخبار بني إسرائيل وغيرها، وما أعلم أن له من المسند شيئاً". [الكامل: 5/292].

وذكره العقيلي في «الضعفاء» (3/11) وذكر من حديثه ما رواه عبدالله بن المبارك، قال: أخبرنا رباح بن زيد، قال: حدثني عبدالعزيز بن حوران قال: سمعت وهب بن منبه يقول: "إن مثل الدنيا والآخرة كمثل رجل له ضرتان إن أرضى إحداهما أسخط الأخرى".

4- عبدالله بن خَلَّج الصنعانيّ أو عبدالملك بن خلج أو عبدالملك بن خُشْك:

قال صالح بن أحمد بن حنبل: حدثنا علي، قال: سألت هشام بن يوسف عن عبدالله بن خلج من أهل صنعاء، فضعفه.

قال ابن عدي: "لا أعرف له رواية حديث مسند فأذكره". [الكامل: 4/227].

وقال عندما ترجم له باسم «عبدالملك بن خلج» (5/305): "وعبدالملك بن خلج هو من الرواة الصنعانيين الذين يروون عن وهب بن منبه أخبار بني إسرائيل، ولا أعرف له من المسند شيئاً فأذكره".

·       رواية وَهْب بن مُنَبِّهٍ عَن أخيه همّام:

قد بيّنا أن وهباً لم يسمع من أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن بعضهم بواسطة أخيه همّام.

1- أخرج البخاري في «صحيحه»، كتاب العلم، باب كتابة العلم، (1/54) برقم (113) قال: حدثنا عَلِيُّ بن عبداللَّهِ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، قال: حدثنا عَمْرٌو، قال: أخبرني وَهْبُ بن مُنَبِّهٍ، عن أَخِيهِ، قال: سمعت أَبَا هُرَيْرَةَ يقول: «ما من أَصْحَابِ النبيّ صلى الله عليه وسلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عنه مِنِّي إلا ما كان من عبداللَّهِ بن عَمْرٍو فإنه كان يَكْتُبُ ولا أَكْتُبُ».

قال البخاري: "تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عن هَمَّامٍ عن أبي هُرَيْرَةَ".

قلت: هو في صحيفة معمر عن همام.

وأخرجه الترمذي في «الجامع»، كتاب العلم، باب الرخصة فيه، (5/40) برقم (2668)، وفي باب مناقب لأبي هريرة رضي الله عنه، (5/686) برقم (3841) عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، به.

قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".

2- أخرج مسلم في «صحيحه» (2/718) برقم (1038) قال: حدثنا محمد بن عبداللَّهِ بن نُمَيْرٍ، عن سُفْيَان، عن عَمْرٍو، عن وَهْبِ بن مُنَبِّهٍ، عن أَخِيهِ هَمَّامٍ، عن مُعَاوِيَةَ، قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تُلْحِفُوا في الْمَسْأَلَةِ فَوَاللَّهِ لَا يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شيئا فَتُخْرِجَ له مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شيئا وأنا له كَارِهٌ فَيُبَارَكَ له فِيمَا أَعْطَيْتُهُ».

قال مسلم: حدثنا ابن أبي عُمَرَ الْمَكِّيُّ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عن عَمْرِو بن دِينَارٍ حدثني وَهْبُ بن مُنَبِّهٍ - وَدَخَلْتُ عليه في دَارِهِ بِصَنْعَاءَ فَأَطْعَمَنِي من جَوْزَةٍ في دَارِهِ- عن أَخِيهِ، قال: سمعت مُعَاوِيَةَ بن أبي سُفْيَانَ يقول: سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول، فذكر مثله.

3- أخرج أبو داود في «سننه»، باب في الشفاعة، (4/334) برقم (5132) قال: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بنُ صَالِحٍ، وَأَحْمَدُ بنُ عَمْرِو بنِ السَّرْحِ، قَالَا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا فَإِنِّي لَأُرِيدُ الْأَمْرَ، فَأُؤَخِّرُهُ كَيْمَا تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا».

وأخرجه النسائي في «سننه»، باب الشفاعة في الصدقة، (2/40) برقم (2338) قال: أنبأنا هَارُونُ بنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ، قال: حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بنِ دِينَارٍ، عَنْ وَهْبِ بنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بنِ أَبِي سُفْيَانَ: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّ «الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي الشَّيْءَ فَأَمْنَعُهُ كَيْ تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا».

 قلت: في حديث أبي داود الشطر الأول موقوف على معاوية وهو أنه يُسأل فيمنع ويؤخر، وفي حديث النسائي مرفوعاً!!

وقد روى سفيان الفسوي في «المعرفة والتاريخ» (3/111) عن سفيان، قال: حدثنا عمّي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اشفعوا إليّ فلتؤجروا وليقضي الله على لسان نبيه ما شاء، إن الرجل منكم ليسألني الأمر فأمنعه كي تشفعوا إلي فتؤجروا».

قيل لسفيان: فإن عبدالرزاق يحدِّث عنك عن عمرو، عن وهب بن منبه، عن أخيه، عن معاوية، قال إنما ذاك: «لا تلحفوا في المسألة»! فأما هذا: «إن الرجل منكم ليسألني الأمر فأمنعه»، فإنما هو مرسل! كذلك حفظنا من عمرو.

قلت: يتبين لنا من هذا أن الذي إذا سُئِل فإنه يؤخره أو يمنعه هو معاوية من أجل أن يشفعوا فيؤجروا كما نقل هو في آخر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فالقائل: «إنّ الرَّجُلَ لَيَسْأَلُنِي الشَّيْءَ فَأَمْنَعُهُ كَيْ تَشْفَعُوا فَتُؤْجَرُوا»، هو معاوية. وكأنه اشتبه على بعض الرواة؛ لأن معاوية هو الذي يروي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لَا تُلْحِفُوا في الْمَسْأَلَةِ».

وقد أخرج البخاري في «صحيحه» (2/113) برقم (1432) قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بنُ إِسْمَاعِيلَ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالوَاحِدِ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بنُ عَبْدِاللَّهِ بنِ أَبِي بُرْدَةَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بنُ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَاءَهُ السَّائِلُ أَوْ طُلِبَتْ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَالَ: «اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا شَاءَ».

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

وكتب: أبو صهيب الحايك.

20/8/1433هـ.

 

شاركنا تعليقك