الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

أوهام لابن حجرٍ في بعض الرواة! وفوائد أخرى.

أوهام لابن حجرٍ في بعض الرواة! وفوائد أخرى.

قال ابن حجرٍ - رحمه الله - في ((المطالب العالية)) (4/161): "وقال أبو بكر: حدّثنا محمد بن عمر: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد، عن عامر ابن سعد، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: ((إذا سجد العبد سجد على سبعة آرابٍ: وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه. فما لم يَضع فقد انتقص)).

وقال عبدُ بن حميد: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة بهذا.

قلت: محمد بن عمر هو الواقديّ، ضعيفٌ جداً إلا أنه لم يتفرد به، فقد قال أبو يعلى: حدثنا موسى بن محمد بن حيان: حدثنا محمد بن أبي الوزير أبو المطرِّف، عن عبدالله بن جعفر بنحوه.

تفرد به عبدالله بن جعفر، وهو والد عليّ بن المديني، وهو ضعيف، وقد أخطأ في إسناده، وإنما رواه عامر بن سعد عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه. هكذا أخرجه مسلم وأصحاب السنن" انتهى.

قلت: وقع ابن حجر - رحمه الله - في وهمين:

الأول: قوله: إن محمد بن عمر هو الواقدي! وليس كذلك، وإنما هو: محمد بن عمر أبو المطرّف نفسه الذي في إسناد أبي يعلى، وهو أمامه، فجعل رواية أبي يعلى متابعة له!

قال البخاري في ((التاريخ الكبير)) (1/178): "محمد بن عمر أبو مطرف، وهو محمد بن أبي الوزير البصري، هو أخو إبراهيم مولى بني هاشم".

وقال مسلم في ((الكنى والأسماء)) (1/799): "أبو مطرف محمد بن أبي الوزير: سمع عبدالله المخرمي وعبدالعزيز بن محمد وشَريكاً".

فلما رأى ابن حجر "محمد بن عمر" ليس منسوباً في حديث أبي بكر بن أبي شيبة، نسبه فظنه الواقدي فأخطأ.

قال عبدُ بنُ حُميدٍ في ((مسنده)) (ص82) رقم (156): حدثنا ابن أبي شيبة، قال: حدثنا محمد بن عمر، عن عبدالله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سجد العبد سجد على سبعة آراب: وجهه، وكفيه، وركبتيه، وقدميه، فما لم يضع فقد انتقص».

الثاني: قوله إن عبدالله بن جعفر هو والد عليّ بن المديني! وليس كذلك! وإنما هو عبدالله بن جعفر بن عبدالرحمن المخرمي، وهو لا بأس به.

·       تخريج الحديث وما يتعلّق به من أوهام:

رواهُ الطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (1/255-256) من طريق إبراهيم ابن أبي الوزير وأبي عامرٍ العَقديّ.

وأبو يعلى في ((مسنده)) (2/60) عن موسى بن محمد بن حيان عن محمد بن أبي الوزير أبي المطرف.

ثلاثتهم (إبراهيم وأخوه محمد وأبو عامر) عن عبدالله بن جعفر، عن إسماعيل ابن محمد، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: ((أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب منه: وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، أيها لم يضع فقد انتقص)).

وفي هذا الحديث أمور:

1- وقع فيه: "عن عامر بن سعد عن أبيه"، وهو وهم كما نبّه عليه ابن حجر فيما نقلته عنه قبل، والصواب: "عن عامر بن سعد عن العباس".

وكذا رواهُ الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/206) عن عَبْدِالرَّحْمَنِ بنِ مَهْدِيٍّ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِذَا سَجَدَ الرَّجُلُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ)).

فرواية ابن مهدي عن عبدالله بن جعفر المخرمي هي الصواب.

2- وقعت الرواية الأولى بالوقف، والصواب ما جاء في رواية ابن مهدي بالرفع. وكأن عبدالله بن جعفر كان يخطئ في الرواية، فسلك الجادة مرة فقال: "عن عامر بن سعد عن أبيه"، ووقفه عليه، وضبطه مرة، فقال: "عن عامر بن سعد عن العباس"، ورفعه.

وقد رواه عبدالله بن جعفر بإسنادٍ آخر:

أخرجه الإمام أحمد في ((مسنده)) قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ –هو ابن مهدي-حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِالْمُطَّلِبِ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ.

وسيأتي تخريج هذه الرواية.

وقد سلك عبدالله بن جعفر الجادة في هذا الحديث؛ لأنه يروي حديثاً آخر في الصلاة بهذا الإسناد، فكأنه اشتبه عليه فلم يضبطه عندما حدّث به من حفظه، فلما حدّث به من كتابه ضبطه.

روى مسلم في ((صحيحه)) (1/409) قال: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بنُ إِبْرَاهِيمَ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ((كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ)).

ورواهُ النسائي في ((السنن الكبرى)) (1/392) عن إسحاق بن إبراهيم بهذا الإسناد. ثُم قال: "عبدالله بن جعفر هذا ليس به بأس، وعبدالله بن جعفر بن نجيح والد علي بن المديني متروك".

·       خلط في مطبوع "حلية الأولياء"!

روى أبو نُعيم الأصبهاني في ((حلية الأولياء)) (9/36) قال: "حدثنا أبو بكر ابن مالك: حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن يزيد بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عامر بن سعد، عن العباس بن عبد المطلب، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه).

حدثنا عبدالله بن جعفر - هو ابن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة - ثنا محمد ابن إبراهيم: حدثنا أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي وأبو سعيد مولى بني هاشم، عن عبدالله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه حتى يبدو خده وعن يساره حتى يبدو خده)".

قلت: ما جاء في المطبوع هكذا: "حدثنا عبدالله بن جعفر - هو ابن عبدالرحمن بن المسور بن مخرمة-" ليس في أصل أبي نُعيم، فكأنه كان في هامش النسخة؛ لأن من كتبه إنما أراد أن يبيّن من هو عبدالله بن جعفر في الحديث، ويُحتمل أنه من أبي نُعيم نفسه أراد توضيح ذلك لئلا يشتبه على القارئ. والحديث الثاني يبدأ بقول أبي نعيم: حدثنا محمد بن إبراهيم: حدثنا أبو يعلى... إلخ. ومحمد بن إبراهيم أبو بكر هو شيخ أبي نعيم الأصبهاني.

والحديث عند أبي يعلى في ((مسنده)) (2/127) قال: حدثنا أبو خيثمة: حدثنا عبدالرحمن بن مهدي وأبو سعيد مولى بني هاشم، عن عبدالله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد بن سعد، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه حتى يبدو خده وعن يساره حتى يبدو خده).

ورواه الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/172) قال: حدثني عبدالرحمن بن مهدي وأبو سعيد قالا: حدثنا عبدالله بن جعفر، عن إسماعيل بن محمد - قال أبو سعيد قال: حدثنا إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد رضي الله عنه عن أبيه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) - وقال أبو سعيد: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه حتى يرى بياض خده وعن يساره حتى يرى بياض خده).

3- في الرواية الموقوفة زيادة: "أيها لم يضع فقد انتقص"، وهذه لا توجد في الروايات الأخرى الصحيحة من غير طريق عبدالله بن جعفر، وهي أشبه بالوقف.

4- قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/124): "وعن سعد بن أبي وقاص قال: (أُمر العبد أن يسجد على سبعة آراب منه وجهه وكفيه وركبتيه وقدميه، أيها لم يضع فقد انتقص). رواه أبو يعلى، وفيه موسى بن محمد بن حيان، ضعفه أبو زرعة".

قلت: اعتمد الهيثمي على رواية أبي يعلى التي فيها وهم، فالحديث ليس لسعد ابن أبي وقاص، وإنما للعباس بن عبد المطلب.

وكذلك ضعّفه بموسى بن محمد بن حيان، وفي هذا نظر! لأن هذا الطريق ثابتٌ عن عبدالله بن جعفر من غير رواية موسى بن محمد، فقد رواه أبو عامر العقدي وإبراهيم بن أبي الوزير - أخو محمد بن أبي الوزير شيخ موسى - كما بيّنته فيما مضى.

5- قال الشيخ حسين سليم أسد محقق مسند أبي يعلى أثناء كلامه على هذه الرواية (2/61) هامش (1): "إسناده حسن. وهو موقوف، ولكن له حكم المرفوع؛ لأن مثله لا يُقال بالرأي... وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2/124 وقال...".

قلت: لم يتنبّه الشيخ أسد إلى علّة الحديث، فإسناده معلول، وليس بحسن كما قال. والصواب في الرفع لا الوقف كما مضى تفصيله بحمد الله.

·       الرواية الصحيحة عن عامر بن سعد عن العبّاس التي توافق رواية ابن مهدي عن عبدالله بن جعفر المخرمي، وما يتعلق بلفظ: (آراب):

روى الإمام مسلم في ((صحيحه))، كتاب الصلاة، (1/355) رقم (491) قال: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ - وَهُوَ ابنُ مُضَرَ - عَنْ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ - هو التيميّ -، عَنْ عَامِرِ بنِ سَعْدٍ، عَنْ الْعَبَّاسِ بنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ أَطْرَافٍ: وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ)).

ورواهُ الإمام أحمد في ((مسنده)) (1/208)، وأبو داود في ((سننه))، باب أعضاء السجود، (1/235)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (1/230)، والترمذي في ((جامعه))، باب ما جاء في السجود على سبعة أعضاء (2/61)، كلّهم عن قُتَيْبَة بهذا الإسناد، بلفظ: ((إِذَا سَجَدَ الْعَبْدُ سَجَدَ مَعَهُ سَبْعَةُ آرَابٍ: وَجْهُهُ وَكَفَّاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدْمَاهُ)).

قَالَ الترمذي: "وَفِي الْبَاب عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي سَعِيدٍ".

قَالَ: "حَدِيثُ الْعَبَّاسِ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ".

ورواهُ النسائي في ((السنن الكبرى))، باب السجود على القدمين، (1/231) عن مُحَمَّد بنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ اللَّيْثِ قَالَ: أَنْبَأَنَا ابْنُ الْهَادِ، به مثله.

ورواهُ ابن ماجه في ((سننه))، باب السجود (1/286) عن يَعْقُوبَ بنِ حُمَيْدِ ابنِ كَاسِبٍ، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْهَادِ، به مثله.

·       جاء في رواية مسلم: "أطراف"، وفي الروايات الأخرى كلها: "آراب":

قال البزار في ((مسنده)) (4/146): "ورواه سعد وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم ولا نعلم أحداً قال: (آراب) إلا العباس. وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن العباس إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد. وقد روى عبدالله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد بن سعد عن عامر بن سعد عن أبيه، والصواب حديث عامر بن سعد عن العباس".

وعزاه جُلّ أهل العلم إلى مسلم بلفظ: (آراب)، منهم: الذهبي في ((السير)) (20/111)، والمزي في ((تهذيب الكمال)) (14/229)، وابن عساكر في ((تاريخه)) (26/274)، وابن عبدالهادي في ((التنقيح)) (1/407).

قال الحافظ ابن حجر في ((فتح الباري)) (2/296): "من رواية شعبة عن عمرو بن دينار أيضاً بلفظ: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرنا) وعرف بهذا أن ابن عباس تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم إما سماعاً منه وإما بلاغاً عنه، وقد أخرجه مسلم من حديث العباس بن عبد المطلب بلفظ: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب، الحديث)، وهذا يرجح أن النون في أمرنا نون الجمع والآراب بالمد جمع إرب بكسر أوله وإسكان ثانيه وهو العضو، ويحتمل أن يكون ابن عباس تلقاه عن أبيه رضي الله عنه".

وقال في ((التلخيص الحبير)) (1/252): "قوله: على سبعة آراب، هي في سنن أبي داود من هذا الوجه، وعند أبي يعلى من رواية سعد بن أبي وقاص، وزاد فيه: فأيها لم يضعه فقد انتقص، ولمسلم عن العباس بن عبد المطلب مثله، وعزاه المنذري للمتفق عليه فوهم، فإنه في بعض نسخ مسلم دون بعض، ولهذا استدركه الحاكم ولم يذكره عبد الحق، وصححه ابن حبان وعزاه أصحاب الأطراف والحميدي في الجمع وابن الجوزي في جامعه وتحقيقه والبيهقي وابن تيمية في المنتقى لتخريج لمسلم، وأنكر ذلك القاضي عياض في شرح مسلم فقال: لم يقع عند شيوخنا في مسلم، ولم يخرجه البخاري أصلاً، وقال البزار: لا نعلم أحداً قال: الآراب إلا العباس، وهو متعقب برواية ابن عباس التي في سنن أبي داود".

وقال الزيلعي في ((نصب الراية)) (1/383): "حديث العباس بن عبد المطلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه) انتهى. ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وسكت عنه، ورواه البزار في مسنده بلفظ: (أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب)، قال البزار: وقد روى هذا الحديث سعد وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم لا نعلم أحداً قال آراب إلا العباس انتهى. قلت: قالها ابن عباس أيضاً كما أخرجه أبو داود في سننه عنه مرفوعاً: (أُمِرْتُ وَرُبَّمَا قَالَ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ) انتهى. وقالها سعد أيضاً كما رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده والطحاوي في شرح الآثار من حديث عبدالله بن جعفر عن إسماعيل بن محمد عن عامر بن سعد عن أبيه سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أمر العبد أن يسجد على سبعة آراب)، فذكرها بلفظ السنن وزاد أيها لم يضعه فقد انتقص انتهى. وأخطأ المنذري إذ عزا في مختصره هذا الحديث للبخاري ومسلم إذ ليس فيهما لفظة الآراب أصلاً! واعلم أن حديث العباس: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب) عزاه جماعة إلى مسلم منهم أصحاب الأطراف والحميدي في الجمع بين الصحيحين والبيهقي في سننه وابن الجوزي في جامع المسانيد وفي التحقيق ولم يذكره عبد الحق في الجمع بين الصحيحين، ولم يذكر القاضي عياض لفظة الآراب في مشارق الأنوار الذي وضعه على ألفاظ البخاري ومسلم والموطأ فأنكره في شرح مسلم، فقال: قال المازري: قوله عليه السلام (سجد معه سبعة آراب) قال الهروي: الآراب الأعضاء واحدها أرب، قال القاضي عياض: وهذه اللفظة لم تقع عند شيوخنا في مسلم ولا هي في النسخ التي رأينا والتي في كتاب مسلم سبعة أعظم انتهى. والذي يظهر والله أعلم أن أحدهم سبق بالوهم فتبعه الباقون وهو محل اشتباه فإن العباس يشتبه بابن عباس، وسبعة آراب قريب من سبعة أعظم".

قلت: في المطبوع من صحيح مسلم من رواية قتيبة بن سعيد: "أطراف" لا "أعظم" كما ذكر القاضي عياض، وفي الروايات الأخرى كلها عن قتيبة: "آراب". فكأن هناك تصحيف في بعض نسخ صحيح مسلم، تصحفت: "آراب" إلى "أطراف" أو "أعظم"، والصواب: "آراب" لأن كلّ من خرّج الحديث من رواية قتيبة ذكر ذلك إلا في بعض نسخ مسلم، ويؤيد ذلك أن الحديث رُوي من غير حديث قتيبة وفي طرقه (آراب) أيضاً، فتعيّن أن يكون الصواب إن شاء الله تعالى.

وكأن الزيلعي مال إلى أن من ذكر (آراب) في رواية العباس اشتبه عليه بما جاء في رواية ابن عباس التي عند أبي داود كما في قوله: "والذي يظهر والله أعلم أن أحدهم سبق بالوهم فتبعه الباقون وهو محل اشتباه فإن العباس يشتبه بابن عباس، وسبعة آراب قريب من سبعة أعظم". وهذا فيه نظرٌ! فكيف اشتبه على بعضهم وهو يروي صحيح مسلم بحديث عند أبي داود!!!

ويلاحظ في كلام ابن حجر والزيلعي الذي نقلته أنهما اعتمدا الرواية التي فيها وهم: "عن عامر بن سعد عن أبيه"، فلم يتنبها لعلة الإسناد. فرواية الطحاوي وأبي يعلى ترجع إلى رواية العباس، وذكر سعد بن أبي وقاص وهم كما بينته، ولله الحمد.

·       هل ورد ذكرُ الأَنف في بعض روايات حديث العبّاس؟

ذكر الزمخشري في تفسيره ((الكشّاف)) عند قوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجنّ:18]: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أسجد على سبعة آراب: وهي الجبهة، والأنف، واليدان، والركبتان، والقدمان»".

قال مخرّج الكتاب في ((تخريج الأحاديث والآثار)) (4/103): "قلت: لم يروه بهذا اللفظ فيما وجدته إلا البزار في مسنده من حديث العباس بن عبدالمطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أسجد على سبعة آراب، فذكرها إلا أنه قال: (الوجه) عوض الجبهة والأنف، وهو أولى لاستقامة العدد... والحديث في السنن الأربعة ولفظهم فيه: (إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب: وجهه وكفاه وقدماه وركبتاه). وروى أبو داود من حديث ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت -وربما قال: أمر نبيكم - أن يسجد على سبعة آراب). انتهى. ولم يذكرها، وفي الصحيحين عن ابن عباس مرفوعاً: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)، وفي لفظ: (سبعة أعضاء)، فذكروا الجبهة دون الأنف، ويحتمل أن يكون قوله في الكتاب "وهي الجبهة إلى آخره" من كلام المصنف، لا من الحديث، فليتأمل".

قلت: لم يرد في حديث العباس ذكر الجبهة والأنف، ورواية البزار فيها ذكر الوجه كما سبق بيان ذلك.

قال ابن أبي حاتم في ((علل الحديث)) (1/75): سألت أبي عن حديث العباس ابن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم: (يسجد العبد على سبعة آراب: وجهه وركبتاه وقدماه)، ولم يذكر الأنف؟ قال أبي: "هو صحيح".

وقد جاء ذكر الأنف في أحاديث أخرى صحيحة، وحاصلها أن الوجه الذي ذكر في حديث العباس يشمل الجبهة والأنف، وكأن صاحب الأصل ذكر الحديث بالمعنى كما بيّن المخرِّج في آخر كلامه السابق.

روى البخاريّ في ((صحيحه))، باب السجود على الأنف، (1/280)، ومسلمٌ في ((صحيحه)) (1/354) من طريق وُهَيْب، قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ طَاوُسٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ: الجَبْهَةِ - وَأَشَارَ بِيَدِهِ عَلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ، وَلَا نَكْفِتَ الثِّيَابَ وَلَا الشَّعْرَ)).

فهذا يعني أن المقصود بالوجه في حديث العباس: الجبهة والأنف.

وروى مسلمٌ في ((صحيحه)) (1/355) عن أبي الطَّاهر. وابن خزيمة في ((صحيحه)) (1/321) عن يونس بن عبدالأعلى، كلاهما عن عَبْدِاللَّهِ بنِ وَهْبٍ، قال: حَدَّثَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفِتَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ: الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ)).

وروى ابن ماجه في ((سننه)) (1/286) قال: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكُفَّ شَعَرًا وَلَا ثَوْباً)).

قَالَ ابْنُ طَاوُسٍ: (فَكَانَ أَبِي يَقُولُ: الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ، وَكَانَ يَعُدُّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ وَاحِداً).

ورواه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (1/321) عن المخزوميّ، عن سفيان، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس مثله، إلا أنه قال: ((أو يكف ثيابه أو شعره))، (وكان ابن طاوس يمر يده على جبهته وأنفه يقول هو واحد).

ورواهُ عبدُالرزاق في ((مصنفه)) (2/179) عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أسجد على سبع، ولا أكف شعراً ولا ثوباً: على الجبهة والأنف، ثم يمر يديه على جبهته وأنفه، والكفين والركبتين والقدمين)).

قلت: فثبت من هذا أن الوجه يضم الجبهة والأنف. وقد اختلف الفقهاء في السجود على الأنف، فمنهم من حمله على الوجوب، ومنهم من حمله على الاستحباب. وقيل: السجود على الجبهة يجزئ عن الأنف والعكس.

قال النووي في شرحه على صحيح مسلم (4/208): "وأن يسجد على الجبهة والأنف جميعاً، فأما الجبهة فيجب وضعها مكشوفة على الأرض ويكفي بعضها، والأنف مستحب، فلو تركه جاز، ولو اقتصر عليه وترك الجبهة لم يجز، هذا مذهب الشافعي ومالك رحمهما الله تعالى والأكثرين، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه وابن القاسم من أصحاب مالك: له أن يقتصر على أيهما شاء، وقال أحمد رحمه الله تعالى وابن حبيب من أصحاب مالك رضي الله عنهما: يجب أن يسجد على الجبهة والأنف جميعاً لظاهر الحديث. قال الأكثرون: بل ظاهر الحديث أنهما في حكم عضو واحد؛ لأنه قال في الحديث سبعة، فإن جعلا عضوين صارت ثمانية، وذكر الأنف استحباباً".

قلت: بل سبعة لا ثمانية؛ لأنه عبّر عنهما بالوجه، والحديث بيّن وواضح أنه مرّ على الأنف، ولهذا ترجم له البخاري كما سبق نقله، والصواب ما ذهب إليه الإمام أحمد ومن تبعه، والله أعلم.

وكتب: د. خالد الحايك

4/12/2009م

 

شاركنا تعليقك