الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تحرير التقريب» للشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار معروف (5): عدم سبر روايات الراوي لمعرفة انطباق الحكم الذي أطلقه ابن حجر أو غيره عليه بحسب روايته.

«تحرير التقريب» للشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار معروف (5): عدم سبر روايات الراوي لمعرفة انطباق الحكم الذي أطلقه ابن حجر أو غيره عليه بحسب روايته.

كنت قد أشرت في عدة مواضع أن صاحبي التحرير إنما يستدركان على ابن حجر بحسب ما يجدونه من ألفاظ في الراوي من بعض الأئمة دون سبر لرواياته التي قد يكون ابن حجر وغيره قد سبرها فأطلق حكمه فيه، أو بحسب الجمع بين كلام الأئمة فيه وكيف خرّجوا حديثه، وخاصة عند البخاري ومسلم.

قال ابن حجر في «التقريب» (ص333): "عبدالحميد بن حبيب بن أبي العشرين الدمشقي، أبو سعيد كاتب الأوزاعي، ولم يرو عن غيره: صدوق ربما أخطأ، قال أبو حاتم: كان كاتب ديوانٍ، ولم يكن صاحب حديثٍ، من التاسعة. خت ت ق".

قال صاحبا «التحرير» (2/297): "بل: ثقةٌ، وثقه أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي، وقال: ثقة حديثه مستقيم، وهو من المعدودين في أصحاب الأوزاعي، وهشام بن عمار، والدارقطني، وقال ابن معين والعجلي: لا بأس به، وقال البخاري: ربما يخالف في حديثه. قلنا: وهذا ليس بالجرح المعتبر، فإن كل أحد من الثقات يخالف في بعض حديثه، ولفظة ((ربما)) يراد بها ((القلة))، وقال النسائي وحده: ليس بالقوي. وهذا لا يقف تجاه إطلاق الأئمة توثيقه" انتهى.

قلت: هذا كلام متهافت ينقض آخره أوله!

أولاً: فإذا كان لفظة "لابما" يراد بها "القلة"، فهذا هو عين كلام ابن حجر، فهو صدوق عنده، ربما أخطأ.

ثانياً: أبو حاتم الراوي لم يوثقه كما نقلا!!

والذي قاله ابنه: سألت أبي عن ابن أبي العشرين: ثقة هو؟ قال: "كان كاتب ديوان لم يكن صاحب حديث".

فأبو حاتم لا يوثقه وإنما ابنه سأله: هل هو ثقة؟! فأجاب جواباً يدل على أنه ليس في مرتبة الثقة، بقوله: كان كاتب ديوان ولم يكن صاحب حديث، وهذا يدلّ على أنه في مرتبة أقل من مرتبة ثقة في الرواية؛ لأنه ليس من أصحاب الحديث الذين يحرصون على السماع والسؤال وتتبع حديث المشايخ، ولا يروي إلا عن الأوزاعي!

ولهذا قال أبو حاتم في موضع آخر: "ليس بذاك القوي" (تاريخ ابن عساكر: 34/56، 59).

فأين توثيق أبي حاتم له يا "محرران"؟!

ثالثاً: قول ابن معين والعجلي أنه لا بأس به يعني في مرتبة الصدوق.

رابعاً: قول البخاري: "يخالف في بعض حديثه" جرح معتبر، يدلّ على أنه قد سبر حديثه، والأئمة لا يطلقون هذه العبارة في الأئمة الثقات، وإنما يطلقونها في من هو صدوق في حديثه يخالف في غيره في رواياته.

بل ذكر الحسن بن رشيق عن البخاري أنه قال فيه: "ليس بالقوي".

خامساً: قولهما إن النسائي وحده هو الذي قال فيه: ليس بالقوي، وأنه لا يقف تجاه إطلاق الأئمة توثيقه، كلام مردود؛ لأنه غير نابع عن تتبع كلام الأئمة وهو الصادر من "محررين"!!

سبق قول البخاري أنه ليس بالقوي كما هو قول النسائي فيه.

وقال عثمان الدارمي عن دحيم: "ضعيف".

قلت: ودُحيم علامة الشام، وهو أدرى الناس بهم، ولهذا لما سأله أبو حاتم عنه قال: قلت له: كان صاحب حديث؟ قال: "لا".

وقال أبو أحمد الحاكم: "أبو سعيد عبدالحميد بن حبيب بن أبي العشرين البيروتي، الشامي، كاتب الأوزاعي، عن الأوزاعي، روى عنه جنادة بن محمد المري وهشام بن عمار، وليس بالمتين عندهم، وقد حدَّث عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بحديث منكر، وهو حديث سوق الجنة، لا أعرف له أصلاً في حديث أبي هريرة، ولا في حديث سعيد بن المسيب، ولا في حديث حسان بن عطية، ولا في حديث الأوزاعي، وقد تابعه على روايته سويد بن عبدالعزيز، ويحتمل أن يكون أخذه منه، والله يرحمهما جميعاً". (تاريخ ابن عساكر: 34/57).

وقال ابن حبان في «الثقات» (8/400): "عبدالحميد بن حبيب بن أبي العشرين الشامي، كنيته أبو سعيد، كاتب الأوزاعي، يروي عن الأوزاعي، روى عنه هشام بن عمار وأهل الشام، ربما أخطأ".

قلت: وهذا هو عين كلام ابن حجر، فالرجل صدوق، ولكنه ربما يهم ويخالف غيره، وإطلاق القول فيه بأنه ثقة يعني قبول حديثه بإطلاق، وهذا مردود؛ لأن الرجل فعلاً له مخالفات، ولو كان ثقة مطلقاً لما ترك حديثه الإمام البخاري.

قال أبو بكر الإسماعيلي: "وابن أبي العشرين ليس بالقوي" (تاريخ دمشق: 34/59).

وقال ابن عدي في «الكامل» (5/323): "وعبدالحميد كما ذكره البخاري، تفرد عن الأوزاعي بغير حديث لا يرويه غيره، وهو ممن يُكتب حديثه".

وذكره العقيلي في «الضعفاء» (3/41) وذكر قول البخاري، وساق له حديث السوق المنكر!

وقال الذهبي في «الميزان» (4/247): "وثقه أحمد وأبو حاتم، وضعفه دُحيم، وقال النسائي: ليس بالقوي".

وقال في «المغني» (1/368) و«الكاشف» (1/614): "وثقه أحمد وضعفه دحيم".

قلت: لم يخرّج له مسلم شيئاً، وعلّق له البخاري في موضع واحد فقط.

قال البخاري في «الصحيح»، باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه، (1/387):

حدثنا عباس بن الحسين، قال: حدثنا مُبَشِّر، عن الأوزاعي.

وحدثني محمد بن مقاتل أبو الحسن قال: أخبرنا عبدالله، قال: أخبرنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى بن أبي كثير، قال: حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن، قال: حدثني عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما – قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا عبدالله، لا تكن مثل فلان؛ كان يقوم الليل فترك قيام الليل)).

وقال هشام - هو ابن عمّار -: حدثنا ابن أبي العشرين، قال: حدثنا الأوزاعي، قال: حدثني يحيى، عن عمر بن الحكم بن ثوبان، قال: حدثني أبو سلمة، مثله. وتابعه عمرو بن أبي سلمة عن الأوزاعي.

قلت: هذا الحديث رواه ابن المبارك، ومُبشر بن إسماعيل، والوليد بن مزيد، وأبو معاوية، ومحمد بن كثير المصيصي، وعمر بن عبدالواحد، والوليد بن مسلم، كلّهم عن الأوزاعي، فلم يذكروا "عمر بن الحكم" في إسناده.

ورواه ابن أبي العشرين وعمرو بن أبي سلمة التنيسي وبشر بن بكر التنّيسي، ثلاثتهم عن الأوزاعي، وذكروا فيه: "عمر بن الحكم".

وقد أخرج مسلم الرواية التي فيها الزيادة.

قال في «الصحيح» (2/814): حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بنُ يُوسُفَ الأزْدِيُّ، قال: حَدَّثَنَا عَمْرُو بنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ الأَوْزَاعِيِّ - قِرَاءَةً - قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ ابنِ الْحَكَمِ بنِ ثَوْبَانَ، قال: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَبْدَاللَّهِ، لا تَكُنْ بِمِثْلِ فُلانٍ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ)).

فهل أراد البخاري بتعليق رواية ابن أبي العشرين التي فيها الزيادة تعليلها؟ أو أنه أراد أن يشير إلى أنها محفوظة لوجود متابع لابن أبي العشرين؟ ولم صحح مسلم الرواية التي فيها الزيادة؟ أو أنه أراد تعليلها بتخريجه إياها على رأي بعض المعاصرين؟

قال ابن حجر في «التغليق» (1/432): "وزيادة عمر بن الحكم في هذا الإسناد من المزيد في متصل الأسانيد بلا ريب؛ فإن ابن المبارك ومبشر بن إسماعيل لم يوصفا بالتدليس، وقد صرحا في روايتهما بسماع الأوزاعي له من يحيى، وبسماع يحيى من أبي سلمة".

وقال في «الفتح» (3/38): "وأراد المصنف بإيراد هذا التعليق: التنبيه على أن زيادة عمر بن الحكم، أي: ابن ثوبان بين يحيى وأبي سلمة من المزيد في متصل الأسانيد؛ لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة ولو كان بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث".

ثم قال: "قوله: (وتابعه عمرو بن أبي سلمة): أي تابع ابن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم، ورواية عمر المذكورة وصلها مسلم عن أحمد بن يونس عنه، وظاهر صنيع البخاري ترجيح رواية يحيى عن أبي سلمة بغير واسطة، وظاهر صنيع مسلم يخالفه؛ لأنه اقتصر على الرواية الزائدة، والراجح عند أبي حاتم والدارقطني وغيرهما صنيع البخاري، وقد تابع كلا من الروايتين جماعة من أصحاب الأوزاعي؛ فالاختلاف منه، وكأنه كان يحدّث به على الوجهين، فيحمل على أن يحيى حمله عن أبي سلمة بواسطة، ثم لقيه فحدّثه به، فكان يرويه عنه على الوجهين، والله أعلم".

وقد أخذ العيني كلام ابن حجر بحروفه - كعادته في استعارة كلامه - في «عمدة القاري» (7/211)!!

 قلت: كلام ابن حجر يعني أن كلا الروايتين عند الأوزاعي عن يحيى، وفيه نظر؛ لأن هذا التعليل الأخير الذي ذكره ابن حجر يتجّه لو كان الاختلاف على الشيخ نفسه! ولكن الاختلاف هنا على الأوزاعي، فهو الذي حدّث بكلا الطريقين، ولو كان غير الأوزاعي حدث به أيضاً عن يحيى بأحد الطريقين لقلنا إنه كان عنده عن أبي سلمة بواسطة، ثم لقيه فحدثه به، ولكن الأمر خلاف ذلك، فتعيّن أن الخلل من الأوزاعي نفسه. فإذا كان يحيى حدث بهما وسمعهما منه الأوزاعي، فلم يحدِّث الأوزاعي بكلا الطريقين، ولا يقتصر فقط على التي فيها علو بدون الواسطة؟! نعم، قد روى عمر بن الحكم عن عبدالله بن عمرو، وكذلك روى يحيى بن كثير عن عمر بن ثوبان، ولكن لم أجد حديثاً ليحيى بهذا الإسناد إلا هذا، مما يؤكد أن الأوزاعي قد وهم فيه، فزاد فيه "عمر بن الحكم"، ويُحتمل أن يكون الوهم من ابن أبي العشرين، فأخذه منه عمرو وبشر وتابعوه على ذلك، وهذا غير مستبعد؛ لأن التلاميذ عندما كانوا يسمعون من الشيوخ لم يكونوا كلهم يكتبون، فيكتب بعضهم، ويأذخ بعضهم عن بعض، فلما كان ابن أبي العشرين كاتباً، يحتمل أنه كتبه عنده فغلط فيه، فأخذوه عنه، والله أعلم. قال ابن أبي حاتم في «العلل» (1/124): سألت أبي عن حديث رواه ابن أبي العشرين عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن عمر بن الحكم عن أبي سلمة عن عبدالله بن عمرو قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل ثم تركه))؟ قال أبي: "الناس يقولون: يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، لا يدخلون بينهم عمر، وأحسب أن بعضهم قال: يحيى عن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم". وقال الحافظ في «الهدي» (ص354): "قال الدارقطني: أخرج البخاري حديث الأوزاعي عن يحيى عن أبي سلمة عن عبدالله بن عمرو قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل فترك قيام الليل))، وقد اختلف فيه على الأوزاعي: فقال عمرو بن أبي سلمة والوليد بن مسلم وغيرهما: عنه عن يحيى عن عمر بن الحكم بن ثوبان عن أبي سلمة، زادوا رجلاً أخر. وهذا القول فيه كالقول في الذي قبله، بل صرح الأوزاعي هنا بالتحديث عن يحيى، وصرح يحيى بالتحديث عن أبي سلمة فانتفت تهمة التدليس، والراوي له هكذا عنده عن الأوزاعي: عبدالله بن المبارك وهو من الحفاظ المتقنين، ومع ذلك فالبخاري لم يهمل حكاية الخلاف في ذلك بل ذكره تعليقاً، وأخرج مسلم طريق عمرو بن أبي سلمة كما أوضحته في تغليق التعليق". قلت: ذكر الدارقطني أن الوليد بن مسلم رواه كما رواه ابن أبي العشرين، وفيه نظر! لأن ابن ماجة رواه في «سننه» (1/422) عن مُحَمَّد بن الصَّبَّاح، قال: أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بنُ مُسْلِمٍ، عَنْ الأوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِاللَّهِ بنِ عَمْرٍو. ولم يذكر: "عمر بن الحكم". وهو كذلك في «تحفة الأشراف» (6/396). والذي أميل إليه أن الصواب رواية الأوزاعي دون الواسطة، وذكر الواسطة وهم منه – رحمه الله – ولهذا السبب علّق البخاري هذه الرواية وصحح الأخرى، ولم يُصب الإمام مسلم في تخريج الرواية التي علّقها البخاري، والله أعلم وأحكم. تنبيه: أخرج النسائي هذا الحديث في «السنن الكبرى» (1/411) قال: أخبرنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا عبدالله - وهو: ابن المبارك -، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عبدالله بن عمرو. قال النسائي: "أدخل بشر بن بكر بين يحيى وبين أبي سلمة: عمر بن الحكم". ثم ساق حديث بشر. قلت: هذا يوهم أن الذي خالف في هذا الحديث فقط هو بشر بن بكر! وليس كذلك، فقد ذكرت أن هناك من تابعه عليه: ابن أبي العشرين وعمرو بن أبي سلمة.

وكتب: خالد الحايك

15/1/2011.

 

شاركنا تعليقك