الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«تحرير التقريب» للشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار معروف (4): عدم فهم أقوال الأئمة في الرواة، وبترها لتأييد رأيهما، ووهمهما في نسبة بعض الأقوال لبعض الأئمة!

«تحرير التقريب» للشيخ شعيب الأرنؤوط والدكتور بشار معروف (4): عدم فهم أقوال الأئمة في الرواة، وبترها لتأييد رأيهما، ووهمهما في نسبة بعض الأقوال لبعض الأئمة!

قال ابن حجر: "عبدالحميد بن جعفر بن عبدالله بن الحكم بن رافع الأنصاريّ، صدوقٌ رُمي بالقدر، وربما وهم، من السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين. خت م4".

فردّ عليه صاحبا «تحرير التقريب» (2/197) فقالا: "بل: ثقة، وثقه أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن سعد، ويحيى بن سعيد القطان – وناهيك به في انتقاء الرجال وتشدده فيهم -، ويعقوب بن سفيان، وقال: ثقة، وإن تكلّم فيه سفيان، فهو ثقة حسن الحديث. وذكر يحيى بن سعيد القطان سبب تضعيف سفيان له، فقال: كان سفيان يضعفه من أجل القدر، فهذا تضعيف ضعيف غير معتبر. وقد خرج عبدالحميد بن جعفر مع محمد بن عبدالله بن حسن المعروف بالنفس الزكية، وكان على شرطته فكأن بعضهم تكلّم فيه لأجل ذلك. ولا حق لهم في ذلك، فقد خرج أئمة أعلام على الحكام الظلمة، وما ضعّفهم أحد إلا من المتأخرين. وذكره الذهبي في كتابه النافع الماتع: «من تُكلِّم فيه وهو موثق»" انتهى.

قلت: كلام صاحبي التحرير ظاهري جداً، فهما لم يسبرا أحوال الرّجال وأحاديثهم حتى يعترضوا على ابن حجر! وهذا لا يعني أننا لا نجوِّز الاعتراض عليه، ولكن ينبغي أن تكون هذه الاعتراضات مبنية على أدلة علمية متينة على السبر والتحقيق لا بالظاهر.

والذي أحسسته من أحد هؤلاء - وهو د. بشار معروف- أنه يتخذ من ابن حجر عدواً له! - والله لا أبالغ في هذا - فقد حضرت له عدة مناقشات علمية في بعض الجامعات، فأحسست بذلك كما أحسه بعض الإخوة النابهين، وهو دائم الاعتراض على أقوال ابن حجر دون دليل قوي، ودليله فقط الإحالة على كتابه هو وزميله: «التحرير»! وما هو بمحرر!!

نرجع إلى مناقشة اعتراضهما، فنقول - ومن الله نستمد العون -:

أولاً: هو ثقة عند ابن حجر ولا شك في ذلك، وإنما أنزل ابن حجر منزلته إلى "صدوق"؛ لأن له أوهاماً يعرفها من تضلع بعلم العلل كالبخاري ومسلم وغيرهما. وعادة ابن حجر – رحمه الله- إذا كان الثقة مثل عبدالحميد له أوهام يخالف فيها غيره من الثقات، فإنه يقول فيه: "صدوق ربما وهم" أو "صدوق له أوهام"، وهذا بخلاف الثقة المطلق الذي أيضاً لا يخلو من الوهم في بعض الروايات، ولكن وهم هؤلاء الثقات ليس كوهم عبدالحميد وضربه.

ثانياً: ما نسباه لهؤلاء الأئمة في إطلاق لفظ "ثقة" عليه لا يصح؛ لأنهما قد بترا الكلام دون فهم لمقصد هؤلاء الأئمة بسبب عدم جمع كلامهم في الراوي نفسه.

قال عبدالله بن أحمد: قال أبي: "عبدالحميد بن جعفر: ليس به بأس، ثقة".

وفي «سؤالات أبي داود» (ص220): سمعت أحمد ذكر عبدالحميد بن جعفر، فقال: "ليس به بأس، قد احتمله الناس".

وقال عبدالله في «العلل ومعرفة الرجال» (3/153): (سمعت أبي يقول: سمعت يحيى يقول: "كان سفيان يضعف عبدالحميد بن جعفر". قال أبي: "عبدالحميد عندنا ثقة ثقة"، يعني أظنه من أجل القدر).

قلت: فأحمد لم يطلق القول فيه بأنه ثقة. وإنما الذي يقول به أنه: "لا بأس به"، ولا شك أن هذا اللفظ يوازي لفظ "صدوق" الذي قاله ابن حجر.

وقول أحمد ثقة فيه إنما لرد قول من ضعفّه بسبب القدر، وهذا ما فهمه ابنه عبدالله من قوله: "ثقة ثقة"، يعني لا يضعف بسبب القدر، فهو ثقة في دينه، وحديث قد احتمله الناس كما هو ظاهر من مجموع كلام الإمام أحمد.

وأما قول ابن معين، فإنه له عدة أقوال فيه، وهذا كثير عنده في كثير من الرواة، فلا يجوز أن نختار قولاً دون الآخر، وإنما نجمع هذه الأقوال في الراوي الواحد ثم نرى هل كان عنده ثقة ثم نزلت درجته إلى ما دون ذلك أو ربما إلى الضعف. هذا هو منهج التعامل مع أقوال يحيى بن معين يرحمه الله.

قال عبّاس الدوري «تاريخ ابن معين» (3/165): سمعت يحيى يقول: "عبدالحميد بن جعفر ثقة، وكان يُرمى بالقدر".

وقال أيضاً (3/190): سمعت يحيى يقول: "عبدالحميد بن جعفر: ليس به بأس، وكان قدرياً".

وقال أيضاً: سمعت يحيى بن معين يقول: "عبدالحميد بن جعفر: ثقة، ليس به بأس".

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: "كان يحيى بن سعيد يوثقه، وكان سفيان الثوري يضعفه". قلت: ما تقول أنت فيه؟ قال: "ليس بحديثه بأس، وهو صالح".

قلت: فتبيّن من مجموع هذه الأقوال أنه لا بأس به عند ابن معين، وهو صالح الحديث، ولا يصل إلى رتبة الثقة المطلق، وقوله فيه: "ثقة" كان في مقابلة رميه بالقدر، ولهذا قال في مرة أخرى: "ثقة ليس به بأس"، أي ثقة في دينه، لا بأس بروايته، وروايته صالحة.

وأما القول الذي نسباه ليعقوب، فقد قال في «المعرفة والتاريخ» (2/266): حدثنا أبو عاصم عن عبدالحميد بن جعفر، مدني أنصاري ثقة، وإن تكلم فيه سفيان فهو ثقة حسن الحديث.

قلت: وهذا أيضاً يدلّ على ما قلناه أن توثيقه هنا بسبب تضعيف سفيان له بسبب القدر، وقول سفيان: "ثقة حسن الحديث" أي ثقة في دينه، حسن الرواية، وليس كما فهما أنه أطلق لفظ الثقة فيه في الرواية.

وأما قول ابن سعد فهو واسع الخطو في إطلاق الألفاظ على الرواة، وخاصة التوثيق، وقوله يؤخذ به إذا وافق غيره من الأئمة أو إذا لم نجد كلاماً في الراوي غير كلامه أو إذا تيقنا أنه سبر حديث الراوي، فعندئذ يؤخذ بقوله.

ثالثاً: نسيا قول علي بن المديني فيه.

قال ابن أبي شيبة في «سؤالاته لابن المديني» (ص99): وسألت علياً عن عبدالحميد بن جعفر الأنصاري؟  فقال: "كان يقول بالقدر، وكان عندنا ثقة، وكان سفيان الثوري يضعفه".

قلت: وهذا أيضاً في مقابلة من رماه بالقدر، ألا ترى أن الأئمة إذا نقلوا أنه قدري أتبعوه بقولهم: "ثقة"، أي أنه ثقة عندنا في دينه، ومن رماه بالقدر لم يصب.

والخلاصة أنه لا بأس به وهذا معنى قول ابن حجر فيه: "صدوق"، ويؤيده قول أبي حاتم الرازي فيه: "محله الصدق".

وقول أبي حاتم أولى بأن يرد عليه صاحبا التحرير من الرد على ابن حجر؛ لأنه هو سابق له! ولكن كما قلت: كأنه بين أحدهم وبين ابن حجر عداوة، فالله المستعان.

رابعاً: نقلهما إن يحيى بن سعيد القطان وثقه! وتعليقهما: "وناهيك به في انتقاء الرجال وتشدده فيهم"! غير سديد!!

فأين قال يحيى القطان بتوثيقه؟! ولو أنهما فعلاً حررا كتابهما لما وقعا في هذا الخطأ الشنيع!!

روى عبّاس الدوري في «تاريخ ابن معين» (4/197) قال سمعت يحيى يقول: "كان يحيى بن سعيد القطان يُضعّف عبدالحميد بن جعفر". قلت ليحيى: قد روى عنه يحيى بن سعيد؟ قال: "روى عنه ويضعفه"، قال يحيى: "وقد كان يحيى بن سعيد يروي عن قوم وما كانوا يساوون عنده شيئاً".

قلت: فكأن صاحبي التحرير نظرا إلى رواية يحيى القطان عنه! ولذلك أشارا إلى تشدده وانتقاءه للرجال!! ولا أدري كيف يقولان ذلك وينسبان التوثيق له من أجل أنه روى عنه؟ فهلا وقفا على هذا النص عن ابن معين، وهو متداول بين أيديهما في معظم الكتب: في ضعفاء العقيلي وكامل ابن عدي وغيرهما.

فأين التحرير المزعوم، وابن معين يقول بأن القطان كان يضعفه وأنتما تقولان هو ثقة عنده؟!

خامساً: وعلى فرض أن هؤلاء الأئمة قد أطلقوا لفظ "ثقة" عليه، فقد اعتاد صاحبا التحرير على أنهما إذا أرادا رد كلام ابن حجر فإنهما ينقلان أقوال الأئمة التي توافق رأيهما – دون فهم أحياناً لهذه الأقوال كما سيأتي إن شاء الله -.

فهما قد نقلا توثيقه عن أحمد وابن معين وابن سعد ويحيى القطان ويعقوب بن سفيان! ولكن أين أقوال الأئمة الآخرين فيه؟!

قال النسائي في «الضعفاء» (ص72): "عبدالحميد بن جعفر: ليس بالقوي".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/122): "عبدالحميد بن جعفر بن عبدالله بن الحكم بن رافع بن سنان، أبو حفص الأوسي، الأنصاري، من أهل المدينة. وقد قيل: كنيته أبو الفضل. يروي عن محمد بن عمرو بن عطاء وأبيه، روى عنه هشيم ويحيى القطان. مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وهو ابن سبعين. ربما أخطأ".

وقال في «المشاهير» (ص131): "عبدالحميد بن جعفر بن عبدالله بن الحكم الأنصاري، الأوسي، أبو حفص. من خيار أهل المدينة، مات سنة ثلاث وخمسين ومائة، وكان يهم في الأحايين".

وذكره العقيلي في «الضعفاء» (3/43) ونقل في ترجمته تضعيف يحيى القطان وسفيان الثوري له.

وكذلك ذكره ابن عدي في «الكامل» (5/318) وذكر له بعض الأحاديث التي أخطأ فيها، ثم قال: "ولعبدالحميد غير ما ذكرت من الروايات، وأرجو أنه لا بأس به، وهو ممن يُكتب حديثه".

قلت: فهل الثقة المطلق يُقال فيه: يكتب حديث يا محرران؟!

سادساً: قولهما: "وذكره الذهبي في كتابه النافع الماتع: ((من تكلم فيه وهو موثق))"! يقصدان أن الذهبي يرد على من تكلم فيه وهو ثقة؛ وذلك لأنه ذكره في هذا الكتاب، وعنوانه يدلّ على ذلك!

قلت: والله هذه مصيبة! ومصيبة كبرى! هما الآن في مقام التحرير ولا يعرفان مقاصد أهل العلم في كتبهم؟! وهذا؛ لأن هذه الصنعة ليست صنعتهم، والله المستعان.

بداية نذكر قول الذهبي في الكتاب المشار إليه (ص116): "عبدالحميد بن جعفر المديني (ت ق)، صدوق، موثق، ضعفه يحيى القطان".

قلت: فقوله صدوق مطابق لقول ابن حجر المُعترض عليه، فأين توثيق الذهبي له؟!

ثم تالياً: هل تعرفان أيها المحرران شرط الذهبي في هذا الكتاب؟!

يقول – رحمه الله – (ص27) في مقدمة كتابه: "فهذا فصلٌ نافعٌ في معرفة ثقات الرواة الذين تكلم فيهم بعض الأئمة بما لا يرد أخبارهم، وفيهم بعض اللين، وغيرهم أتقن منهم وأحفظ، فهؤلاء حديثهم إن لم يكن في أعلى مراتب الصحيح، فلا ينزل عن رتبة الحسن، اللهم إلا أن يكون للرجل منهم أحاديث تستنكر عليه، وهي التي تكلم فيه من أجلها، فينبغي التوقف في هذه الأحاديث، والله الموفق بمنه".

قلت: فاعرضا قول ابن حجر وغيره على كلام هذا الإمام البارع تجدانه لا يخرج أبداً عنه، وكلامهما يخرج من مشكاة واحدة.

وهؤلاء الذين ذكرهم الذهبي – رحمه الله – في كتابه النافع الماتع ليسوا من الضعفاء، وهذا ما أراد الإمام بيانه، وهم ما بين ثقة وصدوق ولا بأس به وحسن الحديث، فهل يخرج عبدالحميد عن بعض هذه الأوصاف؟!

وعند تطبيق كلام الذهبي على بعض روايات عبدالحميد نجد له ما يستنكر بسبب الوهم والخطأ، فهو لا يصل إلى أعلى مراتب الصحيح، فعنده بعض اللين، وهذا ما نص عليه الذهبي في هؤلاء الذين ذكرهم في كتابه.

وإليكما أقوال الذهبي في كتبه الأخرى:

قال في «المغني في الضعفاء» (1/368): "عبدالحميد بن جعفر المدني: صدوق. قال أبو حاتم: لا يُحتج به. ضعفه القطان، وفيه قدرية".

وقال في «السير» (7/22): "احتج به الجماعة سوى البخاري، وهو حسن الحديث".

وقال في «الكاشف» (1/614): "عبدالحميد بن جعفر بن عبدالله الأنصاري الأوسي المدني، عن عمّ أبيه عمر بن الحكم ونافع، وعنه القطان وابن وهب. ثقة، غمزه الثوري للقدر".

قلت: بمجموع هذه الأقوال لا يخرج حكم الذهبي عن حكم ابن حجر فيه، وإطلاقه لفظ: "ثقة" فيه في الكاشف لا يُعتبر؛ لأنه يخالف قوله في كتبه الأخرى سيما السير، وهو من آخر كتبه وأكثرها تحريراً.

وكذلك فإن أقواله في «الكاشف» لا يعتبرها د. بشار معروف كما سمعت منه في بعض المناقشات، فقوله هذا لا يعتمد بناء على ذلك.

وأنا لا أتبنى رأيه هذا، ولكن ألزمه به إذا احتج به.

ورأيه هذا في كتاب «الكاشف» غير معتبر، فهو كتاب قيّم، والتعامل معه بحاجة إلى ضوابط: فإذا لم يكن للذهبي قولاً في الراوي في أي كتاب من كتبه إلا في هذا الكتاب، فهو معتبر، وإذا كان قوله في كتابه هذا مخالف لقوله في كتاب آخر نرجّح بينهما.

سابعاً: قولهما: "وقد خرج عبدالحميد بن جعفر مع محمد بن عبدالله بن حسن المعروف بالنفس الزكية، وكان على شرطته فكأن بعضهم تكلّم فيه لأجل ذلك"، لم ينسبانه لأحد، ولست بصدد تصويب هذا الرأي أو ذاك، ولكن كان ينبغي عليهما وهما يحرران أن يعرفا أصحاب هذه الأقوال!

فالذي تكلّم فيه بسبب ذلك هو سفيان الثوري نفسه الذي تكلّم فيه بسبب القدر.

قال أبو داود كما في «سؤالات أبي عبيد الآجري» (ص94): "وكان سفيان يتكلم في عبدالحميد بن جعفر لخروجه مع محمد بن عبدالله بن حسن، وسفيان يقول: وإن مرّ بك المهدي وأنت في البيت فلا تخرج إليه حتى يجتمع الناس، وذكر سفيان صفين فقال: ما أدري أخطأوا أم أصابوا! وكان سفيان في ذي أشد من شعبة".

ثامناً: ومما يؤيد قول ابن حجر الذي اعترض عليه «المحرران» تصرف البخاري ومسلم في إخراج حديثه.

أما البخاري فقد أعرض عن حديثه، وعلّق له حديثين لأسباب نذكرها بعد إن شاء الله تعالى.

الحديث الأول:

قال البخاري في «صحيحه»، باب بيع الميتة والأصنام (2/779): حدثنا قتيبة: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح وهو بمكة: ((إن الله ورسوله حرّم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام))، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس؟ فقال: ((لا، هو حرام))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: ((قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه)).

قال أبو عاصم: حدثنا عبدالحميد: حدثنا يزيد كتب إليَّ عطاء: سمعت جابراً رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال في باب {وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما} الآية (4/1695): حدثنا عمرو بن خالد: حدثنا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب قال: عطاء سمعت جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قاتل الله اليهود لما حرم الله عليهم شحومها جملوها ثم باعوها فأكلوها)).

وقال أبو عاصم: حدثنا عبدالحميد: حدثنا يزيد كتب إلي عطاء سمعت جابراً عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: أراد البخاري بتعليق رواية الضحاك أبي عاصم عن عبدالحميد أن يبيّن أن يزيد بن أبي حبيب لم يسمع من عطاء بن أبي رباح، وإنما كتب إليه بعض الأحاديث.

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (4/424): "قوله: (عن عطاء): بيّن في الرواية المعلقة تلو هذه الرواية المتصلة أن يزيد بن أبي حبيب لم يسمعه من عطاء وإنما كتب به إليه".

الحديث الثاني:

قال البخاري في «صحيحه»، باب ما يكره من الحرص على الإمارة، (6/2613): حدثنا أحمد بن يونس، قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة؛ فنعم المرضعة وبئست الفاطمة)).

وقال محمد بن بشار: حدثنا عبدالله بن حُمران، قال: حدثنا عبدالحميد بن جعفر، عن سعيد المقبري، عن عمر بن الحكم، عن أبي هريرة، قوله.

قلت: أراد البخاري بهذا التعليق أن ينبه إلى وهمين وقعا في هذا الحديث:

الأول: زيادة رجل وهو: "عمر بن الحكم" بين سعيد المقبري وأبي هريرة.

الثاني: وقف الحديث، واالصواب رفعه.

قال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (13/125): "وأدخل عبدالحميد بن جعفر بين سعيد وأبي هريرة رجلاً، ولم يرفعه، وابن أبي ذئب أتقن من عبدالحميد وأعرف بحديث المقبري منه، فروايته هي المعتمدة، وعقبه البخاري بطريق عبدالحميد إشارة منه إلى إمكان تصحيح القولين، فلعله كان عند سعيد عن عمر بن الحكم عن أبي هريرة موقوفاً على ما رواه عنه عبدالحميد، وكان عنده عن أبي هريرة بغير واسطة مرفوعاً إذ وجدت عند كل من الراويين عن سعيد زيادة، ورواية الوقف لا تعارض رواية الرفع؛ لأن الراوي قد ينشط فيسند، وقد لا ينشط فيقف".

قلت: لا أظن أن البخاري أراد بهذا التعليق ما أشار إليه ابن حجر - رحمه الله -؛ فمن المستبعد أن يكون عند سعيد بواسطة وبغير واسطة، ولا علاقة هنا بوقف الحديث ورفعه بمسألة النشاط وعدمه في الرواية.

فالذي أراده البخاري أن ينبه على عدم صحة هذه الرواية وما وقع فيها من أوهام، وأكبر ظني أن الوهم من عبدالله بن حمران؛ لأن عبدالحميد بن جعفر يروي مباشرة عن عمر بن الحكم – وهو عمّ أبيه-، فلم يرويه عنه بواسطة سعيد؟! وعبدالله بن حُمران صالح الحديث، له أوهام، كان يخطئ في بعض حديثه، وليس له عند البخاري إلا هذا الموضع المعلَّق.

وزيادة "عمر بن الحكم" من المزيد في متصل الأسانيد؛ لأن رواية سعيد عن أبي هريرة متصلة دون واسطة عمر بن الحكم، وكلاهما يروي عن أبي هريرة.

وأما الإمام مسلم فقد أخرج لعبدالحميد بن جعفر خمسة عشر حديثاً، أخرج أحد عشر منها متابعة لغيره، وأربعة كشواهد بعد أن أخرج غيرها في الأصول، وأخرج له أصلاً واحداً فقط، وهو:

ما قاله في «صحيحه» (2/1035):

حَدَّثَنَا يَحْيَى بنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ [ح].

وحَدَّثَنَا ابنُ نُمَيْرٍ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ [ح].

وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأحْمَرُ [ح].

وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بنُ الْمُثَنَّى، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى - وَهُوَ الْقَطَّانُ - عَنْ عَبْدِالْحَمِيدِ بنِ جَعْفَرٍ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ الْيَزَنِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ أَحَقَّ الشَّرْطِ أَنْ يُوفَى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ)). هَذَا لَفْظُ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ الْمُثَنَّى غَيْرَ أَنَّ ابْنَ الْمُثَنَّى قَالَ: ((الشُّرُوطِ)).

قلت: وهذا الحديث إنما أخرجه له مسلم أصلاً؛ لأنه حديث معروف مشهور من حديث أهل مصر، وقد توبع عبدالحميد عليه.

رواه الليث بن سعد (كما عند البخاري في الصحيح)، ورواه عبدالرزاق عن ابن المبارك عن ليث بن سعد وعبدالحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب، به.

وبعد هذا: فهل يُعترض على ابن حجر في قوله في عبدالحميد بن جعفر: "صدوق ربما وَهِم"؟!!

وكتب: خالد الحايك

13/1/2011.

 

شاركنا تعليقك