الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

تحريف «بن» إلى «عن» والعكس في أصول الكتب مما يؤدي إلى أخطاء في الأسانيد.

تحريف «بن» إلى «عن» والعكس في أصول الكتب مما يؤدي إلى أخطاء في الأسانيد.
وأوهام لبعض أهل العلم - رحمهم الله تعالى -.

كثيراً ما تتحرف «بن» إلى «عن» أو العكس في أصول النسخ فينتج عن ذلك تركيب بعض الأسماء المجهولة أو المعروفة ولكن ليس لها مدخل في تلك الأسانيد، وهذا يحصل بسبب تقارب الرسم فلا يتنبه لذلك بعض النساخ، ولهذا كان أهل العلم يحرصون على النسخ المقابلة والمضبوطة لا سيما إذا كانت قد قرئت على المصنّف نفسه.

فإذا كان حال النسخ هكذا فحال المطبوعات في زماننا مما يندى له الجبين، فينبغي على طالب العلم أن يكون حذراً من كثرة التحريفات والتصحيفات في الكتب!

·       ترجمة خطأ عند الضياء المقدسي في المختارة! بسبب تحريف في الإسناد!

ترجم الحافظ الضياء في كتابه ((الأحاديث المختارة)) (7/240) ضمن مسند أنس بن مالك - رضي الله عنه -:

"نُبَيط بن شَريط عن أنس".

قال: أخبرنا أبو الفرج يحيى بن محمود بن سعد الثقفي - قراءةً عليه ونحن نسمع بدمشق - قيل له: أخبركم جدّك الحافظ إسماعيل بن محمد بن الفضل - قراءة عليه فأقر به -: أنبأنا الشريف أبو نصر الزينبي، قال: أنبأنا أبو طاهر المخلص، قال: حدثنا يحيى بن صاعد، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا مروان بن معاوية الفزاري، قال: حدثنا أبو مالك الأشجعي، قال: حدثنا نُبيط بن شَريط، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه – قال: ((شهدت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: الحمد لله أحمده وأستعينه، ثم سألهم: أيّ يوم أحرم؟ قالوا: هذا اليوم، قال: فأي بلد أحرم؟ قالوا: هذا البلد، قال: فأي شهر أحرم، قالوا: هذا الشهر، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ قالوا: اللهم نعم)).

قلت: وهذا الحديث مشهور لنبيط بن شريط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مدخل لأنس بن مالك فيه.

والذي حدث أنه تحرف لفظ: "بن" إلى "عن" والأصل: "حدثنا نبيط بن شريط بن أنس قال: شهدت..".

فلما تحرفت صار الإسناد: "عن أنس" فظنّ بعض أهل العلم أنه أنس بن مالك!!

وترجم ابن أبي عاصم في ((الآحاد والمثاني)) (3/11): "نُبيط بن شَريط بن أنس رضي الله عنه".

قال: حدثنا يعقوب بن حميد، قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: حدثنا أبو مالك، عن نبيط بن شريط بن أنس، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بمنى، فحمد الله وأثنى عليه، الحديث.

وأخرجه أحمد في ((مسنده)) في ((مسند نبيط بن شريط)) (4/305) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، قال: حدثني أبو مالك الأشجعي، قال: حدثني نبيط بن شريط، قال: ((إنى لرديف أبي في حجة الوداع إذ تكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقمت على عجز الراحلة فوضعت يدي على عاتق أبي فسمعته يقول: أي يوم أحرم.. فذكره)).

وفي ((معجم الصحابة)) لابن قانع (3/169): "نبيط بن شريط الأشجعي"، ثم ساق له من طريق سفيان الثوري، عن سلمة بن نبيط، عن أبيه، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة يخطب على بعير أحمر قبل الصلاة)).

ثم ساق من طريق الإمام أحمد في ((مسنده)) عن يحيى بن زكريا، الحديث السابق.

·       رواية الذهبي لهذا الحديث دون التنبه إلى الوهم فيه! وأصل هذا الوهم!!

روى الحافظ الذهبي في ((السير)) (12/151) في ترجمة "إبراهيم الجوهري".

قال: أخبرنا علي بن أحمد الهاشمي، قال: حدثنا محمد بن أحمد القطيعي، قال: أخبرنا أبو بكر ابن الزاغوني، قال: أخبرنا أبو نصر الزينبي، قال: أخبرنا أبو طاهر المُخلِّص، قال: حدثنا يحيى بن محمد - هو ابن صاعد -، قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: أخبرنا أبو مالك الأشجعي، قال: أخبرنا نبيط بن شريط، عن أنس، قال: شهدت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى فحمد الله.. الحديث.

قال محققه صالح السّمر بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: "رجاله ثقات"!

قلت: هذه الرواية ورواية الضياء السابقة من جزء أبي طاهر المخلص. فهي عنده في الجزء الأول من فوائده ((الفوائد المنتقاة الغرائب عن الشيوخ العوالي/ انتقاء أبي الفتح ابن أبي الفوارس)).

فالضياء - رحمه الله - أخرجها من طريق الحافظ قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر الطلحي الأصبهاني شيخ الحفاظ (ت535هـ) من كتابه ((الترغيب والترهيب)).

والذهبي رواه من جزء أبي طاهر المُخلِّص.

فالتحريف في أصل جزء أبي طاهر محمد بن عبدالرحمن بن العباس بن عبدالرحمن بن زكريا البغدادي الذهبي، مُخلِّص الذهب من الغِشّ (ت393هـ).

وأكبر ظنّي أن التحريف في أصل كتابه ويبعد أن يكون من شيخه ابن صاعد أو من شيخ شيخه الجوهري، فهما من كبار الحفاظ المتقنين.

وذلك لأن المخلِّص كان مولده في شوال سنة (305هـ)، وكان أول سماعه - كما قال هو - في سنة (312هـ) وكان قد سمع من ابن صاعد وغيره بعناية والده. والله أعلم.

·       وهم للمزي بسبب هذه الرواية!

اعتمد المزي - رحمه الله - على هذه الرواية فأثبت رواية نبيط عن أنس بن مالك!! فأخطأ.

قال في ((تهذيب الكمال)) (29/316): "نبيط بن شريط الأشجعي الكوفي، والد سلمة بن نبيط، له صحبة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أنس بن مالك، وسالم بن عبيد...".

·       وهم لابن قانع في ((المعجم))!

روى ابن قانع في ((معجم الصحابة)) في ترجمة ((شريط بن أنس)) (1/346) قال: حدثنا عبدالله بن محمد الوراق، قال: حدثنا داود بن رشيد، قال: حدثنا مروان.

وحدثنا عبدالله بن محمد، قال: حدثنا سُريج - هو ابن يونس -، قال: حدثنا ابن أبي زائدة، قال: حدثنا أبو مالك الاشجعي، قال: حدثنا نبيط بن شريط، عن أبيه شريط بن أنس، قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فحمد الله وأثنى عليه، ثم سألنا... الحديث)).

قلت: لا مدخل لشريط بن أنس في إسناد هذا الحديث!!

وهو حديث مشهور من رواية مروان بن معاوية الفزاري وأبي مالك الأشجعي، كلاهما عن نبيط بن شريط الأشجعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هكذا رواه أيوب بن محمد الوزَّان (كما هو عند النسائي: 2/443)، ويعقوب بن حُميد (كما هو عند ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: 3/11)، عن مروان بن معاوية.

وهكذا رواه الإمام أحمد (كما هو في مسنده) عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، وموسى بن محمد الأنصاري (كما هو في سنن البيهقي الكبرى: 3/215)، عن أبي مالك الأشجعي عن نبيط بن شريط بن أنس.

وأظن أن الخلل كان في أحد الإسنادين عند ابن قانع، فلما جمع بينهما ساقهما بالإسناد نفسه؛ لأنه من البعيد أن يكون هذا الحديث بهذا الإسناد من كلا الطريقين - أعني طريق مروان بن معاوية وأبي مالك الأشجعي.

فيحتمل أن "بن" تحرّفت إلى "عن" في أحد الإسنادين! فالإسناد: عن نبيط بن شريط، فصار: عن نبيط عن شريط؛ فأصبح: عن نبيط عن أبيه شريط، فساق ابن قانع الروايتين بالإسناد نفسه، وله أوهام من هذا النوع كما بينته - بحمد الله - في غير هذا الموضع.

وكتب: خالد الحايك

21/4/2010.

 

شاركنا تعليقك