الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

تعيين أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الأردنية... ظلمٌ وفساد!!

تعيين أعضاء الهيئة التدريسية في الجامعات الأردنية... ظلمٌ وفساد!!

بقلم: د. خالد الحايك.

الحديث في هذه المقالة يدور على عدة محاور:

المحور الأول: أسس اختيار هيئة التدريس والعمداء.

المحور الثاني: نصاب الأساتذة والإضافي.

المحور الثالث: التفرغ العلمي.

المحور الرابع: البحوث المحكَّمة.

أما المحور الأول: فإن اختيار هيئة التدريس والعمداء بناءً على الكفاءة أحلام!  وذلك كلّه قائم على "الواسطة والمحسوبية"، فإذا أراد الدكتور أن يصبح عميداً سعى في ذلك أشد السعي، وقد رأيت بأمّ عيني ثلاثة من الأساتذة في كلية بإحدى الجامعات؛ كلٌّ منهم استنفد "واسطاته" من أجل العمادة، والذي ربح ذلك هو أقواهم "واسطة".

بل إن تعيين العميد أحياناً يكون مكافأة له! ولكن هذه المكافأة على ماذا؟ ما الذي قدمه للجامعة حتى يُعين؟

هناك عميد في بعض الجامعات عُيّن عميداً لإحدى الكليات أثناء تحقيق الجامعة في بحث له مسروق دعمته الجامعة!

وأما هيئة التدريس فالأصل في ذلك أن يُنشر إعلان في الجريدة الرسمية بوجود شواغر لفترة معينة، واستقبال الطلبات ثم النظر فيها ضمن شروط ومعايير لا شك أن فيها إنصافاً، ولكن السؤال: هل يُعمل بهذه الشروط والمعايير، أم تتدخل "الواسطة والمحسوبية" مرة أخرى؟!

نعم، بعض الجامعات تطلب أعضاء لهيئة التدريس من خلال الإعلان في الجريدة الرسمية وموقع الجامعة على شبكة "الإنترنت"، ويُبدأ باستقبال الطلبات، وفي النهاية قد تُجرى مقابلات للمتقدمين، وقد لا تُجرى، فبعض الجامعات عندما تضع هذه الإعلانات تكون بعض المناصب مخصصة لأناس "في البال"، وهذه المقابلات تذهب أدراج الرياح، فمن يجرؤ أن يراجع هذه اللجنة أو تلك التي اختارت فلاناً أو فلان؟!

هذا مع ندرة مثل هذه الإعلانات، فقلما نجد إعلاناً للجامعات يُطلب فيه أعضاء لهيئة التدريس! وإن حصل فيتم الاختيار من خلال طرق ملتوية، وكأنك تتعامل مع "عصابات المافيا"!

هذا فيما يتعلق بالتوظيف عن طريق الإعلان، وأما ما يتعلق بذلك دون الإعلان فحدِّث عنه ولا حرج.

يأتي أحدهم بواسطة: "ثقالة" يحمل في يده قصاصة ورق من فلان أو علان، فيقوم من بيده السلطة بالإيعاز لعميد ما بأن يتم تعيينه دون أية معوقات، وهذا ما يحصل بالضبط، والله أعلم بحال هذا الذي تعيّن وبخلفيته العلمية!!

وعلى سبيل المثال؛ توسّط أحد رؤساء الجامعات لزميل نعرفه عند عميد الكلية، فحوّل عميد الكلية طلبه إلى القسم، فوافق القسم، وكاد أن يوظَّف لولا أن بعض من يعرفونه علموا بالأمر، فثار لغط حول الموضوع حتى غضّوا الطرف عن تعيينه.

وهذا الذي أقوله حقيقة لا خيال، وقد عايشت هذه الأمور، وعندي أمثلة لذلك، لكن لا نريد أن نذكر أسماءً، وإنما نريد أن نعالج هذه القضايا دون المساس بأحد.

والواجب أن يتم التعيين ضمن شروط ومعايير من خلال السيرة العلمية للمتقدم ومن خلال المقابلة من اللجنة، وحتى تتم هذه الأمور بعدل وإنصاف لا بد من أخذ الميثاق على اللجنة أن لا تحابي أحداً على أحد، وأن يكون هناك امتحانٌ شفوي وتحريري للمتقدم، وكذلك أن لا تقتصر اللجنة على أعضاء الكلية المراد التعيين فيها، بل لا بد من أن يكون هناك أعضاء من رئاسة الجامعة والدراسات العليا؛ حتى يتم اختيار الرجل المناسب ووضعه في المكان المناسب.

وكم من أستاذ جامعي في الجامعات وفي جميع الكليات؛ ليس بأهل للتدريس الجامعي؛ لأن توظيفهم كان من وراء حجاب، والله المستعان.

وكل هذا ساهم في ضعف التعليم الجامعي، فالضعيف لا يخرّج إلا ضعيفاً مثله، وفاقد الشيء لا يعطيه.

ولا غرو إذن أن نجد كثيراً من أسماء العوائل في الهيئات التدريسية في الجامعات من العائلة نفسها!

ومن المؤسف أيضاً أن جامعة من الجامعات منذ أن أسست من فترة ليست ببعيدة لم تعلن قط عن حاجتها إلى أعضاء هيئة تدريس، ومن وُظِّف فيها إنما وُظف بـ"الواسطة والمحسوبية"، وما زلنا نسمع بين الفينة والأخرى أن فلاناً تخرّج اليوم من الجامعة فتم تعيينه مباشرة فيها، وغيره أولى منه بكثير من ناحية علمية وغيرها من النواحي.

وربما يتم التعيين في بعض الجامعات بعقد بعض الصفقات (التجارية!)، ففي إحدى الكليات في إحدى الجامعات توسط بعضهم عند عميدها لتعيين أحدهم، فرفض هذا العميد حتى أبرم صفقة مع القسم والكلية إلى تعيين ثلاثة من أقربائه ومعارفه مقابل أن يوافق على تعيين ذلك الشخص، فتمت الصفقة بتعيين الأربعة!!

فأيّ ظلم بعد هذا الظلم؟!

وأما المحور الثاني؛ فإن لكلّ أستاذ نصابه من المواد في كل فصل، وهناك مواد إضافية يسعى فيها المدرّسون بشكل عام إلى أخذ هذه المواد من أجل المردود المادي، فإن لم يجد في جامعته يذهب إلى جامعة أخرى، فأصبح عندنا "شلل" من الأساتذة يتفقون في كل فصل على إحضار بعضهم البعض في بعض الكليات، وهذا فيه ظلم لأولئك الذين تخرجوا منذ سنوات ينتظرون توظيفهم.

ولكن إذا بقي الأمر كذلك؛ فلن يكون أمل في توظيف هؤلاء الذين يجلسون على "مقاعد البطالة" ينتظرون رحمة الله.

إنه الجشع والطمع الذي حدا بهؤلاء الأساتذة إلى هذه الفِعال، مقدمين مصالحهم على مصالح الآخرين.

نعم، إنه حب النفس.

وقد يقول قائل: يا أخي، رواتبهم غير كافية، فهم بحاجة إلى تصويب أوضاعهم المالية؟!

فأقول: أنا مع زيادة رواتب الأساتذة لئلا يضطروا إلى هذه الأساليب، ولكن الرواتب الأساسية تكفيهم إن شاء الله، بل إن كثيراً منهم ممن تربع على "عرش الوظيفة الجامعية" لعقود؛ عنده ما يكفيه ربما لفتح جامعة خاصة. وأعرف كثيراً منهم يعيشون عيشة رغيدة، وليس كما يُشاع عنهم أنهم بحاجة إلى تعديل أوضاعهم المادية.

وهب أن هذه الرواتب قليلة في أعينهم، ولكن كيف ينظرون إلى من لا رواتب عندهم؟! فأقل القليل أن يساهموا في فتح المجال لغيرهم ليكسبوا الخبرة التدريسية بحيث يكون عندهم رتبة أكاديمية تمكّنهم من التدريس خارج بلدهم. ولأنهم لم يفسحوا المجال لسواهم؛ فإنك تجد الأساتذة هم هم في هذه الجامعة وفي تلك، والله المستعان.

وأما المحور الثالث الذي يُحزن القلبَ حقاً؛ فهو أن الجامعات تعطي الأستاذ كل فترة إجازة "تفرغ علمي" لمدة سنة كاملة براتب ودعم من الجامعة من أجل أن يُقدّم بحثاً علمياً واحداً، وبذلك يكون الأستاذ قد أمّن نفسه ليدرس في جامعة أخرى براتب ثان!! بل ويأخذ مواد إضافية في جامعة ثالثة!!

وفي نهاية السنة ربما يأتي ببحث قد استفاده من طلابه، أو عن طريق ما يسمى: "القص واللصق"، أو بالسرقة، وربما لا يأتي بشيء، فيأخذ إجازة أخرى بدون راتب يغادر فيها البلد إلى بلد آخر، ثم يطوف في بلاد أخرى يجمع الدراهم والدنانير، ثم ماذا؟ يرجع إلى جامعته الأصلية فيبدأ التدريس فيها مباشرة!!

فأي ظلم، وأي اعتداء هذا؟

يترك الجامعة مدة طويلة ثم يرجع ويجد مقعده في التدريس ما زال موجوداً!! والجامعة في أثناء غيابه تستعين بأساتذة من جامعات أخرى على سبيل التفرغ العلمي وغير ذلك، فتبقى الجامعات مقصورة على فئة معينة من الناس حتى يتقاعد هذا الأستاذ أو ذاك، ولا يتزحزح عن "كرسي التدريس" إلا بموته.

بل سمعنا مؤخراً بعض هؤلاء الأساتذة يطالب بعض الجامعات بأن لا ينبغي أن يتخلى الأستاذ عن كرسيه إلا لولده إن كان عنده ولد معه شهادة جامعية عليا ليحلّ محل والده، فيورثه ذلك الكرسي، ويبقى هذا الكرسي في العائلة يتوارثونه كما يتوارثون المال!!

وفي إحدى الجامعات عندما طلبت بعض الكليات أعضاء هيئة تدريس؛ قام أحد الدكاترة بوسيلة ما وأقنع العميد أو غيره عن العدول عن ذلك؛ لأن ابنه ما زال على مقاعد الدراسة في برنامج الدكتوراه، وهو يطمع أن يكون هذا الفراغ لابنه!!

نعم، هناك من الأساتذة من عنده قدرة تدريسية محترمة، فهؤلاء يجب أن يُحترموا وينبغي تفريغهم كلياً للبحث العلمي والإشراف على الرسائل فقط، لا أن يشغلوهم بتدريس البكالوريوس أو الماجستير.

وللأسف؛ تجد الدكتور يدرّس البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، ويشرف على الرسائل، وكل هذا يسعى له كثير منهم من أجل جمع المال، فكيف سيكون أداؤه في التدريس والإشراف؟!

إن كثيراً من الأساتذة الذين يشرفون على الرسائل العلمية، أحلف بالله يميناً غير حانث أنهم لا يرون ما كتبه الطالب إلا عند تسليمه الرسالة للمناقشة! وبعضهم لم يشرف إلا ساعة أو ساعتين! المهم هو جمع المال من الإشراف أو المناقشة.

ونحن إذ نقول هذا لا يعني أنه لا يوجد من الأساتذة من عنده ضمير حي وأدب وأخلاق تجعله يشرف على الطالب من أول كتابته إلى انتهائها على حساب وقته الخاص، فهؤلاء لهم التقدير.

وأما المحور الرابع؛ فهو يتعلق بالبحوث المحكَّمة، حيث من المعلوم أن هذه البحوث يترقى بها الأستاذ في رتبته العلمية، ولا شك أن كثيراً من البحوث المحكَّمة فيها ضعف واضح، وذلك يعود لأسباب كثيرة من أهمها أن بعض الأساتذة وصلوا إلى هذه الوظيفة بالطرق الملتوية لأنهم غير مؤهلين، فيبقى إنتاجهم ضعيفاً. هذا إن قاموا هم بكتابة بحوثهم، ففي الحقيقة أن الكثير منهم يعتمدون على طَلَبَتهم في الدراسات العليا من خلال البحوث التي يقدمها الطلبة للمواد التي تدرَّس، وأنا أعرف أحد الأساتذة وضع مباحث لكتاب يريد أن يؤلّفه، وقام بتوزيع هذه المباحث على طلابه طالباً منهم كتابة أبحاث حولها، ثم سطا عليها.

ومنهم من يعتمد على هؤلاء الطلبة من خلال ما يسمى بمنحة مساعد التدريس، فيأمر الأستاذ الطالب أن يبحث له في هذه المسألة أو تلك، ثم يقدمها باسمه من أجل التحكيم.

والأدهى والأمرّ ذلك القانون الجائر الذي يسمح للأستاذ أن يستلّ جزءاً من رسالة الطالب التي أشرف عليها، فيقوم الطالب بهذا الجهد فيلخّص ويعدّل ويقدّم البحث من أجل التحكيم باسمه واسم أستاذه، وفي حقيقة الأمر لا يكون للأستاذ أي جهد فيه، فيترقى على ظهور طلابه.

وبعد.. فهذه دعوة إلى من بيدهم القرار ليتداركوا ما يمكن إدراكه من الضعف العلمي الذي لحق بالجامعات من خلال هذه الأمور التي نبّهنا عليها.

وفي الجعبة الكثير، وفيما كتبنا كفاية لمن أراد النهوض بالعلم ومعاهده، والله من وراء القصد.

وأختم بالتنبيه على أمر قد يخفى على القارئ الكريم؛ وهو أن هذا الكلام سيُغضب بعض الأساتذة، وسيدفعهم هذا الغضب إلى تكذيب ما ذكرنا، فاعلموا أن من يفعل ذلك فهو من هؤلاء الذين تكلمنا عنهم، إذ أن الأستاذ الذي يحترم نفسه ويؤدي واجبه ليس مقصوداً بكلامنا ولا يضرّه ذلك بشيء.

وليعلم هؤلاء أن ما كتبناه لم نكتبه من فراغ، وإنما هو واقع عشناه وسيبقى على حاله إن لم يكن هناك جرأة في قول الحق.

وكتب: د. خالد الحايك

18/1/2011.

نشرت في جريدة السبيل: 8/2/2011م.

 

شاركنا تعليقك