الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

تقوية الحديث بالمتابعات والشواهد عند الألباني!

تقويةُ الحديثِ بالمتابعات والشواهد عند الألباني!

حديث: «تخيّروا لنطفكم» ومناقشته في تصحيحه، وفوائد علمية.

ذكر الألباني في «صحيحته» برقم (1067): «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ، وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ، وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ».

قال: "أخرجه ابن ماجه (1/706) و ابن عدي في «الكامل» (64/1) والدارقطني (416) والحاكم (2/163) والخطيب (1/264) من طريق الحارث بن عمران الجعفري عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعاً.

ثم رواه الحاكم من طريق عكرمة بن إبراهيم عن هشام بن عروة به مثله. وقال: «صحيح الإسناد». وتعقبه الذهبي بقوله: «قلت: الحارث متهم، وعكرمة ضعفوه».

قلت: ومن طريق الأول ذكره ابن أبي حاتم في «العلل» (1/403 و404) وقال: «قال أبي: الحديث ليس له أصل وقد رواه مندل أيضاً، ثم قال: قال أبي: الحارث ضعيف الحديث، وهذا حديث منكر».

قلت: وذكره الخطيب من طرق أخرى، عن هشام به ثم قال: «وكل طرقه واهية. قال: ورواه أبو المقدام هشام بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، وهو أشبه بالصواب».

وقال الحافظ في التلخيص (3/146): «ومداره على أناس ضعفاء رووه عن هشام، أمثلهم: صالح بن موسى الطلحي والحارث بن عمران الجعفري، وهو حسن».

وقال في «الفتح» (9/102): «وأخرجه أبو نعيم من حديث عمر أيضاً، وفي إسناده مقال، ويقوى أحد الإسنادين بالآخر».

وروي الحديث بزيادة فيه منكرة أوردته من أجلها في «الضعيفة» (5041). ثم رأيت له متابعاً آخر، أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (5/120/2) من طرق عن أبي بكر أحمد بن القاسم: أنبأنا أبو زرعة: أخبرنا أبو النضر: أخبرنا الحكم بن هشام: حدثني هشام بن عروة به.

قلت: وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات من رجال «التهذيب»، غير أحمد بن القاسم وهو التميمي، ترجمه ابن عساكر (2/42/2)، وروى عن عبدالعزيز الكناني أنه قال فيه: «كان ثقة مأموناً».

وفي الحكم بن هشام وأبي النضر واسمه إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي كلام لا يضر، وقد قال الحافظ في كل منهما: «صدوق»، زاد في الثاني: «ضُعِّف بلا مستند».

فالحديث بمجموع هذه المتابعات والطرق وحديث عمر رضي الله عنه، صحيح بلا ريب. ولكن يجب أن نعلم أن الكفاءة إنما هي في الدّين والخلق فقط". انتهى كلامه.

وصححه أيضاً في «صحيح سنن ابن ماجه» (1968)، و«صحيح الجامع» (5239).

قلت: بل هو حديثٌ منكرٌ.

وهذا مثالٌ من الأمثلة الكثيرة التي يصحح الألباني فيها الأحاديث المنكرة بالمتابعات الواهية جداً!

ويكفي قول أبي حاتم الرازي الذي نقله هو في هذا الحديث، فكيف إذا انضم إلى ذلك كلام الذهبي، وإيراد ابن عدي له في منكرات الحارث!

·       مَنْ حَكم بنكارة الحديث من الأئمة النقاد، وبيان حال راويه!

قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (1/403): سألت أبي عن حديث رواه الحارث بن عمران الجعفري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: «تخيروا لنطفكم»؟

قال أبي: "الحديث ليس له أصل. وقد رواه مندل أيضاً. قلت: فحدَّثنا علي بن حرب عن الحارث بن عمران هذا الحديث هذا المقدار من المتن. وحدَّثنا أبو سعيد الأشج عن الحارث بن عمران هذا الحديث، وزاد فيه: «وأَنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم»؟

قال أبي: الحارث ضعيف الحديث، وهذا حديث منكر.

قلت لأبي: ورواه أبو أمية بن يعلى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «انكحوا الأكفاء واختاروا لنطفكم، الحديث»؟

قال أبي: هذا حديث باطل! لا يحتمل هشام بن عروة هذا.

قلت: فممّن هو؟ قال: من راويه.

قلت: ما حال أبي أمية بن يعلى؟ قال: ضعيف الحديث" انتهى.

قلت: أليس هذا التعليل كافياً في ردّ هذا الحديث المنكر؟ فأبو حاتم أشار إلى أن هشام بن عروة لا يحتمل هذا الحديث؛ لأن أصحابه الثقات كُثر، ولم يرو أحد منهم هذا الحديث، وإنما رواه عنه الضعفاء، وعادة هؤلاء الضعفاء أنهم يأخذون عن بعضهم البعض، فكيف يقوى هذا الحديث بمثل هؤلاء؟!

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (3/84): سألت أبا زرعة عن الحارث بن عمران؟ فقال: "ضعيف الحديث، واهي الحديث".

قال: سألت أبي عن الحارث بن عمران الجعفري؟ فقال: "ليس بقوي، والحديث الذي رواه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تخيروا لنطفكم» ليس له أصل، وقد رواه مندل أيضاً".

وأورده ابن عدي في منكرات الحارث في ترجمته من «الكامل» (2/195)، وقال: "وهذا قد رواه عن هشام غير الحارث بن عمران، وللحارث أحاديث غير ما ذكرت عن جعفر بن محمد وعن غيره، والضعّف بيّنٌ على رواياته".

·       ترجيح ابن حبّان والخطيب بأن أصل الحديث مرسل، ودفع ذلك!

واتهمه ابن حبان بوضع الحديث، فذكره في «المجروحين» (1/225)، قال: "الحارث بن عمران الجعفري، من أهل المدينة يروي عن هشام بن عروة وحنظلة بن أبي سفيان، روى عنه أحمد بن سليمان وعلي بن حرب. كان يضع الحديث على الثقات، روى عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم»".

ثُم قال: "وقد تابع عكرمة بن إبراهيم الحارث بن عمران في هذه الرواية عن هشام بن عروة وهما جميعاً ضعيفان. أصل الحديث مرسل، ورفعه باطل".

قلت: وكذا رجّح الخطيب أنه مرسل.

فقال في «تاريخ بغداد» (1/264): "هذا حديثٌ غريبٌ من حديث هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة، اشتُهِرَ برواية الحارث بن عمران الجعفري عنه. وقد رُوي أيضاً عن أبي أمية بن يعلى، وعكرمة بن إبراهيم، وأيوب بن واقد، ويحيى ابن هاشم السمسار، عن هشام. واختلف على الحكم بن هشام العقيلي فيه، فرواه أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي عنه عن هشام، ورواه هشام بن عمار عن الحكم بن هشام عن مِنْدل بن علي عن هشام. وكلّ طرقه واهية. ورُوي عن قتادة، عن عروة، عن عائشة، كذلك حدَّث به أبو معاوية الضرير عن المختار بن منيح عن قتادة، ويقال: لم يروه عن المختار غير أبي معاوية. ورواه أبو المقدام هشام بن زياد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، وهو أشبه بالصواب. والله أعلم".

قلت: هشام بن زياد أبو المقدام منكر الحديث جداً، متروك الحديث. [الجرح والتعديل: (9/58)، الضعفاء والمتروكون للنسائي: (ص104)].

وقال ابن حبان في «المجروحين» (3/88): "كان ممن يروي الموضوعات عن الثقات والمقلوبات عن الأثبات حتى يسبق إلى قلب المستمع أنه كان المتعمد لها، لا يجوز الاحتجاج به".

قلت: فمثله لا يحتج بروايته المرسلة؛ لأن الاحتجاج بها يعني: أن هشام بن عروة رواه! وليس كذلك، فلو كان محفوظاً عن هشام مرسلاً كما رواه هشام ابن زياد لوجدناه عند بعض أصحابه. وإسقاطه من السند «عائشة» من الحديث؛ لأنه منكر الحديث، فهو يأخذ عن الضعفاء مثله دون إتقان.

ثُم وجدت الحديث عند أبي نُعيم في «تاريخ أصبهان» (1/370) من طريق الهيثم بن عَدي، عن هشام مولى عثمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم وانكحوا في الأكفاء، وإياكم والزنج فإنه خلق مشوه».

وهشام هو: ابن زياد أبو المقدام، وروايته هنا ليست مرسلة، والهيثم بن عدي المؤرخ الكوفي متروك الحديث، فيحتمل أنه زاد في إسناده «عائشة» سالكاً الجادة، ويحتمل غير ذلك، وعلى كلّ فلا يعوّل على أن أصل الحديث مرسل اعتماداً على رواية هشام هذه، وهو متروك.

·       وهمٌ لابن الجوزي!

وقد ذكر ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (1/182): "الحارث بن عمران الجعفري الكوفي: يروي عن محمد بن سوقة، وهشام بن عروة. قال الدارقطني: ضعيف. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الثقات".

ثم قال: "الحارث بن عمران الجعفري عن حنظلة. قال أبو زرعة: ضعيف الحديث واهٍ. وقال أبو حاتم الرازي: ليس بقوي والحديث الذي رواه تخيروا لنطفكم ليس له أصل".

قلت: كذا فرّق بينهما ابن الجوزي، وهما واحد.

·       بيان منهج الألباني في التعامل مع الحديث!

أشار الألباني إلى الزيادة المنكرة - عنده - في «ضعيفته» (5041) وأعاد هناك كلام أبي حاتم عند الكلام على الحديث الذي أخرجه الدارقطني في «سننه» (3/299) من طريق أبي أمية بن يعلى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنكحوا إلى الأكفاء، وأنكحوهم، واختاروا لنطفكم، وإياكم والزنج فإنه خلق مُشوه».

قال الألباني: "باطل بهذا التمام"، ثم قال: "وهذا إسناد واه؛ فيه أبو أمية بن يعلى، قال الذهبي في الميزان - وتبعه الحافظ في اللسان-: «ضعفه الدارقطني، وقال ابن حبان: لا تحل الرواية عنه إلا للخواص»".

ثم قال الشيخ معقباً على كلام أبي حاتم: "قلت: لكن الطرف الأول منه قد جاء من طرق أخرى عن هشام، ومن طريق آخر عن عائشة، ومن حديث ابن عمر؛ ولذلك؛ خرجته في «الصحيحة» (1067)" انتهى كلامه.

قلت:

أولاً: الألباني لا يرجع إلى الأصول، وإنما يعتمد المختصرات، فرأى في «الميزان»، و«اللسان» هذا الكلام فنقله، وكأنه فعل ذلك؛ لأنه لم يعرف اسم أبي أمية. واسمه إسماعيل، وهو مترجم في كتب أهل العلم.

قال أبو خالد يزيد بن الهيثم بن طهمان الناقد: سمعت أبا زكريا يحيى بن معين يقول: "أبو أمية بن يعلى: ليس بثقة". [تاريخ يحيى رواية ابن طهمان: (ص:94)].

وقال العبّاس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: "أبو أمية بن يعلى الثقفي: ضعيف، ليس بشيء".

وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (1/377): "إسماعيل بن يعلى الثقفي أبو أمية البصري: سكتوا عنه".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (2/203): سمعت أبي يقول: "أبو أمية بن يعلى: ضعيف الحديث أحاديثه منكرة".

قال: وسألت أبا زرعة عن أبي أمية بن يعلى؟ فقال: "واهي الحديث ضعيف الحديث، ليس بقوي".

وقال النسائي في «الضعفاء والمتروكين» (ص113): "أبو أمية بن يعلى: متروك الحديث".

وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/126): "إسماعيل بن يعلى الثقفي أبو أمية، من أهل البصرة، يروي عن جماعة من التابعين، روى عنه زيد بن الحباب. كثير الخطأ فاحش الوهم، ضعفه يحيى بن معين".

وأعاده في «الكنى» من «المجروحين» (3/147)، فقال: "أبو أمية بن يعلى من أهل البصرة، يروي عن أبي الزناد وهشام بن عروة، روى عنه أهل العراق. ممن تفرد بالمعضلات عن الثقات حتى إذا سمعها من العلم صناعته لم يشك أنها موضوعة، لا يحل الاحتجاج به ولا الرواية عنه إلا للخواص من الاعتبار، وهو الذي روى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «خمس لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر: المرآة والمكحلة والمشط والمدراء والسواك»".

وقال ابن عدي في «الكامل» (1/316) - وأورد هذا الحديث في منكراته -: "وهذا الحديث لا أعلم يرويه عن هشام بن عروة غير أبي أمية بن يعلى، وعبيد بن واقد شيخ بصري، وهو أيضاً في جملة الضعفاء".

وهذا الحديث مثل حديثنا الذي ننافش الألباني فيه، لم يروه عن هشام ابن عروة إلا الهلكى.

ويتبيّن لنا أيضاً معنى كلام ابن حبان الذي نقله الحافظ الذهبي مختصراً: "لا تحل الرواية عنه إلا للخواص"، أي لأهل النقد الذين يعرفون الحديث من أجل اعتبار حديثه، وبيان حاله.

·       تخريج الدارقطني للحديث في «السنن»!

ثانياً: بعد أن أخرج الدارقطني حديث أبي أمية هذا، قال: "تابعه الحارث بن عمران"، ثم ساق روايته.

وهذا لا يعني أن الدارقطني - رحمه الله - يقبل هذا الحديث لقوله بأن الحارث تابع إسماعيل بن يعلى، فسننه إنما هي سنن معللة في الغالب، وهو يورد فيها الأحاديث التي لا تصح إلا إذا نصّ هو على صحتها وأنها مقبولة.

وقد نقل البرقاني عن الدارقطني أنه قال في الحارث بن عمران: "متروك" [تهذيب التهذيب: (2/132)] وقال في أبي أمية: "متروك الحديث".

·       خطأ لابن عَدي، والذهبي، ودفع نسبة قولٍ لشعبة!

ثالثاً: قال الذهبي في «الميزان» (1/417) في أبي أمية: "وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقد مشّاه شعبة، وقال: اكتبوا عنه فإنه شريف. وقال البخاري: سكتوا عنه. وذكره ابن عدي، وساق له بضعة عشر حديثاً معروفة لكنها منكرة الإسناد".

فتعقبه الحافظ في «اللسان» (1/445)، فقال: "وقال أبو عبيد الآجري: قلت لأبي داود: حكى رجلٌ عن شَيبان الأُبليّ أنه سمع شعبة يقول: اكتبوا عن أبي أمية بن يعلى فإنه شريف لا يكذب، واكتبوا عن الحسن بن دينار فإنه صدوق. فكذَّب أبو داود الذي حكى هذا. قال الآجري: غلام خليل حكى هذا. قلت: وغلام خليل كما تقدم مجمع على تكذيبه، فكيف جزم المؤلف أن شعبة قال: اكتبوا عنه؟!".

قلت: جزم الذهبي بهذا؛ لأن ابن عدي رواه في «الكامل» (1/315) قال: حدثنا الحسن بن علي بن زفر قال: سمعت الصباح بن عبدالله يقول: سمعت شعبة يقول: «اكتبوا عن أبي أمية بن يعلى، فإنه رجل شريف لا يكذب».

وظاهر تصرف ابن عدي أنه قبل هذه الرواية؛ لأنه ذكرها في ترجمة أبي أمية بعد أن ساق قول من ضعّفه، واعتمد عليها أيضاً ابن الجوزي في «الضعفاء» قبل الذهبي، فجزم بهذا القول لشعبة.

أما ابن حجر فلم يتنبه لهذه الرواية التي ساقها ابن عدي، وإنما اعتمد على ما حكاه الآجري عن أبي داود.

وما حكاه أبو داود صحيح، فهذه الرواية كذب على شعبة. والعجب من ابن عدي كيف ساق هذه الرواية وقبلها مع أنها من رواية الحسن بن علي بن زفر، وهو نفسه قد كذّبه في كتابه!

قال في «الكامل» (2/338): "الحسن بن علي بن صالح بن زكريا بن يحيى بن صالح بن عاصم بن زفر أبو سعيد العدوي البصري: يضع الحديث ويسرق الحديث ويلزقه على قوم آخرين، ويحدِّث عن قوم لا يعرفون، وهو متهم فيهم أن الله لم يخلقهم. حدث عن خراش عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم بأربع عشر حديثاً، والصباح بن عبدالله أبو بشر وإبراهيم بن سليمان السلمي جميعاً عن شعبة، ولؤلؤ بن عبدالله، والحجاج بن النعمان وغيرهم، وهؤلاء لا يُعرفون. وحدّث عنهم عن الثقات بالبواطيل، ويضع على أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدّث عن من لم يرهم"!

والحسن بن علي يروي أمثال هذه الأقوال عن شعبة!

فقد روى ابن عساكر في «تاريخه» (19/219) بإسناده إلى أبي سعيد العدوي، قال: حدثنا الصباح بن عبدالله أبو بشر، قال: سمعت شعبة يقول: «لا تكتبوا عن الفقراء شيئاً، فإنهم يكذبون لكم».

وروى أيضاً عنه عن الصباح قال: سمعت شعبة يقول: «اكتبوا عن زياد بن مخراق فإنه رجل موسر لا يكذب».

فتبيّن أن هذا القول الذي نُسب إلى شعبة لا يصح، وهو موضوع عليه. وقد أخطأ ابن عدي في ذكره في ترجمة أبي أمية، وأخطأ ابن الجوزي والذهبي في اتباعهما لابن عدي، وتسرّع ابن حجر في تعقبه للذهبي دون أن يتنبه إلى أصل الخطأ، فرحمهم الله جميعاً.

رابعاً: ذكر الألباني في «ضعيفته» أن هناك رواية عن ابن عمر، وفي «صحيحته» عن عمر - كما تقدم-! والصواب أنها رُويت عن عمر.

·       الشاهد الذي اعتمده الألباني، ومن قبله ابن حجر!

فحديث عمر الذي أشار إليه ابن حجر، ورواه أبو نُعيم هو في «تاريخ أصبهان» (2/78)، وكان ينبغي أن يقيده لا أن يطلقه؛ لأن الإطلاق عادة يكون لتخريجه الحديث في «الحلية».

فالحديث رواه أبو نُعيم في «تاريخه» من طريق يحيى بن صالح الوحاظي، قال: حدثثنا سليمان بن عطاء: حدثنا مسلمة بن عبدالله الجهني، عن عمّه أبي مشجعة: سمع عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم، وانتخبوا المناكح، وعليكم بذات الأوراك فإنهن أنجب».

ورواه ابن عدي في «الكامل» (3/285) من طريق يحيى بن صالح، به.

قال ابن عدي: "ولسليمان بن عطاء عن مسلمة عن عمه أبي مشجعة عن أبي الدرداء وغيره غير ما ذكرت من الحديث، وفي بعض أحاديثه وليس بالكثير مقدار ما يرويه بعض الإنكار كما ذكره البخاري".

وقال العجلوني في «كشف الخفاء» (1/358): "وفي لفظ عن عمر مرفوعاً، كما ذكره أبو موسى المديني في كتاب «تضييع العمر والأيام في اصطناع المعروف الى اللئام» بلفظ: «فانظر في أي نصاب تضع ولدك فإن العِرق دساس»".

وهذا الحديث منكر، ولا يتقوى بالحديث الذي روي عن هشام بن عروة كما زعم الحافظ ابن حجر! وهذا من تساهله المعروف في شرحه لصحيح البخاري «الفتح». فكلاهما منكر! فهل يتقوى المنكر بمثله؟!

وقد تساهل ابن حجر أيضاً في قوله في هذا الحديث: "وفي إسناده مقال"! فراويه منكر الحديث، وتفرده لا يُحتمل في هذه الطبقات!

قال البخاري في «التاريخ الكبير» (4/28): "سليمان بن عطاء: سمع مسلمة بن عبدالله، روى عنه يحيى بن صالح الشامي. في حديثه مناكير".

وقال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (4/133): وسمعته - يعني أباه- يقول: "هو منكر الحديث، يكتب حديثه".

وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/329): "سليمان بن عطاء: شيخٌ يروي عن مسلمة بن عبدالله الجهني، عن عمّه أبي مشجعة بن ربعي بأَشياء موضوعة، لا تشبه حديث الثقات! فلست أدري التخليط فيها منه أو من مسلمة بن عبدالله".

وقال الذهبي في «المغني في الضعفاء» (1/282): "سليمان بن عطاء الحراني عن مسلمة الجهني: هالك، اتهم بالوضع. لقيه النفيلي، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي".

قلت: قوله: "وقال أبو حاتم: ليس بالقوي" فهمه من قول أبي حاتم السابق: "يُكتب حديثه"! يعني يُكتب للاعتبار، وقول أبي حاتم هذا يعني أنه شديد الضعف يُكتب حديثه ولا يُحتج به.

وقول البخاري: "في حديثه مناكير"، بمفهوم المخالفة يعني أن عنده أحاديث ليست منكرة، وكذا قال في «الضعفاء الصغير» (ص53): "في حديثه بعض المناكير". وهذا ما فهمه ابن عدي عنه: أنه يقع في حديثه بعض الإنكار!

قلت: ولكن في هذا نظر! لأن حديثه كلّه منكر على قلته. وقد وجدت أن كلّ من قال فيهم البخاري: "في حديثه مناكير" قال فيهم غيره: "منكر الحديث" أو "ليس بشيء" وشبههما.

·       زيادة عند ابن حجر على كلام المزي يُحتمل أنها من كلامه، ويُحتمل غير ذلك!

وقد ترجم المزي في «تهذيب الكمال» (12/43): "سليمان بن عطاء بن قيس القرشي أبو عمر الجزري الحراني، روى عن عبدالله بن دينار البهراني الشامي، ومسلمة بن عبدالله الجهني (ق). روى عنه: بكر بن خنيس، وأبو جعفر عبدالله بن محمد النفيلي، وعيسى بن إبراهيم الهاشمي، ومحمد بن القاسم الحراني، وأبو وهب الوليد بن عبدالملك بن مسرح الحراني، ويحيى بن صالح الوحاظي (ق). قال البخاري: في حديثه مناكير. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال أبو أحمد بن عدي: وفي أحاديثه وليس بالكبير مقدار ما يرويه بعض الإنكار كما قال البخاري. وقال أبو حاتم بن حبان في كتاب الثقات: سليمان بن عطاء يروي عن عبدالله بن الزبير، روى عنه صفوان بن سليم. روى له ابن ماجة".

وذكر ابن حجر هذا في «تهذيب التهذيب» (4/184) وزاد بعد قول المزي: "وعنه صفوان بن سليم": "فيحتمل أن يكون هو ويحتمل أن يكون غيره"، وظاهره أنه من قول المزي، ولا يوجد في كتاب المزي المطبوع بتحقيق الدكتور بشار معروف! ومما يدلّ على أنه نقله من قول المزي أنه قال بعده: "قلت: هذا غيره قطعاً، وصاحب الترجمة قد ذكره ابن حبان في «الضعفاء»، فقال: شيخ يروي عن مسلمة بن عبدالله الجهني عن عمه أبي مشجعة بن ربعي أشياء موضوعة، لا تشبه حديث الثقات. فلست أدري التخليط فيها منه أو من مسلمة. وذكره البخاري في فصل من مات من التسعين إلى المائتين. وقال أبو حاتم: منكر الحديث يكتب حديثه".

" وشبههما.

·       تعقّب مُغلطاي للمزي ومناقشته في ذلك!

وقد تعقّب مغلطايُ المزيَّ في هذه الترجمة في ثلاثة مواضع:

الأول: الموضع الذي ذكره ابن حجر أيضاً، قال في «إكمال تهذيب الكمال» (6/78 - 79): "قال المزي: قال ابن حبان في كتاب «الثقات»: سليمان بن عطاء، روى عن عبدالله بن الزبير، روى عنه صفوان بن سليم. انتهى كلامه، وفيه نظرٌ من حيث أن هذا تابعي كبير، روى عنه تابعي أيضاً، والأول ليس تابعياً جملة واحدة فذكره إياه في هذه الترجمة ذهول شديد. والذي قاله ابن حبان في سليمان بن عطاء الجزري صاحب الترجمة: شيخ يروي عن مسلمة...".

قلت: كان ينبغي على مغلطاي أن ينبه أن هذا الذي قاله ابن حبان في سليمان هو في كتاب «الضعفاء» لئلا يظن القارىء أنه في «الثقات»!

وقد أصاب مغلطاي في تعقبه هذا. وقد فرّق بينهما البخاري في «التاريخ الكبير» (4/28)، وتبعه أبو حاتم وابنه كما في «الجرح والتعديل» (4/133).

وقال ابن حجر في «تقريب التهذيب» (ص253): "سليمان بن عطاء بن قيس القرشي أبو عمر الجزري: منكر الحديث، من الثامنة. مات قبل المائتين. (ق)".

ثُم قال: "سليمان بن عطاء المكي، مقبول، من الرابعة. وهم من خلطه بالذي قبله. (تمييز)".

قلت: يشير بهذا إلى المزي فهو الذي خلطه بالذي قبله. وهو مجهول لا يُعرف، وحديثه ليس بمقبول، وأخطأ ابن حبان بذكره في «الثقات» (4/303) حيث قال: "سليمان ابن عطاء: يروى عن عبدالله بن الزبير، روى عنه صفوان ابن سليم".

قلت: هو لا يُعرف إلا في حديث واحد ذكره البخاري في ترجمته، وفي إسناده اختلاف، وهو مجهول.

الثاني: وقد تعقّبه مغلطاي أيضاً بنقله عن أبي زرعة قوله في سليمان بن عطاء: منكر الحديث.

قال مغلطاي: "كذا ذكره المزي وقبله صاحب الكمال، وفيه نظر؛ لأن هذا القول إنما هو فيما رأيت من كتب التجريح والتعديل لأبي حاتم ليس لأبي زرعة فيه كلام ألبتة. بيانه قول ابن أبي حاتم نصّه: «سليمان بن عطاء القرشي الحراني، روى عن مسلمة... سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: هو منكر الحديث يكتب حديثه». هذا جميع ما ذكره به".

قلت: لم يُصب مغلطاي في هذا. والأمر كما ذكره المزي، وقد نقله من «سؤالات البرذعي» (ص356؟) قال: وسألت أبا زرعة عن سليمان بن عطاء؟ فقال: "منكر الحديث".

الثالث: قال مغلطاي: "وقال أبو عروبة الحراني في كتاب «الطبقات»: «سليمان بن عطاء، من أهل حرّان، يقولون: إنهم من أهل فدك، وعقبهم بحرّان. حدّث عن أبيه» انتهى. فتسمية المزي جدّه «قيساً» ينبغي أن يتثبت فيه فإني لم أر [له] فيه سلفاً".

قلت: عدم ذكر أبي عروبة لاسم جدّه لا يعني أن المزي وهم فيه. وكأنه اعتمد على ما جاء في بعض الأسانيد، كما روى ابن شبّة في «أخبار المدينة» (2/26) عن أبي بكر أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي، قال: سمعت أبا عبدالله محمد بن سليمان بن عطاء بن قيس الحراني، قال: حدثني أبي سليمان بن عطاء، عن مسلمة بن عبدالله الجهني، عن عمّه أبي مشجعة بن ربعي الجهني، قال: «لما قدم عمر - رضي الله عنه - الجابية لغرض الخراج، وذلك بعد وقعة اليرموك»، فذكره بطوله.

وأخرجه ابن عساكر في «تاريخه» (67/231) من طريق أبي إسحاق طلحة بن عبدالله بن محمد الطلحي النديم، عن أبي بكر أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي، مثله.

فثبت من هذا أنّ اسم جدّه «قيساً» كما ذكر المزي.

·       حديث ابن عيينة الذي أخرجه أبو نُعيم في «الحلية»!

أما الحديث الذي أخرجه أبو نُعيم في «الحلية» (3/377) من طريق عبدالعظيم بن إبراهيم السالمي، قال: حدثنا عبدالملك بن يحيى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن زياد بن سعد، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «تخيروا لنطفكم واجتنبوا هذا السواد فإنه لون مشوه».

قال أبو نُعيم: "غريب من حديث زياد والزهري! لم نكتبه إلا من هذا الوجه".

قلت: هذا إسنادٌ مجهول. وابن عيينة لا يحتمل هذا! وأين أصحابه الثقات، وكيف يتفرد به هذا المجهول عنه؟!

·       رواية صالح بن موسى الطلحي!

وأما رواية صالح بن موسى الطلحي التي أشار إليها ابن حجر ومالَ إليها، أخرجها الدارقطني في «سننه» (3/298) عن أحمد بن محمد بن زياد، قال: حدثنا موسى بن إسحاق، قال: حدثنا عمر بن أبي الرطيل، قال: حدثنا صالح بن موسى، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اختاروا لنطفكم المواضع الصالحة».

قلت: صالح بن موسى ليس بشيء.

قال العباس الدوري عن يحيى قال: "صالح الطلحي حديثه ليس بشيء".

وقال البخاري: "صالح بن موسى من ولد طلحة بن عبيدالله: منكر الحديث".

وقال النسائي: "صالح بن موسى الطلحي: متروك الحديث".

وقال ابن حبان في «المجروحين» (1/369): "كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها أنها معمولة أو مقلوبة، لا يجوز الاحتجاج به".

وذكر له ابن عدي في «الكامل» (4/69) بعض المناكير عن هشام بن عروة وغيره، ثُم قال: "ولصالح عن هشام عن أبيه عن عائشة غير ما ذكرت، وفيما يرويه عن هشام عن أبيه عن عائشة قلّ ما يتابعه عليه أحد".

قلت: فإن تابعه أحد يكون مثله هالك.

·       عدم تنبه الألباني للاختلاف في الأسانيد التي تنبني عليها العلل!

وأما المتابع الذي ذكره الألباني عند ابن عساكر من طريق أبي بكر أحمد بن القاسم: أخبرنا أبو زرعة: حدثنا أبو النضر: حدثنا الحكم بن هشام: حدثني هشام بن عروة به.

ونقل الألباني توثيق أحمد بن القاسم، وفي الإسناد تصريح الحكم بن هشام من هشام بن عروة، فكأنه اغتر بهذا السماع فحسّن الحديث!

فهذا الحديث رواه أحمد بن القاسم عن أبي زرعة الرازي عن أبي النضر، وتابع أبا زرعة عليه رفيقه أبو حاتم، فقد رواه ابن أبي الدنيا في كتاب «العيال» (1/280) عن محمد بن إدريس أبي حاتم الرازي، قال: حدثنا أبو النضر الدمشقي إسحاق بن إبراهيم، قال: حدثنا الحكم بن هشام، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وتزوجوا إليهم».

قلت: فذكر صيغة التحديث بين الحكم بن هشام وهشام بن عروة غير محفوظة، وإنما هي من التساهل في النسخ عند المتأخرين! ورواية أبي حاتم الرازي ليس فيها صيغة التحديث، وإنما هي بالعنعنة.

وتحسين الألباني لهذا الإسناد فيه نظر! وهو لم يلتفت إلى الاختلاف الذي وقع في إسناده!

فقد أشار إلى هذا الاختلاف الخطيب، فقال بعد أن روى الحديث - والألباني ذكر روايته في تخريج الحديث -: "واختلف على الحكم بن هشام العَقيلي فيه، فرواه أبو النضر إسحاق بن إبراهيم الدمشقي عنه عن هشام، ورواه هشام بن عمّار عن الحكم بن هشام عن مِنْدل بن علي عن هشام".

فرواه أبو النضر عن الحكم بن هشام عن هشام بن عروة، وخالفه هشام بن عمار، فرواه عن الحكم عن مندل عن هشام، فجعل واسطة بين الحكم وهشام.

ولم يذكر الألباني رواية هشام بن عمار، وإنما ذكر رواية أبي النضر، وحسّن إسناده بحجة أن في أبي النضر والحكم بن هشام كلام لا يضر!

قلت: إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الدمشقي أبو النضر القرشي من أهل الصدق، وقد وثقه أهل العلم، ولكن قال ابن حبان في «الثقات» (8/111): "ربما خالف". ومن أجل هذا لم ينص ابن حجر على ثقته في التقريب، وإنما قال: "صدوق".

وهشام بن عمّار وثقه أيضاً أهل العلم، وهو صدوق مكثر، له ما يُنكر، وكان قد تغير، وكان يتلقّن.

ولكن هذا من صحيح حديثه قبل تغيره، وقد ضبطه بذكر «مندل» بين الحكم بن هشام وهشام بن عروة، وروايته هي الراجحة.

فإما أن يكون «أبو النضر» قد أخطأ فيه، فأسقط «مندلاً»، وإما أن يكون الاختلاف من الحكم نفسه.

والحكم بن هشام الثقفي العَقيلي من آل أبي عقيل أبو محمد، كوفي، كان يتجر إلى الشام، فسكن دمشق، وقد وثقه بعض أهل العلم، ولكن قال أبو عبدالله محمد بن إبراهيم الأصبهاني: قلت لأبي حاتم: ما تقول في الحكم بن هشام، يحدث عن عبدالملك بن عمير؟ فقال: "هو ثقفي كوفي، يُكتب حديثه، ولا يُحتج به" [تاريخ دمشق: (15/87)].

ومن أي كان الخطأ، فإن الصواب في هذا الإسناد: «عن مندل عن هشام بن عروة»، ومما يؤيد ذلك أن الحكم بن هشام كان يحضر عند مندل في الكوفة.

روى ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (15/88) من طريق عبدالله بن صالح العجلي، قال: أقبل الحكم بن هشام الثقفي يريد مندلاً، فلما دنا منه قال أصحاب مندل نكلمه. قال: دعوه. فلما جلس قالوا له: يا أبا محمد، ما تقول في عثمان؟ قال: "كان والله خيار الخيرة، أمير البررة، قتيل الفجرة، منصور النصرة، مخذول الخذلة. أما خاذله فقد خذله الله، وأما قاتله فقد قتله الله، وأما ناصره فقد نصره الله. ما تقولون أنتم؟" قالوا: فعليّ خير أو معاوية؟ فقال: "بل عليّ خيرٌ من معاوية". قالوا: فأيهما كان أحقّ بالخلافة؟ قال: "من جعله الله خليفة فهو أحقّ".

وقد رجّح أبو حاتم الرازي الإسناد الذي فيه «مندلاً».

قال ابن أبي حاتم في «علل الحديث» (1/407): سمعت أبي وأبا زرعة -وذكرا حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «انكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم» - فقالا جميعاً: "لا يصح هذا الحديث". وقالا: "رواه جعفر بن خالد الزبيري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، ورواه هشام بن عمار، [عن] الحكم بن هشام، عن مندل، عن هشام بن عروة".

قال أبي بحضرة أبي زرعة: "ولا أراه إلا ومندل قد دلّسه عن هشام".

فقال أبو زرعة: "الحديث ليس بصحيح".

قلت: فالحديث حديث مندل عن هشام بن عروة، وقول أبي حاتم يعني أن مندلاً أخذه عن بعض الضعفاء، ثُم دلّسه، وأسقط الضعيف. ومندل ضعيف أيضاً، يُكتب حديثه ولا يُحتج به كما قرره أهل النقد.

·       خطأ في كتاب ابن أبي حاتم!

جاء في المطبوع من «العلل»، وكذلك في طبعة الدباسي الجديدة لـ«العلل» هكذا: "ورواه هشام بن عمار والحكم بن هشام عن مندل عن هشام بن عروة".

وهذا خطأ بيّن، وصوابه ما أثبته، فرواية هشام بن عمار عن الحكم بن هشام عن مندل كما سبق بيانها والاختلاف على الحكم، وهشام بن عمار ليس من تلاميذ مندل، بل يروي عنه بواسطة الحكم. وكأن الخطأ في أصل نسخ كتاب «العلل»، والله أعلم.

·       التفرقة بين الحكم بن هشام الذي يروي عن ابن عائذ، وبين الحكم بن هشام الذي يروي عن مندل! وهما واحد!

وقال الذهبي في «المغني» (1/186): "الحكم بن هشام الثقفي شيخ ابن عائذ، وثقوه. وأما أبو حاتم فقال: لا يُحتج به".

ثُم قال: "الحكم بن هشام، شيخ روى عن مندل. قال الأزدي: ضعيف".

وقال في «الميزان» (2/349): "الحكم بن هشام (س ق) الثقفي، كوفي نزل دمشق. روى عن قتادة ومنصور، وعنه: ابن مسهر وابن عائذ وخلق. وثقه ابن معين وأبو داود والعجلي. وقال أبو حاتم: لا يحتج به".

ثُم قال: "الحكم بن هشام: روى عن مندل بن علي. قال الأزدي: ضعيف".

فتعقبه ابن حجر في «اللسان» (2/340)، فقال: "وفي «ثقات ابن حبان»: الحكم بن هشام الثقفي من أهل الكوفة، روى عن عبدالملك بن عمير وقتادة، روى عنه: يحيى بن المنهال. فأظنه هذا".

وقال في «تهذيب التهذيب» (2/381): "وقال الأزدي: الحكم بن هشام، روى عنه مندل بن علي: ضعيف. فهو هو، والأزدي ليس بعمدة".

قلت: كأن الأزدي وقف على حديث الحكم بن هشام هذا عن مندل، فضعفه من أجل ذلك، وكأنه لم يعرف أن هذا الذي روى عن مندل هو الحكم بن هشام الثقفي المعروف. فيحتمل أن الأزدي فرّق بينهما.

وتبعه ابن الجوزي في «الضعفاء والمتروكين» (1/230) فقال: "الحكم بن هشام: يروي عن مندل. قال الأزدي: ضعيف".

والذهبي إنما أخذ هذه الترجمة من ابن الجوزي، ففرّق بينهما، والصواب أنهما واحد، فالحكم بن هشام الثقفي هو نفسه الذي يروي عن مندل.

·       رواية أخرى لهذا الحديث! وتصحيح الألباني له بمتابعات الهلكى والسراقين!

قال ابن حبان في «المجروحين» (2/286): "محمد بن مروان السُّدي، من أهل الكوفة، يروي عن الكلبي وداود بن أبي هند، روى عنه العراقيون. كان ممن يروي الموضوعات عن الأَثبات، لا يحلّ كتابة حديثه إلا على جهة الاعتبار، ولا الاحتجاج به بحال من الأحوال. روى عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «زوجوا الأكفاء وتزوجوا إليهم واختاروا لنطفكم، وإياكم والزنج فإنه خلق مُشوه»".

فالحديث صححه الألباني بهذه المتابعات الواهية، وهذا يدلّ على تساهله الكبير في هذه المسألة، وكان شديداً على مخالفيه إذا انتقدوه في تصحيحات وتحسيناته، وكان يقسو عليهم ويسفههم كما هو مسطور في مقدمات طبعات كتبه الجديدة!

فهذا الحديث رواه عن هشام بن عروة بهذا الإسناد:

- الحارث بن عمران الجعفري. مدني، ويُقال: كوفي، مُتهم بالوضع، متروك الحديث.

- أبو أمية بن يعلى. بصري، متروك الحديث.

- أبو المقدام هشام بن زياد. بصري، متروك الحديث.

- عكرمة بن إبراهيم، بصري، ليس بشيء، متروك.

- صالح بن موسى الطلحي، كوفي، متروك الحديث.

- أيوب بن واقد، كوفي، نزل البصرة، ليس بثقة، متروك.

- يحيى بن هاشم السمسار، كان ببغداد، متروك الحديث، واتهمه ابن عدي بوضع الحديث وسرقته، وكذبه بعض أهل العلم.

- جعفر بن خالد الزبيريّ، مدني، لا يُتابع على حديثه، منكر الحديث.

- محمد بن مروان السدي، كوفي، متروك الحديث.

- مِنْدل بن علي، كوفي، سيء الحفظ، روى المناكير عن الثقات، لا يحتج به، تركه بعض أهل العلم. وقد دلّس هذا الحديث عن بعض الضعفاء.

فأصل الحديث من الحارث بن عمران الجعفري، وهو متهم، رواه في الكوفة وأخذه عنه الهلكى، وسرقه بعضهم فرووه عن هشام، وسِير به إلى الشام، فروي عن هشام أيضاً! فهل يُقال في مثل روايات هؤلاء الهلكى: إن بعضهم يقوي بعضاً؟!

ولاحظ أخي القارئ المنصف كيف يتفرد هؤلاء الهلكى بأحاديث عن الثقات. فأبو أمية بن يعلى هو الذي روى عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت: «خمس لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ولا حضر: المرآة والمكحلة والمشط والمدراء والسواك».

ورواه أيضاً أيوب بن واقد عن هشام بن عروة، مثله.

قال ابن عدي في «الكامل» (1/355): "هذا الحديث لم يحدّث به عن هشام بن عروة إلا ضعيف".

·       قول محمد عوّامة حول هذا الحديث!

وقد خرّج محمد عوّامة هذا الحديث أثناء تحقيقه لـ «مصنف ابن أبي شيبة» (9/409-413)، ثُم قال: "وعلى كلّ: فالحديث بطرقه كلها ضعيف، ويحتمل تقويتها ببعضها، والحافظ إنما حسّن في التلخيص الحبير من طرقه عن عائشة فقط، أما السخاوي في المقاصد الحسنة (323) فإنه أخذ كلام شيخه ثم أفاد أنه حسن بطرقه الأخرى. ولا يلزم من ضعف الحديث أن لا يتخيَّر الرجلُ الزوجَ الكفءَ له، بل إن هذا الحديث مثال على الحديث الضعيف الذي جوّزوا واستحبوا العمل به، ولا يأخذك تيار إنكار العمل بالحديث الضعيف، فهذا الإمام البخاري رحمه الله يقول في «صحيحه»: كتاب النكاح12- ((باب إلى من ينكح؟ وأيُّ النشاء خير؟ وما يستحب أن يتخيّر لنطفه من غير إيجاب))، فانظر إشارته إلى هذا الحديث، وانظر قوله: يستحبّ من غير إيجاب، وهذا هو بعينه الذي قاله النووي: يجوز ويستحب العمل بالضعيف. فاستحبَّ من غير أن يوجب" انتهى.

قلت: على كلامه ملحوظات:

أولاً: لا أدري كيف يقول هذا الكلام وأن الحديث يحتمل التقوية بطرقه هذه مع ما ذكره قبل ذلك بصفحة: "وخلاصة ما تقدم أنه ما من طريق إلا وفيها متروك أو متهم، أو هي معللة"؟!

فهذا تصريح منه أن كل طرقه فيها متروك أو متهم أو علة، فكيف يحتمل التقوية بذلك؟!

ثانياً: مسألة العمل بالضعيف مسألة معروفة عند أهل العلم، وليس هذا محل نقاش الشيخ فيها، وهي كما هو معلوم لها شروط وضوابط عند من يعمل به، وهو إنما ذكرها هنا؛ لأنه يرى أن الحديث ضعيف، فيعمل به من هذا المنظار، أي العمل بالحديث الضعيف! ولكن السؤال: هل هذا الحديث ضعيف؟ أي يُحتمل ضعفه؟ الجواب: هو كما قرر كل طرقه فيها إما متروك أو متهم، فهل إذا كان الحديث كذلك يطلق عليه بأنه ضعيف وأنه يعمل به؟!

فلازم كلامه عن الخلاصة التي ذكرها عن هذا الحديث أنه باطل، ولا أصل له، بل هو مكذوب! فكيف يجعله من باب الضعيف الذي يعمل به؟!

ثالثاً: الذي جعل عوامة القول بهذا هو التيار الذي ذكره، وهو تيار مضاد للتيار الذي يسير عليه هو! وهما تياران مختلفان في العقيدة، ومن ثَمَّ جعل بعض من ينتمون لكلا التيارين الخلاف ينْزل إلى أمور الحديث والفقه وغير ذلك! وهذا - والله- مصيبة، فأين الإنصاف والعدل. فالحقّ مع الدليل، وأربأ بهؤلاء أن يكون عندهم ردّة الفعل هذه.

رابعاً: نعم، أشار البخاري في هذه الترجمة إلى هذا الحديث، ولكن إشارته هذه لا يُفهم منها أنه يعمل بهذا الحديث؛ لأنه ضعيف. بل العكس هو الصواب، فهو يرى بطلان هذا الحديث، وهو يعلم أن الناس يتداولونه ويروونه ويعملون به، فأراد أن يشير إلى مسألة فقهية دقيقة، وهي أن الناس يتطلعون إلى الكفاءة وهي مطلوبة ولكن ليست على سبيل الإيجاب. فهو رحمه الله يقرر حكماً من إيراده لهذه الترجمة.

والبخاري رحمه الله ذكر هذه الترجمة «باب: إلى من ينكح؟ وأي النساء خير؟ وما يستحب أن يتخير لنطفه من غير إيجاب» وأورد تحتها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش، أحناه على ولد في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده».

فقصده أنه يستحب أن يتخير الرجل من نساء قريش، أو من هنّ مثلهنّ، وأن هذا هو المقصود من التخير لنطفه، من غير إيجاب، ويُحتمل أنه جعل هذا الاختيار في نساء قريش خصوصاً، والله أعلم.

·       رواية هذا الحديث عن قتادة عن عروة عن عائشة!

وقد أشار الخطيب إلى هذه الرواية، فقال: "ورُوي عن قتادة، عن عروة، عن عائشة، كذلك حدَّث به أبو معاوية الضرير عن المختار بن منيح عن قتادة، ويقال: لم يروه عن المختار غير أبي معاوية".

وذكر الدارقطني هذه الرواية في «الغرائب والأفراد» [كما في «الأطراف»: (5/456] ضمن حديث عائشة، باب رواية «قتادة عن عروة» حديث رقم (6048) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم الحديث».

قال الدارقطني: "تفرد به المختار بن منيح عن قتادة عنه عنها، ولم يروه عنه غير أبي معاوية".

قلت: كذا قال الخطيب والدارقطني أنه من حديث عائشة! ولكن رواه ابن أبي شيبة في «مصنفه»، باب «من كان يحبّ أن يتخير في التزويج ومن كان لا يفعل» (4/25) رقم (17432) قال: حدثنا أبو معاوية، عن مختار بن منيح، عن قتادة، عن عروة بن الزبير، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم».

فلم يذكر «عائشة» في الرواية، فهو مرسل، وكذا حكم عليه البخاري في ترجمة «مختار» من «التاريخ الكبير» (7/386)، قال: "مختار بن صبيح الثقفي، عن قتادة، عن عزرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. روى عنه أبو معاوية، مرسل".

قلت: هذه الترجمة تتضمن أموراً:

أولاً: جاء في الترجمة: «مختار بن صبيح»، وأشار الإمام المعلمي اليماني في تحقيقه إلى أنه وقع في الأصلين اللذين اعتمد عليهما من التاريخ الكبير هكذا. وأشار إلى أنه وقع في غير هذا الكتاب: «منيح» بالميم، وكأن هذا هو الصواب؛ لأن أبا حاتم وابن حبان عادة يتبعان البخاري في تراجمه، وكذا جاء عندهما، فكأنه حصل خطأ في نسخ البخاري في هذا الموضع.

قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/312): "مختار بن منيح الثقفي، روى عن قتادة. روى عنه أبو معاوية الضرير. سمعت أبي يقول ذلك".

وقال ابن أبي حاتم: "وروى عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين، روى عنه جنيد الحجام".

وقال ابن حبان في «الثقات» (7/488): "مختار بن منيح، يروي عن قتادة. روى عنه أبو معاوية الضرير".

ثُم أعاده (7/513) فقال: "المختار بن منيح الثقفي، من أهل الكوفة. يروي عن أبي إسحاق السبيعي وعاصم بن بهدلة وسعد بن عبيدة. روى عنه ابنه عبدالملك بن المختار. يُغرب. وهو الذي روى عن الزهري توبة كعب بن مالك".

ثانياً: وقع في مطبوع البخاري: "عن عَزْرة"، وقال الخطيب والدارقطني، وكذا عند ابن أبي شيبة: "عُروة"!

وأشار المعلمي إلى أنه وقع في نسخة للتاريخ الكبير: "عروة".

والذي أراه أن الصواب فيه: "عزرة"، وقد تصحّف في بعض الأسانيد، فنُسب: "عروة بن الزبير" كما عند ابن أبي شيبة! ومما يؤيد هذا أنه لا يُعرف لقتادة رواية عن عروة بن الزبير، وإنما يعرف - كما قال أهل العلم- له رواية عن "عزرة بن تميم" و"عزرة بن عبدالرحمن"، وقد حققت ذلك في (قسم علوم الرّجال) من هذا الموقع.

وعلى كلّ: فإن كان الصواب: "عزرة" أو "عروة" فيبقى الحديث مرسلاً. والمختار بن منيح ليس بذاك المشهور، وتفرّده عن قتادة لا يُحتمل، فمثله لا يُحتج به في هذا التفرد في هذه الطبقة؛ لأن طبقة الرواة عن قتادة معروفة ومشهورة، وتلاميذه لا يوجد عندهم هذا الحديث. فيُنكر تفرد المختار عنه بهذا!

ثالثاً: قال محمد عوامة محقق «مصنف ابن أبي شيبة» (9/409) في تعليقه على هذا الحديث (17721): "هذا مرسل، وفيه عنعنة قتادة، والمختار بن منيح: هو الثقفي، ذكره ابن حبان في الثقات: 7/513 وقال: (يُغرب). وروي مرسلاً من وجوه أخرى عن عروة - أو عزرة- وهذا أمثلها، وأشار البخاري في التاريخ الكبير إلى أنه مرسل".

قلت: على كلامه ملحوظات:

1- طالما أن قتادة رواه مرسلاً، فلا تضر عنعنته هنا، فلا داعي لذكر العنعنة.

2- ابن حبان ذكر المختار مرتين كما أشرت سابقاً، وكان ينبغي أن يبيّن ذلك. ونقل عوامة قوله بأنه يغرب، فهو من يتحمّل هذا الحديث لا قتادة بعنعنته.

3- قوله: "وروي مرسلاً من وجوه أخرى عن عروة - أو عزرة- وهذا أمثلها" خطأ محض؛ لأنه لا يوجد لهذا الحديث وجوه أخرى! وإنما هو الوجه هذا فقط الذي رواه ابن أبي شيبة.

وقوله: "عروة - أو عزرة -" يوهم أنه جاء في إسناد الحديث هكذا! وليس كذلك، فهو إما عروة أو عزرة، تصحف في بعض الكتب، والصواب: "عزرة"، والله أعلم.

وكتب: د. خالد الحايك.

10 جمادى الآخرة 1431هـ.

24 أيار 2010م.

شاركنا تعليقك