الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«الغُلول والتَّعدي» في سرقة عليّ حلبيّ لتحقيق كتاب الأَزديّ!

سلسلة (السَّيف الذهبي الحادّ القاطع لسرقات الحلبي) (2)

«الغلول والتعدي» في سرقة عليّ حلبيّ لتحقيق كتاب الأزدي!

بقلم: خالد الحايك

 

بِسم الله الرّحمن الرّحيم

الحمد للهِ ربّ العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين، وبعد:

فإنّ المنتسِب للسلف - ومن خلال التسمية- هو الذي يمشي على خُطاهم، فهل كان السلف يسرقون جهد بعضهم البعض؟ وهل كانوا يتشبعون بما لم يعطوا؟

بدأت ((مجموعة السرّاق)) بسرقة جهود شيخهم –كما يزعمون- المتمثلة في تخريجاته الطويلة للأحاديث، ثُم وقعوا على مجموعة رسائل صغيرة لبعض العلماء، وكان بعضها قد حُقق، فسرقوها ونشروها!

ومن ضمن هذه الرسائل كتاب ((من وافق اسمه اسم أبيه)) للحافظ أبي الفتح الأزدي، وكان الدكتور باسم الجوابرة قد حققه، ونشره مركز المخطوطات والتراث بجمعية إحياء التراث الإسلامي/الكويت. الطبعة الأولى، 1408هـ-1988م. ويقع الكتاب في (30) صفحة.

فالْتهم علي حسن حلبي الكتاب وأعاد طبعه في دار عمّار/عمان، 1410هـ-1989م، في (66) صفحة من القطع الصغير، ولم يُشر إلى طبعة الدكتور الجوابرة، مع أنه ذكر في مقدمة التحقيق (ص6) أنّ للأزدي رسالة أخرى: ((من وافق اسمه كنية أبيه)) فقال: "وكنت قد بدأت بتحقيقها، ثم علمت أنها طبعت في الكويت، فتوقفت عن إتمامها".

قلت: الذي طبعها في الكويت هو مركز المخطوطات، وطبعت مع ((من وافق اسمه اسم أبيه)) بتحقيق الدكتور الجوابرة، فالرسالتان طبعتا معاً، فكيف يتوقف عن تحقيق تلك الرسالة ويمضي في نشر الأخرى؟

ومن تلبيسه أنه قال في نهاية التحقيق: "آخر ما تمّ تعليقه بعد عصر يوم السبت 18/جمادى الآخرى 1408هـ، الموافق 6/2/1988"!

وهذا لا ينفعه؛ لأنه ليس بثقة!

إنّ الناظر في تحقيق حلبي قد يتوهم أنه لم يسرق تحقيق الدكتور الجوابرة، ولكنه لو أمعن النظر لوجد أنه فعل ذلك؛ إذ إنه قد علّق على مواضع السقط كما هي عند الدكتور الجوابرة، وكذلك لم يعرِّف ببعض الرجال الذين قال عنهم الدكتور باسم إنه لم يجد تراجمهم وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.

وتحقيق الدكتور الجوابرة أوسع من تحقيق حلبي، وهذا دليل آخر على السرقة؛ لأن السارق قد اختصر، وربما زاد بعض الأمور، وزياداته فيها بلايا تدلُّ على جهله بعلم الحديث! كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

1- ذكر حلبي (ص9) موجز ترجمة المصنف، فقال: "الحافظ البارع، أبو الفتح، محمد بن الحسين بن أحمد بن عبدالله بن بُريدة الأزدي. حدّث عن: أبي يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن بن عبدالجبار الصوفي، ومحمد بن جرير الطبري، وعبدالله بن زَيْدان البجلي، وأبي القاسم البغوي. وطبقتهم. حدّث عنه: أبو نُعيم الحافظ، وأبو إسحاق البرمكي، وأحمد بن الفتح بن فَرغان. وآخرون".

قلت: هذا الذي قاله حلبي هو كلام الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (16/347) حيث قال: "الحافظ البارع، أبو الفتح، محمد بن الحسين بن أحمد بن عبدالله بن بريدة الأزدي الموصلي... حدّث عن: أبي يعلى الموصلي، وأحمد بن الحسن بن عبدالجبار الصوفي، ومحمد بن جرير الطبري، وعبدالله بن زَيْدان البجلي... وأبي القاسم البغوي، وطبقتهم. حدّث عنه: أبو نعيم الحافظ، وإبو إسحاق البرمكي، وأحمد بن الفتح بن فَرْغان وآخرون".

2- كان الدكتور الجوابرة يشير إلى تراجم الرواة ويعزوها غالباً إلى التهذيب أو التقريب، ولكن حلبي كان يختصر ذلك فيذكر الكتاب دون عوزها إلى الجزء والصفحة، فيقول: "ضعيف، من رجال التهذيب"، "ثقة، من رجال التهذيب"، "وفي التقريب: مستور"، وهكذا دون ذكر الأرقام!!

وقد ذكر حلبي في (ص7) أنه اكتفى بذكر مصدر الترجمة مع ذكر درجة الراوي باختصار شديد!! وأشار في الهامش أن باب الاستدراك على شرط المصنف باب عريض، وقال: "لم أُرِد ولوجه، فليعلم".

قلت: لم يرد ولوجه؛ لأن الدكتور باسم قد ذكر الاستدراكات على الأزدي في هذا، فلو ولجه الحلبي لكشف نفسه!!

3- تابع حلبي الدكتور الجوابرة في بيان مواضع السقط وفي عدم معرفة الرجال الذين لم يعرفهم، ومن ذلك:

أولاً: ذكر الدكتور الجوابرة (ص17): "... ما يذهب [عني] مذمة [الرضاعة] قال: غُرة عبد أو أمة".

وأشار الدكتور إلى أن ما بين المعكوفتين سقط من الأصل والزيادة من كتب السنن.

قال حلبي (ص20): "... ما يذهب [عني] مذمة [الرضاع]؟ قال: ((غُرّة عبدٍ أو أمةٍ))".

وأشار في الهامش أن ما بين المعكوفتين سقط من الأصل واستدركه من مصادر التخريج.

قلت: لم يضبط الدكتور قوله: ((غرة عبد أو أمة)) فضبطها الحلبي فأخطأ! والصواب: ((غُرَّةٌ: عبدٌ أو أَمَةٌ)).

ثانياً: ذكر الدكتور باسم (ص19) في ترجمة ((عدي بن عدي بن عبدالرحمن)): "لم أجد ترجمته".

وقال حلبي (ص24): "لم أقف على ترجمته".

قلت: ترجم البخاري لأبيه في ((التاريخ الكبير)) (7/45) فقال: "عدي بن عبدالرحمن عن سعيد الطاحي. روى عنه وكيع".

ثالثاً: قال الدكتور باسم في (ص 22) في ترجمة ((علي بن علي)): "ذكر البخاري... وابن أبي حاتم... أكثر من واحد اسمه علي بن علي قد ذكرتهم في القسم المستدرك وموتهم".

قال حلبي (ص35): "يوجد في التراجم غير واحد بهذا الاسم، ولم يترجّح لي من هو!".

رابعاً: قال الدكتور الجوابرة (ص23): ((عبدالله بن عبدالله بن أشاب)): "لم أجد ترجمته".

قال حلبي (ص39): ((عبدالله بن عبدالله بن إشاب)): "كذا قرأتها، ولم أجد!".

قلت: ترجمه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (5/126): "عبدالله بن عبدالله بن يسار: سمع ابن عمر. روى عنه ابن جريج، قوله".

خامساً: قال الدكتور الجوابرة (ص24): ((عبدالله بن عبدالله الجدَلي)): "لم أجد ترجمته".

قال حلبي (ص40): ((عبدالله بن عبدالله الجَدَلي)): "راجعت الأنساب (3/203)، فلم أر اسمه فيمن نسبته ((الجَدَلي)) منه!"

قلت: إنما هو: ((عبد بن عبد، ويقال: عبدالرحمن بن عبد، أبو عبدالله الجدلي الكوفي))، هكذا ذكره البخاري في ((تاريخه الكبير)) (6/119).

وغير ذلك من التراجم.

4- لم يفهم حلبي هدف رسالة الأزدي هذه، فعلّق (ص6) بقوله: "وتمتاز هذه الرسالة على قلّة أوراقها بإيرادها عدّة أحاديث نبوية، أو آثار مروية بالإسناد، ولا تخفى القيمة الكبرى لمثل هذا الأمر عند المشتغلين بالسنة ودراسة الأسانيد".

قلت: ليس هذا هدف المصنف من تأليف الرسالة، وإنما أراد –رحمه الله- أن يؤكد صحة هذه الأسماء التي تجيء مزدوجة، فإذا مرّ بالمحدّث إسناد فيه: ((هند ابن هند بن أبي هالة)) مثلاً عرف أنه صحيح وليس خطأ في الأصل، وهكذا...

فأما الأحاديث، فقد أوردها المصنف لتمييز المترجمين والتعريف بهم (معرفة شيوخهم وأصحابهم)، وليته أطال في هذا ولم يختصر.

5- ما وقع فيه حلبي من أخطاء شنيعة أثناء تعليقه على الكتاب، ممّا يدلّ على جهله المركّب في علم الحديث!! فمن ذلك:

1- ذكر في (ص22، هامش 4): أنّ إحدى علل الحديث هي: "تدليس هشيم وقد عنعنه".

قلت: الحديث رواه هشيم عن يعلى، وقد أكثر عنه وهو صغير، ثمّ إنّ في ((صحيح مسلم)) (4/1710) حديث معنعن لهشيم عن أبي الزبير لم يروه سواه.

2- ذكر الأزديّ حديثاً في ترجمة ((عديّ بن عدي الكنديّ)) من طريق الحكم بن عتيبة، عن عدي بن عدي بن أرط... (ص23) فعلّق الحلبي عليه قائلاً: "أرط، كذا، ولعل الصواب: ((أرطأة))، وعدي بن أرطأة مترجم في التهذيب (7/164)، روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان، وقال الدارقطني: "يحتج به". والذي يظهر لي أنّ الأمر قد اختلط على المصنف رحمه الله، فجعل الاثنين واحداً، وسبب الوهم –في ظني- أنّ كليهما كان عاملاً عند عمر بن عبد العزيز، فلم يفرِّق بينهما، والله أعلم" انتهى كلامه.

قلت: الأمر لم يختلط على المصنف، بل اختلط على المحقق، فالأزديّ أراد ((عدي بن عدي بن عميرة أبو فروة))، وهو كندي، أصله من الكوفة، نزل الجزيرة، وبها توفي سنة (120هـ) [تاريخ البخاري: 7/44، طبقات خليفة: ص319]، فأما ((عدي بن أرطأة)) ففزاري، ولا يُعرف له ولد سمي عدياً كذلك.

ولم يحسن حلبي الكلام على الحديث فقال: "سنده ضعيف، محمد بن يزيد أجمعوا على ضعفه! والحكم مدلس، وقد عنعنه!"

قلت: هكذا هو ديدنه، فإنه يضعف الأسانيد بالتدليس دون النظر في أمور أخرى! فالحديث منقطع، فعدي مات سنة (120هـ) وهو لم يدرك عمر رضي الله عنه.

3- ذكر الأزدي حديثاً معنعناً للحسن البصري عن أبي سعيد الخدريّ، ص (28)، فقال الحلبي في هامش (4): "والحسن مدلس، وقد عنعنه... وصرّح الحسن بالتحديث عنه".

قلت: الحسن لم يسمع من أبي سعيد. [انظر: إكمال تهذيب الكمال: 4/89].

4- ذكر الأزديّ حديثاً لأبي مجلز، قال: "قال عليّ بن أبي طالب..." (ص33)، فقال المحقق في هامش (1): "أبو مجلز اسمه لاحق بن حميد، ثقة. والخبر سنده حسنٌ إن شاء الله".

قلت: أبو مجلز لم يدرك عليّاً! والخبر منكرٌ!

هكذا يعلّق هذا المحقق وغيره على كتب أهل العلم دون وعي ودون علم! والخطأ والوهم قد يقع لطلبة العلم، ولكن ليس بكثرة ما يقع لهؤلاء.

وقد ذكر حسّان عبدالمنان في كتابه ((القول المبين)) بعض الأوهام لعلي الحلبي في كتابه ((القول المأمون))، وأنا أوردها هنا كما ذكرها حسّان ليتبيّن لك أن الحلبي علي حاطب ليل.

1- قال الحلبي (ص10): "فقد روى الإمام أحمد في ((المسند)) (1/359)، وفي ((فضائل الصحابة)) (رقم 1835) عن إسماعيل بن علية عن خالد الحذّاء عن ابن عباس قال: ضمّني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ((اللهم علّمه الكتاب)). وسنده صحيح؛ لولا عدم سماع خالد من ابن عباس (في الهامش: جزم به غير واحد من أهل العلم، انظر: ((جامع التحصيل)) (ص17) للعلائي).

وله شاهد: فقد رواه البخاري (6/169)، والترمذي (5/680)، وابن ماجة (1/58)؛ بلفظ: ((اللهم علّمه الحكمة وتأويل الكتاب))".

قال حسّان (ص35): "قلت: وفي كلامه هذا أوهام:

الأول: أسقط من الإسناد (عن عكرمة)، وصواب الإسناد كما في المصادر التي أحال عليها: ((عن إسماعيل بن علية، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس…)).

الثاني: وبالتالي فقد وهم في ادعائه الانقطاع في الإسناد عندما قال: ((وسنده صحيح لولا عدم سماع خالد من ابن عباس)).

الثالث: نَسبَ نفي سماع خالد الحذاء من ابن عباس إلى غير واحد من أهل العلم، وأحال إلى ((جامع التحصيل)) ص17 للعلائي.

وهذه الإحالة أجزم بأنها لا وجود لها فيما نسب إلى جامع التحصيل، وليست موجودة في رقم الصفحة المذكورة ولا ما قد يتحرّف منها. وأستبعد ذكر ذلك في المراسيل، لأنه لم يسمع صحابياً أصلاً. فمن أين جاء به عليّ؟!

الرابع: أنه سرقَ التعليق المذكور في ((فضائل الصحابة)) دون أدنى إشارة إلى ما نقل منه ودون إحالة إليه. وهو قوله: ((فقد رواه البخاري (6/169)، والترمذي (5/680)، وابن ماجة (1/58) بلفظ: اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب)).

ودليل هذه السرقة ما يلي:

أ- أنّ محقق ((فضائل الصحابة)) وهم في نقل جزء وصفحة البخاري فقال: (6/169)، فوافقه عليه الحلبي. والصواب (1/169) من الطبعة السلفية من نسخة الفتح.

ب- أنّ البخاري ليس فيه لفظ ((وتأويل الكتاب)) في المكان المحال إليه، فأخطأ محقق ((الفضائل)) وتابعه على ذلك الحلبي سرقةً منه له.

ج- أنّ محقق ((فضائل الصحابة)) وهم في نسبة ((وتأويل الكتاب)) إلى الترمذي، فتابعه عليه الحلبي، والصواب أنّ لفظ الترمذي مقصورٌ على ((اللهم علمه الحكمة)) برقم (3824)".

2- قال الحلبي (ص18): "ورواه الطبري (6/256) فقال: حدثني الحسن قال: حدثنا أبو أسامة عن سفيان…

قلت (القائل الحلبي): والحسن: هو ابنُ يحيى العبديّ، قال أبو حاتم: صدوق، ووثقه ابن حبان. واختار ابن حجر أنه: صدوق".

قال حسّان (ص37): "قلت: وهذا وهمٌ فاضحٌ من الحلبيّ، وهذا يُبين ما عنده من علم الرّجال المدَّعى، فلم يعرف الحسن هذا، وكثيراً ما يتوهم ذلك، ويخلط بين الأمور.

إذ الحسن هذا الذي يروي عن أبي أسامة عند الطبري هو (الحسن بن الزبرقان النخعي) وقد تكرر مراتٍ في التفسير باسمه صريحاً يروي عن أبي أسامة كما في ((التفسير)) 1/300 و 301…

والحسن بن الزبرقان هذا مترجمٌ في ((الجرح والتعديل)) 3/15، وقال فيه أبو حاتم: شيخٌ.

وأما الحسن بن يحيى الذي توهمه الحلبي فإنما هو شيخ الطبري في عبدالرزاق، وليس في أبي أسامة".

 

3- قال الحلبي (ص19): "وأبو أسامة، هو حماد بن أسامة؛ ثقة، لكنه رمي بالتدليس! ولا يثبت ذلك عند النقد: أول ذلك أن جمهور الأئمة على توثيقه، ولم يذكره بتدليس إلا ابن سعدٍ، فقال بعد أن وثقه: ((… يُدلِّس، ويُبيّن تدليسه)). ونقل ابن حجر في ((طبقات المدلسين)) (رقم 44) عن المُعَيْطي أنه قال: ((كان كثير التدليس، ثم بعد ذلك تركه)). وكذا نقلها الذهبي في ((الميزان)) (1/588)، ثم عقّب في نهاية ترجمته بقوله –وقد صدّرها بوصفه له: ((أحد الأثبات)): ((أبو أسامة؛ لم أورده لشيء فيه، ولكن ليعرَف أنّ هذا القول باطلٌ)). يريد الردّ على من رماه بسرقة الحديث. فإن اتضح ذلك؛ فلا يضره قول من رماه بالتدليس؛ كما شرحته (في الهامش: لذا قال الحافظ في هدي الساري (ص399): ((أحد الأئمة الأثبات، اتفقوا على توثيقه)). ولم يُشِر إلى ما رمي به من تدليسٍ، فكأنه لم يعتد به".

قال حسّان (ص39): "قلت: وفي عبارته تلك مغالطاتٌ:

الأولى: أشارَ ابتداءً أنه لم يصفه بالتدليس إلا ابن سعد. ثم نقض كلامه مباشرة بعد ذلك فنقل التدليس عن المعيطي، وقد حكاه عنه الأزدي كما في ميزان الاعتدال.

الثانية: أنه سوَّى بين أمرين من التدليس والسرقة، فجاء بردّ الذهبي على اتهامه بالسرقة، وحملَه الحلبي على التدليس، فقال: ((فإذا اتضح ذلك فلا يضره قول من رماه بالتدليس كما شرحناه)).

مع أن الذهبي لم يرُدَّ أمر التدليس، وإنما كان يتكلّم على موضوع السرقة واتهامه بها، فنفى القصة التي أوردت ذلك. ولم ينفِ التدليس.

فكيف حمل الحلبي ردّه على اتهام السرقة بأنه التدليس.

فإن تلاعبَ بالنصوص كما هي عادته فقال: السرقة فرعٌ عن التدليس.

فإنّا مع تجاوزنا لمثل هذا التلاعب نقول له:

ابنُ حجر أشار في ((هدي الساري)) إلى قصة السرقة، ومع ذلك قلت: ((ولم يشر إلى ما رمي به من تدليس، فكأنه لم يعتد به)).

فلو كان التدليس والسرقة عندك واحداً، لكان هنا لَكَ مكيالان.

وعلى أيٍّ فالخطأ بيّنٌ جليّ في قولك: ((لا يضره قول من رماه بالتدليس)) اعتماداً على كلام الذهبي في رد السرقة. فالسرقة شيء، والتدليس شيء آخر، والمفارقات بينهما كثيرة. إذ الراوي إذا سرق إسناداً أو حديثاً عُدَّ سارقاً كذّاباً، لا مُدلِّساً، فتنبَّهْ".

4- قال الحلبي (ص21): "وقال الحافظ ابن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) رقم (573): ((حدثنا محمد بن يحيى: حدثنا عبدالرزاق عن سفيان عن رجلٍ عن طاوس عن ابن عباس قال: كُفرٌ لا ينقل عن الملة)). قلت: محمد بن يحيى؛ هو القُطَعي؛ صدوق".

قال حسّان (ص40): "قلت: وهذا دليلٌ آخر أنّه لا علاقة له بمعرفة الرجال، لا من قريب ولا من بعيدٍ، إذْ لم يعرف فيه ((محمد بن يحيى)) هذا فادّعى أنه القُطعيُّ.

وهذا خطأٌ محضٌ، إنما هو محمد بن يحيى بن عبدالله بن خالد الذهلي الحافظ، من رجال ((التهذيب)). فإن كنت في هذا تكابر، فإني سأذكر لك أدلة مفصلة في رسالة مستقلة، إن رجعت إلى ترجمته في تهذيب الكمال ولم تقنع أنه هو، لترى ما عندك من ضحالة علمٍ".

 

5- قال الحلبي (ص21): "ورواه ابن نَصر (رقم 574)، والطبري (6/256) من طريق وكيع عن سفيان عن سعيد المكيّ عن طاوس قال: ((ليس بكفر ينقل عن الملة)). فجعله سعيد المكي من قول طاوس. وسعيدٌ؛ هو ابن حسّان المخزومي؛ وثقه ابن معين؛ وأبو داود، والفَسَوي، وابن سعد، وابن حبّان.

فإسنادهُ هكذا صحيحٌ".

قال حسّان (ص41): "قلت: وهذا دليلٌ آخر على عمقِه بالرجال، إلى درجة أنه ما عاد يعرفُ من الرجال أحداً، ويخبط يميناً وشمالاً.

فادَّعى أن سعيداً المكيّ هذا هو سعيد بن حسّان المخزوميّ… وصحح الإسناد من أجله. وهذه طريقته يذهب إلى كتب الرجال، فينظرُ أفضلَهم إن كان يريد تصحيح الحديث ويختار أضعفهم إن كان يريد تضعيف الحديث.

ولأنه متشبثٌ بتصحيح الروايات هنا وهناك، تشبث هذه المرة بإلصاق الرواية بابن حسان المخزومي، وهذا تلبيسٌ منه للقرّاء إن كان يعلم.

وإلا فسعيدٌ هذا راوٍ مجهول، لم يذكر في غير هذا الإسناد، والتشابه في الاسم الأول لا يعطي لك الحقّ أن تلبس القضية من تُريد.

ولا يعرفُ هذا الراوي بغير ((سعيد المكي))، لذا ترجمه البخاري في ((تاريخه الكبير)) 3/516 في ترجمة مفردةٍ فلم يزد على قوله: ((سعيد المكي عن طاوس قوله))".

6- قال الحلبي (ص26): "ورواه سعيد بن منصور، والفِريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وزاد بعضهم: ((… وظلمٌ دون ظلم، وفسقٌ دون فسق)).

كذا في ((الدر المنثور)) (3/87) للسيوطي".

قال حسّان (ص42): "قلت: فيه مغالطاتٌ عدّة:

الأولى: أنّ السيوطي أورد الأثر بلفظ: عن ابن عبّاس في قوله: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)، (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)، قال: كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق.

ونسبه إلى سعيد بن منصور، والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والحاكم، والبيهقي.

قلت: وهذه النسبة بهذا اللفظ غلطٌ، فلعلّه خلط بأثر آخر عن عطاء، بل لفظه كما تقدم: ((ليس بالكفر الذي تذهبون إليه)). ولم يزد لفظة ((كفر دون كفر)) غير الحاكم والبيهقي. فنسبة هذه الزيادة إليهم جميعاً غلط من السيوطي. ولفظة ((ظلم دون ظلم وفسق دون فسق)) لم أجدها عند أحدٍ ممن خرّج هذا الأثر مما ذكر هنا وما لم يذكر. إلا الفريابي وابن المنذر فلك أطّلع عليهما.

الثانية: قول الحلبي: [ورواه سعيد بن منصور… وزاد بعضهم: ((وظلم دون ظلم وفسق دون فسق)) كذا في الدر المنثور للسيوطي].

قوله يوحي أنّ ((زاد بعضهم)) من كلام السيوطي نفسه، وهذا غير صحيح، وإن كان استنتاجاً من الحلبي، فما العلم الذي أقامَه على هذا، كيف عَلِمَ أنّ بعضهم زادها ممن ذكر؟!".

 

7- قال الحلبي (ص26): "وقد قال الحاكم بعد إخراجه: ((هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد ولم يخرجاه)) ووافقه الذهبي، وكذا ابن كثير في ((تفسيره)) 2/97".

قال حسّان (ص43): "قلت: وفي هذا ملاحظتان:

الأولى: أنّ ابن كثير في ((تفسيره)) لم يذكر موافقة للحاكم، والساكتُ لا يُنسبُ إليه قولٌ. وإنما أخرج الأثر وقال عقبه: ((ورواه الحاكم… وقال: صحيحٌ على شرط الشيخين ولم يخرجاه)). فهو هنا ناقلٌ وليس موافقاً لما ذكر الحاكم. ولو قوَّلت السلف والخلف بما ينقلون أنه قولٌ لهم أو موافقة منهم، لنلت منهم الكثير، ولوجدت التناقض الشديد في ما يذكرون. إذ قد لا ينْشطُ أحدُهم للبحث في كلّ أمرٍ فينقل مستأنساً أو عارضاً أو جامعاً أو مختصراً؛ ولا يعني هذا كلُّه الموافقة.

الثانية: كان عليه أن يُنبه إلى الفرق في الحكم بين الذي في المستدرك، والذي نقله ابن كثير، لأن الحلبي أوهم أنّه عند ابن كثير باللفظ نفسِه، وهذا غير صحيح. فلفظ المستدرك: ((صحيح الإسناد…)) ولفظ ابن كثير: ((صحيح على شرط الشيخين…))، فلعله تحرف في المستدرك أو سقط بعضه".

8- قال الحلبي (ص28): "عن ابن عباس قال: ((نِعم القوم أنتم؛ إن كان ما كان من حُلوٍ فهو لكم، وما كان من مُرّ؛ فهو لأهل الكتاب، كأنه يرى أن ذلك ليس في المسلمين: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون).

أخرجه ابن المنذر. كذا في ((الدر المنثور)) (3/88)".

قال حسّان (ص44): "قلت: وهذا فيه تدليسٌ خبيث من الحلبي، لما يُريد من مناصرة قوله ورأيه، فحرَّف العبارة التي جاء بها السيوطي في الدر المنثور وهي: ((كأنه يرى أن ذلك في المسلمين)) فزاد فيها ((ليس)) فصارت هكذا: ((كأنه يرى أن ذلك ليس في المسلمين)).

وقد رجعت إلى ((الدر المنثور)) الطبعة التي اعتمد عليها، فوجدتها على الصواب ليس فيها ((ليس)). وكذا جاء على الصواب في ((أخبار القضاة)) للقاضي وكيع".

9- قال الحلبي (ص28): "لكن روى ابن جرير (6/252) من طريق حبيب ابن أبي ثابت عن أبي البَخْتَري عن حذيفة نحوه.

وأبو البَختري؛ اسمه سعيد بن فيروز؛ ثقة، لكنه يرسل، وقد أرسل عن ابن مسعود.

كذا في ((جامع التحصيل)) (ص183)".

قال حسّان (ص45): "قلت: وفي هذا ملاحظتان:

الأولى: كان عليه أن يذكر لفظ أثر حذيفة، لمفارقات بينه وبين حديث ابن عباس. إذ لفظ حذيفة: ((نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل إن كانت لكم كل حلوة، ولهم كلّ مرة، ولتسلكنّ طريقهم قدر الشراك)). والعزو لابن جرير هو في 6/253.

الأخرى: أما حديثه عن إرسال أبي البختري، وأنه يرسل عن ابن مسعود، فكلامٌ لا معنى له، لأن الأمر بين أبي البختري وحذيفة، وقد نصّ المزي في التهذيب، ونقله ابن حجر، ونصّ العلائي في ((جامع التحصيل)) جميعهم نصّوا في كتبهم أنّ أبا البختري أرسل عن حذيفة، فلماذا أبعد وصار يتحدّث عن ابن مسعود؟!".

10- قال الحلبي (ص28): "أخرجه الحاكم في ((المستدرك)) (2/312) من طريق جرير عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام قال...))

وعنعنة الأعمش عن المكثرين من شيوخه مقبولة دون تردد".

قال حسّان (ص46): "قلت: في هذا ملاحظات:

الأولى: العبارة عنده لا تفيد شيئاً، وأظنه يريد: ((وعنعنة الأعمش عمّن أكثر عنهم من شيوخه مقبولة دون تردد)).

الثانية: أنّ القاعدة التي ذكرها غير صحيحة، ولا مستند لها إذ أعلّ الحفاظ جملة من أحاديث الأعمش عن شيوخه الذين أكثر عنهم، والمكثري (على حدّ تعبيره).

انظر على سبيل المثال تدليس الأعمش عن أبي صالح في ((علوم الحديث)) للحاكم (ص35).

وتدليس الأعمش عن إبراهيم التيمي في ((علوم الحديث)) للحاكم (ص105).

والأمثلة كثيرة لمن يريد في كتب العلل، وقد مرَّ عليَّ أشياء منها.

الثالثة: ثُم إنّ الذي يدلّس لا يُهمُّه أنه دلّس عن شيخ أكثر عنه، أو لم يكثر!! فلا عبرة بهذه التفرقة، والأمثلة بين أيدينا على خلاف ذلك إلا ما نصوا عليه أنه لا يدلس عن فلان، أو عنعنته عن فلان محمولة على السماع…

الرابعة: ثم لِمَ لَمْ تنظر نصوص أصحاب هذا الفن في رواية الأعمش عن بعض المكثرين (كما في عبارتك)، لتجد خلاف ما رأيت.

فهذا يعقوب بن شيبة في مسنده يقول: ليس يصحّ للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إلا ما قال سمعت، هي نحو من عشرة، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات" انتهى كلامه.

قلت: هذا هو حال حلبي في العلم، فالله المستعان.

الجمعة 18 جمادى الأولى 1429هـ.

شاركنا تعليقك