الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

«النقد القويم» للكتاب الجامع لفضائل القرآن الكريم!

«النقد القويم» للكتاب الجامع لفضائل القرآن الكريم!

بقلم: خالد الحايك

بِسّم الله الرّحمن الرّحيم

الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرف الخَلق والمرسلين محمّد بن عبدالله النبيّ الأميّ الأمين، ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدّين، أما بعد:

فقد وقفت على كتابٍ في فضائل سور القرآن الكريم، جمع مؤلفه الأحاديث الواردة في فضائل السور والآيات، ونشرته: مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، (الطبعة الأولى: 1429هـ-2008م).

والكتاب من جمع (حسن علي السقاف) وتحرير: الشيخ سعيد حجاوي، والدكتور بشار عوّاد معروف.

فلما قرأته وجدت مؤلفه قد جمع فيه الغثّ والسمين، والصحيح والضعيف، بل والمنكر والموضوع، بخلاف ما قال من أنه قد اجتنب ذلك!

كما وجدت أيضاً الكثير من القضايا المنهجية والحديثية التي يجهلها (السقاف)، والله المستعان، وعليه التكلان.

وقد جعلت الكتاب في فصلين:

الفصل الأول: القضايا المنهجية:

وفيه المباحث الآتية:

المبحث الأول: آلية تعامل السقاف مع كتب أهل العلم:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: سرقةُ كلام بعض أهل العلم ونسبته لنفسه.

المطلب الثاني: النقلُ من الكتب المُصحفة دون تَنبه.

المطلب الثالث: الإحالاتُ الخاطئةِ على بعض الكتب!، والإحالةُ على مصادرَ لا توجد فيها.

المطلب الرابع: عدم توثيق المصادر.

المبحث الثاني: آلية تعامل السقاف مع كتب الفضائل:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: عدمُ مراعاته للترتيب الزمني في ذكرِ كتب الفضائل.

المطلب الثاني: ذكرُهُ بعض الكتب في فضائل السور وهي ليست كذلك.

المطلب الثالث: الخَلطُ بين مصنفات أهل السنّة والشيعة في فضائل القرآن.

المطلب الرابع: الإحالةُ على كتبٍ متأخرةٍ مع وجوده في كتبٍ متقدمةٍ.

المطلب الخامس: عدمُ الصدقيَّة العلمية.

المطلب السادس: عدمُ استيعابهِ لكتب فضائل القرآن.

المبحث الثالث: التكرار:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: تكرارُهُ للحديث في عدّة مواضع، وتكرارُ تعليقِه عليه دون الإشارة إلى أنه تقدم أو أنه سيأتي لاحقاً.

المطلب الثاني: نَثرُهُ الحديث الواحد في فضل أكثر من سورة مما زاد في حجم الكتاب كثيراً.

المطلب الثالث: نقلُهُ كلام بعض أهل العلم وتكرارُه في عدة مواضع.

المبحث الرابع: آلية تعامل السقاف مع أحاديث الفضائل التي أوردها في كتابه:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: الجزمُ بالرواية في بداية كلِّ حديثٍ دون ذكرِ الأسانيد.

المطلب الثاني: إيرادُهُ لأحاديثَ في فضائل بعض السور حسب فَهمه.

المطلب الثالث: مخالفتُهُ لشرطه في اجتناب النقل عن كتب الموضوعات.

المبحث الخامس: القصور في المادة العلمية:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: فاتتهُ أحاديثُ صحيحة في فضائل بعض السور ذكرها أهل العلم في كتبهم.

المطلب الثاني: ذكرُهُ لِلحديث وإشارتُهُ إلى أنه في مسلم، وهو في صحيح البخاري أيضاً وعدمُ إشارته إلى ذلك.

المطلب الثالث: عدم استيعاب مصادر التخريج الأصيلة، والضعفُ في ترتيبها.

الفصل الثاني: القضايا الحديثية:

وفيه المباحث الآتية:

المبحث الأول: مصطلحات الحكم على الحديث وتعريفاتها عنده، واختراع مصطلحات جديدة:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: الحديث الصحيح عنده.

المطلب الثاني: الحديث الحسن عنده.

المطلب الثالث: الحديث الحسن في الفضائل عنده.

المطلب الرابع: الحديث الحسن بالشواهد عنده.

المطلب الخامس: الحديث القريب من الحسن أو ضعيف قريب من الحسن عنده.

المطلب السادس: الحديث الضعيف عنده.

المطلب السابع: الحديث الصحيح الشاذ عنده.

المبحث الثاني: طريقةُ السقاف في إيراد الأحاديث في كتابه:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: خطته في ذلك.

المطلب الثاني: حكمه على الأحاديث التي في البخاري ومسلم بأنها صحيحة.

المبحث الثالث: طَريقة السقاف في التصحيح والتضعيف:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: الخطة التي رسمها لنفسه في التصحيح والتضعيف.

المطلب الثاني: اعتمادُهُ على كلام (الهيثمي) في التصحيح والتحسين.

المبحث الرابع: جهلُ السقاف وخبْثُهُ وتدليسهُ وتلبيسهُ وتَعديه:

وفيه المطالب الآتية:

المطلب الأول: تَعديه على الأحاديث التي في الصحيحين.

المطلب الثاني: عدم فهمه لمقاصد الأئمة في كتبهم وتمييز ما يَروونه.

المطلب الثالث: إخفاؤه لكلام بعض الأئمة وبتْره، ونقله ما يؤيد رأيه فقط.

المطلب الرابع: تَوثيقُهُ لبعض الرّواة الشيعة المتفق على ضعفهِم.

المطلب الخامس: تناقُضُهُ في أحكامِه على الحديثِ الواحد.

المطلب السادس: اعتراضُهُ على الأئمةِ ومخالفتهُم دون دليل قويّ.

المطلب السابع: خَلطُهُ بين الأسانيدِ، وعدمُ نظرهِ إلى المتون التي يذكرها في فضائل بعض السور.

المطلب الثامن: اعتمادُهُ على أحاديث أسانيدها مختلفة.

المطلب التاسع: اعتمادُهُ على (الموسوعات الحاسوبية) دون التنبه على ما فيها من أخطاء.

المطلب العاشر: اعتمادُهُ على الأحاديث المنكرة والموضوعة.

المطلب الحادي عشر: نسبته موافقة الذهبي للحاكم في أحكامه.

 

الفصل الأول: القضايا المنهجية

· المبحث الأول: آلية تعامل السقاف مع كتب أهل العلم.

قصدت بهذا المطلب أن أُبيّن كيفية تعامل السقاف مع كتب أهل العلم من حيث نسبة الكلام إلى قائله، والنقل من هذه الكتب، والإحالة عليها.

· المطلب الأول: سرقةُ كلام بعض أهل العلم ونسبته لنفسه:

الأصل في أيّ كتاب لأي مُصنِّف أن يكون كلّ فيه من كلامه وإنشائه، إلا ما بيّنه من خلال الاقتباس وتوثيقه بحسب الأصول العلمية المتفق عليها، ليخرج الباحث من تهمة السرقة وغيرها في زمان قد أصبحت فيه السرقة العلمية داء خطير، والله المستعان.

ومن خلال تتبعي لكتاب السقاف – وعلى قلة كلامه فيه؛ لأن جلّ جهده انصب في مسألة الجمع – وجدت فيه كلاماً إذا قرأه أي قارئ ظنّ أنه من كلامه، ولكنه في الحقيقة ليس له! ولم يعزه لأحد ونسبه لنفسه، وهذه سرقة واضحة لا مِرية فيها، ولا تحتاج إلى الاعتذار عنه أو غير ذلك.

أولاً: قال السقاف[1] (ص22) تحت عنوان (كتب فضائل القرآن): "أول من صنَّف فيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة أربع ومائتين، وممن صنّف فيه: أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وداود بن موسى الأودني، وأبو العطاء المليح، وأبو الفضل عبدالرحمن ابن أحمد الرازي، ولابن أبي شيبة، ولأبي عبيد القاسم بن سلام الجمحي المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين، ولابن الضريس، ولأبي الحسن بن صخر الأزدي، ولأبي ذر، وللضياء المقدسي، ولأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة ثمان وستين وأربعمائة مختصر، وصنف فيه جلال الدين السيوطي كتاباً سماه خمائل الزهر في فضائل السور" انتهى.

قلت: هذا الكلام بحروفه لصديق حسن القنوجي في كتابه (أبجد العلوم)[2] (2/399)؛ فإنه قال: "أول من صنف فيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة أربع ومائتين، وأبو العباس جعفر بن محمد المستغفري المتوفى سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، وداود بن موسى الأودني، وأبو العطاء المليح، وأبو الفضل عبدالرحمن ابن أحمد الرازي، ولابن أبي شيبة، ولأبي عبيد القاسم بن سلام الجمحي المتوفى سنة أربع وعشرين ومائتين، ولابن الضريس، ولأبي الحسن بن صخر الأزدي، ولأبي ذر، وللضياء المقدسي، ولأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة ثمان وستين وأربعمائة مختصر" انتهى.

قلت: وإنما أخذ القنوجي هذا الكلام من حاجي خليفة صاحب (كشف الظنون) القائل في كتابه هذا تحت عنوان (علم فضائل القرآن): "أول من صنّف فيه الإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 224هـ أربع وعشرين ومائتين، هو منافع القرآن يأت، ولأبي العباس جعفر بن محمد المستغفري المتوفى سنة 432هـ اثنتين وثلاثين وأربعمائة، ولداود بن موسى الأودني، ولأبي العطاء المليحي، ولأبي الفضل عبدالرحمن بن أحمد الرازي، ولابن أبي شيبة، ولأبي عبيد القاسم بن سلام الجمحي، وهو على طريقة المحدثين، ولابن الضريس هو أبو عبدالله محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس بن يسار الضريس البجلي الرازي الحافظ المتوفى سنة 294هـ، ولأبي الحسن بن صخر الأزدي، ولأبي ذر، وهو على طريق المحدثين، وللضياء المقدسي، ولأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفى سنة 468هـ ثمان وستين وأربعمائة مختصر فيه"[3] انتهى كلامه.

ثانياً: قال السقاف (ص30) حاشية (64): "... قال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/161): ((رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل، ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان وقال: في أحاديث ابنه عنه مناكير)) وليس هذا من رواية ابنه عنه".

قلت: وهذه العبارة الأخيرة ليست من كلامه، بل هي من كلام الهيثمي، وهي موصولة بالنص السابق، ولكن السقاف فصلها فصارت من كلامه!.

قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد))[4]: "رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل، ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان، وقال: في أحاديث ابنه عنه مناكير. قلت: ليس هذا من رواية ابنه عنه" انتهى كلام الهيثمي.

 

· المطلب الثاني: النقلُ من الكتب المُصحفة دون تَنبه:

ينبغي على كلّ باحث أن يتأكد مما ينقله من الكتب؛ لأنه مليئة بالتحريفات والتصحيفات. واعتماد كثير من طلبة العلم على الكتب المُدخلة في الموسوعات الحاسوبية خطأ كبير؛ لأن من أدخل هذه المعلومات ليس من أهل الاختصاص، فلا يعتمد عليها بحال.

قال السقاف (ص22): "وقال ابن النديم في الفهرست (ص55): الكتب المؤلفة في فضائل القرآن: كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام، كتاب محمد بن عثمان بن أبي شيبة، كتاب أحمد بن المعذل، كتاب هشام بن عمار، كتاب أبي عبدالله الدوري، كتاب أبي شبيل...".

قلت: أبو شبيل تصحيف! والصواب: ابن شبل.

قال الذهبي في ((تاريخ الإسلام)): "عُبيْدالله بن شبل بن جميل بن محفوظ الإمام نجمُ الدّين، أبو فراس التّغْلبيّ، الهيتيّ، الزّاهد. ويعرف بابن الجُبّيّ، من قرية جُبَّة من سقْي الفُرات. سمع من: خليل الجوْسقيّ، وصنّف كتاب "فضائل القرآن"، وكتاب "الشفاء من الداء"، وكتاب "شمائل النّبيّ الكريم"... مات سنة 671هـ".

 

· المطلب الثالث: الإحالاتُ الخاطئةِ على بعض الكتب!، والإحالةُ على مصادرَ لا توجد فيها:

لا بدّ لكلّ باحث أن يكون دقيقاً في إحالته إلى المصادر التي استفاد منها؛ ليسهل على القارئ مراجعة المعلومة، سيما إذا كان صاحب الكتاب متّهم بأنه يبتر النصوص ويتصرف فيها ليخدم ما يطرحه، وغير ذلك مما لا يجعل هناك ثقة به.

ومن الأمثلة التي لم يصب السقاف في إحالاته:

أولاً: قال في (ص20): "قال الإمام الحافظ السيوطي في تدريب الراوي (2/290)...".

قلت: بل هو في: (1/290).

ثانياً: ذكر في (ص25) كتاب (البرق اللامع في فضائل القرآن العظيم) لمحمد ابن ركن الدين الغساني (ت 784هـ)، وأحال في الهامش (39) فقال: "أنظر[5]: طبقات المفسرين للسيوطي ص443).

قلت: كتاب السيوطي صغير جداً، وهو مطبوع في (175) صفحة مع فهارسه، فأين نجد (ص443)؟!!، وقد فتشت في كتاب السيوطي فلم أجده ذكر هذا الكتاب!

ثُم إن السقاف لم يذكر كتاب السيوطي هذا في ثبت المراجع والمصادر!

والكتاب اسمه (البرق اللامع والغيث الهامع في فضائل القرآن العظيم والفرقان الحكيم)، لأبي بكر محمد بن أحمد بن الغساني الوادياشي، لخص فيه زبدة ما في كتب فضائل القرآن العظيم، وخواصها، وعدد الآيات والحروف، كما قال صاحب ((كشف الظنون))[6].

وأما محمد بن ركن الدين الغساني الذي ذكره السقاف فلم أجده!

 

· المطلب الرابع: عدم توثيق المصادر:

هناك بعض المواضع أشار فيها السقاف إلى المصدر الذي أخذ منه، ولكنه لم يذكر الجزء والصفحة!

ومن أمثلة ذلك: ذكر في (ص 25) كتاب (فضائل القرآن) لأحمد بن محمد ابن مظفر بن المختار الرازي (ت 631هـ)، وكتاب (فضائل القرآن) للزراد الكوفي (ت 224هـ)، وقال في الهامش: "أنظر: هدية العارفين".

قلت:لم يذكر الجزء والصفحة!

وكثيراً ما يذكر السقاف تخريج بعض الأحاديث ويشير إلى مخرجها دون ذكر المصدر، أو يذكر المصدر ولا يذكر مكان وجوده فيه.

 

· المبحث الثاني: آلية تعامل السقاف مع كتب الفضائل.

· المطلب الأول: عدمُ مراعاته للترتيب الزمني في ذكرِ كتب الفضائل:

لم يراع السقاف في ذكر كتب الفضائل الترتيب الزمني، وكان ينبغي ترتيبها على وفاة مؤلفيها، ليعلم السابق من اللاحق، وما هو الجديد الذي قدمه اللاحق على من سبقه!.

فذكر مثلاً كتاب محمد هاشم السندي (ت 1174هـ) قبل كثير ممن تقدمه، ككتاب الفريابي، والهروي، وغيرهما.

 

· المطلب الثاني: ذكرُهُ بعض الكتب في فضائل السور وهي ليست كذلك:

ذكر (ص24) كتاب: (الدر النظيم المرشد إلى فضائل القرآن العظيم) للمجد الفيروز آبادي.

قلت: هكذا ذكر أنه في فضائل القرآن، ولكن ذكر حاجي خليفة في (كشف الظنون) أنه في مقاصد القرآن، فقال: "الدر النظيم المرشد إلى مقاصد القرآن العظيم في التفسير، للشيخ مجد الدين أبي طاهر محمد بن يعقوب الفيروز آبادي الشيرازي، المتوفى سنة 817 سبع عشرة وثمانمائة"[7].

 

· المطلب الثالث: الخَلطُ بين مصنفات أهل السنّة والشيعة في فضائل القرآن:

خلط السقاف بين من صنّف في فضائل القرآن من الشيعة بأهل السنة دون التنبيه على ذلك، بل حذف عبارات من ذكرهم ابن النديم أنهم من الشيعة!.

قال في (ص22): "وقال ابن النديم في الفهرست (ص55): الكتب المؤلفة في فضائل القرآن: كتاب أبي عبيد القاسم بن سلام...، كتاب علي بن إبراهيم ابن هاشم في نوادر القرآن، كتاب علي بن حسن بن فضال...، كتاب أبي النصر العباسي".

قلت: وهؤلاء الذين ذكرهم في الآخر هم من الشيعة، وقد حذف السقاف إشارة ابن النديم لذلك!!، حيث إنه قال: "... كتاب علي بن إبراهيم بن هاشم في نوادر القرآن شيعي، كتاب علي بن حسن [كذا! والصواب: حسين] بن فضال من الشيعة... كتاب أبي النصر العباسي من الشيعة".

وذكر السقاف في (ص24): "كتاب فضائل القرآن، ألفه الحسن بن علي بن أبي حمزة".

قلت: قال ابن حجر في (اللسان): "الحسن بن علي بن أبي حمزة، واسم أبي حمزة سالم البطائني الكوفي، مولى الأنصار...، قال علي بن الحسين بن فضَّال: كان مطعوناً عليه، وله كتاب فضائل القرآن، وكتاب الملاحم والفتن، والفضائل والفرائض...، ذكره أبو جعفر الطوسي في مصنفي الشيعة الإمامية"[8].

 

· المطلب الرابع: الإحالةُ على كتبٍ متأخرةٍ مع وجوده في كتبٍ متقدمةٍ:

ذكر السقاف بعض المصنفات وأحال على كتب متأخرة مع أن كتباً متقدمة قد ذكرتها!

قال في (ص24): "كتاب فضائل القرآن لمحمد بن عبدالواحد بن إبراهيم الغافقي الملاحي، أبو القاسم، وهو معروف بالغرناطي (ت 619هـ)".

وقال في هامش (31): "كما في الأعلام 6/255".

قلت: ذكره ابن حجر في ((لسان الميزان)) في ترجمة (سليمان بن شعيب بن الليث بن سعد المصري).

قال: "وقد أورد له أبو القاسم الملاحي في كتاب فضائل القرآن له من طريق أبي بكر عبدالله بن أبي داود عنه عن عبدالرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عبيدالله بن عبدالله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مرض الحسن أو الحسين رضي الله عنهما من حمى وانكسار في بدنه، فأتى جبرائيل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، الجبار يقرئك السلام، ويقول لك: اغتممت لمرضه، ويأمرك أن تطلب سورة في القرآن لا فاء فيها، فإن الفاء من الآفة، فذكر حديثاً في فضل التداوي بفاتحة الكتاب، لا يشك من له أدنى معرفة بأنه موضوع"[9].

تنبيه: في كلام السقاف السابق: "لمحمد بن عبدالواحد بن إبراهيم الغافقي الملاحي أبو القاسم"، خطأ نحوي، والصواب: "أبي القاسم". وكتاب السقاف مليئ بالأخطاء النحوية، ولم أركّز على ذلك في ردّي هذا؛ ليعرف القارئ حاله في اللغة والنحو!

وقد أشرت فيما مضى إلى أنني أنقل كلامه كما جاء في كتابه دون التصرف فيه! وخاصة (علامات الترقيم) التي تكاد تكون معدومة!

وكتاب أبي القاسم اسمه: (لمحات الأنوار ونفحات الأزهار في فضائل القرآن العظيم)، ذكره صاحب الدر النظيم كما قال حاجي خليفة[10].

 

· المطلب الخامس: عدمُ الصدقيَّة العلمية:

إنّ المتتبع لما ذكره السقاف من خلال سرده ما صُنِّف في الفضائل يرى عدم الصدقيّة العلمية لديه في بيان ما كان مخطوطاً أو مطبوعاً مما ذكره؛ فطريقة سرده لها تشعر بأنها أصبحت أثراً بعد عين!

 

· المطلب السادس: عدمُ استيعابهِ لكتب فضائل القرآن:

فات السقاف بعض الكتب المهمة التي ألفت في فضائل القرآن وهي مشهورة، وبعضها مطبوع، ومنها:

1- فضائل القرآن للإمام النسائي، وهو مطبوع متداول.

2- فضائل القرآن للفريابي (ت301هـ)، وهو مطبوع متداول.

3- فضائل القرآن لأبي بكر بن أبي داود، ذكره صاحب كتاب ((تخريج الأحاديث والآثار))[11].

4- فضائل القرآن لأبي إسحاق الثَّعالبي (ت 427هـ)، ذكره السمعاني في ((التحبير))[12].

5- فضائل القرآن لعباس بن أُصبغ الهمداني، ذكره ابن خير في ((فهرسته))[13].

6- منازل الإحلال منازل الإجلال والتعظيم في فضائل القرآن العظيم، للشيخ الإمام علم الدين علي بن محمد بن عبدالصمد السخاوي المقرئ المتوفى سنة 643هـ ثلاث وأربعين وستمائة، ذكره صاحب ((كشف الظنون))[14].

 

· المبحث الثالث: التكرار.

إنّ التكرار في التأليف والتصنيف مذموم عند أهل العلم إلا إذا كان له فائدة دون إخلال بالكتاب أو بالموضع الذي احتيج إلى تكراره، وهناك طرق منهجية للإشارة إلى ما يريده المؤلف دون التكرار المخلّ الذي يظهر عجز المؤلف عن السيطرة على ما يكتب! فكأنه يريد أن يزيد في حجم الكتاب فيلجأ إلى التكرار، وهذا دليل على عدم تمكنه من المسألة التي يكتب فيها!

وقد سمعت مرة أحد من يشتغلون بهذا العلم يقول: "إذا لم يكن كتابي 700 أو 800 صفحة، فلا يكون كتاباً"! وهذا خلل عنده؛ لأن من يقرأ كتبه يضيع بين هذه الصفحات الكثيرة المكررة، والله المستعان.

وقد ظهر التكرار عند السقاف في عدة نواح نوردها في المطالب الآتية:

· المطلب الأول: تكرارُهُ للحديث في عدّة مواضع، وتكرارُ تعليقِه عليه دون الإشارة إلى أنه تقدم أو أنه سيأتي لاحقاً:

ومن أمثلة ذلك:

1- ذكر في (ص57-ص58) حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب، قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه أعرابيّ، فقال: إن لي أخاً وَجِعاً. قال: ما وجع أخيك؟. قال: به لَمَمٌ، قال: اذهب فأتني به. قال: فذهب فجاء به فأجلسه بين يديه، فسمعته عوَّذه بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من أول البقرة، وآيتين من وسطها: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ}، وآية الكرسي...، وآية من آل عمران...، وآية من الأعراف...، وآية من المؤمنين...، وآية من الجن...، وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر الحشر، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، فقام الأعرابي قد برأ ليس به بأس).

قال السقاف: "حسن في الفضائل. رواه أحمد في المسند (5/128) وابن ماجه (3549) والحاكم في المستدرك (4/413) وقال: الحديث محفوظ صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/115): رواه عبدالله بن أحمد، وفيه أبو جناب وهو ضعيف لكثرة تدليسه، وقد وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قلت: وهذا الحديث والتعليق عليه كررهما في الصفحات: (69، 89-90، 102، 132-133، 148، 204، 209، 213).

2- ذكر في (ص62) حديث عائشة مرفوعاً: ((من أخذ السبع الأول فهو حبر)).

قال السقاف: "حسن. رواه أحمد في المسند (6/73)، ووقع في بعض الكتب (من أخذ السبع الطوال فهو خَيْرٌ) وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/162): ((رواه أحمد والبزار ورجال البزار رجال الصحيح غير حبيب بن هند الأسلمي وهو ثقة...)) ورواه إسحاق بن راهوية في مسنده (2/288) والحاكم في المستدرك (1/564) وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))".

قلت: وهذا الحديث والتعليق عليه كررهما السقاف في: (ص66)، و(ص67)، و(ص68)، و(ص70)، و (ص72).

3- ذكر (ص75) حديث أبي بكر مرفوعاً: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)).

قال السقاف: "حسن. رواه الترمذي (3297) وقال: حسن غريب. ورواه الحاكم...".

وكرر ذلك في الصفحات: (128، 155، 157، 161).

وقد كرر كثيراً من الأحاديث في مواضع عدة وكذلك تعليقه عليها! وسيتبيّن لنا إن شاء الله تعالى عدم صحة كثيرٍ من هذه الأحاديث التي كررها، فما الداعي لتكرار أحاديث ضعيفة في هذه المواضع الكثيرة؟!

 

· المطلب الثاني: نَثرُهُ الحديث الواحد في فضل أكثر من سورة مما زاد في حجم الكتاب كثيراً:

هناك أحاديث وردت في وصف أكثر من سورة فأورد السقاف ذلك الحديث في فضل كلّ سورة، ويعلق عليها بالتعليق نفسه في كلّ المواضع، ولو أنه قال: فضل سورة كذا وكذا وكذا وكذا، ثم ذكر الحديث لما كان هذا التكرار! أو لو أنه ذكر موضع الشاهد فقط لفضيلة السورة، ثم أشار في الهامش إلى أنه سبق أو مضى تخريجه صفحة كذا من الكتاب من أجل المحافظة على تسلسل ترتيب السور حسب ترتيب المصحف فهذا جيد.

ومن أمثلة ذلك:

1- ذكر في (ص74) في فضل سورة يونس حديث عبدالله بن عمرو قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئني يا رسول الله، فقال: ((اقرأ ثلاثاً من ذوات ألر))، فقال: كبرت سنّي واشتد قلبي وغلظ لساني، قال: ((فأقرأ ثلاثاً من ذوات حا ميم))... ((اقرأ ثلاثاً من المسبحات))... ((فأقرأه إذا زلزلت الأرض زلزالها))...

قلت: هذا الحديث ذكره السقاف في فضل هذه السورة، وفي فضل سورة هود (ص75)، وفي فضل سورة يوسف (ص76)، وفي فضل سورة إبراهيم (ص77)، وفي فضل سورة الحجر (78)، وفي فضل سورة غافر (ص106)، وفي فضل سورة فصلت (ص108)، وفي فضل سورة الشورى (ص109)، وفي فضل سورة الزخرف (ص110)، وفي فضل سورة الدخان (ص114)، وفي فضل سورة الجاثية (ص115)، وفي فضل سورة الأحقاف (ص116)، وفي فضل سورة الزلزلة (ص182).

فهذا الحديث ذكره السقاف في (12) سورة، ولو قال: فضل سورة هود ويوسف وإبراهيم... إلخ، لما احتاج إلى هذا التكرار المخلّ، وهذا كله إن صح الحديث!

2- ذكر (ص113) عن علقمة والأسود قالا: أتى ابن مسعود رجل فقال: إني أقرأ المفصَّل في ركعة، فقال: (أهذا كهذِّ الشِّعر، ونثراً كنثر الدَّقَل، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ النظائر السورتين في ركعة، النجم والرحمن في ركعة، واقتربت والحاقة في ركعة، والطور والذاريات في ركعة، وإذا وقعت ونون في ركعة، وسأل سائل والنازعات في ركعة، وويل للمطففين وعبس في ركعة، والمدثر والمزمّل في ركعة، وهل أتى ولا أقسم بيوم القيامة في ركعة، وعم يتساءلون والمرسلات في ركعة، والدخان وإذا الشمس كورت في ركعة).

قلت: فكرر السقاف هذا في فضل كلّ سورة ذكرت في هذا الحديث![15] (ص113، 122، 123، 125، 127، 129، 145، 146، 147، 149، 150، 152، 153، 156، 157، 159، 160، 162، 164).

فهذه (19) موضعاً ذكر فيها هذا الحديث ونَسِيَ أن يذكره في فضل سورة النجم!

 

· المطلب الثالث: نقلُهُ كلام بعض أهل العلم وتكرارُه في عدة مواضع:

لم يكتف السقاف بتكراره للأحاديث، وإنما تبع ذلك تعليقاته على هذه الأحاديث، فنقلها في كلّ موضع ذكر فيه حديثاً من تلك الأحاديث.

ومن أمثلة ذلك أنه ذكر في (ص49) كلاماً لابن حجر في صفحة كاملة في مذاهب أهل العلم في الاسم الأعظم، ذكر ثم أعاده بطوله (ص57)، ثم أعاده بطوله مرة ثالثة في (ص84)، ثم أعاده مرة رابعة في (ص206)!

 

· المبحث الرابع: آلية تعامل السقاف مع أحاديث الفضائل التي أوردها في كتابه.

كان ينبغي أن تكون طريقة السقاف واضحة في تعامله مع ما يورده من أحاديث في الفضائل، لا أن يضطرب فيها!

· المطلب الأول: الجزمُ بالرواية في بداية كلِّ حديثٍ دون ذكرِ الأسانيد:

يبدأ السقاف ذكر الحديث بقوله: "وعن فلان" أي الصحابي، وهذا منه جزم بأن هذا الصحابي روى ذلك، وفيه نظر شديد؛ لأن كثيراً من هذه الأحاديث التي ذكرها لم تصح، فكيف يجزم بها؟!!

وعدم ذكره للأسانيد يجعل من الصعب على القارئ معرفة هل كلام الراوي يصحّ أم لا! فعلى الأقل كان ينبغي عليه أن يذكر (مِفْصل الإسناد) أو ما يسميه أهل العلم بمدار الإسناد، وهو: من يدور عليه الحديث، ومن لا يُتقن هذا فهو بعيدٌ عن هذا العلم الجليل.

 

· المطلب الثاني: إيرادُهُ لأحاديثَ في فضائل بعض السور حسب فَهمه:

إنّ مسألة عدّ الحديث من الفضائل تحتاج إلى فهمٍ صحيح، فليس كلّ حديث روي عنه صلى الله عليه وسلم في أنه قرأ سورة كذا أو كذا في الصلاة يدلّ على أن تلك السورة لها فضيلة، وإلا لكان كلّ القرآن يدخل في هذا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لا يقتصر في صلاته على السور التي لها فضائل.

وهذه الأحاديث التي رويت عن بعض الصحابة – رضي الله عنهم – في أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب كذا، أو في الكسوف كذا، أو في العيد كذا، إنما هو مما سمعه الواحد منهم في تلك الصلاة أو غيرها، ولو أن جماعة من الصحابة رووا أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في صلاة كذا سورة كذا وواظب عليها لكان بالإمكان أن تعدّ تلك فضيلة مع اختلاف أهل العلم في ذلك.

والصحيح أن فضائل السور تثبت بقوله صلى الله عليه وسلم، أما قراءته في الصلاة فلا، إلا إذا ثبت من فعله المداومة على قراءة تلك السورة في مقام ما.

وكذلك قراءته صلى الله عليه وسلم بعض سور القرآن على بعض الصحابة لا يعني أن لتلك السور فضيلة، وإنما هي فضيلة لذلك الصحابي، وكذلك إذا جاء رجل إليه صلى الله عليه وسلم وعلَّمه شيئاً من القرآن فإن ذلك لا يعدّ فضيلة لما علمه إياه، وعلى هذا فهم الأئمة.

1- ذكر السقاف في (ص74) في فضل سورة يونس حديث عبدالله بن عمرو قال: ((أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أقرئني يا رسول الله، فقال: ((اقرأ ثلاثاً من ذوات ألر))، فقال: كبرت سنّي واشتد قلبي وغلظ لساني، قال: ((فأقرأ ثلاثاً من ذوات حا ميم))... ((اقرأ ثلاثاً من المسبحات))... ((فأقرأه إذا زلزلت الأرض زلزالها))...

وكرر هذا الحديث في (12) موضع كما سبق ذكره، وهذا لو صحّ لما دلّ على فضيلة لهذه السور، وإنما أراد التخفيف على الرجل.

2- وذكر في فضل سورة لقمان (ص93): "عن البراء بن عازب قال: كنا نصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم الظهر فنسمع منه الآية بعد الآيات من سورة لقمان والذاريات. رواه النسائي وابن ماجة".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه النسائي (971) وابن ماجه (830)".

قلت: أخرجه النسائي في (باب القراءة في الظهر)، وكذلك ابن ماجه، فأين الفضيلة لهاتين السورتين؟!

3- وذكر في فضل سورة هود (ص75) حديث ابن عباس عن أبي بكر قال: يا رسول الله: قد شبت، قال: ((شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت)).

قلت: من أين فهم السقاف فضيلة هذه السور؟!

4- وذكر في فضل سورة الحديد (ص131): عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء، وخلق الله الحديد يوم الثلاثاء، وقتل ابن آدم أخاه يوم الثلاثاء، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء)).

قلت: أيّ عاقل سَوي يفهم من هذا الحديث الموضوع أنه فضيلة لسورة الحديد؟!

5- وذكر في فضل سورة الأعلى (ص171): "وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسيدنا معاذ رضي الله عنه عندما أطال في الصلاة بقومه: ((يا معاذُ أفتّانٌ أنت ثلاثاً اقرأ {والشمس وضحاها} و {سَبّح اسم ربك الأعلى} ونحوها))، رواه البخاري ومسلم".

قلت: فأين الفضل لهاتين السورتين في الحديث؟!؛ فغاية ما في الأمر أنه صلى الله عليه وسلم أمره بقراءة السور القصيرة لئلا يشق على الناس في الصلاة، ولهذا قال: ((ونحوها))، فلو ثبتت فضيلة هاتين السورتين في هذا الحديث، فيدخل في ذلك نحوها أيضاً، وهذا لا يصح.

 

· المطلب الثالث: مخالفتُهُ لشرطه في اجتناب النقل عن كتب الموضوعات:

قال السقاف (ص22) تحت عنوان: (الكتب التي اجتنبناها في نقل أحاديث الفضائل): "هذا؛ وقد اجتنبت في نقل الفضائل وجمعها من الكتب المعروفة عند العلماء بإيرادها للأحاديث الموضوعة والواهية مثل: كتاب الموضوعات وكتاب العلل المتناهية في الأحاديث الواهية للحافظ ابن الجوزي...".

وذكر في فضل سورة النساء (ص62) قال: "وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ السبع الأول فهو حَبْرٌ)). رواه أحمد".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه أحمد في المسند (6/73)، ووقع في بعض الكتب (من أخذ السبع الطوال فهو خَيْرٌ) وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/162): ((رواه أحمد والبزار ورجال البزار رجال الصحيح غير حبيب بن هند الأسلمي وهو ثقة...)) ورواه إسحاق بن راهوية في مسنده (2/288) والحاكم في المستدرك (1/564) وقال: ((هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه))".

وأعاده في فضل سورة المائدة (ص66)، وفي فضل سورة الأنعام (ص67)، وفي فضل سورة الأعراف (ص68)، وفي فضل سورة الأنفال (ص70)، وفي فضل سورة براءة (ص72)!

قلت: هذا الحديث أورده ابن الجوزي في ((العلل المتناهية))[16] ورواه من طريق عبدالعزيز الأويسي، عن سليمان بن بلال، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن حبيب بن هند الأسلمي، عن عروة، عن عائشة، به.

قال ابن الجوزي: "هذا حديثٌ لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه عمرو بن أبي عمرو، قال يحيى: لا يُحتج بحديثه".

قلت: فخالف السقاف قوله في أنه اجتنب كتاب العلل المتناهية لابن الجوزي!

والحديث رواه أحمد في ((المسند))[17] من طريق إسماعيل ابن جعفر وسليمان ابن بلال، كلاهما عن عمرو، به.

قال ابن كثير: "وهذا أيضاً غريب! وحبيب بن هند بن أسماء ابن هند بن حارثة الأسلمي، وروى عنه عمرو بن عمرو وعبدالله بن أبي بكرة، وذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحاً، فالله أعلم"[18].

ورواه إسحاق بن راهويه في ((مسنده))[19] عن عبدالعزيز بن محمد، عن عمرو بن أبي عمرو، عن حبيب بن هند، عن عروة بن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ السبع الطول فهو حبر)).

هكذا رواه مرسلاً.

ورواه أحمد[20] أيضاً عن حسين، عن ابن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.

قال أبو عبدالرحمن ابن الإمام أحمد: "وهذا أرى أن فيه (عن أبيه عن الأعرج)، ولكن كذا كان في الكتاب، فلا أدري أغفله أبي أو كذا هو مرسل".

قلت: هو مرسل، ولا يصح.

تنبيهان:

1- ذكر السقاف هذا الحديث في فضل كلّ من سورة: (النساء والمائدة والأنعام والأعراف والأنفال وبراءة)!

ولكن عندما أخرج ابن راهويه الحديث، قال: "يعني البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف ويونس".

فلا أدري من أين جاء السقاف بذكره في الأنفال وبراءة؟!! وهما رقم (8) و (9)! والحديث أشار إلى السبع الأول!!

2- أشار السقاف إلى أنه وقع في بعض الكتب: ((فهو خَيْرٌ))، ولم يعقّب على ذلك بشيء!!

قلت: اعتمد ذلك المناوي في ((فيض القدير))[21] فقال: "فهو خير له، أي مَنْ حفظها واتخذ قراءتها وِرْداً فذلك خَيرٌ كثيرٌ، يعني بذلك كثرة الثواب عند الله تعالى".

ولكن قال إسحاق بن راهويه في مسنده[22] بعد أن رواه: "قال النضر: لا يكون الخير، إنما هو الحَبْر".

 

· المبحث الخامس: القصور في المادة العلمية.

هناك قصور واضح في كتاب السقاف يتمثل في عدم استيعابه لجميع أحاديث الفضائل، وكذلك القصور في مصادر التخريج والضعف في ترتيبها، وغير ذلك مما يندرج تحت المطالب الآتية:

· المطلب الأول: فاتتهُ أحاديثُ صحيحة في فضائل بعض السور ذكرها أهل العلم في كتبهم:

إن القارئ لكتاب السقاف وكلامه يَحسّ أنه قد استوعب كل ما جاء في فضائل السور، ولكن فاته أحاديث صحيحة لم يذكرها في كتابه.

ومنها: ما رواه البخاري[23] في (باب فضل سورة الفتح) قال: حدثنا إسماعيل، قال: حدثني مالك، عن زيد بن أسلم، عن أبيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير في بعض أسفاره وعمر بن الخطاب يسير معه ليلاً، فسأله عمر عن شيء، فلم يجبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سأله، فلم يجبه، ثم سأله، فلم يجبه، فقال عمر: ثكلتك أمك، نزرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، كلّ ذلك لا يجيبك. قال عمر: فحركت بعيري حتى كنت أمام الناس، وخشيت أن ينـزل فيّ قرآن، فما نشبت أن سمعت صارخاً يصرخ بي، قال: فقلت لقد خشيت أن يكون نزل فيّ قرآن، قال: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلّمت عليه، فقال: ((لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس، ثم قرأ {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً})).

قلت: فهذا حديث صحيح في فضل سورة الفتح، لم يذكره السقاف في فضل هذه السورة.

وقد فاته أحاديث أيضاً على شرطه في كتابه، وإن كانت ضعيفة على التحقيق. والحاصل أنه لم يستوعب كلّ ما في فضائل السور.

 

· المطلب الثاني: ذكرُهُ لِلحديث وإشارتُهُ إلى أنه في مسلم، وهو في صحيح البخاري أيضاً وعدمُ إشارته إلى ذلك:

ذكر في (ص52) في فضل خواتيم سورة البقرة حديث أبي مسعود الأنصاري مرفوعاً: ((من قرأ هاتين الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)). رواه مسلم.

قلت: رواه أيضاً البخاري[24] في (باب فضل سورة البقرة) قال: حدثنا محمد ابن كثير، قال: أخبرنا شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن، عن أبي مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ بالآيتين)).

قال: وحدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبدالرحمن بن يزيد، عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه)).

 

· المطلب الثالث: عدم استيعاب مصادر التخريج الأصيلة، والضعفُ في ترتيبها:

الإعواز في مصادر التخريج الأصيلة عند السقاف واضح جداً لمن تتبع ذلك.

ومن ذلك: أنه ذكر في فضل سورة الحج (ص88) قال: وعن عُقبة بن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فُضلّت سورة الحج بسجدتين، فمن لم يسجدهما فلا يقرأهما)). رواه الحاكم والطبراني".

قلت: ورواه الترمذي في ((الجامع))، وقال: "هذا حديث ليس إسناده بذاك القوي، واختلف أهل العلم في هذا فروي عن عمر بن الخطاب وابن عمر أنهما قالا: فضلت سورة الحج بأن فيها سجدتين، وبه يقول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، ورأى بعضهم فيها سجدة وهو قول سفيان الثوري ومالك وأهل الكوفة"[25].

ورواه أيضاً الإمام أحمد وأبو داود وغيرهما[26]. قال ابن حجر في ((التلخيص))[27]: "[رواه] أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني والبيهقي والحاكم، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، وقد ذكر الحاكم أنه تفرد به وأكده الحاكم بأن الرواية صحت فيه من قول عمر وابنه وابن مسعود وابن عباس وأبي الدرداء وأبي موسى وعمار ثم ساقها موقوفة عنهم، وأكده البيهقي بما رواه في المعرفة من طريق خالد ابن معدان مرسلاً".

وسيأتي أمثلة على ذلك من خلال تتبع السقاف لاحقاً إن شاء الله.

وكذلك ترتيب مصادر التخريج، فيقدم المتأخر على المتقدم، ولا يتنبه إلى رواية هؤلاء المصنفين عن بعضهم، فمثلاً يذكر السقاف أحياناً الرواية عند ابن خزيمة وابن حبان، فيقول كما في (ص30، حاشية 64): "ورواه ابن خزيمة في صحيحه، وابن ماجه، ورواه ابن حبان في صحيحه...".

قلت: كان ينبغي تقديم ابن ماجه على ابن خزيمة، وكذلك فإن رواية ابن حبان عن ابن خزيمة، والصواب أن يقول: رواه ابن خزيمة في صحيحه، ورواه من طريقه أو عنه: ابن حبان في صحيحه، وهكذا.

وذكر السقاف في فضل سورة النساء (ص61) قال: "وعن واثلة بن الأسقع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أُعطيتُ مكانَ التوراة السبع، وأُعطيتُ مكان الزبور الِمئين، وأُعطيتُ مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلْتُ بالمُفَصَّل)). رواه أحمد".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه أحمد (4/107) في المسند، ورواه الطيالسي ص(136)...".

قلت: رواية أحمد من طريق الطيالسي، فمن لا يعرف ذلك يظن أنهما مختلفتين، وكان ينبغي عليه أن يقول: رواه الطيالسي في مسنده عن فلان، ورواه أحمد عن الطيالسي به.

 

الفصل الثاني: القضايا الحديثية

من خلال قراءتي لكتاب السقاف هذا وجدته قد خالف الأئمة في كثير من القضايا الحديثية التي يعدّ جزءاً منها من المسلّمات عند أهل الحديث، فأنشأ قواعد لا تصمد أمام النقد الحديثي، بل تدلّ على أنه حاطب ليل.

وقد تتبعته في كلّ ذلك وتعقبته في المباحث الآتية:

 

· المبحث الأول: مصطلحات الحكم على الحديث وتعريفاتها عنده، واختراع مصطلحات جديدة.

تكلم السقاف في عدد من الصفحات على مصطلحات أهل العلم التي يحكمون بها على الأحاديث، وعرّفها من تلقاء نفسه، وخالف أئمة المصطلح في ذلك، بل إنه اخترع مصطلحات جديدة لم يعرفها أحد قبله!

· المطلب الأول: الحديث الصحيح عنده:

قال السقاف (ص20) تحت عنوان: (شرح مصطلحات الحكم على الحديث وبيان طريقتنا في الحكم على الأحاديث باختصار): "بيان معاني مصطلحات الأحكام على الأحاديث النبوية الكريمة:

1- الحديث الصحيح: هو الحديث الذي يكون رجاله ثقات في المرتبة العليا من التوثيق ولا يعارضه شيء في القرآن أو في بعض الأحاديث الصحيحة وليس ممتنعاً عقلاً".

قلت: هذا التعريف فيه عيوب كثيرة وغير قائم على استقراء حديثي، وإنما هو قائم على هوىً في النفس!

1- خصّ السقاف هذا التعريف للحديث الذي رجاله ثقات في المرتبة العليا من التوثيق! ولم يبيّن لنا ما هي هذه المرتبة؟ وما هي حدودها؟ وكيف نصل إليها؟ ومن الذين نستطيع أن ندخلهم فيها؟!

نعم، الثقات مراتب، ولكن المرتبة العليا من التوثيق لم يبلغها إلا أفراداً قلائل من الأئمة. قال شعبة: "لو حدثتكم عن ثقة، ما حدّثتكم عن ثلاثة"[28].

ثُم ما هو مصير من قيل فيه صدوق من أهل العلم، ألا يصحح الأئمة حديثه؟!

2- قوله: "رجاله ثقات" دون تقييد بالعلة والشذوذ اللتين اشترطهما أهل العلم في تعريف الحديث الصحيح فيه نظر! لأن هناك أحاديث رجالها ثقات ولكن فيها علة خفية، لا يدركها إلا أهل النقد، ومن هنا أُتي الهيثمي الذي اعتمده (السقاف) في الاحتجاج بقوله في بعض الأحاديث: "رجاله ثقات"؛ لأنه لم يلتفت إلى العلل.

3- ثم إن احتجاجه بقول الهيثمي وتصحيح الأحاديث التي قال في أسانيدها "رجاله ثقات" نقض لشرطه في التعريف "في المرتبة العليا من التوثيق"؛ لأن الهيثمي يقول ذلك أحياناً في رواة لا يعرف فيهم جرح ولا تعديل وهو نفسه يوثقهم! فأين شرط السقاف إذن؟!!

4- وكذلك ماذا يفعل السقاف إذا كان الحديث رجاله ثقات وفيه انقطاع أو إرسال أو تدليس أو غير ذلك مما يؤثر في اتصال السند؟!!

5- شرطه بعدم المعارضة في القرآن أو في بعض الأحاديث الصحيحة وليس ممتنعاً عقلاً شرط لأهل البدع؛ فإنهم لا يلتفتون إلى مسائل الترجيح والتوفيق بين الروايات الصحيحة من أجل نصرة مذاهبهم الباطلة.

نعم، شرط الأئمة عدم نكارة المتن ومما يعرف به ذلك معارضته لبعض الآيات أو بعض الأحاديث الصحيحة، ولكن فتح هذا الباب لكلّ من هبّ ودبّ يجعل الأحاديث عرضة للرد بزعم أنها تخالف بعض الآيات أو الأحاديث الصحيحة الأخرى، وأن هذا أو ذاك ممتنع عقلاً، فبأيّ عقل نقيس الأمور؟! أبعقل المخرّفين؟

ثُم إن الحديث الذي رجاله ثقات بحسب تعريف السقاف هو حديث صحيح، وإن عارض حديثاً آخر صحيحاً، فماذا يفعل السقاف؟! ظاهر كلامه أنه يرد الأول، فبأي ميزان ردّه؟!!

وفي أحكامه على الأحاديث وجدت السقاف يحكم على بعضها بقوله: "صحيح"، وبعضها بقوله: "صحيح الإسناد"، وظاهر ذلك أن ما قيل فيه الأول أو الثاني فهو صحيح، ولا أدري لم نوّع في العبارة؟! إلا ما تبيّن لي في بعضها أنه يقول: "صحيح الإسناد" في حديث رواه البخاري أو مسلم وينكر شيئاً في متنه كما سيأتي في مكانه إن شاء الله تعالى.

وهذه أمثلة على بعض الأحاديث التي حكم عليها بأنها صحيحة أو صحيحة الإسناد:

1- ذكر في فضل سورة الحج (ص88) قال: "عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: أول سورة نزلت فيها السجدة الحج، قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد وسجد الناس إلا رجل أخذ التراب فسجد عليه، فرأيته قتل كافراً. رواه الحاكم".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه الحاكم في المستدرك (1/220-221) وصححه".

قلت: بل ليس بصحيح، والصواب أن ذلك كان عندما قرأ سورة النجم. وقد أشار الحاكم نفسه إلى هذا، ولكنه صحح الحديثين!

روى الحاكم أولاً من طريق عبيدالله بن موسى، قال: أنبأنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبدالله قال: ((أول سورة نزلت فيها السجدة الحج، قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسجد، وسجد الناس إلا رجل أخذ التراب فسجد عليه، فرأيته قتل كافراً)).

قال الحاكم: "تابعه زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق هكذا"، ثم ساقه من طريق يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، عن أبيه، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عبدالله قال: ((أول سورة قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس الحج...)) الحديث.

قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين بالإسنادين جميعاً ولم يخرجاه، إنما اتفقا على حديث شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبدالله: أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ والنجم فذكره بنحوه، وليس يعلل أحد الحديثين الآخرين، فإني لا أعلم أحداً تابع شعبة على ذكره النجم غير قيس بن الربيع، والذي يؤدي إليه الاجتهاد صحة الحديثين، والله أعلم".

قلت: بل يعلل أحدهما الآخر، فإما أن تكون أول سورة الحج أو النجم؟ فكيف يؤدي الاجتهاد إلى صحة الحديثين؟!

ثُم إن إسرائيل نفسه تابع شعبة على ذكر سورة النجم، رواه البخاري في ((صحيحه))[29] قال: حدثنا نصر بن علي، قال: أخبرني أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد، عن عبدالله رضي الله عنه قال: ((أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم، قال: فسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب، فسجد عليه فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية بن خلف)).

وتابعه عليه أيضاً سفيان، رواه أحمد في ((المسند))[30] عن وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق، به.

والمحفوظ أيضاً: أن زكريا بن أبي زائدة تابعهم أيضاً على ذكر سورة النجم لا الحج كما روى الحاكم!

قال الحافظ ابن حجر: "رواية زكريا بن أبي زائدة عن أبي إسحاق عند ابن مردويه بلفظ: إن أول سورة استعلن بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والنجم، وله من رواية عبدالكبير بن دينار عن أبي إسحاق: أول سورة تلاها على المشركين فذكره"[31].

قلت: وبهذا يتبيّن عدم صحة هذا الحديث ووهم الحاكم في كلّ ما قاله!!

2- ذكر السقاف في فضل سورة يس (ص101) قال: "وعن جابر بن سَمُرَة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((كان يقرأ في الصبح يس)). رواه الطبراني".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه الطبراني في الأوسط (4/175)، وقال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/119): ((ورجاله رجال الصحيح))".

قلت: بل لا يصح، وهو معلول!

والحافظ الطبراني رواه عن علي بن سعيد الرازي، عن عبدالله بن عمران الأصبهاني، قال: حدثنا أبو داود الطيالسي، قال: حدثنا شعبة وأيوب بن جابر، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة: ((أن النبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الصبح بـ (يس)).

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سماك إلا شعبة وأيوب بن جابر، ولا رواه عنهما إلا أبو داود، تفرد به عبدالله بن عمران".

قلت: والمحفوظ في هذا الإسناد أنه كان يقرأ بـ (ق).

روى مسلم في ((صحيحه))[32] (1/337) عن أبي بَكْرِ بنِ أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ زَائِدَةَ، قال: حَدَّثَنَا سِمَاكُ بنُ حَرْبٍ، عَنْ جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ قَالَ: ((إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفاً)).

ثُم روى من طريق يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قال: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ سِمَاكٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ سَمُرَةَ عَنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَ: ((كَانَ يُخَفِّفُ الصَّلَاةَ، وَلَا يُصَلِّي صَلَاةَ هَؤُلَاءِ. قَالَ: وَأَنْبَأَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ بِـ {ق وَالْقُرْآنِ} وَنَحْوِهَا)).

قلت: فتبيّن من هذا أن حديث الطبراني لم يصح، وهو نفسه أشار إلى تعليله، ولكن السقاف لا يفقه مقاصد أهل العلم في كتبهم.

وكان أبو داود الطيالسي حدّث بأصبهان بآلاف الأحاديث وكان يخطئ!

قال عبدالله بن عمران الأصبهاني: "قدم علينا أبو داود فكان يملي من حفظه". قال أبو حاتم: "أبو داود محدّث صدوق كثير الخطأ، أبو الوليد وعفان أحبّ إليّ منه".

وقد تفرد عبدالله بن عمران عنه بأحاديث!

قال أبو الشيخ الأصبهاني: "وروى عن أبي داود أحاديث تفرد بها"[33]، ثم ذكر حديثاً من غرائب حديثه.

وكذلك أورد أبو نعيم في تاريخه[34] بعض الأحاديث التي تفرد بها عبدالله بن عمران عن أبي داود الطيالسي.

3- وذكر السقاف في فضل سورة القدر (ص179) قال: "عن يوسف بن سعد قال: قَامَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بَعْدَ مَا بَايَعَ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: سَوَّدْتَ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ – أَوْ: يَا مُسَوِّدَ وُجُوهِ الْمُؤْمِنِينَ – فَقَالَ: لَا تُؤَنِّبْنِي رَحِمَكَ اللَّهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَسَاءَهُ ذَلِكَ، فَنَزَلَتْ {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي نَهْرًا فِي الْجَنَّةِ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} يَمْلِكُهَا بَعْدَكَ بَنُو أُمَيَّةَ يَا مُحَمَّدُ.

قَالَ الْقَاسِمُ: فَعَدَدْنَاهَا فَإِذَا هِيَ أَلْفُ شَهْرٍ لَا يَزِيدُ يَوْمٌ وَلَا يَنْقُصُ[35].

رواه الترمذي، والحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي.

وله لفظ آخر رواه الحاكم عن سيدنا الحسن بن علي رضي الله عنه قال: [إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رأى بني أمية يتواثبون على منبره رجلاً رجلاً، فشقّ ذلك عليه واهتّم، فأنزل الله عزّ وجلّ: {إنا أعطيناك الكوثر} نهر في الجنة، و {إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر} يقضون بعدك]".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه الترمذي (3350) والحاكم (3/171) وصححه ووافقه الذهبي، في إسناده عند الترمذي يوسف بن سعد، قال الترمذي بعد روايته للحديث هناك: إنه مجهول، والتحقيق أنه مشهور وهو ثقة وقد نص على توثيقه ابن معين. انظر ترجمته في ((تهذيب التهذيب)) (11/363)".

وقال عن حديث الحاكم: "صحيح. انظر مستدرك الحاكم (3/175)".

قلت: بل هو حديثٌ منكرٌ جداً!! والسقاف قد لبّس ودلّس في كلامه!

أولاً: قال الترمذي بعد أن أخرجه: "هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث القاسم بن الفضل، وقد قيل: عن القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن، والقاسم بن الفضل الحداني هو ثقة وثَّقهُ يحيى بن سعيد وعبدالرحمن بن مهدي، ويوسف بن سعد: رجلٌ مجهولٌ، ولا نعرف هذا الحديث على هذا اللفظ إلا من هذا الوجه".

قلت: فهذا تضعيف من الترمذي لهذا الحديث ولم ينقله السقاف!

ثانياً: قال الحافظ ابن كثير: "وقول الترمذي إن يوسف هذا مجهول فيه نظر، فإنه قد روى عنه جماعة، منهم: حماد بن سلمة، وخالد الحذاء، ويونس بن عبيد، وقال فيه يحيى بن معين: هو مشهور، وفي رواية عن ابن معين قال: هو ثقة، ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن، كذا قال، وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث، والله أعلم. ثم هذا الحديث على كلّ تقدير منكرٌ جداً. قال شيخنا الإمام الحافظ الحجة أبو الحجاج المزي: هو حديثٌ منكرٌ. قلت: وقول القاسم بن الفضل الحداني أنه حسب مدة بني أمية فوجدها ألف شهر لا تزيد يوماً ولا تنقص ليس بصحيح، فإن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه استقل بالملك حين سلّم إليه الحسن بن علي الإمرة سنة أربعين، واجتمعت البيعة لمعاوية وسمي ذلك عام الجماعة، ثم استمروا فيها متتابعين بالشام وغيرها لم تخرج عنهم إلا مدة دولة عبدالله بن الزبير في الحرمين والأهواز وبعض البلاد قريباً من تسع سنين، لكن لم تزل يدهم عن الإمرة بالكلية، بل عن بعض البلاد إلى أن استلبهم بنو العباس الخلافة في سنة اثنتين وثلاثين ومائة، فيكون مجموع مدتهم اثنتين وتسعين سنة، وذلك أزيد من ألف شهر، فإن الألف شهر عبارة عن ثلاث وثمانين سنة وأربعة أشهر، وكأن القاسم بن الفضل أسقط من مدتهم أيام ابن الزبير، وعلى هذا فيقارب ما قاله الصحة في الحساب، والله أعلم. ومما يدلّ على ضعف هذا الحديث أنه سيق لذم دولة بني أمية، ولو أريد ذلك لم يكن بهذا السياق، فإن تفضيل ليلة القدر على أيامهم لا يدل على ذم أيامهم، فإن ليلة القدر شريفة جداً، والسورة الكريمة إنما جاءت لمدح ليلة القدر، فكيف تمدح بتفضيلها على أيام بني أمية التي هي مذمومة بمقتضى هذا الحديث، وهل هذا إلا كما قال القائل:

أَلَمْ ترَ أَنَّ السيفَ ينقُصُ قَدْرُه // إذا قِيل إِنَّ السيفَ أَمضى مِنَ العَصا

وقال آخر:

إذا أنتَ فَضَّلتَ امرأ ذا بَرَاعَة // عَلى نَاقص كَانَ المديحُ منَ النَّقص

ثُمّ الذي يفهم من الآية أن الألف شهر المذكورة في الآية هي أيام بني أمية، والسورة مكية، فكيف يحال على ألف شهر هي دولة بني أمية، ولا يدل عليها لفظ الآية ولا معناها، والمنبر إنما صنع بالمدينة بعد مدة من الهجرة، فهذا كلّه مما يدل على ضعف الحديث ونكارته، والله أعلم"[36].

وقال المباركفوري: "قلت: وفي قوله (ورواه ابن جرير من طريق القاسم بن الفضل عن يوسف بن مازن كذا قال) نظر؛ فإن ابن جرير لم يروه هكذا، بل رواه من طريق القاسم بن الفضل عن عيسى بن مازن كما في النسخة المصرية، وعليه يصح قول الحافظ ابن كثير: وهذا يقتضي اضطراباً في هذا الحديث، فتفكر"[37].

قلت: فها هو ابن كثير الذي ينقل عنه السقاف أحياناً – إذا وافق رأيه – ها هو يقول بأن الحديث منكر، ويأتي بأدلة تدلّ على ضعفه، وينقل عن شيخه المزي أنه منكر أيضاً، فلمَ أخفى السقاف هذا؟!

والجواب: لأنه يريد تصحيح الحديث الذي يطعن في بني أمية كأسياده الروافض!

ثالثاً: وأما قول ابن كثير بأن يوسف بن سعد روى عنه جماعة، فهو صحيح، والسقاف قد استغل هذا أيضاً فجعل الحديث عن يوسف هذا، ولكن الصواب أن الحديث عن (يوسف بن مازن الراسبي)، والسقاف يعلم ذلك؛ لأنه نقل عن الحاكم، وجاء في إسناد الحاكم هكذا مصرحاً به، فلم التدليس لنصرة المذهب؟ وأين الدّقة والموضوعية؟!

وقال الطبراني في ((المعجم الكبير))[38] "يوسف بن مازن الراسبي عن الحسن ابن علي رضي الله عنه".

وقال السيوطي: "وأخرج الترمذي وضعفه، وابن جرير، والطبراني، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل عن يوسف بن مازن الراسبي قال: قام رجل إلى الحسن بن علي..." [39].

قلت: فعلى هذا فإن يوسف بن سعد هو غير يوسف بن مازن راوي هذا الحديث المنكر الباطل! وصدق الترمذي حيث قال: هو مجهول.

ومن تدليس السقاف وتلبيسه أيضاً: إشارته إلى ترجمة (يوسف بن سعد) في تهذيب التهذيب؛ ليؤيد كلامه! ولكن ابن حجر بيّن أنهما اثنان، فقال: "... وقال البخاري: يوسف بن مازن يعدّ في البصريين، وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: يوسف بن مازن المدني، روى عنه القاسم بن الفضل مشهور. قلت: فرّق البخاري بين يوسف بن سعد ويوسف بن مازن، فقال في ابن سعد: أنه مولى ابن مظعون، وقيل: مولى ابن حاطب، وأنه روى عن عمر وعلي ومحمد بن حاطب وزيد بن ثابت في آخرين، روى عنه القاسم بن الفضل والربيع ابن مسلم وخالد الحذاء وحماد بن سلمة وأبو بشر وعلي بن زيد يعد في البصريين، وقال في يوسف بن مازن الراسبي: روى عنه القاسم بن الفضل ونوح بن قيس، يعد في البصريين، ولا يلزم من اشتراكهما في رواية القاسم بن الفضل عن كلّ منهما، وفي كونهما بصريين أن يكونا واحداً، وقد تبع البخاري ابن أبي حاتم في التفرقة بينهما، وترجم لكلّ منهما كما ترجم البخاري، وزاد في ابن مازن ما نقل عن يحيى بن معين أنه مشهور، وفرّق ابن حبان بين يوسف بن سعد شيخ الربيع بن مسلم، وذكر أنه يروي عن أبي هريرة، وبين ابن سعد أنه مولى محمد بن حاطب، فقال في الثقات: يوسف بن سعد مولى ابن حاطب، يروي عن زيد بن ثابت، وعنه داود بن أبي هند وأبو بشر، وعندي أنه وهم في جعله اثنين، ولم يتعرض ليوسف بن مازن في الثقات"[40].

قلت: بل تعرض له فقال في ((الثقات))[41]: "يوسف بن مازن الراسبي من أهل البصرة يروي المقاطيع".

رابعاً: قال الحاكم: "وهذا القائل للحسن بن علي هذا القول هو سفيان بن الليل صاحب أبيه"، ثم روى عن السري بن إسماعيل البجلي، عن الشعبي، عن سفيان بن الليل الهمداني قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية، فقلت: يا مسود وجوه المؤمنين، ثم ذكره بنحوه[42].

قال العُقيليُّ: "سفيان بن الليل، كوفي كان ممن يغلو في الرفض، ولا يصح حديثه"[43].

وقال الذهبيُّ: "السري بن إسماعيل عن الشعبي حدثني سفيان بن الليل قلت للحسن... السري تالف"[44].

قلت: فالحديث بكلّ طرقه منكر باطل، فكيف يصححه السقاف؟!

خامساً: كيف ينسب السقاف إلى الذهبي أنه وافق الحاكم في تصحيحه؟! فالذهبي مختصر وملخص لكتاب الحاكم فقط، ولا يوافقه على تصحيحاته، وسيأتي الكلام على هذا إن شاء الله تعالى.

وقد أعاد السقاف هذا الحديث في فضل سورة الكوثر (ص187-188) وصححه أيضاً!!! وهو منكرٌ باطل!

4- ذكر السقاف في فضل سورة العصر (ص186) قال: "وعَنْ أَبِي مَدِينَةَ الدَّارِمِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، قَالَ: ((كَانَ الرَّجُلانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا الْتَقَيَا لَمْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَقْرَأَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ {وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} ثُمَّ يُسَلِّمَ أَحَدُهُمَا عَلَى الآخَرِ)). رواه الطبراني في الأوسط".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه الطبراني في الأوسط (5/215) وقال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/307): ((رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير ابن عائشة وهو ثقة))".

قلت: رواه الطبراني عن محمد بن هشام المستملي، عن عبيدالله بن عائشة، عن حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي مدينة الدارمي، به.

قال الطبراني: "قال علي بن المديني: اسم أبي مدينة عبدالله بن حصن. لا يروى هذا الحديث عن أبي مدينة إلا بهذا الإسناد، تفرد به حماد بن سلمة".

ورواه أبو داود في الجزء الذي جمعه في ((الزهد)) عن موسى بن إسماعيل، عن حماد، به.

ورواه البيهقي في ((شعب الإيمان))[45] من طريق يحيى بن أبي بكير، عن حماد به.

قال البيهقي: "ورواه غيره عن حماد عن ثابت عن عقبة بن عبدالغافر، قال: كان الرجلان فذكره".

قلت: وعلى هذا فإن حماد بن سلمة كان يضطرب فيه! وأبو مَدِينة تابعي مشهور ولم تثبت له صحبة، وهو أثر غريبٌ جداً!

قال الذهبي في ((تاريخ الإسلام)) في ترجمة (أبي مدينة السدوسي): "هذا حديثٌ غريبٌ جداً، ورواته مشهورون".

قلت: وظاهر الحديث أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك دائماً، ولو كان ذلك صحيح لجاء من طرق أخرى، وأما أن يتفرد به حماد بن سلمة ويضطرب فيه، فلا يقبل، وحماد فيه كلام عند أهل النقد.

وقد يقول قائل: لو كان هذا عن أبي مدينة أو عن عقبة، فكلاهما تابعي ثقة، فما المانع من صحته؟

أقول: غرابته، وتفرد حماد به، وكذلك فإنه قد ثبت من طرق أخرى ما قد يتشابه مع هذا دون ذكر سورة العصر، ولعل هذا هو سبب الاشتباه على حماد!

روى ابن أبي شيبة في ((مصنفه))[46] (5/245) عن أبي خالد الأحمر، عن عثمان بن الأسود، عن مجاهد قال: ((كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتسايران، فتفرّق بينهما الشجرة، فيلتقيان فيسلّم أحدهما على الآخر)).

وروى أيضاً نحو هذا عن إبراهيم التيميّ وغيره.

 

· المطلب الثاني: الحديث الحسن عنده:

قال السقاف أيضاً (ص21): "الحديث الحسن: هو الحديث الذي يكون كالصحيح إلا أن فيه راوٍ أو أكثر صدوق، ولم يصل إلى مرتبة الثقة، بل هو أدنى منـزلة من الثقة، ولكنه ليس ضعيفاً". انتهى.

قلت: حديث الصدوق عند أهل العلم مقبول، ويدخل في الصحيح، والصدوق مرتبة من مراتب الثقة وحديثه مقبول، وهو كذلك عند السقاف، ولكنه لم يلتزم بتعريفه هذا، وحسّن أحاديث فيها ضعفاء أو هي معلولة! ومن ذلك:

1- ذكر (ص193) قال: "وعن سيدنا عليّ قال: لدغت النبي صلى الله عليه وسلم عقرب، وهو يصلي، فلما فرغ قال: ((لعن الله العقرب، لا تدع مصلياً ولا غيره))، ثم دعا بماء وملح، وجعل يمسح عليها، ويقرأ {قل يا أيها الكافرون} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس}. رواه الطبراني".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه الطبراني في الأوسط (6/91) والصغير (2/87)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/111): ((رواه الطبراني في الصغير وإسناده حسن))".

قلت: بل هو معلول! فقد سئِل الدارقطني عنه؟ فقال: "هو حديثٌ يرويه المنهال بن عمرو، واختلف عنه، فرواه مطرف بن طريف عن المنهال فأسنده إسماعيل ابن بنت السدي عن محمد بن فضيل عن مطرف عن المنهال بن عمرو عن ابن الحنفية عن علي، وخالفه موسى بن أعين وأسباط بن محمد وغيرهما، فرووه عن مطرف عن المنهال عن ابن الحنفية مرسلاً، وكذلك رواه حمزة الزيات عن المنهال عن ابن الحنفية مرسلاً، وهو أشبه بالصواب"[47].

وقد أشار الطبراني إلى تفرد ابن بنت السدي بوصله، فقال في ((المعجم الأوسط))[48]: "لم يرو هذا الحديث عن مطرف إلا ابن فضيل، تفرد به إسماعيل ابن موسى".

والهيثمي لا يتنبه لأقوال الطبراني هذه، فالحديث أصله مرسل، ولا يصح فيه ذكر عليّ، فكيف يكون حسناً عند السقاف؟!

2- وذكر في فضل سورة الفاتحة (ص41) وقال: "وعن أبي هريرة: ((أن إبليس رنَّ حين أنزلت فاتحة الكتاب...)) رواه الطبراني في الأوسط".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه الطبراني في الأوسط (5/100) وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (6/311): ((رواه الطبراني في الأوسط شبيه المرفوع ورجاله رجال الصحيح))، وأورد الدارقطني هذا الحديث في كتابه ((العلل)) (8/235) مشيراً إلى الاختلاف في إسناده".

قلت: بل ليس بحسن؛ لأنه لم يصح عن أبي هريرة! وقد لبّس السقاف ودلّس كعادته!! فإن الدارقطني رجّح أنه من قول مجاهد.

وقد سُئل عنه في ((العلل))؟ فقال: "يرويه منصور بن المعتمر، واختلف عنه فرواه أبو الأحوص عن منصور عن مجاهد عن أبي هريرة، وغيره يرويه عن منصور عن مجاهد من قوله، وهو الصواب"[49].

قلت: وحديث أبي الأحوص قال فيه الطبراني بعد أن رواه: "لم يرو هذا الحديث عن منصور إلا أبو الأحوص، تفرد به أبو بكر بن أبي شيبة".

ومن تدليس السقاف أيضاً أنه ساق الحديث ثم وضع نقاطاً هكذا آخره: "..."، وهذا الفراغ يوضع عادة إذا كان هناك طول في النص، ولكن مكان هذه النقاط كلمتين فقط! فحذفها السقاف لئلا يُكتشف أن هذا الحديث ليس بصحيح!!

ونصّه كاملاً: ((إن إبليس رنّ حين أنزلت فاتحة الكتاب وأنزلت بالمدينة)).

وقد روى ابن أبي شيبة في ((المصنف))[50] عن أبي الأحوص، عن منصور، عن مجاهد، عن أبي هريرة قال: ((أنزلت فاتحة الكتاب بالمدينة)).

وهذا إسناد صحيح، دون ذكر رنّة إبليس.

وروى أبو نُعيم من طريق جرير بن عبدالحميد، عن منصور، عن مجاهد، قال: ((رنّ إبليس أربعاً: حين لُعن، وحين أهبط، وحين بُعث النبي صلى الله عليه وسلم، وحين أنزلت الحمد لله ربّ العالمين، وأنزلت بالمدينة، وكان يقال: الرنة والنخرة من الشيطان فلعن من رنّ أو نخر))[51].

فهذا من قول مجاهد، ولا ندري من أين جاء به؟

3- ذكر السقاف في فضل الآية رقم (26) من سورة آل عمران، فقال: "وعن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل ديناً لأدى الله عنك؟ قل يا معاذ: {اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنـزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء وتذل من تشاء، بيدك الخير إنك على كل شيء قدير}، رحمن الدنيا والآخرة، تعطيهما من تشاء وتمنعهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك)). رواه الطبراني في الصغير".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه الطبراني في معجمه الصغير (1/336) وقال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب: ((رواه الطبراني في الصغير بإسناد جيد))، وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (10/186): ((رواه الطبراني في الصغير ورجاله ثقات))". انتهى.

قلت: بل هو منكر!

قال الطبراني بعد أن رواه: "لم يروه عن الزهري إلا يونس، ولا عنه إلا وهب الله"[52].

ووقع اختلاف في إسناده!

فرواه الطبراني في ((المعجم الصغير)) عن علي بن إبراهيم بن العباس المصري، عن الربيع بن سليمان الجيزي، عن أبي زرعة وهب الله بن راشد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن أنس بن مالك.

وكذا رواه الضياء المقدسي في ((المختارة))[53] من طريق الطبراني.

ورواه الطبراني في ((المعجم الكبير)) عن أبي عوانة يعقوب بن إسحاق النيسابوري، عن نصر بن مرزوق العمري، عن أبي زرعة وهب الله بن راشد، عن يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن معاذ بن جبل[54].
قلت: ووهب الله فيه كلام، ولا يحتج به، فكيف إذا تفرد برواية عن أحد أصحاب الزهري، ولا يوجد هذا الحديث عند أصحاب الزهري؟!! وسعيد بن المسيب لم يسمع من معاذ.

روى العقيلي في ((الضعفاء))[55] في ترجمة (وهب الله) من طريق أحمد بن سعيد بن أبي مريم قال: "أردت أن أكتب عن أبي زرعة وهب الله بن راشد، فنهاني عمّي أن أكتب عنه".

ومن أجل هذا قال الذهبي: "غمزه سعيد بن أبي مريم وغيره"[56].

وقال أبو سعيد بن يونس: "لم يكن أحمد بن شعيب النسائي يرضى وهب الله ابن راشد". وقال ابن حبان في الثقات: "روى عنه الربيع بن سليمان وإبراهيم ابن أبي داود وأهل مصر، يخطىء"[57].

وقال ابن حجر: "ووهب الله مختلفٌ فيه، وليس من رجال الصحيح"[58].

وروى الطبراني في ((المعجم الكبير)) من طريق عبيدالله بن عبدالرحمن ابن موهب، عن عبدالرحمن بن معمر بن جرير الأنصاري، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كان لرجل عليّ بعض الحقّ، فخشيته فجلست فلبثت يومين...، فذكر الحديث[59].

قلت: عبيدالله بن عبدالرحمن ضعيف ليس بالقوي، وشيخه مجهول لا يُعرف!

4- ذكر في فضل سورة النساء (ص61) قال: "وعن واثلة بن الأسقع أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ((أُعطيتُ مكانَ التوراة السبع، وأُعطيتُ مكان الزبور الِمئين، وأُعطيتُ مكان الإنجيل المثاني، وفُضِّلْتُ بالمُفَصَّل)). رواه أحمد".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه أحمد (4/107) في المسند، ورواه الطيالسي ص(136) والطبراني في المعجم الكبير (22/75) قال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/46): ((رواه أحمد وفيه عمران القطان وثقه ابن حبان وغيره وضعفه النسائي وغيره وبقية رجاله ثقات)). قلت: بين الحافظ الشريف أحمد ابن الصديق الغماري في كتابه ((المداوي)) (1/637) أن أبا عبيد رواه في فضائل القرآن بإسناد ليس فيه القطان، ورواه حميد بن زنجويه بسند ليس فيه سعيد بن بشير، فالحديث حسن". انتهى.

وأعاده في فضل سورة المائدة (ص65)، وفي فضل سورة الأنبياء (ص86)!

قلت: بل هو معلول كما سيأتي، وقد خلط السقاف في مصادر التخريج، فإن أحمد رواه من طريق الطيالسي عن عمران عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة، وأما رواية الطبراني فهي من طريق آخر عن هشام بن عمار عن محمد بن شعيب ابن شابور عن سعيد بن بشير عن قتادة عن أبي المليح عن واثلة!

ورواية أبي عبيد التي قال بأن الغماري أشار إليها وليس فيها القطان ذكرها ابن كثير في ((تفسيره))[60] قال: قال أبو عبيد: حدثنا هشام بن إسماعيل الدمشقي، عن محمد ابن شعيب، عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن أبي المليح، عن واثلة.

قال ابن كثير: "هذا حديثٌ غريبٌ وسعيد بن بشير فيه لين، وقد رواه أبو عبيد عن عبدالله بن صالح عن الليث عن سعيد بن أبي هلال قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره".

قلت: فرواية الليث تعلّ الرواية المسندة؛ لأن طرقها ضعيفة، فعمران القطان ضعّفه بعضهم وهو صدوقٌ له أوهام، وسعيد بن بشير ضعيف كذلك، وأصل الحديث مرسل، وهو ضعيف، فكيف يكون حسناً؟!

5- ذكر في فضل الآية رقم (129) من سورة التوبة (ص73) قال: "وعن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنهما قال: ((من قال إذا أصبح وإذا أمسى {حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم} سبع مرات كفاه الله ما أهمه صادقاً كان بها أو كاذباً))".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه أبو داود في السنن (5081) قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب (1/255): ((رواه أبو داود هكذا موقوفاً ورفعه ابن السنّي وغيره، وقد يقال: إن مثل هذا لا يُقال من قِبَل الرأي والاجتهاد فسبيله سبيل المرفوع))، ورواه الديلمي في مسند الفردوس (3/476) وذكره ابن كثير في تفسيره (2/420) من رواية ابن عساكر". انتهى.

قلت: بل منكر!

وقد أشار السقاف إلى أن ابن كثير ذكره في تفسيره من رواية ابن عساكر! فلم يبيّن أين رواية ابن عساكر وهي في ((تاريخه))[61]، وأنكره ابن كثير، ولم يبين ذلك! وهذه عادة السقاف في التدليس؛ فإذا أراد أن يحتج لمذهبه فوجد عند أحد العلماء كلاماً يوافقه أتى به، وإذا رأى عنده ما يخالفه أعرض عنه، وكأنه لا وجود له!!

قال ابن كثير في ((تفسيره))[62] عن قوله: ((صادقاً كان بها أو كاذباً إلا كفاه الله ما أهمه)) التي عند ابن عساكر: "وهذه زيادة غريبة، ثم رواه في ترجمة عبدالرزاق أبي محمد عن أحمد بن عبدالله بن عبد الرزاق عن جدّه عبدالرزاق بن عمر بسنده فرفعه، فذكر مثله بالزيادة، وهذا منكرٌ، والله أعلم".

قلت: وعبدالرزاق صدوق عابد، ومدرك لا بأس به، ولكن هذا التفرد منهما لا يقبل مع وجود النكارة؛ وحديث العبّاد الذي يُروى في الفضائل ينبغي الحذر منه كما قرره أهل النقد.

ومدرك هذا – وإن وثقه بعض أهل العلم – إلا أن نقّاد الشام قالوا بأنه لا يقبل من حديثه إلى ما كان معروفاً.

روى ابن عساكر في ((تاريخه))[63] عن أبي زرعة قال في تسمية شيوخ أهل دمشق: مدرك بن أبي سعد يكنى أبا سعد، يُحدِّث عن ابن حلبس، سألت أبا مسهر عنه؟ فقال: "لا بأس به، يؤخذ من حديثه المعروف".

قلت: أي ما كان معروفاً عند غيره، وهذا يعني أنه لا يقبل ما تفرد به، والله أعلم.

تنبيه: ذكر السقاف في (ص22) الكتب التي اجتنب النقل منها وهي التي تحوي على الأحاديث الواهية والموضوعة، وذكر منها: "كتاب الفردوس للديلمي"! فما باله هنا ذكر هذا الحديث وهو عند الديلمي كما ذكر؟!

6- ذكر في فضل سورة العنكبوت (ص91) قال: "وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات وأربع سجدات، يقرأ في الركعة الأولى بالعنكبوت أو الروم، وفي الثانية بيس)). رواه الدارقطني والبيهقي".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه الدارقطني (2/64) والبيهقي في السنن الكبرى (3/336)". انتهى.

قلت: رواه الدارقطني والبيهقي من طريق موسى بن أعين عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة، وفي رواية البيهقي: ((فقرأ في الركعة الأولى بالعنكبوت وفي الثانية بلقمان أو الروم)).

وهذا إسناد ظاهره حسن، ولكن تفرد به إسحاق عن الزهري! وقصة الكسوف والصلاة فيها مشهورة عن الزهري، رواها يونس ومعمر وعقيل وغيرهم عن الزهري عن عروة عن عائشة، ولم يذكر أحد منهم أنه قرأ أياً من هذه السور!

وإسحاق بن راشد ليس بالقوي في الزهري، فكيف يحكم لروايته وتقدّم على غيره من أصحاب الزهري الثقات؟!

قال ابن معين: "ليس هو في الزهري بذاك".

وقال النسائيّ: "إسحاق بن راشد ليس بذاك في الزهري"[64].

ونقل ابن حجر عن الذهلي قال: "هو مضطربٌ في حديث الزهري".

وقال أبو بكر محمد بن جعفر: وسُئِل - يعني أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة - عن إسحاق بن راشد الجزري الذي يروي عن الزهري؟ فقال: "لا يحتج بحديثه"[65].

وقال ابن حجر: "قلت: غالب ما أخرج له البخاري ما شاركه فيه غيره عن الزهري، وهي مواضع يسيرة"[66].

وقال في ((التقريب)) [67]: "ثقة، في حديثه عن الزهري بعض الوهم".

وقد تكلّموا في سماعه من الزهري، وقالوا إنه لم يلقه ووجد كتابه في بيت المقدس، ودفع ذلك ابن حجر فقال: "وروى ابن أبي خيثمة بإسناد جيدٍ عن إسحاق أنه لقي الزهري".

قلت: والخلاصة أن حديثه عن الزهري لا يحتج به، فكيف إذا خالف غيره؟! فهذا الحديث ضعيفٌ لا يحتج به.

 

· المطلب الثالث: الحديث الحسن في الفضائل عنده:

قال السقاف (ص21): "إذا قلنا: حسن في الفضائل: أي أنه مقبول في فضائل الأعمال ويعتبر من باب الحديث الحسن، أما في الأحكام والعقائد خاصة فيمكن نقده وتعليله وعدم قبوله". انتهى.

وقال قبل هذا بصفحة: "وقد أحسِّن حديثاً وهو ضعيف بالنظر إلى إسناده، ولكنه في أبواب الفضائل يحكم عليه بالحسن خلافاً لأبواب الأحكام وخاصة العقائد".

قلت: لكن يبقى السؤال: ما هو المعيار الذي يحسِّن فيه الضعيف إذا كان في الفضائل؟! ولنأخذ بعض الأحاديث التي حكم بأنها حسنة في الفضائل:

1- ذكر في (ص57-58) حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب، قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه أعرابيّ، فقال: إن لي أخاً وَجِعاً. قال: ما وجع أخيك؟ قال: به لَمَمٌ. قال: اذهب فأتني به. قال: فذهب فجاء به، فأجلسه بين يديه، فسمعته عوَّذه بفاتحة الكتاب، وأربع آيات من أول البقرة، وآيتين من وسطها: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ}، وآية الكرسي...، وآية من آل عمران...، وآية من الأعراف...، وآية من المؤمنين...، وآية من الجن...، وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر الحشر، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، فقام الأعرابي قد برأ ليس به بأس).

قال السقاف: "حسن في الفضائل. رواه أحمد في المسند (5/128) وابن ماجه (3549) والحاكم في المستدرك (4/413) وقال: الحديث محفوظ صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/115): رواه عبدالله بن أحمد، وفيه أبو جناب وهو ضعيف لكثرة تدليسه، وقد وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح" انتهى.

قلت: فما هو المعيار الذي حسّن فيه السقاف هذا الحديث؟! أهو حلاوة متنه؟ فكم من حديث موضوع حلو المتن، ولهذا كان الأئمة يفرّون من الأحاديث الحسنة، أي: التي في متونها حلاوة يشتهيها الناس.

فأبو جناب لا يحسّن حديثه بأيّ شكل من الأشكال لكثرة تدليسه مع ضعفه المتفق عليه عند الأئمة؛ لأننا لا نأمن أنه أخذه عن هالك فأسقطه، فحسّن إسناده، ومثل هذه الأحاديث يشتهيها العوام فتروج عندهم، أما عند أهل النقد فلا يقبلونها من مكثر في التدليس، فما بالك إذا كان هذا المكثر مدلساً؟!

2- ذكر (ص66) حديث أسماء بنت يزيد قالت: إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أنزلت عليه المائدة كلها فكادت من ثقلها تدق بعضد الناقة. رواه أحمد.

وفي رواية أخرى لهذا الحديث في مسند أحمد أيضاً عن عبدالله بن عمرو قال: ((أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع أن تحمله فنـزل عنها)).

قال السقاف: "حسن في الفضائل. قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/13): ((رواه أحمد وفيه ابن لهيعة والأكثر على ضعفه، وقد يحسن حديثه، وبقية رجاله ثقات))" انتهى.

قلت: أما حديث أسماء فله عدة طرق كلها تدور على ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أسماء[68]، وليث وشهر كلاهما ضعيف لا يحتج بحديثه! والحديث فيه نكارة: ((إني لآخذة بزمام ناقة رسول الله)! فمتى كانت النساء يمسكن زمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!

وكان ينبغي على السقاف نقل كلام الهيثمي على هذا الحديث، لأنه جاء بعد كلامه على حديث عبدالله بن عمرو!

قال: "وفي رواية رواه أحمد والطبراني بنحوه، وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف، وقد وثق".

وأما حديث عبدالله بن عمرو فرواه ابن لهيعة عن حيي بن عبدالله، عن أبي عبدالرحمن الحبلي، عن عبدالله بن عمرو قال: ((أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته، فلم تستطع أن تحمله فنـزل عنها)).

وخالفه عبدالله بن وهب فرواه عن حيي، عن أبي عبدالرحمن، عن عبدالله بن عمرو، قال: (آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح).

رواه الترمذي في ((الجامع))[69]، ثم قال: "هذا حديث حسن غريب". ورواه الحاكم في ((المستدرك))[70]، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه".

فرواية ابن لهيعة معلولة، فكيف حسنها السقاف معتمداً على كلام الهيثمي الذي لا يتنبه إلى العلل؟!

3- ذكر السقاف (ص79): "وعن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كان يقرأ المسبحات قبل أن يرقد))، ويقول: ((إن فيهن آية أفضل من ألف آية)). رواه أحمد والترمذي".

وقال في الحاشية: "حسن في الفضائل. رواه أحمد (4/128) والترمذي (2921) وقال: هذا حديث حسن غريب".

ثُم نقل في الحاشية التالية (ص80): "وقال الإمام النسائي في السنن الكبرى (6/176): ((قال معاوية – يعني ابن صالح: إن بعض أهل العلم كانوا يجعلون المسبحات ستاً، سورة الحديد والحشر والحواريين وسورة الجمعة والتغابن وسبح اسم ربك الأعلى))".

قلت: بل هو معلول وأصله مرسل غير متصل. وهذا ما بيّنه الإمام النسائي عند تخريجه له، فإنه خرّجه من طرق عن بقية بن الوليد، عن بَحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن عبدالله بن أبي بلال، عن العرباض بن سارية به.

ثُم رواه عن ابن أبي السرح، عن ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن بَحير ابن سعد، عن خالد بن معدان، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم) فذكره مرسلاً، ولم يذكر عبدالله بن أبي بلال، ولا العرباض بن سارية، وهو الصواب، فمعاوية بن صالح أثبت من بقية.

وهذا التعليل من الإمام النسائي في الموضع نفسه الذي نقل منه (السقاف) كلام معاوية بن صالح الذي نقله النسائي عنه، وهذا يدلّ على بضاعته المزجاة في هذا العلم. والله المستعان.

والحديث مع التعليق كررهما السقاف في عدة مواضع، وهي: (ص131، 132، 134، 136، 139)!!

4- ذكر في (ص82): "وعن سيدنا معاذ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ أول سورة الكهف وآخرها كانت له نوراً من قدمه إلى رأسه، ومن قرأها كلها كانت له نوراً ما بين السماء والأرض)) رواه أحمد".

وقال في الحاشية: "حسن في الفضائل. رواه أحمد (3/439) والطبراني في الكبير (20/197) وقال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/52): ((رواه أحمد والطبراني، وفي إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وقد يحسن))".

قلت: هذا الحديث من مسند معاذ بن أنس، وإطلاق السقاف له بقوله: "وعن سيدنا معاذ" يذهب الذهن إلى معاذ بن جبل؛ لأنه هو المشهور إذا أطلق، وإلا كان ينبغي عليه ذكر اسمه لئلا يظن أحد أنه ابن جبل.

ولم يتكلم السقاف على رواية الطبراني وهي من طريق رشدين بن سعد عن زبّان، وزبّان له عن سهل عن أبيه نسخة باطلة، كأنها موضوعة! فكيف يكون حسناً في الفضائل؟!!

والأحاديث التي قال فيها السقاف: "حسن" أو "حسن في الفضائل" بعد التحقيق لم يتبيّن لي فرق بينهما! فالأحاديث التي حسنها هي في الفضائل وأسانيدها مثل الأحاديث التي قال فيها: "حسن في الفضائل"، فما باله فرّق بينهما في التعريف؟! وما أظنه يفهم (الحديث الحسن) عند أئمة الحديث!

ثُمّ إنّ الكتاب كلّه في الفضائل، فما هي الحاجة إلى هذه الأحكام من السقاف؟!! فكان الأولى – حسب منهجه – أن لا يفرّق بين هذه المصطلحات!

 

· المطلب الرابع: الحديث الحسن بالشواهد عنده:

قال السقاف أيضاً (ص21): "وإذا قلنا: حسن بالشواهد: أي أنه ضعيف الإسناد لكن هناك أحاديث صحيحة أو حسنة تشهد لمعناه فيرتقي إلى درجة الحديث الحسن".

قلت: كأنه يعني: "حسن لغيره"! ولكنه لم يبيّن أي ضعيف هذا الذي يتقوى، فأطلق!! ولنأخذ أمثلة مما قال فيه السقاف: "حسن بالشواهد"؛ لنرى هل طبّق كلامه هذا!

1- ذكر (ص30): "وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْثاً، وَهُمْ ذُو عَدَدٍ، فَاسْتَقْرَأَهُمْ، فَاسْتَقْرَأَ كُلَّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مَا مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ، فَأَتَى عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، فَقَالَ: مَا مَعَكَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: مَعِي كَذَا وَكَذَا وَسُورَةُ الْبَقَرَةِ، قَالَ: أَمَعَكَ سُورَةُ الْبَقَرَةِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاذْهَبْ، فَأَنْتَ أَمِيرُهُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مَنَعَنِي أَنْ أَتَعَلَّمَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ إِلَّا خَشْيَةَ أَلَّا أَقُومَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ، وَاقْرَءُوهُ، فَإِنَّ مَثَلَ الْقُرْآنِ لِمَنْ تَعَلَّمَهُ فَقَرَأَهُ وَقَامَ بِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ مَحْشُوٍّ مِسْكًا يَفُوحُ رِيحُهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَمَثَلُ مَنْ تَعَلَّمَهُ فَيَرْقُدُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ كَمَثَلِ جِرَابٍ وُكِئَ عَلَى مِسْكٍ)). رواه الترمذي".

وقال في الحاشية: "حسن بالشواهد. رواه الترمذي (2876) وقال: هذا حديث حسن. ورواه ابن خزيمة في صحيحه (1509) وابن ماجه (217) وابن حبان في صحيحه (5/499) و (6/316) وهو قريب من الحسن في مثل هذه الأبواب. وروى نحوه الطبراني عن عثمان بن عفان بسند ضعيف، قال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/161): ((رواه الطبراني في الأوسط وفيه يحيى بن سلمة بن كهيل، ضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان وقال: في أحاديث ابنه عنه مناكير)) وليس هذا من رواية ابنه عنه". انتهى.

قلت: لم يبيّن السقاف ضعف الإسناد حتى يحسنه بالشاهد الضعيف الذي أتى به؟! وشرطه في الشاهد أن يكون صحيحاً أو حسناً!

والحديث رواه من ذكرهم السقاف أعلاه، وكذلك النسائي في ((السنن الكبرى))[71] من طرقٍ عن عبدالحميد بن جعفر، عن سعيد المقبري، عن عطاء مولى أبي أحمد، عن أبي هريرة.

قال أبو عيسى الترمذي: "هذا حديثٌ حسنٌ، وقد رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ولم يذكر فيه: عن أبي هريرة، حدثنا قتيبة عن الليث فذكره".

قلت: ونقل المناوي في الفيض[72] عن الترمذي أنه قال: "حسن غريب". وقال المناوي أنه وقف على أصول صحيحة من كتاب الترمذي.

وقال النسائي بعد أن خرّجه: "وقد رواه غير عبدالحميد بن جعفر فأرسله، والمشهور مرسل".

قلت: ورجّح الإرسال أيضاً الإمام البخاري في ((التاريخ الكبير))[73]، وأبو حاتم الرازي كما في ((الجرح والتعديل))[74]، و((علل الحديث))[75]، وقال: "والصحيح مارواه الليث".

وقال الدارقطني: "اختلف فيه على المقبري، فرواه عمر بن طلحة بن عمرو ابن علقمة ابن أخي محمد بن عمرو بن علقمة عن المقبري عن أبي هريرة،  وخالفه عبدالحميد بن جعفر، فرواه عن المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد عن أبي هريرة، ورواه الليث بن سعد عن المقبري عن عطاء مولى أبي أحمد مرسلاً لم يذكر أبا هريرة، وقول الليث أشبه بالصواب. حدثنا النيسابوري: حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت الناس في سعيد: الليث ابن سعد"[76].

قلت: وروي مرسلاً من طريق أخرى، رواه سعيد بن منصور[77] عن سفيان، عن ابن أبي لبيد، عن محمد بن كعب أو غيره: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً شاباً فكأنهم قالوا فيه! وقد كان قرأ القرآن. فقال: إنما مثل القرآن مثل جراب مليء مسكاً، إن فتحته فتحته طيباً، وإن أوعيته أوعيته طيباً)).

قلت: فالصواب فيه الإرسال، فكيف يجزم السقاف بأنه عن أبي هريرة؟! فالعلة فيه الإرسال، وكذلك فإن عطاء مولى أبي أحمد هذا مجهولٌ لا يُعرف!

وأما الشاهد الذي ذكره السقاف عن عثمان بن عفان وضعفه ثم مَال إلى قبوله فهو حديث رواه إسماعيل بن صبيح عن يحيى بن سلمة بن كهيل عن أبيه عن أبي عبدالرحمن السلمي عن عثمان.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن سلمة بن كهيل إلا ابنه يحيى، تفرد به إسماعيل بن صبيح".

ورواه العقيلي[78] من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل، عن أبي عبدالرحمن السلمي، عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل القرآن مثل جراب فيه مسك قد ربطت فمه، فإن فتحته فاح ريح المسك، وإن تركته كان مسكاً موضوعاً. كذلك مثل القرآن إذا قرأته أو كان في صدرك)). هذا يُروى بخلاف هذا المتن، ومن طريق أصلح من هذا".

قلت: وهو إسناد منكر، ويحيى بن سلمة يروي هذه المناكير عن أبيه، والأئمة على ترك حديثه.

قال ابن معين: "يحيى بن سلمة بن كهيل: ليس بشيء لا يكتب حديثه". وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن يحيى بن سلمة بن كهيل؟ فقال: "منكر الحديث، ليس بالقوي"[79].

وقال النسائي: "يحيى بن سلمة بن كهيل: متروك الحديث"[80].

وقال أبو داود: "ليس بشيء". وقال الدارقطني: "متروك"[81].

وأما كلام الهيثمي واحتجاج السقاف به فلا يقوى أمام قول الإمام البخاري: "يحيى ابن سلمة بن كهيل عن أبيه كوفي عن أبيه، في حديثه مناكير"[82].

نعم، قال ابن حبان في رواية ابنه عنه مناكير، وليس معنى هذا أن كل حديث رواه غير ابنه عنه فليس بمنكر كما فهمه الهيثمي  - وسرق كلامه السقاف! كما بينته في الفصل الأول -!

وابن حبان نفسه قال في ((الضعفاء))[83]: "منكر الحديث جداً يروي عن أبيه أشياء لا تشبه حديث الثقات، كأنه ليس من حديث أبيه، فلما أكثر عن أبيه مما خالف الأثبات بطل الاحتجاج به فيما وافق الثقات، مات سنة ثمان وستين ومائة. أخبرنا مكحول قال: سمعت جعفر بن أبان قال: سألت ابن نمير عن يحيى ابن سلمة بن كهيل؟ فقال: ليس ممن يكتب حديثه، وكان يُحدِّث عن أبيه أحاديث ليس لها أصول".

فهل بعد كلّ هذا يُحتج بهذا الحديث في تقوية الحديث المرسل السابق؟! وبهذا يتبين أن السقاف قد خالف قاعدته في (الحسن بالشواهد)!!

2- ذكر السقاف في فضل سورة يس (ص97) قال: "وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ سورة يس في ليلة أصبح مغفوراً له، ومن قرأ حم التي يذكر فيها الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفوراً له)).

رواه أبو يعلى. ورواه ابن حبان: عن جُنْدُب مرفوعاً بلفظ: ((من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غُفِرَ له))".

وقال في الحاشية: "حسن بالشواهد. انظره في صحيح ابن حبان (6/312)". وكان قال قبل ذلك في حديث أبي يعلى: "حسن. رواه أبو يعلى (11/94) قال ابن كثير في تفسيره (3/570): ((إسناده جيد))" انتهى.

قلت: فهو قد قوّى حديث ابن حبان بالشاهد الذي حسّنه عند أبي يعلى! وكلاهما معلول، وأصلهما حديث واحد مرسل.

أما حديث أبي يعلى فرواه عن إسحاق بن أبي إسرائيل، عن حَجّاج بن محمّد، عن هشام بن زياد، عن الحسن قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول، الحديث.

ورواه البيهقي في ((شعب الإيمان))[84] من طريق عمّار بن هارون الثقفي، عن هشام بن زياد عن أبي هريرة، مثله.

قال البيهقي: "تفرد به هشام، وهو هكذا ضعيف".

قلت: هشام بن زياد هو أبو المقدام البصري، وأنّى له الرواية عن أبي هريرة! وهو متروك الحديث، وقد وهم ابن كثير بقوله: "إسناد جيد"!

وهذا الهيثمي الذي يحتج السقاف بأقواله دائماً يقول في هشام بن زياد هذا في مواضع كثيرة من كتابه ((مجمع الزوائد)): "متروك الحديث"![85]

قال أبو حاتم الرازي: "ويُقال إنه – أي: هشام بن زياد - أخذ كتاب حفص المنقري من أصحاب الحسن فروى عن الحسن، ويقال: إنه وقع إليه كتاب يونس بن عبيد عن الحسن فروى عن الحسن، وعنده عن الحسن أحاديث منكرة، وهو منكر الحديث"[86].

قلت: والثابت عن الحسن في هذا الإرسال.

رواه الدارمي في ((سننه))[87] عن أبي الوليد موسى بن خالد، عن مُعتمِر، عن أبيه، قال: بلغني عن الحسن قال: ((من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله أو مرضاة الله غفر له))، وقال: ((بلغني أنها تعدل القرآن كلّه)).

وقال السيوطي في ((الدر المنثور))[88]: "وأخرج ابن الضرِّيس عن الحسن: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ سورة الدخان في ليلة غفر له ما تقدم من ذنبه".

وأما حديث ابن حبان[89] فرواه عن محمد بن إسحاق بن إبراهيم مولى ثقيف، عن الوليد ابن شجاع بن الوليد السكوني، عن أبيه، عن زياد بن خيثمة، عن محمد بن جُحادة، عن الحسن، عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله عز وجل غُفِرَ له)).

قال الدارقطني في ((الغرائب والأفراد)): "تفرد به شجاع بن الوليد أبو بدر عن زياد بن خيثمة عن ابن جحادة عن الحسن"[90].

قلت: أشار الدارقطني إلى تفرد شجاع به لا ابنه؛ لأن ابنه قد توبع عليه، فرواه البيهقي[91] عن محمد بن حاتم الرّقي عن شجاع بن الوليد، به.

وهو حديث يُروى بهذا الإسناد على عدّة وجوه! هذا أولها، وكذلك رواه الدارمي[92] عن الوليد بن شجاع به.

والوجه الثاني رواه أيضاً الدارمي عن الوليد بن شجاع، عن أبيه، قال: حدثني زياد بن خيثمة، عن محمد بن جحادة، عن عطاء بن أبي رباح قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قرأ يس في صدر النهار قضيت حوائجه)).

قلت: الظاهر أن شجاع بن الوليد كان يضطرب في إسناده ومتنه، ومردّه إلى مرسل الحسن البصري، ومراسيل الحسن ضعيفة.

وقد روى العقيلي في ((الضعفاء)) عن جِسر بن فَرقد القصّاب، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ يس في ليلة غفر له))[93].

ثُمّ قال العقيلي: "والرواية في هذا المتن فيها لِين".

قلت: فكيف يكون الحديث حسن بالشواهد وهو معلول وشاهده كذلك، بل يرجعان إلى أصل واحد؟!

تنبيه: أشار السقاف إلى التوثيق من تفسير ابن كثير (3/570)، والصواب: (3/564).

3- ذكر في فضل سورة الزلزلة (ص182) قال: "وعن سيدنا أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قال: (قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ: هَلْ تَزَوَّجْتَ يَا فُلَانُ؟ قَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا عِنْدِي مَا أَتَزَوَّجُ بِهِ، قَالَ: أَلَيْسَ مَعَكَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: ثُلُثُ الْقُرْآنِ، قَالَ: أَلَيْسَ مَعَكَ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: رُبُعُ الْقُرْآنِ، قَالَ: أَلَيْسَ مَعَكَ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} قَالَ: بَلَى، قَالَ رُبُعُ الْقُرْآنِ، قَالَ: أَلَيْسَ مَعَكَ {إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ}؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: رُبُعُ الْقُرْآنِ، قَالَ: تَزَوَّجْ). رواه الترمذي".

وقال في الحاشية: "حسن بالشواهد. رواه الترمذي (4895) وقال: هذا حديث حسن، وفي إسناده سلمة بن وردان وهو من الضعفاء".

قلت: وهذا الحديث والتعليق كررهما السقاف في عدة مواضع: (ص192، 195، 203).

ولم يبيّن هذه الشواهد التي رفعت الحديث إلى الحسن؟!

والحديث رواه أيضاً الإمام أحمد في ((المسند))[94] عن عبدالله بن الحارث، عن سلمة بن وردان، عن أنس بن مالك.

قال الهيثمي: "رواه أحمد، وسلمة ضعيف"[95].

قلت: وهذا مما فات السقاف! وسلمة ضعيف الحديث جداً، وغالب حديثه مناكير!

قال ابن معين: "ليس بشيء". وقال أحمد: "مُنكرُ الحديث ضعيف الحديث".

وقال أبو داود: "ضعيف"[96].

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول - وسئل عن سلمة بن وردان – فقال: "ليس بقويّ، تدبرت حديثه فوجدت عامتها منكرة، لا يوافق حديثه عن أنس حديث الثقات إلا في حديثٍ واحدٍ، يُكتب حديثه"[97].

وقال عبدالرحمن: سمعت أبي وأبا زرعة يقولان - وذكرا سلمة بن وردان – فقالا: "لا نعلم أنه حدّث حديثاً عن أنس شاركه فيه أحد إلا حديثاً واحداً: حديث أنس عن معاذ ممن مات لا يشرك بالله شيئاً، فإن هذا قد شاركه فيه غيره".

وقال ابن حبان في الضعفاء: "وكان يروي عن أنس أشياء لا تشبه حديثه، وعن غيره من الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، كأنه كان كبر وحطمه السّن فكان يأتي بالشيء على التوهم حتى خرج عن حدّ الاحتجاج به"[98].

ونقل الذهبيّ عن الحاكم قال: "رواياته عن أنس أكثرها مناكير"، ثم قال الذهبي: "وصَدَقَ الحاكم"[99].

قلت: هو لا شك سمع من أنس، ولكنه كما قال ابن حبان كان كبر وحطمه السن فكان يتوهم، ومن هنا جاءت المناكير في حديثه، وقد روى له البخاري في ((الأدب المفرد)) [100] حديثان: الأول في قصة الإداوة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والقصة فيها كلام وأجر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم له شواهد صحيحة، والحديث الآخر في التسليم على الصبيان، حيث التقى أنساً فسلّم عليه ومسح رأسه. فالبخاري انتقى من حديثه ما له أصل، وأما غالب حديثه فلا يتابعه عليه أحد! فلا يحتج به.

وهذا الحديث قد خالف فيه الصحيح.

قال الإمام مسلم في ((التمييز)): "ذكرُ خبرٍ واهٍ يدفعه الأخبار الصحاح"، ثم ساق حديث سلمة عن أنس في فضل هذه السور، ثم قال: "هذا الخبر الذي ذكرناه عن سلمة عن أنس أنه خبر يخالف الخبر الثابت المشهور، فنقل عوام أهل العدالة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الشائع من قوله {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن، فقال ابن وردان في روايته: إنها ربع القرآن، ثم ذكر في خبره من القرآن خمس سور يقول في كل واحد منها ربع القرآن، وهو مستنكر غير مفهوم صحة معناه، ولو أن هذا الكتاب قصدنا فيه الإخبار عن سنن الأخيار بما يصح وبما يستقيم لما استجزنا ذكر هذا الخبر عن سلمة بلفظه باللسان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن روايته، وكذلك ما أخرجه من الأخبار المنكرة، ولكننا سوغنا روايته لعزمنا على إخبارنا فيه من العلة التي وصفنا، وسنذكر إن شاء الله ما صح من الأخبار عن رسول الله وسورة {قل هو الله أحد} أنها تعدل ثلث القرآن"[101].

وذكر ابن عدي في ((الكامل))، وابن حبان في ((المجروحين))، والذهبي في ((السير)) هذا الحديث من مناكير سلمة! [102]

 

· المطلب الخامس: الحديث القريب من الحسن أو ضعيف قريب من الحسن عنده:

قال السقاف (ص21): "وإذا قلنا: قريب من الحسن أو ضعيف قريب من الحسن: أي أنه حديث ضعيف، ولكن ضعفه خفيف بحيث أنه يقترب من الحديث الحسن".

قلت: عدّ السقاف ضابط القريب من الحسن أو الضعيف القريب من الحسن أن يكون ضعفه خفيفاً! ولكن هذا الضابط غير منضبط! وكيف نعرف الضعف الخفيف؟! هل هو بالنظر إلى الراوي؟ فإن كان كذلك، فهل نصّ أهل العلم على أن فلاناً ضعفه خفيف، وهذا هو معتمد السقاف في هذا؟ أم أنه يكون للحديث شواهد ومتابعات تجعل ضعف الحديث خفيفاً؟!

وقد ذكر السقاف من هذا فقط حديثان، هما:

1- ذكر في فضل سورة آل عمران (ص56) قال: "وروى ابن ماجه عن أبي أمامة بلفظ: ((اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: البقرة وآل عمران وطه))".

وقال في الحاشية: "ضعيف قريب من الحسن. رواه ابن ماجه (3856) لو خلا من المعارض قد نُحسِّنه ولقد وُجِدَ في هذه الروايات ما يعارضه، حتى قال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/224): ((وأثبته – الاسم الأعظم – آخرون مُعيّناً واضطربوا في ذلك". انتهى.

قلت: لا أدري ما وجه قربه من الحسن؟! وقد أورده أيضاً في فضل سورة طه (ص84) ثم قال في الحاشية: "بسند ضعيف. في المستدرك ولم يصححه، وفيه القاسم بن عبدالرحمن الشامي الراوي عن أبي أمامة والمتجه أنه ضعيف الحديث". انتهى.

قلت: الحديث رواه ابن ماجه أولاً من قول القاسم.

قال: حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، عن عبدالله بن العلاء، عن القاسم قال: ((اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث: البقرة وآل عمران وطه)).

قال: حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم الدمشقي، قال: حدثنا عمرو بن أبي سلمة، قال: ذكرت ذلك لعيسى بن موسى فحدثني أنه سمع غيلان بن أنس يحدّث عن القاسم، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، نحوه.

ورواه الحاكم في ((المستدرك))[103] من طريق هشام بن عمار وعمار بن نصر، عن الوليد بن مسلم، عن عبدالله بن العلاء، عن القاسم، عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

ثُمّ رواه من طريق عمرو بن أبي سلمة، عن عبدالله بن العلاء، عن القاسم، عن أبي أمامة.

قال الحاكم: "حديث عمرو بن أبي سلمة هذا لا يُعلل حديث الوليد بن مسلم، فإن الوليد أحفظ وأتقن وأعرف بحديث بلده، على أن الشيخين لم يحتجا بالقاسم أبي عبدالرحمن".

وقال ابن عساكر في تاريخه[104]: "رواه يحيى بن معين عن خزيمة بن زرعة الخراساني عن عمرو بن أبي سلمة عن ابن زَبْر عن القاسم مرسلاً"، ثم ساقه بتمامه من طريق عباس الدوري عن ابن معين.

قلت: لكن في تاريخ ابن معين[105] قال: حدثني خزيمة بن زرعة الخراساني، عن أبي حفص التنيسي، عن عبدالله بن العلاء أَبي زَبْر، عن القاسم أبي عبدالرحمن، عن أبي أمامة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال... فذكره.

فإما أن تكون نسخة ابن عساكر سقط منها: "عن أبي أمامة"، أو أن ما في المطبوع زيادة، والله أعلم.

وعلى كُلٍّ فالحديث ضعيف وليس بقريب من الحسن كما زعم السقاف!! وهو من قول القاسم، والقاسم متكلّمٌ فيه، ضعّفه الإمام أحمد، وقال ابن حبان: يروي عن الصحابة المعضلات[106].

2- ذكر في فضل سورة المائدة (ص66) قال: "وعن أسماء بنت يزيد قالت: إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أنزلت عليه المائدة كلها، فكادت من ثقلها تدق بعضد الناقة. رواه أحمد".

وقال في الحاشية: "ضعيف قريب من الحسن. رواه أحمد (6/455)، وابن جرير الطبري في تفسيره (6/83) والطبراني في المعجم الكبير (24/178)، قال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/13): ((رواه أحمد والطبراني بنحوه وفيه شهر بن حوشب وهو ضعيف وقد وُثّق))". انتهى.

قلت: الحديث رواه ليث بن أبي سُليم عن شهر عن أسماء، وليث وشهر ضعيفان.

فهل يعدّ هذا الحديث فيه ضعف خفيف فيكون قريباً من الحسن كما زعم السقاف؟!

 

· المطلب السادس: الحديث الضعيف عنده:

قال السقاف (ص21): "الحديث الضعيف: هو الذي في سنده راوٍ ضعيف أو راوٍ مجهول أو في سنده انقطاع، وإذا كان الضعف ليس شديداً فإنه يعمل به في فضائل الأعمال عند العلماء" انتهى.

قلت: كيف يتفق الضعف غير الشديد مع وجود الراوي المجهول أو مع الانقطاع؟!

وقد حكم السقاف بالضعف على (65) حديثاً في كتابه مع المكرر في بعض المواضع، ولكن حكمه بالضعف عليها أهو من باب عدم الاحتجاج أم لا؟ لم يبيّن السقاف ذلك! وأحكامه على هذه الأحاديث بالضعف فيها اضطراب شديد لمن تتبعها!

وهناك بعض الأحاديث التي ضعفها السقاف وهي منكرة، ولكنه أخفى ذلك! ومنها:

1- ذكر السقاف في فضل سورة المؤمنون (ص89) قال: "وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان إذا نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي يُسمع عند وجهه دويّ كدوي النَّحل فمكثنا ساعة فاستقبل القبلة ورفع يديه، فقال: ((اللهم زدنا ولا تَنقصنا وأكرمنا ولا تُهنا وأعطنا ولا تحرمنا وآثرنا ولا تُؤثر علينا وارض عنا وأَرضِنا)). ثُمَّ قال: ((لقد أُنزلت عليّ عشر آيات من أقامهن دخل الجنة)) ثُم قرأ {قد أفلح المؤمنون} حتى ختم العشر. رواه أحمد والترمذي".

وقال في الحاشية: "ضعيف. رواه أحمد بن حنبل في المسند (1/34) والترمذي (3173) وأورده العقيلي في الضعفاء (4/460) وابن أبي حاتم في العلل (2/81)". انتهى.

قلت: رواه الحاكم في ((المستدرك))[107] من طريق أحمد، ثم قال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

وتصحيح الحاكم هذا لو ظفر به السقاف لعضَّ عليه بالنواجذ!!

ورواه النسائي في ((السنن الكبرى))[108] من طريق عبدالرزاق، عن يونس بن سليم قال: أملى عليّ يونس بن يزيد الأيلي، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عبدالرحمن بن عبد القارئ، قال: سمعت عمر بن الخطاب، به.

قال أبو عبدالرحمن النسائي: "هذا حديثٌ منكرٌ، لا نعلم أحداً رواه غير يونس بن سليم، ويونس بن سليم لا نعرفه، والله أعلم".

ورواه الترمذي في ((الجامع))[109] ثُم قال: "ومن سمع من عبدالرزاق قديماً فإنهم إنما يذكرون فيه عن يونس بن يزيد، وبعضهم لا يذكر فيه عن يونس بن يزيد، ومن ذكر فيه يونس بن يزيد فهو أصح، وكان عبدالرزاق ربما ذكر في هذا الحديث يونس بن يزيد وربما لم يذكره، وإذا لم يذكر فيه يونس فهو مرسل".

وذكره ابن عَدي في ((الكامل))[110] وقال: "وهذا يرويه عبدالرزاق عن يونس ابن سليم وربما كنّاه فيقول: أبو بكر الصنعاني ولا يُسميه؛ لأنه ليس بالمعروف، وقال ابن معين: لا أعرفه إلا أن عبدالرزاق يروي عنه، يونس بن سليم يعرف بهذا الحديث".

وقال العقيلي في ((الضعفاء))[111]: "يونس بن سليم الصنعاني، لا يُتابع على حديثه ولا يُعرف إلا به".

2- ذكر في فضل سورة يس (ص97) قال: "وعن معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ... ويس قلب القرآن لا يقرؤها رجلٌ يريد الله تبارك وتعالى والدار الآخرة إلا غفر له واقرءوها على موتاكم)). رواه أحمد والنسائي. ورواه ابن حبان بلفظ: ((اقرؤوا على موتاكم يس)). والحاكم بلفظ: ((سورة يس اقرؤوها على موتاكم))".

وقال في الحاشية: "ضعيف. رواه أحمد (5/26) والنسائي في السنن الكبرى (6/265) والروياني في مسنده (2/323) والطبراني في الكبير (20/220 و230) إسناده ضعيف لجهالة بعض رواته لكنه قد يحسّن بالشواهد وخاصة في باب الفضائل، ولا يُلتفتُ إلى من يحاول الإنكار على من يقرأ يس على الموتى فالقرآن كلّه بركة وخير لا سيما ما جاءت فيه بعض الأحاديث والآثار". انتهى.

قلت: بل أنت الذي لا يُلتفت إلى كلامك. وأين الأحاديث والآثار المقبولة في هذا؟! والحديث منكر لا يصح بكلّ طرقه!

رواه عبدالله بن المبارك ويحيى القطان كلاهما عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان – وليس بالنهدي -، عن معقل بن يسار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اقرؤوا على موتاكم يس)).

ورواه عارم عن عبدالله بن المبارك، عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان - وليس بالنهدي - عن أبيه، عن معقل بن يسار.

ورواه جماعة عن معتمر بن سليمان، عن أبيه، عن رجلٍ، عن أبيه، عن معقل ابن يسار، نحوه.

قال ابن حجر في ((التلخيص))[112]: "وأعلّه ابن القطان بالاضطراب وبالوقف وبجهالة حال أبي عثمان وأبيه، ونقل أبو بكر بن العربي عن الدارقطني أنه قال: هذا حديثٌ ضعيفُ الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب حديث".

وقد حاول السقاف تقوية الحديث، فنقل عن الإمام أحمد قال: حدثنا أبو المغيرة: حدثنا صفوان: حدثني المشيخة أنهم حضروا غُضَيف بن الحارث الثمالي حين اشتدَّ سَوْقُهُ، فقال: هل منكم أحد يقرأ يس؟ قال: فقرأها صالح بن شريح السكوني، فلما بلغ أربعين منها قُبِض، قال: فكان المشيخة يقولون: إذا قُرئت عند الميت خُفِّف عنه بها. قال صفوان: وقرأها عيسى بن المعتمر عند ابن معبد. ونقل السقاف في الحاشية قول ابن حجر في الإصابة[113]: "وهو حديث حسن الإسناد".

قلت: قال الهيثمي الذي يحتج به السقاف دائماً: "رواه أحمد، وفيه من لم يُسم"[114].

قلت: وهم "المشيخة". وعلى فَرْض صحته فهو أثرٌ وليس بمرفوعٍ.

3- ذكر في فضل سورة الرحمن (ص126) قال: "وعن سيدنا عليّ رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلّ شيء عروس وعروس القرآن الرحمن)). رواه البيهقي".

وقال في الحاشية: "ضعيف. رواه البيهقي في شعب الإيمان (2/490) ورمز الحافظ السيوطي لضعفه في الجامع الصغير، وضعفه المناوي في فيض القدير (5/286) وقال المناوي في الشرح الصغير المسمى بـ ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) (2/297): ((إسناده حسن))، نبَّه على ذلك الشريف الحافظ السيد أحمد بن الصديق الغُماري في ((المداوي)) (5/271)". انتهى.

قلت: هذا حديثٌ منكرٌ!

والبيهقي رواه من طريق أحمد بن الحسن دبيس المقرئ، قال: حدثنا محمد بن يحيى الكسائي المقرئ، قال: حدثنا هشام اليزيدي، قال: حدثنا علي بن حمزة الكسائي، قال: حدثنا موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي، به.

قال الذهبي: "أحمد بن الحسن بن علي المقرئ دبيس عن محمد بن عبد النور، قال الدارقطني: ليس بثقة"[115].

وقال ابن حجر: "وقال الخطيب: منكر الحديث، روى عنه أبو بكر بن المقرئ وابن المظفر وغيرهما"[116].

4- ذكر في فضل سورة الواقعة (ص128) قال: "وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قرأ سورة الواقعة في كلّ ليلة لم تُصبه فاقةً أبداً)) فكان ابن مسعود يأمر بناته بقراءتها كلّ ليلة. رواه أحمد في فضائل الصحابة، والبيهقي في شعب الإيمان".

وقال في الحاشية: "ضعيف. رواه أحمد في فضائل الصحابة (2/726) والبيهقي في شعب الإيمان (2/492) وضعّفه السيوطي في الجامع الصغير (7942)، ورواه الحارث ابن أبي أسامة في مسنده، انظر ((بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث)) (2/729) للحافظ الهيثمي، وقد ذكر المحقق هناك أن أبا يعلى رواه بسند رواته ثقات، ولم يعزُ ذلك! والذي قال ذلك هو الحافظ البوصيري كما نص على ذلك المحدّث حبيب الرحمن الأعظمي رحمه الله تعالى في تعليقاته على المطالب العالية (3/383)، ولكنني لم أجده في مسند أبي يعلى ولا في معجمه، ولو وجد وكان كذلك فهو صحيح، وقد ذكر إسناد أبي يعلى ابن كثير في تفسيره (4/302) في أوائل تفسير سورة الواقعة" انتهى.

قلت: بل هو منكرٌ جداً!

وطريق أبي يعلى والطرق الأخرى التي ذكرها السقاف ترجع إلى السري بن يحيى، عن شجاع، عن أبي ظبية، عن ابن مسعود، به، وفي بعض الروايات: "عن أبي شجاع"!

قال الذهبي: "أبو شجاع نَكرة لا يُعرف، عن أبي ظبية، ومن أبو ظبية؟ عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً، رواه الربيع بن طارق وابن وهب عن السري ابن يحيى: أنّ هذا حدّثه، أخرجه ابن وهب في جامعه وأبو عبيد في فضائل القرآن، والسري ثقة"[117].

ورواه ابن الجوزي في ((العلل المتناهية)) من طريق عبدالله بن وهب، عن السري بن يحيى، به.

ثُم قال ابن الجوزي: "قال أحمد بن حنبل: هذا حديثٌ منكرٌ، وشجاع والسري لا أعرفهما"[118].

 

· المطلب السابع: الحديث الصحيح الشاذ عنده:

قال السقاف (ص21): "الصحيح الشاذ هو الحديث الذي يكون إسناده صحيحاً لكنه يعارض أصلاً شرعياً أقوى منه أو يعارض معناه أمراً مقرراً في القرآن أو في حديث صحيح أقوى إسناداً منه وهذا يقرره العالم الباحث الممارس لعلوم الحديث والتصحيح والتضعيف".

قلت: السؤال هنا: هل العالم الباحث الممارس الذي أشرت إليه هو أنت؟! الجواب يُعلم عند القارئ من خلال ما أشرت إليه وما سيأتي إن شاء الله.

هذا وقد حكم السقاف بهذا المصطلح الذي اخترعه على حديث واحد فقط (ص113)، وهو حديث ابن صياد الذي في الصحيحين من رواية ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لابن صياد: إني قد خبأت لك خبيئاً، فقال ابن صياد: هو الدَّخ، فقال: اخسأ فلن تعدوَ قَدرَك... الحديث.

قال السقاف في الحاشية: "وحديث ابن صياد فيه كلام عندنا ليس هذا محلّ بيانه"، ثم قال: "إسناده صحيح وهو شاذ. رواه البخاري (1355) ومسلم (2931)". انتهى.

قلت: أنت الشاذ المأفون! والحديث صحيح كالشمس في رابعة النهار، وعلى ذلك إجماع الأمة، ولو أنك راجعت كتب أهل العلم وشروحاتهم لهذا الحديث لما أشكل عليك! ولكن ماذا أقول؟ فَهمُك محدود! وعقلك لا يستوعب هذه الأمور.

 

· المبحث الثاني: طريقةُ السقاف في إيراد الأحاديث في كتابه.

· المطلب الأول: خطته في ذلك:

قال (ص20): "وإنني سأضع إن شاء الله تعالى في هذا الكتاب الحديث الصحيح والحسن وكذلك الضعيف الذي لم يشتد ضعفه بحيث يصح العمل به في فضائل الأعمال كما هو مشهور ومعروف عند العلماء، وقد أحَسِّن حديثاً وهو ضعيف بالنظر إلى إسناده ولكنه في أبواب الفضائل يحكم عليه بالحسن خلافاً لأبواب الأحكام وخاصة العقائد". انتهى.

قلت: هذه القاعدة المذكورة في أحاديث الفضائل قاعدة معتبرة عند أهل العلم، ولكن قد أُسيء تطبيقها عند كثير من المتأخرين والمعاصرين، فإذا ما مالوا إلى حديث ضعيف قالوا: يُعمل به في الفضائل!!، وهذا نحو قولهم: "كلمة حق أريد بها باطل".

فالتهاون والتساهل في هذه المسألة قد جرّ على الحديث الوَيلات، فكم من حديث منكر، بل وموضوع رواه ضعيف قالوا عنه: لا بأس به، يعمل به في الفضائل، واحتجوا بهذه القاعدة عند أهل العلم، فأساؤوا، والله المستعان.

نعم، أهل العلم يتساهلون في قَبول أحاديث الفضائل التي يرويها بعض الضعفاء الذين قد يحتمل حديثهم، أما من لا يحتملون فلا يحتج بحديثهم حتى في الفضائل، ولا كرامة.

وقد مرّ معنا أحاديث حسنها السقاف من هذا القبيل، وهي منكرة من رواية بعض الضعفاء الهالكين، وسيأتي أمثلة أخرى لذلك: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42].

 

· المطلب الثاني: حكمه على الأحاديث التي في البخاري ومسلم بأنها صحيحة:

دأب السقافِ على تصدير الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم بقوله: "صحيح. رواه البخاري"، أو: "صحيح. رواه مسلم"! وهذا فعلٌ مٌستنكرٌ؛ لأن الحديث إذا رواه البخاري ومسلم فهو صحيح دون قولنا: "صحيح"؛ لأن ما فيهما صحيح، والأمة قد تلقَّتهما بالقبول عدا أحاديث يسيرة انتقدها الأئمة العلماء، فعلى أقل تقدير فإن ما فيهما قد صححه البخاري ومسلم، ولا نحتاج إلى قول الآخرين في تصحيح ما صححه الشيخان.

 

· المبحث الثالث: طَريقة السقاف في التصحيح والتضعيف.

· المطلب الأول: الخطة التي رسمها لنفسه في التصحيح والتضعيف:

قال السقاف (ص21) تحت عنوان: (طريقة التصحيح والتضعيف التي نعتمدها): "عند تقرير تصحيح حديث أو تضعيفه أو الحكم عليه بالحسن فإننا نقوم بدراسة رواة ذلك الحديث – من كتب الجرح والتعديل التي ألفها كبار المحدّثين والعلماء السابقين – والنظر في سند الحديث، فإذا وجدنا فيهم راوياً ضعيفاً أو انقطاعاً في السند بين راويين بحيث أن أحدهما لم يلق الآخر فإننا نحكم على السند بأنه ضعيف.

وإذا كان جميع رواة السند من الثقات ولم يكن فيه انقطاعاً [كذا! والصواب: انقطاع] حكمنا عليه بأنه سند صحيح، وإذا كان في الحديث راوٍ صدوق أو أكثر وهو الراوي العدل الذي لم يصل في ضبطه وحفظه إلى مرتبة الثقة حكمنا على الحديث بأن سنده حسن، وإذا وجدنا حديثاً ضعيفاً له عدة أسانيد ضعفها خفيف أو له شواهد أي أحاديث أخرى صحيحة أو حسنة تشهد لمعناه حكمنا عليه بأنه حديث حسن بشواهده.

هذه هي الطريقة المعتبرة عند العلماء والتي نص عليها العلماء والمحدثون في كتب مصطلح الحديث كالإمام النووي في كتابه التقريب، والحافظ السيوطي في شرحه المسمى ((تدريب الراوي)) وكالسخاوي في شرحه على ألفية الحافظ العراقي في المصطلح المسمى ((فتح المغيث شرح ألفية الحديث))، وكالحافظ ابن حجر في كتابه ((النكت على مقدمة ابن الصلاح)) ونحوهم من العلماء السابقين رحمهم الله تعالى". انتهى كلامه.

قلت: ذلك مبلغ السقاف من العلم! فهو بهذه الطريقة - غير المعتبرة - قد ألغى (علم علل الحديث)! ولا غرو في ذلك، فإنه ليس من أساطينه، ولا يعرفه ولا يفهمه! وسيتبيّن لك أخي القارئ أن كثيراً من هذه الأحاديث التي حكم عليها السقاف بطريقته الظاهرة هي أحاديث معلولة ومنكرة، بل وبعضها موضوع!

وهذه الطريقة التي ذكرها السقاف في الحكم على الأسانيد هي الطريق التي تبناها بعض المتأخرين وكذلك بعض المعاصرين فصححوا أحاديث منكرة وباطلة أو حسّنوها من خلال النظر إلى ظواهر الأسانيد، وعدم الالتفات إلى مسألة العلل!

ثُم إن كتب المصطلح لم تُهمِل مسألة العلل، بل نصُّوا في تعريفهم للحديث الصحيح أن لا يكون معللاً ولا شاذاً، وإدخال السقاف الحافظ ابن حجر في اتباع هذه الطريقة الظاهرية مردود عليه؛ لأنه لا يعرف الحافظ ابن حجر، والله المستعان.

 

· المطلب الثاني: اعتمادُهُ على كلام (الهيثمي) في التصحيح والتحسين:

لقد بنى السقاف معظم كتابه على كلام (الهيثمي)!، وهو – وإن كان من أهل العلم – إلا أنه لم يكن ناقداً للحديث، وكلامه في ((مجمع الزوائد)) لا يُعتمد عليه؛ لما فيه من التساهل وعدم التنبه للعلل، واضطرابه في أحكامه على الرواة.

قال الحافظ ابن حجر: "وكنت تتبعت أوهامه في كتابه مجمع الزوائد، فبلغني أن ذلك شقّ عليه، فتركته رعاية له"[119].

وقال السخاوي: "والثناء على دينه وزهده وورعه ونحو ذلك كثير جداً، بل هو في ذلك كلمة اتفاق، وأما في الحديث فالحقُّ ما قاله شيخنا أنه كان يدري منه فناً واحداً، يعني: الذي درّبه فيه شيخهما العراقي"[120].

قلت: يعني بالفن الذي دربه فيه: فن التخريج والتصنيف في الزوائد، وكتبه كلّها في هذا الفنّ.

 

· المبحث الرابع: جهلُ السقاف وخبْثُهُ وتدليسهُ وتلبيسهُ وتَعديه.

· المطلب الأول: تَعديه على الأحاديث التي في الصحيحين:

لقد تعدى السقاف على الأحاديث التي في الصحيحين! وادّعى الإدراجَ في بعضها! أو الإشارة إلى أن بعض ألفاظها لا يصح! لنصرة مذهبه البِدعي!

1- ذكر (ص26) حديث أبي هريرة: ((ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده)). رواه مسلم.

قال السقاف في (هامش 43): "صحيح. لكن رواه الترمذي في السنن (2945) وأبو يعلى في مسنده (11/8/ برقم 6157) أيضاً بسند صحيح وليس فيه عبارة ((وذكرهم الله فيمن عنده)). ورواه الدارمي (356) من حديث ابن عباس وليست فيه هذه العبارة أيضاً. مما يفيدنا بأنها مدرجة من بعض الرواة وليست من الحديث". انتهى كلامه.

قلت: هذا جهلٌ ما بعده جهل! أهكذا يكون الكشف عن الإدراج في الحديث من أجل نفي (العندية المكانية)؟!

فالحديث رواهُ مسلم عن أبي معاوية وأبي أسامة وعبدالله بن نمير، ورواه الإمام أحمد في ((المسند))[121] عن أبي عوانة، ورواه ابن حبان في ((صحيحه))[122] عن مَحَاضر بن المُوَرَّع، كلّهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وكلهم ذكر عبارة: ((وذكرهم الله فيمن عنده)).

ورواه أيضاً مسلم[123] عن شعبة. ورواه ابن حبان[124] عن أبي الأحوص، كلاهما عن أبي إسحاق عن الأغر، قال: أشهد على أبي سعيد الخدري وأبي هريرة أنهما قالا، وذكر الحديث، وفيه عبارة: ((وذكرهم الله فيمن عنده)).

والحديث رواه الترمذي عن محمود بن غيلان، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.

نعم، لم يأت في المطبوع من جامع الترمذي هذه العبارة، ولكنها ثابتة في حديث أبي أسامة الذي رواه مسلم، فيحتمل أنها سقطت من مطبوع الترمذي، أو أن محمود بن غيلان حين حدّث به لم يذكرها فكأنه نسيها، وروايته لا تقاوم كلّ هؤلاء الرواة الذين ذكروها.

وقد ذكر المزي في ((التحفة))[125] هذه الرواية ولم يتعرض لهذه العبارة، وظاهر صنيعه أنها في الحديث، وهذا يؤيد أنها سقطت من المطبوع، والله أعلم.

ثُمّ إن الترمذي روى بعضه في (كتاب العلم)[126] عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري أنهما شهدا على رسول الله  صلى الله عليه وسلم  أنه قال: ((ما من قوم يذكرون الله إلا حفت بهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)).

قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح".

قلت: هكذا في المطبوع: "حسن صحيح"، وفي تحفة المزي: "حسن".

فالعبارة ثابتة في الحديث، والحمد لله.

ويظهر جهل (السقاف) أيضاً من خلال احتجاجه بما ذكره من روايات لدعم رأيه!

أما رواية أبي يعلى[127] قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا يحيى بن آدم، عن عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة وأبي سعيد قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما جلس قوم مسلمون يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، وتنـزلت عليهم السكينة)).

قلت: استدل السقاف بهذه الرواية في نفي العندية لعدم ورود عبارة: ((وذكرهم الله فيمن عنده)) فيها! ولو أنه رجع إلى رواية ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) لوجدها.

قال ابن أبي شيبة[128] (6/60): حدثنا يحيى بن آدم: حدثنا عمار بن رزيق، عن أبي إسحاق، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة وأبي سعيد يشهدان به على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ما جلس قوم مسلمون مجلساً يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة، وتغشتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)).

ورواه ابن ماجه في ((السنن))[129] عن أبي بكر بن أبي شيبة، مثله. وفيه: ((وذكرهم الله فيمن عنده)).

وأما رواية الدارمي[130] عن بشر بن ثابت، قال: أخبرنا شعبة، عن يزيد بن أبي خالد، عن هارون، عن أبيه، عن ابن عباس قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتذاكرون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها حتى يخوضوا في حديث غيره، ومن سلك طريقاً يبتغي به العلم سهل الله طريقه من الجنة، ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

ورواه ابن أبي شيبة في ((مصنفه)) [131] عن أبي الأحوص، عن هارون بن عنترة، عن أبيه قال: سألت ابن عباس: أي العمل أفضل؟ قال: (ذكر الله، وما جلس قوم في بيت يتعاطون فيه كتاب الله فيما بينهم، ويتدارسونه، إلا أظلتهم الملائكة بأجنحتها، وكانوا أضياف الله ما داموا فيه حتى يفيضوا في حديث غيره).

قال ابن رجب: "وروي مرفوعاً، والموقوف أصح"[132].

قلت: فهو موقوف على ابن عباس، ولكن السقاف لا يفقه هذا العلم!

فائدة في معنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((وذكرهم الله فيمن عنده)):

قال ابن رجب: "وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم. وقد قال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] وذكر الله لعبده: هو ثناؤه عليه في الملأ الأعلى بين ملائكته ومباهاته به وتنويهه بذكره. قال الربيع بن أنس: إن الله ذاكر من ذكره، وزائد من شكره، ومعذب من كفره، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [الأحزاب: 41-43]، وصلاة الله على عبد هي ثناؤه عليه بين ملائكته وتنويهه بذكره، كذا قال أبو العالية، ذكره البخاري في صحيحه"[133].

قلت: ويكفي في الرد على السقاف قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206].

2- ذكر السقاف في فضل سورة الإخلاص (ص198) قال: "وعن السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: بَعثَ النبيّ صلى الله عليه وسلم رجلاً على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختِم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: ((سلوهُ لأيّ شيء يصنعُ ذلك؟)) فسألوهُ فقال: لأنها صفةُ الرّحمن وأنا أحبُّ أن أقرأ بها، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: ((أخبروهُ أن الله يُحبُّهُ)). رواه البخاري ومسلم".

وقال في الحاشية: "صحيح الإسناد. رواه البخاري (7375) ومسلم (813)، وقد ضعّف هذا الحديث ابن حزم في ((الفصل في الملل والنِّحل)) (2/121) فقال هناك معلقاً على لفظة (صفة الرحمن): [هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن أبي هلال وليس بالقوي، قد ذكره بالتخليط يحيى وأحمد بن حنبل، وأيضاً فإن احتجاج خصومنا بهذا لا يسوّغ على أصولهم لأنه خبر واحد لا يوجب عندهم العلم...] إلى آخر ما قال هناك فارجع إليه فإنه كلام نفيس، وقول ابن حزم فيه هو المتجه عندنا". انتهى.

قلت: نعم، هو كلام نفيس عند أهل البِدع! وتبني السقاف لرأي ابن حزم يعني أنه ينفي إطلاق الصفة على الله عزّ وجلّ!

ولكن أين هو من كلام ابن حجر الذي اعترض فيه على ابن حزم وردّ كلامه؟ هل مرّ به وغضّ الطرف عنه لنصرة هواه؟ أم أنه لم يقف عليه؟!

قال الحافظ في ((الفتح)): "وفي حديث الباب حجة لمن أثبت أن لله صفة، وهو قول الجمهور، وشذَّ ابن حزم فقال: هذه لفظة اصطلح عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أحد من أصحابه، فإن اعترضوا بحديث الباب، فهو من أفراد سعيد بن أبي هلال، وفيه ضعف، قال: وعلى تقدير صحته فقل هو الله أحد صفة الرحمن كما جاء في هذا الحديث، ولا يزاد عليه بخلاف الصفة التي يطلقونها، فإنها في لغة العرب لا تطلق إلا على جوهر أو عرض، كذا قال! وسعيد متفقٌ على الاحتجاج به، فلا يلتفت إليه في تضعيفه، وكلامه الأخير مردودٌ باتفاق الجميع على إثبات الأسماء الحسنى، قال الله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}..."[134] إلخ ما قال هناك؛ فارجع إليه (يا سقاف) فإنه كلام نفيس، وقول ابن حزم هو المردود عندنا.

 

· المطلب الثاني: عدم فهمه لمقاصد الأئمة في كتبهم وتمييز ما يَروونه:

إنّ السقاف لا يميز بين الأحاديث! فينقلُ من الكتب دون وعي أحياناً لعدم فهمه مقاصد الأئمة من تخريج الحديث!

ذكر (ص27) قال: "وعن أبي موسى الأشعري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ)). رواه البخاري ومسلم بألفاظ متقاربة.

وقد زاد أبو داود في روايته عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعاً: ((وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ))". انتهى نقل السقاف.

قلت: هذه الأخيرة ليست زيادة احتج بها أبو داود، وإنما أراد أبو داود من تخريجها بيان دخول حديث في حديث، فإنه قال في ((السنن))[135]: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قال: حَدَّثَنَا أَبَانُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الْأُتْرُجَّةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ طَعْمُهَا طَيِّبٌ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الرَّيْحَانَةِ رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ وَمَثَلُ الْفَاجِرِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ طَعْمُهَا مَرٌّ وَلَا رِيحَ لَهَا وَمَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصَابَكَ مِنْ رِيحِهِ وَمَثَلُ جَلِيسِ السُّوءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْكِيرِ إِنْ لَمْ يُصِبْكَ مِنْ سَوَادِهِ أَصَابَكَ مِنْ دُخَانِهِ)).

قال: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى [ح] وحَدَّثَنَا ابْنُ مُعَاذٍ، قالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا الْكَلَامِ الْأَوَّلِ إِلَى قَوْلِهِ ((وَطَعْمُهَا مُرٌّ))، وَزَادَ ابْنُ مُعَاذٍ: قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: (وَكُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ مَثَلَ جَلِيسِ الصَّالِحِ) وَسَاقَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ.

قال: حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ الْعَطَّارُ، قال: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شُبَيْلِ بْنِ عَزْرَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ.

قلت: فهذه ليست زيادة كما زعم السقاف، وإنما أخطأ فيه أبان بن يزيد العطّار.

قال العقيلي في ((الضعفاء)): "هكذا رواه أبان، جاء بألفاظ الخبرين جميعاً وخالفه شعبة وهمام وسعيد وأبو عوانة، كلهم رووا عن قتادة عن أنس عن أبى موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن))، فجاؤوا بالحديث الأول، ولم يذكر أحد منهم: ((مثل الجليس الصالح))، ولم يتابع أبان عليه أحد، ورواه شبيل بن عزرة عن أنس عن النبي عليه السلام، قال: ((مثل الجليس الصالح))، فتابع أبان، ولم يقل عن أبي موسى.

حدثنا ابن جنادة قال: حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا عبدالواحد بن زياد، قال: حدثنا عاصم، عن أبي كبشة، قال: سمعت أبا موسى الأشعري يقول على المنبر: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصالح مثل العطار، لا يحذك يعبق بك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير، إن لا يحذك يعبق بك من ريحه)). ورواه أبو معاوية عن عاصم الأحول، عن أبي كبشة السدوسي، قال: خطبنا أبو موسى فقال: ((الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء، ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب العطر، لا يحذك يعبق بك من ريحه، ومثل الجليس السوء مثل الكير، إن لا يحرقك يعبق بك من ريحه)).

وهذه الرواية أولى من رواية عبدالواحد وبريد وشبيل وأبان العطار، وهذا الصحيح في لفظ الجليس الصالح، وحديث شعبة وسعيد وهمام وأبي عوانة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى بلفظ: ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن)) صحيح"[136].

قلت: فدلّ ذلك على أن رواية أنس لهذا الحديث هي عن أبي موسى، وكذا أخرجه البخاري فقال في ((صحيحه))[137]: حدثنا هدبة بن خالد أبو خالد، قال: حدثنا همام، قال: حدثنا قتادة، قال: حدثنا أنس بن مالك، عن أبي موسى الأشعري، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يقرأ القرآن كالأُترجة طعمها طيب وريحها طيب...)) الحديث.

وروى أيضاً[138] قال: حدثني موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا عبدالواحد، قال: حدثنا أبو بردة بن عبدالله، قال: سمعت أبا بردة بن أبي موسى، عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مثل الجليس الصالح والجليس السوء...)) الحديث.

فأين السقاف من فِعل أبي داود الذي أراد أن يبيّن العلة، وهو يقول: "وقد زاد أبو داود"؟!!

والمتتبع لكتاب السقاف هذا يُدرك أنه ليس من أساطين هذا العلم لشدّة جهله بكتب أهل الشأن!

فقد ذكر في (ص57-58) حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى عن أبي ابن كعب، قال: (كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاءه أعرابيّ، فقال: إن لي أخاً وَجِعاً، قال: ما وجع أخيك؟ قال: به لَمَمٌ، قال: اذهب فأتني به، قال: فذهب فجاء به فأجلسه بين يديه فسمعته عوَّذه بفاتحة الكتاب وأربع آيات من أول البقرة وآيتين من وسطها: {وإلهكم إلهٌ واحدٌ}، وآية الكرسي...، وآية من آل عمران...، وآية من الأعراف...، وآية من المؤمنين...، وآية من الجن...، وعشر آيات من أول الصافات، وثلاث آيات من آخر الحشر، وقل هو الله أحد، والمعوذتين، فقام الأعرابي قد برأ ليس به بأس).

قال السقاف: "حسن في الفضائل. رواه أحمد في المسند (5/128) وابن ماجه (3549) والحاكم في المستدرك (4/413) وقال: الحديث محفوظ صحيح. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/115): رواه عبدالله بن أحمد، وفيه أبو جناب وهو ضعيف لكثرة تدليسه، وقد وثقه ابن حبان، وبقية رجاله رجال الصحيح".

قلت: وهذا الحديث والتعليق عليه كررهما في الصفحات: (69، 89-90، 102، 132-133، 148، 204، 209، 213).

قلت: فهذا الحديث كرره (9) مرات، ودائماً يقول: "رواه أحمد في المسند" وينقل عن الهيثمي قوله: "رواه عبدالله بن أحمد"!!

فهو لا يُحسِن التمييز بين الأحاديث التي رواها أحمد في مسنده، وبين الأحاديث التي زادها ابنه عبدالله في المسند! وهذا من زيادات عبدالله على مسند أبيه، ولهذا قال الهيثمي: "رواه عبدالله بن أحمد"، أي: في زياداته، فكيف يقول السقاف: "رواه أحمد في المسند"؟!!

ومما يؤيد جهله بهذا العلم الشريف: أنه لا يميز كلام أهل العلم ولا يعيه؟!

فذكر في فضل سورة الروم (ص92) قال: "وعن الأغر المزني رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلّى الصبح فقرأ فيهما الروم فتردد فيها، فلما انصرف قال: ((إنما يُلبِّس علينا صلاتنا قومٌ يحضرون الصلاة بغير طهور، مَنْ شهد الصلاة فليحسن الطهور...)) رواه أحمد والبزار".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه أحمد في المسند (3/471) والبزار (477 الزوائد) والطبراني في الكبير (1/301) بألفاظ محتلفة، قال الحافظ السيوطي في ((الدر المنثور)) (6/421): ((بسند حسن)). وقال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/114): ((رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات)). انتهى.

قلت: هكذا ذكر الحديث عن الأغر المزني، وأوهم أن أحمد والبزار والطبراني كلهم رووه عنه!! وليس كذلك! فإن أحمد رواه في المسند من عدة طرق عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمه! مع الخلاف في بعض الأسانيد! فإنه ذكر له ثلاثة أسانيد:

- عن شريك عن عبدالملك بن عمير عن أبي روح الكلاعي قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فقرأ فيها سورة الروم، فذكره.

- عن شعبة عن عبدالملك بن عمير قال: سمعت شبيباً أبا روح يحدِّث عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى الصبح فقرأ فيها الروم فأوهم فذكره.

- عن زائدة عن عبدالملك بن عمير قال: سمعت شبيباً أبا روح من ذي الكلاع: أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ بالروم فتردد، فذكره.

وأما الطبراني فإنه ذكره في (مسند الأغر المزني)، فرواه من طريق مؤمل بن إسماعيل، عن شعبة، عن عبدالملك بن عمير، عن شبيب أبي روح، عن الأغر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وقرأ سورة الروم)).

وقد ترجم الحافظ ابن حجر في الإصابة للأغر المزني، ثم ذكر: "الأغر آخر غير منسوب، وقال بعضهم: إنه غِفاري، روى أحمد والنسائي من طريق الثوري عن عبدالملك بن عمير عن شبيب أبي روح عن رجلٍ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الصبح فقرأ الروم الحديث، وأخرجه الطبراني من طريق بكر بن خلف عن مؤمل بن إسماعيل عن شعبة عن عبدالملك عن شبيب عن الأغر رجل من الصحابة، لكن أدخل الطبراني حديثه هذا في أحاديث الأغر المزني، وتبعه أبو نعيم، وممن غاير بينهما البغوي فأورد حديثه عن زياد بن يحيى عن مؤمل بسنده، وقال فيه: عن الأغر رجل من بني غفار، ورواه البزار في مسنده عن زياد بن يحيى بهذا الإسناد، فوقع عنده عن الأغر المزني، وهو خطأ، والله أعلم"[139].

وقال في ((تهذيب التهذيب)): "الأغر: رجلٌ له صحبة، وليس بالمزني، روى عنه شبيب أبو روح، روى له النسائي في الصلاة ولم يسمه في رواية. قلت: وسماه الطبراني وخلطه بالمزني، وأنكر أبو نعيم على من فرقهما، وأما ابن عبدالبر فجعل هذا غفارياً، وكذا ثبت في بعض طرقه"[140].

قلت: فتبيّن من هذا أنه ليس من مسند (الأغر المزني).

وقال ابن حجر في ((الإصابة)): "شبيب بن ذي الكلاع أبو روح قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم الصبح فقرأ الروم. قال أبو عمر: حديثه مضطرب الإسناد، روى عنه عبدالملك بن عمير. قلت: المعروف أنه شبيب بن أبي روح أو شبيب بن نعيم أبو روح الكلاعي الحمصي، هكذا ذكره البخاري وغيره، وبالثاني جزم ابن أبي حاتم وقال: إنه حمصي وحاظي وإنه روى عن أبي هريرة أيضاً، وعن يزيد بن حميد، روى عنه حريز بن عثمان وجماعة، وأما الحديث فأخرجه ابن قانع هكذا وسقط من إسناده رجل، وقد رواه الحفاظ من طريق عبدالملك بن عمير عن شبيب أبي روح عن رجل له صحبة، ومنهم من سماه الأغر كما تقدم في ترجمته، وتفرد أبو الأشهب بإسقاط الصحابي فصارت روايته معتمد من ذكر شبيباً في الصحابة وهو وهم"[141].

قلت: فأين السقاف من هذا العلم؟!

 

· المطلب الثالث: إخفاؤه لكلام بعض الأئمة وبتْره، ونقله ما يؤيد رأيه فقط:

ذكرت فيما سبق (جهل السقاف) في الحديث وعدم إدراكه لمرامي كلام الأئمة ولعلل الأحاديث، إلا أن هناك نقولات منه تدل على مَكْرِه وتدليسه لإقناع القارئ برأيه! وإيهامه بأن ما نقله هو الصواب!

والسقاف ينقل خلال أحكامه على بعض الأحاديث بعض أقوال الأئمة مقتصراً على ما يؤيد رأيه من ذلك الكلام، مع أن الكلام كلّه يخالف رأيه، ولكن ليدلّس على الناس ولينصر حكمه على بعض الأحاديث الضعيفة والموضوعة يبتر كلام الأئمة.

ومن أمثلة ذلك:

1- ذكر (ص80): "فضل الآية رقم (111) من سورة الإسراء: وعن معاذ ابن أنس الجهني رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية العز {الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبّره تكبيراً}. رواه أحمد والطبراني".

وقال في الحاشية: "حسن في الفضائل. رواه أحمد (3/439) والطبراني، قال المناوي في فيض القدير (1/62): ((قال العراقي سنده ضعيف، ورمز السيوطي لحسنه)) وهو كذلك في الفضائل باعتضاد إسنادين".

قلت: وأين هذين الإسنادين اللذين اعتضد الحديث بهما؟! لِمَ لم يذكرهما السقاف؟! والجواب عند السقاف الذي أخفى كلام الهيثمي الذي يعتمده في جلّ كتابه! فإنه قال في ((المجمع)): "رواه أحمد من طريقين في إحداهما رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وفي الأخرى ابن لهيعة، وهو أصلح منه، وكذلك الطبراني"[142].

وهذا أيضاً نقله المناوي عن الهيثمي، ولكن السقاف (أخفاه)!

قال المناوي: "قال الحافظ العراقي: وسنده ضعيف. وقال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني من طريقين في أحدهما رِشْدِين بن سعد وهو ضعيف، وفي الأخرى ابن لهيعة وهو أصلح منه. وقد رمز المؤلف لحسنه"[143].

والحديث رواه الإمام أحمد في ((المسند))[144] عن يحيي بن غيلان، قال: حدثنا رِِشدين، عن زبّان، عن سهل، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((آية العز: الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً  الآية كلها)).

ولم يجد السقاف رواية الطبراني وكأنها مما فُقِدَ من معجمه الكبير، وقد رواه في ((كتاب الدعاء))[145] عن المقدام بن داود، عن أسد بن موسى، عن ابن لهيعة، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه رضي الله عنه أنه كان يقول: (آيةُ العِزِّ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً}).

قلت: كذا موقوف على معاذ بن أنس، ولا يصح؛ لأن ابن لهيعة ضعيف، وحديثه وحديث رِشدين – وهو ضعيف أيضاً – يدور على زَبّان بن فائد، وهو متروك الحديث، ويروي نسخة باطلة عن سهل بن معاذ ابن أنس عن أبيه.

وقد أشار الهيثمي في المجمع إلى أن روي كذلك عن أنس بن مالك، فقال: "عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: آية العز: {وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً}، رواه الطبراني وأحمد"[146].

قلت: وهذا من أوهام الهيثمي الكثيرة في كتابه! فإن الحديث عن (معاذ بن أنس) فكأنه تحرّف في نسخته إلى (معاذ عن أنس) فنسبه: (أنس بن مالك)، والله أعلم.

وقد ذكر الهيثمي أيضاً هذا الحديث في (باب ما جاء في الحمد)، فقال في المجمع: "وعن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: العز والحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك إلى آخر السورة. رواه أحمد ورجاله وثقوا على ضعف في بعضهم"[147].

قلت: فلم يذكر الهيثمي أن هذه آية العز وإنما أضاف العز إلى الحمد!

وعادة السقاف في تدليسه الخبيث: أنه إذا أراد أن يحتج لمذهبه فوجد عند أحد العلماء كلاماً يوافقه أتى به، وإذا لم يعلّق ذاك الإمام قال ذكره فلان وسكت عنه، وإذا رأى عنده ما يخالفه أعرض عنه، وكأنه لا وجود له! كما يفعل ذلك كثيراً مع ما يذكره ابن كثير في تفسيره، وقد مرّ التنبيه على هذا فيما سبق.

وسيأتي إن شاء الله تعالى تدليس السقاف في نقله حكم ابن حجر على إسناد عند الحديث عن الحارث الأعور!

2- ذكر (ص112-113) قال: "وعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك)) رواه الترمذي".

وقال في الحاشية: "ضعيف. رواه الترمذي (2888) وقال: ((هذا حديث غريب))، أي أنه ضعيف لما بينه الترمذي هنالك من ضعف بعض رجاله".

قلت: هذا فيه إيهام للقارئ بأن هذا الحديث ضعيف فيعمل به في باب الفضائل كما هو ظاهر تصرف السقاف! وليس كذلك فإن الترمذي قد أنكره ولم ينقل السقاف ذلك!

قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، قال: حدثنا زيد بن حباب، عن عمر ابن أبي خثعم، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك)).

قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وعمر بن أبي خثعم يضعف. قال محمد: هو منكر الحديث".

قلت: فلم يرد الترمذي بأنه ضعيف فقط، بل نقل كلام البخاري في أن حديثه منكر أيضاً، فلا يحتج به.

3- ذكر في فضل سورة الحديد (ص131): عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نزلت سورة الحديد يوم الثلاثاء، وخلق الله الحديد يوم الثلاثاء، وقتل ابن آدم أخاه يوم الثلاثاء، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحجامة يوم الثلاثاء)). رواه الطبراني.

قال في الحاشية: "ضعيف. قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (5/93): رواه الطبراني وفيه مسلمة بن علي الخشني وهو ضعيف".

قلت: نقله تضعيف مسلمة عن الهيثمي فيه إيهام أن هذا الحديث لم يصل راويه إلى أن يترك حديثه، فيعمل به في الفضائل، وليس كذلك! فإن الأئمة على أن مسلمة هذا (متروك الحديث) ولا يشتغل به.

قال يحيى بن معين: "ليس بشيء"، وقال البخاري: "مسلمة بن علي أبو سعيد الخشني الشامي منكر الحديث عن الأوزاعي"، وقال النسائي: "مسلمة بن علي الخشني متروك الحديث".

والهيثمي أقواله تختلف في كتابه، فربما ذكر في راو أنه ضعيف، ثم ذكر أنه ضعيف جداً، ثم يذكر في موضع ثالث أنه متروك.

وقد قال في مسلمة هذا في ((المجمع))[148]: "وقد أجمعوا على ضعفه".

وقال في موضع آخر: "وهو ضعيف جداً"[149].

وقال في موضع ثالث: "وهو متروك"[150].

فأين السقاف من هذا؟!

4- ذكر في فضل سورة الأنعام (ص67) قال: "وعن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نزلت عليَّ سورة الأنعام جملة واحدة يشيعها سبعون ألف ملك لهم زَجَلٌ بالتسبيح والتحميد)) رواه الطبراني".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه الطبراني في الأوسط (6/292)، والصغير (1/145) وأبو نُعيم في الحلية (3/44)، قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (7/20): ((رواه الطبراني في الصغير وفيه يوسف بن عطية الصفار وهو ضعيف)) قلت: في تهذيب التهذيب (11/367): ((قال الحاكم: روى عن ثابت أحاديث مناكير))، وهنا لم يرو عن ثابت". انتهى.

قلت: يوسف بن عطية هذا مجمعٌ على ضعفه وتركه، واختيار السقاف لقول الحاكم هنا ليدلّس على القارئ أنه إذا روى عن غير ثابت فحديثه ليس بمنكر!! وهذا من أخبث التدليس!

وقد ذكر ابن حجر في التهذيب أقوال أهل العلم الدالة على تركه، ونقله هذه العبارة عن الحاكم لا تعني أن روايته عن غير ثابت مقبولة، ولكن قال الحاكم ذلك؛ لأن غالب حديثه عن ثابت.

قال الحافظ ابن حجر: "يوسف بن عطية بن ثابت الصفار الأنصاري، السعدي مولاهم، أبو سهل البصري الجفري، روى عن ثابت البناني وفرقد السبخي ويونس بن عبيد وعطاء بن أبي ميمونة... قال الدوري وأحمد بن ثابت عن ابن معين: ليس بشيء، وقال عمرو بن علي: كثير الوهم والخطأ وكان يهم وما علمته يكذب، وقد كتبت عنه سمعته يقول: حدثنا قتادة عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير الناس قرني، وهذا الحديث إنما رواه قتادة عن زرارة عن عمران بن حصين، وقال الجوزجاني: لا نحمد حديثه، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني: ضعيف الحديث، وقال أبو داود: ليس بشيء، وقال النسائي والدولابي: متروك الحديث، زاد النسائي: وليس بثقة، وقال ابن عدي: وله غير ما ذكرت وكلها غير محفوظة وعامة حديثه مما لا يُتابع عليه، وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ويلزق المتون الموضوعة بالأسانيد الصحيحة لا يجوز الاحتجاج به... وقال ابن أبي شيبة عن ابن المديني: كان ضعيفاً، وقال الحاكم: روى عن ثابت أحاديث مناكير"[151].

قلت: فهذا هو حاله عند ابن حجر، فلم لم ينقل ذلك السقاف؟! ثُمّ إن الحاكم قد خالف قوله هذا، فأخرج له حديثاً عن ثابت في ((المستدرك))[152] رواه عنه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يكون في آخر الزمان عُبّادٌ جُهالٌ وقُرَّاءٌ فسقةٌ)).

قال البيهقي في ((الشعب))[153] بعد أن رواه: "يوسف بن عطية كثير المناكير".

وأين السقاف من قول ابن عدي: "وليوسف بن عطية غير ما ذكرت من الحديث عن ثابت وعن غيره وعامة حديثه مما لا يتابع عليه"؟![154]

ورواه ابن حبان في ترجمته من الضعفاء[155].

وقال الطبراني بعد أن رواه عن يوسف بن عطية الصفار، عن ابن عون، عن نافع، عن ابن عمر: "لم يروه عن ابن عون إلا يوسف بن عطية"[156].

وقال أبو نُعيم في الحلية: "غريبٌ من حديث ابن عون!لم نكتبه إلا من حديث إسماعيل عن يوسف"[157].

قلت: فالحديث ليس بحسن بحال، وأصله مرسل.

روى عبدالرزاق في ((تفسيره)) عن معمر قال: ((يُقال إن سورة الأنعام أنزلت جملة واحدة معها من الملائكة ما بين السماء والأرض لهم زجل بالتسبيح)) [158].

وهذا هو أصل الحديث المرفوع.

وقد أشار السقاف إلى أن الطبراني رواه في الأوسط، ولكن الرواية التي هناك ليست عن ابن عمر، وإنما عن أنس! رواه عن محمد بن عبدالله بن عرس، عن أحمد بن محمد بن أبي بكر السالمي، عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، عن عمر ابن طلحة، قال: حدثني أبو سهيل نافع بن مالك، عن أنس بن مالك، نحوه.

قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي سهيل نافع بن مالك إلا عمر بن طلحة، ولا عن عمر بن طلحة إلا ابن أبي فديك، تفرد به أحمد بن محمد السالمي"[159].

ثُمّ إن السقاف استشهد بكلام الهيثمي إن يوسف بن عطية ضعيف! ولكن أين هو من قول الهيثمي نفسه في المجمع: "يوسف بن عطية لا يحتج به"[160]، وقوله في موضع آخر: "يوسف بن عطية متروك الحديث"؟![161]

 

· المطلب الرابع: تَوثيقُهُ لبعض الرّواة الشيعة المتفق على ضعفهِم:

انطلاقاً من تشيعه المُفرط فإنّ السقاف وثَّقَ بعض الرواة الشيعة الضعفاء عند الأئمة النقاد، ومن هؤلاء:

1- الحارثُ الأعورَ:

ذكر السقاف في فضل سورة القدر (ص179): "وعن سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((كان يوتر بتسع سور في الأولى {ألهكم التكاثر} و {إنا أنزلناه في ليلة القدر} و {إذا زلزلت}، وفي الثانية {والعصر} و {إذا جاء نصر الله والفتح} و {إنا أعطيناك الكوثر}، وفي الثالثة {قل يا أيها الكافرون} و {تبَّت يدا أبي لهب}، و {قل هو الله أحد})). رواه أحمد والطحاوي والبزار".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه أحمد (1/89) والإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/290) والبزار (3/82)، وأبو يعلى (1/356) وغيرهم، قال الحافظ ابن حجر في ((تلخيص الحبير)) (2/19): ((وإسناده حسن))، وفي إسناده الحارث الهمداني وهو ثقة ثبت عندنا". انتهى كلامه.

قلت: وقد كرر هذا الحديث وكذلك التعليق في مواضع السور الأخرى في الصفحات: (183، 184، 186، 189، 192، 195، 196، 203).

وقد تكلمت على هذا التكرار عنده فيما سبق! وعلى كلامه ملاحظات:

1- قوله: "ثقة عندنا"! من هم؟! الشيعة والروافض؟ وقولهم ساقط مردود. وإن عنى بذلك تفخيم نفسه، فهو (منفوخٌ بالهواء) لا بالعلم، وكلامه ساقط أيضاً!

نَفَخَ الهـواء عروقـه فاسْتُسْمِنَتْ // أوداجُهُ من فَرْطِ جَهْلٍ نُفِّخَتْ

أَكلَ المَقالبَ وهو يخدع نفسـهُ // وحظوظهُ عند الفُهُوم تَقطَّعَتْ

2- أجمع أهل النقد والعلم على تضعيفه، بل كذَّبه بعضهم.

قال عَمرو بن علي الفلاَّس: "كان يحيى وعبدالرحمن لا يحدثان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي".

وروى مسلم في مقدمة صحيحه عن الشعبي، قال: "حدثني الحارث الأعور وهو يشهد أنه أحد الكاذبين".

وروى عن مغيرة، عن إبراهيم قال: قال علقمة: قرأت القرآن في سنتين، فقال الحارث: "القرآن هيّن، الوحي أشد".

وروى عن زائدة، عن الأعمش، عن إبراهيم: أن الحارث قال: "تعلمت القرآن في ثلاث سنين، والوحي في سنتين، أو قال: الوحي في ثلاث سنين، والقرآن في سنتين".

وروى أيضاً عن زائدة عن منصور والمغيرة، عن إبراهيم: أن الحارث اُتهم[162].

وقال أبو معاوية عن محمد بن شيبة الضبي عن أبي إسحاق قال: "زعم الحارث وكان كذوباَ".

وقال ابن أبي خيثمة: سمعت أبي يقول: "الحارث الأعور كذاب".

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن الحارث الأعور؟ فقال: "ضعيف الحديث، ليس بالقوي، ولا ممن يحتج بحديثه"[163].

وقال ابن عَدي: "وللحارث الأعور عن علي وهو أكثر رواياته عن علي، وروى عن ابن مسعود القليل، وعامة ما يرويه عنهما غير محفوظ"[164].

وقال ابن حبان في الضعفاء: "كان غالياً في التشيع، واهياً في الحديث"[165].

وقال البيهقي: "والحارث لا يحتج بخبره لطعن الحفّاظ فيه"[166].

قلت: ومن حمل تكذيب الأئمة له على الخطأ أو الكذب في الرأي فلا دليل عليه! فمن يقول بأنه تعلم الوحي في مقابل تعلمه للقرآن فهو كذّاب أشر، وهو كذلك، وقد روى عن عليّ مناكير، وقد كُذِب على عليّ كثيراً، فأفسدوا علمه رضي الله عنه.

وقال الشعبي: "ما كُذِب على أحدٍ من هذه الأمة ما كُذِبَ على عليّ".

وقال أيوب: كان ابن سيرين يرى أن عامة ما يروون عن علي باطل.

قلت: ورواية أبي إسحاق عن الحارث قليلة جداً!

قال السعديّ: "ثم الشائع في أهل الحديث أن أبا إسحاق لم يسمع منه إلا ثلاثة أو أربعة. سمعت ابن حنبل يقول: كان أبو إسحاق تزوج امرأة الحارث، فوقع حديثه إليه، ويقولون: لم يسمع من الحارث إلا ثلاثة أو أربعة. سمعت أبا بكر بن عياش يقول قال أحمد كلاماً هذا معناه"[167].

3- اسم كتاب ابن حجر: ((التلخيص الحبير)) لا ((تلخيص الحبير))؛ لأن الأخير فيه حظ للنَّفْس، وابن حجر أبعد ما يكون عن ذلك.

4- دلّس السقاف في قوله إن ابن حجر حسّن إسناده أو أنه لم يفهم كلام ابن حجر! وهذا ليس ببعيد؛ لأنه جاهل!

وابن حجر إنما قال: "إسناده حسن" في إسناد آخر، وليس في إسناد الحارث.

قال ابن حجر: "وفي الباب عن عليّ، وعائشة، وعبدالرحمن بن أبزى، وأبي أمامة، وجابر، وعمران بن حصين، وابن مسعود. فحديث علي رواه أحمد بن إبراهيم الدورقي في مسند عليّ له عن عليّ: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوتر بتسع سور من المفصل يقرأ: ألهاكم، والقدر، وإذا زلزلت، والعصر، وإذا جاء نصر الله، والكوثر، وقل يا أيها الكافرون، وتبت، وقل هو الله أحد، في كل ركعة ثلاث سور))، وحديث عبدالرحمن ابن أبزى رواه أحمد والنسائي وإسناده حسن، وهو نحو حديث عائشة، وأحاديث الباقين يراجع اليوم والليلة للمعمري فإنه أخرجها".

قلت: فابن حجر حسّن إسناد حديث عبدالرحمن بن أبزى لا إسناد حديث عليّ، وكيف يحسنه وهو يقول في الحارث: "ضعيف"[168].

وحديث ابن أبزى في: ((أنه صلى الله عليه وسلم كان يوتر بسبح اسم ربك الأعلى وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد)) [169].

وهذا فيه أنه يوتر بثلاث، وهو مخالف لحديث الحارث الذي فيه أنه كان يوتر بتسع! فماذا يقول السقاف؟!

2- ثُوَيرُ بنُ أبي فَاخِتة:

ذكر السقاف حديثاً في فضل سورة الأعلى (ص169) قال: "وعن سيدنا عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحبُّ هذه السورة {سبِّح اسمَ ربّكَ الأعلى})). رواه أحمد".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه أحمد (1/96) والرافعي في ((تاريخ قزوين)) (3/258). وثوير بن أبي فاختة الذي في إسناد أحمد ثقة عندنا، قال الحاكم في المستدرك (2/510): ((ثوير بن أبي فاختة وإن لم يخرجا له فلم يُنْقَم عليه غير التشيع)) فتبين بذلك سبب تضعيفهم له، وهو تضعيف مردود لا سيما وثوير ممن يروي عن الصحابة كما في ترجمته في ((تهذيب الكمال)) (4/429) وقول المعلِّق على ((تهذيب الكمال)) راداً على الحاكم (ص431): [أما ادّعاء الحاكم بأنه لم يُنقم عليه إلا التشيع فهو مردود بالأدلة التي أوردها العلماء ولا سيما ابن عدي في الكامل] فمما لا يعبأ به! وهو المردود حقاً! لأن كثيراً من الثقات لهم أحاديث منكرة ومردودة، وقد تصفحنا ترجمة ثوير في كامل ابن عدي فلم نجد فيها ما يثبت كلام ذلك المعلِّق، وكم من رجال أوردهم ابن عدي في كامله وساق لهم أحاديث هنالك على أنها من منكراتهم فوثقهم المعلق ولم يعبأ بذلك! وليس هذا محل الإسهاب في تفنيد كلام المعلق بل لذلك موضع آخر إن شاء الله تعالى! وعلى كل حال فإن إسناد الرافعي في تاريخ قزوين ليس فيه ثوير هذا". انتهى كلامه.

قلت: على كلامه ملاحظات:

1- أجمع أهل النقد والعلم على تضعيفه، بل كذبه بعضهم.

وكان ابن عيينة يَغمزه، وضرب ابن مهدي على حديثه.

وقال أبو صفوان الثقفي: سمعت سفيان الثوري يقول: كان ثوير من أركان الكذب، وكان يحيى وابن مهدي لا يحدّثان عنه[170].

وذكر أيوب السختياني ثوير فقال: "لم يكن مستقيم اللسان". وفي بعض الكتب: "الشأن".

وقال يحيى بن معين: "ثوير بن أبي فاختة: ضعيف". وقال مرة: "ليس بشيء".

وقال عبدالله بن أحمد: سئل أبي -وأنا أسمع- عن ثوير بن أبي فاختة وليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زياد؟ فقال: "ما أقرب بعضهم من بعض"[171].

وقال عبدالرحمن ابن أبي حاتم: سألت أبي عن ثوير بن أبي فاختة؟ فقال: "هو ضعيف، مقارباً لهلال بن خباب وحكيم بن جبير". قال عبدالرحمن: سألت أبا زرعة عن ثوير؟ فقال: "كوفي ليس بذاك القوي"[172].

وقال النسائي: "ليس بثقة".

وقال الدارقطني: "متروك"[173].

2- أين كلام الهيثمي الذي يحتج به (السقاف) في قبول الأحاديث؟!

قال الهيثمي –الذي يحتج السقاف به دائماً- في الْمَجمع: "رواه أحمد، وفيه ثوير بن أبي فاختة، وهو متروك"[174].

وأين كلام المناوي الذي يستشهد به (السقاف) إذا وافق رأيه؟!

قال المناوي في الفيض: "رمز لحسنه – أي السيوطي -. قال الحافظ العراقي: في سنده ضعيف. هكذا جزم به واقتصر عليه، وبيّنه تلميذه الهيثمي، قال: فيه ثور ابن أبي فاختة وهو متروك، انتهى. وبه يعرف أن رمز المصنف لحسنه زَللٌ فاحشٌ".

3- استشهاد السقاف بكلام الحاكم لا يُقبل؛ لأن الحاكم فيه تشيع، فكلامه في هؤلاء مردودٌ، وهذه عادة الحاكم في الرواة الشيعة، فإنه يقول فيهم: "لم ينقم عليه إلا التشيع"! وعند التحقيق نجد أن الأئمة لم ينقموا على هؤلاء التشيع فقط – وإن كان المتشيع لا ترد روايته بسبب مذهبه على التحقيق – وإنما يجدوا في روايته المنكرات التي يتفرد بها، والضعف البيّن على حديثه، ومن هذا المنطلق يضعفونه، لا من أجل مذهبه كما هو ظاهر كلام الحاكم ومن تبعه!

4- كون الثقة له أحاديث منكرة ومردودة شيء، وكثرة تفرد الراوي – وإن كان ثقة بزعم بعضهم – بالمنكرات شيء آخر! فثوير كثير التفرد بالمناكير، ومن هنا ضعّفه أهل العلم، وأما إطلاق السقاف الكثرة على الثقات الذين لهم أحاديث منكرة ومردودة تهويل منه لأنه لا يملك الدليل على تقوية من هم على مذهبه!

ونطالبه بأن يأتي لنا بهذه الكثرة التي زعمها في حقّ الثقات الذين لهم أحاديث منكرة وردوده لنعرف حجم هذه المنكرات!

5- لا أدري هل يدري (السقاف) أنّ ردَّه القاسي على (المعلّق على كتاب تهذيب التهذيب) هو على أحد محرري كتابه هذا، وهو (د. بشار عواد)! وتوعده لتفنيد كلامه في موضع آخر!

ولا أدري هل وقف (د. بشار) على هذا الكلام أثناء تحريره لكتاب السقاف هذا؟!

6- دعواه بأنه (تصفح) ترجمة ثوير في كامل ابن عدي ولم يجد ما يثبت كلام المعلق (وهو د. بشار)، كلام فارغ؛ لأنه لا يدري كيف يتعامل مع كتب هذا الشأن!

فطريقة ابن عدي أنه يورد في ترجمة الراوي ما ينكر على الراوي، ثم يحكم عليه من خلال هذه الأحاديث، وها هو ذكر منكرات ثوير – وهي جلّ حديثه تقريباً – ثم قال: "ولثوير غير ما ذكرت من الحديث، وقد نُسب إلى الرفض، وضعفه جماعة كما ذكرت، وأثر الضعف بيّن على رواياته، فأحاديث إسرائيل التي ذكرتها عن ثوير، وإسرائيل يحدِّث بها عنه، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى غيره".

قلت: ألا يكفي السقاف هذا دليلاً على ضعفه؟! فأحاديثه مناكير! والأئمة على تضعيفه! فأنّى له الثقة؟ وما الأدلة التي يريدها السقاف غير هذه المناكير التي ذكرها ابن عَدي؟!

وما رأي السقاف بقول ابن حبان في ثوير في الضعفاء: "كان يقلب الأسانيد حتى يجيء في رواياته أشياء كأنها موضوعة"؟![175]

7- وإن تعجب فعجب قول السقاف الأخير: "وعلى كل حال فإن إسناد الرافعي في تاريخ قزوين ليس فيه ثوير هذا"!!

إن هذا الكلام لا يخرج إلا من (جاهل مع مرتبة الجهل العليا – إن كان للجهل مراتب عليا)!

ترقّى الجهل حتى صار رأساً // وظنَّ بأنه بلغ الثُريا

وإليك البيان:

الحديث رواه الإمام أحمد في ((المسند))[176] عن وكيع، عن إسرائيل، عن ثوير ابن أبي فاختة، عن أبيه، عن عليّ.

ورواه البزار في ((مسنده)) عن يوسف بن موسى، عن وكيع، عن إسرائيل، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن عليّ.

وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن علي إلا بهذا الإسناد".

ورواه البزار أيضاً عن محمد بن معمر، عن الفضل بن دكين، عن إسرائيل، عن ثوير، عن أبيه، عن علي[177].

وروايتا البزار مما فات السقاف!

فالإمام أحمد ويوسف بن موسى كلاهما رواهُ عن وكيع عن إسرائيل عن ثوير، وتابع وكيعاً عليه الفضل بن دكين، فكيف يرويه الرافعي في التدوين وليس في الإسناد ثوير؟! هذا مما يبينه السقاف!

أقول: رواه الرافعي من طريق وكيع، عن إسرائيل، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه.

وواضح وبيّن لمن عنده مسحة من علم الحديث أن هناك سقطاً في إسناد الرافعي في ((تاريخ قزوين)) سقط منه (ثوير)، ولكنه الجهل، نسأل الله علماً نافعاً.

8- رواية أحمد والبزار مختصرة، والحديث بطوله عند الرافعي في التدوين: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ هذه السورة {سبح اسم ربك الأعلى}، وأول من قال ذلك ميكائيل. قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا جبرائيل، فأخبرني عن ثواب من قالها في صلاة أو في غير صلاة. قال: يا محمد، ما من مؤمن ولا مؤمنة يقول في سجوده أو في غير سجوده: سبحان ربي الأعلى إلا كانت له في ميزانه أثقل من العرش والكرسي وجبال الدنيا، ويقول الله تعالى: صدق عبدي، أنا فوق كل شيء وليس فوقي شيء، أشهدوا ملائكتي أني قد غفرت لعبدي، وأدخلته جنتي، فاذا مات العبد المؤمن زاره ميكائيل كل يوم).

قلت: وهذا حديث منكرٌ جداً، آفته ثوير بن أبي فاختة.

 

· المطلب الخامس: تناقُضُهُ في أحكامِه على الحديثِ الواحد:

ذكر السقاف (ص182) في فضل سورة الزلزلة قال: "عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (({إذا زلزلت} تعدل نصف القرآن، و {قل هو الله أحد} تعدل ثلث القرآن، و {قل يا أيها الكافرون} تعدل ربع القرآن)). رواه الترمذي والحاكم".

وقال في الحاشية: "ضعيف. رواه الترمذي (2893) واستغربه، والحاكم في المستدرك (1/566) وصححه".

ثُم أعاده في فضل سورة الكافرون (ص194)، وقال: "حسن بالشواهد. رواه الترمذي (2894)، وإسناد رواية ابن عباس ضعيف، لكن الحديث يرتقي إلى الحسن بطرقه الثلاثة لا سيما في الفضائل وعدم وجود المعارِض".

ثُم أعاده في فضل سورة الإخلاص (ص206)، وقال: "حسن بشواهده. رواه الترمذي (2894)، وإسناد رواية ابن عباس ضعيف، لكن الحديث يرتقي إلى الحسن بطرقه الثلاثة لا سيما في الفضائل وعدم وجود المعارِض".

قلت: فضعّفه أولاً ثم حسّنه بشواهده! ولكنه لم يذكرها، ولم يبيّن الطرق الثلاثة التي ارتقى بها إلى الحسن؟!!

ثُم إن هذا الحديث منكر! تفرد به يمان بن المغيرة.

قال يحيى بن معين: "يمان بن المغيرة ليس حديثه بشيء"[178].

وقال البخاري: "منكر الحديث"[179].

وقال أبو حاتم الرازي: "ضعيف الحديث، منكر الحديث"[180].

وقال النسائي: "يمان بن المغيرة ليس بثقة"[181].

وذكر ابن عدي هذا الحديث في مناكيره في ترجمته من ((الكامل)) [182].

وقد روى الترمذي أيضاً قبل هذا الحديث حديثاً من طريق الحسن بن سلم، عن ثابت، عن أنس، مرفوعاً: ((إذا زلزلت الزلزلة تعدل نصف القرآن))، وقال الترمذي: "هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث هذا الشيخ الحسن بن سلم".

وقال الذهبي: "هذا منكر"[183].

قلت: فإذا حكم الذهبي على هذا الحديث بالنكارة، فكذلك حديث يَمان منكر أيضاً.

وقد روي هذا الحديث مرسلاً.

قال السيوطي في الدر: "وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إذا زلزلت} تعدل بنصف القرآن".

وقال أيضاً: "وأخرج ابن الضريس عن عاصم قال: كان يقال: {قل هو الله أحد}   ثلث القرآن، و {إذا زلزلت الأرض} نصف القرآن، و {قل يا أيها الكافرون} ربع القرآن"[184].

وروى عبدالرزاق في ((مصنفه))[185] عن جعفر، عن هشام بن مسلم، قال: سمعت بكر بن عبدالله المزني يقول: "{إذا زلزلت الأرض} نصف القرآن، و {قل يا أيها الكافرون} ربع القرآن".

وقد مرّ أثناء الكلام على تحسين السقاف الأحاديث بالشواهد حديث أنس الذي رواه الترمذي من طريق سلمة بن وردان، وفيه أن: (({إِذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ} رُبُعُ الْقُرْآنِ))!

قلت: فهذا يخالف هذا الحديث الذي فيه أنها نصف القرآن!!

وقد أخرج الخطيب في تاريخه عن الشعبي قال: "من قرأ إذا زلزلت، فإنها تعدل سُدس القرآن"!![186]

ويدخل في هذه المسألة حكمه على حديث بالحسن ثم حكمه عليه بالصحة!

ذكر في فضل سورة الانفطار (ص163) وفي فضل سورة الأعلى (ص169) وفي فضل سورة الفجر (173) قال: "وعن جابر رضي الله عنه قال: قام معاذٌ فصلّى العشاء فطوَّل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفتَّانٌ يا معاذ، أفتَّانٌ يا معاذ، أين كنت عن {سبح اسم ربك الأعلى} و {الضحى} و {إذا السماء انفطرت})). رواه النسائي".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه النسائي".

وقال في الحاشية الثانية: "إسناده صحيح. رواه النسائي (997)".

ثُم أورده في فضل سورة البروج (ص166) وفي فضل سورة الأعلى (ص169) وفي فضل سورة الليل (ص175)، قال: "وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسيدنا معاذ لما أطال الصلاة بالقوم: ((يا معاذ أفتَّانٌ أنت؟!، اقرأ سورة {والليل إذا يغشى} و {سبح اسم ربك الأعلى} و {والسماء ذات البروج})). رواه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه ابن خزيمة (1/262) وابن حبان (5/149)".

ثُم أورده في فضل سورة الطارق (ص167) وفي فضل سورة الشمس (ص174) قال: "وعن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسيدنا معاذ حين أطال في صلاة العشاء: ((اقرأ بـ {والسماء والطارق} {والسماء ذات البروج} {والشمس وضحاها} {والليل إذا يغشى})). رواه ابن حبان في صحيحه، وأبو عوانة".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه ابن حبان في صحيحه (6/160)، وأبو عوانة (1/478)".

قلت: هذا التخبط منه؛ لأنه يجعل كلّ لفظ من هذه الألفاظ حديثاً منفرداً، وإنما هو حديث واحد، وهو نفسه ذكر في فضل سورة الأعلى (ص171)، وفي فضل سورة الشمس (ص174) قال: "وعن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسيدنا معاذ رضي الله عنه عندما أطال في الصلاة بقومه: ((يا معاذ أفتَّانٌ أنت ثلاثاً اقرأ {والشمس وضحاها} و {سبح اسم ربك الأعلى} ونحوها)). رواه البخاري ومسلم".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه البخاري (6106) ومسلم (465)".

ثُم ذكره في فضل سورة الضحى ( ص176) وجمع بين مسلم والنسائي في تخريجه.

وهذا كلّه حديث واحد، وقصة واحدة، وفِعْل السقاف هذا يدخل في الخلل المنهجي الذي ذكرناه سابقاً!!!

 

· المطلب السادس: اعتراضُهُ على الأئمةِ ومخالفتهُم دون دليل قويّ:

ذكر في فضل سورة الأنعام (ص67) قال: " عن جابر قال: لما نزلت سورة الأنعام سَبّح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: ((لقد شَيَّعَ هذه السورة من الملائكة ما سَدَّ الأفق)). رواه الحاكم".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه الحاكم في المستدرك (2/315) وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط مسلم فإن إسماعيل هذا هو السّدي ولم يخرجه البخاري))، وقد اعترض الذهبي على الإمام الحاكم في تلخيص المستدرك فقال: ((قلت: لا والله لم يدرك جعفر السّدِّي وأظن هذا موضوعاً))!! وهو اعتراض مردود لا قيمة له وذلك لأن كلاً من الرجلين كوفي وكان سِنّ جعفر بن عون عند موت السدي 17 أو 18 سنة، فقد توفي جعفر بن عون سنة 206 أو 207 عن سبع وتسعين سنة، وتوفي السدي سنة 127 فبطل كلام الذهبي واعتراضه على الإمام الحاكم. والحديث رواه أيضاً البيهقي في شعب الإيمان (2/470) وسكت عليه ابن كثير في تفسيره (2/126-127)".

قلت: بل كلامك المردود لا قيمة له؛ لأنك دلّست كعادتك! فإن أهل العلم ذكرو أن جعفر بن عون توفي سنة 206 أو 207 عن سبع وثمانين أو سبع وتسعين سنة، فلم اخترت الثاني وبنيت عليه وتركت الأول؟! فعلى أنه مات عن سبع وثمانين سنة يكون سنه عند موت السدي (7) أو (8) سنوات، فكيف يسمع منه؟!

وعلى فرض أنه مات عن سبع وتسعين سنة، فإن الذهبي قصد بالإدراك هنا السماع، فإنه لم يسمع منه، وهذه السن عند الكوفيين لم تكن سنّ الطلب، وهذا يَعِيه الذهبي، ولا يمكن للسقاف بحال من الأحوال أن يفهم هذا!

قال الحافظ موسى بن هارون (ت 294هـ): "أهل البصرة يكتبون لعشر سنين، وأهل الكوفة لعشرين، وأهل الشام لثلاثين"[187].

ثُم أين شَره أهل الكوفة في السماع؟ أين هم من هذا الحديث؟ وكيف يتفرد به السدّي عن ابن المنكدر عن جابر؟! وأين أصحاب ابن المنكدر عنه؟

وهناك أمرٌ آخر وهو: أن محمد بن المنكدر توفي سنة (130هـ)، فهو من أقران السدي، فكيف يبقى الشيخ بعد من سمع منه الحديث حياً ثلاث سنوات ولم يسمعه أحد غيره؟! وهذا يعني أن السدي حدّث به وابن المنكدر على قيد الحياة! وهذا بعيدٌ جداً!!

ولو راجع السقاف ترجمة ابن المنكدر والسدي في كتب أهل العلم لوجد أنهم لم يذكروا للسدي رواية عن ابن المنكدر.

فبطل كلام السقاف واعتراضه على الإمام الذهبي.

وأما رواية البيهقي التي أشار إليها السقاف فهي من طريق الحاكم، وكان ينبغي له أن يبيّن هذا!

وأما سكوت ابن كثير فلا يعني شيئاً؛ لأنه ليس من عادته أنه يحكم على ما يورده من أحاديث في تفسيره، بل إنه نادراً ما يحكم، والغالب عنده السكوت، فلا يحتج بسكوته.

وقد ردّ السقاف على الذهبي وخطأه في حكمه على حديث بالوضع، والصواب ما قاله الذهبي، وسيأتي الكلام عليه لاحقاً إن شاء الله تعالى.

 

· المطلب السابع: خَلطُهُ بين الأسانيدِ، وعدمُ نظرهِ إلى المتون التي يذكرها في فضائل بعض السور:

ذكر في فضل سورة الأنفال (ص70) قال: "وعن زيد بن ثابت وأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنهما: ((كان صلى الله عليه وسلم يقرأ في الركعتين من المغرب بسورة الأنفال)). رواه الطبراني".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه الطبراني في الكبير (5/125) وقال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (2/118): ((رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح))".

قلت: جعل السقاف الحديث عن زيد بن ثابت وأبي أيوب كما جاء في روايتين عند الطبراني، ولكنه لم يتنبه إلى أن إسناد الطبراني في كلا الحديثين هو نفسه! فوقع خطأ في الإسناد، ووقع في ذلك الهيثمي أيضاً!

روى الطبراني في ((المعجم الكبير))[188] قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بن سَلَمٍ الرَّازِيُّ، قالَ: حَدَّثَنَا سَهْلُ بن عُثْمَانَ، قالَ: حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بن خَالِدٍ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ: ((أَن ّالنَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الأَنْفَالِ)).

وروى أيضاً[189] قال: حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِ بن سَلْمٍ الرَّازِيُّ، قال: حَدَّثَنَا سَهْلُ ابن عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بن خَالِدٍ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ: ((أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنَ الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الأَنْفَالِ)).

وذكرهما الهيثمي في المجمع، فقال: "وعن زيد بن ثابت: كان يقرأ في الركعتين من المغرب بسورة الأنفال، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح".

قال: "وعن أبي أيوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يقرأ في المغرب سورة الأنفال، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح"[190].

قلت: الإسناد نفسه، فإما أن يكون عن أبي أيوب أو زيد بن ثابت؟! وهذا الاختلاف جاء واضحاً في روايات أخرى، ولكن في متنه مخالفة.

روى الطبراني في ((المعجم الكبير))[191] قال: حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ الْقَاضِي، قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَوْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ: ((أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالأَعْرَافِ)).

وروى أيضاً[192] قال: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ، قال: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بن أَبِي شَيْبَةَ، قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامِ بن عُرْوَةَ، عَنْ أَبِي أَيُّوبَ أَوْ زَيْدِ بن ثَابِتٍ: ((أَنّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ فِي الْمَغْرِبِ بِالأَعْرَافِ رَكْعَتَيْنِ)).

قلت: فتبيّن أن الصواب إما أن يكون عن أبي أيوب أو زيد لا عنهما معاً، وقد خالف أبو معاوية ووكيع عقبة بن خالد، فذكرا سورة ((الأعراف)) وهو ذكر ((الأنفال))، والصواب أنها الأعراف، وقد ذكر السقاف في فضل سورة الأعراف (ص68) حديث زيد بن ثابت في أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في المغرب بطولى الطولَيَيْن وهي الأعراف.

فتبيّن من هذا أن الحديث الذي ذكره في فضل سورة الأنفال لا يصح!

 

· المطلب الثامن: اعتمادُهُ على أحاديث أسانيدها مختلفة:

اعتمد السقاف في ذكر فضائل بعض السور على حديثٍ فيه اختلافٌ كثيرٌ، وصحيحه دون الإشارة إلى ذلك الاختلاف الذي يؤدي إلى عدم قَبول بعض ألفاظه!

ذكر في فضل سورة الكافرون (ص190) قال: "وعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الوتر بـ {سبح اسم ربك الأعلى} و {قل يا أيها الكافرون} و {قل هو الله أحد} فإذا سلّم قال: سبحان الملك القدوس ثلاث مرات)). رواه ابن الجارود والترمذي".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه ابن الجارود في المنتقى ص (78) والترمذي (462) وابن حبان في صحيحه (6/202) وهو مروي عن عدد من الصحابة كما بيّن ذلك الترمذي".

قلت: هذا الحديث فيه اختلاف كثير، ولا يحفظ فيه ذكر أبيّ! وقد بيّن هذه الاختلافات الإمام النسائي في ((السنن الكبرى))[193]، والبيهقي في ((السنن الكبرى))[194].

وأما إشارة الترمذي أنه مروي عن عدد من الصحابة فإنما هو من باب الاستشهاد لأصل القراءة في الوتر بهذه السور، لا للحديث كله، وخاصة ما ذُكر في هذا الحديث أنه يقول بعد أن يُسلِّم: ((سبحان الملك القدوس))!!

وبهذا يتبيّن تدليس السقّاف في هذا!

 

· المطلب التاسع: اعتمادُهُ على (الموسوعات الحاسوبية) دون التنبه على ما فيها من أخطاء:

اعتمد السقاف في جمع مادة كتابه على الموسوعات الحديثية الحاسوبية دون معرفة الخلط والأخطاء التي فيها، وهذا يدلّ على جهله بكتب الأئمة!

1- ذكر في (ص58-59) حديثاً روي عن عليّ بن أبي طالب عن أبي بكر مرفوعاً: ((ما من مسلم يذنب ذنباً ثم يتوضأ...)) الحديث.

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه أحمد في المسند (1/9) والترمذي (406) وحسَّنَه، والضياء في ((المختارة)) (1/84) وقال: إسناده صحيح".

ثُمّ أعاده في (ص63)!

قلت: هذا يدلّ على (جهله المركّب) فإن الضياء المقدسي لا يحكم على الأحاديث التي يرويها في كتابه، وإنما هذه هي أحكام المعلّق على كتاب ((المختارة))، أدخلها أصحاب الموسوعات الحديثية في أصول الكتب، فأساؤوا!

وهذا يُنبيك عن علم السقاف وخبرته بكتب أهل العلم!! واعتماده على الموسوعات دون الرجوع إلى الأصول. والله المستعان.

2- ذكر في (ص65) هامش (197) قال: "قال المناوي في فيض القدير (1/565): "المفصل.. أو الصف أقوال. رجح النووي وتبعه القاموس الأول".

قلت: كذا هو في الموسوعة الحاسوبية ومنها نقل السقاف! وفيها خلط وسقط، والصواب: "رجَّح النووي الأول وتبعه صاحب القاموس".

 

· المطلب العاشر: اعتمادُهُ على الأحاديث المنكرة والموضوعة:

ملأ السقاف كتابه هذا بالأحاديث المعلولة والمنكرة وفيها الموضوعة أيضاً! وكذلك الأحاديث الضعيفة التي لا يحتج بها حتى في الفضائل! وقد مرّ بنا أحاديث كثيرة من ذلك، ومنها أيضاً مما لم أذكره قبل:

1- ذكر في فضل سورة السجدة (ص94)، وفي فضل سورة يس (ص98)، وفي فضل سورة الدخان (ص111)، وفي فضل سورة الملك (ص142)، قال: "وعن ابن عباس أنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه عليّ بن أبي طالب، فقال: بأبي أنت وأمي تفَلَّت هذا القرآن من صدري فما أجدني أقدر عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا الحسن أفلا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن وينفع بهن من علمته ويثبت ما علمته في صدرك؟)) قال: أجل يا رسول الله فعلمني، قال: ((إذا كانت ليلة الجمعة فإن استطعت أن تقوم في ثلث الليل الآخر فإنها ساعة مشهودة والدعاء فيها مستجاب وقد قال أخي يعقوب لبنيه {سوف أستغفر لكم ربي} يقول حتى تأتي ليلة الجمعة، فإن لم تستطع فقم في وسطها، فإن لم تستطع فقم في أولها، فصل أربع ركعات تقرأ في الركعة الأولى بفاتحة الكتاب وسورة يس وفي الركعة الثانية بفاتحة الكتاب وألم تنـزيل السجدة وفي الركعة الثالثة بفاتحة الكتاب وحم الدخان وفي الركعة الرابعة بفاتحة الكتاب وتبارك المفصل، فإذا فرغت من التشهد فاحمد الله وأحسن الثناء على الله وصلِّ عليَّ وعلى سائر النبيين وأحسن واستغفر لإخوانك الذين سبقوك بالإيمان واستغفر للمؤمنين وللمؤمنات، ثم قل آخر ذلك: اللهم ارحمني بترك المعاصي أبداً ما أبقيتني وارحمني... ولقد كنت أسمع الحديث فإذا رددته تفلّت وأنا اليوم أسمع الأحاديث فإذا حدثت بها لم أخرم منها حرفاً. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك ((مؤمن وربّ الكعبة يا أبا الحسن)). رواه الترمذي والحاكم".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه الترمذي (3570) وقال: هذا حديث حسن غريب، والحاكم (1/316-317) وقال: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه))، وقد أخطأ الذهبي بحكمه عليه بالوضع في ((سير النبلاء)) (9/217) مع أنه قال في ((تلخيص المستدرك)): ((وقد حيَّرني والله جودة سنده))". انتهى.

قلت: بل هو موضوعٌ، لا شك فيه! وهنا ملاحظات على كلام السقاف:

1- نعم، جاء في مطبوع الترمذي وبعض من نقل عنه: "حسن غريب"، ولكن الصواب أنه قال فيه: "غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم". كذا ذكره ابن عساكر في تاريخه[195]، والمزي في التحفة[196].

وهناك اختلافات في أحكام الترمذي تبعاً لاختلاف النسخ، والأرجح هو ما ينقله المزي في التحفة؛ لأنه اعتمد على النسخ المضبوطة عن الإمام الترمذي، وعليه فإنه لا يمكننا القول بأن الترمذي حسّنه، بل ضعّفه.

2- الذهبي لم يخطئ في الحكم عليه بالوضع، قد أصاب في ذلك، ولكن السقاف كعادته في التلبيس والتدليس نقل من كلام الذهبي في التلخيص ما رآه تشكيكاً وتردداً في حكمه عليه، ولكن الذهبي قد صرح بأنه حديث شاذ منكر، وأشار إلى أنه قد يكون موضوعاً، فقال: "هذا حديثٌ منكرٌ شاذٌ، أخاف أن يكون موضوعاً، وقد حيّرني والله جودة سنده، فإن الحاكم قال فيه: حدثنا أبو النضر محمد بن محمد الفقيه، وأحمد بن محمد العنـزي، قالا: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي [ح] وحدثني أبو بكر محمد بن جعفر المزكي، حدثنا محمد بن إبراهيم العبدي، قالا: حدثنا أبو أيوب سليمان بن عبدالرحمن الدمشقي، حدثنا الوليد بن مسلم – فذكره مصرحاً بقوله: حدثنا ابن جريج، فقد حدّث به سليمان قطعاً، وهو ثبت، فالله أعلم".

قلت: فهذا هو كلام الذهبي بتمامه الذي بتره السقاف! ثم إن تلخيص المستدرك سابق لكتاب سير النبلاء، وقد صرّح الذهبي في ترجمة الحاكم من السير أن كتاب المستدرك بحاجة إلى تحرير، فيكون ما في السير هو المعتمد، وكلامه فيه: "قلت: هذا عندي موضوعٌ والسّلام، ولعل الآفة دخلت على سليمان بن بنت شرحبيل فيه؛ فإنّه منكر الحديث، وإن كان حافظاً، فلو كان قال فيه: عن ابن جريج، لَرَاجَ، ولكن صرَّح بالتحديث، فقويت الرِّيبة، وإنما هذا الحديث يرويه هشام بن عمّار، عن محمد بن إبراهيم القرشي، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومحمد هذا ليس بثقة، وشيخه لا يدرى مَنْ هو".

ومحمد بن إبراهيم هذا ذكره الذهبي في ((الميزان)) وقال: "وعنه هشام بن عمَّار فذكر خبراً موضوعاً في الدعاء لحفظ القرآن"[197].

وقد روى ابن عساكر في تاريخه بإسناده إلى أبي جعفر العقيلي قال: "محمد ابن إبراهيم القرشي عن أبي صالح مجهولان جميعاً بالنقل، والحديث غير محفوظ، وروى سليمان بن عبدالرحمن ابن بنت شرحبيل عن الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وعكرمة عن ابن عباس الفقيه، وليس يرجع من هذا الحديث إلى صحة"[198].

وقال الذهبي في ((الميزان)) في ترجمة (سليمان بن عبدالرحمن ابن بنت شرحبيل بن مسلم الخولاني) وذكر له هذا الحديث: "وهو - مع نظافة سنده - حديثٌ منكرٌ جداً، في نفسي منه شيء، فالله أعلم، فلعل سليمان شبِّه له وأدخل عليه كما قال فيه أبو حاتم: لو أن رجلا وضع له حديثاً لم يَفهم"[199].

وقال ابن حجر في ((النكت الظراف)): "وأخرجه العقيلي في ترجمة محمد ابن إبراهيم القرشي من طريق هشام بن عمار عنه عن أبي صالح عن عكرمة عن ابن عباس...، فذكر الحديث بطوله، ثم قال: ورواه سليمان بن عبدالرحمن عن الوليد عن ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس. قال: وكلاهما ليس له أصل. قلت: فلعل الوليد أخذه عن هذا القرشي، فدلّسه عن ابن جريج، فأسقط هذا القرشي وسوّاه لابن جريج عن عكرمة، والعلم عند الله تعالى"[200].

قلت: هذا هو الصواب فإن ابن أبي حاتم قال: "محمد بن إبراهيم الهاشمي، دمشقي، روى عن ابن جريج، روى عنه الوليد بن مسلم وهشام بن عمّار، سمعت أبي يقول ذلك"[201].

فالحديث حديث محمد بن إبراهيم هذا وقد سوّاه الوليد بن مسلم كما قال الحافظ ابن حجر.

2- ذكر السقاف في فضل سورة الفاتحة (ص42) قال: "وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا مات أحدكم فلا تحسبوه وأسرعوا به إلى قبره، وليُقْرَأ عند رأسه فاتحة الكتاب)). رواه البيهقي في شعب الإيمان".

وقال في الحاشية: "ضعيف. رواه البيهقي في شعب الإيمان (7/16) وإسناده ضعيف لكنه قد يكون حسناً لغيره بالشاهد الذي رواه البيهقي في السنن الكبرى (4/56) أن ابن عمر رضي الله عنهما استحب قراءة أول البقرة وخاتمتها بعد الدفن عند القبر وحسَّنه الإمام النووي في الأذكار ص (254)". انتهى.

قلت: الحديث رواه البيهقي في الشعب من طريق يحيى بن عبدالله البابلتي، عن أيوب ابن نهيك الحلبي مولى آل سعد بن أبي وقاص قال: سمعت عطاء بن أبي رباح: سمعت عبدالله بن عمر: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، فذكره.

قال البيهقي: "لم يُكتب إلا بهذا الإسناد فيما أعلم، وقد روينا القراءة المذكورة فيه عن ابن عمر موقوفاً عليه".

قلت: ورفع هذا الحديث منكرٌ!

فأيوب بن نَهيك ضعيفٌ، منكر الحديث. والبابلتي ضعيف أيضاً لا يحتج به.

وأين السقاف من قول الهيثمي الذي يحتج به دائماً حيث يقول في المجمع: "رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن عبدالله البابلتي، وهو ضعيف"؟!![202]

وقال أيضاً: "أيوب بن نهيك وهو متروك ضعفه جماعة وذكره ابن حبان في الثقات وقال: يخطىء، والبابلتي ضعيف لا يحتج به"؟![203]

وأما ما روي عن ابن عمر فإنما نُقل عنه أنه استحب ذلك – إن صحّ ذلك عنه – ولو صحّ فيكون من اجتهاده رضي الله عنه.

روى البيهقي في ((السنن الكبرى)) من طريق العباس بن محمد قال: سألت يحيى بن معين عن القراءة عند القبر؟ فقال: حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، عن عبدالرحمن ابن العلاء بن اللجلاج، عن أبيه أنه قال لبنيه: "إذا أدخلتموني قبري فضعوني في اللحد، وقولوا: باسم الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسنوا عليّ التراب سناً، واقرؤوا عند رأسي أول البقرة وخاتمتها، فإني رأيت ابن عمر يستحبّ ذلك"[204].

وعبدالرحمن بن العلاء بن اللجلاج سكن الشام، روى عن أبيه، ما روى عنه سوى مبشر بن إسماعيل الحلبي.

قال ابن حجر في التقريب: "مقبول"[205].

قلت: وقد ذكر السقاف في فضل سورة البقرة (ص47) قال: "وعن عبدالرحمن بن العلاء بن اللجلاج عن أبيه قال: قال لي أبي: ((يا بني، إذا أنا مت فألحدني فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم سن علي التراب سناً ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك".

ثُمّ قال في الحاشية: "صحيح. رواه الطبراني في الكبير (19/221) قال الحافظ الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/44): ((ورجاله موثوقون)) وحسّنه شيخنا الإمام المحدِّث سيدي عبدالله ابن الصديق في كتابه ((توضيح البيان لوصول ثواب القرآن)) المطبوع مع ((إتقان الصنعة)) (ص110)، أقول: بل هو حديث صحيح احتج به يحيى بن معين كما في تهذيب الكمال للمزي (22/537-538)، وأحمد بن حنبل وعلي بن موسى الحداد كما روى ذلك الخلال. وفي معناه حديث آخر ضعيف الإسناد إلا أنه حسن بهذا الشاهد وهو ما رواه الطبراني في الكبير (12/444) والبيهقي في شعب الإيمان (7/16) عن سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا مات أحدكم فلا تحبسوه...))". انتهى.

قلت: لا أدري هل السقاف يدري ما الذي يخرج من رأسه؟!! فهو قد أشار إلى حديث عبدالرحمن بن العلاء عن أبيه وأن الذي استحب قراءة فاتحة البقرة وخاتمتها هو ابن عمر، فما باله ينقل هنا في الموضع الثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قال ذلك، ويصححه؟!!

ثُم يفتري ويقول بأن ابن معين احتج به!! وإنما ابن معين ذكر ما قاله العلاء ابن اللجلاج من استحباب ابن عمر لذلك – كما مر نقل روايته -، لا أنه احتج بهذه الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم! وهذا تلبيس وتدليس من السقاف!!

وهذا الحديث رواه عن مبشر بن إسماعيل: محمد بن أبي أسامة الحلبي ودُحيم وعلي ابن بحر، فقالوا فيه: ((ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك)).

وخالفهم ابن معين فقال: ((واقرؤوا عند رأسي أول البقرة وخاتمتها، فإني رأيت ابن عمر يستحبّ ذلك)).

وهذا الذي قاله ابن معين أصح، ومسألة استحباب ابن عمر لذلك لا أظنه يصح عنه، والله أعلم.

3- وذكر في فضل خواتيم سورة البقرة (ص53) قال: "وعن عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال إن الله ختم سورة البقرة بآيتين أعطانيهما من كنزه الذي تحت العرش فتعلموهن وعلموهن نساءكم فإنها صلاة وقرآن ودعاء)) رواه الدارمي والحاكم ورواية الدارمي ليس فيها (وأبناءكم)".

وقال في الحاشية: "حسن. رواه الدارمي في سننه (2/542/3390) والحاكم في المستدرك (1/562) وقال: صحيح على شرط البخاري، والبيهقي في شعب الإيمان (5/410) وهو حديث حسن بشواهد". انتهى.

قلت: رواه الحاكم من طريق عبدالله بن صالح المصري، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر، هكذا متصلاً، وقال: "هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط البخاري ولم يخرجه، وقد رواه عبدالله بن وهب عن معاوية بن صالح مرسلاً".

قال الذهبي في التلخيص: "كذا قال! ومعاوية لم يحتج به البخاري".

قلت: ورواية الدارمي مرسلة، رواها عن معن، عن معاوية بن صالح، عن أبي الزاهرية، عن جبير بن نفير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره.

وهذا تدليس آخر من السقاف، فإن ظاهر تصرفه أن رواية الدارمي موصولة، وليس كذلك!!

والحديث عند البيهقي في الشعب[206]، وقال البيهقي بعد أن رواه: "هذا موصول، ورواه ابن وهب عن معاوية بن صالح فأرسله، لم يذكر فيه أبا ذر فيما بلغنا".

قلت: ورواية ابن وهب عند أبي داود في كتاب ((المراسيل))[207].

فالحديث مرسلٌ ضعيف، فأنّى له الحسن؟!

هذا وقد ثبت فضل خواتيم البقرة عموماً بأحاديث صحيحة، ولله الحمد.

4- ذكر في فضل سورة البقرة (ص45) قال: "وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن لكل شيء سناماً، وسنام القرآن سورة البقرة وفيها آية سيدة آي القرآن، آية الكرسي، لا تقرأ في بيت وفيه شيطان إلا خرج)). رواه عبدالرزاق".

وقال في الحاشية: "صحيح. رواه الحافظ عبدالرزاق في المصنف (3/376/6019) والحاكم في المستدرك (2/259) وقال المنذري في الترغيب (2/370): ((ورواه الحاكم... وقال صحيح الإسناد))". انتهى.

قلت: رواه الترمذي في ((الجامع))[208] من طريق حسين الجعفي، عن زائدة، عن حكيم بن جبير، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لكلِّ شيء سنام، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وفيها آية هي سيدة آي القرآن، هي آية الكرسي)).

قال أبو عيسى: "هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث حكيم بن جبير، وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير وضعفه".

ثُمّ ما فائدة نقل قول الحاكم من كتاب المنذري، وهو في المستدرك؟!! وقد رواه الحاكم[209] من طريق معاوية بن عمرو، عن زائدة، به.

وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".

قلت: الحديث رفعه منكر! وأصله من قول عبدالله بن مسعود.

رواه الدارمي[210] من طريق حماد بن سلمة، عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي الأحوص، عن عبدالله أنه قال: ((إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن سورة البقرة، وإن لكل شيء لباباً، وإن لباب القرآن المفصل)).

 

· المطلب الحادي عشر: نسبته موافقة الذهبي للحاكم في أحكامه:

هذه المسألة لم يتبعها السقاف وحده، وإنما تبعها كثير من المتأخرين والمعاصرين، فإنهم إذا وجدوا الذهبي لم يتعقّب الحاكم في التلخيص، فإنهم يقولون: "ووافقه الذهبي"!

وهذا الكلام غير صحيح؛ فإن الذهبي هو ملخص فقط للكتاب، فإذا عَرَض له أثناء التلخيص حال بعض الرواة إن وجد نكارة في متن فإنه يتعقب الحاكم بتصحيحه، وعدم كلامه على كثير من الأحاديث لا يعني أنه يوافق الحاكم في أحكامه، وهو نفسه صرّح في السير في ترجمة الحاكم وهو يتحدّث عن المستدرك: "وبكلّ حالٍ فهو كتابٌ مفيدٌ قد اختصرته، ويعوز عملاً وتحريراً"[211].

قلت: فها هو قد أشار إلى مختصره ولم يقل بأنه حرره أو أن ما سكت عليه فهو كما قال الحاكم، وإنما قال بأنه يحتاج إلى تحرير.

وقد ذكر السقاف في (ص103-104) حديثاً يروى عن ابن عباس قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رأيتني الليلة وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت فسجدت الشجرة...).

قال السقاف في الحاشية: "حسن في الفضائل. وهذا الذي أخرجه الترمذي رواه ابن خزيمة في صحيحه (1/283) وابن حبان (6/473) والحاكم في المستدرك (1/219-220) وصححه، وقال الذهبي في تلخيص المستدرك هناك: ((صحيح ما في رواته مجروح))، والتحقيق أن هذا الحديث ضعيف الإسناد لأن فيه مجهول وهو: حسن بن محمد بن عبيدالله بن أبي يزيد، قال العقيلي في الضعفاء (1/243): ((لا يتابع على حديثه ولا يُعرف إلا به))، ومع ذلك يجوز تحسين أمثال هذه الأحاديث في الفضائل والعمل بها جزماً. ولذا قال الترمذي في الموضع الأول (579): ((حسن غريب))".

قلت: الذهبي لم يقل هذا، وإنما هو ملخِصٌ لكلام الحاكم الذي لم يذكره السقاف. فإن الحاكم قال: "هذا حديث صحيح، رواته مكيون، لم يذكر واحد منهم بجرح، وهو من شرط الصحيح ولم يخرجاه".

فلخّص الذهبي هذا الكلام بقوله: "صحيح ما في رواته مجروح"، فكيف يُنسب هذا الحكم للذهبي؟!

والأدلة على عدم موافقة الذهبي للحاكم في أحكامه كثيرة ليس هذا مكان بسطتها.

 

وبعد فإنّ السقاف قد مشى في كتابه هذا على نهج الحديث الموضوع في فضائل كلّ سورة الذي وضعه أبو عصمة نوح بن أبي مريم!! قال الحاكم: "وضع أبو عصمة حديث فضائل القرآن الطويل".

فقد ذكر السقاف فضل (92) سورة من سور القرآن الكريم، فهو عملياً قد ذكر فضلاً لكلّ سورة خلا (22) سورة، فلو أننا حذفنا التكرار الذي عنده، وكذلك الأحاديث الضعيفة التي ذكرها في الكتاب وهي معلولة، وكذلك الأحاديث الصحيحة التي لا تدل على فضل بعض السور كما فهمه، لرجع حجم الكتاب إلى ما ذكره أهل العلم في الفضائل التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يثبت أن كتابه هذا لا قيمة له أبداً، بل هو نموذج (للعقل المتخلّف) الذي تعاني منه الأمة، ونموذج (للورم السرطاني) الذي نخر في جسد الأمة، نسأل الله العفو والعافية، وهو حسبنا ونِعم الوكيل.

والقرآن كلّه فضل، وما جاء فيه بعض سوره أو بعض آياته من فضل إنما هو لنفع العباد كآيات الرقية، وآيات فضل الذكر وغير ذلك، وبهذا كلّه يكون كلام أهل النقد في محلّه لا كما قال السقاف تبعاً للسيوطي.

قال ابن القيّم في كتاب ((المنار المُنيف في معرفة الصحيح والضعيف))[212] تحت عنوان (فصل في أحاديث فضائل سور القرآن): "ومنها ذكر فضائل السور وثواب من قرأ سورة كذا فله أجر كذا من أول القرآن إلى آخره، كما ذكر ذلك الثعلبي والواحدي في أول كلّ سورة والزمخشري في آخرها. قال عبدالله بن المبارك أظن الزنادقة وضعوها. والذي صحّ في أحاديث السور حديث فاتحة الكتاب، وأنه لم ينـزل في التوراة ولا في الانجيل ولا في الزبور مثلها، وحديث البقرة و آل عمران أنهما الزهراوان، وحديث آية الكرسي وأنها سيدة القرآن، وحديث الآيتين من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه، وحديث سورة البقرة لا تقرأ في بيت فيقربه شيطان، وحديث العشر آيات من أول سورة الكهف من قرأها عصم من فتنة الدجال، وحديث قل هو الله أحد وأنها تعدل ثلث القرآن، ولم يصح في فضائل سورة ما صح فيها، وحديث المعوذتين وأنه ما تعوذ المتعوذون بمثلهما، وقوله صلى الله عليه وسلم: أنزل عليّ آيات لم ير مثلهن ثم قرأهما، ويلي هذه الأحاديث وهي دونها في الصحة حديث: إذا زلزلت تعدل نصف القرآن، وحديث قل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن، وحديث تبارك الذي بيده الملك هي المنجية من عذاب القبر، ثم سائر الأحاديث بعد كقوله: من قرأ سورة كذا أعطي ثواب كذا فموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد اعترف بوضعها واضعها، وقال: قصدت أن أشغل الناس بالقرآن عن غيره، وقال بعض جهلاء الوضاعين في هذا النوع: نحن نكذب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نكذب عليه، ولم يعلم هذا الجاهل أنه من قال عليه ما لم يقل فقد كذب عليه واستحق الوعيد الشديد".

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

 

وكتب: د. خالد بن محمود الحايك.

يوم عرفة 9 ذي الحجة 1429هـ.

الحواشي:

[1] سيكون منهجي في الكتاب كلّه أنه حيثما قلت: قال السقاف، ثم آتي بكلامه، فهو كما نقلته من كتابه دون تغيير فيه أو ضبطه أو غير ذلك؛ وذلك ليعلم القارئ لغة هذا المصنف، ومدى دقة ضبطه لكتاب في الحديث!!

[2] أبجد العلوم: (2/399).

[3] كشف الظنون: (2/1277).

[4] مجمع الزوائد: (7/161).

[5] هكذا هي في مواضع كثيرة من كتاب السقاف: "أنظر" بهمزة القطع، وهو خطأ فاحش! وقد نقلتها كما هي حتى يعلم أنه لا يفرّق بين همزة القطع وهمزة الوصل، والله المستعان.

[6] كشف الظنون: (1/239).

[7] كشف الظنون: (1/736).

[8] لسان الميزان: (2/234).

[9] لسان الميزان: (3/95).

[10] كشف الظنون: (2/1560).

[11] تخريج الأحاديث والآثار: (4/344).

[12] التحبير في المعجم الكبير: (1/568).

[13] فهرسة ابن خَير: (ص71).

[14] كشف الظنون: (2/1827).

[15] ثُمّ السؤال هنا: ما صلة هذا الحديث بفضائل السور؟ فهو حديث في آلية تقسيم النبيّ صلى الله عليه وسلم السور على ركعات عدّة، ولو قلنا إن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم لسورة من القرآن دليل على أن لها فضل، فهذا يشمل كل القرآن، فقد قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كله، وعلمه أصحابه.

[16] العلل المتناهية: (1/111).

[17] المسند: (6/72، 82).

[18] تفسير ابن كثير: (1/36).

[19] مسند إسحاق بن راهويه: (2/332).

[20] مسند أحمد: (6/36).

[21] فيض القدير: (6/41).

[22] مسند إسحاق بن راهويه: (2/288).

[23] صحيح البخاري، باب فضل سورة الفتح، (4/1915).

[24] صحيح البخاري، باب فضل سورة البقرة، (4/1914).

[25] جامع الترمذي، باب ما جاء في السجدة في الحج، (2/471).

[26] مسند أحمد: (4/151، 155). سنن أبي داود، باب تفريع أبواب السجود وكم سجدة في القرآن، (2/58).

[27] التلخيص الحبير: (2/9).

[28] أخرجه أبو نُعيم في ((الحلية)) (7/144).

[29] صحيح البخاري: (4/1842).

[30] مسند أحمد: (1/388).

[31] فتح الباري: (2/552).

[32] صحيح مسلم: (1/337).

[33] طبقات المحدثين بأصبهان: (2/160).

[34] تاريخ أصبهان: (2/8).

[35] آثرت ضبط الحديث وإلا فهو ليس مضبوطاً في كتاب السقاف، وسيأتي ضبط بعض الأحاديث الأخرى لاحقاً إن شاء الله.

[36] تفسير ابن كثير: (4/531).

[37] تحفة الأحوذي: (9/198).

[38] المعجم الكبير: (3/89).

[39] الدر المنثور: (8/569).

[40] تهذيب التهذيب: (11/363).

[41] الثقات: (7/634).

[42] المستدرك: (3/186).

[43] الضعفاء: (2/175).

[44] سير أعلام النبلاء: (3/147).

[45] شعب الإيمان: (6/501).

[46] مصنف ابن أبي شيبة: (5/245).

[47] العلل: (4/122).

[48] المعجم الأوسط: (6/91).

[49] العلل: (8/235).

[50] مصنف ابن أبي شيبة: (6/139).

[51] حلية الأولياء: (3/299).

[52] المعجم الصغير: (1/336).

[53] المختارة: (7/196).

[54] المعجم الكبير: (20/154).

[55] الضعفاء: (4/323).

[56] ميزان الاعتدال: (7/147).

[57] لسان الميزان: (6/235).

[58] فتح الباري: (11/55).

[59] المعجم الكبير: (20/159).

[60] تفسير ابن كثير: (1/35).

[61] تاريخ دمشق: (36/149)، (57/186).

[62] تفسير ابن كثير: (2/406).

[63] تاريخ دمشق: (57/186).

[64] السنن الكبرى: (2/277).

[65] تاريخ دمشق: (8/214).

[66] هدي الساري: (ص389).

[67] تقريب التهذيب: (ص100).

[68] انظر: المعجم الكبير للطبراني: (24/178).

[69] جامع الترمذي: (5/261).

[70] المستدرك: (2/340).

[71] السنن الكبرى: (5/227).

[72] فيض القدير: (3/255).

[73] التاريخ الكبير: (6/462).

[74] الجرح والتعديل: (6/338).

[75] علل الحديث: (1/279).

[76] العلل: (10/364).

[77] سنن سعيد بن منصور: (2/285). ورواه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/553) من طريق سعيد بن منصور. قال البيهقي: "هذا مرسل".

[78] الضعفاء: (4/405). ورواه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (7/150)، وقال: "لم يرو هذا الحديث عن سلمة ابن كهيل إلا ابنه يحيى. تفرد به إسماعيل بن صبيح".

[79] الجرح والتعديل: (9/154).

[80] الضعفاء: (ص108).

[81] تهذيب التهذيب: (11/196).

[82] التاريخ الكبير: (8/277).

[83] كتاب المجروحين: (3/112).

[84] شعب الإيمان: (2/484).

[85] انظر: مجمع الزوائد: (4/107)، (5/128)، (5/234)، (5/320)، (8/59)، (9/80)، (10/397).

[86] الجرح والتعديل: (9/58).

[87] سنن الدارمي: (2/548).

[88] الدر المنثور: (7/397).

[89] صحيح ابن حبان: (6/312).

[90] أطراف الغرائب والأفراد: (5/159).

[91] شعب الإيمان: (2/480).

[92] سنن الدارمي: (2/549).

[93] الضعفاء: (1/202).

[94] مسند أحمد: (3/221).

[95] مجمع الزوائد: (7/147).

[96] ميزان الاعتدال: (3/275).

[97] الجرح والتعديل: (4/174).

[98] كتاب المجروحين: (1/336).

[99] ميزان الاعتدال: (3/275).

[100] انظر: الأدب المفرد: (ص223، 336).

[101] التمييز: (ص194).

[102] انظر: الكامل: (3/333)، كتاب المجروحين: (1/336)، سير أعلام النبلاء: (18/516).

[103] المستدرك: (1/684).

[104] تاريخ دمشق: (48/127).

[105] تاريخ ابن معين (رواية الدوري): (4/420).

[106] انظر: تهذيب النهذيب: (8/290).

[107] المستدرك: (1/717)، (2/425).

[108] السنن الكبرى: (1/450).

[109] جامع الترمذي: (5/326).

[110] الكامل: (7/174).

[111] الضعفاء: (4/460).

[112] التلخيص الحبير: (2/104).

[113] الإصابة: (5/324).

[114] مجمع الزوائد: (2/322).

[115] المغني في الضعفاء: (1/36).

[116] لسان الميزان: (1/153).

[117] ميزان الاعتدال: (7/380).

[118] العلل المتناهية: (1/112).

[119] إنباء الغُمر: (5/260).

[120] الضوء اللامع: (5/202).

[121] مسند أحمد: (2/406).

[122] صحيح ابن حبان: (3/45).

[123] صحيح مسلم: (4/2074).

[124] صحيح ابن حبان: (3/136).

[125] تحفة الأشراف: (9/373).

[126] جامع الترمذي: (5/459).

[127] مسند أبي يعلى: (11/18).

[128] مصنف ابن أبي شيبة: (6/60).

[129] سنن ابن ماجه: (2/1245).

[130] سنن الدارمي: (1/113).

[131] مصنف ابن أبي شيبة: (6/156).

[132] جامع العلوم والحِكم: (1/344).

[133] جامع العلوم والحكم: (1/346).

[134] فتح الباري: (13/356).

[135] سنن أبي داود: (4/259).

[136] الضعفاء: (1/160).

[137] صحيح البخاري: (4/1917).

[138] صحيح البخاري: (2/741).

[139] الإصابة: (1/97).

[140] تهذيب التهذيب: (1/319).

[141] الإصابة: (3/393).

[142] مجمع الزوائد: (7/52).

[143] فيض القدير: (1/62).

[144] مسند أحمد: (3/439).

[145] كتاب الدعاء: (ص492).

[146] مجمع الزوائد: (7/52).

[147] مجمع الزوائد: (10/96).

[148] مجمع الزوائد: (1/278).

[149] مجمع الزوائد: (1/287).

[150] مجمع الزوائد: (2/251)، (7/270).

[151] تهذيب التهذيب: (11/367).

[152] المستدرك: (4/351).

[153] شعب الإيمان: (5/361).

[154] الكامل: (7/153).

[155] كتاب المجروحين: (3/135).

[156] المعجم الصغير: (1/145).

[157] حلية الأولياء: (2/331).

[158] تفسير عبدالرزاق: (2/203).

[159] المعجم الأوسط: (6/292).

[160] مجمع الزوائد: (1/57).

[161] مجمع الزوائد: (1/124).

[162] انظر: مقدمة صحيح مسلم: (1/19).

[163] الجرح والتعديل: (3/78).

[164] الكامل: (2/186).

[165] كتاب المجروحين: (1/222).

[166] السنن الكبرى: (6/267).

[167] أحوال الرّجال: (ص43).

[168] هدي الساري: (ص19).

[169] مسند أحمد: (3/406)، والسنن الكبرى للنسائي: (1/172).

[170] التاريخ الكبير: (2/183).

[171] العلل ومعرفة الرجال: (3/50).

[172] الجرح والتعديل: (2/472).

[173] ميزان الاعتدال: (2/98)، تهذيب التهذيب: (2/32).

[174] مجمع الزوائد: (7/136).

[175] كتاب المجروحين: (1/205).

[176] مسند أحمد: (1/96).

[177] مسند البزار: (3/27).

[178] تاريخ ابن معين (رواية الدوري): (4/75).

[179] التاريخ الكبير: (8/425).

[180] الجرح والتعديل: (9/311).

[181] الضعفاء: (ص112).

[182] الكامل: (7/180).

[183] ميزان الاعتدال: (2/241).

[184] الدر المنثور: (8/599).

[185] مصنف عبدالرزاق: (3/372).

[186] تاريخ بغداد: (9/54).

[187] المحدِّث الفاصل: (ص187).

[188] المعجم الكبير: (4/130).

[189] المعجم الكبير: (5/125).

[190] مجمع الزوائد: (2/118).

[191] المعجم الكبير: (4/131).

[192] المعجم الكبير: (5/125).

[193] السنن الكبرى للنسائي: (1/447-453)، (6/183-186).

[194] السنن الكبرى للبيهقي: (3/39-41).

[195] تاريخ دمشق: (51/252).

[196] تحفة الأشراف: (5/91).

[197] ميزان الاعتدال: (6/34).

[198] تاريخ دمشق: (51/250).

[199] ميزان الاعتدال: (3/301).

[200] النكت الظراف المطبوع بهامش تحفة الأشراف: (5/91).

[201] الجرح والتعديل: (7/185).

[202] مجمع الزوائد: (3/44).

[203] مجمع الزوائد: (2/184).

[204] السنن الكبرى: (4/56).

[205] تقريب التهذيب: (ص348).

[206] شعب الإيمان: (2/461).

[207] المراسيل: (ص120).

[208] جامع الترمذي: (5/157).

[209] المستدرك: (2/285).

[210] سنن الدارمي: (2/539).

[211] سير أعلام النبلاء: (17/176).

[212] المنار المنيف: (ص102).

*تنبيه!

لما طُبع هذا الكتاب "الجامع لفضائل القرآن الكريم"، من جمع: "حسن السقاف"، قام الناشر "مؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي" بتوزيعه على أقسام السنة في كليات الشريعة، وعلى بعض أئمة المساجد التابعة لوزارة الأوقاف من أجل جمع ملاحظاتهم عليه!

فرأيت تهافت بعض "دكاترة الحديث" في كلية الشريعة في الجامعة الأردنية لمراجعته لكتابة الملاحظات عليه ليحظوا ببعض المكانة عند من دعم الكتاب وطبعه!!

وهو كتاب لا يستحق الردّ؛ لأن صاحبه لا يفقه شيئاً في هذا العلم الشريف، ولكن اضطررت للرد عليه لما رأيت الدكاترة الذين راجعوه للرفع من شأنه! وكذلك "تحرير" بشار معروف له!!

وقبل أن أنشره زرت د. بشار معروف في "قصره" في منطقة "ناعور" أنا وصديق لي.. وأثناء الزيارة قلت له: كيف تُقدم لهذا السفيه السقاف في كتابه الضعيف وهو يتوعدك في الكتاب نفسه؟!!!

وأخبرته بأني رددت على هذا الكتاب وسأنشره قريباً، فجنّ جنونه! فقال لي: "لو أنك تنبه على أنه ربما ضُغط على الدكتور للتقديم له"! أو نحو هذا الكلام! و"أنت تعرف وضعنا" - يعني أنه عراقي ولا يستطيع مخالفة ما يُطلب منه-!!

وكنت أحسن الظن به! فارتأيت أن لا أذكره في الكتاب احتراماً له، مع أنه كان يستطيع رفض التقديم للسقاف! لكنه يُحبّ المال حبّاً جماً! وطاعته لمن يعطيه المال ويوظفه!! فقد كانت له مكانة مرموقة في الأردن حتى فُتح له مكتب دراسات في الجامعة الأردنية! ثم صار يدرّس في الجامعة العالمية الإسلامية طلبة الدراسات العليا، وأُعطي الجنسية الأردنية!! ومن قبل كان مقرباً من طاغوت البعث صدام حسين حتى عينه رئيساً لجامعة "صدام للعلوم الإسلامية" عند تأسيسها..!!! ولا زال يثني عليه بأعطر العبارات!!

وبشار هذا لا شأن له بالحديث، وهو دخيل عليه!

ولو فتح باب نقد تحقيقات بشار عواد التي عظمها ومدحها بجهل في حقيقتها كثير من المعاصرين وتمت محاكمتها علميا للزمنا إفراد مصنف مستقل، ولكن يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.

وبالله التوفيق.

شاركنا تعليقك