الموقع الرسمي للشيخ الدكتور خالد الحايك

ظاهرة التأليف والتحقيق.. إلى أين؟!

ظاهرة التأليف والتحقيق.. إلى أين؟!

بقلم: د. خالد الحايك.

 

بين الفينة والأخرى أقوم بجولةٍ في المكتبات لأطلع على جديد ما طُبع من الكتب الإسلامية، وكلّ مرة أزور فيها سوق المكتبات يزداد تعجبي من كثرة الكتب التي تُطبع وتُنشر في الأسواق، سواءً أكانت مؤلفات جديدة أم إعادة طباعة لكتب قد نُشرت من قبل!

والسؤال الذي يلقي بظلاله في كلّ مرة: ما هي فائدة هذه الكتب التي تُطبع وتثقل رفوف المكتبات وجيوب طلبة العلم؟! لقد ذكر أهل العلم أسباباً سبعة للتصنيف تنحصر في الإبداع والإتيان بشيء جديد، أو تلخيص واختصار كتاب، أو حلّ إشكالات كتاب أو شرحه، وغير ذلك.

وأما زماننا الذي نعيش فيه فطمّت فيه الفوضى وعمّت في التأليف والتحقيق. نعم، هناك كتب جيدة فيها سمة الجِدة ولكنها قليلة، وأغلب ما يُطبع إنما هو جمع، أو ما يسمى الآن بـ: ((القص واللزق)).

أعطاني أحدهم عدّة كتب لبعض طلبة العلم، فنظرت فيها، فإذا هي عبارة عن قص ولزق، ولا يوجد أدنى جهد فيها، فأخبرته بذلك، وهو بدوره أخبر ذلك الأخ، فما كان منه إلا أن امتنع عن هذه الأفعال التي يقوم بها؛ لأنه أدرك أن الناس ليسوا أغبياء، وأن لديهم عقولاً يزنون الأمور بها، وهكذا ينبغي أن يُنظر إلى هذه الفوضى العارمة التي استشرت في جسد الأمة.

لا يمضي زمان علينا حتى يخرج إلينا كتاب في التراث بتحقيق بعض من يُشار إليه بالبنان، مع أنه كان قد حُقّق من بعض الأفاضل - بالاستعانة بفريقه الذي يعمل معه -، فإذا نظرت إلى كلا التحقيقين لم تجد بينهما فرق كبير! فلا أدري لِمَ هذا التكرار الذي يأكل جهد طلبة العلم!

وكذلك هناك كتب كثيرة مشهورة قد طبعت مرات ومرات، ولا أدري لم يُعاد صفُّها وطباعتها!

هذا وغيره مما تعاني منه المكتبة الإسلامية على مستوى التأليف والتحقيق سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أم على المستوى الأكاديمي ضمن برامج الدراسات العليا في الجامعات!

وأنا لا أنفي وجود مؤلفات أو تحقيقات أو رسائل علمية جيدة، وإنما أنا أتحدث عن ظاهرة أرهقت المكتبة الإسلامية وأضعفتها، وجعلت الناس في حيرة، ماذا يشترون وماذا يقرأون؟

هذا بالإضافة إلى انتشار "السرقات العلمية"، فهناك عصابات متخصصة في سرقة جهود الآخرين وأكل الحرام من ورائها!

إن العمل العلمي ينبغي أن يُنظر إليه من زوايا ثلاث:

الأولى: المُصنِّف أو المؤلِّف: إن معرفة المؤلف وشهرته بين الناس بالتقوى والعلم تكسب القارئ الثقة فيما يكتب، ولذلك إذا وقع نظر طالب العلم على كتاب جديد له، فإنه لا يتوانى لحظة في اقتنائه؛ لثقته بمؤلفه، إلا ما عُرف من بعض المشهورين الذين يُشار إليهم بالبنان في سرقة كتب أهل العلم، والله المستعان، فهؤلاء لا تروج بضاعتهم إلا على الجهّال من الطلبة.

قال أبو المعالي شهاب الدين المرعشي في تقدمته لكتاب حاجي خليفة: "إن من أهم ما يعين المستفيد، ويريح قلبه ولبّه: معرفة مؤلف الكتاب، والعلم بناسقه ومرصِّفه، ومن ثم ترى أنهم عدّوها من الرؤوس الثمانية، وقالوا: إن المتعلم في مبادئ أمره إن عرف الناسق استراح خاطره، وتهيأ ضميره لقبول كلماته على نحو الأصول الموضوعة لا المصادرات والحال جلية ثابتة بحكم التجربة غير محتاجة إلى إقامة الدليل، وتلفيقه من هنا وهنا" ا.هـ.

الثانية: المُؤلَّف: معرفة اسم الكتاب وما يحويه لا شك أنها تمكّن القارئ من معرفة القيمة العلمية للكتاب، وكم من كتاب يروج على الناس وهو حقيقة لا قيمة له ألبتة، وإنما هو مأخوذ من كتب عدة. فكم من كتاب – مثلاً – صُنّف في الأذكار، ما بين مطول ومقصّر!

الثالثة: دار النشر: لقد انتشرت دور النشر في العالم انتشار النار في الهشيم، وكثير منها إنما همهم التجارة فقط، بعكس ما كانت عليه دور النشر قديماً والتي كان يملكها أهل العلم ويبذلون الغالي والنفيس في إخراج الكتب وخدمتها.

وأكثر هذه الدور الآن لا يهمها إلا جمع المال، بسرقة كتب قد طبعتها دور نشر أخرى ووضع عليها أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، فتعيد صفّ الكتب وتزيدها مسخاً فوق مسخها، والله المستعان. ويدخل فيها ما اتخذته بعض دور النشر من إخراج الكتاب ذي المجلدات الكثيرة في مجلد واحد.

وهناك دور نشر تبيع الكتب بأسعار رخيصة، ولكن طبعاتها سيئة جداً مما زاد في حجم الكتب التي تعجّ بها المكتبات الإسلامية.

فظاهرة التأليف والتحقيق المنفلت ينبغي أن يُحذر منها أهل العلم الموثوق بهم، لا من يدعيه من السرّاق الذين يقتاتون على جهود الآخرين.

نشرت في جريدة السبيل: 6/8/2009م.

شاركنا تعليقك